اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-01-2011, 09:07 PM
الصورة الرمزية أبـو مـريـم
أبـو مـريـم أبـو مـريـم غير متواجد حالياً
معلم العلوم
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 2,533
معدل تقييم المستوى: 16
أبـو مـريـم is a jewel in the rough
Icon8 كتـاب الصيـام


الصيام في اللغة الإمساك يقال خيلُ صيام أي ممسكة الصهيل ومنه قوله تعالى على أحد التفاسير في الآية : { إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أي إمساكاً عن الكلام .
وأما الصيام في الشرع فهو إمساك بنية عن أشياء مخصوصة في زمن مخصوص من شخص مخصوص .
فقوله إمساك بنية فالصيام لايصح إلا بنية قبل الفجر لقول ابن عمر وحفصة وجماعة من الصحابة ( لا صـيـام لـمن لم يبيت النية قبل الفجر ) وسيأتي إن شاء الله الكلام عن هذا الحديث وهذه المسألة .
قوله : عن أشياء مخصوصة كالأكل والشرب والجماع هذه الأمور الثلاثة أجمع العلماء على وجوب اجتنابها حال الصيام، وهناك أشياء مختلف فيها سيأتي إن شاء الله تحقيق القول فيها .
قوله : في زمن مخصوص قال تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ } ( 187 ) سورة البقرة ) .
فيمسك المرء عن الأكل والشرب والجماع من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس قوله من شخص مخصوص أي مسلم عاقل بالغ قادر تزيد المرأة غير حائض ولا نفساء .
استفتح المؤلف رحمه الله تعالى كتاب الصيام بحديث أبي هريرة .
608/ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لاتقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه). هذا الحديث متفق على صحته .
قال البخاري رحمه الله حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة به .
وقال مسلم رحمه الله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قال أبو بكر حدثنا وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبدالرحمن به . ورواه أحمد وأهل السنن وقال الترمذي حديث حسن صحيح، ورواه من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً ... بلفظ (لا تقدموا الشهر بيوم ولا بيومين إلا أن يوافق ذلك صوماً كان يصومه أحدكم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمّ عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا ) .
قوله : [ لاتقدموا رمضان ] .
اختلف العلماء رحمهم الله في النهي هل هو للتحريم أم للتنزيه أم في ذلك تفصيل ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين إلى أن النهي هنا للتحريم وهذا هو اختيار جماعة من المحققين لأن الأصل في النهي أن يكون للتحريم مالم يصرف ذلك صارف أوتدل قرينة على أن المراد الاستحباب أوغيره .
وذهب بعض العلماء إلى أن النهي للتنزيه . وذهبت طائفة ثالثة إلى التفصيل فقالوا يجوز تقدم رمضان بيوم إذا كان ثم غيم وهذا مروي عن عبدالله بن عمر وعن جماعة من فقهاء الحنابلة، وفيه نظر وفعل ابن عمر رضي الله عنه اجتهاد منه والأدلة على خلافه وقد تجاوز بعض الفقهاء أمر الجواز فقال صيام بوجوب صيام يوم الشك إذا كان هناك غيم وهذا قول ضعيف لا دليل عليه لا من كتاب ولامن سنه بل الأدلة على خلافه كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
قوله : [ بصيام يوم أو يومين ] .
اختلف الفقهاء المانعون من تقدم رمضان بصوم في الحكمة من هذا فقال بعضهم لئلا يصل شعبان برمضان فيخلط المستحب بالواجب وقال آخرون إن الحكمة تعبدية وقال آخرون نهي عن تقدم رمضان بيوم أويومين لئلا يظن ظان وجوب الصيام في شعبان وقيل لأن الحكم علق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أويومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم واختار هذا ابن حجر والأقوال في ذلك كثيرة والمهم أن نعرف أن تقدم رمضان بيوم أويومين لايجوز باستثناء من عليه صيام واجب يريد قضاءه فلا مانع من تقدم رمضان بيوم أويومين وكذلك من له عبادة يصوم يوماً ويفطر يوماً أوكانت له عبادة يصوم معظم شعبان لفضل شعبان فلا مانع حينئذٍ أن يتقدم رمضان بيوم أويومين، إنما المحذور أن يتقصد صيام هذين اليومين أو الثلاثة ولم يكن يصوم من قبل . والله أعلم .
قوله : [ إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه ] .
لفظ مسلم ( إلا رجلاً ) .
وعند البخاري [ إلا أن يكون رجلٌ ] أي إلا أن يوجد رجل .
فإن قال قائل روى أبو داود والترمذي وجماعة من طريق العلا بن عبدالرحمن بن يعقوب الحرقي مولاهم عـن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ] .
وظاهر حديث الباب يعارض هذا لأن حديث الباب إنما نهى عن تقدم رمضان بيوم أو يومين وحديث العلا يدل على أنه إذا انتصف شعبان فلا يجوز حينئذٍ الصيام.
وقد اختلفت مسالك العلماء للجمع بين هذين الخبرين فقال الروياني أحد فقهاء الشافعية إنه يحرم التقدم بيوم أو يومين ويكره التقدم من نصف شعبان .. وفيه نظر وذهب الإمام أحمد وابو حاتم وجماعة من أهل الفقه والنظر إلى الطعن بحديث العلا بن عبدالرحمن وإنكاره حتى إن جماعة من المحدثين ضعفوا العلا من أجل هذا الحديث وذهبت طائفة أخرى إلى تصحيح الحديث منهم أبو داود والترمذي وجماعة لأن العلا ثقة وقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه للعلا بن عبدالرحمن عن أبيه نحواً من خمسين حديثاً وتلقى حديثه أكثر العلماء بالقبول وحملوا حديثه على من يتقصد صيام النصف الأخير من شعبان لحال رمضان ثم قال بعضهم النهي للتحريم وقال آخرون النهي للتنزيه وقالوا عن حديث ( لاتقدموا رمضان بيوم ولا يومين) بإنه لا مفهوم له وحديث العلا منطوق والمنطوق يقدم على المفهوم وفيه نظر ، وسيأتي إن شاء الله بحث هذا المسألة وبيان الراجح فيها على حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة في باب صوم التطوع ومانُهي عن صومه.
609/ وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم .
هذا الحديث ذكره البخاري رحمه الله معلقاً في صحيحه وقد جزم البخاري رحمه الله بصحته وقد رواه الإمام أحمد وأهل السنن وابن حبان في صحيحه وابن خزيمة كلهم من طريق عمرو بن قيس الملائي عن أبي إسحاق السبيعي عن صلة بن زفر قال كنا عند عمار بن ياسر فأُتي بشاة مصلية فقال : ( كلوا فتنحى بعض القوم فقال : إني صائم فقال عمار رضي الله عنه من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ) .
وهذا سند صحيح قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وصححه الإمام الكبير الدارقطني رحمه الله وصححه الحاكم على شرط الشيخين وسكت عنه الذهبي وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم كثير من الحفاظ .
والحديث يدل على تحريم صيام يوم الشك والتفصيل فيما إذا كان يوم غيم أو عدمه لا دليل عليه والصحيح المنع وأن النهي للتحريم سواء كان يوم غيم أولم يكن هذا الذي دل عليه منطوق حديث أبي هريرة السابق وحديث عمار هنا، وقول عمار [ فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ] .
دليل على أن عند عمار علماً عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن صيام يوم الشك وإلا فلا يمكن لعمار أن يقطع بأنه عصى النبي صلى الله عليه وسلم وليس هناك دليل عنده على النهي وذهب جماعة إلى أن قول عمار رضي الله عنه موقوف لفظاً مرفوع حكماً قال ابن عبد البر هو مسند عندهم لايختلفون في ذلك وسوف يأتي زيادة بيان لهذه القضية.


610/ وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له ) متفق عليه .
قال البخاري رحمه الله حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل بن خالد عن الزهري عن سالم بن عبدالله عن ابن عمر به .
وقـال مسلم رحمه الله حدثنا حرملة بن يحيى قال حدثنا ابن وهب قال أخبرنا يونس عن الزهري به .
قوله ولمسلم ( فأن أغمي عليكم فاقدروا له ثلاثين ) .
هـذه الرواية رواها مسلم من طريق أبي أسامة قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر .
ورواها مسلم من طريق يحيى عن عبيد الله ولم يذكر لفظة [ ثلاثين ] قال ذلك مسلم رحمه الله في صحيحه .
وأيضاً جاء الخبر في الصحيحين من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر وليس فيه [ثلاثين] وهذا اللفظة شاذه .
ولكن جاءت في البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) .
ذكرها البخاري في صحيحه عن أدم ابن أبي إياس قال حدثنا شعبة قال حدثنا محمد بن زياد عن أبي هريرة به .
ورواهـا مسلم في صحيحه من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ ( فصوموا ثلاثين يوماً ) .
قوله [ إذا رأيتموه فصوموا ] .
في هذا دليل على إبطال الحساب في دخول الشهور وخروجها وأنه لابدَّ من الرؤية وقد اتفق الأئمة الأربعة رحمهم الله على تحريم الاعتداد بالحساب واتفقوا على أن الحساب لايعتد به في الشهور لا في رمضان ولافي غيره وأن المعتبر في هذا هو الرؤية . لقولـه صلى الله عليه وسلم : [ صوموا لرؤيته ] . وقد احتج بالحديث بعض الأئمة كأحمد وغيره على أن رؤية الهلال في بلد تكفي عن رؤيته في البلاد الأخرى. وذلك لعموم قوله : ( صوموا لرؤيته ) . وأهل العلم اختلفوا في هذه المسألة على مذاهب :
الأول : ماتقدم ذكره وهو قول أحمد والمشهور عن المالكية أنه إذا رآه أهل بلد لزم أهل البلاد الأخرى مالزمهم .
الثاني : أن لكل بلد رؤيتهم وهذا مذهب ابن عباس والقاسم بن محمد وإسحاق بن راهويه ، ودليل هذا مارواه مسلم في صحيحه من طريق محمد بن أبي حرملة عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علىّ رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجعمة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقلت رأيناه ليلة الجمعة فقال أنت رأيته فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنّا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أونراه فقلت أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه فقال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام وكان حاكم المسلمين واحداً ولا ذكر عن أحد من الصحابة مخالف لابن عباس قال الترمذي في جامعه ( والعمل على الحديث عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم ) وقوله هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن ابن عباس حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً على أنه لايلزم أهل بلد العمل برؤية أهل البلاد الأخرى ، ويحتمل أن يكون قاله اجتهاداً وفهماً .
القول الثالث : أنه إذا اتفقت المطالع لزمهم الصوم وإلا فلا وهذا المشهور عند فقهاء الشافعية واختاره ابن تيمية وفيه أقوال أخرى وأظهرها القول الثاني ولاسيما في هذا العصر حين صار لكل بلد حاكم يحكمه والكثير يعتمدون على الحساب دون الرؤية ، وأما الذين يعيشون في غير البلاد الإسلامية فيمسكون مع أقرب بلد إسلامي فإن لم يكن فيتابعون أهل مكة ولو اجتهدوا في رؤية الهلال وصاموا على تحريهم لأجزأ ذلك والله أعلم .
قوله : [ وإذا رأيتموه فأفطروا ] .
ماقيل في الصيام يقال في الفطر أيضاً فلابد من رؤيته بالأبصار وهل تصح رؤيته بالمنظار والمكبرات والأشياء المقربة هذه آلات حادثة لم يتكلم عليها الأوائل رحمهم الله ولكن من حيث الدليل والتعليل الصحيح أنه يعتد بهذه المكبرات في
قوله : [ فإن غم عليكم فاقدروا له ] .
ذهب بعض فقهاء الحنابلة إلى أن المعنى ( ضيقوا عليه ) ومن ثم جوز هؤلاء بل استحبوا صيام يوم الشك وفي هذا نظر فقد تقدم تحريم صيام يوم الشك لحديث عمار وقد تقدم صحته وأما تفسيرهم فاقدروا له بمعنى ضيقوا عليه فهذا غلط أيضاً لأنه جاء في الأحاديث الصحاح مايفسر هذه اللفظة وأن المعنى [ فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ] هكذا ذكره ابن عمر وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث يدل على النهي عن صيام يوم الشك وأن الواجب عندما يحول الغيم دون رؤية الهلال أن نتم العدة وتمام العدة أن تكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً .
611/ وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه ) .
هذا الحديث رواه الدارمي وأبو داود والحاكم والبيهقي والدارقطني كلهم من طريق يحيى بن عبدالله بن سالم قال حدثنا أبو بكر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر به وصححه ابن حبان والحاكم. ويحيى بن عبدالله قال عنه يحيى بن معين صدوق ضعيف الحديث وقال عنه النسائي مستقيم الحديث ووثقه الإمام الدارقطني رحمه الله وذكـر عنه الحافظان الذهبي وابن حجر عليهما رحمة الله بأنه صدوق . وبقية رجاله ثقات . والحديث إسناده صحيح .
وقد ذكر الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله بأن الخبر صحيح ذكر ذلك عنه الحافظ في التلخيص ولم يتعقبه بشيء .
والحديث يدل على الإجتزاء بشاهد واحد في دخول رمضان وتجزئ المرأة في هذا وبهذا قال أكثر العلماء كأحمد والشافعي في أحد قوليه وأبي حنيفة وجماعة من أهل الفقه والنظر بينما ذهب الإمام مالك رحمه الله وطائفة من أهل العلم إلى أنه لابد من شاهدين في الدخول كما أنه لابد من شاهدين في الخروج واستدل رحمه الله بحديث ابن عمر السابق [ صوموا لرؤيته ] ويشترط في الرائي أن يكونوا جمعاً، والجمع عندهم إثنان فأكثر أما الواحد فلا يعتد في رؤيته والصحيح القول الأول وحديث ابن عمر صحيح صريح وهو مفسّر لحديث ( صوموا لرؤيته ) فيجب القول به والعمل بمقتضاه لأن الدخول مبني على الاحتياط ومن الاحتياط أن نتعجل دخوله بشاهد واحد ولو امرأة ولايشترط قبول الشهادة بلفظ الإشهاد أوقبول قول القائل بلفظ الاشهاد بل بمجرد إخباره إذا كان مستقيماً مسلماً نقبل قوله ولا نقول له اشهد بأنك رأيته فإن هذا ليس عليه دليل صحيح .
612/ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلـم فقال : ( إني رأيت الهلال فقال : ( أتشهد أن لا إله إلا الله قال : نعم . قال ( أتشهد أن محمداً رسول الله : قال : نعم . قال : فأذن في الناس يابلال : أن يصوموا غداً ) .
هذا الخبر رواه الإمام أحمد وأهل السنن من طريق زائده بن قدامة عن سماك ابن حرب عن عكرمة عن ابن عباس به .
وصححه ابن خزيمة وابن حبان وذكر الإمام أبو داود رحمه الله في سننه بأن جماعة رووه عن سماك عن عكرمة مرسلاً .
قال الترمذي في جامعه وأكثر أصحاب سماك يروونه عنه عن عكرمة مرسلاً وصوّب هذا الإمام النسائي رحمه الله وهو الحق فقد رواه الإمام النسائي في سننه من طريق سفيان ورواه أبو بكر بن أبي شيبة من طريق إسرائيل .
ورواه أبو داود من طريق حماد ثلاثتهم عن سماك بن حرب عن عكرمة مرسلاً ومن أرسله أضبط وأحفظ وأكثر ممن وصله فتعين بهذا ترجيح إرساله إلا أنه يشهد له حديث ابن عمر السابق .
والحديث دليل على الإكتفاء برؤية هلال رمضان بشهادة واحد ودليل على أنه لايقبل بالشهادة إلا مسلم لقوله أتشهد أن لا إله إلا الله قال نعم قال أتشهد أن محمداً رسول الله قال : نعم فلم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله حتى نطق بالشهادتين ويكفي على الصحيح مجرد العلم بالإسلام دون نطق بالشهادتين. وفي الحديث دليل أيضاً على الاكتفاء بصلاح الظاهر . وفي الحديث دليل أيضاً على أنه يتعين على إمام المسلمين أن يعلن دخول شهر رمضان لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن ينادي بأن يصوموا غداً .
وفي الحديث دليل أيضاً على أن الشرائع لا تلزم إلا بعد البلوغ وهذا هو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله فإذا لم يعلموا بدخول شهر رمضان إلا في أثناء النهار فيلزمهم الإمساك دون القضاء لأنه لم يرد في الحديث ولا غيره أمرهم بالقضاء وقيل يقضون هذا اليوم وهو مذهب الأئمة الأربعة وذلك لاستكمال صيام الشهر، وقياساً على صيام عاشوراء، بينما ذهب شيخ الإسلام رحمه الله إلى القاعدة المتقدمة بأن الشرائع لاتلزم إلا بعد البلوغ فمن لم يعلم عن دخول شهر رمضان إلا بعد منتصف النهار فيمسك ولا قضاء عليه وأمّا أمره صلى الله عليه وسلم بالقضاء في يوم عاشوراء . فالحديث رواه أبو داود وغيره ولايصح.
613/ وعن حفصة أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له ) .
هذا الحديث رواه أحمد وأهل السنن وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والبيهقي والحاكم كلهم من طريق ابن وهب عن يحيى بن أيوب وتابعه ابن لهيعة عند أبي داود عن عبدالله بن أبي بكر بن حزم عن الزهري عن سالم بن عبدالله عن ابن عمر عن حفصة به .
قال أبو داود رحمه الله وأوقفه عـلى حفصة معمر والزبيدي وابن عيينة ويونس كلهم عن الزهري .
واختار وقفه الإمام البخاري وقال عن رفعه بأنه مضطرب والإمام النسائي والترمذي في جامعه وابن عبد البر وغيرهم من أكابر المحدثين .وصححه مرفوعاً ابن خزيمة وابن حبان وابن حزم والحاكم وغيرهم .
والصحيح وقفه على ابن عمر وعلى حفصة أما وقفه على ابن عمر فقد رواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر به وهذا إسناد صحيح .
وأما وقفه على حفصة فقد جاء عنها عند النسائي وغيره من طريق عبدالله عن سفيان ابن عيينة ومعمر وجماعة كلهم يروونه عن الزهري عن حمزة عن ابن عمر عن حفصة به وهذا إسناد صحيح .
ولايعلم لحفصة وابن عمر مخالف من الصحابة، ولذلك ذهب جماهير أهل العلم بما فيهم الأئمة الأربعة على أن صيام الفرض لايجزئ إلا بنية قبل طلوع الفجر، فمن نوى صيام الفرض بعد طلوع الصبح فلا يصح، ولكن كما قال شيخ الإسلام أن النية تتبع العلم والشرائع لا تلزم إلا بعد البلوغ فمن لم يعلم أن الليلة من رمضان ونام على هذا فلما استيقظ لصلاة الصبح أخبر يمسك حينئذٍ لأن النية تتبع العلم يقول شيخ الإسلام رحمه الله ولا قضاء عليه .
أما الأئمة الأربعة في هذه الصورة فيرون عليه القضاء .
وأما صيام النفل فقد ذهب جمهور العلماء ومنهم الشافعي وأحمد إلى أنه يصح بنية من النهار ثم ذهب أكثرهم إلى أن آخر مدة من النهار زوال الشمس فإن زالت الشمس فلا يصح الصيام، وجوزه آخرون بعد إتفاق المحققين منهم على أن الأجر والثواب لايكون إلا من النية والكل متفقون على أن هذا القول أعني صيام النفل بنية من النهار مالم يأكل أويشرب أويجامع وبلفظ أعم مالم يخرق صومه بمفطر لأن بعض المفطرات مختلف فيها بين الأئمة .
وذهب ابن حزم إلى أن صيام النفل كصيام الفرض لايصح إلا بنية قبل طلوع الفجر.
ودليل الجمهور في هذه المسألة ماذكره المؤلف رحمه الله في هذا الباب وهو حديث عائشة .
614/ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم . فقال ( هل عندكم شيء ) قلنا : لا قال : فإني إذاً صائم ) ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا : أهدي لنا حيسٌ فقال ( أرينيه ) فلقد أصبحت صائماً ) فأكل .
هذا الخبر رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال أخبرنا وكيع قال حدثنا طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها به .
ورواه مسلم أيضاً من طريق عبدالواحد بن زياد عن طلحة بن يحيى بلفظ (قالت عائشة ماعندنا شيء قال فإني صائم قالت فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية أوجاءنا زَوْر وقد خبأت لك شيئاً قال ماهو قلت حيس قال هاتيه فجئت به فأكل قال قد كنت أصبحت صائماً ) ظاهر هذه الرواية تخالف الرواية الأولى فإن الرواية الأولى تدل على وقوع الأمر في يومين وهذه الرواية تفيد أن الأمر وقع في يوم واحد .
فعلى رواية الباب الحديث صريح في كون النبي صلى الله عليه وسلم لم ينو الصيام إلا من النهار وهو حجة لجمهور العلماء في هذه القضية .
وعلى الرواية الثانية فظاهرها أن النبي صلى الله عليه وسلم نوى الصيام من الليل لقوله ( قد كنت أصبحت صائماً ) ولأن الحادثة وقعت في يوم واحد، وهذا مذهب ابن حزم رحمه الله فيقول أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نوى الصيام قبل الفجر فلم يجد طعاماً فواصل صيامه فلما أُخبر بوجود الطعام أفطر وقال : قد كنت أصحبت صائماً .
والحديث دليل على جواز الإفطار في صوم التطوع ولو بدون عذر وعند الترمذي وغيره من حيث أم هاني ( الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ) وهو حديث مختلف في صحته وقد حسنه الحافظ العراقي وفيه نظر فقد ضعفه البخاري والترمذي وهو الصحيح وقد ذهب أكثر أهل العلم أحمد وإسحاق والشافعي وغيرهم إلى أن الصائم المتطوع إذا أفطر فلا قضاء عليه .
وذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك إلى أنه لايجوز الإفطار بصوم التطوع إلا من عذر وقد قال صاحب المراقي وهو مالكي : ـ
والنفـــل ليس بالشروع يجب فـي غيــر ما نظمــه مُقَرّب
قف واستمع مسائلاً قد حكموا بأنهـــا بالإبتــداء تلــزم
صلاتنـا وصومنـا وحجنـا
الشاهد ( وصومنا ) .
والصوم عند المالكية يلزم بالشروع وإن كان نفلاً، أما الحنابلة فلا يرون شيئاً من النوافل يلزم بالشروع إلا الحج والعمرة فقد أجمع العلماء على أن الحج والعمرة يلزمان بالشروع .
مسألــة :
هل تكفي النية بأول يوم من رمضان أم أن كل ليلة تلزمها نية مستقلة ؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة فذهب الإمام أحمد والجمهور إلى أنه يلزم تجديد النية كل ليلة لأن لكل ليلة حكمها ولأن لفظ أثر ابن عمر وحفصة ( لا صيام لمن لم يجمع النية قبل الفجر ) وفي رواية (يبيت) فظاهر الأثر أن لكل ليلة نية مستقلة ولكن ليس معنى هذا أن الإنسان يتكلف النية فيقع بالوسوسة فمجرد قيامه للسحور كافٍ في نية الصيام .
وذهب الإمام مالك وطائفة من أهل العلم إلى أن النية في أول ليلة تكفي عن سائر الشهر واختار هذا القول طائفة من المحققين وقالوا إن النية من أول الشهر تجزي عن النية من كل ليلة ويظهر الخلاف في هذه القضية فيما لو أن شخصاً نام قبل غروب الشمس ولو بدقائق ولم يستيقظ إلا في نهار الغد فإذا قلنا إن لكل ليلة نية خاصة فصيام هذا لايصح بل عليه قضاؤه وإذا قلنا بأن النية من أول الشهر تكفي فصيامه صحيح لأن النية من أول الشهر كافية عن نية الغد .












615/ وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يزال الناس بخير ماعجلوا الفطر ) .
هذا الحديث متفق على صحته .
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد به .
وقال مسلم رحمه الله حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا عبدالعزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد به .
ورواه أبو داود في سننه من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لايزال هذا الدين ظاهراً ماعجل الناس الفطر فإن اليهود والنصارى يؤخرون ) .
ورواه الترمذي من طريق الوليد بن مسلم . عن الأوزاعي عن قرة بن عبدالرحمن المعافري عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى : ( أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطراً ) . وقد تفرد بهذا الحديث الترمذي عن الستة .
وهذا الإسناد معلول فقد قال الإمام أحمد رحمه الله عن قرة منكر الحديث جداً وقال يحيى بن معين ضعيف الحديث وقال أبو زرعة أحاديثه مناكير أمـا ابن عدي رحمه الله فقال لا بأس في أحاديثه .
قوله [ لايزال الناس بخير ] .
أي أن الخير باقٍ في الناس إذا عملوا بالسنة واجتنبوا البدعة ولم يشابهوا اليهود ولا النصارى .
قوله [ ماعجلوا ] .
الما هنا مصدرية ظرفية فيكون المعنى لايزال الناس بخير مدة تعجيلهم الفطر ولايصح أن تكون نافية بل هي مصدرية ظرفية بها يتضح المعنى ويظهر المراد .
والخبر يدل على مشروعية تعجيل الإفطار وقد ذهب الجمهور إلى أنه مستحب غير واجب وجعلوا الصارف في هذا الحديث جواز الوصال إلى السحر .
وقد يقال بوجوب المبادرة إلى الإفطار لمن لم يرد المواصله حتى لايتشبه باليهود ولا النصارى .
والحديث يدل على مشروعية مخالفة اليهود والنصارى وعلى النهي عن التشبه بهم وأن التشبه بهم يذهب شيئاً من الخيرية في الناس فقد جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله بسند جيد كما قال ذلك شيخ الإسلام في الإقتضاء من طريق عبدالرحمن بن ثابت ابن ثوبان قال حدثنا حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) .
قال شيخ الإسلام في الإقتضاء وظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم . وأقل أحواله التحريم .
قوله [ أحب عبادي إليَّ ] .
يدل على إثبات صفة المحبة لله خلافاً للجهمية والأشاعرة وقد تقدم الكلام عن هذه الصفة والرد على من صرفها أو ألحد فيها . ويدل الحديث أيضاً على استحباب تعجيل الفطر .
616/ وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قـال : قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) .
هذا الحديث متفق على صحته .
قال البخاري رحمه الله حدثنا أدم بن أبي إياس قال حدثنا شعبة عن عبدالعزيز ابن صهيب عن أنس بن مالك به .
وقال الإمام مسلم رحمه الله حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا هشيم عن عبدالعزيز ابن صهيب به .
قوله [ تسحروا ] .
هذا أمر بالسحور بفتح السين ويجوز ضمها وهذا الأمر للاستحباب عند الأئمة الأربعة وجماهير العلماء سلفاً وخلفاً، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على استحباب السحور وكذا نقل هذا الإجماع الإمام النووي رحمه الله في شرحه على صحيح الإمام مسلم وجعلوا الصارف لهذا الأمر مواصلة الصحابة رضي الله عنهم فقد واصل الصحابة يوماً ويوماً أخر ولم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم نهي تحريم وإنما كره فعلهم .
والعجيب أن جماعة من الفقهاء خصوصاً فقهاء الشافعية يرون تحريم الوصال كما سيأتي في بابه ومـع ذلك لايقولـون بوجوب السحور مـع أن النبي صلى الله عليه وسلم أكد وأمر بـه وقـال ( تسحروا ) .
وجاء أيضاً في صحيح الإمام مسلم من طريق موسى بن عُلَيّ عن أبيه عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فصلُ مابين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) فهذا الحديث يدل على أن السحور فيه مخالفة لأهل الكتاب ومخالفتهم غاية مقصودة للشارع .
ويدل الخبر أيضاً على أن ترك السحور تشبه في أهل الكتاب وبعض الناس يتساهل في قضية السحور بدعوى أنه لايشتهيه والأولى في حق المسلم ألا يدع السحور ولو على جرعة لبن مخالفة لأهل الكتاب واتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
قوله [ فإن في السحور بركة ) .
هذه البركة تشمل الدينية وتشمل الدنيوية فمن المصالح الدينية هنا اتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب وامتثال الأمر وتعظيم ذلك ومن المصالح الدنيوية التقوى بالسحور على مواصلة الصيام وعدم إنهاك البدن ، وهناك أيضاً مصالح أخرى فإن الشارع حكيم لا يُرغِّبُ في شيء إلا ومصلحته راجحة على مفسدته وربما تتعدد مصالحه وتنتفي مفاسده مطلقاً علم ذلك من علمه وجهل ذلك من جهله فإن الناس تتفاوت أفهامهم وتختلف مداركهم في قضية إدراك مصالح الشريعة وغايتها وحكمها.
617/ وعن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء، فإنه طهور).
رواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي وابن حبان وابن خزيمة والحاكم كلهم من طريق عاصم الأحول قال حدثتني حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر، وقد جاء في بعض نسخ البلوغ سليمان بن عامر وصوابه سلمان بن عامر.
ورواه أحمد وابن حبان في صحيحه من طريق هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين به .
وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح . وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ورواه النسائي في السنن الكبرى وابن حبان وغيرهما من طريق شعبة عن خالد الحذاء عن حفصة بنت سيرين عن سلمان به وهذا إسناد منقطع بين حفصة وسلمان ويتضح هذا بالطرق السابقة والواسطة بينهما الرباب والرباب لم يرو عنها غير حفصة بنت سيرين ولكن صحح لها الترمذي وغيره فمثلها تستحق وصف الصدق ويرمز لحديثها بالحسن .
والحديث يدل على مشروعية الإفطار على التمر وقد جاء في مسند الإمام أحمد وجامع الترمذي من طريق عبدالرزاق قال حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات فإن لم تكن فعلى تمرات فإن لم تكن حسا حسوات من ماء) .
قال الترمذي هذا حسن غريب، وقال الإمام الدارقطني رحمه الله هذا إسناد صحيح فهذا يدلنا على فضيلة الفطر على الرطب إن تيسرت وإلا فعلى التمر فإن لم يتيسر لا هذا ولا هذا فلا أقل من أن يفطر على ماء قال صلى الله عليه وسلم ( فإنه طهور ) وهذا علم من أعلام النبوة فإن الماء في المعدة مع خلوها من الطعام مفيد لها ومنظف كما قرر ذلك الطب الحديث وهو موافق لما قرره وشرعه لنا نبي الهدى صلى الله عليه وسلم فقد جاء ديننا الحنيف بطب القلوب وطب الأبدان كما أنه جاء بصلاح الدنيا والآخرة معاً، فقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله أن للتمر مع الريق مصالح متعددة ذكر منها رحمه الله *** الدود وتقوية الفم وإعادة الجسم إلى قوته، وقد قرر الطب الحديث أن الصيام يذهب سكريات الجسم وبالفطر على التمر يستعيد المرء قوته وما فقد من السكريات فحينئذٍ يحضى بقوة ونشاط لأن في التمر فيتامينات كثيرة وهو مقوي للبصر وللمعدة أيضاً فكون النبي صلى الله عليه وسلم يخص التمر للإفطار فَلِمَا يشتمل عليه من غذاء الأبدان ومن تقوية الأفهام أما الإفطار على المأكولات الحارة فإنها تؤثر على المعدة وبعض الناس لا يراعي مصلحة جسمه فيفطر على تلك الحوار التي ربما تكون شهية ولكنَّ مغبتها ضارة ومصالحها معدومة واتباع الشرع لا يأتي إلا بخير وتطبيق السنة مصلحة محضة فعلينا مراعاتها والسير على منوالها .
618/ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، فقال رجل من المسلمين : فإنك تواصل يارسول الله ؟ فقال : (وأيكم مثلي ؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) فلمَّا أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً، ثم يوماً ثم رأوا الهلال، فقال : ( لو تأخر الهلال لزدتكم ) كالمنكل، لهم حين أبو أن ينتهوا هذا الخبر متفق عليه .
قال البخاري رحمه الله حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب ابن أبي حمزة قال حدثنا الزهري عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة به .
وقال مسلم رحمه الله حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب عن يونس عن الزهري به .
ورواه مسلم رحمه الله من طرق عن أبي هريرة، ورواه البخاري أيضاً من طريق عبدالرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة به .
ورواه من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به . ورواه البخاري ومسلم من طريق هشام بن عـروة عـن أبيه عن عائشة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمةً لهم ... )
قوله : [ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال ] .
الأصل في النهي أن يكون للتحريم مالم يمنع من ذلك مانع، وقد ذهب إلى تحريم الوصال الإمام أبو حنيفة ومالك والشافعي وكرهه كراه تنزيه طائفة أخرى منهم عبدالرحمن بن أبي ليلى وأبو الجوزاء وأخرون .
وفصل فيه فقهاء الحنابلة فقالوا المواصلة إلى السحر لا بأس بها والزيادة على ذلك مكروهة وقال بعضهم بالتحريم .
وقد روى الإمام أبو داود بسند صحيح من طريق عبدالرحمن ابن أبي ليلى قال حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن الوصال والحجامة للصائم ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه) فهذا الخبر يفيد أن النهي عن الوصال للتنزيه لا للتحريم إذ لو كان النهي للتحريم لما واصل النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه يوماً ثم يوماً حتى رأوا الهلال .
وأيضاً لو كان الأمر للتحريم لحسم النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالإنكار عليهم ولما نكل بهم ولذلك جاء عن جماعة من الصحابة أنهم يواصلون حتى أن عبدالله بن الزبير كان يواصل خمسة عشر يوماً . رواه عنه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف ورواته كلهم ثقات .
قوله [ قالوا يارسول الله إنك تواصل ] .
ظاهر هذا أنّ أصحابه كانوا يواصلون إقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم لقـول الله جل وعـلا { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) } ( سورة الأحزاب ) .
ويستفاد من الحديث أيضاً أن ماعمله النبي صلى الله عليه وسلم يشرع لنا الإقتداء به مالم يرد دليل في الخصوصية . وقد قال في المراقي :
ومابه قد خوطب النبي تعميمه في المذهب السني


قوله : [ إني لست كهيئتكم ] .
فيه إثبات خصوصية الوصال للنبي صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني " وهذا الطعام والشراب ليس حسياً ومن فهم هذا فقد غلط وإنما مراده صلى الله عليه وسلم ، إن الذي يحصل لي من المعرفة بربي والاشتغال بذكره والمداومة على عبادته يغنيني عن الطعام وعن الشراب .
وقد قيل إن ظواهر الأحاديث ولا سيما حديث عائشة تفيد أن النهي عن المواصلة من أجل المشقة ومن لا يشق عليه لا يمنع من الوصال وهذا قول طائفة من فقهاء الحنابلة وغيرهم ويجاب عن هذا بأنه قد ثبت النهي عن المواصلة لأن من شأن الوصال المشقة والملل في العبادة فوقع النهي عن ذلك لما يترتب عليه من هذه المضار والله أعلم .
ونستفيد من الحديث رأفة النبي صلى الله عليه وسلم بالأمة حيث نهاهم عن الوصال لئلا يشق عليهم، وهذا معنى قول الله جل وعلا { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} ( سورة التوبة ) .
قوله [ فواصل بهم يوماً ثم يوماً حتى رأوا الهلال ] .
هذه اللفظة قرينة على أن النهي في أول الحديث ليس للتحريم إذ لو كان النهي للتحريم لما نكل النبي صلى الله عليه وسلم بهم في المحرمات بل لنهاهم فوجب عليهم حينئذ الامتثال .
619/ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعلم به والجهل ، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ) .
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه فقال حدثنا آدم ابن أبي إياس قال حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة .
والحديث رواه أبو داود في سننه عن شيخه أحمد بن يونس قال حدثنا ابن أبي ذئب فذكره دون قوله و (الجهل) والمؤلف يقول واللفظ لأبي داود وصوابه أن اللفظ للبخاري فقد رواه رحمه الله في كتاب الأدب من صحيحه فقال حدثنا أحمد بن يونس قال أخبرنا ابن أبي ذئب فـذكره وعنده والجهل .



قوله [ من لم يدع قول الزور ] .
أي من لم يترك، قول الزور والزور يطلق على الكذب ويطلق على ماهو أعم من الكذب كقول الباطل والعمل بمقتضاه وقوله جل وعلا { وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قيل لايشهدون شعانين المشركين ولا أعيادهم والحق أن الآية أعم من هذا والصحيح في معنى الزور أنه يشمل كل باطل مخالفاً لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا أنه في الشهادات أخص منه في غيره فمن يشهد شهادة كذب فهذا يدخل في الزور دخولاً أولياً .
قوله [ والجهل ] .
أي السفه وفي دعاء الخروج من المنـزل ( اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل أو أزل أو أُزل أو أظلم أو أُظلم ـ الشاهد ـ أو أجهل أو يُجهل عليَّ ) ومن الجهل الإساءة إلى الآخرين والتعرض لحرمات المؤمنين وليس المراد بالجهل هنا الذي هو ضد العلم فهذا وإن كان مذموماً إلا أنه غير مراد في الحديث فالمراد بالجهل هنا السفه والوقوع بالخطأ بحق الأخرين.
قوله [ فليس لله حاجة ] .
هذا لا مفهوم له فلا يقال في الحديث يفهم منه أنه إذا ترك قول الزور والعمل به والجهل فلله فيه حاجة هذا الحديث لامفهوم له لأن الله غنيٌ عن العباد .
قال تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} ( سورة فاطر ) . غنى مطلق من جميع الوجوه فلا يحتاج ربنا جل وعلا إلى أحد من عباده وإنما خلقهم ليعبدوه لم يخلقهم من قلة فيستكثر بهم ولا من ضعف فيستنصر بهم ولا من وحشة فيستأنس بهم فمن ظن هذا فقد ظن بربه ظن السوء وهذا من أقبح أنواعه وهو كفر باتفاق أهل العلم فالمعنى إذاً من الحديث أن من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فالله جل وعلا غنيٌ عن إمساكه عن الطعام والشراب لأن حقيقة الصوم الإعراض عن حرمات الآخرين وحفظ اللسان والفرج وليس الصوم مجرد إمساك عن الطعام وعن الشراب كما هو صوم الكسالى الذين يسهرون معظم الليل وربما صلى الفجر وربما لم يصلّ فينامون إلى صلاة الظهر هذا الكيس منهم وإلا فبعضهم لايصلون ولايستيقظون إلا مع غروب الشمس وهذا في الحقيقة ليس صياماً إنما هو نوم ولعب وكسل مثل هؤلاء مأزورون غير مأجورين . وهؤلاء ليس لله فيهم حاجة .
والحديث يدل على أن قول الزور يدخل في ذلك . والغيبة والنميمة وتتبع عورات المسلمين تنقص ثواب الصيام ولاتبطله باتفاق أهل العلم خلافاً لابن حزم رحمه الله فإنه يرى أن قول الزور والجهل وسائر المعاصي من الغيبة والنميمة وأكل الربا تبطل الصيام وهذا قول مرجوح فلا يُبْطِلُ الصيامَ إلا أشياءُ حسية مخصوصة جاء النص بها الأكل والشرب والجماع وماعداها فمختلف فيه .
620/ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ، ولكنه كان أملككم لإربه ) .
هذا الحديث متفق على صحته .
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها .
وقال الإمام مسلم رحمه الله حدثنا شجاع بن مخلد قال حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة به.
وقوله زاد مسلم [ في رمضان ] لفظ الإمام مسلم (في شهر الصوم) جاءت هذه الزيادة من طريق زياد بن علاقة عن عمرو بن ميمون عن عائشة به .
قولها [ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ] .
في هذا دليل على جواز التقبيل للصائم وأن القبلة لاتفسد الصيام ولاتنقص ثوابه وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عما يحل للصائم من إمرأته ؟ فقالت اتق الفرج رواه الطحاوي في شرح المعاني والأثار ورواه عبدالرزاق بمعناه في المصنف.
وصححه الحافظ ابن حجر في فتح الباري .
وهو دليل على أن الصائم لايمتنع عن زوجته إلا مايمتنع منها وهي حائض وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم التقبيل للصائم فبعض العلماء بالغ فقال إنه محرم وليس مع أصحاب هذا القول دليل سوى قول عائشة ( وكان أملككم لإربه) والإنسان الذي لايملك إربه ربما جامع أهله عند ثوران الشهوة .
وقال بعض العلماء بالكراهة ونظير هذا القول قول ابن حزم وبعض علماء الظاهر بأن القبلة في نهار رمضان مستحبة .
والحق التوسط واتباع الأدلة بلا تفريط أو إفراط فحديث الباب يدل على الجواز ليس غير ولكن من غلب على ظنه أومن علم من نفسه قوة الشهوة فيخاف على نفسه الوقوع بالمحظور فعليه باجتناب القبلة من باب فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وأما من علم من نفسه عدم الوقوع في المحظور فالقبلة جائزة للصائم والله أعلم .
قولها [ وكان يباشر وهو صائم ] .
احتج بهذا الإمام ابن خزيمة رحمه الله على جواز مباشرة المرأة في الصيام بما دون الفرج وهذا هو اختيار الإمام أبي محمد بن حزم رحمه الله .
قولها [ ولكنه كان أملككم لإربه ] .
المراد بالإرب هنا الذكر وقيل المراد الحاجة وقد احتج بهذه اللفظة بعض الفقهاء على منع مباشرة الصائم لزوجته لأنه لايملك حاجته وفي الحديث القدسي قال الله تعالى ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) متفق عليه من حديث أبي هريرة وحقيقة الصيام أن يدع الرجل ملاذهُ تجاه النساء فقد لوحظ على بعض الناس حين يتساهلون في قضية المباشرة أنهم يجامعون في نهار رمضان ومن جامع في نهار رمضان فعليه الكفارة وهي أن يعتق رقبة مؤمنة فإن لم يستطع فعليه صيام شهرين متتابعين لا فطر بينهما فإن لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكيناً .
621/ وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم (احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم) .
هذا الحديث من أفراد الإمام البخاري رحمه الله عن الإمام مسلم .
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا معلى بن أسد قال أخبرنا وهيب عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما .
ورواه البخاري في صحيحه من طريق عبدالوارث بن سعيد عن أيوب بلفظ (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم ) .
ورواه النسائي في السنن الكبرى من طريق ابن وهب قال حدثني ابن أبي ذئب عن الحسن بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس به . ورواه النسائي مـن طريق عبد الله بن رجاء عن هشام عن عكرمة به .
ورواه النسائي في الكبرى من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس به واختلف فيه على حماد بن زيد فرواه أيضاً عن أيوب عن عكرمة مرسلاً وتابعه على إرساله معمر كما عند النسائي وإسماعيل بن عُليّة كما عند النسائي أيضاً.
ومن وصله أوثق ممن أرسله ومن ثم قال الإمام الحافظ بن حجر رحمه الله وهذا الحديث صحيح لا مرية فيه .
وقد أعله الإمام أحمد وطائفة من المحدثين فرجح بعضهم إرساله وقال بعضهم الراجح عدم ذكر الصوم نص عليه الإمام أحمد رحمه الله في رواية الخلال، والصحيح ماذهب إليه البخاري رحمه الله من أن لفظة الصوم محفوظة في الحديث وأن الصحيح في الخبر ترجيح رفعه فقد رفعه وهيب بن خالد وهو ثقة ثبت أوثق ممن أرسله كابن عليّه ومعمرم وقد توبع وهيب على رفعه تابعه عبدالوارث وحماد بن زيد في رواية وكذلك توبع أيوب في روايته عن عكرمة تابعه هشام وغيره والحديث صحيح . وهو دليل على أن الحجامة لاتفطر الصائم ونظيرها أخذ الدم للتحليل وبهذا قال جمهور العلماء وهو مذهب أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد روى أبو داود في سننه بسند صحيح من طريق عبدالرحمن بن أبي ليلى قال حدثني بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن النبي نهى عن الحجامة والوصال للصائم ولم يحرمهما إبقاءً على أصحابه ).
فهذا الحديث فيه دليل أيضاً على أن الحجامة غير محرمة للصائم .
وفي البخاري أيضاً من طريق شعبة عن ثابت البناني قال سُئل أنس بن مالك رضي الله عنه أكنتم تكرهون الحجامة للصائم قال لا إلا من أجل الضعف .
وكان ابن عمر يحتجم مراراً فلما رأى أنها تضعفه ترك هذا واحتجم ليلاً.
رواه عبدالرزاق وغيره وجاء بنحوه عند البخاري معلقاً وسنده صحيح . وروى البخاري في صحيحه معلقاً عن بُكير عن أم علقمة قالت : ( كنا نحتجم عند عائشة فلا ننهى ) .






622/ وعن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان . فقال : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) .
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده والدارمي وابن حبان في صحيحه من طريق أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن أبي أسماء الرحبي عن شداد بن أوس.
ورواه أبو داود والنسائي من طريق أبي قلابة عن شداد به .
وجاء الخبر أيضاً من طريق أبي قلابة عن الأشعث الصنعاني عن شداد به.
وجاء أيضاً من طريق أبي قلابة إلا أنه جعله من مسند ثوبان ولذلك تكلم بعض الأئمة في هذا الحديث وأعله بالإضطراب قال الإمام أبو عيسى رحمه الله في كتاب العلل قال البخاري رحمه الله ليس في الباب أصح من حديث شداد وثوبان فذكرت له الاضطراب فقال كلاهما عندي صحيح رواه أبو قلابة عنهما جميعاً .
وقد صححه أيضاً علي بن المديني رحمه الله .
وفي الباب عن بضعة عشر صحابياً فيرى الإمام أحمد رحمه الله أن أصح الأحاديث في هذا حديث رافع بن خديج ويرى علي بن المديني رحمه الله أن أصح الطرق طريق ثوبان وشداد فقال رحمه الله (لا أعلم في أفطر الحاجم والمحجوم ) حديثاً أصح من هذا .
والحديث يدل على أن الحجامة تفطر الصائم ويدل أيضاً أن الحاجم والمحجوم يفطران أيضاً أما الحاجم فربما دخل جوفه شئٌ من الدم وأما المحجوم فلأن استفراغ الدم من جسم الإنسان مضعف له ومنهك ومن ثم كان استخراج الدم من البدن إذا كان كثيراً مفطراً من المفطرات، وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وعزى شيخ الإسلام هذا القول إلى أكثر الفقهاء وفي قول الشيخ رحمه الله بأن هذا قول أكثر الفقهاء نظر ظاهر فجماهير العلماء على أن الحجامة لا تفطر الصائم مطلقاً منهم الإمام أبو حنيفة ومالك والشافعي وهو قول عامة الصحابة والتابعين بل قال بعض الأئمة الكبار لا أعلم أحداً من الصحابة والتابعين قال بأن الحجامة تفطر وهذا قول أنس بن مالك وابن عمر وأبي سعيد الخدري وغيرهم .
قال البخاري رحمه الله حدثنا آدم ابن أبي إياس قال حدثنا شعبة عن ثابت البناني قال سئل أنس بن مالك أكنتم تكرهون الحجامة للصائم قال لا إلا من أجل الضعف .
وروى أبو داود في سننه بسند صحيح عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن الوصال والحجامة للصائم ولم يحرمهما ابقاءً على الصحابة) .
وروى الإمام ابن خزيمة في صحيحه من طريق خالد الحذاء عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( رخص للصائم بالحجامه والقبلة) وهذا سند صحيح إلى أبي سعيد رضي الله عنه وله حكم المرفوع لأنه لا يرخص أحدٌ في الحجامة والقبلة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي رخص فيهما والرخصة تقابلها العزيمة فأفاد هذا نسخ حديث شداد بن أوس السابق وأن الحجامة كانت تفطر في أول الأمر ثم نسخ الأمر باحتجام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو صائم كما في البخاري عن ابن عباس كما سبق ذكره .
وبحديث عبدالرحمن ابن أبي ليلى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويوضح هذا أيضاً ماذكره المؤلف رحمه الله هنا : ( حديث أنس ) .
623/ وعن أنس بن مالك قال : ( أو ماكرهت الحجامة للصائم : أن جعفر بن أبي طلب احتجم وهو صائم، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (أفطر هذان) ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم .
هذا الخبر رواه الإمام الدارقطني رحمه الله من طريق عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا خالد بن مخلد القطواني قال حدثنا عبدالله بن المثنى عن ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه به .
وقال الإمام الدارقطني رحمه الله في سننه رجاله ثقات ولا أعلم له علة .
تعقبه الإمام ابن عبدالهادي رحمه الله فقال هذا خبر منكر لايصح الاحتجاج به وقال عن هذا الإسناد بأنه شاذ والسبب في ذلك أنه مايعرف في دواوين الإسلام المعروفة كمسند الإمام أحمد والصحيحين والسنن الأربعة وموطأ مالك ومصنف ابن أبي شيبة وإنما تفرد به الإمام الدارقطني رحمه الله، ثم إنه أيضاً قد تكلم في خالد بن مخلد القطواني وذلك أنه يتفرد عن الثقات، وكذلك تكلم في عبدالله بن المثنى فإنه وإن كان من رجال الصحيحين إلا أنه قد يهم وأصحاب ثابت البناني الكبار لم يذكروا هذا الخبر .
وأيضاً يقال لو كان مثل هذا الخبر ثابتاً والأمة تحتاج إليه لجاء من غير وجه ولكن عنه عندما سبق ذكره من الأخبار على كون الحجامة في حق الصائم منسوخة وأن استخراج الدم في نهار رمضان لا يفطر مطلقاً سواء كان كثيراً أوقليلاً وسواء كان عمداً أم سهواً الحكم واحد والله أعلم .
624/ وعن عائشة رضي الله عنها ، ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان ، وهو صائم ) .
هذا الخبر رواه الإمام ابن ماجه رحمه الله من طريق بقية بن الوليد قال حدثنا الزبيدي سعيد بن عبدالجبار عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها. وهذا خبر منكر الزبيدي قال عنه عليٌ بن المديني ليس بشئ وقال الإمام النسائي ضعيف الحديث وكان جرير يكذبه .
وكذلك اتهمه بالكذب الحاكم أبو أحمد . وهذا الخبر من أفراد ابن ماجه وأفراد ابن ماجه فيها مقال في الغالب .
وروى الترمذي من طريق أبي عاتكه عن أنس رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله ( إن عيني تشتكي أفكتحل وأنا صائم قال نعم ) وقد ضعفه الترمذي من أجل أبي عاتكه وقال رحمه الله تعالى ولايصح في الباب شيء .
وكذا قال الإمام أحمد والبخاري وغيرهما .
وجاء عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الإثمد ليتقه الصائم . قال أبو داود رحمه الله قال لي يحيى بن معين هذا خبر منكر .
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في الكحل للصائم : فذهب إلى منعه الإمام سفيان وإسحاق وأحمد رحمهم الله ولكنهم لم يذكروا دليلاً صحيحاً في هذا الباب والعين ليست منفذاً للمعدة ولذلك ذهب أكثر أهل العلم إلى أن الكحل لايفطر الصائم مطلقاً سواء اكتحل للحاجة أولغير حاجة وسواء اكتحل في صيام النفل أم بصيام الفرض وبهذا قال الإمام أحمد في رواية عنه، وهو مذهب عامة التابعين وأكابر العلماء فقد روى أبو داود في سننه عن الأعمش رضي الله عنه وهو أحد أئمة التابعين أنه قال : ( ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم ) وهذا نقل لقول أكابر أهل العلم من التابعين ومن بعدهم ممن أدرك الأعمش بأنهم لايكرهون الكحل للصائم، والسبب في هذا أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بمنع الكحل شيء هذا أولاً .
ثانياً : أن الأصل البراءة الأصلية والصيام من شرائع أهل الإسلام الظاهرة فلو كان الكحل مفطراً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عاماً يعلمه العام فضلاً من الخاص.
ثالثاً : أن العين ليست منفذاً للمعدة كالأنف أما كون الإنسان إذا اكتحل يشعر بالطعم في الحلق فهذا لا يدل على أن العين منفذ للمعدة فلو أن امراءً وطأ بقدمه حنظلاً وتركه بقدمه لشعر بالطعم في حلقه وهل يدل هذا على أن وطأ الحنظل يفطر كلا فوجود الطعم بالحلق ليس مفطراً الذي يفطر هو الأكل والشرب ومايقوم مقامهما أما الكحل والطيب وما شابههما فلا تفطر الصائم لأنه لابد من دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم والأصل البراءة الأصلية فلا يحق لنا أن نقول بأن هذا يفطر بدون دليل وليس هذا خاصاً بالكحل بل بكل مايمر بنا مما يذكره بعض الفقهاء مفطراً علينا أن نبحث عن الدليل وننظر في صحته أيضاً فربما كان الدليل ضعيفاً أوموضوعاً أوكانت الحجة غير مستقيمة .
والخلاصة أن الكحل لايفطر مطلقاً والله أعلم .
625/ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قـال : قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من نسي وهو صائم ، فأكل أوشرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه ) . هـذا الخبر متفق عليه .
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا عبدان قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به .
وقال مسلم رحمه الله حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة .
قوله وللحاكم ورواه أيضاً ابن خزيمة في صحيحه وابن حبان في الصحيح أيضاً كلهم من طريق محمد بن عبدالله الأنصاري قال حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه به .
وفي محمد بن عمرو كلام يسير فقد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه وحديثه على الصحيح مقبول ومن قبل الأحاديث الحسنة مالم يخالف .



قوله [ من نسي وهو صائم ، فأكل أوشرب ] .
الحديث دليل على أنَّ الأكل والشرب في نهار رمضان نسياناً لايفطر وبهذا قال جمهور العلماء منهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد خلافاً لمالك، وقد ألحق الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه الجماع بالأكل والشرب فمن جامع ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة يؤيد مذهب الإمام أحمد رواية [ من أفطر ناسياً ] فلفظة أفطر تشمل الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقد قال تعالى : { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} ( البقرة ) .
وجاء في صحيح الإمام مسلم من حديث ابن عباس : قال الله تعالى : (قد فعلتٌ) فمن رحمة الله جل وعلا على عباده أن من أكل ناسياً أوشرب أوجامع أنه لاكفارة عليه ولاقضاء بل صومه صحيح لقوله صلى الله عليه وسلم (فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) .
وهل يجب تنبيه من أكل أوشرب ناسياً . في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم.
فقـال بعض أهل العلم يجب تنبيهه لأن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والله يقول : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ } ( سورة المائدة ) . وفي صحيح الإمام مسلم من حديث أبي سعيداً مرفوعاً ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ) .
وهذا الآكل أو الشارب ناسياً قد فعل منكراً بالنسبة لنا فلزم الإنكار عليه.
وقال بعض أهل العلم إنه لايجب تنبيهه لأنك تعلم علم اليقين أنه أكل أوشرب نسياناً ولم يرتكب حينئذ منكراً وإنما أطعمه الله وسقاه أما إذا لـم تعلم صيامـه فلك حينئذ حـق الأنكار وهذا أظهر.









626/ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ، ومن استقاء فعليه القضاء ) .
هذا الحديث رواه الخمسة وغيرهم من طريق عيسى بن يونس قال حدثنا هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة .
وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وذلك بعتبار أن رواته كلهم ثقات ولكنّ الخبر معلول ولايلزم من ثوثيق الرواة تصحيح الإنساد فقد أعله أكابر المحدثين منهم الإمام أحمد والبخاري والترمذي وقال الإمام الدارمي رحمه الله في سننه قال عيسى زعم أهل البصرة أن هشاماً وهم فيه وهذا قول أكثر المحدثين وقد ضعفه البخاري في صحيحه بما رواه معلقاً بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفاً أنه قال ( من قاء فلا فطر عليه إنما يخرج ولا يولج ) .
فلو كان الخبر محفوظاً عند أبي هريرة لم يخالفه ولم يفت بخلافه والقاعدة عند أبي هريرة ( أن الفطر مما دخل لا مما خرج ) وقد ذكر البخاري في صحيحه معلقاً عن ابن عباس أنه قال ( الفطر مما دخل لا مما خرج ) وهذا مذهب عكرمة وسعيد وهو قول للمالكية فعلى هذا القول يصبح القيء غير مفطر سواء كان عمداً أوسهواً أونسياناً لأنه لم يثبت دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن القيء مفطر ولو كان القيء مفطراً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بياناً عاما يعلمه العام قبل الخاص لأن هذا الحكم مما تحتاجه الأمة .
وقد ذكر بعض أهل العلم أن القيء عمداً يفطر بالإجماع وهذا ذهول من قائله فقد ذهب جمع من أكابر أهل العلم إلى أن القيء لايفطر مطلقاً منهم أبو هريرة وابن عباس وعكرمة وسعيد والبخاري وجمع من فقهاء المالكية وهو الصحيح .
والقائلون بأن القيء مفطر يعتمدون على حديث الباب ويعتمدون على حديث (قاء فأفطر) وهذا الحديث فيه نظر فقد جاء بلفظ [ قاء فتوضأ ] ولو فرضنا صحته فهذا مجرد فعل لايدل على الإيجاب، وأما حديث الباب فهو ضعيف .
وقالوا أيضاً بأن استفراغ الطعام من البدن ينهك الجسم ويضعفه فكان الفطر أولى فإن الحجامة لما كانت تضعف البدن وتنهكه صارت مفطرة وفي هذا نظر أيضاً فإن التعب ينهك البدن هل يكون مفطراً أما قضية الحجامة فقد سبق أنها لاتفطر الصائم كما هو قول أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم.
627/ وعن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من مـاء فرفعه حتى نظر الناس إليه، فشرب، ثم قيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام . فقال : ( أولئك العصاة ، أولئك العصاة ) .
حديث جابر رواه الإمام مسلم في صحيحه فقال : حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبدالوهاب ابن عبدالمجيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبدالله.
قوله وفي لفظ فقيل له : إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينتظرون فيما فعلت . فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب .
هذه الرواية رواها مسلم في صحيحه من طريق الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر به ولكن ليس عند مسلم (فشرب) .
والخبر رواه الشافعي والحميدي والترمذي والنسائي من طرق عن جعفر بن محمد به.
قوله [ كراع الغميم ] .
كراع بضم الكاف وفتح الراء وهو طرف الشيء، والغميم وادي بين مكة والمدينة يطل طرفه على البحر الأحمر .
وهذا الحديث قد احتج به من يرى منع الصيام في السفر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صام وصام معه أصحابه فلما بلغ كراع الغميم وذلك بعد العصر قيل له يارسول لله إن الناس قد شق عليهم الصيام فدعا بقدح ورفعه حتى ينظر الناس إليه ويقتدوا بفعله فشرب وشرب معه ثلة من أصحابـه فقيل له بعد هذا إن بعض الناس قد صام فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ثم قال : ( أولئك العصاة أولئك العصاة) وفي هذا الاحتجاج نظر فإن هذا الخير لايدل على منع الصيام في السفر مطلقاً إنما يمنع من الصيام من يشق عليه وينهكـه وأما كـون النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أولئك العصاة .. ) فلأنهم لم يبادروا بالامتثال مع كون الصيام قد أرهقهم وأتعبهم ولذلك يصح الاحتجاج بهذا الخبر على جواز الصيام في السفر لمن لايشق عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صام إلى وقت العصر وصام معه أصحابه وقد جاء في مسلم من طريق قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (لستَّ عشرة مضت من رمضان فمنَّا من صام ومنا من أفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم ) .
وفي الحديث دليل أيضاً على أن من يشق عليه الصيام في السفر يجب عليه الفطر ويحرم حينئذ في حقه الصيام .
وهل يصح الصيام مع الإثم أم لا الصحيح أن الصيام صحيح ويأثم بذلك .
وفي الحديث دليل على رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته ورحمته بهم وشفقته عليهم حيث أفطر صلى الله عليه وسلم بعد العصر لكون الصيام قد شق عليهم.
628/ وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : يارسول الله، إني أجد فيّ قوة على الصيام في السفر . فهل علي جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ) .
هذا الخبر رواه مسلم رحمة الله عليه قال حدثنا أبو الطاهر وهارون بن سعيد الأيلي قال حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الأسود عن عروة عن أبي مراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي ... الحديث .
ورواه البخاري ومسلم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنَّ حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم يارسول الله أأصوم في السفر وكان كثير الصيام فقال صلى الله عليه وسلم ( إن شئت فصم وإن شئت فأفطر ) .
والحديث دليل على تخيير المسافر بين الصيام والفطر إلا أن الفطر أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم ( هي رخصة فمن أخذ بها فحسن ) وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
ويستدل لهم أيضاً بحديث ابن عمر عند الإمام أحمد وصححه ابن خزيمة من طريق عمارة بن غزية عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ) .
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة على مذاهب كثيرة أذكر أهمها على وجه الاختصار .
المذهب الأول : تحريم الصوم في السفر مطلقاً ومن صام فعليه القضاء .
وهذا مذهب جماعة من أهل الظاهر لقول الله جل وعلا { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ( البقرة ) .
قالوا دلت هذه الآية على وجوب القضاء على المسافر ولم يذكر الله تعالى الإفطار بينما قدر جمهور العلماء الآية ( فمن كان منكم مريضاً أوعلى سفر فأفطر
وسياق الآيات يدل على هذا أما أهل الظاهر فقالوا إن صام في السفر فعليه القضاء لأن الفطر يلزمه .
واستدلوا أيضاً بحديث جابر السابق ( أولئك العصاة أولئك العصاة ) واستدلوا أيضاً بحديث جابر في الصحيحن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ليس من البر الصيام في السفر ) .
المذهب الثاني : عكس هذا المذهب أن الصيام واجب في السفر فلا يجوز الفطر في السفر إلا عند المشقة .
المذهب الثالث : تجويز الأمرين إلا أن الصيام أفضل من الفطر .
وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وذكره ابن حجر في فتح الباري عن جمهور العلماء ورجحه .
وقد استدل أصحاب هذه القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر وأن عبدالله بن رواحه كان يصوم في السفر وأن أنس بن مالك كان يصوم في السفر .
واستدلوا أيضاً بحديث الباب .
فلو كان الصيام في السفر مكروهاً أوخلاف الأولى لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حمزة الأسلمي .
المذهب الرابع : تجويز الأمرين إلا أن الفطر أفضل .
وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله وقد تقدم .
المذهب الخامس : أن يفعل المسافر ماهو الأرفق به فإن كان الصيام أرفق به ولايشق عليه بل لو أفطر لشق عليه القضاء فيما بعد فالصيام حينئذ أرفق بحقه وإن كان الصيام يشق عليه أويضعفه عن بعض العبادات المهمة فالفطر في حقه أفضل.
وهـذا مذهب أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز رحمه الله واختار هذا القول الإمام ابن المنذر رحمه الله .
وهذا المذهب أعدل المذاهب وبه يحصل الجمع بين الأدلة .
وأما إن كان الصيام يشق عليه وصام فهذا لايجوز وعليه ينزل حديث (ليس من البر الصيام في السفر) وحديث ( أولئك العصاة أولئك العصاة ) .
وأما إذا لم يجد مشقه فعليه ينزل صيام النبي صلى الله عليه وسلم وصيام حمزة بن عمرو الأسلمي وصيام أنس وقد روى مسلم في صحيحه أيضاً من حديث أبي النظر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( في غزوة في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم ) .
والسبب في هذا أنهم لايجدون مشقة في الصيام ولم ينكر عليهم صلى الله عليه وسلم فعلم جواز الصيام في السفر لمن لايشق عليه بل ربما يكون أفضل من الفطر على حسب التفصيل السابق .
629/ وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : رخص للشيخ الكبير (أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ، ولا قضاء عليه ) .
أثـر ابن عباس رواه الإمام الدارقطني والحـاكم من طريق خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس به .
قال الدارقطني في سننه وهذا إسناد صحيح وقال الحاكم في المستدرك وهذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه .
وقد روى الدارقطني وغيره من طريق سعيد وهشام عن قتادة أن أنس بن مالك حين كبر أفطر وأمر أهله أن يطعموا عن كل يوم مسكينا . قال هشام في حديثه : فأطعم ثلاثين مسكيناً وروى أبو عبيد في الناسخ عن عبدالله بن صالح عن الليث عن يحيى بن سعيد في ذلك قال : يطعم كل يوم مُدّاً من حنطة قال قال ذلك أبو بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم عن أشياخ الأنصار قال أبو صالح وهو قول الليث قال أبو عبيد وكذلك قول مالك حدثنيه عنه ابن بكير وابن أبي مريم وقد يلحق بهؤلاء أهل العطاش الذين يخاف عليهم منه الموت .
وفي صحيح البخاري من حديث عمرو بن دينار عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ { وعلى الذين يُطوّقونه فدية طعام مسكين } قال ليست بمنسوخه إنما هي في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لايستطيعان أن يصوما فيطعمان عن كل يوم مسكيناً". فالكبير الذي لا يستطيع الصوم وفي حكمه المريض الذي لا يُرجئ برؤه يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً ولو أطعم ثلاثين مسكيناً في جفنة أجزأ وقد فعله أنس رضي الله عنه رواه الدارقطني . وقد ذكر ابن القيم رحمه الله وغيره أنه لايصار إلى الإطعام إلا عند اليأس من القضاء، وأما المريض الذي يُرجى برؤه فلا فدية عليه فإذا قدر على الصوم لزمه وجوباً لقوله تعالى : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } بقيت مسألة مهمة وهي أنه ثبت عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا في المرضع والحامل يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليهما رواه الدارقطني وصححه فظاهر هذا يخالف ظاهر قول الله تعالى { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }
والجواب أن العلماء رحمهم الله مختلفون في قضية القضاء في حق الحامل والمرضع فذهب الأئمة الأربعة إلى أنهما يقضيان الحاقاً لهما بالمسافر والمريض فقد دلت الآية السابقة على وجوب القضاء على المريض والمسافر وهذا مما أجمع عليه أهل العلم رحمهم الله ولكن اختلفوا في الحامل والمرضع فألحقهما الأئمة الأربعة بالمريض والمسافر فهم بمنزلة واحدة والصيام فرض على الجميع فلا يسقط إلا عن الذي لايطيق فحينئذٍ يعدل إلى الفدية وماثبت عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا لا قضاء عليهما يمكن أن يكون اجتهاداً منهما ويمكن أن يكون عن أمر توقيفي لأن ابن عباس فسر آية البقرة بالشيخ الكبير والمرأة الكبيرة فكأنه رحمه الله يرى خصوصيتها بالمريض والمسافر ولا يبعد أن يقال لامجال للاجتهاد في هذه القضية وكيف يتفق صحابيان فقيهان على هذا الأمر إلا عن أمر توقيفي، وقول الجمهور أحوط فالأولى للحامل والمرضع إذا أفطرتا أن تقضيا لأن الصيام فرض ثلاثين يوماً أوتسعاً وعشرين فيجب أداء هذا بيقين فلا يترك لأمر مظنون وأما الإطعام فلا يجب على القول الراجح إذا قضتا وإنما يلزم عند عدم القضاء .












630/ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( هلكت يارسول الله . قال : وما أهلكك ؟ قال وقعت على امرأتي في رمضان . فقال : هل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال : لا . قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا قال : فهل تجد ماتطعم ستين مسكيناً ؟ قال : لا ، ثم جلس ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال (تصدق بهذا) فقال : أعلى أفقر منا ؟ فما بين لا بتيها أهل بيت أحوج إليه منا ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه . ثم قال : (اذهب فأطعمه أهلك ) .
هذا الحديث متفق على صحته .
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا أبو اليمان قال حدثنا شعيب عن الزهري عن حميد بن عبدالرحمن عن أبي هريرة به .
وقال الإمام مسلم رحمه الله حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر ابن أبي شيبة وزهير بن حرب وابن نمير كلهم عن ابن عيينة .
قال يحيى أخبارنا سفيان ابن عيينة عن الزهري به .
والحديث رواه عن الزهري جمع كثير يتجاوزون أربعين نفساً كما أشار إلى هذا ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن كلهم رواه عن الزهري عن حميد بن عبدالرحمن بنحو ماذكر .
خالفهم هشام بن سعد كما عند أبي داود فرواه عن الزهري عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة وزاد ( وصم يوماً ) أي مكان ما أفطرت وهذه الزيادة طعن فيها أكابر الحفاظ وهو الحق فلا يرتاب طالب علم فضلاً عن عالم بشذوذها ونكارتها فأصحاب الزهري الكبار منهم مالك وابن عيينة وابن جريج وشعيب ومعمر والليث وعقيل بن خالد هؤلاء حفاظ الحديث يروون هذا الخبر عن الزهري بدون ماذكره هشام بن سعد ولو كان ابن سعد ثقة لحكم على الرواية بالنكاره فكيف وهو سيء الحفظ أيضاً فقد طعن فيه الإمام أحمد وجماعة من الحفاظ، وقد تابعه على هذه الرواية مـن لايعتد به .
قوله [ هلكت ] .
احتج بهذه الرواية جماعة من أهل العلم على أنه كان متعمد الجماع وهذا قول جماهير العلماء، وقد ذهب أحمد في رواية وبعض المالكية إلى أن الكفارة الموجودة بهذا الخبر لازمة للعامد وغيره وفي هذا نظر لأن في الحديث قرائن تدل على أنه متعمد وأما الناسي أو الجاهل فالحق أنه لا كفارة عليه كما هو قول الجمهور واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهذا اختيار الحافظ ابن حجر قال ابن القيم لأن الجماع كما سبق بمنزلة الأكل والشرب نسياناً فمن شرب أو أكل ناسياً فلا قضاء ولا كفارة عليه كما سبق تقريره .
قوله [ وقعت على أهلي ] .
هذا الوقاع وقع في رمضان ولا تلزم الكفارة إلا لمن واقع في رمضان خاصة فلو أن أمرأ واقع في قضاء رمضان فلا تلزمه كفارة وكذلك لو واقع في صيام نفل أو نذر أوغير ذلك فلا تلزم الكفارة إلا لمن واقع في نهار رمضان وذلك لحرمة الشهر ويشترط في إيجاب الكفارة أن يطأ في الفرج ولو وطأ عن طريق الزنا أعاذنا الله وإياكم من ذلك لوجبت عليه الكفارة أيضاً .
قوله [ هل تجد ماتعتق رقبة ؟ ] .
هذه الكفارة على الترتيب عند أكثر أهل العلم وهو اختيار ابن القيم رحمه الله وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أنها على التخيير، والقول الأول أظهر .
وقد قال أبو حنيفة رحمه الله على قوله صلى الله عليه وسلم ( هل تجد ماتعتق رقبة ) أنه لايشترط الإيمان في هذه الرقبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل مؤمنة فلما أطلق استفيد من اطلاقه العموم . وخالفه في ذلك الجمهور فقالوا لاتجزئ إلا المؤمنة واختار هذا ابن القيم رحمه الله، وقد الحق الجمهور رقبة المجامع في رمضان ورقبة المظاهر برقبة القاتل وهذا مبني على قاعدة حمل المطلق على المقيد .
والصحيح في هذه القضية أن المطلق لايحمل على
المقيد إلا مع اتحاد الحكم والسبب وإلى هذا أشار في المراقي فقال :
وحمل مطلق على ذاك وجب إن فيهما اتحد حكم والسبب
قوله : [ قال : لا ] .
في هذا دليل على أنّ من لم يستطع عتق الرقبة لزمه شيء آخر ألا وهو الصيام فيصوم شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا لعذر كمرض وغيره فإن أفطر لغير عذر لزمه الإعادة من جديد عند أكثر أهل العلم كما هو قول الحنابلة والشافعية والمالكية وقد ذكره بعض أهل العلم إجماعاً .



قوله : [ قال : لا ] .
أي لا استطيع أن أصوم شهرين متتابعين وفي رواية ( وهل فعل بي مافعل إلا الصيام ) ظاهر هذه الرواية أن هذا الرجل فيه شبق وهو من لايستطيع ملاك شهوته.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً حين عجز عن العتق وعن الصيام انتقل معه صلى الله عليه وسلم إلى الإطعام فقال الرجل : لا أي لا استطيع ظاهرُ هذا أن الرجل كان فقيراً وظاهر الحديث أن الكفارة على الترتيب وليست على التخيير ففي هذا المقطع فوائد منها :
والحديث ساكت عن حكم المرأة فقيل إنها مكرهة وقيل لا كفارة عليها أصلاً كما هو مروي عن الأوزاعي وجماعة وفي هذا نظر فقد سكت الحديث عن حكمها لأنها لم تسأل والحكم متعلق بالسائل لتبين الحق في هذه القضية أن المرأة كالرجل إذا علم أنها عالمة بالحكم ولم يكرهها فعليها الكفارة ككفارة الرجل لأن النساء شقائق الرجال إلا بدليل وهذا قول الإمام أحمد والشافعي ومالك وأكثر العلماء وهو الحق .
ومن فوائد الحديث أيضاً سقوط الكفارة عمن لم يستطع وهل تتعلق بذمته قال بهذا بعض أهل العلم والحق أنها تسقط مطلقاً إذا لم يجد في الحال لأن النبي صلى الله عليه وسلم أسقطها ولم يبين له أنها متعلقة بذمته وتأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز .
قوله : [ فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر ] .
العَرَق هو المكتل الواسع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خذ هذا وتصدق به فقال : أعلى أفقر منا ؟ في هذا دليل على جواز الإخبار عن حالته فلا مانع من كون الإنسان يخبر عن حالته أنه فقير إذ لو كان القول غلطاً أومنكراً لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم وتأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز .
قوله [ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا ] .
وفي رواية فوالله مابين إلخ فيه دليل على جواز الحلف بدون استحلاف لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على حلفه بل ضحك النبي صلى الله عليه وسلم وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم .
وفيه جواز الضحك بمثل هذه الأمور .
قوله [ ثم قال : اذهب فأطعمه أهلك ] .
استشكل هذا بعض الفقهاء فقالوا كيف يأمره الرسول صلى الله عليه وسلم يطعم أهله وهو كفارة واجبه فقال بعض أهل العلم هذا دليل على أن الكفارة مستحبة إذ لو كانت واجبة ما أمره بأن يطعم أهله وفي هذا القول نظرٌ بين .
وقالت طائفة أخرى إن هذا العرق من التمر ليس كفارة عنه إنما هي صدقة وقالت طائفة ثالثة لامانع من الأكل من الكفارات الواجبه إنما يمنع المرء بما خصه الدليل وإلا فالأصل أن المرء يأكل من كفارته، وقيل غير ذلك .
والحق في القضية أن الرجل لما كان فقيراً أذن له النبي صلى الله عليه وسلم بأكل هذه الكفارة .
وقد قال بعض أهل العلم إنه خاص بهذا الرجل والحق العموم فمن اتصف بمثل وصف هذا الرجل فلا مانع أن يأكل من هذه الكفارة بشرط أن يكون قد أُعطى هذه الكفارة أما إذا كان يخرجها من ماله فلا يأكل منها بل يوصلها إلى مستحقيها .
وفي الحديث أيضاً فوائد أخرى كثيرة ويظهر من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سكت عن قضية القضاء وقد بينت فيما تقدم أن رواية الأمر بالقضاء منكرة وقد اختلف الفقهاء في هذه القضية فذهب الأئمة الأربعة إلى وجوب القضاء لقول الله { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وأنه لا يصدق على هذا الرجل أنه صام شهراً إلا بقضاء ما أفطر فيه .
وذهب ابن حزم إلى عدم لزوم القضاء فمن أفطر متعمداً فلا قضاء عليه وهذا من باب التغليظ والزجر وليس من باب التخفيف وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقد رد هذا القول الإمام ابن عبدالبر رحمه الله وجعله من الأقوال الشاذة وانتصر لوجوب القضاء وهذا أحوط والعلم عند الله .








631/ وعن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يصبح جنباً من جماع، ثم يغتسل ويصوم) .
هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه فقال : حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب ابن أبي حمزة عن الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث عن أبيه عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما .
وقال مسلم رحمه الله حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبدالرحمن عن عائشة وأم سلمة . ولم يذكر في هذا الإسناد عن أبيه ورواه مسلم أيضاً من طريق الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث عن أبيه .
والحديث يدل على صحة صيام من أصبح جنباً ولو لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر فليس هناك ارتباط بين الغسل قبل طلوع الفجر وبين الصيام وبمنزلة الجنب الحائض إذا طهرت قبل طلوع الفجر يصح صومها ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر وكذلك النفساء وأنها بمنزلة الحائض والجنب، وهذه المسألة وقع بها خلاف في صدر الأمة الأول وذلك أن أبا هريرة رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا أصبح أحدكم جنباً فلا يصم يومه ) رواه الإمام أحمد وغيره وبه قال الشعبي وطائفة قليلة من الفقهاء، ثم إن أبا هريرة رضي الله عنه حين سُئل عن هذا الحديث هل سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قال سمعته من الفضل. والحديث ترك العمل به أكابر العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة فقالت طائفة بأنه منسوخ بحديثي عائشة وأم سلمة السابق .
وقالت طائفة أخرى بأنه يفطر يوماً استحباباً لا إيجاباً .
وقال البخاري رحمه الله في صحيحه حين ذكر حديث أبي هريرة وقبله حديث عائشة وأم سلمة والأول أسند كأنه رحمه الله يشير إلى تقديم حديث عائشة وأم سلمة . وهذا هو الحق .
وقد اندرس الخلاف الأول واستقر إجماع المسلمين على أن من أصبح جنباً وقد نوى الصيام قبل الفجر أن صومه صحيح ولو لم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر، وبمنزلة الجنب الحائض والنفساء .
وقد استدل بحديث الباب طائفة من أهل العلم على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لايحتلم لأن الإحتلام من الشيطان، وقد جاء في بعض طرق الحديث ( يصبح جنباً من غير إحتلام ) وهذا مذهب ابن عباس رضي الله عنهما .
وقد استدل بالحديث نفسه أيضاً طائفة أخرى على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتلم وإلا لم يكن لقول عائشة وأم سلمة ( من غير احتلام ) معنى إذا كان لايحتلم فقد أرادتا أن تميزا بين جماعه وبين احتلامه ولذلك قالت طائفة قليلة في صدر الأمة الأول بالتفريق بين من أصبح جنباً فهذا من فعله وبين من أصبح محتلماً والحق أنه لافرق بين من أصبح جنباً وبين من أصبح محتلماً فيتم صومه ولاقضاء عليه ولاكفارة بل ولايستحب على القول الراجح قضاء هذا اليوم إذا لم يغتسل إلا بعد طلوع الصبح .
والحق أن النبي صلى الله عليه وسلم لايحتلم لأن الإحتلام من الشيطان والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الشيطان فلا يأمره إلا بخير .
632/ وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) . .متفق عليه
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا محمد بن خالد قال حدثنا محمد بن موسى بن أعين قال حدثنا أبي عن عمرو بن الحارث عن عبيدالله بن أبي جعفر أن محمد بن جعفر حدثه عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها به .
وقال الإمام مسلم رحمه الله حدثنا هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا حدثنا ابن وهب قال خبرنا عمرو بن الحارث به .
وفي الباب ماجاء في الصحيحين من طريق مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله إن أمي قد توفيت وعليها صيام شهر أفأقضيه عنها فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( لوكان على أمك دين أكنت قاضيه قال نعم قال فدَيْنُ الله أحق أن يُقضى) .
وفي رواية ( وعليها صوم نذر ) .
وقد قال بعض أهل العلم منهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى يحمل حديث عائشة على حديث ابن عباس فقد جعل الإمام أحمد رحمه الله هذه القضية من قضايا حمل المطلق على المقيد وقد قال في المراقي .
وحمل مطلق على ذاك وجب إنْ فيهما اتحد حكم السبب
فحديث عائشة في مطلق الصيام وحديث ابن عباس في صيام النذر فرأى الإمام أحمد رحمه الله أنه لايقضى عن الميت إلا صيام النذر ونظير هذا القول قول أبي حنيفة رحمه الله بأنه لايصام عن الميت أبداً لاصيام نذر ولاغيره وذهب أكثر أهل الحديث إلى أنه يصام عن الميت الصيام الواجب سواءً كان نذراً أم صيام رمضان إذا مات وعليه بقية من الشهر لم يتمكن من صيامها لمرض ونحوه وليس المعنى أنه إذا مات في رمضان يتمم عنه بقية الشهر هذا غلط مثل هذا الفعل لايشرع فيه الصيام إنما المعنى إذا توفي وعليه بقية من صيام رمضان قد فاتته لم يصمها وأصحاب هذا القول لم يروا حمل المطلق على المقيد لأن حديث ابن عباس واقعة عين ولأن السائل حين سأل أفتاه النبي صلى الله عليه وسلم على وفق سؤاله بينما حديث عائشة في تقرير قاعدة كلية لجميع الأمة بأن من مات وعليه صيام صام عنه وليه وهذا حديث عام لايصح تقييده بمثل خبر بن عباس .
وقوله [ صام عنه وليه ] .
هذا للاستحباب عند جماهير العلماء حتى قال إمام الحرمين هذا بالإجماع وهذه مبالغة من إمام الحرمين فقد ذهب بعض أهل الظاهر إلى الإيجاب فكأن إمام الحرمين لم يلتفت إلى خلاف أهل الظاهر، والحق أن أهل الظاهر يعتد بهم في الخلاف والإجماع فلا ينعقد الإجماع إلا بهم فإنهم أئمة وعندهم من العلوم الشرعية أكثر مما عند فقهاء الأحناف فإذا كنا لا نعتد بعلماء الظاهر في مواقع الإجماع والخلاف فالأولى ألاّ نعتد بعلماء الأحناف لأن علماء أهل الظاهر أعلم وأفقه للعلوم الشرعية وأتبع للسنة من كثير من فقهاء الأحناف وأما قضية أخذهم بالظاهر فهذا أولى من أخذ الأحناف بالرأي ومن يأخذ بالظاهر ويعتصم به أولى ممن يأخذ برأيه ويدع النصوص الشرعية .
والحاصل أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( صام عنه وليه ) هذا للاستحباب لا للإيجاب، وقد خرج لفظ الولي مخرج الأولوية وإلا فلو صام عنه غير وليه صح هذا وأجزأ .
أما قول أهل الظاهر بالإيجاب فهذا فيه ضعف لقوله تعالى { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } سواءً كان الصيام صيام نذر أم لا فلا يلزم أحد أن يصوم عن أحد.


باب صوم التطوع ومانهى عن صومه
هذا الباب معقود لبيان أحكام صيام التطوع وبيان الأيام المشروعة صيامها والمنهي عن صيامها فقد خص النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأيام لمزيد فضلها كما أنه نهى عن صيام بعض الأيام كتخصيص يوم الجمعة بالصيام مثلاً .
وصيام التطوع صيام مرغب فيه فإن الصيام جنة من عذاب جهنم وصيام التطوع يتمم مانقص من صيام الفرض .
قال المؤلف رحمه الله :
633/ عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئلَ عن صوم يوم عرفـة . فقال : ( يكفر السنة الماضية والباقية ) وسُئِل عن صوم يوم عاشوراء . فقال : ( يكفر السنة الماضية ) وسئل عن صوم يوم الإثنين ، فقال (ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل عليّ فيه) .
رواه مسلم في صحيحه قال رحمه الله حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عـن غيلان بن جرير سمع عبدالله بن معبد عن أبي قتادة رضي الله عنه .
ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بمعناه .
والحديث يدل على فضيلة صيام يوم عرفة لغير الحاج لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم بعرفة ولا كان أبو بكر وعمر وعثمان يصومون بعرفة يوم كانوا حجاجاً إنما يشرع الصيام لغير الحاج وأما الحاج فمشروع له الفطر وإن كان يقدر على الصيام لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل الخلفاء بعده، وصيام يوم عرفة لغير الحاج يكفر سنتين السنة الماضية والسنة القابلة وقد قيل إن تكفيره لسنة القابلة بأن يوفق لترك المعاصي وفي هذا نظر والأولى حمل الحديث على ظاهره، وذلك بأن مايعمله من المعاصي فإنها مكفرة وهل التكفير يقع للصغائر دون الكبائر أم أن التكفير يعم الكبائر والصغائر قولان عند أهل العلم :
القول الأول : قول الجمهور أن التكفير يقع للصغائر دون الكبائر لقول الله { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } ( النساء ) .
ولما روى الإمام مسلم رحمه الله من طريق العلا ابن عبدالرحمن بن يعقوب الحرقي مولاهم عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( رمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة مكفرات لما بينهنّ مالم تغش الكبائر ) .
فهذا نص صريح على أن صيام رمضان والصلوات الخمس لاتكفر الكبائر وإنما يكفر الكبائر الندم والتوبة .
فإذا كانت الصلوات الخمس لاتقوى على تكفير الكبائر فمن باب أولى صيام يوم عرفة لأن الصلاة أفضل من الصيام خصوصاً إذا كانت الصلاة فرضاً وهذا قول الأئمة الأربعة وذكره ابن عبدالبر في التمهيد إجماعاً ورد على المخالف في هذه القضية .
القول الثاني : قول أهل الظاهر وهو أن التكفير يقع للكبائر والصغائر معاً وانتصر لهذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وذكر في كتاب الإيمان عشرة أوجه ينتصر بها لهذا القول، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة ( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) فهذا الحديث من أدلة شيخ الإسلام رحمه الله بتكفير الأعمال للكبائر، وقد سبق بحث هذه القضية بأدلتها وينبغي لطالب العلم أن يراجع كتاب ( الإيمان ) ليستفيد من تقرير شيخ الإسلام رحمه الله لهذه المسألة .
قوله : [ وسئل عن صيام يوم عاشوراء ] .
يوم عاشوراء يوم تعظمه يهود لأنه يوم نجى الله فيه موسى وقومه من آل فرعون فصامه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال نحن أحق بموسى منكم، وقال صلى الله عليه وسلم ( لأن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع ) . وذلك من أجل مخالفة اليهود في إفراده .
صيام يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية وهو أقل ثوباً من صيام يوم عرفة لغير الحاج لأن صيام يوم عرفة يكفر سنتين وصيام يوم عاشوراء يكفر سنة واحدة .
وهل يشترط بالتكفير أن يصوم التاسع مع العاشر . الجواب : لا فلو صام عاشوراء لحصل له التكفير فإن قيل صيام عاشوراء لاتحصل به المخالفة فنقول إن المخالفة لليهود تحصل ولو مرة واحدة في العمر كقوله صلى الله عليه وسلم صلوا بالنعال فإن اليهود لايصلون بنعالهم لو أن رجلاً صلى بنعاله مرة واحدة في العمر خرج بذلك عن مشابة اليهود فلا يشترط في جميع العمر أن يصوم التاسع مع العاشر فإن المخالفة تصدق ولو مرة واحدة كما هو مقرر عند جماعة من أهل الأصول كما أن الواجب يصدق فعله في مرة واحدة مالم تدل قرينة التكرار ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أذن المؤذن فقولوا مثلما يقول ) إذا تابعن أحد المؤذنين مرة واحدة أدّين المطلوب فإذا أذن الثاني استحب متابعته والمقصود أن صيام يوم عاشوراء يكفر سنة وصيام يوم قبله أفضل من إفراده وأما حديث ( صوموا يوماً قبله ويوماً بعده ) فهذا رواه الإمام أحمد ومداره على محمد ابن عبدالرحمن ابن أبي ليلى وقد قال عنه الإمام أحمد كان سيء الحفظ مضطرب الحديث وأيضاً قد خولف في إسناده فالخبر منكر ولايصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رغب بصيام ثلاثة أيام في عاشوراء وإنما جاءت فضيلة صيام ثلاثة أيام بأدلة عامة لاتختص بشهر الله المحرم .
وكذلك الحديث الآخر ( صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده ) هذا الخبر منكر .
وقد روى عبدالرزاق بالمصنف بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال (صوموا التاسع مع العاشر ) وهذا هو المحفوظ .
قوله [ وسئل عن صوم يوم الإثنين ، فقال : ذلك يوم ولدت فيه ] .
يشير بهذا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه يشرع صيامه لأن يوم الإثنين يوم ولد فيه صلى الله عليه وسلم، وفيه تعرض الأعمال على الله جل وعلا فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن يُعرض عمله وهو صائم ولذلك كان عليه الصلاة والسلام كثيراً مايصوم يوم الإثنين .
وقد احتج بحديث الباب بعض الصوفية على الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون بما أنه شرع صيام يوم الإثنين فكذلك يشرع الاحتفال بمولده، وأقول بصرف النظر عما يقع في الاحتفال من الشركيات والضلالات والبدع فإننا نقول إن جنس الاحتفال بالمولد بدعة وضلالة، فلو كان فهمُ هؤلاء الصوفية صحيحاً لكان الصحابة بهذا الفهم أولى فليس هناك أحدٌ من البشر أكثر تعظيماً للرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة ولا أكثر حباً له منهم ومع ذلك ماكانوا يحتفلون بمولده صلى الله عليه وسلم ولافعل هذا صحابيٌ قط، كذلك التابعون لهم بإحسان كذلك الأئمة الأربعة كلهم لم يكونوا يحتفلون بمولد النبي صلى الله عليه وسلم .
وإنما أحدث هذا الفاطميون وهم أهل جهل وضلال وأهل بدع، وشرك فإنهم حين بعدوا عن الدين واعتاضوا عن الهدى بالضلال وعن الرشاد بالغي أحدثوا هذه الاحتفالات المبتدعة .
وأما حديث الباب فإنما يدل على مشروعية الصيام يوم الإثنين ولايدل على مشروعية الاحتفال ومن فهم هذا فعليه الدليل والواجب الرجوع إلى فهم الصحابة رضي الله عنهم .
وفي الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين وأوحي إليه في يوم الإثنين وهذا بالإجماع وأدلته كثيرة .
634/ وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).
رواه مسلم رحمه الله فقال حدثنا يحيى بن أيوب قال أخبرنا إسماعيل بن جعفر قال حدثنا سعد بن سعيد بن قيس عن عمر بن ثابت بن الحارث عن أبي أيوب. ورواه أحمد وأهل السنن.
وقد تكلم بهذا الحديث بعض أهل العلم وأعله بسعد بن سعيد بن قيس فقد قال عنه الإمام أحمد رحمه الله سيء الحفظ وكذا قال النسائي وغيره ولكنه توبع تابعه صفوان بن سليم عند أبي داود وهو ثقة خرج له الجماعة .
ورواه النسائي من طريق الإمام شعبة عن عبدربه بن سعيد عن عمر بن ثابت به. وعبد ربه بن سعيد قال عنه الإمام أحمد لا بأس به .
وفي الباب عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ست من شوال بشهرين فذلك صيام سنة ) رواه الإمام النسائي في السنن الكبرى من طريق يحيى بن الحارث عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان به وصححه ابن حبان وغيره وفيه نظر وفي الباب عن جابر رواه أحمد ولا يصح.
قوله [ من صام رمضان ] .
أي كاملاً فلا يصح صيام ست من شوال إلا باستكمال رمضان وليس هذا من باب منع التطوع قبل الفرض، فهذه مسألة خلافية هل يجوز للمسلم أن يتطوع بالصيام قبل أن يؤدي الفرض، الذي عليه الجمهور الجواز وهو الحق إلا أن مسألتنا ليست من هذا الباب فمنع صيام ست من شوال قبل استكمال رمضان من باب أن الست لاتصح إلا بعد استكمال رمضان وذلك لعموم قوله من صام رمضان ثم اتبعه ستاً من شوال .
وأما الذي عليه بقية فلا يصدق في حقه أنه صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال وهل يلزم في صيام الست أن تكون متتابعة ؟ الصحيح أنه لايلزم فلو فرقها صح هذا لقوله من شوال ومن هنا تبعيضيه إلا أن الأكمل والأفضل أن يصوم الست متتابعة لئلا يعرض له عارض يمنعه من الصيام وقد قال تعالى : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} وقد اختلف العلماء رحمهم الله في حكم صيام ست من شوال ، دل حديث الباب على استحبابها وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم وخالف في ذلك الإمام مالك رحمه الله وقال بالكراهية لئلا يصل رمضان بما ليس منه، وقال في الموطأ إنه لم ير أحداً من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ماليس منه أهل الجهالة والجفاء ) فيحتمل قول مالك رحمه الله في هذه المسألة أحد أمور إما أنه لم يبلغه الخبر أو أنه بلغه فلم يثبت عنده أو أنه رأى العمل على خلافه فلم يقل به وعلى كل فالحديث ثابت في فضيلة صيام ست من شوال وأقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها والله أعلم .
قوله [ كان كصيام الدهر ].
المراد بالدهر هنا العام والسنة الواحدة وذلك أن صيام رمضان يعدل صيام عشرة أشهر وصيام ست من شوال يعدل شهرين فتلك سنة كاملة .
وفي هذا دليل على أنه لابد من استكمال رمضان وأن الست لاتصح إلا بعد استكمال رمضان، فإن قال قائل إذا ولدت المرأة في رمضان يتعذر معها صيام ست من شوال فيقال إن صيام الست من السنن الراتبة المقيدة فإذا كانت لعذر شرعي جاز قضاؤها كسائر الرواتب فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر وهذه راتبة مقيدة بوقت معين فكذلك صيام الست إذا فاتت المرأة بعذر شرعي جاز قضاؤها، فتصوم النفساء رمضان ثم تتبعه ستاً من شوال .
أما إذا تمادت بالقضاء كأن تؤخر مثلاً إلى محرم فحينئذٍ نقول لها فات وقت صيام ست من شوال لأنها لم تبادر بالصيام كما أن المرء إذا تذكر راتبة الظهر بعد العصر ولم يبادر إلى قضائها فات وقت محلها .
ونظير هذا العقيقة إذا فات اليوم السابع لغير عذر فات محلها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيدها قال ( كل مولود مرتهن بعقيقته ت*** عنه يوم سابعه ) حديث صحيح ولو كان اليوم السابع واليوم العاشر سواء لم يكن لقول النبي صلى الله عليه وسلم ت*** عنه يوم سابعه معنى .






635/ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قـال : قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مامن عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفاً ) متفق عليه .
قال البخاري رحمه الله حدثنا إسحاق بن نصر قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني يحيى بن سعيد وسهيل بن أبي صالح أنهما سمعا النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد به .
وقال الإمام مسلم رحمه الله حدثنا محمد بن رمح قال حدثنا الليث بن سعد عن ابن الهاد عن سهيل بن أبي صالح به .
قوله [ من صاما يوماً في سبيل الله ] .
اختلف العلماء رحمهم الله في معنى في سبيل الله فقيل المراد في الجهاد وفي غزو الأعداء وهذا اختيار ابن الجوزي لأنه يجمع بين مجاهدة العدو وبين الصيام فالصيام من العبادات البدنية والجهاد من العبادات المالية والبدنية فيجمع بين الأمرين فيحصل على الثواب والأجر الجزيل .
ورجح القرطبي بأن المراد في سبيل الله أي في مرضاة الله فيصوم قاصداً بذلك وجه الله .
وقد استظهر ابن حجر رحمه الله في فتح الباري بأن الحديث أعم من هذا كله فيشمل الجهاد وغيره وهذا هو المعتمد والخبر عام فنحمل الحديث على من صام في الجهاد ومن صام في أي يوم يقصد وجه الله والدار الآخرة ويدخل بذلك على الصحيح صيام رمضان إذا صامه إيماناً واحتساباً باعد الله بكل يوم وجهه عن النار سبعين خريفاً ، فإن قيل لماذا خص الخريف من بين فصول العام ؟ فالجواب أنه خص لأنه أزكى الفصول وفيه تجنى الثمار ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله في فتح الباري والمراد بالخريف هنا العام أي باعد الله وجهه عن النار سبعين عاماً .


في هذا الحديث فوائد :
الفائدة الأولى : فضيلة الصيام على وجه العموم .
الفائدة الثانية : فضيلة الصيام في الجهاد في سبيل الله .
الفائدة الثالثة : فضيلة الجهاد في سبيل الله فإذا اجتمع جهاد وصيام فهذا من أفضل الأعمال .
الفائدة الرابعة : فيه أن الأعمال الصالحة سبب بالبعد عن النيران .
الفائدة الخامسة : فيه أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وهو قول أهل السنة قاطبة إنما ينازع في ذلك أهل الإرجاء .
636/ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لايفطر ، ويفطر حتى نقول لايصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ( استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ) . متفق عليه .
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن عائشة رضي الله عنها .
وقال مسلم رحمه الله حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن عائشة رضي الله عنها .
والحديث دليل على فضيلة الاستكثار من الصيام، وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ويسرد الصوم سرداً حتى يقول القائل لايفطر أبداً ولكنه يفطر فإذا أفطر يقول القائل لايصوم أبداً .
فإن قال قائل لماذا يفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا ؟ فالجواب قد يقال كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينشغل فلا يصوم فتتابع أشغاله حتى يقول القائل لا يصوم أبداً فيفرغ بعد ذلك فيسرد الصوم تعويضاً لما فات فيقول القائل لايفطر أبداً ثم ينشغل فيفطر وهكذا .
وربما يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل هذا على وجه التعبد وفي هذا نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ) متفق عليه .
وأما قول عائشة ( وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ) .
ففي هذا دليل على أنه لايشرع صيام شهر كامل إلا رمضان ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ماصام شهراً كاملاً إلا رمضان .
قولها [ وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ] .
وفي رواية عند مسلم من طريق ابن عيينة عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة عن عائشة قالت : ( ولم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلاً ) وقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنه جائز في كلام العرب أن يقال لمن صام أكثر الشهر قد صام الشهر كله . وفي الحديث دليل على فضيلة الاستكثار من الصيام في شعبان .
وهل يعني هذا أن الصيام في شعبان أفضل من غيره ؟ الجواب لا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ) والحديث في مسلم، فالاستكثار من الصيام في شهر الله المحرم أفضل من الاستكثار من الصيام في شعبان ولكن الخبر يدل على فضيلة صيام شعبان وفضيلة الاستكثار منه.
فإن قال قائل لماذا يستكثر صلى الله عليه وسلم الصيام في شعبان ؟ قيل فرحاً بقدوم رمضان وقيل للتمرن على الصيام، وقيل للتذكير برمضان وقيل غير ذلك وربما يقال لجميع هذه الأمور، إلا أنه تقدم عندنا النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين فمن لم يصم في شعبان حتى بقي على رمضان يوم أو يومان فلا يحق له حينئذٍ الصيام إلا إذا كان فرضاً أوله عادة يصوم يوماً ويفطر يوماً .
637/ وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام : ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة) .
رواه الإمام النسائي في سننه، والترمذي في جامعه وابن حبان في صحيحه من طريق يحيى بن بسام عن موسى بن طلحة عن أبي ذر رضي الله عنه .
ويحيى بن بسام روى عنه عبدالملك بن عمير والأعمش وفطر بن خليفة وذكره ابن حبان في ثقاته وقال عنه أبو داود لا بأس بحديثه فهو إذاً صدوق والحديث صححه ابن حبان والحاكم وجماعة، ولكن وقع في إسناده اختلاف على موسى بن طلحة كما أشار إلى ذلك الإمام النسائي رحمه الله في سننه وقد رواه النسائي من طريق أبي عوانة عن عبدالملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة ورواته كلهم ثقات ولكنه معلول فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة أنه كان يصوم ثلاثة أيام من أول الشهر فلو كان حديث الباب محفوظاً عند أبي هريرة ماخالفه . وأحاديث صيام ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة . فيها مقال وقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه من حديث معاذة قالت : قلت : لعائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر قالت : نعم قلت : لها من أي الأيام قالت : لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم ) .
فهذا الخبر يدلنا على أن عائشة لاتعرف قضية تحديد الأيام عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرغب أمته بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وكان يفعل ذلك .
وقد جاء في الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم (بثلاث وذكر منهنّ أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر) وجاء في المسند وغيره ( فكان أبو هريرة يصوم ثلاثة أيام من أول الشهر ) .
فيستحب للمسلم أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقد استحب أكثر أهل العلم أن تكون في أيام البيض وهي : (ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة) مع أن الأحاديث في ذلك فيها مقال كما بينا، وقد روى الحارث بن أبي أسامة عن سليمان بن حرب ثنا شعبة بن الحجاج عن قتادة قال سمعت موسى بن سلمة قال سألت ابن عباس عن صيام ثلاثة أيام البيض فقال كان عمر يصومهن .. ) ورواته ثقات وإن صام الأثنين، والخميس فهذا جاء فيه حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تعرض الأعمال على الله في يوم الاثنين والخميس وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ) . رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب والحديث في صحيح مسلم بلفظ آخر ليس فيه ذكر الصيام .
وتقدم عندنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يصوم يوم الاثنين ويقول ذاك يوم ولدت فيه ) رواه مسلم وغيره .








638/ وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لايحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ) . متفق عليه وزاد أبو داود (غير رمضان) .
قال البخاري رحمه الله حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة .
وقال مسلم رحمه الله حدثنا محمد بن رافع قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن همام بن منبهٍ عن أبي هريرة، ورواه البخاري عن محمد بن مقاتل أخبرنا عبدالله أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ ( لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ) .
وأما رواية أبي داود فقد قال : أبو داود رحمه الله حدثنا الحسن بن علي قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة به، والحسن بن علي هو الهذلي الخلال قال عنه الإمام أحمد ما أعرفه بطلب الحديث وقال يعقوب ابن شيبة ثقة ثبت ووثقة النسائي وقوله ( غير رمضان ) فيها نظر والعمل عليها .
قوله [ لايحل للمرأة ] .
أي يحرم على المرأة أن تصوم النفل غير الفرض كرمضان أوغيره من الفروض كالقضاء والنذر ونحو ذلك إلا بإذن زوجها لأن حق الزوج واجب وصيام غير الفرض مستحب ومن الفقه تقديم الواجبات ومن ذلك طاعة الزوج على فعل المستحبات كالصيام ونحوه وكذلك يحرم على المرأة أن تصوم ستاً من شوال وأن تصوم الاثنين والخميس إلا بإذن الزوج سواء كان الإذن صريحاً أم تلويحاً فلو صامت وأمرها زوجها بالفطر فيجب عليها حينئذِ الفطر فإن أبت فقد عصت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل أيضاً على قلة فقهها لأنها تعمل سنة وترتكب محرماً والحاصل أنّ طاعة الزوج مقدمة على صيام النوافل وفعل المستحبات العامة وإنما تصوم الفرض سواء كان رمضان أوقضاء أونذراً بدون إذن زوجها لأن صيام رمضان فرض فرضه الله فهى حينئذٍ تقدم طاعة الرب على طاعة زوجها .
وفي الحديث فوائد : منها عظم حق الزوج على الزوجة ومنها وجوب تقديم الواجبات على المستحبات ومنها جواز صيام الفرض بدون إذن الزوج ومنها أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان فإن أطاعت زوجها فهذا من الواجب وهو من الإيمان وإن عصت أثمت وهذا من نقص الإيمان، وفيه أيضاً أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان .
639/ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نهى عن صيام يومين : يوم الفطر ويوم النحر ) . متفق عليه .
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد .
وقال الإمام مسلم رحمه الله حدثنا أبو كامل الجحدري قال أخبرنا عبدالعزيز بن المختار عن عمرو بن يحيى به .
ورواه الشيخان أيضاً من حديث عمر، وخرجاه أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
قوله [ نهى ] .
الأصل في النهي أن يكون للتحريم وهو في هذا الموضع للتحريم باتفاق أهل العلم فقد اتفق العلماء رحمهم الله على تحريم صوم يومي العيدين سواء كان الصيام نذراً أو غيره .
فإن هذا النذر نذر معصية لايجوز الوفاء به لحديث عائشة في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) .
ونذر صيام يومي العيدين نذر معصية فلا يجوز الوفاء به وهل يقضي في غيرهما فيه خلاف بين أهل العلم وقد قال بعض أهل العلم إن النذر المقيد يفوت بفوات وقته وهذا قول قوي وعليه يكفر عن يمينه .
قوله [ يوم الفطر ويوم النحر ] .
وهذا بالاتفاق والخلاف في صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي وسيأتي بحث هذه المسألة في موضعها .
وكذلك يوم الجمعة يكره إفراده عند طائفة من الفقهاء ويحرم عند آخرين لما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( دخل على جويرية في يوم الجمعة وهي صائمة قال صمت أمس . يعني الخميس قالت لا قال : تصومين غداً يعين السبت قالت لا قال : فأفطري ) .
وفي صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال لاتخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولاتخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام ) فإن قيل ماهي الحكمة من تحريم صيام يومي العيدين فالجواب أن الحكمة أن هذين عيدا أهل الإسلام فلا يشرع الصيام في العيد ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل ) أي فلا تصوموا لأن هذه الأيام للأكل والشرب وللذكر وليست للصيام وأيضاً صيام يومي العيدين يقتضي وصل يوم برمضان ليس منه، ويقتضي أيضاً في يوم النحر عدم الأكل في يوم عظمه الله وأمر الله جل وعلا بالأكل فيه وبعض العلماء يرى وجوب الأكل من الهدي والأضحية وهذا اختيار الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان .
والصيام يتنافى مع الأكل فتعين حينئذ منع الصيام في يومي العيدين .
640/ وعن نبيشة الهذلي رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب ، وذكر لله عز وجل ) .
هذا الخبر رواه مسلم في صحيحه فقال حدثنا سريج بن يونس قال أخبرنا هشيم عن خالد عن أبي المليح عن نبيشة الهذلي ويسمى نبيشة الخير وفي الباب عن كعب بن مالك عند مسلم وعن عقبة بن عامر عند الترمذي وأبي داود وعن عمرو بن العاص عند أبي داود، وعن أبي هريرة عند ابن ماجه .
والحديث دليل على النهي عن صيام أيام التشريق قال عطاء هذا في حق الحاج ولكن خالفه الجمهور وقالوا بمنع صيام أيام التشريق للحاج وغيره واختار هذا القول الحافظ ابن رجب في فتح الباري .
والحديث دليل أيضاً على إبطال تقسيم الفقهاء للذكر إلى مطلق ومقيد فإن قوله صلى الله عليه وسلم ( وذكر الله عز وجل ) يدل على أن الذكر كله مطلق ويدخل فيه المقيد دبر الصلاة وأما تقييد الذكر بأيام التشريق بأدبار الصلوات دون غيرها فالحديث يرده .
وقد اختلف العلماء رحمهم الله بمن صام أيام التشريق هل يصح صيامه مع الإثم أم أن الصيام باطل هذه المسألة مبنية على حكم ارتكاب النهي هل يقتضي الفساد أم لا وهذه المسألة اختلف فيها الأصوليون على مذاهب .
المذهب الأول : أن النهي يقتضي الفساد وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
المذهب الثاني : أن النهي لايقتضي الفساد وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي في المشهور عنهم .
المذهب الثالث : إذا كان النهي متعلقاً بشرط من شروط العبادة اقتضى الفساد وإلا فلا وهذا اخيتار الحافظ ابن رجب رحمه الله .
المذهب الرابع : أن نعتبر كل مسألة بخصوصها وننظر فيها بالقرائن كعمل الصحابة رضوان الله عليهم وهذا المذهب هو الحق فلا نجعل في هذه المسالة قاعدة كلية بل ننظر في عمل الصحابة وننظر في تعاملهم في هذه المسألة فنحكم عليها بذلك .
فمثلاً جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لاينكح المحرم ولا يُنكِح ولايخطب ) .
عمل الصحابة منهم عمر وعلي وعبدالله بن عمر وجماعة بأن نكاح المحرم فاسد فلذلك فسخوا نكاح من تزوج محرماً ففي هذه القضية نأخذ بقول الصحابة رضي الله عنهم، وفيه قول لأهل العلم بجواز نكاح المحرم ولكن عمل الصحابة مقدم على عمل من جاء بعدهم .
وحديث الباب يدلنا على أن أيام التشريق ليست محلاً للصيام كيوم العيدين ليست محلاً للصيام فالصيام حينئذٍ غير صحيح لأنه وضع الصيام في غير محله سواء كان الصيام فرضاً كالقضاء أونفلاً إلاّ أنه يستثنى من ذلك صيام ثلاثة أيام لمن لم يجد الهدي ودليل هذا ماذكره المؤلف رحمه الله في الباب .
641/ وعن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا : ( لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ) .
هذا الخبر رواه البخاري فقال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا غندر عن شعبة قال سمعت عبدالله بن عيسى عن الزهري عن عروة عن عائشة وعن سالم عن ابن عمر .. الحديث .
فهذا الحديث يدل على جواز صيام ثلاثة أيام في الحج وفي أيام التشريق خاصة لمن لم يجد الهدي وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله لأن قولي عائشة وابن عمر (لم يرخص) يقصدان بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الصيغة تشعر بأن لهذا الخبر حكم المرفوع ( كقول الصحابي من السنة أونهينا عن كذا أو أمرنا بكذا) .
ومن ثم يقول الحافظ العراقي رحمه الله :
قولُ الصحابي من السنة أو نحو أُمرنا حكمه الرفـعُ ولـو
بعــد النبي قاله بأعصر على الصحيح وهو قول الأكثر
وذهبت طائفة من العلماء إلى تحريم صيام أيام التشريق مطلقاً سواء وجد الهدي أم لم يجده لحديث نبيشة الهذلي وهو عام في حق المتمتع وغيره ولكنّ قولي عائشة وابن عمر أخص منه ويؤيد الجواز ظاهر الآية ( فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) .
وذهبت طائفة أخرى إلى جواز صيام أيام التشريق مطلقاً وهذا مروي عن علي وجماعة ولعل أصحاب هذا القول لم يبلغهم خبر نبيشة الهذلي وهو ظاهر في منع صيام أيام التشريق ودل خبر الباب بطريق المنطوق .
على استثناء من لم يجد الهدي وقد قال تعالى : { فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } وهذه الثلاثة يجوز صيامها قبل يوم عرفة كما أنه يجوز صيامها على الراجح في أيام التشريق وأيام التشريق ثلاثة أيام بعد يوم النحر وهذا قول الإمام أحمد في رواية وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيم وهو قول الحافظ ابن كثير عليهم رحمة الله .


642/ وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم) .
هذا الخبر رواه مسلم فقال حدثنا أبو كريب قال حدثنا حسين ( يعني الجعفي ) قال حدثنا زائدة عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
قوله [ لاتخصوا ليلة الجمعة ] .
أخذ من هذا بعض الفقهاء أن النهي خاص بمن يتقصد قيام ليلة الجمعة وأما من قام غير متقصد فلا مانع حينئذٍ، وهذا الذي يدل عليه مفهوم الخبر فالنهي منصب على تخصيص ليلة الجمعة بالقيام وأما ماعدا هذا فلم يُنه عنه وأما الصيام فيختلف عن القيام فحديث الباب يدل على أن النهي لمن خص يوم الجمعة بالصيام وقد ذكر أبو عيسى الترمذي رحمه الله في جامعه عن أهل العلم أنهم يكرهون للرجل أن يختص يوم الجمعة بصيام لايصوم قبله ولا بعده وبه يقول أحمد وإسحاق ولكن جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لايصومنّ أحدكم يوم الجمعة ) .
فهذا الخبر يفيد النهي عن إفراد يوم الجمعة مطلقاً سواء كان عن طريق التخصيص أم لايؤيد هذا ماجاء في الصحيحين عن جويرة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ( دخل عليها وهي صائمة يوم الجمعة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أصمتي أمس يعني الخميس . قالت لا قال أتصومين غداً . يعني السبت . قالت لا قال فأفطري ) .
ولم يستفصل منها النبي صلى الله عليه وسلم هل تقصدت صيام يوم الجمعة أم لا فدل على العموم . ويحتمل تخصيص هذا وما قبله بحديث الباب فيحمل المطلق على المقيد وحينئذٍ يزول الإشكال .
وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله هل النهي عن صيام يوم الجمعة للتحريم أما للتنزيه ذهب أكثر أهل العلم إلى أن النهي للتنزيه وجعلوا قوله صلى الله عليه وسلم (إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ) وكقوله صلى الله عليه وسلم ( أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ) قرينة على صرف النهي عن التحريم للتنزيه.
وذهب الإمام أحمد في رواية إلى أن النهي للتحريم لأنه الأصل واحتج بما ذكر المؤلف رحمه الله .
643/ وعنه أيضاً رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لايصومن احدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوماً قبله أويوماً بعده ) .
هذا خبر متفق عليه .
قال البخاري رحمه الله حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال حدثنا أبي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به .
وقال مسلم رحمه الله حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص وأبو معاوية عن الأعمش ح وحدثنا يحيى بن يحيى واللفظ له قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به، ورواه أبو داود والترمذي وابن خزيمة وابن حبان وقال أبو عيسى حديث حسن صحيح .
والحديث يدل على النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام سواء كان فرضاً أم نفلاً أما إن صام يوماً قبله أو يوماً بعده فلا بأس .
644/ وعنه أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) .
هذا الخبر رواه الخمسة وغيرهم من طريق العلاء بن عبدالرحمن بن يعقوب الحرقي مولاهم عن أبيه عن أبي هريرة .
ورواه عن العلا جمع منهم الثوري والدراوردي وأبو عميس وزهير بن محمد وغيرهم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ولكن ضعفه الإمام علي بن المديني وأحمد بن حنبل وأكثر الحفاظ وقالوا بأن العلاء وهم فيه والأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على خلافه، أما العلاء فقد وثقه جمع من الحفاظ وصحح له الإمام مسلم عدة أحاديث بمروياته عن أبيه، ووثقه الترمذي وغيره.
وأما كون الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على خلافه فهذا قد رده الإمام أبو داود رحمه الله في سننه وقال ليس هذا عندي بخلافه، والمقصود بالأحاديث التي على خلافه كحديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال لاتقدموا رمضان بيوم ولا يومين ) .
مفهومه أنه يجوز تقدمه بغير ذلك ولكن قد يقال إنه ليس لهذا العدد مفهوم لأن المقصود النهي عن سبق رمضان بيوم أو يومين أو أكثر لحال رمضان وهذا قول الإمام الترمذي رحمه الله في جامعه .
أما إذاكان له عادة يصوم يوماً ويفطر يوماً أوله عادة يستكثر من صيام شعبان أو أراد أن يصوم فرضاً أونذراً فلا مانع حينئذ أن يصوم بعد انتصاف شعبان لأن المقصود من حديث الباب أن يتحر المرء انتصاف شعبان فإذا انتصف شعبان شرع بالصوم ليصله برمضان وأما ماعدا هذه الصورة فلا مانع من الصيام مطلقاً فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستكثر من الصيام في شعبان ولم يكن في صومه أكثر منه في شعبان إلا في رمضان كما تقدم في حديث عائشة .
فإذا حمل حديث الباب على ماذكرنا لم يكن مخالفاً للأحاديث الأخرى ولكن حمله جماعة من أهل العلم على ظاهره وقالوا إذا انتصف شعبان فلا يشرع الصوم فمن ثمَّ استنكر هذا أكثر الحفاظ وردوه بأحاديث كثيرة تدل على خلاف هذا القول .
645/ وعن الصماء بنت بسر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تصوموا يوم السبت ، إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاءَ عنب، أوعود شجرة فليمضغها ) .
رواه الخمسة ورجاله ثقات إلا أنه مضطرب وقد أنكره مالك وقال أبو داود هو منسوخ .
هذا الحديث جاء من طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبدالله بن بسر عن أخته الصماء .
وجاء في بعض طرقه عند النسائي عن خالته الصماء وفي رواية عند النسائي أيضاً عن عمته الصماء .
ورواه النسائي عن عبدالله بن بسر عن النبي صلى الله عليه وسلم وجاء الحديث أيضاً في مسند عائشة .
فالحديث فيه اختلاف كثير يدل على اضطرابه قال الإمام أحمد وكان يحيى بن سعيد يأبى أن يحدثني بهذا الخبر وقال الإمام الأوزاعي رحمه الله لم نزل نكتمه حتى انتشر . وقال الإمام أحمد . الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبدالله بن بُسر.
وقال الإمام مالك هذا الحديث كذب .
فهذا الخبر مضطرب سنداً ومنكر متنا، أما اضطراب الاسناد فتاره يذكر الخبر عن عبدالله بن بسر وتارة عن أخته وتارة عن عمته وتارة عن خالته وتارة عن عائشة والطريق واحد والمخرج واحد فدل على اضطرابه ودل على نكارته أما نكارة متنه فإن الخبر يدل على منع صيام يوم السبت ولو كان قبله يوم أو بعده يوم إلا في الفرض لقوله { إلا فيما افترض عليكم } .
قال الإمام أحمد والأحاديث كلها على خلافه فقد جاء في صحيح الإمام مسلم عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من صام رمضان واتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر ) .
والغالب في هذه الست أن يوافق أحدها يوم السبت وقد استحب أهل العلم صيام ست من شوال متتابعه، وأيضاً لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ( وأتبعه ستاً من شوال إلا يوم السبت ) وتأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز .
ومن الأدلة الدالة على جواز صيام يوم السبت ماجاء في الصحيحين ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ) واليقين حاصل بهذا الحديث أنه يوافق يوم السبت .
ومن الأدلة مارواه الشيخان أيضاً عن جويرية أنها صامت يوم الجمعة فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي صائمة فقال : أصمتِ أمس قالت لا قال أتصومين غداً ( يعني السبت ) قالت : لا قال إذاً أفطري ) .
فهذا الحديث صريح بجواز صيام السبت بغير الفرض، فإن قال قائل آلا يمكن حمل قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تصوموا يوم السبت ) على الاستحباب فالجواب، لا يمكن هذا لأن الاستحباب يحتاج إلى دليل فالنصوص متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في جواز صيام يوم السبت سواء صام قبله يوماً أولم يصم ثم أيضاً إن التورع عن صيام يوم السبت يحتاج إلى دليل قوي ومثل خبر الباب منكر من حيث الإسناد وباطل من حيث المتن، وأكثر الحفاظ على إنكاره كالأوزاعي ويحيى بن سعيد بل قال مالك هذا كذب وأنكره الإمام أحمد وغير هؤلاء من الحفاظ الذين أنكروا هذا الخبر وأعلوه سنداًو متناً .
فإن قال قائل لماذا لانحمل الخبر على من أفرد السبت فنقول قد قال بهذا بعض الفقهاء ولكن مما يرد هذا قوله في الحديث ( إلا فيما افترض عليكم ) فأفادت هذه الجملة النهي عن صيام يوم السبت ولو كان قبله يوم أوبعده لأن الحديث لم يخصص إلا الفرض والخلاصة أن حديث الباب غير صحيح ومما يدل أيضاً على نكارنه ماذكره المؤلف هنا :
646/ وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر مايصوم من الأيام يوم السبت، ويوم الأحد، وكان يقول : (إنهما يوما عيد للمشركين، وأنا أريد أن أخالفهم ) .
هذا الخبر رواه النسائي من طريق عبدالله بن المبارك عن عبدالله بن محمد بن عمر عن أبيه عن كريب عن أم سلمة رضي الله عنهما .
وعبدالله بن محمد وأبوه قد روى عنهما جمع وذكرهما ابن حبان في ثقاته ومن ثم صحح لهما الإمام ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .
والحديث يدل على جواز صيام يوم السبت بل يدل الخبر على استحباب ذلك مخالفة لليهود فإنهم يعظمون يوم السبت والأحد ويجعلونهما عيداً لهم ومعلوم عندنا أن العيد لايشرع صيامه فشرع لنا مخالفتهم وصيام هذين اليومين فدل هذا الخبر عن نكارة حديث الصماء . وأم سلمة رضي الله عنها أدرى بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم من الصماء .
ويدل الخبر أيضاً على أن مخالفة اليهود والنصارى غاية مقصودة للشارع ومن ثم يقول صلى الله عليه وسلم ( وأنا أريد أن أخالفهم ) فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يحرص كل الحرص على مخالفة أهل الكتاب يقول شيخ الإسلام رحمه الله : لأن المشابهة في الظاهر تورث المودة في الباطن ) .
ومن هنا شرع لجميع المسلمين مخالفة اليهود في أعيادهم وجميع أحوالهم ومن تشبه بقوم فهو منهم كما جاء هذا في مسند الإمام أحمد من طريق عبدالرحمن بن ثابت ابن ثوبان عن حسان بن عطيه عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في الاقتضاء إسناده جيد وظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم وأقل أحواله التحريم .
والمقصود أنه يشرع للمسلم أن يخالف المشركين ويشرع أيضاً أن يعتز بدينه وشرع نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وألا يشابههم فإن مشابهتهم قد تورث مودتهم والعجيب أن الكفار لايرضون بأي حالة من الأحوال مشابهة المسلمين ومع هذا تجد بعض المنتسبين للإسلام يتشبه بهم وبزيهم ومايختصون به في بلاد المسلمين إما افختاراً بذلك وإما تقصداً لإضلال غيره وقد جاء في صحيح الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أبغض الرجال إلى الله ثلاثة ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية .. الحديث ) .
الشاهد قوله [ ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ] .
فمن جلب لبلاد المسلمين ملابس الكفار فهذا من أبغض الرجال إلى الله جل وعلا كذلك يحرم تأجير من يبيع في المحل ملابس الكفار أويُعين على نشر تعاليم دينهم أوما كان من خصائصهم .
647/ وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ) .
رواه الخمسة إلا الترمذي رووه كلهم من طريق حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري عن عكرمة عن أبي هريرة .
والخبر صححه ابن خزيمة والحاكم ولكن قال : العقيلي رحمه الله في كتابه الضعفاء في ترجمة حوشب بن عقيل لايتابع عليه وحوشب وثقه وكيع وأحمد وابن معين والنسائي والحديث ضعفه غير واحد وأعلوا الخبر بمهدي الهجري وأنه لايعرف فمثله لا يحتمل تفرده بهذا الخبر وإن ذكره ابن حبان في ثقاته، ومن ثم اختلف الفقهاء رحمهم الله في صوم يوم عرفة بعرفة بعد اتفاق أهل العلم على فضيلة صيام يوم عرفة لغير الحاج فقد تقدم في أول الباب حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صيام يوم عرفة فقال ( يكفر سنتين السنة الماضية والسنة القادمة ) فقد أخذ بعض الفقهاء بعموم حديث أبي قتادة فرأوا مشروعية الصيام في يوم عرفة للحاج وغيره وأصحاب هذا القول لما ضعفوا وتيقنوا ضعف حديث أبي هريرة وصحة حديث أبي قتادة أخذوا بعموم حديث أبي قتادة وهذا القول الأول في المسألة .
القول الثاني : من كان مطيقاً للصيام ولا يكلفه ولايشق عليه فالصيام أفضل وأما إن كان يشق عليه أويضعفه عن الدعاء فإنه مكروه حينئذٍ وهذه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله .
القول الثالث : في المسألة أن الصيام محرم وإن كان مطيقاً له وهذا مروي عن يحيى بن سعيد وهو قول طائفة من أهل الظاهر، وهذا مايدل عليه حديث الباب لو كان صحيحاً فإن الأصل في النهي أن يكون للتحريم ويستدل لهذا القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم يوم عرفات ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أم الفضل قالت تنازع الناس يوم عرفات هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (صائماً أم لا فبعثت إليه بإناء فيه لبن فشرب وهو واقف على بعيره ) .
فهذا الخبر يفيد أن النبي لم يصم يوم عرفة والله يقول { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } .
ومما يشهد لهذا القول أن عمر رضي الله عنه ( كان ينهى عن صوم يوم عرفة ). رواه النسائي رحمه الله في الكبرى . وجاء هذا أيضاً عن ابن عمر رواه النسائي أيضاً .
وروى النسائي أيضاً حديث نافع عن ابن عمر أنه سئل عن صوم يوم عرفة بعرفات فقال : ( لم يصم النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ) .
يقصد ابن عمر رضي الله عنهما أنك لا تصمه فهل أنت أعلم من هؤلاء أو أفقه من هؤلاء أو أحرص على الخير من هؤلاء ، وهؤلاء لم يصوموا وهم خيار الأمة وساداتها وعظماؤها .
القول الرابع : استواء الأمرين الصيام والفطر .
القول الخامس : استحباب الصيام وهذا مروي عن عبدالله بن الزبير وعن عائشة وعن جماعة من الأفاضل رضي الله عنهم .
والقول الصحيح أن الصيام في يوم عرفة للحاج غير مشروع ولا مستحب والفطر أفضل ليتقوى على الدعاء والعبادة والله أعلم .
648/ وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا صام من صام الأبد ) متفق عليه ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ (لا صام ولا أفطر ) .
هذا الحديث وقع في بعض نسخ البلوغ بأنه عن عبدالله بن عمر وهذا يقتضي أن يكون ابن الخطاب ولكن الصحيح أنه من مسند عبدالله بن عمر وبن العاص.
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا عمرو بن علي قال أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عطاء أن أبا العباس الشاعر أخبره أنه سمع عبدالله بن عمرو فذكره. وقال مسلم رحمه الله حدثنا محمد بن رافع قال أخبرنا عبدالرزاق عن ابن جريج به.
وحديث أبي قتادة رواه مسلم في صحيحه من حديث حماد بن زيد عن غيلان عن عبدالله بن معبد عن أبي قتادة رضي الله عنه .
قوله [ لا صام من صام الأبد ] .
لفظ مسلم [ لا صام ولا أفطر ] فقيل عن هذه الجملة بأنها دعائية فيكون المعنى بأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه بأنه لا صام ولا أفطر، ولايخفى أن من دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لايفلح ولايكون إلاّ في تباب، وقيل المعنى ( لاصام ولاأفطر ) حيث أنه لم يطعم ولم يشرب ولم يجامع، وعلى المعنيين جميعاً يكون الخبر خرج مخرج الذم لمن صام الدهر وهذا بلا ريب باستثناء العيدين وأيام التشريق لأنه لو كان المعنى مع صيام هذه الأيام لايمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقول ( لا صام ولا أفطر ) لأن العلماء مجمعون إتباعاً لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن صيام يوم العيدين محرم وأنه باطل وقد تقدم أيضاً أن الجمهور يحرمون أيضاً صيام أيام التشريق للحاج وغيره وإنما اختلفوا في المتمتع إذا لم يجد الهدي .
وقد اختلف الفقهاء فيمن صام الدهر باستثناء العيدين هل فعله محمود أم مذموم على مذاهب .
المذهب الأول : استحباب صيام الدهر وهذا اختيار ابن المنذر رحمه الله وأصحاب هذا القول احتجوا بحديث حمزة الأسلمي وقد سبق ( أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يارسول الله إني أسرد الصوم فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالصيام ) .
ولكن يمكن الإيجابة عن هذا الحديث بأن سرد الصوم لايقتضي صيام الدهر فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى يقول القائل لايفطر .
واستدلوا أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر ) . وفي هذا نظر لأن التشبيه بالثواب لايقتضي وقوع التشابه أوالتناسب من كل وجه واستدلوا أيضاً بأدلة أخرى لا يتسع هذا المقام لذكرها .
المذهب الثاني : تحريم صيام الدهر وهذا مروي عن ابن حزم وطائفة من أهل العلم لحديث أبي سعيد الخدري عند أحمد والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من صام الدهر ضيقت عليه جهنم ) .
إلا أن العلماء اختلفوا في تفسير هذا الحديث فقيل المعنى ( ضيقت عليه جهنم) أي فلا يدخلها من أجل صومه فإن الصيام جنة .
وقيل المعنى يدخل جهنم فتضيق عليه لمخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال صلى الله عليه وسلم لمن يصوم الدهر ( ومن رغب عن سنتي فليس مني ) ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هديهُ قال : ( أما أنا فأصوم وأفطر ) والحديث في الصحيحين من حديث أنس .
واستدل أصحاب هذا القول بحديث الباب .
المذهب الثالث : أن الحكم يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان لايشق عليه الصيام أذن له وإلا منع منه .
والأظهر في المسألة من حيث الأدلة منع صيام الدهر وذلك لوجوه .
الوجه الأول : عموم قوله صلى الله عليه وسلم ( لاصام ولا أفطر ) يمنع من صيام الدهر .
الوجه الثاني : عموم قوله صلى الله عليه وسلم ( من صام الدهر ضيقت عليه جهنم ) فإن هذا الحديث فيه شديد الوعيد لمن صام الدهر .
الوجه الثالث : أن صيام الدهر يخالف هديه صلى الله عليه وسلم فقد كان صلى الله عليه وسلم يصوم ويفطر .
الوجه الرابع : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فيمن يصوم الدهر متعبداً بذلك قال : من رغب عن سنتي فليس مني .
الوجه الخامس : أن النبي صلى الله عليه وسلم ( جعل أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ) وقد قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو لا أفضل من ذلك .


باب الاعتكاف وقيام رمضان
الاعتكاف في اللغة : هو لزوم الشيء والإقامة فيه .
شرعاً : لزوم أحد المساجد من شخص مخصوص في وقت مخصوص . شرع الاعتكاف بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، ففي الكتاب قوله تعالى : { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) } ( سورة البقرة ) .
وأما السنة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر حتى قبضه الله إليه .
أما الإجماع فقد أجمع العلماء كما نقل إجماعهم النووي وابن قدامة وسبقهما ابن المنذر وابن عبدالبر كل هؤلاء نقل الاجماع على مشروعية الاعتكاف قال الإمام أحمد رحمه الله لا أعلم خلافاً في سنيته .
ولايصح الاعتكاف إلا في المسجد سواء كان الاعتكاف للمرأة أم للرجل لقوله تعالى : { وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } .
ويصح الاعتكاف بأي مسجد، وقد جاء حديث بأنه لا اعتكاف إلا في ( المساجد الثلاثة ) وهو حديث غريب معلول لايصح إلا مرسلاً رواه عبدالرزاق وغيره. وأمّا قول المؤلف رحمه الله ( وقيام رمضان ) أي وذكر الأخبار الدالة على فضل قيام الليل وإحيائه فقيام الليل دأب الصالحين وعز المؤمنين ورفعة في الدرجات ومكفرة للسيئات وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( نعم الرجل الصالح عبدالله لو كان يقوم من الليل ) رواه البخاري رحمه الله من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر به .
استفتح المؤلف رحمه الله باب الاعتكاف وقيام رمضان بحديث أبي هريرة.






649/ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه ) .هذا الخبر متفق عليه .
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا يحيى بن بكير قال أخبرنا الليث عن عقيل بن خالد بن عقيل عن الزهري قال حدثني أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة به.
وقال الإمام مسلم رحمه الله حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن الزهري عن حميد بن عبدالرحمن عن أبي هريرة به .
ورواه النسائي في السنن الكبرى قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وفيه ( غفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر ). وقد خولف بذلك قتيبة وخولف بذلك أيضاً سفيان فقد روى الحديث جمع من الحفاظ عن سفيان ورواه آخرون كمعمر ومالك والليث ويونس رووه عن الزهري فلم يذكروا ( وما تأخر ) فهي زيادة غير محفوظة .
قوله [ من قام ] .
(من) اسم شرط جازم تجزم فعلين الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه قوله [قام] هذا فعل الشرط ولايتم جواب الشرط إلا بتحقق فعل الشرط وفعل الشرط هنا مقيد لمن قام رمضان ( إيماناً واحتساباً ) .
فإن وجد الإيمان ولم يوجد الإحتساب أو العكس لم يحصل على المغفرة والرضوان .
والمراد بالقيام هنا قيام الليل، وفي رواية في الصحيحين ( من صام رمضان إيماناً واحتساباً ) .
و ( إيماناً ) أي تصديقاً بوعد الله وتصديقاً بثوابه فإن الإيمان في اللغة يطلق ويراد به التصديق كما في قول الله جل وعلا { وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} أي بمصدق لنا، أما في الشرع : فإنه قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان . خلافاً للجهمية فإنهم يزعمون أن الإيمان هو المعرفة وخلافاً للأشاعرة فإنهم يدعون أن الإيمان هو التصديق فقط وخلافاً للمرجئة فإن الإيمان عندهم قول باللسان واعتقاد بالجنان ويخرجون الأعمال عن مسمى الإيمان .


قوله [ احتساباً ] .
أي طلباً للأجر والثواب وطلباً لمرضاة الله فلا يريد من الناس مدحاً ولاثناءاً ولا جزاءً ولاشكوراً قال تعالى : { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} ( النساء ).
قوله [ غفر له ماتقدم من ذنبه ] .
ذهب جمهور العلماء إلى أن المراد بالمغفرة هنا غفران الصغائر دون الكبائر فإن الكبائر عندهم لاتكفر إلا بالتوبة .
وقد جاء في صحيح الإمام مسلم من حديث العلا بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( رمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة مكفرات لما بينهن مالم تغش الكبائر ) .
وذهب الإمام أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه إلى أن الحديث يعم الصغائر والكبائر، ورجح رحمه الله أن بعض الأعمال الصالحة لا يقتصر تكفيرها على الصغائر فقط بل تكفر حتى الكبائر، وذكر رحمه الله في كتاب الإيمان عشرة أوجه مؤيداً بها قوله فلتراجع .
والحديث يدل على فضيلة قيام رمضان والإحتساب في ذلك وفي الحديث ( ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وإسناده حسن .














650/ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا دخل العشر أي العشر الأخيرة من رمضان . شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله ) متفق عليه.
قال الإمام البخاري حدثنا علي بن عبدالله قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي يعفور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة به .
وقال الإمام مسلم رحمه الله حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال حدثنا ابن عيينة عن أبي يعفور به .
قولها [ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر ] .
كان هنا تفيد الدوام والإستمرار وقد تفيد الأغلبية ولكن بالنظر إلى الأدلة الأخرى يتبين أن المراد بكان هنا الدوام والاستمرار .
قولها [ إذا دخل العشر ] .
إذا ظرف لما يستقبل من الزمان ، والمراد بالعشر العشر الأواخر من شهر رمضان فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص العشر بمزيد من العمل . ففي هذا دليل على مشروعية تخصيص بعض الأيام بالعبادة والزيادة عن الوقت المعتاد في سائر الأيام فإن العشر الأواخر من رمضان فيهن ليلة من تُقبل منه فيها حاز أجراً عظيماً وثواباً جزيلاً يزيد فضل هذه الليلة على عبادة ثلاث وثمانين سنة وبضعة أشهر وعظم الله هذه الليلة وذكرها في كتابه فقال تعالى : { وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) } وفي هذه الليلة يقول الله جل وعلا { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا } والمراد بالروح هنا جبريل عليه السلام .
فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر اجتهد في العبادة تقول عائشة رضي الله عنها ذاكرة بعض عمله في هذه العشر تقول ( شد مئزره ) قيل المعنى ربط إزاره ليجتهد في العبادة، وقيل المعنى هذا كناية عن ترك الجماع ليالي العشر فإن هذا الوقت وقت عبادة ووقت اعتكاف وليس وقت تفرغ للنساء ومن ثم رأى بعض الفقهاء مشروعية ترك الجماع ليالي العشر تفرغاً للعبادة وليس المعنى عند هذا الفقيه ان ترك الجماع يراد بذاته وإنما يراد لمن أراد التفرغ للعبادة ولم يخش على نفسه الضرر، أما المعتكف فقد أجمع العلماء رحمهم الله على أنه لايجامع المرأة لقول الله تعالى : { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا }.( البقرة ) .
والصحيح في قول عائشة ( شد مئزره ) أنه كناية عن اعتزال النساء ولو كانت تقصد أنه كان يجد ويجتهد بإحياء الليل لما قالت بعد هذا ( وأحيا ليله ) والواو هنا للمغايرة والعطف هنا للمغايرة ففرقت عائشة رضي الله عنها بين شد المئزر وإحياء الليل وليس المعنى أنه صلى الله عليه وسلم يحيي جميع الليل وإنما يحيي معظمه وإطلاق الكل على البعض إسلوب عربي فصيح جاء في الكتاب والسنة الشيء الكثير، من هذا قوله تعالى { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } ( آل عمران ) . هل كل الناس قالوا وهل كل الناس جمعوا لا إنما هم نفرٌ يسير من جملة العالمين ولذلك تقول عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يصوم شعبان كله ) وفي أحاديث أخرى تقول ( إلا قليلاً ) ، ويحتمل أن يكون المراد إحياء الليل كله لأنه لم يرد شيء صحيح يخالف هذا الظاهر والعلم عند الله .
قولها [ وأيقظ أهله ] .
في هذا دليل على مشروعية إيقاظ الأهل ليالي العشر والمراد هنا تأكيد الاستحباب وإلا فهذا الفعل مسنون في جميع الأيام، وعند أبي داود من حديث أبي صالح عن أبي هريرة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى ثم أيقظ امرأته فصلت فإنه أبت نضح في وجهها الماء ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت ثم أيقظت زوجها فصلى فإن أبى نضحت في وجهه الماء ).
651/ وعنها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده). متفق عليه .
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن الزهري عن عروة عن عائشة .
وقال الإمام مسلم حدثنا قتيبة بن سعيد قال أخبرنا الليث به .
وروى البخاري من طريق يونس ومسلم من طريق موسى بن عقبة كلاهما عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعتكف العشر الأواخر من رمضان) .
قولها [ يعتكف العشر الأواخر ] .
هذا هو الذي استقر عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم والعجيب مع كون النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر وكانت أزواجه تعتكف معه ومن بعده ومع كونه صلى الله عليه وسلم لم يدع الاعتكاف قط إلا أنه لم يرد حديث صحيح عنه صلى الله عليه وسلم في فضل الاعتكاف وفي ذكر ثواب أهله وإنما نأخذ ثواب الاعتكاف من مدح أهله كما في قوله تعالى : { وَالْعَاكِفِينَ } ومن فعل النبي صلى الله عليه وسلم والمواظبة عليه وإجماع أهل العلم .
واعتكاف العشر الأواخر من رمضان آكد من العمرة في رمضان والجمع بينهما أكمل فإن كان لابد لأحدهما دون الأخر فالاعتكاف أفضل لوجهين :
الوجه الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر ولم يكن يعتمر ولايفعل النبي صلى الله عليه وسلم إلا الأكمل والأفضل .
الوجه الثاني : أن الاعتكاف يعتبر في بعض البلاد من السنن المهجورة فكان إحياؤه أولى من العمرة في رمضان التي يتنافس عليها معظم العباد في هذا الزمان، ولأن الاعتكاف في العشر يفوت وقته بخلاف العمرة يمكن أداؤها في غير رمضان وإن كانت في رمضان أفضل عند أكثر أهل العلم .
والاعتكاف سنة وليس بواجب ولكن يجب بالنذر لحديث عائشة في البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) .
قولها [ ثم اعتكف أزواجه من بعده ] .
في هذا دليل على صحة اعتكاف المرأة وقد جوز بعض أهل العلم اعتكاف المرأة في بيتها دون المساجد وهذا لا دليل عليه والصحيح أنه لايصح اعتكاف المرأة إلا في المسجد ولكن المرأة لاتعتكف إلا إذا أذن لها وليها أولاً وإذا أمنت الفتنة ثانياً وإذا كانت طاهرة ثالثاً، فإذا اختل شرط من هذه الشروط الثلاثة لم يصح اعتكافها ويجب على المرأة إذا اعتكفت في المسجد أن تعتزل الرجال وأن تتخذ لها خباءاً خاصاً لئلا يراها الرجال في حالة غير متسترة .


652/ وعنها رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه ) متفق عليه .
قال البخاري رحمه الله حدثنا محمد بن سلام قال حدثنا محمد بن فُضيل بن غزوان عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبدالرحمن عن عائشة به .
وقال مسلم حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا أبو معاوية عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة به. وظاهر الحديث يدل على أن المعتكف يدخل معتكفه حين يصلي الفجر من اليوم الحادي والعشرين، وبهذا قالت طائفة قليلة من الفقهاء، وقد ذهب الأئمة الأربعة وجماهير العلماء سلفاً وخلفاً إلى أن المعتكف يدخل معتكفه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها فعليه يدخل بغروب شمس يوم عشرين وهذا القول أرجح من القول الأول وذلك لوجوه .
الوجه الأول : أن ليلة إحدى وعشرين من ليالي القدر ومن الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر فشرع إعتكافها بينما إذا قلنا أنه يدخل بعد صلاة الفجر من يوم إحدى وعشرين يكون قد فوت ليلةً من ليالي القدر .
الوجه الثاني : أنه إذا دخل ليلة إحدى وعشرين يصدق عليه أنه اعتكف العشر بينما إذا دخل فجر إحدى وعشرين ونقص الشهر يكون حينئذ قد اعتكف ثمانية أيام والاعتكاف عشرة أيام وإن نقص الشهر فتسعة .
الوجه الثالث : إن معنى قول عائشة في حديث الباب ( دخل معتكفه ) . أي المكان الذي أعد لجلوس المعتكف فيه، وقد كان يوضع للنبي صلى الله عليه وسلم خيمة في ذلك يوضح هذا أن عائشة قالت إذا صلى الفجر فلو كانت تقصد بالمعتكف المسجد فلماذا تقول إذا صلى الفجر لماذا لاتقول إذا أراد أن يصلي الفجر لأنه دخل المسجد ونوى الاعتكاف فعلم حينئذٍ أن عائشة حين قالت دخل معتكفه أي المكان الذي أعد للاعتكاف وليس المعنى أنه منذ هذه اللحظة نوى الاعتكاف فهذا القول ضعيف وجماهير العلماء على خلافه ومن زعم أن هذا الحديث صريح بهذا فقد غلط إذ لو أرادت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل المسجد وينو الاعتكاف إلا بعد صلاة الفجر لما قالت : (معتكفه) وأيضاً لماذا النبي صلى الله عليه وسلم يدخل معتكفه وينوي الاعتكاف بعد صلاة الفجر لماذا لم ينو حين دخل المسجد كل هذا يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتكف من قبل ولكنه يحيي معظم الليل أوكله بالصلاة والعبادة والتهجد فإذا صلى الفجر دخل المكان المعد للاعتكاف ليخلو بربه جل وعلا .
والحديث دليل أيضاً على مشروعية الاعتكاف، وفيه دليل أيضاً على أن المعتكف يتخذ لنفسه مكاناً خاصاً وذلك ليخلو بربه ولكي لا يتعوره أحد حين استبدال الثياب أو استقبال من يريد زيارته من أهله .
653/ وعنها قالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليدخل عليّ رأسه وهو في المسجد ـ فأرجله ، وكان لايدخل البيت إلا لحاجة، إذا كان معتكفاً ) متفق عليه .
قال الإمام البخاري رحمه الله حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث بن سعد عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة رضي الله عنها .
وقال الإمام مسلم رحمه الله حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن الزهري به .
وفي الحديث فوائد منها .
الفائدة الأولى : جواز إخراج المعتكف بعض بدنه وأن هذا لايؤثر على الاعتكاف لقولها (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه) .
وقد أخذ من هذا بعض الفقهاء أن من حلف ألا يدخل بيت فلان من الناس وأدخل بعض جسده فإنه لا يحنث .
الفائدة الثانية : جواز اشتغال المعتكف بترجيل الرأس وأن هذا الفعل لاينافي هيئة الاعتكاف فإن النظافة مطلوبة وإن كان المرء معتكفاً .
الفائدة الثالثة : جواز محادثة المعتكف لأهله وذلك ليقضوا حوائجه ويفعلوا مصالحه أو غير ذلك من المصالح العامة والخاصة.
الفائدة الرابعة : جواز تخصيص بعض الزوجات بمثل هذا الفعل فإن عائشة رضي الله عنها قد اختصت بالترجيل علماً أن القسم بالاعتكاف قد انقطع فلذلك من له أكثر من زوجة واعتكف واحتاج شيئاً فله أن يخص إحدى الزوجات بما يشاء .
الفائدة الخامسة : أن المعتكف لايخرج إلا لما لابد منه وجاء في رواية ( لايخرج إلا لحاجة الإنسان يعني البول والغائط ، ويلحق بهما مايحتاج إليه المرء، وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله هل يعود مريضاً ويشهد جنازة .
القول الأول : فقالت طائفة لايعود مريضاً ولايشهد جنازة مطلقاً وإن كانت الجنازة لأحد الأبوين أوكليهما فإن خرج بطل اعتكافه .
القول الثاني : وقالت طائفة يخرج للحاجة وهو قول للإمام أحمد وهو مروي عن جماعة من الصحابة اختاره جمعٌ من المحققين لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج للحاجة فقد جاء في الصحيحين عن صفية وذلك في قصة مجيئها للنبي صلى الله عليه وسلم ( وهو معتكف فلما انقلبت لتذهب إلى بيتها خرج معها ) .
والحديث صريح بجواز الخروج من المعتكف للحاجة علماً بأنه لايجرأ أحد على محرم النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك خرج النبي صلى الله عليه وسلم معها ليوصلها، فعيادة المريض القريب أولى من هذا وتشييع جنازة من له حق عليك أولى من هذا .
القول الثالث : إن اشترط أن يخرج للحاجة خرج وإلا فلا يخرج وهذا المشهور من مذهب الحنابلة وهذا ضعيف لأن قضية الاشتراط لا أصل لها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة فقد قال الإمام مالك رحمه الله في الموطأ لم أسمع من أحد من أهل العلم بالاشتراط ثم ذكر رحمه الله بأنّ الاشتراط بدعة وهذا الحق فلو كان الاشتراط مشروعاً لنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يخرج لحاجته ولم يذكر عنه أنه علم أمته الاشتراط، والحق من هذه الأقوال أن المعتكف يخرج للحاجة التي يشق على نفسه بتركها ولو لم يشترط على الراجح وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث الباب وحديث حفصة رضي الله عنها .












654/ وعنها قالت : السنة على المعتكف أن لايعود مريضاً ولايشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولايباشرها، ولايخرج لحاجة إلا لما لابد له منه ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع .
هذا الخبر رواه الإمام أبو داود في سننه من طريق عبدالرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة به .
قال أبو داود عقبه غير عبدالرحمن لايقول فيه من السنة وجعل هذا الخبر من قول عائشة .
والخبر رواه البيهقي في السنن الكبرى من طريق الليث بن سعد عن عقيل بن خالد بن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر ـ وفيه ـ والسنة فذكرت الخبر .
ولكن قال الإمام البيهقي في المعرفة قوله ومن السنة من قول من دون عائشة، فقالت طائفة هذا من قول الزهري وقال آخرون هذا من قول عروة فقد روى سفيان عن هشام بن عروة عن عروة من قوله ورواه سعيد بن عروبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : ( لا اعتكاف إلا بصوم ).
وهذا كله يوضح لنا أن قولها في الحديث من السنة ليست محفوظة وأنها مدرجة أيضاً وهذا اختيار الإمام الدارقطني رحمه الله .
فعليه لايمكن الاحتجاج بهذا الخبر على منع المعتكف من عيادة المريض وتشييع الجنازة ولكن ليس معنى هذا أن المعتكف كلما سمع بجنازة خرج وتبعها هذا غلط إنما يتبع جنازة من له حق عليه كأحد الوالدين أو ابن أوعم أوعالم له نفع للإسلام والمسلمين مثل هؤلاء تتبع جنائزهم ويعاد مريضهم .
وأما قولها [ ولايمس امرأة ، ولايباشرها ] .
فهذا صحيح فإن المعتكف لايمس امرأة ولايباشرها لقول الله { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } . ( البقرة ) .
ولذلك قال الحبر عبدالله بن عباس إذا جامع المعتكف بطل ( اعتكافه ) رواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح فقد رأى ابن عباس أنه يفسد حينئذٍ وإذا أراد الاعتكاف فإنه يستأنف من جديد.
وأما قولها [ ولا اعتكاف إلا بصوم ] .
هذه القضية سيأتي بحثها إن شاء الله على حديث ابن عباس .
وأما قولها [ ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع ] .
المراد بالجامع هنا الذي يجمع فيه وليس المراد بالجامع الذي تقام فيه الجمعة فهذا وإن شرطه الإمام مالك إلا أنه أخذ هذا الحكم من أدلة أخرى لأن مالكاً رحمه الله لايرى الخروج من المسجد أبداً إلا لما لابد منه أما كونه يعتكف في غير مسجد جامع ثم يخرج يؤدي الجمعة فهذا ينهى عنه الإمام مالك ويرى أنك تعتكف في مسجد تقام فيه الجمعة حتى لاتخرج ولكن خالفه بهذا الإمام أبو حنيفة والشافعي وأحمد فرأوا جواز الاعتكاف في مسجد لاتقام فيه الجمعة إذا كانت تقام فيه الجماعة ورأوا أيضاً أن المعتكف يخرج يوم الجمعة لأداء صلاة الجمعة ولكن هل يبادر إلى الصلاة أم يتأخر لئلا يطول خروجه فيه قولان للفقهاء :
القول الأول : أنه يذهب مبكراً للأحاديث الوارده في فضل التبكير إلى صلاة الجمعة .
القول الثاني : أنه يذهب متأخراً لئلا يكثر خروجه عن معتكفه وإنما رخص له للحاجة والمقصود يتم إذا صلى الجمعة وهذا القول أقرب للصواب من القول الأول. وفي قول عائشة ( ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع) دليل على جواز الاعتكاف في جميع المساجد وهذا الصحيح وهو قول أكثر أهل العلم قال تعالى : { وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } فلم يخص مسجداً عن مسجد .


655/ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه ) .
رواه الدارقطني في سننه والحاكم في مستدركه من طريق عبدالله بن محمد الرملي عن محمد بن يحيى بن أبي عمر قال حدثنا عبدالعزيز بن محمد عن أبي سهيل عم مالك بن أنس عن طاووس عن ابن عباس به .
قال الإمام الدارقطني رفعه هذا الشيخ يعني الرملي وغيره لايرفعه قال ابن القطان وعبدالله بن محمد الرملي لا أعرفه، وقال البيهقي والصواب وقفه ورفعه وهم وهذا هو المحفوظ أي وقفه وأنه من قول عبدالله بن عباس رضي الله عنهما .
وهذا الحديث يدل على عدم لزوم الصوم للمعتكف وبهذا قال الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله، وقال مالك وأبو حنيفة يلزم الصيام للمعتكف وهذا هو اختيار ابن القيم رحمه الله وذكر في زاد المعاد أن هذا اختيار شيخ الإسلام ولكن الموجود في الفتاوى أن الصوم ليس شرطاً للإعتكاف والقول الأول هو الصحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد ( اعتكف عشراً من شوال ) والحديث متفق على صحته ، وقد ذكر الإمام البغوي رحمه الله في شرح السنه أنه يدخل في العشر الأول يوم العيد وهذا لاصيام فيه وعلم أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف بدون صيام وأيضاً لم ينقل أحد من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب الصوم بالاعتكاف فدل هذا على عدم لزومه وأن الاعتكاف يصح بدون صوم، وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في أقل مدة للاعتكاف، فقال بعض أهل العلم ليس لأقله مدة فمن دخل المسجد ونوى الاعتكاف أجر بهذا ولكن يشكل على هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط ) رواه مسلم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا من الرباط ولم يجعله من الاعتكاف ولكن لقائل أن يقول الاعتكاف نوع من أنواع الرباط فكل اعتكاف رباط وليس كل رباط اعتكافاً وهذا القول وارد إلا أن الأولى جعله رباطاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال فذلكم الاعتكاف فذلكم الاعتكاف، ولذلك قالت طائفة أخرى إن أقل الاعتكاف يوم وليلة أما إذا كان أقل من يوم وليلة فيسمى رباطاً ودليل القائلين بيوم وليلة حديث عمر في الصحيحين أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم يارسول الله ( إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له رسول الله أوف بنذرك ) . وهذا الحديث ليس صريحاً فيما ذكروا ولم يرد حديث صحيح يحدد أقل الاعتكاف، وأما أكثره فليس له منتهى ولكن أفضل أنواع الاعتكاف العشر الآواخر من رمضان والاعتكاف سنة باتفاق أهل العلم ولايجب إلا إذ جعله الإنسان على نفسه كما قال ابن عباس ( إلا أن يجعله على نفسه ) يعني بالنذر فحينئذٍ يلزم الاعتكاف وإن نذر الصوم معه لزم الصوم لعموم خبر عائشة في صحيح البخاري ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) وهذا النذر طاعة يجب الوفاء به إلا أن يشق عليه فيعجز عنه فحينئذٍ يكفر عن ذلك على القول الراجح لحديث عقبة بن عامر في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كفارة النذر كفارة يمين) وهذا الحديث على القول الراجح يشمل نذر المعصية فمن نذر نذر معصية حرم عليه الوفاء به ولكن يجب عليه أن يكفر عن نذره وبهذا قال الإمام أحمد واختار هذا القول ابن القيم في تهذيب السنن، واختلف العلماء فيما لو نذر نذراً يلزمه فعله أصلاً فلم يف كأن يقول الله عليّ نذر أن لا أحلق لحيتي فلم يف بهذا النذر فحلق لحيته يقول بعض أهل العلم لا كفارة عليه لأن هذا أمر واجب عليه في أصل الشرع وعن أحمد رحمه الله عليه الكفارة وهذا الأظهر وذلك لعموم الأدلة والحقيقة أن هذه المسألة داخله بعموم حديث عائشة من (نذر أن يطيع الله فليطعه) والنذر في إعفاء اللحية نذر طاعة وإن كان واجباً في أصل الشرع فيلزمه أن يكفر عن يمينه إذا نقض نذره .
والمقصود أنه ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه بالنذر فحينئذ يلزمه الوفاء .


656/ وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام، في السبع الآواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الآواخر ) فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الآواخر ) متفق عليه .
قال البخاري رحمه الله حدثنا عبدالله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر به وقال مسلم رحمه الله حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر به . وقد جاء عند أبي داود من طريق أبي موسى بن عقبة عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في ليلة القدر ( هي في كل رمضان ) .
ولكن هذا الخبر معلول أعله أبو داود وغيره فقد رواه سفيان وشعبة عن أبي إسحاق موقوفاً على عبدالله بن عمر وهو ينقل لنا في حديث الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنها في السبع الآواخر فيحمل قوله على أحد ثلاثة أوجه .
الوجه الأول : لعل ابن عمر قال هي في كل رمضان قبل أن يعلم بهذا الحديث.
الوجه الثاني : سلك بعض أهل العلم مسلكاً آخر فقال لعله نسي ماحدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم .
الوجه الثالث : لعل مراد ابن عمر بقوله هي في رمضان العموم فيخصص بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن رمضان السبع الآواخر ولا يبعد أن يكون مراد ابن عمر الرد على من قال هي في شعبان أومن قال هي في كل العام فأراد ابن عمر أن يوضح أن ليلة القدر لاتكون إلا في رمضان وهي أيضاً في العشر الآواخر.
قوله [ أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ( أروا ليلة القدر في المنام ) ] قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري لم أقف على تسمية أحد من هؤلاء الرجال والحقيقة أنه لاحاجة بنا إلى معرفة اسمائهم ولو كان للأمة حاجة إلى معرفة أسماء هؤلاء لأبرزهم لنا عبدالله بن عمر الذي يهمنا أن رجالاً أروا ليلة القدر في المنام في السبع الآواخر .
ففي ذلك بعض الفوائد : ـ
الفائدة الأولى : أن الصحابة تواطأت رؤياهم على أنها في السبع الآواخر ومن ثم قال غير واحد من أهل العلم بأن أرجى ليالي القدر السبع الآواخر وأرجاها ليلة سبع وعشرين .
الفائدة الثانية : فيه أن ليلة القدر ترى في المنام وقد ذكر شيخ الإسلام أنها ترى في اليقضة كأن يرى الإنسان أنواراً وخيراً ومايتبع ذلك ولليلة القدر علمات كأن تكون ليلتها لا حارة ولا باردة ومنها أن تخرج الشمس في صبيحتها لاشعاع لها وأما قول بعض الناس بأن الكلاب لاتنبح في ليلتها فهذا قد قاله بعض أهل العلم ولا دليل عليه .
الفائدة الثالثة : أن الرؤيا إذا تواطأت على شيء فهذا دليل على صدقها والرؤيا تسر المؤمن ولا تغره فالمسلم يستفيد من الرؤيا ولكن هي ليست شرعاً من عند الله إلا إذا أقرها النبي صلى الله عليه وسلم وهذا انقطع بموته صلى الله عليه وسلم ولكن كم من إنسان استفاد من الرؤيا إما موعظة يتعظ بها أوغير ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لم يبق من المبشرات إلا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أوترى له ) رواه مسلم في صحيحه .
قوله [ أُرى رؤياكم قد تواطأت ] .
أرى بضم الهمزة أي أظن والظن نوعان : ظنٌ بمعنى اليقين كما قال تعالى : { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ } أي يستيقنون أنهم يلاقون ربهم ، النوع الثاني الظن بمعنى الشك .
تعريف الظن : هو تجويز أمرين أحدهما أظهر من الآخر .
ويجوز ضبط هذه الكلمة بمعنى أرى وذلك بفتح الهمزة فيكون المعنى أعلم رؤياكم والأول هو الأشهر عند أهل العلم .
قوله [ فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الآواخر ] .
أي فمن كان منكم يتحرى ليلة القدر ويتحرى القيام فيها ويتحرى الدعاء فيها وقيام ليلتها فعليه بالجد والاجتهاد بالسبع الآواخر خصوصاً أوتارها .
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في تحديد ليلة القدر وذلك على أربعين قولاً سردها كلها الحافظ ابن حجر في فتح الباري وفي بعضها تقارب يمكن ضم قول إلى قول وبعض هذه الأقوال شاذة بل باطلة كقول بعضهم إنها رفعت وقول آخر أنها في كل السنة وهذا قول باطل أيضاً، وكذلك من الأقوال الباطلة أنها ليلة النصف من شعبان فهذه لا دليل عليها لا من الكتاب ولا من السنة ولامن قول صاحب جاء عنه بإسناد صحيح .
وأكثر أهل العلم على أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين وكان أبي بن كعب يحلف على هذا والأثر عنه رواه مسلم في صحيحه .
واحتج الجمهور لقولهم بما ذكره المصنف في الباب من حديث معاوية بن أبي سفيان .
657/ فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر ( ليلة سبع وعشرين ) .
وهذا الخبر رواه أبو داود في سننه فقال حدثنا عبيدالله بن معاذ قال حدثنا أبي عن شعبة عن قتادة قال سمعت مطرّفاً يحدث عن معاوية . ورواه الطبراني والبيهقي كلاهما من طريق شعبة به .
ورواه أبو بكر ابن أبي شيبة عن عفان، والبيهقي من طريق أبي داود الطيالسي عن شعبة عن قتادة عن مطرف عن معاوية من قوله وهذا هو المحفوظ وعليه لايصح الاحتجاج بالخبر على تعيين ليلة القدر والحق في هذه المسألة أن يقال إن ليلة القدر في أوتار العشر وأرجاها ليلة سبع وعشرين وهل هي محدَّدة في هذه الليلة على مر السنين أم أنها تنتقل ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنها في ليلة واحدة ولاتنتقل وقال آخرون إن ليلة القدر تنتقل فقد تكون في هذا العام ليلة خمس وعشرين وفي العام الثاني ليلة سبع وعشرين وفي العام الثالث ليلة تسع وعشرين وهذا القول أقرب إلى الدليل فإن قيل لماذا لم يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم بتعيينها .
فالجواب : لئلا يتكل العباد على هذه الليلة ويدعوا العمل في سائر الشهر فلذلك من الحكمة العظيمة أن العباد لايعلمون تعيينها عن طريق النص ليجتهدوا ويضاعفوا الجهود في العبادة والدعاء لعلهم يصيبونها لأن من أصاب ليلة القدر فقد أصاب خيراً كثيراً ففي الصحيحين وغيرهما من طريق الزهري عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه ) وقد قال تعالى : { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) } .
فمن تقبل منه في ليلة القدر فعبادة ليلة واحدة تفضل عبادة ألف شهر وذلك ثلاثة وثمانون عاماً وأربعة أشهر فهذا ثواب كبير وأجر عظيم على عمل يسير قليل على من يسره الله عليه فقد قال معاذ للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار فقال له صلى الله عليه وسلم : ( لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه ) وهذا الخبر وراه الترمذي في جامعه من طريق أبي وائل عن معاذ واختلف في سماعه منه وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح . وخالفه الدارقطني وذكر أن الصحيح في هذا الخبر رواية حماد بن سلمة عن عاصم عن شهر بن حوشب عن معاذ .
658/ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يارسول الله ، ( أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟ قال : ( قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ) .
هذا الخبر رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا أبا داود .
والحديث رواه الترمذي من طريق جعفر بن سليمان الضبعي عن كهمس بن الحسن عن عبدالله بن بريدة عن عائشة ورواه ابن ماجه عن طريق وكيع عن كهمس بن الحسن به . وقد صححه الترمذي رحمه الله وفيه نظر فإن عبدالله لم يسمع من عائشة قاله النسائي والدارقطني .
ورواه الإمام أحمد والنسائي في عمل اليوم والليلة والطبراني في كتاب الدعاء والحاكم في المستدرك كلهم من طريق سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن عائشة به،
وفيه اختلاف ذكره النسائي في عمل اليوم والليلة وقد صححه الحاكم في مستدركه وقال على شرط الشيخين ولم يخرجاه وسكت عن ذلك الإمام الذهبي رحمه الله.
وفي هذا نظر فالحديث ليس على شرط الشيخين وفيه اختلاف كثير والحديث حديث عبدالله بن بريدة وقد تقدم أنه لم يسمع من عائشة .
قولها [ أرأيتَ إنْ علمتُ أي ليلة ليلة القدر ] .
فيه علو همة الصحابة رضي الله عنهم وخاصة عائشة رضي الله عنها حيث تسأل عن دعاء تدعو به في ليلة القدر وعائشة عندها علم عظيم من كون الدعاء في ليلة القدر مشروعاً وتحفظ عائشة رضي الله عنها الشيء الكثير من الأدعية وهذا لايخفاها ولكنها تريد دعاءً جامعاً لخيري الدنيا والآخرة تدعو به في ليلة القدر فأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى سؤالها وأعلمها بما ينفعها والحديث لو صحّ صريح بالرد على من زعم بأن ليلة القدر قد رفعت إذ لو كانت ليلة القدر قد رفعت لقال صلى الله عليه وسلم لعائشة لا حاجة إلى معرفة هذا فإن ليلة القدر قد رفعت وتأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز ولذلك الذي عليه عامة الصحابة وأئمة التابعين أن ليلة القدر لم ترفع بل هي موجودة في رمضان وتحديد هذا بليالي العشر وأرجاها بالأفراد وأرجى هذه الأفراد ليلة سبع وعشرين .
قولها [ ما أقول فيها ] .
تريد بذلك دعاء جامعاً لأنه لايخفى على مثلها دعاء تدعو به ثم اعلم أنه ليس لليلة القدر دعاء مخصوص لايدعى إلا به . بل يدعو المسلم بما يناسب حاله وكل بحسبه ولكن أفضل الأدعية في ليلة القدر الأدعية الجامعة من دعوات النبي صلى الله عليه وسلم الواردة عنه في مقامات كثيرة وأحوال خاصة وعامة .
ويظهر من الحديث أن الدعاء في ليلة القدر كان معروفاً ومشهوراً عند الصحابة رضي الله عنهم وقد جاء في الصحيحين من حديث الزهري عن أبي سلمة ابن عبدالرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه ) .
قول [ من قام ليلة القدر ] .
أي قام يصلي ويدعو ، وفي هذا دليل على مشروعية الإكثار من الدعاء في ليالي القدر .
قوله [ قولي : اللهم إنك عفوٌ ].
فيه إثبات صفة العفو له سبحانه وتعالى .
قوله [ إنك عفو تحب العفو ] .
فيه إثبات صفة المحبة لله وقد قال تعالى { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ } وقال تعالى : { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } وأهل السنة والجماعة يثبتون صفة العفو وصفة المحبة لله تعالى إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل فلا يحرفون ولايكيفون ولايمثلون ولايعطلون بل يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير يقول ابن القيم رحمه الله ناظماً معتقد أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات قال رحمه الله :
لسنا نشبه وصفه بصفاتنا
كلا ولا نخليه من أوصافه
من شبه الرحمن العظيم بخلقه
أو عطل الرحمن عن أوصافه



إن المشبه عابد الأوثان
إن المعطل عابد البهتان
فهو الشبيه لمشرك نصراني
فهو الكفور وليس ذا الإيمان



قوله [ فاعف عني ] .
فيه دليل على أنه يستحب للداعي إذا دعا أن يتوسل إلى الله جل وعلا بالصفة المناسبة لدعائه فإذا أراد المغفرة يقول ياغفور اغفر لي وياعفو اعفو عني وإذا أراد العزة يقول ياعزيز أعزني ولابن القيم رحمه الله كلام مفيد حول هذه القضية أفاده في جلا الأفهام في الصلاة على خير الأنام .
659/ وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ) . متفق عليه .
قال البخاري رحمه الله حدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة قال أخبرنا عبدالملك بن عمير قال سمعت قزعة يحدث عن أبي سعيد .
وقال مسلم رحمه الله حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن عبدالملك بن عمير به ولفظ مسلم ( لاتشدوا الرحال ) بلفظ النهي ورواه البخاري ومسلم أيضاً من طريق سفيان بن عيينه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه به .
وفي الباب حديث بصرة بن أبي بصرة الغفاري رواه أحمد بن حنبل في مسنده ومالك في الموطأ وابن حبان في صحيحه وإسناده صحيح ( أنه لقي أبا هريرة راجعاً من الطور وقال لو علمت أنك تذهب إلى الطور لمنعتك ثم استدل عليه بحديث الباب وفيه أن إعمال المطي وهذا كناية عن السفر يحرم لبقعة معينة تقصد لذاتها إلا البقاع الثلاث المستثناة بالحديث .
قوله [ لاتشد الرحال ] .
هذا خبر بمعنى النهي يؤيد هذا لفظ الإمام مسلم [ لا تشدوا الرحال ] .
والنهي هنا للتحريم كما هو قول الإمام أحمد واختار هذا أبو محمد الجويني وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقد حصل لشيخ الإسلام أذى عظيم بسبب فتياه بمنع شد الرحال إلى القبر النبوي فقد قام عليه أعداؤه وخصومه . وبدعوه وضللوه بسبب هذه القضية وسعوا بسجنه حتى سجن وأوذي وعذب ومات في السجن رحمه الله فلقد جاهد في الله حق جهاده ونصر هذا الدين بلسانه وسنانه فمن ثم صارت محبة شيخ الإسلام علماً لأهل السنة والجماعة وعلماً للموحدين وصار بغضه وعداوته وسبه علماً وشعاراً لأهل البدع الضالين فلا تكاد تجد سنياً يبغض شيخ الإسلام أويعاديه .
قال ابن الوردي يرثيه :
عثا في عرضه قوم سلاط
تقي الدين أحمد خير حبر
توفي وهو محبوس فريـد


لهم من نثر جوهره التقاط
خروق المعضلات به تخاط
وليس له إلى الدنيا انبساط



وقد زعم المجوّزون لشد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة أن النهي في الحديث مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في غير المساجد الثلاثة .
وقال الخطابي . اللفظ لفظ الخبر ومعناه الإيجاب فيما ينذره الإنسان من الصلاة في البقاع التي يتبرك بها أي لا يلزم الوفاء بشيء من ذلك غير هذه المساجد الثلاثة .
وقال بعضهم : لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه إلا إلى الثلاثة .
وهذه أقاويل ليس عليها دليل ولا تساعدها لغة وفيها تكلف .
والقول الأخير يرده حديث أبي بصرة وقد تقدم .
والصحيح في هذه المسألة تحريم شد الرحل لبقعة معينة تراد وتقصد لذاتها إلا المساجد الثلاثة زادها الله تشريفاً وتعظيماً .
ومن ادعى الكراهية أو الإباحة لم يصب فالحديث ظاهر في تحريم شد الرحال سواء كان للقبر الشريف أوغيره من قبور الصالحين على مافي ذلك من وسائل الشرك ومخالفة عمل الصحابة كلهم وأئمة التابعين فإن قيل ماحكم شد الرحال لطلب العلم وزيارة الأقارب والتعزيه ومايتبعها .
فالجواب : أنه لامانع من شد الرحل في هذه المسائل لأنه لا تُراد بقعة معينة فقد كان الصحابة يشدون الرحل لطلب العلم في وقته ويشدون الرحل لزيارة أقاربهم في عهده صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم ومن هنا ذكر غير واحد من أهل العلم على قوله صلى الله عليه وسلم [ لاتشد الرحال ] أي إلى بقعة معينة تقصد لذاتها إلا المساجد الثلاثة .
فإن قال قائل مامناسبة الحديث لباب الاعتكاف فالجواب أن المناسبة ظاهرة فإن المساجد الثلاثة أفضل المساجد على الإطلاق وأفضلها المسجد الحرام ثم المسجد النبوي ثم المسجد الأقصى فكان الاعتكاف في هذه المساجد الثلاثة أولى وأفضل من الاعتكاف في غيرها .
ويحتمل أيضاً أن يكون قصد المؤلف في إيراد هذا الحديث أن يبين منع شد الرحال للاعتكاف في غير هذه المساجد الثلاثة ولكن الحقيقة أنه لايريد هذا وكلامه بالفتح ظاهر في تجويزه شد الرحال إلى القبر الشريف وغيره من قبور الصالحين وهذا خطأ والحديث ظاهر في المنع فلا وجه لقول الحافظ والعلم عند الله .



الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد ...
فقد اطلعت على كتاب الصيام من شرح بلوغ المرام وهو من كلامي وإملائي فلا مانع من نشره للاستفادة منه .
كتبه
سليمان بن ناصر العلوان



























الفهرس
رقم الحديث

الــحــــــــديــــــــث

الصفحة

608
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لاتقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)
2
609
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم .
4
610
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله علي وسلم يقول : ( إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له ) متفق عليه
6
611
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : تراءى الناس الهلال، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه ) .
8
612
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلـم فقال : ( إني رأيت الهلال فقال : ( أتشهد أن لا إله إلا الله قال : نعم . قال ( أتشهد أن محمداً رسول الله : قال : نعم . قال : فأذن في الناس يابلال : أن يصوموا غداً ) .
9
613
وعن حفصة أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له ) .
10
614
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم . فقال ( هل عندكم شيء ) قلنا : لا قال : فإني إذاً صائم ) ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا : أهدي لنا حيسٌ فقال(أرينيه ) فلقد أصبحت صائماً ) فأكل .

11
615

وعن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا يزال الناس بخير ماعجلوا الفطر ) .
13
616
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قـال : قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) .
14
617
وعن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء، فإنه طهور).
15
618
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال ، فقال رجل من المسلمين : فإنك تواصل يارسول الله ؟ فقال : (وأيكم مثلي ؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) فلمَّا أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً، ثم يوماً ثم رأوا الهلال، فقال : ( لو تأخر الهلال لزدتكم ) كالمنكل، لهم حين أبو أن ينتهوا هذا الخبر متفق عليه .
16
رقم الحديث
الــحــــــــديــــــــث

الصفحة
619
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعلم به والجهل ، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه ) .
18
620
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ، ولكنه كان أملككم لإربه ) .
20
621
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم (احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم) .
21
622
وعن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان . فقال : ( أفطر الحاجم والمحجوم ).
23
623
وعن أنس بن مالك قال : ( أو ماكرهت الحجامة للصائم : أن جعفر بن أبي طلب احتجم وهو صائم، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (أفطر هذان) ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم، وكان أنس يحتجم وهو صائم .
24
624
وعن عائشة رضي الله عنها ،( أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان ، وهو صائم ) .
25
625
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قـال : قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من نسي وهو صائم ، فأكل أوشرب ، فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه ) . هـذا الخبر متفق عليه.
26
626
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ، ومن استقاء فعليه القضاء ) .
28
627
وعن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من مـاء فرفعه حتى نظر الناس إليه، فشرب، ثم قيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام . فقال : ( أولئك العصاة ، أولئك العصاة ) .
29
628
وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : يارسول الله، إني أجد فيّ قوة على الصيام في السفر . فهل علي جناح ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ) .
30
629
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : رخص للشيخ الكبير (أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ، ولا قضاء عليه ) .







32
رقم الحديث
الــحــــــــديــــــــث

الصفحة
630
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( هلكت يارسول الله . قال : وما أهلكك ؟ قال وقعت على امرأتي في رمضان .فقال : هل تجد ما تعتق رقبة ؟ قال : لا . قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا قال : فهل تجد ماتطعم ستين مسكيناً ؟ قال : لا ، ثم جلس ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال (تصدق بهذا) فقال : أعلى أفقر منا ؟ فما بين لا بتيها أهل بيت أحوج إليه منا ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه . ثم قال : (اذهب فأطعمه أهلك ) .
34
631
وعن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يصبح جنباً من جماع، ثم يغتسل ويصوم) .
38
632
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) . متفق عليه .
39
633
عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئلَ عن صوم يوم عرفـة . فقال : ( يكفر السنة الماضية والباقية ) وسُئِل عن صوم يوم عاشوراء . فقال : ( يكفر السنة الماضية ) وسئل عن صوم يوم الإثنين ، فقال (ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل عليّ فيه) .
41
634
وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).
44
635
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قـال : قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مامن عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفاً ) متفق عليه .
46
636
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لايفطر ، ويفطر حتى نقول لايصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ( استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ) . متفق عليه .
47
637
وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام : ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة ) .
48
638
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لايحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ) . متفق عليه وزاد أبو داود (غير رمضان ) .
59
639
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( نهى عن صيام يومين : يوم الفطر ويوم النحر ) . متفق عليه .
51
640
وعن نبيشة الهذلي رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب ، وذكر لله عز وجل ) .

52
رقم الحديث
الــحــــــــديــــــــث

الصفحة
641
وعن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا : ( لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ) .
53
642
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ) .
55
643
وعنه أيضاً رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لايصومن احدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوماً قبله أويوماً بعده ) .
56
644
وعنه أيضاً رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ) .
56
645
وعن الصماء بنت بسر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تصوموا يوم السبت ، إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاءَ عنب، أوعود شجرة فليمضغها ) .
47
646
وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر مايصوم من الأيام يوم السبت، ويوم الأحد، وكان يقول : (إنهما يوما عيد للمشركين، وأنا أريد أن أخالفهم ) .
59
647
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة ) .
60
648
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا صام من صام الأبد ) متفق عليه ولمسلم من حديث أبي قتادة بلفظ (لا صام ولا أفطر ) .
61
649
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ماتقدم من ذنبه ) .هذا الخبر متفق عليه .
65
650
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا دخل العشر أي العشر الأخيرة من رمضان . شد مئزره ، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله ) متفق عليه.
67
651
وعنها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده ). متفق عليه .
68
652
وعنها رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم ( إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه ) متفق عليه .
70
653
وعنها قالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليدخل عليّ رأسه وهو في المسجد ـ فأرجله ، وكان لايدخل البيت إلا لحاجة، إذا كان معتكفاً ) متفق عليه .
71
654
وعنها قالت : السنة على المعتكف أن لايعود مريضاً ولايشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولايباشرها، ولايخرج لحاجة إلا لما لابد له منه ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع .
73
رقم الحديث
الــحــــــــديــــــــث

الصفحة
655
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه ) .
75
656
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام، في السبع الآواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الآواخر ) فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الآواخر ) متفق عليه .
77
657
فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر ( ليلة سبع وعشرين ) .
79
658
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يارسول الله ، ( أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ، ما أقول فيها ؟ قال : ( قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ) .
80
659
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ).متفق عليه .
82
الفهرس

85


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-01-2011, 09:26 PM
الصورة الرمزية tones
tones tones غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2010
المشاركات: 1,272
معدل تقييم المستوى: 15
tones is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا
__________________


ربي ان في قلبي أشياء كثيره ... لا أستطيع البوح بها لأحد سواك.. أنت تعلم سري وما يضمره قلبي ... ربي بكلمة ( كن ) منك تسعد حياتي ربي قل لأمنياتي كوني... فإذا كنت أنت معي ... فلا أحتاج لأحد سـواك
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28-05-2011, 04:30 PM
علاءهلال1 علاءهلال1 غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 21
معدل تقييم المستوى: 0
علاءهلال1 is on a distinguished road
افتراضي

مشكورررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررررر رررررررررررررررر
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:19 PM.