اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > الموضوعات العامة

الموضوعات العامة قسم يختص بعرض الموضوعات و المعلومات العامة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27-05-2015, 12:15 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي الجمال التربوي والإسلام


الجمال التربوي والإسلام



أ. صالح بن أحمد الشامي





الجمال المقصود:
إن الجمال الذي نتحدث عنه في هذا الكتاب، هو الجمال التربوي، أي الذي يمكن صنعه وإيجاده والسعي إليه. أي الجمال الكسبي[1].


وبتعبير أدق نستطيع القول بأن الجمال المقصود هنا هو ما يمكن التعبير عنه بـ"التجمل" أي طلب الجمال. إذ مهمة التربية أن توجه إليه وترغب فيه، وبالتالي يسعى الفرد في سبيل تحقيقه.


وقد نعبر عنه بـ(الزينة)، هذه الزينة التي تعني الاهتمام بالإنسان في جسمه وفي سلوكه وفي لباسه ومسكنه.. كما سيأتي إيضاح ذلك في الفصول القادمة.

الجمال التربوي والإسلام:
نستطيع القول بأن الأديان - غير الإسلام - لم تهتم بأمر الجمال، فبعضها لم يعر هذا الأمر أي اهتمام، وبعضها وقف في الطرف الآخر، فاعتبر القبح فضيلة، واعتبر النظافة خروجاً على أوامر الدين. وقد سبق لنا أن ضربنا بعض الأمثلة على ذلك[2].


والإسلام وحده هو الذي جعل من قضية الجمال أمراً دينياً، فقرر للجمال مكانته، وجعله ضمن الواجبات التي ينبغي على المسلم أن يسعى في تحقيقها.


بل إن القرآن الكريم يستنكر فعل أولئك الذين يحرمون اتخاذ الإنسان للزينة، حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ... ﴾[3].


ولعل أكبر استنكار لذلك، هو أن الله سبحانه أضاف الزينة - في هذه الآية - لنفسه فقال: (زينة الله) وهذه الإضافة للتشريف والتكريم.


إن الذين لا يتخذون الزينة ولا يعتنون بلباسهم، وشكلهم.. يظنون أن هذا يقربهم من الله تعالى.. إنهم مخطئون.


إن الآية الكريمة تطالب المسلم باتخاذ الزينة في الحياة الدنيا، وقد يشاركه غير المسلمين في ذلك.. أما في الحياة الآخرة فالزينة خاصة بالمؤمنين تكريماً لهم.


والآية الكريمة بعد ذلك تقرر مبدأ عاماً في المنهج الإسلامي، وهو أن التجمل أمر يطلبه المنهج فهو فضيلة من الفضائل.


ولا يكتفي القرآن الكريم في تقرير هذا المبدأ بما سبق، بل تذهب آياته الكريمة إلى مدى أبعد، حيث تجعل "الجمال" و"القبح" أو "الطيب" و"الخبث" علة للتحليل والتحريم، فيصبح الجمال دليلاً على الحل، ويصبح القبح دليلاً على التحريم.


نلمح هذا واضحاً في قوله تعالى واصفاً رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ[4]. والآية واضحة الدلالة تشير إلى أن الطيب علة التحليل، وأن الخبث علة التحريم، وما الخبيث في ميدان الطعام إلا القبيح والسيء، وما الطيب إلا الجميل[5].


ويتأكد هذا المعنى في آيات كثيرة منها؛ قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾[6].


وقال تعالى:
﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ... ﴾[7].


إن كلمة "رجس" في الآيتين تشير بوضوح إلى علة التحريم، والرجس هو: القذر والنجس. وهو القبيح، أي الوجه المقابل للجمال.


أرأيت ديناً يجعل الجمال والقبح علة في التحليل والتحريم؟ إنه الإسلام، فهل بعد ذلك من عناية بأمر الجمال؟!.


إنه تدريب وتربية للمسلم من خلال النص القرآني، أن يستعين بالمقياس الجمالي في إتيان الأشياء أو الابتعاد عنها. ألم يطلب القرآن الكريم من المسلم ألا يرفع صوته بغير ضرورة؟ ثم كان التعليل لذلك هو "القبح" ولنستمع إلى النص الكريم: ﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾[8].


إن المفسرين يقولون في مثل هذا المقام: إن "إن وما بعدها" في مقام التعليل. أي واغضض من صوتك لأن أنكر الأصوات هو صوت الحمير. وهكذا يعلل التحريم بالقبح، وهو تعليل بمقياس جمالي[9].


أليس هذا تربية على استعمال المقاييس الجمالية، والاستعانة بالحس الجمالي؟!.

المقياس الجمالي:
رأينا في الفقرة السابقة كيف أن القرآن الكريم عوّل على الحس الجمالي كدليل.


والسؤال الذي يطرح نفسه، هو: كيف نقيس الجمال، وبتعبير آخر، كيف نتأكد أن حسنا الجمالي كان صحيحاً؟.


إنه لا بد من معالم يرجع إليها هذا الحس، وتكون ضابطة له في حال انحرافه.


وقد أدى انعدام هذا الضابط في عالم الفن إلى فساد عظيم في مفهوم الجمال.. حتى أصبح "القبح" جمالاً، كما حدث ذلك بالنسبة لبعضهم في موقفه من شعر "بودلير" ولوحات "كوربيه" وكثير من لوحات المدرسة "الدادية" ووريثتها مدرسة "الفن الفقير".. حيث وصل الفساد في الذوق الجمالي إلى درجة انعدام التمييز بين "القبح" و"الجمال"[10].


إن الفطرة السليمة يمكن أن تكون حكماً في هذه القضية، وقد أتاح لها الإسلام أن تأخذ دورها الكبير في تحديد استقامة هذا الحس، ولكنه لما كان انحرافها متوقعاً، نتيجة للعوامل الكثيرة التي تحيط بها فقد وضع المنهج الإسلامي قواعد عامة يرجع إليها في الحالات التي يشتبه بها، أو في الحالات التي يفسد فيها الذوق ويتبلد الحس.


إنه ليس إلغاء لدور الفطرة، ولكنه التوجيه لها، والأخذ بيدها، حيث تتاح لها حرية العمل ضمن إطار المنهج الإسلامي العام.


وفي ميدان التربية الجمالية يحدد لنا المنهج المقاييس العامة لتصرفاتنا الجمالية. وقد لخص ابن القيم - رحمه الله - الخطوط العامة للمنهج في هذا الميدان فقال:
"الجمال في الصورة واللباس والهيئة ثلاثة أنواع:
منه ما يحمد.
ومنه ما يذم.
ومنه ما لا يتعلق به مدح ولا ذم.


فالمحمود منه ما كان لله، وأعان على طاعة الله، وتنفيذ أوامره، والاستجابة له، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود، وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال، ولباس الحرير في الحرب والخيلاء فيه، فإن ذلك محمود إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه، وغيظ عدوه.


والمذموم منه ما كان للدنيا، والرياسة والفخر والخيلاء، والتوسل إلى الشهوات، وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه، فإن كثيراً من النفوس ليس لها همة سوى ذلك.


وأما ما لا يحمد ولا يذم، فهو ما خلا عن هذين القصدين وتجرد عن الوصفين"[11].


يتبين من ذلك أن الحكم الجمالي يعتمد على عدد من العوامل، في مقدمتها أن يكون مسايراً للخط العام للمنهج، ومنها ما هو مرتبط بالوضع النفسي للإنسان، ومنها ما هو مرتبط بالحال والمناسبة التي يجري فيها الحكم.


إن اللباس إذا اتخذ للتجمل وإظهار نعمة الله على الإنسان فهو محمود، وهذا اللباس نفسه إذا اتخذ بدافع الخيلاء والتعالي فهو مذموم، وإذن فالعامل النفسي هو الذي غير الحكم..


إن الفطرة قادرة على التمييز بين الحالين، ولكن وجود الضابط يعطينا ثقة في إصدار الحكم.


[1] لا علاقة للجمال الخلقي بموضوع التربية. وقد سبق أن تحدثنا عن هذا الجانب بالتفصيل في الجزء الثاني من هذه الدراسة (ميادين الجمال).

[2] سبق الحديث عن ذلك في الباب الثاني من كتاب (ميادين الجمال).

[3] سورة الأعراف. الآية [32].

[4] سورة الأعراف. الآية [157].

[5] قال ابن كثير: وقد تمسك بهذه الآية الكريمة من يرى التحسين والتقبيح العقليين. ولا حجة لهم في ذلك. أقول: وهذا يدل على التعليل الذي ذهبنا إليه.

[6] سورة المائدة. الآية [90].

[7] سورة الأنعام. الآية [145].

[8] سورة لقمان. الآية [19].

[9] قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير الآية: "﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ﴾ أي لا تبالغ في الكلام ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه, ولهذا قال ﴿ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ وقال مجاهد وغير واحد: إن أقبح الأصوات لصوت الحمير: أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه. ومع هذه هو بغيض إلى الله. وهذا التشبيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم". ا.هـ. أقول: واضح من النص كيف جعل ابن كثير "القبح" علة للتحريم.

[10] انظر تفصيل ذلك في كتابنا (الفن الإسلامي, التزام وإبداع).

[11] انظر كتاب (الفوائد) لابن القيم ص 239 - 240 طبعة دار النفائس بيروت.


رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:27 AM.