عرض مشاركة واحدة
  #174  
قديم 04-02-2015, 08:39 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

تاسعًا: المسلم يقع في الإثم ولكنه يسارع في التوبة:
أرسل بنو قريظة إلى أبي لبابة بن عبد المنذر -وكانوا حلفاءه- فاستشاروه في النزول على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأشار إلى حلقه يعني ال***، ثم ندم فتوجه إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فارتبط به حتى تاب الله عليه، وقد ظل مرتبطًا بالجذع في المسجد ست ليالٍ تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله للصلاة ثم يعود فيرتبط في الجذع([31])، وقد قال أبو لبابة: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله عليَّ مما صنعت: قالت أم سلمة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر وهو يضحك فقلت: مم تضحك يا رسول الله؟ أضحك الله سنك. قال: تيب على أبي لبابة، قالت: قلت: أفلا أبشره يا رسول الله؟ قال: بلى إن شئتِ، فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب، فقالت: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك قالت: فثار الناس ليطلقوه فقال: لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده. فلما مر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجًا إلى صلاة الصبح أطلقه([32]). وذلك في الاعتراف بالذنب والتوبة النصوح، وإن موطن العبرة في هذا الموقف يكمن في تصرف أبي لبابة بعدما وقعت منه هذه الزلة التي أفشى بها سرًّا حربيًّا خطيرًا، فأبو لبابة لم يحاول التكتم على ما بدر منه والظهور أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بمظهر الرجل الذي أدى مهمته بنجاح, وأنه لم يحصل منه شيء من المخالفات، وكان بإمكانه أن يخفي هذا الأمر حيث لم يطلع عليه أحد من المسلمين، وأن يستكتم اليهود أمره، ولكنه تذكر رقابة الله عليه وعلمه بما يسر ويعلن، وتذكر حق رسول الله صلى الله عليه وسلم العظيم عليه وهو الذي ائتمنه على ذلك السر، ففزع لهذه الزلة فزعًا عظيمًا([33])، وأقر بذنبه واعترف به وبادر إلى العقوبة الذاتية التلقائية، دون انتظار التحقيق وتوقيع العقوبة الواجبة، إنها صورة تطبيقية لقوله تعالى: ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا )[النساء: 17].
إنها صورة فريدة لتوقيع العقوبة من الإنسان نفسه على نفسه... ولا يفعل ذلك إلا أهل الإيمان، وما ذلك إلا من آثار الإيمان العميق الراسخ، الذي لا يرضى لصاحبه أن يخالطه إثم أو فسوق. وقد فرح الصحابة وفرح النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، بتوبة الله على أبي لبابة، وتسابقوا إلى تهنئته حتى كانت أم سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم هي التي بادرت بالتهنئة بعد الإذن فبشرته
بقبول الله توبته([34]). وقد أنزل الله تعالى في أبي لبابة قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )[الأنفال: 27]. ونزل في توبته قوله تعالى: ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[التوبة: 102]([35]).

عاشرًا: من فضائل سعد بن معاذ t:
ظهرت لسعد بن معاذ t في هذه الغزوة فضائل كثيرة تدل على فضله ومنزلته عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم منها:
* استجابة الله تعالى لدعائه عندما قال: (اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليَّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك صلى الله عليه وسلم وأخرجوه، اللهم فإن بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك)، وقد استجيب دعاؤه فتحجر جرحه، وتماثل للشفاء([36]) حتى كانت غزوة بني قريظة، وكان سعد قد دعا أيضًا: (ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة([37])، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إليه، فحكم فيهم بالحق ولم تأخذه في الله لومة لائم, وهذا دليل على تجرد قلبه لله تعالى([38]).
* ومن إكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله للأنصار عندما جاء سعد للحكم في بني قريظة: «قوموا إلى سيدكم»([39]). وهذا تكريم لسعد، وتقدير لشجاعته حيث سماه سيدًا، وأمر بالقيام له([40]).
* وعندما نفذ حكم الله في يهود بني قريظة رفع سعد يده يدعو الله ثانية يقول: اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم (يعني قريشًا والمشركين), فإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل موتي فيها([41]), وقد استجيب دعاؤه فانفجر جرحه تلك الليلة ومات رحمه الله([42]). ومن خلال دعائه الأول والثاني، نلحظ هذا الدعاء العجيب، دعاء العظماء الذين يعرفون أن رسالتهم في الحياة ليست الاستشهاد فقط، بل متابعة الجهاد إلى اللحظة الأخيرة، فهو المسؤول عن نصرة الإسلام في قومه وأمته([43]).
* ونرى من سيرته أنه لو أقسم على الله لأبره، فهو وجيه في السماوات والأرض، فقد شاءت إرادة المولى تعالى أن يعيد الأمر في بني قريظة كله إليه، وأن يطلب بنو قريظة أن يكون الحكم فيهم لسعد بن معاذ.
* إنه لم يحرص كثيرًا على الحياة، بعد انتهاء الجهاد، وانتهاء المسئولية وتأدية الأمانة المناطة به في قيادة قومه لحرب الأحمر والأسود من الناس، فإذا انتهت الحروب ووضعت بين المسلمين وقريش, وشفى غيظ قلبه في الحكم في بني قريظة، وبدا قطف الثمار للإسلام فلا ثمرة أشهى من الشهادة (فافجر جرحى واجعل موتي فيه)([44]).وقد تحققت آماله، فقد أصدر حكمه في بني قريظة وشهد مصرع حلفاء الأمس أعداء اليوم، وها هو جرحه ينفجر([45]). وعندما انفجر جرحه نقله قومه فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: انطلقوا فخرج وخرج معه الصحابة، وأسرع حتى تقطعت شسوع نعالهم، وسقطت أرديتهم، فقال: إني أخاف أن تسبقنا الملائكة فتغسله كما غسلت حنظلة، فانتهى إلى البيت وهو يغسل، وأمه تبكيه وتقول:
ويل أم سعد سعدًا حزامــــة وجــــــدًّا
فقال: كل نائحة تكذب إلا أم سعد، ثم خرج به, وقال: يقول له القوم: ما حملنا يا رسول الله ميتًا أخف علينا منه قال: «وما يمنعه أن يخف؟ وقد هبط من الملائكة كذا وكذا لم يهبطوا قط قبل يومهم قد حملوه معكم»([46]).
وقد جاء في النسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما عدد الملائكة الذين شاركوا في تشييع جنازة سعد فقد قال صلى الله عليه وسلم: «هذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش، وفُتحت أبواب السماء، وشهده سبعون ألفًا من الملائكة, لم ينزلوا إلى الأرض قبل ذلك، لقد ضم ضمة ثم أفرج عنه»([47]) يعني سعدًا.
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع سعدًا كما روى عبد الله بن شداد: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكيد نفسه فقال: «جزاك الله خيرًا من سيد قوم، فقد أنجزت ما وعدته، ولينجزك الله ما وعدك»([48]).
* لقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على هذا العبد الصالح بعد موته كثيرًا أمام الصحابة ليتعرف الناس على أعماله الصالحة فيتأسوا به([49])، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ»([50]) وفي حديث البراء بن عازب t قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة حرير فجعل أصحابه يلمسونه ويعجبون من لينها، فقال: «أتعجبون من لين هذه؟ لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها وألين»([51]).
ومع كل هذه المآثر والمحاسن والأعمال الجليلة التي قدمها لخدمة دين الله، فقد تعرض لضمة القبر: لما انتهوا إلى قبر سعد t نزل فيه أربعة: الحارث بن أوس، وأسيد بن الحضير، وأبو نائلة سلكان، وسلمة بن سلامة بن وقش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف، فلما وضع في قبره، تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبح ثلاثًا، فسبح المسلمون حتى ارتج البقيع ثم كبَّر ثلاثًا، وكبَّر المسلمون، فسئل عن ذلك فقال: «تضايق على صاحبكم القبر، وضم ضمة لو نجا منها أحد لنجا هو، ثم فرج الله عنه»([52]).
إن هذا الصحابي الجليل قد استُشهد وهو في ريعان شبابه، فقد كان في السابعة والثلاثين من عمره، يوم وافته منيته، وهذا يعني أنه قاد قومه إلى الإسلام وهو في الثلاثين من عمره، فقد كانت هذه السيادة في العشرينيات من عمره، وقبل أن يكون على مشارف الثلاثين، وإنما تنفجر الطاقات الكامنة والمواهب بعد سن الأربعين التي هي غاية الرشد قال تعالى: ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )[الأحقاف: 15]. فأي طراز هذا الذي حفل تاريخه بهذه المآثر، واستبشر أهل السماوات بقدومه, واهتز عرش الرحمن فرحًا لوفاته، من دون خلق الله أجمعين([53]). كان سعد بن معاذ، رجلا أبيض، طوالاً، جميلاً، حسن الوجه، أعين، حسن اللحية([54]), رحمة الله عليه ورضي عنه، وأعلى ذكره في المصلحين.
حادي عشر: م*** حيي بن أخطب وكعب بن أسد:
1- م*** حيي بن أخطب النضري:
روى عبد الرزاق في مصنفه بالسند إلى سعيد بن المسيب، فذكر بعض خبر الأحزاب وقريظة إلى أن قال: فلما فض الله جموع الأحزاب انطلق -يعني حيي- حتى إذا كان بالروحاء ذكر العهد والميثاق الذي أعطاهم، فرجع حتى دخل معهم، فلما أقبلت بنو قريظة أتي به مكتوفًا بعد، فقال حيي للنبي صلى الله عليه وسلم: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يُخذل، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فضربت عنقه([55]). ثم أنه أقبل على الناس قبل تنفيذ حكم الإعدام وقال لهم: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر الله، كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه([56]).
وفي م*** حيي بن أخطب دروس وعبر منها:
أ- لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله: فقد ألَّب القبائل العربية واليهودية على محاربة الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم, وأقنع بني قريظة بضرورة نقض العهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم وطعْنه من الخلف، فجعل الله كيده في نحره وكبته، وفي النهاية قادته محاولاته إلى حتفه. إن الله لا يهمل الظالمين، ولكن يمهلهم ويستدرجهم حتى إذا أخذهم أخذهم أخذ عزيز مقتدر، فكان أخذه أليمًا شديدًا
قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته»([57]) ثم تلا قوله تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )[هود: 102].

ب- التجلد في مواطن الشدة: لقد تجلد حيي وتقدم لتضرب عنقه حتى لا يشمت فيه شامت, وهو يعرف أنه على باطل، ظالم لنفسه، قد أوردها موارد الهلاك، ومع هذا يموت على ذلك، والعزة بالإثم تأخذه إلى جهنم وبئس المصير؛ لأنه يعبد هواه، ولا يعبد ربه, قال تعالى: ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ )[الجاثية: 23].
ج- من يخذل الله يخذل: إن الله تعالى إذا خذل أحدًا ليس له نصير يمنعه أو يدفع عنه، قال سبحانه: ( إِن يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )[آل عمران: 160].
كما أن عداوة حيي للرسول صلى الله عليه وسلم باعثها الحسد والحقد؛ ولذلك عبر حيي صراحة أن الله لم يكن معه يومًا من الأيام، بل كان حيي في شق الشيطان عدوًّا لأولياء الرحمن، يشاقق الله، فالله خاذله ومُسْلِمه لكل ما يؤذيه ويتعبه، ولا توجد قوة في الأرض ولا في السماء تنصره وتحول بينه وبين الهزيمة؛ لأن إرادة الله هي النافذة, وقدره هو الكائن، لا رادَّ لقضائه، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء([58]). قال تعالى: ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )[الأنعام: 17].
2- م*** كعب بن أسد القرظي:
وجيء برئيس بني قريظة كعب بن أسد، وقبل أن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنقه جرى بينه وبين كعب الحوار التالي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كعب بن أسد؟». قال كعب بن أسد: نعم يا أبا القاسم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما انتفعتم بنصح ابن خراش لكم، وكان مصدقًا بي، أما أمركم باتباعي، وإن رأيتموني تقرئوني منه السلام؟». قال كعب: بلى والتوراة يا أبا القاسم، ولولا أن تعيرني يهود بالجزع من السيف لاتبعتك، ولكني على دين يهود. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه فضربت([59]).
ومما ترويه كتب السيرة النبوية عن يهود بني قريظة أنهم كانوا يرسلون طائفة تلو طائفة لتضرب أعناقهم، وقد سألوا زعيمهم كعب بن أسد فقالوا: يا كعب ما تراه يصنع بنا؟ قال: أفي كل موطن لا تعقلون؟ ألا ترون الداعي لا ينزع، وأنه من ذُهب به منكم لا يرجع؟ هو والله ال***([60]).
ونلحظ خبر م*** كعب بن أسد، أنه كان متعصبًا ليهوديته وهو يعلم بطلانها, وأنه على علم بصدق رسالة رسولنا صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يؤمن ولم يدخل الإسلام خوفًا من أن تعيره يهود بأنه جزع من السيف، فعدم إيمانه وبقاؤه على الكفر كان نتيجة ريائه، وحبه للثناء وخوفه من ذمه وتعييره، وهذا دليل على السفه والحمق وخذلان الله لهذا اليهودي المخادع([61]).
ثاني عشر: شفاعة ثابت بن قيس في الزبير بن باطا، وسلمى بنت قيس في رفاعة بن سمؤال:
1- شفاعة ثابت بن قيس في الزبير بن باطا:
أقبل ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هب لي الزبير اليهودي أجزه, فقد كانت له عندي يد يوم بعاث، فأعطاه إياه، فأقبل ثابت حتى أتاه فقال: يا أبا عبد الرحمن، هل تعرفني؟ فقال: نعم، وهل ينكر الرجل أخاه، قال ثابت: أردت أن أجزيك اليوم بيد لك عندي يوم بعاث، قال: فافعل، فإن الكريم يجزي الكريم، قال: قد فعلت، قد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبك لي، فأطلق عنه إساره، فقال الزبير: ليس لي قائد، وقد أخذتم امرأتي وابني، فرجع ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستوهبه امرأته وبنيه فوهبهم له، فرجع ثابت إلى الزبير فقال: رد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأتك وبنيك، فقال الزبير: حائط لي فيه أعذق، وليس لي ولا لأهلي عيش إلا به، فرجع ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبه له، فرجع ثابت إلى الزبير فقال: قد رد إليك رسول الله أهلك ومالك، فأسلم تسلم، قال: ما فعل الجليسان؟([62]) وذكر رجال قومه، قال ثابت: قد ***وا وفُرغ منهم، ولعل الله تبارك وتعالى أن يكون أبقاك لخير، قال الزبير: أسألك بالله يا ثابت وبيدي التي عندك يوم بعاث إلا ألحقتني بهم، فليس في العيش خير بعدهم، فذكر ذلك ثابت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالزبير فقُتل([63]).
2- شفاعة سلمى بنت قيس في رفاعة بن سمؤال القرظي:
كانت سلمى بنت قيس وكنيتها أم المنذر أخت سليط بن قيس، وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد صلت معه القبلتين، وبايعته بيعة النساء, سألته رفاعة ابن سمؤال القرظي، وكان رجلا قد بلغ، فلاذ بها، وكان يعرفهم قبل ذلك فقالت: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، هب لي رفاعة، فإنه قد زعم أنه سيصلي ويأكل لحم الجمل، فوهبه لها، فاستحيته([64]). وفي هذا الخبر دليل على أن الإسلام يكرم المرأة ويعتبر شفاعتها، هذه هي معاملة المرأة في هذا الدين، إنه يكرمها، ويساعدها ويشجعها على فعل الخير([65]).
__________________
رد مع اقتباس