اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > رمضان كريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-08-2012, 03:06 PM
الصورة الرمزية صوت الامة
صوت الامة صوت الامة غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 6,280
معدل تقييم المستوى: 22
صوت الامة has a spectacular aura about
Present رمضان.. انتفاضة روح وثورة قيم






لطالما تحدَّث الخبراء عن حاجةِ الإنسان اليوم إلى التنمية البشريَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة؛ لكي يحقِّق السعادة؛ ووُضعت لذلك نظريات، وانشغلتْ به مراكز البُحوث، وأُقيمت دورات تدريبيَّة، ورغم كلِّ التقدُّم الذي حصَل في هذا المجال بقيتْ في جهود التنمية على المستوى الإنساني حلقةٌ مفقودة لم تُعطَ حقَّها بعدُ مِن البحث لكي تكتمل السلسلة، إنها التنمية الرُّوحيَّة.
لقد أحْدث إنسانُ العصر الحديث ثورةً في المعلومات والاتِّصالات، وكاد يبلغ القِمَّة في الابتكارات التي نقلتِ البشرية نقلةً نوعية في سُلَّم الحضارة، فأصبحتِ الحياة أكثر يُسرًا وسهولة، وبفِعل التقنية الحديثة خَبَر الإنسان مختلف أنواع المُتع "المادية"، وكان كلَّما أخذ منها أغْراه بريقُها بطلب المزيد، ورغم كلِّ ذلك لم يحصُل على السعادة التي يُريد، ولم يمَلَّ من ترداد السؤال نفْسه: أين أجد السعادة؟!
غير أنَّ هذا الإنسان عندَما قام بثورة الماديات، وتعمَّد إخماد حضور الرُّوح في خطَّة حياته، لم يدُر في خَلَده أنَّه بذلك يقضي على مقوِّمات هذه الحياة، وعلى صلاحية وجودِه في هذا الكون.
ورُبَّ سائل يسأل: كيف ذلك وقد بلَغ ما بلَغ من رفاه العيش بتألُّقه في عالَم المادَّة؟
وأقول: إنَّ الله الخبير بدقائق نفْس الإنسان وبمقوِّمات استقامة وجوده على الأرْض قد بيَّن في كتابه بأنَّ الفلاح يكمُن في تألق الرُّوح، والخيبة والخُسران يكمنان في إخمادها: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾ (الشمس).
ومع كونِنا لسنا بحاجةٍ لتقديم الدليل بعدَ قول الخبير، غير أنَّنا للتنزُّل نقول بأنَّ الواقع يثبت بالبرهان القاطِع أنَّ التدهور على الصَّعيد الرُّوحي يتبعه انحدار واضِح في شخصية الإنسان بمختلف أبعادِها مهما بلغ مِن ثراء ومِن رفاه، وأسْطع مثال على ذلك أولئك الذين ينتحِرون وقدِ انغمسوا بأنواع الملذَّات واستفادوا مِن التكنولوجيا الحديثة أيّما استفادة، غير أنَّهم افتقروا إلى ركيزةٍ أساسية مِن ركائز الحياة، إنَّها ركيزةُ اتصال الأرْض بالسماء عبْرَ مِعراج الرُّوح إلى بارئها، فلَكَمْ خسِر الإنسان عندما جعل الأرض بما عليها غايةَ وجوده ومنتهى اكتشافاته وملهم ثوراته! فأغرق في إعْمارها وكأنَّما قيل له: إنَّك خالد في الدنيا فابلُغِ الكمالَ فيها ما استطعت، ولا تشغل نفْسك بغير ما تراه عيناك، مع أنَّ الآخِرة هي الأصل الذي يَنبغي أن يَبني عليه الإنسان توجهاتِه في هذه الحياة، والدنيا هي الاستثناء؛ يقول تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ (القصص).
وكان يَكفي المنتحِرين لو فهِموا بفطرتهم معنى قول رسولِ الله- صلَّى الله عليه وسلَّم-: "عجبًا لأمْر المؤمِن، إنَّ أمرَه كله له خيرٌ، وما ذلك إلا للمؤمن؛ إنْ أصابته سَرَّاءُ شكَر فكان خيرًا له، وإنْ أصابته ضَرَّاءُ صبَر فكان خيرًا له"، ومقامَا الشكر والصبر من أرفَع المقامات التي ترْتقي برُوح الإنسان، فلا يكتئِب ولا يقْلَق ولا يُفكِّر بالانتحار؛ لأنَّه راضٍ بأقدار الله مطمئنُّ القلب بها، عارف بأنَّ ما يصيبه مِن ابتلاءات إنما هي عوارض مِن شأنها أن تزولَ مع استقبال أوَّل أيَّام الآخرة.
وعندَما فقَدَ الإنسان رُوحَه، افتقد معها كلَّ معنى إنسانيٍّ، وكل قِيمة راقية تُعطي للحياة بُعدَها الجمالي؛ ولنتأمل في قِيم الحق والعدل، والخير والحب، والبذل والتآخي، والتعاون والإيثار، والجمال والرقي الخُلُقي- كلها قِيم نفسية واجتماعيَّة أصبحتْ "بالية" في حِسِّ الماديِّين لا تتماشى مع الموضة، ولا تنسجم مع متطلبات الحياة المعاصرة، لم يبقَ منها غيرُ آثارها وأخبارها، وهذا سِرُّ سيادة "قِيم" الغاب على المستوَى الاجتماعي والسياسي والأمْني والاقتصادي والتَّرْبَوي.
القِيم التي تضبط السلوكَ الإنساني، وتحقِّق للإنسان التوافُقَ النَّفْسي والاجتماعِي، وتُسهِم في توحيدِ أفراد المجتمع على أساسها، قد فُرِّغت مِن مضامينها وأصبحتْ شعارات ليس لها نصيبٌ مِن التطبيق، الأمر الذي تطلَّب إحداثَ ثورة تقلب الأوضاع القائمة، وتُعدِّل ما انحرف مِن تصورات خاطئة، وتُعيد الأمور إلى نصابها.
ومَن غيرُ رمضان يمتلك مقوِّماتِ الثورة الناجِحة التي تنعكس آثارُها على الفرد والمجتمع- تألقًا في الرُّوح، ورُقيًّا في الأخلاق، واستقامةً في السلوك، وشعورًا تكافليًّا رائعًا، ووحدةً وتعاونًا ووئامًا وانسجامًا بينْ أفراد المجتمع في لوحةٍ فريدة بِريشة رمضان تؤطِّرها ليلةٌ فيها السلام يرفرف فوقَ جموع العابدين؟!
فكيف تنتفض الرُّوح وتثور القِيم في رمضان؟
كما الثوراتُ قد حرَّكتِ المستنقعات الراكدة في البلادِ العربية، فكذلك يفْعَل رمضان في الرُّوح: ينزل عليها كالماء العذْب الزُّلال فتنتفض مِن ركودها، وتجدِّد الاتصال بمَن به تستعيد بريقَها ولياقتها وأُنسها، تمامًا كالآلة التي صَدِئتْ مِن الإهمال، فإذا ما أُعيد تشغيلُها استعادتْ عافيتها ومعها دورها اللائِق بها، وكما الأرْض الجافَّة العطْشَى الهامدة التي تهتزُّ وتربو، وتنبت النبات الحسنَ عندما يلامِس الغيث صفحةَ وجودها؛ ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ (الحج: من الآية 5).
أمَّا كيف؟ ففي مفرَدات رمضان: مِن كَفٍّ عن الحاجات الأساسية المباحة: "تَرَك شهوته لأجْلي"، ومِن حجْز النفس عن المذمومات وتعميق الفضائل في حسِّها: "فإنْ سابَّه أحدٌ أو شتَمه فليقلْ: إني صائِم"، ومِن عبادة ممتدَّة في الليل والنهار مصحوبة بثمراتها: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: من الآية 183)، مشفوعة ببشارته سبحانه لعباده: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ (البقرة: من الآية 186)، "مَن صام رمضان... مَن قام رمضان... إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه"، في كلِّ ذلك مقوِّمات الانتفاضة الحقيقيَّة للرُّوح على أهواء النَّفْس والشيطان وقيود المجتمع، وكل ذلك مشروطٌ بحضور القلْب وتسليم الفِكر وإشراق الرُّوح؛ ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: من الآية 186).
أجَلْ إنَّها انتفاضة للرُّوح ضدَّ عام كامِل مِن الإهمال تراجعتْ فيه مكانتها لتتقدَّم حاجات الجسَد وأهواء النَّفْس عليها بمراحِل.
إنَّها انتفاضة في وجهِ كل مَن ينظِّر للفِكر المادي الذي يعتبر الحديث عنِ الرُّوح مِن سذاجات العقْل.
إنَّها انتفاضة تسعَى لاستعادة مكانة الإنسان الحقيقيَّة في عالَم الرُّوح لتقول للماديِّين: مهما شوَّهتم الفِطرة وطمستموها بأغلفةٍ مِن بهارج الحياة، فسرعان ما تنتفض لتستعيدَ رونقها بمجرَّد أنْ تلامسها كلمة الله مصحوبة بعزيمة إنسانيَّة صادِقة؛ ذلك لأنَّ مقوِّم استمراريَّة الرُّوح قائم فيها وهو قابليتها الدائِمة لاستعادة دَورها ولممارسة مهمَّتها في الارْتقاء بالإنسان بمجرَّد أن يرفدَها بأنواع العبادات الخالِصة.
وفي رمضان تثور القِيَم التي جُعلت في آخِر سلم الأولويات، تثور على واقعٍ فقَدَ معه الإنسانُ معالِم إنسانيته، فلا رحمةَ ولا عدلَ ولا مساواة ولا خيْر إلاَّ في مواضِع رحمة الله، هنا في رمَضان تثور القِيم، فتبرز معاني التكافُل الاجتماعي، حيث نرَى قلوب الأثرياء وقد رقَّت فرَحِمَت الفقراء والمساكين، وتؤكِّد معاني الوحدة ذاتها في المساجِد وفي الخِدمات والأعمال الاجتماعيَّة التي تنشط في هذا الشَّهْر، وتتألَّق معاني الخير والبذْل والعطاء، وكلها صادِرة عن نفْس شفَّافة توَّاقة لتعديل ما انحرَف مِن مسارها طيلةَ العام، فإذا بها كريمة سمحَة تُنفق عن رِضًا دون نكد أو ضيق.
وبعد، فإنَّ على مَن ثارت قِيَمُه وانتفضتْ رُوحه مهمَّةً عظيمة تتمثَّل في مدَى قابليته للاحتفاظ بمكتسبات هذه الثورة، وتلك الانتفاضة لتنعكس على نمط سلوكِه طيلةَ العام، وهذا دونه جهودٌ فردية وجماعيَّة معها وعليها (يدُ الله)؛ تتمثَّل على الصَّعيد الفَرْدي في المداومة على ذِكْر الله بمختلف صُوره: "أحبُّ العمل إلى الله أَدوَمُه وإنْ قَلَّ" (رواه مسلم)، وعلى الصَّعيد الجماعي تتجلَّى في توفير المحاضِن التربويَّة واللقاءات الإيمانيَّة التي تُبقي سراجَ الرُّوح منيرًا، ومؤشِّر القِيَم في تصاعُد مستمر، وصَدق الله حيث قال: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾ (يونس).
رمضان يبني القيم:
والنَّجاح معقودٌ بنواصي القِيَم، والتَّاريخُ- مهما كان فسيحًا في حياة إنسان- يظلُّ يتيمًا عاريًا إذا لم تُلْبِسه القِيَمُ من جلبابها الكبير، وعظَمةُ كلِّ إنسان في الأرض رهنٌ على حياة هذه القيم في واقعه.
إنَّ شهر رمضان يجب أن يتحوَّل- في عقلية كلِّ إنسان- من مناسبة دينيَّة، باتت تؤثِّرُ فيها العاداتُ، إلى مدرسةٍ لبناء القِيَم، وفرصة لعِنَاق كلِّ أمنية يحلم بها إنسان، وعلينا أن نُدرك أنَّنا أمام مدرسة روحيَّة تربِّي القيم، وتجذِّرُ المعاني الكبار في حياة كلِّ إنسان، وإنَّني عَبْرَ هذه الأسطر سأطوِّف بك أيُّها القارئ الكريم في فناء هذه المدرسة؛ لنقرأ أنا وأنت قصَّة القيم في حياة الكبار، وكيف أن هذه المدرسة قادرة على أن تخرج طلابًا قادرين على بناء أنفسهم، وبناء واقعِهم بالصُّورة التي يحلم بها الكبار.
إنَّ رمضان يعلِّمنا قيمة الهدف في الحياة، وأثرَه في الواقع، ويدلُّنا اليوم على أنَّ الحياة بلا أهدافٍ حياةٌ بلا معنى ولا أثر! وترى قضيَّة الأهداف في رمضان قضيَّةً واضحة، ترى ذلك في قول نبيِّك- صلَّى الله عليه وسلَّم-: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه"، "ومَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه"، "ومَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه"، إنَّ كل مسلمٍ يدخل بوَّابة هذه المدرسة يرى هذه الأهداف في كلِّ جوانبها تهتف به، وتدعوه لعناق رحلته الكُبْرى في ثلاثين يومًا!
- إن الهدف هنا بيِّنٌ واضح، وهو هدفٌ محدَّد الوقت، يبدأ في رمضان، وينتهي بعد ثلاثين يومًا، ومن روائع الهدف أنَّ مكافأته تحتفُّ به وتُغْري بعناقه، وهي مكافأة تدفع صاحبها إلى ركوب الأهوال من أجل عناق ذلك الهدف.
- إن أيَّ مشروعٍ في الأرض يأتي إليه إنسانٌ دون أن يكون هدفُه واضحًا بيّنًا، سيكون مشروعًا أقرب إلى الفشل منه إلى النَّجاح، وسيظلُّ النَّجاح في أيِّ مشروع مرهونًا بعظَمة الهدف ووضوحِه، والقدرة على تحديد نهايته، وعلى كلِّ إنسان أن يُدْرك أنَّه لن يصل إلى عناق أمنيتِه، ولن يحتفل بنهاية مشروعه الذي يُريد، إلاَّ بعد أن يُعنَى بقضية الأهداف، ويسعى في ضَبْطِها من بداية الطريق، وكم هي المشاريع التي بدأها الإنسان مع نفسه، أو في مجتمعِه، أو على مستوى أمَّتِه، ولم تَسْنَح الفرص بعدُ بعِناق نهايتها إلى اليوم! كم من إنسانٍ يعيش على حلم خَتْم القرآن الكريم حفظًا وضبطًا، ولم تأت النِّهاية من سنوات! وكم من إنسان نَصب له مشروعًا عمريًّا، وما زال مشروعُه في طيَّات الأوراق! وكم هي الأمنيات والمشاريع التي تَعْتلج في ذاكرة كلِّ واحد منا، ويتنفَّسُها أملاً كبيرًا في مستقبل حياته، ولم يبدأ بعد!
إنَّ رمضان جاء ليقول لنا: إنَّ صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا، وتحقيق التَّقْوى من خلال ذلك هو الهدف الأكبر في مدرستِه، وعلى كلِّ مَن أراد أن يختبر قدرته على تحقيق هذه القيمة في كلِّ حياته أن يجرِّب تحقيق الهدف العريض في هذا الشهر، إنَّ علينا أن نستقبل شهر رمضان، وبين يدَيِ الواحد منَّا مشروعُه الذي يحلم به، ويبدأ يُخطِّط لكتابة أهدافه، وتحقيق غاياته، وبدون ذلك سيظلُّ أثَرُ هذه المدرسة ضعيفًا في حياتنا وواقعِنا.
- إنَّ القِيَم التي يؤكِّد رمضان بناءها في حياتنا قيمةُ الفرص، وإنَّ رقيَّ الإنسان في ساحات الآخرة وقفٌ على استثمار الفُرَص في حياته؛ "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه"، "ومَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدَّم من ذنبه"، "ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غفر له ما تقدَّم من ذنبه"، فتأمَّل هذه الفرص وهي تتعرَّض لكلِّ واحدٍ منَّا في عُرْض الطَّريق، وتدعوه لعناقها، والمكافأة حلم إنسان في الدُّنيا كلها!
- إنَّ الفُرَص تحتاج إلى عاقل فطِنٍ يستثمرها عند أوَّل بريقٍٍ لها، وقد بلغَك أن هذا الذِّكر الحسن لِعُكَّاشة- رضي الله عنه- كلَّه كان من طيَّات فرصة واحدة، حين قال نبيُّك صلَّى الله عليه وسلَّم: "يَدْخل الجنَّةَ سبعون ألفًا دون حساب ولا عقاب"، والصَّحابة متوافرون يسمعون الحديث، وما أنْ لاحت هذه الفرصة لعكَّاشة إلاَّ وقام يجري لعناقها: "أمِنْهم أنا يا رسول الله؟" قال: "نعم"، ويُقْبِل الآخَرُ يجري لعناق هذه الفرصة، فيقول له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "سبقك بها عكاشة".
- إنَّ رمضان يدْعونا إلى استِثْمار ثلاثِ فُرَص تَزْدلف بين أيدينا، وهي كَلأٌ مُباح لكلِّ إنسان، ما دامت أيام الشهر تنبض بالحياة، وإنَّ هذه القيمة حقيقةٌ بأن تمتدَّ إلى كلِّ لحظة من حياتنا، وأن نَخْرج إلى الأرض وعينُ الواحد منَّا مفتوحةٌ على الفرص التي يهَبُها الواقع، وتمنَحُنا الحياةُ عبَقَها في الطريق، وألاَّ نسمح بحالٍ من الأحوال لأيِّ فرصة تتعرَّض في الطريق وندَعَها، مهما كانت ظروفنا تلك اللحظة التي نَلْقى فيها الفرص ماثلة، وهي قيمة حقيقةٌ بأن نربِّي نفوسنا عليها، وأن نَخْرج من مدرسة رمضان وقد تعلَّمنا الدَّرس بأوضحِ ما يكون.
- إنَّ رمضان يبني في نفوسنا قيمة الوقت، ويؤكِّد علينا أنَّه أنفَسُ ما عُنِيَ به إنسانٌ في حياته، إنَّ الدقائق مؤثِّرةٌ في حياة الإنسان بأعظمَ مِمَّا نتصوَّر، فلو أنَّ إنسانًا تقدَّم الأذانَ بدقيقةٍ أو بأقلَّ منها وأفطر، لكانت النِّهايةُ بُطْلانَ عبادته في ذلك اليوم، ومثل ذلك لو أنَّه أكل أو شرب بعد بداية الأذان في الفجر لكان لا قيمة ليومه كلِّه، ولا عبرة بصومه ذلِكَ اليوم كله، وكل ذلك عناية ببناء هذه القيمة في نفوس المسلمين، وتربية لهم على تَمثُّلِها في سائر حياتهم.
- إنَّ كل ناجح ترمقه أبصارُنا اليوم في أرض الواقع ستجد هذه القيمة في حياته العِلميَّة والعمَلية أوسع ما يكون، وإنني أُذكِّر بأنَّ هذه القيمة تاريخٌ تصنع الأفراد والأمم متَى ما حَظِيَت بحقِّها من العناية والاهتمام، ولا خيار لأحدٍ يريد صناعة الواقع عن هذه القيمة مطلقًا، وكتبُ التاريخ تعطيك قصتها كاملة، وخبرها وافيًا في حياة الرجال.
هذه ثلاث قِيَم تصنع تاريخ إنسان، وتكتب سيرته بمدادٍ من ذهب، وتعطِّر الحياة كلها بأنفاس التحدِّي، وتَصْنع التغيير للأحلام التي يَنْشدها كلُّ حي عاشها واقعًا في رمضان، وما أتيتُ على كلِّ ما أردت من عنوان هذا الموضوع، لولا أنَّني أدرك صِغَر المساحة التي تستقبل حرفي، وأدعو كبار الأمَّة ورجالها، وصُنَّاعَ تاريخها أن يفتحوا صفحات قلوبهم وصفحات دفاترهم؛ لتدوين هذه القيم، من خلال الدِّراسة النِّظامية في فناء هذه المدرسة الكبرى في الحياة، والله المستعان، وعليه التُّكلان، ومنه الحَوْل والطَّول.

__________________

قلب لايحتوي حُبَّ الجهاد ، قلبٌ فارغ .!
فبالجهاد كنا أعزة .. حتى ولو كنا لانحمل سيوفا ..

آخر تعديل بواسطة صوت الامة ، 08-08-2012 الساعة 03:10 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-08-2012, 05:54 PM
Ahmed Albeialy Ahmed Albeialy غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 24
معدل تقييم المستوى: 0
Ahmed Albeialy is on a distinguished road
افتراضي

الله المستعان
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-08-2012, 12:37 AM
الصورة الرمزية Mr.Hani
Mr.Hani Mr.Hani غير متواجد حالياً
عضو مميز 2013
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 11,767
معدل تقييم المستوى: 27
Mr.Hani will become famous soon enough
افتراضي

شكرا على الموضوع
__________________


For You Only
أنا البحر في أحشاءه الدر كامن فهل تسائل الغواص عن صدفاتي
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-08-2012, 06:22 AM
الصورة الرمزية Hadeero
Hadeero Hadeero غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
المشاركات: 51
معدل تقييم المستوى: 13
Hadeero is on a distinguished road
افتراضي

جزاكم الله خيرا
__________________
لمن أشكي و أنت موجود يا ٠•●اللـ‗__‗ـه●
و لمن أدعو و أنت فقط المعبود يا٠•●اللـ‗__‗ـه●
و لمن أرجو و رجائي فيك غير محدود يا ٠•●اللـ‗__‗ـه
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13-10-2014, 05:59 PM
الصورة الرمزية Mr. Hatem Ahmed
Mr. Hatem Ahmed Mr. Hatem Ahmed متواجد حالياً
نائب رئيس مجلس الإدارة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2011
المشاركات: 59,825
معدل تقييم المستوى: 10
Mr. Hatem Ahmed has a reputation beyond reputeMr. Hatem Ahmed has a reputation beyond reputeMr. Hatem Ahmed has a reputation beyond reputeMr. Hatem Ahmed has a reputation beyond reputeMr. Hatem Ahmed has a reputation beyond reputeMr. Hatem Ahmed has a reputation beyond reputeMr. Hatem Ahmed has a reputation beyond reputeMr. Hatem Ahmed has a reputation beyond reputeMr. Hatem Ahmed has a reputation beyond reputeMr. Hatem Ahmed has a reputation beyond reputeMr. Hatem Ahmed has a reputation beyond repute
افتراضي

جزاك الله خيراًَ
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:54 PM.