اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > أخبار و سياسة

أخبار و سياسة قسم يختص بعرض الأخبار و المقالات من الصحف يوميا (المصرية والعربية والعالمية )

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-10-2012, 10:29 PM
باسمة باسمة غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 167
معدل تقييم المستوى: 17
باسمة has a spectacular aura about
Neww1qw1 أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون

بقلم / حسين حمودة ... أحد الضباط الأحرار
وقع في عام 1942 حادث هزني من الأعماق ، ذلك هو حادث 4 فبراير سنة 1942. يوم أن حاصر الإنجليز قصر الملك فاروق بعابدين بالدبابات وأرغموه على تعيين مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد رئيساً لمجلس الوزراء. فشعرت يومها بالذلة والمهانة وأيقنت أنه لا كرامة لملك ولا لشعب بلده محتل وامتلأ قلبي بالكراهية للإنجليز.
وكان سبب محاصرة الإنجليز لقصر فاروق يرجع إلى هزيمة القوات البريطانية في الصحراء الغربية أمام القوات الألمانية بقيادة الفيلد مارشال رومل.
وقد انتهز المصريون فرصة هزيمة القوات البريطانية أمام الجيوش الألمانية فقامت مظاهرات شعبية ضخمة في مدن مصر تنادي بسقوط انجلتره وترحب بقدوم الألمان وكانت الهتافات « أقدم ، أقدم يارومل ».
وكان مصطفى النحاس خليفة سعد زغلول بطل ثورة 1919 وكان النحاس يتمتع بأغلبية شعبية بين المصريين وكانت سياسة القصر الملكي في مصر تعادي حزب الوفد الذي يرأسه مصطفى النحاس رغم تمتع حزب الوفد بأغلبية شعبية كبيرة في مصر.
واعتمد القصر على أحزاب الأقلية في حكم مصر والتي كانت تلجأ إلى تزوير الانتخابات للحصول على أغلبية مزيفة في مجلس النواب.
فطلب الإنجليز من الملك فاروق أني عهد لمصطفى النحاس بتأليف الوزارة حتى يأمنوا جانب الشعب المصري أثناء حربهم مع الألمان. فلما رفض الملك فاروق طلب الإنجليز حاصروا قصره بالدبابات وسلموه إنذاراً مكتوباً يتضمن إما تعيين النحاس في منصب رئيس الوزراء أو يتنازل عن العرش.
جمع الملك زعماء مصر للتشاور في أمر الإنذار البريطاني واتفق الزعماء على قبول الإنذار البريطاني وأن يتولى مصطفى النحاس وزارة قومية من جميع الأحزاب. فرفض النحاس وأصر على تشكيل وزارة وفدية. وهنا اتهم أحمد ماهر رئيس الحزب السعديالنحاس بالخيانة العظمى لقبوله الحكم على أسنة رماح الإنجليز. ولكن الملك فاروق نفى هذا الكلام وقال الملك لقد رجوت النحاس باشا أن يقبل الحكم وقبل بإلحاح مني إنقاذا للعرش.
وكنت عند وقوع حادث 4 فبراير1942 مريضاً بالمستشفى العسكري العام بكوبري القبة وكان في جناح المستشفى الذي كنت فيه في ذلك الوقت غرفة عليها حرس مكون من ضابط وأربعة جنود وبداخل الغرفة يرقد الفريق أركان الحرب عزيز علي المصري باشا رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري السابق.
الفريق أركان الحرب عزيز علي المصري باشا

كان الفريق عزيز المصري قد حاول الفرار من مصر يوم 16- 5-1941 بطائرة حربية مع ضابطين طيارين هما حسين ذو الفقار صبري وعبد المنعم عبد الرؤوف.
ولكن الطائرة سقطت بهم قرب قليوب واستطاعوا الاختفاء مدة إلى أن قبض عليهم البوليس المصري يوم 6- 6-1941 وأودعوا السجن.
ونظراً لحالة الفريق عزيز المصري الصحية وكبر سنة فقد وضع تحت التحفظ العسكري في المستشفى العسكري العام بكوبري القبة.
وفي يوم من الأيام التي تلت حادث 4 فبراير سنة 1942 طلبت من الضابط القائم بحراسة الفريق عزيز المصري أن يستأذن لي في مقابلته فأذن لي وكان الوقت بعد غروب الشمس بقليل.
وجلست مع عزيز المصري جلسة طويلة استمرت حوالي ست ساعات تقريباً سمعت فيها منه حديثاً عجباً.
لمست في عزيز المصري علماً غزيراً وجرأة منقطعة النظير وكرها عميقاً للاحتلال البريطاني وللملك فاروق وحاشيته وأخيراً وجه عزيز المصري الكلام لي قائلاً « أنتم شباب الضباط ، ماذا تنتظرون ، أنتم المسئولون عن إنقاذ شعب مصر من الاحتلال البريطاني والاستبداد السياسي المتمثل في حكم أسرة محمد علي. عليكم بالتكتل وتكوين رأي عام مستنير بين الشباب من ضباط القوات المسلحة.
وأوصاني بالتزود بالعلوم والمعارف والقراءة المستمرة في علوم وفنون الحرب والتاريخ العسكري والسياسي والجغرافيا العسكرية والسياسية والاقتصادية وعلوم النفس والاجتماع والاقتصاد وركز على علوم القرآن والسنة النبوية المطهرة وبخاصة ما يتعلق بأحكام الجهاد في سبيل الله.
وقال عزيز المصري إنه ليعجب من المسلمين المعاصرين وأحوالهم وأول ما نزل من القرآن الكريم كلمة (اقرأ) وهي كلمة تدعو إلى الاهتمام بالعلم وأن يصبغ المسلمون حياتهم بالصبغة العلمية.
والمنهج العملي كان من خصائص الحضارة الإسلامية قبل أن يحصل عليه الغرب من المسلمين ويوظفه في خدمة حضارته. ومع ذلك فالمسلمون اليوم هم أبعد الناس عن سلوك المنهج العلمي في حياتهم.
ثم وجه عزيز المصري نصيحته الخالدة لي قائلاً اقرأ... اقرأ في كل كتاب.. اقرأ في السياسة والحرب والاقتصاد اقرأ واملأ رأسك بنور العلم.
الجيش العامل
في 27- 6- 1943 نقلت من القوات المرابطة إلى الجيش العامل بكتيبة البنادق الثالثة المشاة بألماظه حيث واتتنى فرصة العمل السياسي السري.
إذ تقابلت في هذه الكتيبة مع اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف وكان تعارفي مع عبد المنعم عبد الرؤوف فرصة أدت إلى التقاء سري مستمر في فترات تكاد تكون أسبوعية مع الفريق أركان الحرب عزيز علي المصري باشا في بيته بعين شمس.
ثم حدث بعد ذلك أن باع عزيز المصري بيته في عين شمس وسكن في شقة في عمارة أمام العمارة التي كنت أسكن فيها بسراي القبة ، فسهل القرب في السكن الاتصال به حيث تتلمذت على يد هذا القائد العظيم والمعلم الكبير الفريق أركان الحرب عزيز علي المصري باشا.
قدمت نفسي يوم 28- 6- 1943 للكتيبة الثالثة المشاة بألماظة وكنت وفتئذ ضابطاً برتبة الملازم أول.
وتصادف أن نقل إلى هذه الكتيبة اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف بعد الإفراج عنه في مارس1942 وحل المجلس العسكري الذي انعقد لمحاكمته هو وزميليه حسين ذو الفقار صبري والفريق عزيز المصري.
وحدث أثناء تناول الطعام مع الضباط في الميس (قاعدة الطعام) في يوم لا أذكر تاريخه بالضبط في الشهور الأخيرة من عام 1943 أن كان يجلس بجواري اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف فأخذت أتجاذب معه أطراف الحديث وما لبث أن همس في أذني أنه يريد التحدث معي على انفراد في موضوع بعد الغداء.
وانفردت معه بالميس بعد انصراف الضباط ، فقال عبد المنعم عبد الرؤوف لي إنه لاحظ اهتمامي الزائد بعملي وحرصي على تفوق سريتي في التدريب وتمسكي بمبادئ الأخلاق الكريمة وأنه يود أن أزوره في منزله ليتحدث معي حديثاً أكثر حرية وأعطاني موعداً مساء الجمعة.
ذهبت لمنزل عبد المنعم عبد الرؤوف بالسيدة زينب وتحدث معي عبد المنعم عبد الرؤوف حديثاً خلاصته أن مصر حالتها لا تسر أحداً ، فالاحتلال البريطاني جاثم على صدر البلاد يكاد يخنق أنفاسها ويحول بينها وبين أي تقدم... والفساد يضرب أطنابه في كل أجهزة الحكم حيث يتحكم في البلاد ملك مستهتر منغمس في الفسق والفجور تحوطه حاشية لا هم لها إلا إشباع شهواتهم وملء بطونهم بالمال الحرام على حساب الشعب البائس الفقير.
والشعب المصري مطحون منهوب تحت وطأة الاحتلال البريطاني والعرش والمستغلين من الأجانب وأعوان الاستعمار من الخونة المصريين. وأن إنقاذ شعب مصر من الاحتلال البريطاني والحكم الملكي الفاسد لن يتأتى إلا بثورة مسلحة يتولاها ويدبر أمرها المخلصون من الشباب في الجيش والشعب فوافقته على ذلك الرأي.
وتلاقيت مع عبد المنعم عبد الرؤوف كثيراً حتى اطمأن لي واطمأننت له ووثق بي ووثقت به فعرفني عبد المنعم عبد الرؤوف بشخصية من الشخصيات التي لها جهاد في سبيل مصر والعروبة والإسلام تلك الشخصية العظيمة هي شخصية الصاغ محمود لبيب.
الصاغ محمود لبيب

وكان أول لقاء لي معه بمنزل عبد المنعم عبد الرؤوف في مساء أحد أيام الشهور الأخيرة من عام 1943. فعرفني عبد المنعم عبد الرؤوف بالصاغ محمود لبيب قائلاً : أقدم لك الصاغ محمود لبيب وكيل جماعة الإخوان المسلمين. فسألت محمود لبيب من هم الإخوان المسلمون؟ وما هي أهدافهم؟
فقال محمود لبيب :
الإخوان المسلمون جماعة من المسلمين تعاهدوا على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتربية جيل جديد من الشباب يؤمن بتعاليم الإسلام ويعمل على صبغ الأمة الإسلامية بالصبغة الإسلامية في كل مظاهر حياتها؛ وذلك حتى يمكن تحرير الوطن الإسلامي من أي أثر للاحتلال الأجنبي حتى لا يكون لغير المسلمين سلطان يذلهم ويتحكم فيهم لأن الله تعالى يقول « ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين » .
والعزة لا تكون لأمة يستعبدها غيرها.
ومن أهداف الإخوان المسلمين أيضاً توحيد كلمة المسلمين أيضاً توحيد كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وقيام الحكم الإسلامي المستند إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فالأمة الإسلامية أمة واحدة بنص القرآن الكريم « إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون » .
وليس معنى ذلك أن تقوم حكومة مركزية واحدة لحكم هذا العالم الإسلامي المترامي الأطراف وأن يكون مالك الأمر فيه شرقاً وغربا شخصاً واحداً لأن ذلك يكون عسيراً. وإنما تتوحد الأمة الإسلامية على فكرة الإسلام والعمل بشريعته ويكون القرآن الكريم دستور الجميع.
وأن تتعاون الدول الإسلامية فيما بينها في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والعسكرية ، وإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب جهادا صادقًا ضد الاستعمار الغربي والصهيونية العالمية والشيوعية الدولية وأهل الفسق من المسلمين.
وإن علينا أن نجاهد في سبيل الله بالكلمة وبالمال وبالنفس حتى تكون كلمة الله هي العليا في المجتمع الإسلامي حتى يمكن بعد ذلك دعوة الشعوب الأخرى غير المسلمة إلى الدخول في دين الله. لأن التصدي لدعوة الشعوب المتمدينة الحالية إلى الدخول في دين الله مع بقاء حال المسلمين على ما هو عليه سيجعل رد هذه الشعوب على الدعاة إلى الله تعالى هو « أتريدون منا أن نكون مثلكم في جهالتكم وسوء أخلاقكم » لذلك يجب أن يبدأ المسلم بنفسه فيطبق تعاليم الإسلام على نفسه أولاً حتى يكون قدوة لغيره لأن فاقد الشيء لا يعطيه.. « أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون » .
  • من هو الصاغ محمود لبيب؟
لقد عرفني الصاغ محمود لبيب بنفسه بأنه كان يعمل ضابطاً بالجيش المصري وكان يخدم بسلاح الهجانة بالسلوم مع الملازم صالح حرب عام 1914 وأنهما أي محمود لبيب وصالح حرب عندما علماً بنبأ إعلان انجلترا حمايتها على مصر سنة 1914 وخلع الإنجليز للخديوي عباس حلمي الثاني؛ ثارت أنفسهما ضد الاحتلال البريطاني وصمما على عمل شيء لإنقاذ مصر.
وكانت مصر في ذلك الوقت تابعة لدولة الخلافة العثمانية ومحتلة فعلاً بالقوات البريطانية منذ عام 1822.
وكان السنوسيون في ليبيا يقاتلون الإيطاليين الذين استطاعوا أن يحتلوا شواطئ ليبيا سنة 1911.
فتصدى لهم السنوسيون وكانت تركيا دولة الخلافة الإسلامية تمد السنوسيين بالأسلحة والذخائر والمؤن والعتاد الحربي والضباط الأتراك بواسطة الغواصات الألمانية (فقد كانت تركيا وهي دولة الخلافة الإسلامية حليفة لألمانيا في الحرب العالمية الأولى 1914- 1918) واتفق السنوسيون مع الأتراك على مهاجمة مصر من الغرب أثناء زحف القوات التركية من الشرق على مصر عبر فلسطين.
اتفق محمود لبيب وصالح حرب ومن معهم من الضباط المصريين مع السنوسيين على أن ينضموا بقواتهم المصرية للسنوسي ويشتركوا معه في الهجوم على مصر عن طريق ساحل البحر الأبيض المتوسط والواحات.
وفعلاً انضم محمود لبيب وصالح حرب بقواتهم للسنوسي.
وشنوا الحملة المعروفة في التاريخ بالحملة السنوسية على مصر سنة 1915.
وبعد أن فشلت الحملة سافر محمود لبيب في غواصة ألمانية إلى استامبول وبقي هناك إلى أن سقطت الدولة العثمانية وأعلن مصطفى كمال أتاتورك إلغاء الخلافة الإسلامية وتخلى تركيا عن زعامتها للعالم الإسلامي.
فهاجر محمود لبيب من تركيا إلى ألمانيا وظل هناك إلى أن صدر عفو عام سنة 1924 عن كل المعتقلين والمسجونين والمنفيين السياسيين وعاد محمود لبيب إلى مصر وعين بوظيفة ضابط بمصلحة خفر السواحل ولكنه اختلف مع عقل باشا مدير مصلحة خفر السواحل فطلب تسوية حالته فأحيل إلى المعاش برتبة الصاغ (رائد) والتقى محمود لبيب بحسن البنا وكان الأخير يخطب بأحد مساجد القاهرة فقابله محمود لبيب بعد الخطبة وقال له إني صاحب فكرة وقد جاهدت في سبيلها وقص عليه قصته وأنا (أي محمود لبيب مخاطباً حسن البنا) مستريح لفهمك للإسلام وطريقتك في نشر الدعوة الإسلامية وأريد أن أعمل معك في هذا المجال.
فرحب به حسن البنا وظل محمود لبيب يعمل مع حسن البنا إلى أن أصبح محمود لبيب وكيلاً لجماعة الإخوان المسلمين.
تعددت اللقاءات بيني وبين محمود لبيب وعبد المنعم عبد الرؤوف حتى سادنا شعور عمي بالاطمئنان والثقة فطلبت من محمود لبيب أن أقابل حسن البنا.
الإمام حسن البنا

تلاقينا في المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين في الحلمية حيث استمعت إلى حسن البنا وهو يلقي حديث الثلاثاء على جمهور كبير من الإخوان فتأثرت بشخصيته وطريقة شرحه للدين الإسلامي وفكرته الواضحة عنه وأسلوبه البسيط الساحر وقدرته الفذة على التأثير في الناس.
وبعد الاستماع لحديث الثلاثاء ذهبت لمنزل حسن البنا المجاور لدار الإخوان المسلمين بالحلمية ومعي محمود لبيب وعبد المنعم عبد الرؤوف.. حيث التقينا بحسن البنا.. وتكررت اللقاءات بعد ذلك بالإمام حسن البنا في منزله وعرفت الكثير من حسن البنا.
لقد كان المرحوم حسن البنا حافظاً لكتاب الله الكريم ولعدد كبير جداً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ملماً بعلوم عصره والمذاهب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفلسفية القديمة والمعاصرة وكان فهمه للقرآن والسنة فهما مستنيرا وكان يستشهد على كل فكرة أو رأي بيديه بآية من كتاب الله أو حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا يتسع المجال في هذا الكتاب لشرح ما تعلمته من الأستاذ الإمام حسن البنا رحمه الله ففي كتب الفقه الإسلامي ثروة واسعة لمن يريد أن يتعلم حقيقة الإسلام.
وإنما يعنيني هنا أن أذكر أنني تعلمت من حسن البنا حقائق كثيرة عن الإسلام كانت خافية على كثير من المسلمين وما زالت خافية حتى الآن نتيجة الاستعمار الفكري والغزو الثقافي الذي تعرض له المسلمون منذ ضياع دولتهم وخضوعهم لسلطان الغير الأجنبي عنهم.
وسأروي في هذا الكتاب باختصار شديد تصور حسن البنا للدعوة الإسلامية ، وما أثبته في هذا الكتاب هو فهمي للفكر الإسلامي كما تعلمته على يد حسن البنا ، أثبته بأسلوبي لا بأسلوبه لأني أكتب بعد أكثر من ثلاثين عاماً على استشهاده.
ما فهمته عن الفكر الإسلامي على يد أستاذي حسن البنا

فهمت من أستاذي حسن البنا أن الإسلام نظام حياة متكامل... عقيدة وشريعة وأخلاق.
دين ودولة ومصحف وسيف ووطن و***ية.
وقد قامت الحجة القاطعة عند من نظر في القرآن الكريم وتدبر معناه وما تضمن من علوم وإعجاز على أنه يستحيل عقلاً أن يكون هذا القرآن من صنع بشر.
وأن القرآن معجزة قائمة بين الناس إلى يوم القيامة تثبت بها نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .... وخاتم النبيين. وتعاليم الإسلام شاملة تنظيم كافة شئون الناس في الدنيا وأن الدنيا يضنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية التعبدية دون غيرها من النواحي.. مخطئون في هذا الظن فالإسلام يهيمن على كل شئون الحياة. أما إذا أسلمت الأمة في عبادتها وقلدت غير المسلمين في بقية شئونها فهي أمة ناقصة الإسلام تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض.
والإسلام لا يعترف بالحدود الجغرافية ويعتبر المسلمين جميعاً أمة واحدة هي أمة التوحيد ويعتبر الوطني الإسلامي وطنا واحا مهما تباعدت أقطاره وتناءت حدوده والإسلام لا يرى بأساً من أن يعمل المسلم لوطنه أولاً ويلي ذلك العمل للأمة العربية.
فقد نشأ الإسلام الحنيف عربياً ووصل إلى الأمم عن طريق العرب وجاء كتابه الكريم بلسان عربي مبين وتوحدت الأمم باسمه على هذا اللسان العربي. وقد جاء في الأثر « إذا ذل العرب ذل الإسلام » وقد تحقق هذا المعنى حين زال سلطان العرب السياسي وانتقل الأمر من أيديهم إلى غيرهم من الأعاجم والديلم والترك ومن إليهم.
فالعرب هم عصبة الإسلام وحراسه... ومن هنا كانت وحدة العرب أمراً لا بد منه لإعادة مجد الإسلام وإقامة دولته وإعزاز سلطانه.
ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية. يلي ذلك العمل للجامعة الإسلامية ، فالوطن الإسلامي كل لا يتجزأ والعدوان على جزء منه عدوان عليه كله.
وبالنسبة لبقية شعوب العالم غير المسلمة ، فالإسلام يأمرنا بالتعاون مع الناس جميعاً بما يحقق مصلحة الإنسانية جمعاء. ويحرم الإسلام على المسلمين أن يبدءوا الناسب العدوان. وبالنسبة لدول الاستعمار التي تحتل جيوشها بلاد العرب والمسلمين فهذه الدول الاستعمارية تعتبر دولاً معادية حتى تجلو جيوشها عن أرض العرب والمسلمين.
وليس هناك مانع من التعاون معهم بعد الجلاء عن أراضينا. وبالنسبة للأقلية المسيحية في مصر وبعض بلاد العرب الأخرى فلهم منا كل الأمان وهم أحرار في عقيدتهم الدينية ولهم ما لنا وعليهم ما علينا في سائر أمور الدنيا بحكم المشاركة في وطن واحد.

التنظيم السري للإخوان المسلمين بين ضباط القوات المسلحة


اقتنعت تماماً بالفكر الإسلامي كما تلقيته عن الأستاذ الإمام الشهيدحسن البنا.
وصممت على العمل مع جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق أهدافها في إحياء مجد الإسلام وتحرير أرضه من الاستعمار وتطبيق شرع الله في مصر وسائر بلاد العالم الإسلامي حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الله معناها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فاتفقنا نحن الأربعة الأستاذ الإمام الشهيدحسن البنا والصاغ محمود لبيب وعبد المنعم عبد الرؤوف وكاتب هذه السطور على نشر هذا الفكر الإسلامي بين ضباط القوات المسلحة المصرية.
وسألت حسن البنا هل تعرفون أحداً من ضباط الجيش غيري أنا وعبد المنعم عبد الرؤوف يمكن أن نتعاون معه في هذا السبيل؟ فقال حسن البنا نعرف ضابطاً اسمه صلاح خليفة.
التقيت بصلاح خليفة فوجدت أني أعرفه ، فصلاح خليفة كان زميلا لي أثناء دراستي الثانوية بمدرسة الأمير فاروق الثانوية بروض الفرج.
فكرت في طريقة نشر الدعوة في الجيش ، وكان يقطن بجواري بحمامات القبة ضابط ملازم أول من دفعتي اسمه سعد حسن توفيق فكلمته في الموضوع فوافقني على الفكرة.
ثم التقيت مع عبد المنعم عبد الرؤوف وصلاح خليفة فقلت لهما إني تحادثت مع ضابط من دفعتي اسمه سعد حسن توفيق فقال صلاح خليفة إنه تحادث مع ضابط من سلاح الفرسان اسمه خالد محي الدين.
وقال عبد المنعم عبد الرؤوف لقد تحدثت مع ضابطين هما اليوزباشي جمال عبد الناصر حسين والملازم أول كمال الدين حسين وسنلتقي جميعاً في منزلي يوم الجمعة القادم بعد صلاة المغرب.
التقينا بمنزل عبد المنعم عبد الرؤوف بالسيدة زينب في مطلع عام 1944 وكان عددنا سبعة ضباط هم حسب الأقدمية في كشف الجيش المصري وقت ذاك.
1- اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف.
2- اليوزباشي جمال عبد الناصر حسين (رئيس جمهورية مصر بعد محمد نجيب).
3- الملازم أول كمال الدين حسين (عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 52).
4- الملازم أول سعد حسن توفيق (توفي لرحمة مولاه سنة 1992).
5- الملازم أول خالد محي الدين (عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 52).
6- الملازم أول حسين حمودة (كاتب هذه السطور).
7- الملازم أول صلاح الدين خليفة (ضابط متقاعد الآن).
التقينا نحن السبعة وحضر اجتماعنا الصاغ محمود لبيب وكيل جماعة الإخوان المسلمين وتكررت اجتماعاتنا مرة كل أسبوع في منزل عبد المنعم عبد الرؤوف بالسيدة زينب وفي منزل جمال عبد الناصر في منطقة تقاطع شارع أحمد سعيد بشارع رمسيس (الملكة نازلي سابقاً) وفي بيت كمال الدين حسين بالسيدة زينب وفي بيت خالد محي الدين بشارع الخليج المصري بالحلمية ثم بمنيل الروضة وفي بيتي بحمامات القبة.
وتكررت اجتماعاتنا الأسبوعية ولم تنقطع أبداً طيلة سنوات 1944- 1945- 1946- 1947- 1948 وانقطعت اجتماعاتنا اعتباراً من مايو سنة 1948 بسبب حرب فلسطين.
العمل السري لمدة أربع سنوات وأربعة أشهر

كانت الخلية الرئيسية في تنظيم الإخوان المسلمين داخل القوات المسلحة مكونة من سبعة ضباط هم عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وسعد توفيق وخالد محي الدين وحسين حمودة وصلاح خليفة.
وظلت هذه الخلية تعمل سراً طيلة أربع سنوات وأربعة أشهر بدءاً من عام 1944 حتى 15مايو1948 لضم أكبر عدد ممكن من الضباط إلى صفوف هذا التنظيم السري.
واتسع نطاق هذا التنظيم وتكونت خلايا جديدة فرعية منبثقة من الخلية الرئيسية فشكل كل فرد من أفراد الخلية الرئيسية خلية فرعية وكل خلية فرعية لا تزيد عن سبعة أفراد على ألا يخطر أي واحد منا الآخرين بأسماء المنضمين معه في هذه الخلايا السرية مراعاة لأمن الحركة.
وكان محمود لبيب يحضر الاجتماع الأسبوعي للخلية الرئيسية ويحضر أيضاً الاجتماعات نصف الشهرية للخلايا الفرعية المنبثقة من الخلية الرئيسية.
وأصبح بذلك محمود لبيب هو الشخص الوحيد في هذا التنظيم السري الذي يعرف جميع المشتركين فيه.. وصار محمود لبيب هو حلقة الاتصال بين الضباط المنضمين للتنظيم ليس في الجيش فقط بل وفي الطيران أيضاً.
وكان محمود لبيب بالنسبة لنا جميعاً في منزلة الوالد أو أكثر يحاول ربط أكبر عدد من ضباط القوات المسلحة على فكرة العمل بشريعة الإسلام.
واتسع نطاق العمل السري ليشمل قطاع المدنيين من شباب الإخوان المسلمين وذلك على النحو المفصل فيما يلي.
النضال الشعبي في مصر ضد قوات الاحتلال البريطاني

اشتد النضال الشعبي في مصر ضد قوات الاحتلال البريطاني في عام 1946.
وبدأت مظاهرات الطلبة تطالب بالجلاء ووحدة مصر والسودان واحتك المتظاهرون بقوات الاحتلال التي أخذت تصليهم وابلاً من رصاص رشاشاتها بلا شفقة أو رحمة فسقط شهداء كثيرون مما ألهب الشعور الوطني في البلاد.
وكنا نحن الضباط السبعة في حالة غليان شديد ضد االإنجليز فطلبنا من محمود لبيب ضرورة العمل على تنظيم شباب الإخوان في خلايا سرية وتدريبهم على استعمال الأسلحة وأن نشرف على تنظيم حرب عصابات مسلحة للقتال ضد قوات الاحتلال.
فقال الصاغ محمود لبيب « إذا أردتم أن تعملوا معنا في هذا المجال فلا يد من أخذ العهد وحلف اليمين وفقاً للأسلوب المتبع في جماعة الإخوان المسلمين ».
مصحف ومسدس
ذهبنا نحن السبعة في ليلة في أوائل عام 1946 إلى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين بالملابس المدنية حسب اتفاق سابق وبعد أن تكامل العدد ، قادنا صلاح خليفة إلى منزل في حي الصليبة بجور سبيل أم عباس حيث صعدنا إلى الطابق الأول فوق الأرضي فنقر صلاح خليفة على الباب نقرة مميزة وقال الحاج موجود؟ وكانت هذه هي كلمة السر.. ففتح الباب ودخلنا حجرة بها ضوء خافت جداً مفروشة بالحصير وفيها مكتب موضوع على الأرض ليس له أرجل.
ثم قادنا صلاح خليفة واحداً بعد واحد لأخذ العهد وحلف اليمين في حجرة مظلمة تماماً يجلس بها رجل مغطى بملاءة فلم نعرف شخصيته وحين جاء دوري جلست أمام هذا الرجل المختفي.
وكان سؤال هذا الشخص المتخفي الذي يأخذ العهد « هل أنت مستعد للتضحية بنفسك في سبيل الدعوة الإسلامية وإعلاء كلمة الله؟ ». فقلت « نعم ».
فقال « امدد يدك لتبايعني على كتاب الله وعلى المسدس سلاح العصر ، فوضعت يدي على مصحف ومسدسد وبايعته على فداء الدعوة الإسلامية وعدم إفشاء أسرارها.
وقال الرجل المتخفي:
«إن من يفشي سرنا فليس له منا سوى وفى جزاء واحد هو جزاء الخيانة وأظنك تعرف جيداً ذلك الجزاء ». وبعد أن بايع كل منا عدنا إلى الحجرة ذات الضوء الخافت فوجدنا شخصاً عرفنا بنفسه وذكر اسمه (عبد الرحمن السندي) وقال إنه يرأس التنظيم السري الخاص بجماعة الإخوان المسلمين وهو تنظيم سري مسلح يضم شبانا من الطلبة والعمال والفلاحين والحرفيين ممن باعوا أنفسهم لله واستعدوا للموت في سبيل إعلاء كلمة الله.
ثم ذكر كل واحد منا اسمه ليتعرف علينا عبد الرحمن السندي وكان الذي بايع على فداء الدعوة الإسلامية هي هذه الليلة هم بحسب الأقدمية في كشف الجيش المصري وقتذاك.
1- اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف.
2- اليوزباشي جمال عبد الناصر حسين.
3- الملازم أول كمال الدين حسين.
4- الملازم أول سعد حسن توفيق.
5- الملازم أول خالد محي الدين.
6- الملازم أول حسين حمودة (كاتب هذه السطور).
7- الملازم أول صلاح خليفة.
وفي هذه الليلة تفاهمنا مع عبد الرحمن السندي على أن تقوم بتدريب شباب الإخوان من أعضاء التنظيم السري على استعمال الأسلحة. فقال إنه سيرسل لنا شخصاً للاتفاق معه على تنظيم هذه العملية.
سوء تفاهم
اجتمعنا نحن الضباط السبعة المذكورين أعلاه في منزلجمال عبد الناصر في العباسية (في شارع فرعي بالقرب من تقاطع شارع أحمد سعيد بشارع الملكة نازلي.. رمسيس الآن) وكان ذلك في عصر يوم من أيام 1946.
وحضر شاب قصير نحيف أبيض يلبس الملابس الإفرنكية وعرفنا بنفسه وقال إن اسمه حجازي... فسألناه عن اسمه بالكامل فقال إنه اسمه الحركي حجازي ولا داعي لمعرفة معلومات عنه أكثر من ذلك.
وما لبث أن أخرج حجازي هذا مسدساً صغيراً بمشط من جيبه وأخذ يشرح لنا طريقة استعمال هذا المسدس.
دهشنا نحن الضباط لهذا التصرف الساذج والغريب وطلبنا من حجازي أن يتوقف عن الاستمرار في هذا الشرح وأن يرسل لنا عبد الرحمن السندي وحددنا له موعد ومكان الاجتماع القادم مع السندي.
جاء عبد الرحمن السندي في المكان والزمان المحددين وتكلم جمال عبد الناصر فقال : نحن ضباط صناعتنا الأسلحة واستعمالاتها فإذا كنتم تريدون الاستفادة من خبرتنا فلا مانع لدينا.
فاعتذر السندي وقال لقد حدث خطأ غير مقصود وإن حجازي كان موفدا لتدريب خلية من المدنيين على استعمال المسدس فأعطاه العنوان الخاص بجمال عبد الناصر خطأ وسهوا.
تدريب شباب الإخوان المسلمين :
قمت أنا وكمال الدين حسين وخالد محي الدين بترجمة كتاب عن حرب العصابات من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية وكنا نقعد حلقات الترجمة يومياً في منزلي بحمامات القبة بعد صلاة العصر.
وبعد أن فرغنا من الترجمة أعطيتها لجمال عبد الناصر الذي قام بطبعها في مطبعة الكلية الحربية حيث كان يعمل مدرساً بها.
وبعد الطبع أرسل جمال عبد الناصر النسخ المطبوعة إلي في منزلي بحمامات القبة مع أحد ضباط صف الكلية الحربية وكان هذا الأخير محل ثقة جمال عبد الناصر.
وسلمت بدوري جميع نسخ كتاب حرب العصابات بعد ترجمتها إلى العربية لعبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري المدني للإخوان المسلمين.
وقد قام عبد الرحمن السندي بتوزيع نسخ هذا الكتاب بمعرفته على أفراد التنظيم السري المدني التابع له.
وبدأنا بعد ذلك مرحلة جادة في تدريب شباب الإخوان المسلمين. وكانت التدريبات تتم في صحراء حلوان وجبل المقطم وفي محافظة الشرقية ومحافظة الإسماعيلية وقد اشترك جمال عبد الناصر معي في تدريب شباب الإخوان المسلمين عامي 1946 ، 1947 وكان التدريب يتم على الأسلحة الصغيرة مثل الطبنجات والبنادق والرشاشات القصيرة والقنابل اليدوية وأساليب النسف والتدمير بأصابع الجيلجنيت وأسلوب استخدام زجاجات المولوتوف ضد دبابات العدو. والتدريب كان يتم لرؤساء الخلايا وهم يدربون الأفراد التابعين لهم بدورهم وذلك لأن معرفة أفراد التنظيم بالكامل لأي شخص غير مطلوبة للأمن السري.
وشهدت مدن مصر والقاهرة والإسكندرية ومدن قناة السويسخلال عامي 1946 ، 1947 حرب عصابات مسلحة ضد قوات الاحتلال البريطاني. وكان القائمون بهذا الكفاح المسلح ضد المحتلين شباب التنظيم السري المدني لجماعة الإخوان المسلمين برئاسة المرحوم عبد الرحمن السندي بعد أن قام عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر حسين وكاتب هذه السطور وبقية الزملاء من الضباط بتدريب هؤلاء الشبان على استعمال الأسلحة بأسلوب حرب العصابات (اضرب وأهرب).
اغتيال أمين عثمان

نجحت جمعية سرية من الشباب الوطني كان يتزعمها محمد أنور السادات في اغتيال أمين عثمان في يناير1946 وكان أمين عثمان من أبرز عملاء الاستعمار البريطاني في مصر وكان قد أدلى بتصريحات علنية للصحف المصرية والعالمية تفيد أن بريطانيا قد تزوجت مصر زواجا كاثوليكيا (يعني لا طلاق فيه).
وكان أنور السادات وقت اغتيال أمين عثمان مفصولا من الجيش بسبب ضبطه في عوامة على النيل بها جاسوس لألمانيا.
وكانت أخبار الجمعية السرية التي يتزعمها أنور السادات تصلني عن طريق عبد المنعم عبد الرؤوف الذي كان قد كلفني باغتيال أمين عثمان.
وكان المحرض على *** أمين عثمان هو الفريق عزيز المصري الذي كان يرى في *** الخونة أعوان المستعمر المدخل الصحيح لإجلاء المستعمر عن البلاد بعد أن يفقد كل أعوانه وعملائه على أرض مصر.

ولقد تدخل محمود لبيب في آخر لحظة بعد أن علم بالموضوع من عبد المنعم عبد الرؤوف وطلب محمود لبيب مني عدم تنفيذ عملية اغتيال أمين عثمان خشية أن يؤدي التورط في تنفيذ عمليات الاغتيال إلى كشف التنظيم السري للضباط وقال محمود لبيب إن تشكيلا سرياً آخر سينفذ ال*** في هذا الخائن.
جلاء الإنجليز عن القاهرة والأسكندرية

اضطرت الحكومة البريطانية إزاء اشتداد حوادث الإرهاب المسلح ضد جنودها إلى إجلاء قواتها عن القاهرةأوالأسكندرية عام 1947.
وكان الفضل في تحقيق هذا الجلاء عن القاهرةوالأسكندرية إلى شباب الإخوان المسلمين الذين شنوا حرب عصابات ضد الإنجليز وكان ذلك بتوجيه لجنة الضباط السبعة التي ذكرتها قبل ذلك وهم عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وسعد حسونة توفيق وخالد محي الدين وصلاح خليفة وكاتب هذه السطور (حسين حمودة).
حمزة البسيوني

في 6/ 6/ 1945 صدرت الأوامر للمكتبة الثالثة المشاة والتي كنت أخدم بها في ذلك التاريخ بالتحرك لأسوان فسافرت معها بالسكة الحديد.
وفي مدينةقنا وصلت تعليمات عاجلة بإنزال 40صف وعسكري من الكتيبة لتوزيعهم كإمدادات لمقاومة الجراد على سواحل البحر الأحمر بواقع 20 عسكري لمدينة الغردقة ، 20 عسكري لمدينة القصير.

فنزلت من القطار في محطة سكة حديد مدينة قنا بناء على تعليمات قائد الكتيبة ومعي 40 صف وعسكري يوم 7/ 6/ 1945.
وفي يوم 8/ 6/ 1945 تحركت السيارات من قنا إلى سفاجة ثم الغردقة ثم القصير ثم إلى مناجم الذهب بالسكري.
ثم سافرت من مناجم الذهب بالسكري إلى إدفو بالسيارات مع قول عربات من وزارة الزراعة مع الملازم أول حمزة البسيوني وفي الطريق من السكري إلى إدفو كنت أنا وحمزة البسيوني في السيارة الأمامية وكان حمزة البسيوني يقود السيارة بنفسه ووراءنا قول عربات وزارة الزراعة وبه مهندسون زراعيون من الوزارة المذكورة لا أذكر أسماءهم الآن.
وأثناء السير في الصحراء شاهد حمزة البسيوني غزالة تجري في الصحراء فترك الطريق المرصوف وجرى بالسيارة وراء الغزالة أملاً في اصطيادها.
وظل يطاردها حوالي ساعة ولم يستطع اللحاق بها لأنها كانت أسرع من السيارة وهربت منه في الجبال. فعدنا إلى الطريق المرصوف لنبحث عن سيارات وزارة الزراعة فوجدنا قول سيارات وزارة الزراعة ترجلوا من سياراتهم وفي انتظارنا.

ولما وصلنا عندهم تكلم أحدهم وكان رجلاً يكبرنا في السن بكثير فقال « إية شغل العيال ده تسيبونا في الصحراء تجروا وراء الغزال وتقعدوا ساعة مش تلاحظوا أن معكم ناس ».
فما كان من حمزة البسيوني إلا أن جرى وأحضر بندقية من السيارة وحاول تعميرها بالرصاص و*** هذا المهندس الزراعي.
فجريت نحو حمزة البسيوني وخطفت منه البندقية وقلت له « أنت مجنون » هم لهم حق وإحنا اللي غلطانين. وطيت خاطر السادة مهندسي الزراعة واعتذرت لهم عن هذه الواقعة وكانوا جميعاً أكبر منا في السن فقبلوا الاعتذار.
من هذه الواقعة أيقنت أن حمزة البسيوني إنسان غير طبيعي وأن خلق التوحش والقسوة والإجرام سجية فيه ولم أدر في ذلك الوقت ما تخبثه الأقدار لشعب مصر على يد ذلك السفاح المجرم حمزة البسيوني.

مدرسة المشاة بألماظة

بعد حل المشكلة التي طرأت مع مهندسي الزراعة واصلنا السير بالسيارات إلى إدفو ومن إدفو لأسوان بالسكة الحديد.
وبقيت بأسوان مع عبد المنعم عبد الرؤوف في الكتيبة الثالثة المشاة إلى أن صدر قرار بنقلي مدرساً المشاة بألماظة.
وتشاء الصدف العجيبة أن ينقل عبد المنعم عبد الرؤوف معي مدرساً بمدرسة المشاة في نفس النشرة العسكرية.
وفي يوم 3/ 7/ 1945 قدمت نفسي لمدرسة المشاة ومكثت بها ثلاث سنوات انتهت يوم 30/ 6/ 48 وكان عبد المنعم عبد الرؤوف زميلا لي في مدرسة المشاة في هذه الفترة التاريخية.
وقد أتاحت لي فرصة البقاء في القاهرة ثلاث سنوات متصلة في الفترة من منتصف عام 1945 حتى منتصف عام 1948 مع زميلي عبد المنعم عبد الرؤوف مجالاً واسعاً في تدعيم النشاط السري للإخوان المسلمين بين ضباط القوات المسلحة وفي تدريب التنظيم السري المدني للإخوان.

الشعب العربي الفلسطيني

في الوقت الذي كان يهود العالم كله يؤيدون إخوانهم اليهود الذين تسللوا إلى فلسطين منذ صدور وعد بلفور سنة 1917 تأييداً عملياً بالمال والسلاح ووسائل الإعلام التي يسيطر عليها اليهود في أوربا وأمريكا والكفاءات العسكرية من كل جيوش العالم حيث لليهود جاليات منتشرة في جميع أنحاء الكرة الأرضية.
كان الشعب العربي الفلسطيني يقف في الميدان وحدة يصارع اليهودية العالمية والاستعمار البريطاني ولا يجد من العرب أدنى عون اللهم إلا تلك الخطب المنبرية التي أجادها العرب دون خلق الله أجمعين. ولقد ظل هذا النوع الغريب من الجهاد هو المسيطر على عقول حكام العرب منذ بدأ الصراع بين العرب واليهود في 15 مايو1948 وحتى قارعة 5 يونيو1967 حيث ظهرت النتيجة الحتمية لإيجابية اليهود وسلبية العرب.
ولقد استغلت اليهودية العالمية تصريحات زعماء الأمة العربية والخاصة بنوايا العرب في إلقاء اليهود في البحر فحشد الإعلام اليهودي إمكانياته الكبيرة والخطيرة وكتل الرأي العام العالمي وراء أهداف اليهود.
ولم يكن في استطاعة الشعب العربي الفلسطيني ولا في مقدوره أن يقوم بأي عمل جدي نحو إعداد نفسه للقتال لأن القيود التي فرضها عليه الإنجليز كانت تمنع العرب من إحراز الأسلحة فضلاً عن الظهور بها والتدريب عليها.
ومن الظلم أن يلام الشعب العربي الفلسطيني على هذا التقصير المعيب. ولكن اللوم يتركز كله على حكام الدول العربية الذين شغلوا أنفسهم بمعالجة قضية فلسطين عن طريق الكلام دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة العمل الجدي فيقيموا المعسكرات في الدول العربية التي كانت تتمتع بشيء من الاستقلال ويتولوا تدريب الشباب الفلسطيني على أيدي الضباط العرب حتى يصبح شعب فلسطين مستعداً للدفاع عن بلاده إذا جد الجد.
استعدادات يهود فلسطين الحربية

كان يهود فلسطين مستعدين منذ بعيد تحت ستار من الكتمان وكان زعماء اليهود يقتصدون كثيراً من التصريحات تاركين هذه المهمة لزعماء العرب الذين كانوا يرسلون التصريحات كل من عاصمة حكمه بصورة كان من شأنها تحزب الرأي العام العالمي كله في صف اليهود الضعفاء المعرضين لافتراس الوحوش العربية وكانت هذه التصريحات التي أعلنها حكام العرب في ذلك الوقت أعظم خدمة قدمها زعماء العرب من حيث لا يشعرون للدولة اليهودية القادمة.
وكان اليهود يملكون عدة منظمات عسكرية في فلسطين. وكانت هذه المنظمات تزيد في مجموعها على ثمانين ألف جندي يهودي كاملي العدة والسلاح مدربين أحسن تدريب.
وكانت جميع القرى اليهودية (المستوطنات) منتشرة وموزعة بطول فلسطين وبعرضها ومقامة على أساس عسكري يناسب الهجوم والدفاع. وكانت هذه المستعمرات اليهودية محصنة ومحاطة بالأسلاك الشائكة والألغام المضادة للأفراد والدبابات ومليئة بالأسلحة والذخائر والمعدات الحربية وبها ملاجئ للوقاية من الغارات الجوية ومواقع لضرب النار أعدت بمهارة فنية.
وأقام اليهود مصانع بهذه القرى وقاموا بتهريب أجزاء الدبابات والسيارات المدرعة مفككة وخبئوها في مستعمراتهم حتى إذا جاء الوقت المناسب خرجت من مخابئها وركبت أجزاؤها وهاجم اليهود بها عرب فلسطين العزل من السلاح فأخرجوهم من أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم.
وهكذا كان الاستعداد اليهودي أما الجانب العربي فكان على النقيض تماماً.
الإخوان المسلمين وحرب فلسطين سنة 1948

حينما وضحت نيات الحكومة البريطانية في تهويدفلسطين أخذ الإخوان المسلمون يبينون للشعوب والحكومات العربية حقيقة الخطر اليهودي الذي يهدد الأمة العربية كلها.
ولقد أدرك اليهود ما ينطوي عليه نشاط الإخوان المسلمين من خطر شديد على أهدافهم فقاموا بنشر المقالات في صحف أوروبا وأمريكا ويفعمونها بالتهم الخطيرة عن الإخوان المسلمين وحقيقة خطرهم على مصالح أمريكا وبريطانيا وكانوا يحاولون استعداء الحكومة الأمريكية لتقوم بعمل حاسم يستأصل هذا الخطر الإسلامي الذي يهدد أطماع الولايات المتحدة الأمريكية في التهام العالم الإسلامي بعد جلاء الإنجليز والفرنسيين والذي بات متوقعاً نتيجة لتغير موازين القوى العالمية إثر الحرب العالمية الثانية.
وليس أدل على ذلك من مقال نشرته جريدة (الصنداي ميرور) في مطلع عام 1948 ونقلته جريدة المصري القاهرية.
قالت الجريدة في مقالها : إن الإخوان المسلمين يحاولون إقناع العرب بأنهم أسمى الشعوب على وجه البسيطة ، وأن الإسلام هو خير الأديان جميعاً وأفضل قانون تحيا عليه شعوب الأرض كلها.
والآن وقد أصبح الإخوان المسلمون ينادون بالاستعداد للمعركة الفاصلة التي توجه ضد التدخل المادي للولايات المتحدة الأمريكية في شئون الشرق الأوسط عن طريق إقامة دولة يهودية في فلسطين فقد حان الوقت للشعب الأمريكي أن يعرف أي حركة هذه وأي رجال يتسترون وراء هذا الاسم الرومانتيكي الجذاب (الإخوان المسلمون).
وقالت الجريدة : وهذا هو بيت القصيد -إن اليهود في فلسطين الآن هم أ*** خصوم الإخوان المسلمين ولذلك كان اليهود الهدف الأساسي لعدوان الإخوان. وإذا كان اليهود المدافعون عن فلسطين يطالبون مجلس الأمن بإرسال قوة دولية لتنفيذ مشروع التقسيم الذي أقرته هيئة الأمم بتاريخ 29/ 11/ 1947 فإنهم لا يطالبون بذلك لأن الدولة اليهودية في حاجة إلى الدفاع عن نفسها ولكنهم يريدون إرسال هذه القوة الدولية إلى فلسطين لتواجه رجال الإخوان المسلمين وجهاً لوجه وبذلك يدرك العالم كله الخطر الحقيقي الذي تمثله هذه الحركة.
وإذا لم يدرك العالم هذه الحقيقة في وقت قريب فإن أوروبا وأمريكا والعالم سيفاجأ في نهاية القرن العشرين بإمبراطورية إسلامية تمتد من الباكستان شرقاً حتى بلاد المغرب على المحيط الأطلسي غرباً. ولم يكن هذا المقال هو الأول من نوع إذ دأبت الصحف الأوروبية والأمريكية التي يسيطر عليها اليهود على نشر مقالات طويلة من هذا النوع.
ولم يضيع الإخوان المسلمون جهدهم في مناقشة هذه الأقوال إذ أخذ خطباء الإخوان ودعاتهم يجوبون المدن والقرى داعين الناس إلى الجهاد في سبيل الله لإنقاذ أراضي فلسطين المقدسة من ألد أعداء الإسلام. فقامت في مصر حركة إسلامية عنيفة وعمت المظاهرات المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد مطالبة الحكومة المصرية بالتدخل العسكري للقضاء على الدولة اليهودية في مهدها.
واندفعت حشود هائلة من شباب مصر والتي جاءت من الأقاليم والمراكز والقرى حتى اكتظ بهم المركز العام لجماعة الإخوان وضاقت بهم شعب القاهرة وبدأت اتصالات كثيرة بالحكومة المصرية وبعبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية انتهت بموافقة الحكومة المصرية على تكوين فرق من المتطوعين بقيادة ضباط مصريين متطوعيين وتتولى الجامعة العربية ، الإنفاق على هذه الفرق.
ورحب الإخوان بالفكرة وبدأت حركة التطوع عن طريق المركز العام للإخوان المسلمين وكان يشرف على تنظيم حركة التطوع المجاهد الكبير المرحوم الصاغ محمود لبيب ونجح بمعونة بعض الشخصيات المجاهدة وعلى رأسهم عبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية واللواء عبد الواحد سبل مدير عمليات الجيش المصري في إقامة معسكرات للتدريب تتولى الجامعة العربية الإنفاق عليها ويشرف على التدريب ضباط مصريون من جيش مصر العامل.
وبدأت الكتيبة الأولى تدريبها وسافرت إلى ميدان القتال يوم 25/ 4/ 1948 بقيادة البطل الشهيد المرحوم البكباشي أحمد عبد العزيز ومعه عدد من الضباط المتطوعين هم زكريا الورداني وعبد المنعم عبد الرءوف ومعروف الحضري وكمال الدين حسين وحسن فهمي عبد المجيد ومصطفى صدقي وخالد فوزي وأنور الصيحي.
وقد لمع البطل أحمد عبد العزيز في هذه الحرب ودأبت الصحف العربية والعالمية على تتبع أنبائه وتحركاته وعملياته الحربية وأولته من العناية والاهتمام ما لم تول أحداً من قادة الجيوش العربية النظامية ممن يفوقونه في الرتبة والمنصب.
وكان البطل أحمد عبد العزيز شخصية عسكرية نادرة تتميز بجرأة خارقة وولع شديد بالمغامرة واعتزاز بنفسه. اندفعت الكتيبة الأولى من متطوعي الإخوان المسلمين تحت قيادة البطل أحمد عبد العزيز (وفي صحبته الشيخ محمد فرغلي) يوم 5/ 5/ 1948 فوق فلنكات السكة الحديد حتى خان يونس ثم انطلقت بسرعة مخترقة صحراء النقب مستخدمة تكتيك الضرب والحركة وأخذت تكتسح المستعمرات اليهودية وتعترض القوافل المعادية وتفتك بها وتغنم أسلحتها حتى وصلت إلى بيت لحم وأشرفت على مدينة القدس الشريف.
وقاد الكتيبة الثانية من متطوعي الإخوان المسلمين البكباشي عبد الجواد طباله وكانت هذه الكتيبة ترافق الجيش المصري وتشترك معه في الدفاع عن منطقة غزة وتتولى حصار بعض المستعمرات اليهودية وتقوم بحراسة النقط الهامة على خطوط مواصلات الجيش المصري ثم استقرت بعد ذلك مع زميلتها الكتيبة الأولى في بيت لحم عقب استشهاد أحمد عبد العزيز.
وتولى قيادة الكتيبتين الأولى والثانية بعد وفاة البطل أحمد عبد العزيز البكباشي عبد الجواد طبالة وتجمعت الكتيبتان في منطقة جنوب القدس الشريف حيث كان من نصيب هذه القوات الدفاع عن منطقة الخليل وبيت لحم ومرتفعات صور باهر.
وتم المحافظة على هذه المنطقة الهامة حتى تم تسليمها للجيش العربي الأردني بعد وقف القتال وإعلان الهدنة. وكم كان جميلاً أن يقوم الإخوان المسلمون بالدفاع عن مقدسات المسيحيين في فلسطين ، إذ كان نصيبهم الدفاع عن مدينة بيت لحم التي تقع على بعد ستة أميال جنوب القدس وهي إحدى المدن المسيحية المقدسة ، إذ تقع فيها كثير من آثار المسيحيين وكنائسهم وبخاصة كنيسة المهد التي يحج إليها مسيحيون من جميع أنحاء العالم وغالبية سكانها من المسيحيين العرب.
وقد احتفى المسيحيون بالإخوان المسلمين عند دخولهم للدفاع عن مدينتهم وكان الإخوان يبادلونهم هذا الشعور الكريم لما رأوه من إخلاصهم ولما شاهدوه من غيرة صادقة على كرامة العرب. وقد استشهد حول أسوار بيت لحم عدد هائل من شباب الإخوان المسلمين دفاعاً عن مقدسات المسيحيين وظل الإخوان يدافعون عن مدينة بيت لحم عاماً كاملاً دون أن تقع حادثة واحدة من تلك الحوادث التي تقع عادة بين الجنود والمدنيين من أهل البلاد.
وقد تحدثت صحف العالم العربي والصحافة العالمية عن بسالة متطوعي الإخوان في حرب فلسطين1948 وأنهم كانوا يتسابقون على نيل الشهادة في سبيل الله.
الجيش المصري في حرب فلسطين1948

أنهى االإنجليز انتدابهم على فلسطين وغادروها يوم 15 مايو1948 ودخلت الجيوش العربية في الدقيقة الأولى من يوم 15 مايو1948 من الشمال والشرق والجنوب إلى أرض فلسطين لإنقاذ شعبها العربي من الكارثة المتوقعة.
وكانت الخطة العربية تقضي بأن يتقدم الجيش المصري بسرعة على الطريق الساحلي من قرية رفح المصرية حتى قرية (بيناً) على بعد عشرين ميلاً جنوب تل أبيب. حيث تكون الجيوش العربية الأخرى الزاحفة من الشرق والشمال وقد احتلت نقطاً مماثلة شمال وشرق تل أبيب.
ثم تقوم القوات العربية بفرض الحصار على عاصمة العدو في تل أبيب لإجباره على التسليم. توغل الجيش المصري في فلسطين بسرعة مستخدماً الطريق الساحلي.
وقد اقتحم الجيش المصري أثناء تقدمه المستعمرات اليهودية التي اعترضت زحفه ، فهاجم مستعمرة الدنجور القوية التحصين والقريبة من الحدود المصرية يوم 16 مايو1948 ودكها بالمدفعية ثم حاول اقتحامها بالمشاة ولكنه وجد مقاومة عنيفة اضطرته لتركها مكتفيا بفرض الحصار عليها ومواصلة الزحف. فاجتاز الجيش المصري بلده خان يونس بلا مقاومة.
ثم اقتحم الجيش المصري الباسل يوم 19 مايو1948 مستعمرة دير سنيد الحصينة شمال غزة وقاوم العدو مقاومة عنيفة غير أنه اضطر إلى إخلائها أمام ضغط القوات المصرية تاركاً خلفه مئات ال***ى والجرحى وكميات ضخمة من المؤن والعتاد الحربي.
وواصل الجيش المصري الزحف شمالاً على الطريق الساحلي وهاجم المستعمرات اليهودية الواحدة تلو الأخرى فهاجم مستعمرة كفار ديروم ومستعمرة بيرون أسحق ومستعمرة كوكبة ومستعمرة نجبا.
ونجح الجيش المصري في اقتحام مستعمرة نيتسالبم قرب أسدود بعد معركة دامية أظهر الجنود المصريون فيها من ضروب البسالة والفدائية ما يجعلهم في طليعة المقاتلين الممتازين.
وكان مقرراً أن يواصل الجيش المصري زحفه شمالاً حتى قرية بينا جنوب تل أبيب حسب الخطة الموضوعة ولكن ما كادت طلائع الجيش المصري تجتاز بلدة أسدود وتقترب من الهدف حتى هاجمتها القوات اليهودية هجوماً عنيفاً ، غير أن الجيش المصري أفلح في صد هذا الهجوم وكبد اليهود خسائر فادحة.
ولكن اليهود بهجومهم هذا حققوا نتيجة واحدة هي تثبيت الجيش المصري شمال بلدة أسدود وكانت هذه هي نقطة التحول في حرب فلسطين سنة 1948.
إذ لزم الجيش المصري بعد ذلك خطة الدفاع وبدلاً من الاستمرار في الزحف شمالاً في اتجاه تل أبيب زحفت القوات المصرية شرقاً واتصلت بقوات الإخوان المسلمين المرابطة في جبال الخليج وبيت لحم.
وبذلك أصبحت القوات المصرية تكون إطاراً حول منطقة معادية تموج بمئات المستعمرات اليهودية التي تأوي عشرات الألوف من جنود اليهود.
لقد وزع اليهود مستعمراتهم في فلسطين توزيعاً عسكرياً يضمن لهم الاستمرار في القتال مدة طويلة.
ورفض بن جوريون رفضا باتا بناء العمارات في إسرائيل ورفض رفضا باتا بناء المدن ما عدا مدينة تل أبيب.
لقد بنى بن جوريون شبكة ضخمة من القرى (المستعمرات أو المستوطنات) تزيد على ألف مستعمر منتشر انتشاراً أفقياً واسعاً بطول فلسطين وبعرضها.
لقد وزع اليهود مستعمراتهم في الصحراء وكل مستعمرة تحوي مئات من الجنود ومقادير كبيرة من الأسلحة والذخائر ومعدات الحرب.
ويمكن عند إعلان حالة الطوارئ سحب نصف جنود المستعمرة إلى أماكن تجمع معروفة سلفاً لكل فرد فيتكون فوراً خلال 24 ساعة جيش نظامي ضخم.
وقد كان لكل مستعمرة مصادر ذاتية للتموين كحظائر الماشية المنتجة للحم واللبن وحظائر الدواجن المنتجة للبيض ولحم الدواجن وخلايا النحل المنتجة لعسل النحل.. وهذه المستعمرات متصلة ببعضها بشبكة من الطرق المرصوفة ووسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وشبكة ضخمة من مواسير المياه العذبة لري الأراضي المجاورة للمستعمرة لزراعتها بالأعلاف الخضراء التي تصلح غذاء للماشية كما يزرع سكان المستعمرة الخضر والفواكه وبعض الحبوب كالذرة والشعير. وبكل مستعمرة خزان علوي للمياه النقية الصالحة للشرب الآدمي وذلك بعد تطهير المياه والتأكد من صلاحيتها للاستعمال الآدمي.
ونظراً لندرة المياه في إسرائيل فقد لجأت إسرائيل إلى طريقة الري بالرش وبالتنقيط وإلى تحلية مياه البحر المالح.
وجميع هذه القرى الإسرائيلية مضاءة بالكهرباء وتستخدم الطاقة الكهربائية لأغراض الزراعة والري والصناعة.
فهذه المستعمارت اليهودية زراعية صناعية عسكرية وأهلها المقيمون فيها هم المدافعون عنها... ويتولى نساء اليهود رعاية وإطعام الأبقار والدواجن وخلايا النحل والحراسة المحلية ونساء اليهود مدربات على حمل السلاح والدفاع عن النفس.
وقد تعجب أن كثيراً من ضباط الجيش الإسرائيلي كانوا ضباطاً في الجيش الروسي خلال الحرب الروسية الألمانية 1942- 1945 ومنهم من كان في الجيش البريطاني ومنهم من كان في جيش الولايات المتحدة الأمريكية ومنهم من كان في جيش جنوب أفريقيا.
وعندما أعلنت اليهودية العالمية عن حاجتها لضباط لقيادة جيش الدفاع الإسرائيلي هرع إليها الضباط اليهود من كل جيوش العالم.
لزم الجيش المصري مواقعه التي احتلها في الخط العام من الغرب إلى الشرق (المجدل - عراق سويدان - الفالوجا - بيت جبرين - الخليل مع لسان بارز إلى أسدود عند ساحل البحر الأبيض المتوسط).
وإذا بالدول العربية تقبل الهدنة الأولى لمدة أربعة أسابيع تبدأ من 11- 6- 1948. وقد اغتنم اليهود فرصة الهدنة فهاجموا قرية العسلوج واجتلوبها.
وكان احتلال العسلوج يعني قطع مواصلات الجيش المصري في القطاع الشرقي من الجبهة المصرية مما دعا القيادة العسكرية المصرية إلى تنظيم خطة لاستردادها.
وأترك وصف المعركة الخاصة باسترداد قرية العسلوج للواء أحمد علي المواوي القائد العام لحملة فلسطين سنة 1948 وهي مقتبسة من شهادة أدلى بها سيادته بين يدي القضاء المصري في إحدى قضايا الإخوان المسلمين والتي عرفت باسم قضية سيارة الجيب.
وكانت إجابة اللواء أحمد المواوي رداً على سؤال وجهه إليه الدفاع في القضية المذكورة.
  • س : - هل كلفتم متطوعي الإخوان بواجب خاص عند مهاجمتكم عسلوج؟
ج : - نعم ، العسلوج بلد تقع على الطريق الشرقي واستولى عليها اليهود أثناء الهدنة... ولهذا البلد أهمية كبرى بالنسبة لخطوط مواصلات القوات المصرية وكانت رئاسة الجيش بالقاهرة تهتم كل الاهتمام باسترجاع العسلوج حتى إن رئيس هيئة أركان حرب الجيش أرسل إلي إشارة هامة يقول فيها (لا بد من استرجاع العسلوج بأي ثمن) فكانت اللحظة التي وضعتها لاسترجاع العسلوج هي الهجوم عليها من الشرق والغرب.
فكلفت المرحوم البكباشي أحمد عبد العزيز قائد متطوعي الإخوان المسلمين بإرسال قوة من الشرق من المتطوعين وكانت قوة صغيرة لا تجاوز ثلاثين فردًا كلهم من متطوعي الإخوان بقيادة ضباط برتبة ملازم. وأرسلت قوة كبيرة من الغرب تعاونها جميع الأسلحة ولكن القوة الصغيرة هي التي تمكنت من دخول القرية والاستيلاء عليها.
ولما سأله المحامون عن السبب في تغلب القوة الصغيرة أجاب.. القوة الغربية كانت من الرديف (احتياط الجيش المصري العامل) وضعفت روحهم المعنوية بالرغم من وجود مدير العمليات الحربية فيها إلا أن المسألة ليست مسألة ضباط المسألة مسألة روح ، إذا كانت الروح ميتة لا يمكن للضابط أن يعمل شيئاً ، لا بد من وجود الروح المعنوية العالية.
وهكذا تحررت عسلوج على يد قوة صغيرة من متطوعي الإخوان المسلمين بقيادة ضابط ملازم.
وفي 14/ 10/ 1948 هاجمت سرية يهودية قرية بيت حانون واستطاعوا احتلالها في 16/ 10/ 1948 بعد مقاومة باسلة من قوات الجيش المصري التي كانت تحتل البلدة.
وبذلك قطع اليهود طريق المواصلات الرئيسي على ساحل البحر الأبيض المتوسط والذي كان يربط مدينة غزة ببقية المناطق في الشمال حتى أسدود على ساحل البحر.
فصدرت الأوامر لقوات الجيش المصري بالانسحاب من أسدود والمجدل إلى غزة عن طريق شاطئ البحر الأبيض المتوسط لتفادي الطريق المرصوف الذي قطعه اليهود باحتلالهم بلدة بيت حانون... وكان المفروض أن يصدر قرار انسحاب مماثل لقوات الفالوجا إلى مدينة بئر سبع وبذلك يكون الجيش المصري قد انسحب إلى خط دفاع ثان هو خط غزة بئر سبع وبذلك يكون الانسحاب منظماً.
ولكن العجيب أن قوات الفالوجا ظلت في مواقعها حتى أحاط بها اليهود من كل جانب. وقد ترتب على بقاء قوة معطلة في الفالوجا قوامها خمسة آلاف رجل ضياع مدينة بئر سبع وما أعقب ذلك من انهيار القطاع الشرقي عسلوج العوجة ثم اقتحام اليهود لحدود مصر الشرقية والزحف حتى مشارف مدينة العريش لتطويق الجيش المصري المتواجد على الشريط الساحلي رفح/ غزة.
أما قوة الفالوجا فقد أحكم اليهود حولها الحصار وظنوا أن هذه القوات لا تلبث أن تستسلم غير أن قوات الفالوجا الباسلة خيبت ظنهم ومضت تدافع عن مراكزها باستبسال حتى من الله عليها بالنجاة بعد نهاية الحرب وإعلان الهدنة وغادروا أرض الفالوجا بكامل أسلحتهم في 11/ 3/ 1949.
وقد قام الإخوان المسلمون بجهد رائع في إمداد قوات الجيش المصري المحاصرة في الفالوجا بالمؤن والذخيرة بقوافل الجمال عبر الصحراء ، وكان للبطل الصاغ معروف الحضري جهد مشكور في هذه الفترة فكان يتولى قيادة هذه القوافل إلى أن وقع في أسر اليهود وظل في الأسر حتى تم تبادل الأسرى بعد الهدنة.
بعد حصار الفالوجا شدد اليهود هجومهم على حامية بئر سبع مفتاح فلسطين الشرقي وعاصمة النقب فاحتلوها يوم 27/ 10/ 1948.
وكانت القيادة العسكرية المصرية لحملة فلسطين سنة 1948 قد رأت بعد استشهاد البطل أحمد عبد العزيز تجميع كتيبتي الإخوان الأولى والثانية في منطقة الخليل وبيت لحم ومرتفعات صور باهر.
ولم يبق مع القوات المصرية النظامية من المتطوعين إلا الكتيبة الثالثة من متطوعي الإخوان المسلمين فكلفتها القيادة لحملة فلسطين بإرباك مستعمرات النقب ، فقام أفراد الكتيبة الثالثة لمتطوعي الإخوان المسلمين بمحاصرة مستعمرات اليهود في صحراء النقب وتدمير شبكات مواسير المياه حتى كادت هذه المستعمرات أن تموت عطشاً.
وبسقوط بئر سبع يوم 27/ 10/ 1948 في أيدي اليهود أصبح في مقدور اليهود التنقل بحرية بين أرجاء صحراء النقب وأصبح موقف القوات المصرية في القطاع الشرقي حرجاً للغاية.
مما دفع اللواء المواوي قائد حملة فلسطين أن يطلب رسمياً في عدة خطاباً له إلى الأمانة العامة للجامعة العربية تجنيد أكبر عدد ممكن من شباب الإخوان وإرسالهم فوراً إلى ميادين القتال في فلسطين ليتمكن من السيطرة على الموقف في القطاع الشرقي قطاع عوجا - عسلوج - بئر سبع - الخليل - بيت المقدس وكلف اللواء المواوي الأستاذ الشيخ محمد فرغلي رئيس متطوعي الإخوان في حرب فلسطين بالسفر إلى القاهرة لاستعجال تجهيز وتعبئة شباب الإخوان المسلمين.
وفي 11/ 11/ 1948 قررت الحكومة المصرية سحب اللواء المواوي وتعيين اللواء أركان حرب أحمد فؤاد صادق قائداً لحملة فلسطين وكان أفراد الكتيبة الثالثة للإخوان المسلمين لا يزالون يحتلون المواقع المحيطة بمستعمرات اليهود.
وفي ذات يوم صدرت أوامر بسحب الإخوان من تلك المواقع ووضعهم في معسكر برفح.
وبمجرد سحب الإخوان من تلك المواقع بادر اليهود إلى احتلالها وبذلك انحلت القيود التي كانت تكبل المستعمرات اليهودية بالنقب.
ولم تمض أيام قليلة حتى احتل اليهود تبة الشيخ نوران ولقد حاول الجيش المصري استردادها فهاجمها بقوات كبيرة في 6/ 12/ 1948 ولكن ذهبت محاولاته أدراج الرياح.
أما بقية المواقع التي كان يحتلها الإخوان وصدرت لهم أوامر قيادة حملة فلسطين بإخلائها فقد احتلها اليهود.
فاحتل اليهود تل جمة في 5/ 12/ 1948 وتل الفارعة في 18/ 12/ 1948 وكان سحب الإخوان من مواقعهم المنيعة والحد من نشاطهم العسكري يرجع إلى الإجراءات الشاذة التي اتخذتها حكومة النقراشي قبيل حل جماعة الإخوان في مصر.
فقد كان الملك فاروق ينظر بعين الريبة إلى الإخوان المسلمين ويخشى أن يؤلفوا جيشاً في فلسطين يكون خطراً على عرشه. حقاً لقد كان الإخوان المسلمين خطراً على إسرائيل وفد فهم اليهود ذلك حق الفهم في ميدان القتال.
فأوحى اليهود إلى الإنجليز الذين أوحوا إلى الملك فاروق وأدخلوا في روعه أن استمرار الإخوان في جهادهم بفلسطين والنشاط الذي يجريه حسن البنا في مصر لتجهيز قوات إخوانية كثيفة ليدخل بها فلسطين وإيقاظه لروح الجهاد الديني في الشعب المصري سيصبح خطراً داهما على عرش فاروق.
فأمر الملك فاروق رئيس وزرائهمحمود فهمي النقراشي باتخاذ الإجراءات اللازمة للبطش بجماعة الإخوان المسلمين واستئصال شأفتهم.
ولقد سبق أن ذكرت أن اللواء المواوي طالب بإرسال أكبر عدد من متطوعي الإخوان المسلمين وإرسالهم فوراً إلى ميدان القتال ب فلسطين وسافر لهذه الغاية الشيخ محمد فرغلي رئيس متطوعي الإخوان في حرب فلسطين إلى القاهرة بتعليمات مكتوبة من قائد حملة فلسطين اللواء المواوي.
ولقد أخبرني الصاغ محمود لبيب أن عبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية قد استدعاه في ذلك التاريخ ورجاه أن يعمل على تجنيد أكبر عدد ممكن لأن خطورة الموقف العسكري في فلسطين تتطلب إرسالهم على جناح السرعة.
ومضى محمود لبيب فاتصل بشعب الإخوان في جميع أنحاء مصر وطلب تجهيز أكبر عدد ممكن من الأفراد.
ولكن ما إن تناهى النبأ إلى مسامع النقراشي رئيس الوزراء حتى رفض قبول الفكرة رفضا باتا.
ولم يستطع محمود لبيب فهم أسباب الرفض في حينه حتى جاءت الحوادث الغربية بعد ذلك لتعلن الحقيقة المرة.. ذلك أن النقراشي كان مشغولاً بتنظيم خطة للفتك بجماعة الإخوان المسلمين ومحوها من الوجود.
ولو أدى الأمر إلى تعريض جيش مصر في فلسطين لأقدح الأخطار وتعريض الأرض التي اكتسبها بدمائه إلى الضياع وتسليمها لليهود بلا قتال.
إذ أصدر النقراشي رئيس الوزراء أوامر مشددة إلى اللواء فؤاد صادق قائد حملة فلسطين الجديد بسحب قوات الإخوان من مواقعهم وسحب أسلحتهم واعتقالهم وإرسالهم كأسرى حرب إلى المعتقلات في مصر.
ولكن اللواء فؤاد صادق رفض بشدة اعتقال هؤلاء المجاهدين واكتفى بسحبهم من مواقعهم وأبقاهم في معسكر بمنطقة رفح المصرية ومعهم أسلحتهم.
وفي الوقت الذي كان فيه حسن البنا بعد قوات كثيفة ليدخل بها إلى فلسطين كان النقراشي يرتكب أبشع حماقة يمكن أن يصدر من رجل دولة مسئول في حالة الحرب.
ولم تلبث الأنباء أن جاءت بقيام الم***ة ، فسبق زعماء الإخوان إلى المعتقلات وكان من بينهم الشيخ محمد فرغلي رئيس الإخوان المسلمين بفلسطين الذي أرسله المواوي ليستعجل حضور شباب الإخوان المتطوعين للجهاد في فلسطين.
وفي ليلة 7/ 12/ 1948 حوصر معسكر الإخوان برفح بقوات كبيرة من الجيش المصري وحضر اللواء البرديني ومعه عدد من ضباط البوليس الحربي وطلبوا مقابلة قائد معسكر الإخوان المسلمين.
وقال اللواء البرديني لقائد الإخوان : لقد أبلغتنا الحكومة المصرية أن قراراً صدر بحل الإخوان بمصر والقائد العام فؤاد صادق بناء على طلب الحكومة يطلب تسليم الأسلحة ومعدات الحرب خشية أن يركب بعض شباب الإخوان رءوسهم ويرتكبوا بعض الحماقات يكون فيها أبلغ الضرر.
وهم شبان في مقتبل العمر متحمسون وقد لا يقدرون عواقب تصرفاتهم في هذه المرحلة الخطيرة التي يجتازها الجيش المصري وأنت رجل عاقل فأرجو ألا تمانع في تسليم الأسلحة ومعدات الحرب. فقال له قائد الكتيبة الثالثة من متطوعي الإخوان : إن مسألة حل الإخوان المسلمين أمر وارد وهذه الدعوة غير قابلة للحل لأنها دعوة الله وستجد حتماً من يعمل لها من غير الإخوان المسلمين.
أما خشية الجيش من قيام حركة انتقامية في الميدان فتلك خشية لا موضع لها على الإطلاق ، فإن إيمان الإخوان بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يمنعهم من التفكير في مثل هذه الأعمال ، وإن هؤلاء الشباب الذين باعوا أنفسهم لله لن يختموا جهادهم بضرب وجوه المؤمنين من إخوانهم ضباط وجنود الجيش المصري.
وعلى هذا فتسليم الأسلحة لا مبرر له ، وعلى القائد العام أن يطمئن تماماً ويبلغ المسئولين في مصر بهذا الرأي وأن يتحمل التبعة وهو رجل شريف وشجاع.
وأخيراً اتفق اللواء البرديني مع قائد الإخوان على كتمان الأمر حتى يقابل قائد الإخوان اللواء فؤاد صادق في الصباح.
وذهب قائد الإخوان في الصباح لمقابلة اللواء فؤاد صادق الذي قال له : إنه فكر في الأمر فاستقر رأيه على معالجته بالحكمة وأنه سيترك للإخوان حرية الاختيار فإن رأوا كلهم أو بعضهم مغادرة الميدان والذهاب إلى بلادهم في مصر فسوف يسهل لهم أمر العودة وإن رأوا أن يستمروا في الحرب مع الجيش المصري فسيظلون في أماكنهم دون أي تغيير في أوضاعهم.
على أنه يرجو أن يتدبر الإخوان الأمر وأن يعلموا أن الجيش المصري في حاجة إليهم وإلى جهودهم ولا يليق بهم التخلي عنه في هذه الظروف.
ثم طلب جمع الإخوان في موعد معين ليتحدث إليهم ولما عاد قائد الإخوان إلى المعسكر وجد أبناء قرار حل الإخوان قد سبقه إلى أفراد المعسكر عن طريق أجهزة الراديو.
فشرح لهم ما دار بينه وبين اللواء فؤاد صادق وتشاور الإخوان في الأمر واستقر رأيهم بالإجماع على البقاء ومواصلة القتال مع الجيش المصري حتى تضع الحرب أوزارها.
وفي اليوم التالي حضر اللواء فؤاد صادق وعرف إجماع الإخوان على البقاء لمواصلة القتال في سبيل الله فحياهم اللواء صادق على روحهم الوطنية الطيبة. هذا كان رأي شباب الإخوان المقاتل مع الجيش المصري فماذا كان رأي قيادة الإخوان في مصر .
لقد أرسل حسن البنا خطاباً سرياً مع أحد الإخوان يقول فيه لا شأن للمتطوعين بما يجري في مصر وما دام في فلسطين يهودي واحد يقاتل فإن مهمتهم لم تنته وأوصى الإخوان بالهدوء وعدم مقاومة الحكومة في إجراءتها التعسفية حتى لا يستفيد الإنجليز واليهود من الفتنة لأن الإخوان المسلمين لو قاوموا الحكومة لتحولت الفتنة إلى حرب أهلية لن يستفيد منها سوى أعداء مصر .
وأمر حسن البناالإخوان أن يتحملوا المحنة وأن يسلموا أكتافهم للسعديين لي***وا ويشردوا كيف شاءوا حرصاً على مصلحة شعب مصر وإبقاء على وحدة الأمة وتفاديا لنشوب حرب أهلية لا يستفيد منها سوى أعداء الإسلام.
وصدع الإخوان بالأمر وتحملوا مصائب المحنة بصبر وجلد ومضي السعديون في خطتهم الطائشة يعتقلون ويعذبون حتى بات أي فرد في مصر تحت رحمة البوليس السياسي.
وكان طبيعياً أن تبرر الحكومة المصرية خطتها فأخذت وسائل الإعلام التابعة لها تشيع أنباء مختلفة عن مؤامرات وهمية تدبر في الخفاء لقلب نظام الحكم.
وطفحت الصحف الحكومية بتفاصيل هذه المؤامرات الوهمية ولم يسمح للإخوان بالدفاع عن أنفسهم وفرض التعتيم الإعلامي التام لكيلا يعرف شعب مصر حقيقة الأمور.
فالحكومة في ظل الأحكام العرفية كانت نقيض بيد من حديد على وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة ودور نشر وتملي عليها ما تذيعه وتنشره من إفك وزور وبهتان. ولو ترك حسن البنا على حريته دون أن تضع الحكومة المصرية العراقيل أمامه لرأي دعاة السوء كيف يغرق فلسطين بقوات إخوانية كثيفة ولتغيرت نتيجة الحرب لا محالة.
أ- شاهد عيان على الأسلحة الفاسدة

عندما دخل الجيش المصريفلسطين في 15 مايو1948 كنت مدرساً بمدرسة المشاة وقد أرسلت حكومة مصر في ذلك الوقت لجاناً لشراء الأسلحة من دول أوروبا. وكانت الأسلحة الخاصة بسلاح المشاة ترسل عينة منها لمدرسة المشاة لتجربتها وتدريب الضباط والجنود الجدد عليها قبل إرسالهم لميادين القتال. وفي يوم من الأيام الأخيرة لشهر مايو1948 كلفت بترجمة كتاب من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية عن سلاح جديد اسمه Bigit mortar اشترته إحدى لجان مشتريات السلاح من أسبانيا.

وأثناء قيامي بعملية الترجمة في مدرسة المشاة حضر البكباشي عبد العليم منصور مهران ومعه البكباشي مهندس مصطفى النيال وقالا تفضل معنا إلى تبة البندرول (جبل صغير بالقرب من مدرسة المشاة) لتجربة السلاح الجديد. فقلت لهما تفضلا وسألحق بكما بعد أن أتم جمع الورق الموجود في يدي وأحفظه تحت القفل في الخزينة. فذهب البكباشي مهران والبكباشي النيال إلى مكان التجربة عند تبة النبدرول ، وذهبت لألحق بهما بعد قليل من الوقت لا يتجاوز ربع ساعة فسمعت صوت انفجار شديد تحطم على أثره زجاج شبابيك مدرسة المشاة ، فأسرعت عدواً إلى تبة البندرول فوجدت أنهم أطلقوا أول دانة من هذا المدفع فانفجرت الدانة داخل الماسورة الخاصة بالمدفع. و*** البكباشي مهران وأصيب المهندس النيال إصابة خطيرة في رأسه أودت بحياته بعد ذلك كما *** تسعة من ضباط الصف المعلمين من قوة مدرسة المشاة كانوا جميعاً في التجربة مع البكباشي مهران والمهندس النيال.
وأرى أن المسئول الأول عن إحضار الأسلحة الفاسدة لمصر هي اللجان التي أرسلت إلى أوروبا لشراء الأسلحة والذخائر وأستبعد تماماً أن يكون الملك فاروق شريكاً في هذه الجرائم لأن الملك هو القائد الأعلى للجيش وانتصار الجيش فخر للملك ولا شك في هذا مع العلم بأنه لم يرسل إلى ميدان القتال بفلسطين سنة 1948 أية أسلحة فاسدة لأن السلاح كان يجرب في مصر قبل إرساله إلى ميدان القتال.


ب- اشتراكي في حرب فلسطين سنة 1948

قررت رئاسة الجيش المصري إنشاء لواء مشاة جديد لتعزيز القوات المسلحة المصرية فتقرر إنشاء اللواء الرابع المشاة من الكتائب 10- 11- 12 وللعلم فقوة الجيش المصري من المشاة حينما قامت حرب فلسطين في 15 مايو1948 لم تكن تزيد على 3 لواء مشاة تشمل الكتائب من رقم 1- 9.
وفي 30/ 6/ 1948 تقرر نقلي من مدرسة المشاة إلى الكتيبة 12 مشاة ثم نقلت يوم 4/ 10/ 1948 إلى الكتيبة العاشرة المشاة قيادة القائم مقام عثمان بك فهمي عبد الرءوف وفي 18- 10- 1948 تحركت الكتيبة العاشرة المشاة إلى فلسطين من معسكر هاكستب بالسكة الحديد رأساً إلى مدينة غزة وحينما نزلنا من القطار في محطة غزة الفلسطينية كان موقف القوات المصرية حرجاً للغاية ، إذ قطع اليهود خط مواصلات الجيش المصري شمال غزة بعد أن استطاعوا قوة يهودية احتلال بلدة بيت حانون يوم 16/ 10/ 1948.

وبذلك قطعت مواصلات القوات المصرية ما بين غزة والقوات الموجودة في المجدل وأسدود شمالاً على الطريق الساحلي. وكلفت قيادة حملة فلسطين الكتيبة العاشرة التي أخدم بها باحتلال موقع دفاعي حول مدينة غزة الفلسطينية.

ثم صدرت لنا الأوامر بتسليم غزة لكتيبة أخرى والتحرك جهة الشرق لاحتلال مدينة عسلوج. ثم صدرت لنا الأوامر بإخلاء العسلوج وتسليمها لقوة أخرى والتوجه إلى دير البلح على الطريق الساحلي وعين للكتيبة العاشرة المشاة التي أخدم بها قطاع للدفاع عنه كانت من ضمنه التبة 86.

ج- شاهد عيان على بسالة الإخوان المسلمين

نقض اليهود الهدنة يوم 23/ 12/ 1948 وهاجموا مرتفعاً حاكماً يقع شرق الطريق الساحلي المرصوف (طريق رفح/ تل أبيب) وهذا المرتفع يعرف بالتبة 86 في قطاع دير البلح وكان هذا التل يقع ضمن القطاع الذي تحتله الكتيبة العاشرة التي أخدم بها.
هاجم اليهود التبة 86 ليلاً فاقتحموا مواقع المشاة بالسلاح الأبيض و***وا الحراس وفر بعض الجنود مذعورين من هول المباغتة. وكان نجاح اليهود في احتلال التبة 86 معناه عزل حامية غزة وتمثيل مأساة الفالوجا مرة أخرى.

ولقد تولى الأمير ألاي محمود بك رأفت قائد قطاع دير البلح إدارة معركة استرداد التبة 86. فطلب من القائد العام فؤاد صادق إرسال قوة من الإخوان المسلمين لاسترداد التبة 86 ورغم أن قرار حل الإخوان كان قد صدر في 8/ 12/ 1948 فقد ظل الإخوان المسلمون يؤدون واجبهم المقدس في مجاهدة أعداء الله رغم ما كانت تصلهم من أنباء مثيرة عن الإرهاب ضد إخوانهم في مصر.

وكلفت قيادة حملة فلسطين سرية من كتيبة الإخوان المسلمين الثالثة والتي كانت موجودة كاحتياط للقيادة العامة في معسكر رفح باسترداد التبة 86.
وبدأت معركة استرداد التبة 86 الساعة 2 بعد ظهر يوم 24/ 12/ 1948 بإطلاق المدفعية المصرية غلالة من النيران فوق التل أتبعتها بستارة من الدخان ثم تقدمت قاذفات اللهب المركبة على حمالات مدرعة يتبعها شباب الإخوان المسلمين. ولما اقتربت قوة الإخوان من التبة 86 سكتت المدافع وانطلقت قاذفات اللهب تصب حممها على التبة وورع اليهود حين رأوا الإخوان يلقون بأنفسهم عليهم فوق الخنادق وسط اللهب ويعاركونهم بالسلاح الأبيض ورغم كثرة الضحايا من الإخوان فقد تمكنوا من استرداد التبة 86 وفتكوا بمن كان فيها من اليهود فلم ينج منهم أحد.

وطلب اللواء فؤاد صادق الإنعام بأوسمة عسكرية على الإخوان الذين استردوا التبة 86 فماطلت حكومة السعديين غير أن الرجل الشجاع أصر على رأيه مما اضطر الحكومة إلى إجابته إلى مطلبه.
وصدرت النشرة العسكرية تحمل أسماء خمسة عشر من الإخوان المسلمين المصريين ثم تتابعت النشرات العسكرية تحمل الإنعام الملكي على أبطال الإخوان المسلمين في حرب فلسطين.

ومن المضحك والمبكي في وقت واحد أن تصدر النشرات العسكرية وفيها عتراف رسمي ببطولة الإخوان المسلمين وهو اعتراف من قيادة الجيش المصري بشجاعتهم وصدق جهادهم ثم هو اعتراف بفضل قائد الدعوة الإمام حسن البنا.
في هذا الوقت بالذات كان الإخوان يقاسون مرارة الاعتقال وال***** ويعيشون كالمجرمين وراء الأسوار. وهكذا أباحت العقلية المتناقضة لنفسها أن تعامل طائفة من الناس على أنهم أبطال ومجرمون في آن واحد.

د- المعارك الأخيرة في النقب

قام اليهود يوم 25/ 12/ 1948 بحركة التفاف قصدوا منها عزل القوات المصرية بفلسطين عن قاعدتها الإدارية بالعريش. وكان موقف القوات المصرية في آخر ديسمبر1948 على النحو التالي :
1- قوات الجيش المصري النظامي تحتل قطاع غزة/ رفح.
2- قيادة القوات المصرية في رفح.
3- مجموعة لواء مشاة مصري محاصر في الفالوجا.
4- مجموعة لواء مشاة مصري تحتل قطاع العسلوج والعوجة.
5- قوات الكتيبتين الأولى والثانية من متطوعي الإخوان المسلمين تحتل قطاع (بيت لحم - الخليل - صور باهر) وقد عزلت هذه القوات بعد حصار الفالوجا عن القيادة العامة المصرية لحملة فلسطين في رفح.
6- الكتيبة الثالثة من متطوعي الإخوان المسلمين في معسكر رفح كاحتياط تحت يد القائم العام لحملة فلسطين.
وفي يوم 25/ 12/ 1948 اكتسح اليهود القوات المصرية الموجودة في عسلوج والعوجة ثم دخلوا سيناء واحتلوا أبو عجيلة فوجدوها خالية وواصل اليهود تقدمهم في اتجاه العريش واشتبكوا مع طلائع الجيش المصري في مرتفعات بيرلحفن.
وفي الوقت نفسه تعرضت رفح لهجوم شديد واحتل اليهود تبة الأسرى المواجهة لرفح. ولقد أبدى الضباط المصريون من مختلف الرتب كثيراً من الجرأة واستبسلوا في الدفاع عن مواقعهم ووقف اليهود على أبواب رفح والعريش ولم يستطيعوا اقتحام مواقع الجيش المصري واضطروا إلى التراجع بعد أن كبدهم المصريون خسائر فادحة وقام الطيران المصري بضرب فلول القوات اليهودية المنسحبة حتى أخرجوهم تماماً من صحراء سيناء.
وانتهت حرب فلسطين باتفاق رودس سنة 1949 وكان من شروط الاتفاق سحب الجيش المصري كله من فلسطين ويكتفي بلواء مشاة فقط في قطاع غزة/ رفح.
وقد وقع اختيار قيادة الجيش المصري على اللواء الرابع المشاة الذي كنت أخدم فيه للبقاء في فلسطين بقطاع غزة/ رفح وتم سحب قوات الفالوجا وباقي قوات الجيش المصري إلى سيناء ومنطقة القنال ووادي النيل. وطلبت القيادة المصرية من الإخوان المسلمين برفح تسليم أسلحتهم ومعدات الحرب تمهيداً لترحيلهم لمصر.
وسلم الإخوان أسلحتهم بلا مناقشة وبدون أي اعتراض وبعد انتهاء تسليم الأسلحة تم نقل الإخوان إلى عنبر كبير جداً في رفح كان من عنابر الجيش البريطاني قبل جلاء الإنجليز عن رفح. وقيل للإخوان إنهم سيبيتون في هذا العنبر ليلة واحدة ليركبوا القطار في الصباح إلى القاهرة.
هـ- تعييني قائداً لمعتقل رفح
وقع اختيار قيادة حملة فلسطين علي للإشراف على معتقل الإخوان المسلمين برفح... وطلب مني اللواء فؤاد صادق حسن معاملة هؤلاء المعتقلين قائلاً : لقد شارك هؤلاء الشباب من الإخوان المسلمينالجيش المصري في الجهاد ورووا بدماء شهدائهم أرض فلسطين وكانوا جنوداً أبطالا أدوا واجبهم كأحسن ما يكون الأداء.
فلا أقل من أن تجيب لهم كل طلباتهم المعقولة ولا تشعرهم بالندم على ما قدموه من تضحيات من أجل بلادهم فقلت له : سأبذل جهدي وانصرفت وقلت لنفسي : أهكذا جزاء المجاهدين الصادقين في هذا البلد؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فوجئ الإخوان صباح اليوم التالي فوجدوا العنبر محاطاً بقوات مسلحة من الجيش المصري ورأيت أن أخطرهم بالحقيقة فقلت لزعمائهم إن الحكومة المصرية قد أصدرت تعليماتها لقيادة الجيش المصري بفلسطين باعتقال الإخوان المجاهدين فترة من الزمن حتى تهدأ الأحوال في مصر. وقلت لهم إنهم سيلقون معاملة كريمة جزاء ما قدموه من تضحيات لأمتهم وإن جميع طلباتهم المعقولة مجابة وأرجو ألا تتسببوا في إحراجي لأني أنفذ الأوامر الصادرة إلى من رؤسائي.
وجاء اللواء فؤاد صادق في اليوم التالي فقال إن الحكومة المصرية طالبته مراراً باعتقال الإخوان المسلمين المقاتلين وكان يراوغ بحجة احتياجه لهم في القتال الدائر على أرض فلسطين. فلما انتهت الحرب اضطر لتنفيذ أوامر الحكومة. وأصدر أمراً لي أمام الإخوان بتلبية جميع طلباتهم المعقولة وقال الرجل علناً أمام الإخوان « إن الجيش المصري لن يستطيع أن يفي هؤلاء الإخوان حقهم من الإكرام وليس في وسعه إلا أن يواسيهم في محنتهم كما وقفوا معه واستبسلوا في معاونته.
ظل الإخوان في المعتقل شهرين ثم انضم إليهم إخوان صور باهر بقيادة اليوزباشي احتياط محمود عبده ثم انضم إليهم إخوان بيت لحم والخليل. ومضت حياة المعتقلين هادئة قطعها الإخوان في العبادة وطلب العلم.
حوادث مؤسفة بمصر

بعد 20 يوماً من صدور قرار حل الإخوان المسلمين اغتال شاب من الإخوان المسلمينمحمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء (الذي أصدر قرار الحل).
وتم الاغتيال داخل مبنى وزارة الداخلية وكان اغتياله يوم 28/ 12/ 1948.
وبعد 44 يوماً من *** النقراشي اغتيل الشيخ حسن البنا يوم 12/ 2/ 1949 في الساعة 8 مساء أمام مبنى جمعية الشبان المسلمين.
وكان *** حسن البنا بتدبير من الملك فاروق ورئيس وزرائه وكان *** حسن البنا للأسباب الآتية :
1- انتقام حرب السعديين من الإخوان المسلمين لم*** النقراشي.
2- تخلص الملك فاروق من زعامة شعبية قوية قادرة على اتخاذ قرارات إيجابية وتنفيذها.
لقد كان للجيش المصري 12 كتيبة مشاة تقاتل في فلسطين عام 1948 وكان لحسن البنا 3 كتائب مشاة من متطوعي الإخوان المسلمين تقاتل مع الجيش المصري بفلسطين.
والملك فاروق هو القائد الأعلى للجيش المصري وهو الذي أصدر القرار للجيش المصري بدخول فلسطين سنة 1948 وكانت حكومة فاروق هي التي تسلح وتدرب كتائب الإخوان وقادة كتائب الإخوان ضباط من جيش مصر العامل.. ولو ترك حسن البنا على حريته لدفع إلى فلسطين بعشرات من الكتائب الإخوانية ولتغيرت نتيجة حرب فلسطين لا محالة.
وخشي الملك فاروق أن يطمع حسن البنا في حكم مصر وبخاصة بعد أن ظهرت بسالة وفدائية متطوعي الإخوان في الحرب فقرر التخلص من الشيخ حسن البنا ب***ه غلية.
وساهمت اليهودية العالمية من وراء ستار في اغتيال حسن البنا بأن أوحت إلى الإنجليز الذين أوحوا بدورهم لفاروق وحذروه من خطر حسن البنا على عرشه.
وكانت قوة التنفيذ مستعدة. لقد اغتيل النقراشي وسط وزارة الداخلية حيث توجد قلعة البوليس السياسي.
وكان الإخوان قد وجهوا عدة ضربات مركزة إلى البوليس السياسي الذي أنشأه الإمام حسن البنا والمحتل الإنجليزي والقضية المصرية|الإنجليز]] للتجسس على المصريين ومعاونتهم على قهر الحركة الوطنية المصرية.
وكانت هذه الضربات قد بدأت منذ عام 1946 بعمليات حربية على شكل حرب عصابات ضد قوات الاحتلال البريطاني والتي كان يوجهها التنظيم الفدائي السريللإخوان بقيادة عبد الرحمن السندي وبتوجيه وتدريب من عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر وكاتب هذه السطور.
وفي 4 ديسمبر سنة 1948 اغتيل اللواء سليم زكي حكمدار بوليس القاهرة ورئيس البوليس السياسي.
وقد أسدل على جريمة اغتيال حسن البنا ستار من الصمت حتى قامت ثورةيوليو1952.
ففي 27 يوليو1952 أعيد فتح ملف قضية م*** حسن البنا وجاء وكيل النيابة إلى معتقل الكلية الحربية وأذكر اسمه (سري) وبدأ التحقيق بحضوري مع المهتمين الذين أودعوا معتقل الكلية الحربية عقب نجاح الثورة مباشرة وقدم المتهمون في م*** حسن البنا للمحاكمة في أغطس1954 وقد حكم على المخبر أحمد حسين جاد بالأشغال الشاقة المؤبدة وحكم بـ 15 سنة أشغال شاقة على كل من الأميرالاي محمود عبد المجيد والسائق محمد محفوظ وسنة مع الشغل للبكباشي محمد الجزار من قوة البوليس السياسي في عهد الملك فاروق.
وعقب محاولة اعتداء بعض من كانوا ينتمون للإخوان على جمال عبد الناصر سنة 1954 أفرج جمال عبد الناصر عن ***ة حسن البنا نكاية في الإخوان.


ثورة 23 يوليو 1952

تسمية التنظيم السري للضباط بجماعة الضباط الأحرار


انتهت حرب فلسطين1948 بهزيمة العرب لأسباب يرجع معظمها إلى أن حكام العرب في ذلك الوقت لم يكونوا على مستوى المسئولية في هذه الظروف التاريخية.
وعاد الجيش المصري إلى مصر بعد توقيع الهدنة في رودس في نهاية شهر مارس1949.
وكان نصيبي أن أبقى بفلسطين ضمن اللواء الرابع المشاة الذي أراد له القدر أن يبقى في فلسطين بمنطقة غزة/ رفح بعد سحب الجيش المصري إلى مصر.
وأذكر جيداً إبان فترة خدمتي بفلسطين بعد الهدنة أني كنت أمكث هناك عشرين يوماً بفلسطين وأنزل أجازة لمدة عشرة أيام في القاهرة وذلك خلال كل شهر ميلادي.
وفي أول أجازة نزلتها إلى القاهرة بعد الهدنة سنة 1949 ذهبت لمنزل عبد المنعم عبد الرؤوف فلم أجده وأخبرني أهله أنه يخدم بمنطقةقنال السويس.
فذهبت لمقابلة جمال عبد الناصر في منزله بكوبري القبة فقص علي ما لاقاه في الفالوجا أثناء الحصار وكيف جرح أثناء إحدى المعارك.
ثم ذكر لي ما دار بينه وبين إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر وقتئذ وكيف واجه إبراهيم عبد الهاديجمال عبد الناصر بأن لدي حكومة مصر معلومات مؤكدة تفيد بأن جمال عبد الناصر ومعه جماعة من الضباط كانوا يقومون بتدريب شباب الإخوان المسلمين سراً على استعمال الأسلحة في الصحراء القريبة من القاهرة وذلك قبل حرب فلسطين.
وقد أنكر جمال عبد الناصر ذلك الاتهام (وإن كان حقاً) وقال لإبراهيم عبد الهادي إن معلوماتكم غير صحيحة. فأصر إبراهيم عبد الهادي على أن معلومات الحكومة المصرية صحيحة والتفت إلى الفريق عثمان المهدي رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري وقتئذ والذي كان يصحب جمال عبد الناصر عند مقابلته لإبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء. قائلاً :
لولا بطولة هؤلاء الضباط في حرب فلسطين لكان لي اليوم معه شأن آخر.
ونصح إبراهيم عبد الهاديجمال عبد الناصر بالابتعاد عن الإخوان المسلمين وأبدى لي جمال أسفه لما حل بجماعة الإخوان المسلمين من بطش على يد الملك فاروق ورئيس وزرائه إبراهيم عبد الهادي وترحم جمال عبد الناصر على الشيخ حسن البنا وقال : إنه كان يذكرني بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبقيام حرب فلسطين سنة 1948 توقف نشاط التنظيم السري للضباط واستشهد عدد منهم في الحرب.
وظل كاتب هذه السطور في فلسطين بعد وقف القتال حتى نقل مدرساً بالكلية الحربية في 19/ 11/ 1950.
وقد فاتحني جمال عبد الناصر في أوائل عام 1950 في إعادة تكوين التنظيم السري للضباط وذكر لي أنه سيتكون من عناصر التنظيم السري السابق للإخوان المسلمين في القوات المسلحة ومن عناصر أخرى من الضباط الذين قاسموه محنة الفالوجا وسيحاول أن يضم عناصر أخرى من غير المتدينين بشرط أن تتوفر في الضابط بصفة الشجاعة وكتمان السر.
وقال لي جمال عبد الناصر : إنه بموت حسن البنا ومحمود لبيب انقطعت صلة الإخوان المسلمين بالتنظيم السري لضباط الجيش الذي بدأه محمود لبيب سنة 1943. وإنه يرى لدواعي الأمن قطع الصلة بعبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري المدني لشباب الإخوان وبخاصة بعد الحديث الذي دار بين جمال عبد الناصر وإبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء بشأن قيام عبد الناصر وبعض رفاقه من الضباط بتدريب شباب الإخوان المسلمين على استعمال الأسلحة قبل حرف فلسطين.
وقال إن تسرب هذه الأنباء للحكومة ربما كان بسبب تعرض بعض شباب الإخوان المسلمين المعتقلين في عهد إبراهيم عبد الهادي لل***** في السجون بواسطة رجال البوليس السياسي.
فوافقته على عدم الاتصال بعبد الرحمن السندي ضماناً لأمن تنظيم الضباط. ولكني تناقشت مع جمال عبد الناصر في الشروط الواجب توافرها في الضباط الذين سنضمهم للتشكيل الجديد وقلت له إننا كنا نراعي فيمن نضمهم لتنظيم الضباط الإخوان في الجيش أن يكونوا من ذوي الأخلاق الحميدة والضمائر الحية فضلاً عن صفة الشجاعة وكتمان السر.
وأن من لا يخشى الله لا يستبعد عليه ارتكاب أي جريمة وبخاصة لو نجحت الثورة وأصبح في يده سلطة.

فأجاب جمال عبد الناصر بأن الحالة السياسية في مصر خطيرة جداً والإصرار على توفر صفة التدين في الضباط تزمت لا داعي له لأن أغلبية ضباط الجيش في ذلك الوقت لا تتوفر فيهم صفة التدين.. وبالتالي سيتأخر تنفيذ الثورة وربما قد لا نستطيع القيام بها إلا بعد وقت طويل جداً وطول الوقت قد يؤدي إلى كشف الحركة والقائمين عليها فتموت الثورة قبل أن تقوم.
فقلت لجمال عبد الناصر إننا انضممنا للإخوان على أساس مبادئهم التي اقتنعنا بها وهي أن يكون الحكم بكتاب الله تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
فقال اطمئن من هذه الناحية فما دام زمام الأمور سيكون في يدنا فسوف نحكم بالقرآن إن وفقنا الله في الاستيلاء على السلطة في مصر.

وقال جمال عبد الناصر إنه اتفق مع محمود لبيب على أن يكون اسم التنظيم الجديد الضباط الأحرار حتى نبعد الشبهة عن الإخوان المسلمين وكان ذلك قبل وفاة محمود لبيب وقال عبد الناصر.. إن التنظيم الجديد لم يتم على أساس المعرفة والصداقة كالتنظيم السابق الذي بدأه محمود لبيب سنة 1943 فتلك كانت مرحلة تحضيرية لا بد منها.
أما التنظيم الجديد فيتمشى طبقاً لتنظيم الجيش فسنحاول أن نوجد لنا في كل كتيبة أو وحدة من وحدات الجيش خلية من الضباط الأحرار حتى يمكن السيطرة على الجيش بعد قيام الثورة.
ولما كنت قد نقلت للكلية الحربية في 19/ 11/ 1950 فقد انتظمت بناء على تعليمات من جمال عبد الناصر في تشكيل الضباط الأحرار في الكلية الحربية. وكان يقوم بالتدريس معي بالكلية الحربية في هذه الفترة مجموعة من الضباط.

وقد أخبرني جمال عبد الناصر بأسماء الضباط الأحرار الموجودين في الكلية الحربية الذين نجح جمال عبد الناصر في ضمهم لتنظيم الضباط الأحرار.
وهم : زكريا محيي الدين وعبد الحليم عبد العال يوسف ومحمد حمدي عاشور ومحمد أحمد البلتاجي وكمال الدين الحناوي.
وكان البكباشي زكريا محيي الدين قائداً للسرية الثانية لطلبة الكلية الحربية وكنت أخدم معه بهذه السرية برتبة الصاغ وكان زكريا محيي الدين هو المسئول عن الضباط الأحرار في الكلية الحربية بحكم أنه أقدم الضباط الأحرار في الكلية الحربية.
وكان زكريا محيي الدين يتميز بهدوء الأعصاب وندوة الكلام والكتمان الشديد. وشكلت قيادة الضباط الأحرار من نفس القيادة السابقة للتشكيل الذي بدأه عبد المنعم عبد الرءوف مع محمود لبيب سنة 1944.
فكان عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر عن سلاح المشاة وكمال الدين حسين عن سلاح المدفعية وخالد محي الدين عن سلاح المدرعات وأنور السادات بعد عودته للجيش عن سلاح الإشارة.
وحدث بعد ذلك خلاف في الرأي بين جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرؤوف بخصوص تبعية هذا التنظيم السريللإخوان المسلمين كالتنظيم السابق الذي بدأه عبد المنعم عبد الرؤوف سنة 1943 مع المرحوم محمود لبيب ورفض جمال عبد الناصر تبعية التنظيم للإخوان المسلمين ووافق باقي الضباط على رأي جمال عبد الناصر فانسحب عبد المنعم عبد الرؤوف من قيادة الضباط الأحرار وحل محله عبد الحكيم عامر عن سلاح المشاة وبقي عبد المنعم عبد الرؤوف جندياً من جنود الثورة فعندما نشبت الثورة في 23/ 7/ 1952 اشترك عبد المنعم عبد الرؤوف فيها وحاصر قصر رأس التين بالإسكندرية وأجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش.
تنفيذالثورة 23 يوليو 1952

تأزمت الأمور في يوليو1952 وشرع الملك فاروق في إعداد العدة للبطش بالضباط الأحرار. فقرر الضباط الأحرار التعجيل بثورتهم قبل أن يبطش بهم الملك.
ففي يوم 20/ 7/ 1952 أخطرني الصاغ عبد الحليم عبد العال (أحد الضباط الأحرار بالكلية الحربية التي كنت أخدم فيها مدرساً في ذلك الوقت) أن الضباط الأحرار عازمون على القيام بحركتهم خلال الأيام القليلة القادمة.
فأسرعت إلى مقابلة جمال عبد الناصر في منزله بكوبري القبة وسألته عن حقيقة هذا الموضوع.. فأكد جمال عبد الناصر لي صحة الخبر وقال : إن الكلية الحربية ستكون معتقلا.
وفي صباح يوم 21 يوليو1952 كنت أقوم بتصحيح أوراق الامتحان لطلبة الكلية الحربية بمكتبي بالكلية وجاءني عبد الحليم عبد العال وقال لا تغادر الكلية اليوم لأن التنفيذ سيكون الليلة. وعند حوالي الساعة 2 بعد ظهر يوم 21يوليو1952 أخبرني عبد الحليم عبد العال أن الأوامر جاءت من قيادة الحركة بأن نذهب إلى بيوتنا لكيلا نلفت النظر وعلينا ألا نغادر بيوتنا حتى يمر علينا مندوب القيادة لإبلاغنا بتفاصيل العمل المطلوب من كل واحد منا.
فخرجت من الكلية ومررت على جمال عبد الناصر بمنزله بكوبري القبة فأخبرته بما دار بين عبد الحليم عبد العال وبيني وسألته عن الخطة العامة للثورة فقال : إن الخطة العامة وضعت على أساس فرض سيطرة الضباط الأحرار على القوات المسلحة في مدينة القاهرة واعتقال الضباط الموالين للملك فاروق ثم بعد ذلك يسهل تنفيذ أهداف الحركة خطوة وراء أخرى.
وقال جمال عبد الناصر : إن بعض كتائب المشاة والمدرعات والمدفعية ستقوم باحتلال الأغراض المحددة لها وإن اللواء أركان حرب محمد نجيب قبل قيادة الثورة وأن المطلوب من الضباط الأحرار في الكلية الحربية أن يتواجدوا في الكلية لتجهيز المعتقل الذي سيودع فيه المعتقلون في مبنى السرية الرابعة بالكلية الحربية. وكان مبنى السرية الرابعة بالكلية الحربية عبارة عن مبنى السجن الحربي القديم للجيش المصري وكان به 171 زنزانة تصلح كل زنزانه بأن يوضع بها شخص أو أكثر وكانت الكلية الحربية حينما استلمت هذا المبنى من السجن الحربي القديم نزعت الحديد من الشبابيك ووضعت بدلاً منها شبابيك من الزجاج والخشب وحولته إلى عنبر لنوم طلبة السرية الرابعة لكل طالب حجرة منفصلة ينام ويذاكر دروسه فيها.
وفي شهر يوليو 52 كانت الدراسة قد انتهت في الكلية والطلبة في أجازة الصيف. ولما سألت جمال عبد الناصر عمن وضع خطة العمليات للثورة أجابني « إنه وزميله عبد الحكيم عامر وزكريا محيي الدين قد وضعوا خطة الانقلاب » وعرضت الخطة على لجنة قيادة الضباط الأحرار فأقرتها.
ذهبت لمنزلي في سراي القبة وبقيت فيه حتى التاسعة مساء يوم 21/ 7/ 1952 فحضر عبد الحليم عبد العال وكمال رفعت وقالا لي لقد تأجلت العملية إلى الليلة التالية لإتمام بعض الاستعدادات.

الامتحان ، فقال عبد الحليم عبد العال لا تغادر منزلك اليوم بعد الظهر حتى يحضر لك مندوب بالتعليمات النهائية.
وفي الساعة التاسعة مساء يوم 22/ 7/ 1952 حضر لمنزلي كمال رفعت وحمدي عاشور والقويسني فقالوا أنزل معنا وأسرعت زوجتي لعمل التحية الواجبة للضيوف فقلت لها لا داعي لأني سأنزل معهم فوراً لأن هناك حالة طوارئ في البلاد وسأبيت الليلة بالثكنات بالكلية الحربية ولا تقلقي إذا تأخرت بضعة أيام. فاضطربت وكانت لا تدري شيئاً عما أنا مقدم عليه ولكنها أمسكت بيدي أيام. فاضطربت وكانت لا تدري شيئاً عما أنا مقدم عليه ولكنها أمسكت بيدي وقالت « بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد » فتلوت عليها الآية الكريمة وخرجت من منزلي مع زملائي كمال رفعت وحمدي عاشور والقويسني وتركنا كمال رفعت قائلاً إلى ذاهب لتنفيذ واجبات أخرى.
وعندما وصلت أنا وحمدي عاشور والقويسني إلى المستشفى العسكري العام بكوبري القبة ، قال اليوزباشي القويسني «يا جماعة أنا غير مقتنع بالعمل ده واسمحوا لي أن أروح » فقال لي حمدي عشور « إيه رأيك يا حسين في كلام القويسني » فقلت « يا قويسني روح أحسن ما دامت هذه رغبتك » فاتصرف القويسني على الفور. وقلت لحمدي عاشور لا فائدة من وجود شخص متردد معنا ليس لديه إرادة العمل لأن ضرره سيكون أكثر من نفعه وعلينا أن نتوكل على الله ، فقد اتفقنا مع رجال ولابد أن نكون رجالاً.
فذهبت أنا وحمدي عاشور للكلية الحربية وصعدنا إلى ميس الضباط فوجدنا الضباط المنوب ليلاً في الكلية الحربية وهو اليوزباشي المهندس شاهين نائماً فلم نوقظه أرقب شارع الخليفة المأمون من شرفة ميس ضابط الكلية الحربية بكوبري القبة.

وحوالي الساعة عشرة ونصف مساء يوم 22/ 7 / 1952 وقفت سيارة تاكسي أمام باب الكلية الحربية ونزل منها اليوزباشي كمال الحناوي فناديته قائلاً «اطلع يا كمال» ، فطلع إلينا وظللنا ننتظر حضور أحد غيرنا من الضباط الأحرار من مدرسي الكلية الحربية مدة نصف ساعة تقريباً ، ولما لم يحضر أحد قلت لكمال الحناوي « تعال يا كمال نذهب لمبنى السرية الرابعة » فذهبت أنا وكمال الحناوي إلى مبنى السرية الرابعة ومررت على الحراسة الموجودة حول مبنى هذه السرية وطلبت من حكمدار الحرس مفاتيح الحجرات وأمرته بأن يضع في كل حجرة مفتاحها من الخارج وبعد التأكد من إتمام هذه العملية أمرته بفتح حجرة حجرة وقفلت الشيش ثم دقيت مسامير طول المسمار الواحد حوالي 10 سم في الشيش من الداخل ومن الخارج ليتعذر فتحه وكنت أحضرت معي كمية من المسامير وشاكوش لهذا الغرض ثم قفلنا الحجرات وتركنا مفتاح كل حجرة فيها من الخارج. وبعد التأكد من إتمام هذه العملية ذهبت مع كمال الحناوي إلى ميس الضباط ونظرت مرة ثانية إلى شارع الخليفة المأمون.

وحوالي الساعة 11.30 قبل منتصف الليل سمعنا صوت لواري وقفت أمام المستشفى العسكري بكوبري القبة ونزل منها جنود مشاة وسمعت أوامر تصدر لهؤلاء الجنود بالفتح والانتشار لاتخاذ تشكيل الاقتحام. وسمعت أمراً آخر بتركيب السونكيات في البنادق ثم سمعت أمراً آخر بالاقتحام. فتعالت أصوات طلقات الرصاص فاضطربت اضطراباً شديداً وتوقعت فشل الثورة.
إذ إن الموعد المحدد لبدء الثورة هو الدقيقة الأولى من صباح يوم 23 - 7 - الثورة.

وتصورت أن الحركة علم بسرها المسئولون فأسرعوا وأحضروا قوات موالية للملك للسيطرة على الموقف. ولكن هدأ من روعي خاطر قفز لذهني بسرعة وهو « إذا كانت هذه هي قوات مواليه للملك فما الداعي لأن تقتحم رئاسة الجيش وكان الطبيعي أن تعزز الحراسة حولها بهدوء لا أن تقتحمها. فاطمأن خاطري وأيقنت في الحال أن هذه هي قوات من قوات الثورة حركتها قيادة الثورة قبل موعد العملية لأمر طرأ في آخر لحظة لا أعلمه الآن.

ومع أصوات الرصاص سمعنا صوتاً عالياً ينادي « حرس سلاح » وكان هذا الصوت صادراً من الحارس أسفل الشرفة حيث « حرس البوابة الرئيسية للكلية الحربية ». فأسرعت أنا وحمدي عاشور وكمال الحناوي بالنزول سريعاً إلى مقر حرس البوابة الرئيسية للكلية وأمرنا الحرس بعدم القيام بأي تصرف إلا بأوامر من الصاغ حمدي عاشور وكان أقدمنا وفتحنا الباب الرئيسي للكلية الحربية في انتظار المعتقلين. وفي هذه الأثناء استيقظ الضابط النوبتجي اليوزباشي المهندس شاهين على صوت الرصاص ونزل بسرعة إلى باب الكلية الرئيسي فوجدنا فقال ما الخبر؟ فقلت له هناك حالة طوارئ والصاغ حمدي عاشور - وكان أقدمنا - وهو المسئول عن الكلية الحربية الآن.

فوقف الضابط التوبتجي لا يدري ما يدور حوله. وما هي إلا لحظات حتى حضر إلى باب الكلية أول فوج من الأسرى كان من بينهم الفريق حسين فريد رئيس هيئة أركان حرب الجيش وقت قيام الثورة واللواء الشعراوي قائد سلاح الطيران واللواء زكي أرناءوط قائد سلاح المهمات وعدد كبير من كبار ضباط الجيش المصري من رتبتي اللواء والأمير آلاي كانوا مجتمعين برئاسة الجيش بكوبري القبة والتي تقع في مواجهة الكلية الحربية.
وكان الغرض من اجتماع كبار قادة الجيش وضع خطة لقمع حركة الضباط الأحرار بعد أن تسربت أسرار الحركة إليهم فداهمتهم قوات الثورة وهم مجتمعون وألقت القبض عليهم وأرسلتهم تحت الحراسة إلى المعتقل بالكلية الحربية.
وكان الحارس عليهم الصاغ عبد الحكيم عامر والصاغ عبد الحليم عبد العال يوسف.
فاستقبلت طابور الأسرى من كبار ضباط القوات المسلحة وأوصلتهم إلى مبنى السرية الرابعة حيث وضعت كل واحد منهم في حجرة وقفلنا الباب من الخارج وضوعفت الحراسة حول المعتقل بقوات من احتياطي الخدمات بالكلية الحربية.
وظلت الكلية الحربية طوال ليلة 22-23/7/1952 تستقبل المتعقلين من الضباط ونحن كخلية النحل لم نهدأ حتى الصباح.
وفي صباح يوم 23/7/1952 استمع شعب مصر إلى البيان الأول للثورة أذاعه البكباشي محمد أنور السادات.
وعلمت بعد ذلك من سعد حسن توفيق ومن يوسف منصور صديق تفاصيل أخرى أرى من الواجب إثباتها في هذا الكتاب حفظا لحقائق التاريخ من أن يطويها الأجل المحتوم.
والمرحوم سعد حسن توفيق كان من طليعة الضباط الأحرار ومن أعضاء الخلية الرئيسية التي تكونت سنة 1943 بواسطة عبد المنعم عبد الرؤوف وكاتب هذه السطور وجمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وخالد محيى الدين وصلاح خليفة والمرحوم الصاغ محمود لبيب.
وقد اقترن كاتب هذه السطور بشقيقته عام 47 وتوفى المرحوم سعد حسن توفيق لرحمة مولاه عام 1962.
وقد حدثني المرحوم سعد حسن توفيق قائلاً : إنه كان نوبتجيا بإدارة المخابرات الحربية التي كان يعمل بها يوم 22/ 7/ 1952 فشاهد الفريق حسين فريد رئيس أركان حرب الجيش يحضر ليلا حوالي الساعة 9.30 مساء وبدأ يستدعى قادة الجيش والطيران لعقد مؤتمر برئاسة الجيش بكوبري القبة.
وكان إدارة المخابرات الحربية بالدور الأرضي من مبنى رئاسة الجيش فترك سعد حسن توفيق رئاسة الجيش حوالي الساعة 10 مساء يوم 22/7/52 وتوجه إلى منزلجمال عبد الناصر حسين بكوبري القبة وأبلغه أن خطة الثورة قد اكتشفتها رئاسة الجيش وأن حسين فريد رئيس الأركان قد دعا قواد الأسلحة والوحدات إلى مؤتمر عاجل في مبنى الرئاسة ومعنى ذلك أن الثورة عرضة للفشل وطلب سعد حسن توفيق من جمال عبد الناصر أن يتصرف بسرعة على ضوء هذه المعلومات باعتباره المسئول عن خطة الثورة .
فأسرع جمال عبد الناصر إلى منزل عبد الحكيم عامر واتجها جهة ألماظه لعلهما يستطيعان إحضار بعض القوات لاعتقال المجتمعين في رئاسة الجيش.
ومن جهة أخرى أن القائمقام يوسف منصور صديق مكلفاً في الخطة بالتحرك بقواته ليشكل احتياطاً للقيادة الثورية.
وذهب يوسف صديق ومعه ضباطه الأحرار إلى هاكستب فوجد هناك عقبة خطيرة إذ اعترضه ضابط عظيم محطة هاكستب البكباشي أحمد المعتز بالله الكامل الذي اتصل باللواء مكي قائد الفرقة الذي أفاد بعدم إجراء أي تحرك حتى يحضر.

فقرر يوسف صديق التحرك بقواته قبل الميعاد المحدد لقيام الثورة وقبل وصول اللواء مكي قائد الفرقة حتى لا تفسد الخطة ويتعذر عليه التحرك بقواته.
فألقى يوسف منصور صديق القبض على ضباط عظيم محطة هاكستب البكباشي المعتز بالله الكامل وأمر ضباطه الأحرار بالخروج بالقوة التي كانت تحت أيديهم قبل الميعاد فخرجوا ووجدوا في الطريق اللواء مكي قائد الفرقة فاعتقلوه وعند الميدان بالقرب من مطار ألماظه أسرت طلائع قوات يوسف منصورصديقجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكانا يحومان حول هذه القوة وكان ضباط يوسف صديق الأحرار لا يعرفون جمال عبد الناصر ولا عبد الحكيم عامر.
فلما حضر يوسف صديق أفرج عنهما فوراً. وأخبر جمال عبد الناصريوسف منصور صديق بالموقف وكلفه بالتوجه بالقوة التي معه إلى رئاسة الجيش للقبض على حسين فريد رئيس الأركان ومن معه من قادة الجيش.
فقام يوسف منصور صديق بهذا الواجب على أتم وجه وكان له الفضل الأكبر هو والمرحوم سعد حسن توفيقواللواء محمد نجيب في نجاح ثورة 23/7/1952 وكل شيء تم بإرادة الله فهو الميسر لما حدث.
وعرفت سر انكشاف الحركة قبل ساعات قليلة من تنفيذها من أحد كبار ضباط الطيران والذي اعتقل بعد قيام الثورة في معتقل الكلية الحربية الذي كنت مسئولا عنه فقد عرف الملك فاروق السر عن طريق هذا الضابط الكبير. ذلك أن لهذا الضابط الكبير شقيقا برتبة ملازم كان من الضباط الأحرار وذهب لمنزله ليرتدى ملابسه العسكرية ليلا فسألته أمه عن وجهته فقال لها إني ذاهب لهدم قصر عابدين فوق رأس الملك. فصرخت والدته وخافت على ابنها واستدعت شقيقه الأكبر تليفونيا والذي حضر مسرعاً ولم يستطع الشقيق الأصغر أن يصمد أمام ضغط شقيقه الأكبر فعدل عن الاشتراك في الثورة واعترف لشقيقه الأكبر بتفاصيل المؤامرة.
فأسرع الشقيق الأكبر وكان ضابطاً بسلاح الطيران برتبة قائمقام (عقيد) واذكر من اسمه «صالح».. أسرع إلى قصر القبة حيث اتصل بالياور المنوب ليلا بقصر رأس التين بالإسكندرية وأطلعه على السر الرهيب فاتصل الملك فاروق بمحمد حيدر وزير الحربية الذي اتصل بالفريق حسين فريد وطلب منه القضاء على الثورة في مهدها كما اتصل الملك فاروق بوزير الداخلية الذي اتصل بدوره باللواء أحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة.
وقد قام أحمد طلعت بتدعيم الحراسة حول قصر عابدين. وتمكنت قوات الثورة من اعتقال كبار ضباط البوليس ومنهم أحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة ومحمد إمام إبراهيم رئيس البوليس السياسي وجميع ضباط البوليس السياسي.

وفي صباح 27/7/1952 بعد أن وزعنا على المعتقلين من كبار ضباط الجيش والبوليس جرائد الصباح التي تفيد مغادرة الملك فاروق لأرض مصر بعد نزوله عن العرش. طلب منى اللواء أحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة (وكان بين المعتقلين في الكلية الحربية منذ 24/7/1952) الاتصال بالمسئولين عن الثورة لأن لديه وثائق في خزانة مكتبه يود تسليمها لرجال الثورة لأنها ستنفعهم في حكم البلد على حد قوله ونصحني أن أبلغهم بتشديد الحراسة على إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر في عهد الإرهاب الملكي خشيه أن ينتهز الإخوان المسلمون فرصة الثورة وي***وه مما يسيء إلى الثورة وهي مازالت بعد لم تتمكن من تثبيت أقدامها.
فذهبت للقيادة العامة وقابلت جمال عبد الناصر وأخبرته بما دار بيني وبين اللواء أحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة فقال جمال عبد الناصر : اطمئن جداً من ناحية الإخوان المسلمين فأنا (أي جمال عبد الناصر) متصل بحسن الهضيبي وأخذت موافقته قبل قيام الثورة وأنا متفاهم مع الإخوان المسلمين على كل شيء ولا خوف على حياةإبراهيم عبد الهادي من انتقام الإخوان المسلمين.

والإخوان يتعاونون معنا الآن ويقومون بحراسة مرافق البلاد الحيوية والسفارات الأجنبية ولهم عناصر مسلحة على طريق القاهرة السويس وطريق الإسماعيليةالقاهرة وفي منطقة قنال السويس لمراقبة تحركات القوات البريطانية أولاً بأول وإبلاغنا بأي شيء يرونه.
وبالنسبة للوثائق اذهب بنفسك مع اللواء أحمد طلعت بالحراسة اللازمة على حكمدارية بوليس القاهرة وأحضر الأوراق وأعده للمعتقل.
فذهبت لمعتقل الكلية الحربية وأخذت اللواء أحمد طلعت ومعي حراسة كافية مكونة من ضباط وعشرة من ضباط الصف والعساكر مسلحين بالمدافع الرشاشة.
وتوجهت لحكمدارية بوليس العاصمة ومعي اللواء أحمد طلعت الذي صعد إلى مكتبه وجلس وفتح المكتب وأخرج ما فيه من دوسيهات وأوراق ثم فتح خزانه حديدية وأخرج ما فيها من أوراق ودوسيهات وقد حزمنا كل هذه الأوراق على هيئة طرد حملتها معي وأعدت اللواء طلعت لمعتقل الكلية الحربية وسلمت طرد الأوراق الذي أحضرناه من خزانة ومكتب اللواء أحمد طلعت لجمال عبد الناصر.



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28-10-2012, 11:34 PM
علوة حامد علوة حامد غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2011
المشاركات: 1,684
معدل تقييم المستوى: 14
علوة حامد is a jewel in the rough
Icon2

ما أشبه الليلة بالبارحة

ومن المضحك والمبكي في وقت واحد أن تصدر النشرات العسكرية وفيها عتراف رسمي ببطولة الإخوان المسلمين وهو اعتراف من قيادة الجيش المصري بشجاعتهم وصدق جهادهم ثم هو اعتراف بفضل قائد الدعوة الإمام حسن البنا.
في هذا الوقت بالذات كان الإخوان يقاسون مرارة الاعتقال وال***** ويعيشون كالمجرمين وراء الأسوار. وهكذا أباحت العقلية المتناقضة لنفسها أن تعامل طائفة من الناس على أنهم أبطال ومجرمون في آن واحد.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29-10-2012, 12:11 AM
أ/رضا عطيه أ/رضا عطيه غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 37,683
معدل تقييم المستوى: 53
أ/رضا عطيه is just really nice
افتراضي

ولماذا كل هذا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!

ومن المؤكد أن بعض الإخوان اشتركوا فى نصر أكتوبر 1973

فهل نقسم الإنجاز لفصائل

أم نتركه بمجمله

( انتصار الشعب المصرى على الصهاينه)

أليس هكذا أفضل

ويريح الكل من عناء توزيع التركة حتى فى الإنجازات الشعبية

الإخوان جزء من الشعب وحكم

فنقده لايستدعى من أنصاره استخراج شهادة ميلاد بإنجازاتهم

خلوهم داخل الشعب أضمن لهم

وبلاش فكرة انجازاتى وانجازاتكم

لأن الإنجاز هو إنجاز شعب وليس فصائل ومجموعات منه

شكرا جزيلا
__________________
الحمد لله
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:45 PM.