اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > القسم الأدبى

القسم الأدبى قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباءء والفلاسفة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #181  
قديم 16-12-2008, 02:54 PM
الصورة الرمزية JusT DreaM
JusT DreaM JusT DreaM غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 2,020
معدل تقييم المستوى: 19
JusT DreaM is on a distinguished road
افتراضي


اسفة على التأخير المبالغ فيه
وان شاء الله هنكمل ابتداء من الناردة
بس بجرعات مكثفة

__________________
لو صرخت الدنيا ف وشي اكيد هعلي حسي ... لو كان ده وقت الانهيار انا حاطه روحي ع كفي ... لو كان ده وقت الانفجار .. اكيد ملغمه نفسي ...!!
* ** فى حياة كل منا ذكرى تمنى الا يمر بها ولكن لولا ألمها لارتكب المزيد من الاخطاء فى حق نفسه وفى حق الاخرين* **
الحمدلله
رد مع اقتباس
  #182  
قديم 02-01-2009, 06:23 PM
اسكندرية احلى دنيا اسكندرية احلى دنيا غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2007
المشاركات: 40
معدل تقييم المستوى: 0
اسكندرية احلى دنيا is an unknown quantity at this point
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بجد موضوع جميل جدا بس ليه التوقف دة كلو
ياريت تكملي الموضوع
شكرا عالموضوع
رد مع اقتباس
  #183  
قديم 04-01-2009, 03:11 PM
الصورة الرمزية أحمـدنجـم
أحمـدنجـم أحمـدنجـم غير متواجد حالياً
نجم العطاء
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 3,047
معدل تقييم المستوى: 20
أحمـدنجـم is on a distinguished road
افتراضي

اشتقنا لرغد ولوليد أيما اشتياق مع أني فرغت من قراءة القصة كاملة .. ومع ذلك لها مذاق آخر في تلك الصفحة .. هيا يا بنت الإسلام أتمي لنا هذا العمل المتميز
__________________
[CENTER][SIZE=5][COLOR=red]
ديواني على المنتدى
رد مع اقتباس
  #184  
قديم 20-08-2009, 09:19 PM
**تسابيح** **تسابيح** غير متواجد حالياً
طالبة جامعية <>المركز الثاني عن مسابقة العام في الاسبوع السابع
 
تاريخ التسجيل: May 2008
المشاركات: 4,220
معدل تقييم المستوى: 21
**تسابيح** is on a distinguished road
افتراضي

قصة روعة جدااااااااااااا
هكملها بعدين ان شاء الله
اصلها طويله اووووووووووي
__________________
والحب له قوانين آخري..!
رد مع اقتباس
  #185  
قديم 21-08-2009, 10:19 AM
الصورة الرمزية مندولييييين
مندولييييين مندولييييين غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 189
معدل تقييم المستوى: 0
مندولييييين is an unknown quantity at this point
افتراضي

القصة شيقة جدا مستنيين الباقى بسرعة
رد مع اقتباس
  #186  
قديم 23-08-2009, 07:13 AM
الصورة الرمزية د. رغد
د. رغد د. رغد غير متواجد حالياً
طالبة جامعية ( اعدادي صيدلة )
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 388
معدل تقييم المستوى: 16
د. رغد is on a distinguished road
افتراضي

اين الباقي يا بنت الاسلام
نحن مشتاقون لتكملتها
جزاكي الله خيرا
رد مع اقتباس
  #187  
قديم 30-08-2009, 05:44 AM
الصورة الرمزية Amethyst
Amethyst Amethyst غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 3,084
معدل تقييم المستوى: 19
Amethyst is on a distinguished road
افتراضي

جميلة أوي يا ايمي
بس انتِ توقفتي ليه
تسمحيلي أكمل ؟

__________________

أَسْتَوْدِعُكُمُ
اللهَ الْذِي لا تَضِيعُ وَدَائِعَهُ ،،
و
دُمْتُمْ
بِحِفْظِ اللهِ ،،
رد مع اقتباس
  #188  
قديم 30-08-2009, 05:59 AM
الصورة الرمزية Amethyst
Amethyst Amethyst غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 3,084
معدل تقييم المستوى: 19
Amethyst is on a distinguished road
افتراضي

يووه
لسة هستناكِ
هكمل و انتِ مش هتمانعي



****

تكملة الحلقة التاسعة و الثلاثون



أقبلت أروى إلى غرفتي و كنت أرتب كتبي و دفاتري على مكتبي الجديد و الذي اشتراه
وليد لي مؤخرا...

وليد اشترى لي أشياء كثيرة...و غير طقم غرفة نومي كاملا... و كان يود نقل أشيائي إلى
غرفة دانة سابقا... فهي أكبر حجما... و لكنني أصررت على البقاء في غرفتي الصغيرة
الملاصقة لغرفته...

و منعت ُ أروى و أمها من استخدام أي ٍ من غرف النوم التي كنا نستخدمها سابقا...
فأقامتا في غرفتين من الناحية الأخرى لمنزلنا الكبير...

و لأنني أعرف أنها ماهرة في أعمال المنزل و خصوصا الطبخ، و أنها تتباهى بذلك أمام
وليد و أمامي... و أنها تريد أن تستعرض مهاراتها الليلة على العشاء ... فقد اخترت
المطبخ بالذات كي أذاكر فيه محاضراتي هذا اليوم !

يجب أن تعرف هذه الدخيلة أن هذا بيتي أنا... و مطبخي أنا... و أنا حرّة في فعل ما أريد
وقتما أريد !

" ماذا تعنين بهذا يا رغد ؟ "

كانت أروى تقول و هي ترمي بالورقة التي نزعتـُها من كراستي قبل قليل... و فيها صورة
لأروى الحسناء تنظف الأرض بشعرها الطويل !

أوه ! كيف وصلت إليها..؟ مستحيل أن يكون وليد !

كنت ُ غاضبة من تباهيها بمهاراتها... و وعدها وليد بتقديم وجبة لذيذة تبهر ضيوفنا... و
من شدة غيظي احتللت المطبخ و رسمتها بهذا الشكل!

لكني خجلة من وليد و الفكرة التي أخذها عنّي... و أريد أن أعتذر لها !

" أجيبي ؟؟ "

صرخت أروى و هي شديدة الغيظ... كنت بالفعل سأعتذر لولا أنها أضافت :

" أنا لست خادمة هذا المنزل بل سيّدته و إن كنت ستسخرين من شيء فالأفضل أن
تسخري من نكرانك للجميل و عيشك مرفهة مدللة من نقود لم ترثيها و لم تتعبي لجنيها يا
ابنة العز و الثراء "

شعرت بطعنة قوية في صدري أوشكت أن أرمي بالكتاب الذي بين يدي نحو وجهها لكنني لم أملك إلا الألم...

و هل أملك ردا غيره ؟؟

بم أرد و هي الحقيقة..؟؟ ألست ُ أنا العالة على الغير... أليست النقود التي يجلبها لي وليد... هي من ثروتها ؟

بعد أن انصرفت بفترة حضر وليد
و كعادته يأتي بعد انتهاء أي مشادة بيننا حتى لا يزيد تدخله الأمر سوء...
و لا بد أنه قضى الدقائق السابقة في استرضائها و جاء الآن ليواسني... أو ليوبخني!

" هل أدخل ؟ "

و هو يقف عند الباب... و ينظر إلى الورقة المرمية على الأرض... ثم يلتقطها و يتأملها
برهة، و يمزقها و يرمي بأشلائها في سلة المهملات...

قال :
" انتهى الأمر "
مسكين وليد! أتظن بأنه بتمزيقك للورقة تحل المشكلة؟
لا أظنها تحل إلا إذا مزّقت الفتاة المرسومة عليها في الواقع !

قال :
" لا تكرري ذلك ثانية يا رغد ... أرجوك "
نظرت إليه بحنق... أهذا كل ما لديك ؟؟

قال :
" انظري أي مشاكل تقع بسبب تافه كهذا... نحن في غنى عن المزيد... دعينا نعيش في
سلام "

و استفزتني جملته فقلت بغضب :
" و هل ترى أنني شارون أم بوش لتخاطبني عن السلام ؟ "
و ربما أثارت جملتي اندهاشه أو حتى لم يستوعبها إذ أنه حملق في ّ باستغراب

قلت بعصبية :
" هل أنا سبب المشاكل ؟ "

قال :
" لا ... لكن أروى لا تتعمّد مضايقتك يا رغد ... إنها طيبة و مسالمة جدا "

و ثار غضبي أكثر... رميت بالكتاب أرضا و صرخت :
" طبعا ستدافع عنها... أليست خطيبتك العزيزة الغالية ... الثرية الحسناء ... السيدة المدبّرة لشؤون هذا المنزل ؟؟ "
" ليس الأمر هكذا ... "

قلت بانفعال :
" بل هو كذلك... و أنت بالتأكيد ستقف في صفـّها و تنحاز إليها "

تنهّد وليد بانزعاج... و ضرب كفه الأيسر بقبضته اليمنى و قال بضيق :
" لقد حرت ما أفعل معكما؟ أنتما تثيران الصداع المستمر في رأسي... أنا لا أعرف لماذا لا تطيق أحداكما الأخرى بهذا الشكل !؟ "

صمت برهة ثم قال :
" على الأقل... أروى يا رغد... لا تتربص لإزعاجك ... لكنك يا رغد... "

و توقف لانتقاء كلماته ثم قال :
" أنت يا رغد تتصيدين الفرص لمضايقتها...لا أعرف لماذا ؟؟ لماذا أنت متحاملة عليها
لهذا الحد يا رغد ؟؟ "
و أخذ يترقّب جوابي...
" لماذا يا رغد ؟؟ "
أما زلت تسأل ؟؟
ألا تعرف ؟
ألا يمكن لعقلك المحشور داخل جمجمتك الكبيرة هذه أن يستنتج السبب؟؟
لأنني أحبك يا وليد!
أحبك و أكره أي امرأة تقترب منك...
ألا تفهم ذلك؟؟
ألا تكفي كمية الذكاء المحشوة في دماغك لاستنباط هذا ؟؟
و لا يبدو أن هذه الفكرة كانت لتخطر على بال وليد... البتة !
و لأنه كان لا يزال ينظر إلي منتظرا جوابا قررت أن أجيب !
" أتريد أن تعرف لماذا ؟ "

قال بلهفة :
" يا ليت... فلربما استطعت تغيير شيء و حل المشكلة "

ابتسمت بسخرية من مناه... ثم ضيّقت فتحتي عيني ّ و ضغطت على أسناني و قلت:
" لأنها... أجمل منّي "

ذهل وليد... و بدوره اتسعت فتحتا عينيه و فمه أيضا...

قلت :
" هل عرفت الآن ؟ "

ارتبك وليد و قال :
" هل هذا هو السبب حقا ؟ "

قلت بمكر :
" نعم... فهل تستطيع تغيير شيء ؟ "

وقع وليد في الشرك... و حار ماذا يقول... ثم قال بتردد و ارتباك:
" و ... لكن ... يا رغد... أيعقل أن تجعلي من هذا سببا كي... أعني لأن تـُثار كل تلك
المشاكل ؟ "

قلت :
" هذا أمر لن تفهمه أنت...! إنها أجمل منّي بكثير... أليست كذلك ؟ "
و ترقبت بلهفة ما سيقول وليد...!
إن قال ( بلى ) فسأمزقه بأظافري...
و إن قال ( كلا ) فسأفقع عينيه !
انتظرت و انتظرت... و لكن وليد لم يجب ! بل تنحنح قليلا ثم أراد الانصراف...
وليد ! أجبني فورا ... إياك أن تهرب...
" بعد إذنك "
و استدار منصرفا...
لن تهرب يا وليد !

قلت باندفاع و عصبية :
" أجبني "
وليد استدار إلي في ضيق... و كان وجهه شديد الاحمرار... و الحنق...

قلت :
" لماذا لا ترد ؟؟ قل أنها كذلك... فحتى الأعمى يستطيع أن يرى هذا "
" رغد بربّك... ما الذي تهذين به؟ أي جنون !؟ "

و أولاني ظهره و ولى منصرفا بسرعة... تبعه صوتي و أنا أقول بغضب :
" لا تحلم بأن أنسجم معها ذات يوم ... لا تحلم أبدا ! "

~~~~~~~~

و كالعادة كانت العشاء لذيذا جدا قد أرضى الضيوف و نال إعجابهم...
" سلمت يداها... أكلتُ كثيرا هذه الليلة "

قال سيف و هو يحتسي الشاي عقب انتهائنا من وجبة العشاء...

قلت بسرور :
" سلّمك الله... بالهناء و العافية يا عزيزي "

قال مازحا :
" و أنا من كان يتساءل ما سر هذه العضلات التي نبتت و تضخمت بشكل سريع و على ذراعيك ! تبدو أكثر ضخامة كلّما التقينا يا رجل ! "

ضحكت لتعليق سيف المرح... حقيقة هي أنني خلال العام المنصرم ربحت عدة كيلوجرامات !

قلت :
" لكني كنت أكثر قوة و أنا أعمل في المزرعة... و أبذل مجهودا عضليا كل يوم "
و لاحت في مخيلتي صورة المزرعة و أشجارها و ثمارها... و العم إلياس... و شعرت
بالحنين إليهم...

قال سيف :
" ماذا بشأن المزرعة ؟ ماذا ستفعلون بها ؟ "

قلت :
" كما هي يا سيف... فالعائلة متعلقة بها جدا و لا يمكنهم التفريط فيها... و ها أنا أتنقل بينها و بين المصنع في عناء "

قال :
" و لكن... يجب أن تستقر يا وليد ! ماذا ستفعل بعد زواجك ؟ "
أخذت أحك شعري في حيرة...
" خطيبتي تريد العودة إلى المزرعة و الاستقرار فيها... و ابنة عمّي ترفض العيش فيها تماما... و أنا في حيرة من أمري... مشلول الفكر ! "

تابعت :
" و ليت الخلاف اقتصر على السكن فقط! بل في كل شيء يا سيف... كل شيء و أي
شيء! إنني أعود من العمل مشحونا بالصداع فتستلماني و تشقان رأسي نصفين !"
و وضعت طرف يدي على هامتي كما السيف...

سيف ابتسم... و قال :
" إنهن النساء ! "

قلت :
" الجمع بينهما في بيت واحد هو ضرب من الجنون... و الصغيرة صعبة الإرضاء و
متقلبة المزاج... و أخشى أن أتحدّث معها فتظن أنني ضقت ذرعا برعايتها... و يُجرح
شعورها..."

لم يعلق سيف ... تابعت :
" أنا حائر يا سيف... لا أريد لأي شيء عظيما كان أم تافها أن يعكّر صفو حياتها.. و
وجود أروى يثير توترها... و لا يمكنني إرسال أروى و أمها إلى المزرعة و العيش مع
رغد هنا وحدنا ! "

قال سيف مباشرة :
" صعب ! "
" بل مستحيل ! "

قال مقترحا :
" و لماذا لا تدعها مع خالتها كما فعلت سابقا يا وليد ؟ "

قلت و أنا أهز رأسي :
" أبدا يا سيف... لا يمكنها الاستغناء عن وجودي و قربي ... "

سيف نظر متشككا ثم قال :
" أو... ربما العكس ! "
حملقنا في بعضنا البعض قليلا... و شعرت بابتسامة حمراء تشق طريقها بين شفتي !

سيف قال مازحا :
" وليد الضخم... بطوله و عرضه و عضلاته المفتولة...تشل تفكيره فتاة صغيرة ؟!"

ابتسمت و أنا أقول :
" و ليست أي فتاة ! "

و بدا الجد على وجه سيف و قال :
" فكّر في الأمر مليا يا وليد... الشرارة و البنزين لا يجتمعان في مكان واحد ! "
كان سيف محقا فيما يرمي إليه...

قلت مغيرا الموضوع مباشرة :
" هل قابلت السيد أسامة ؟ ماذا قرر ؟ "

ابتسم سيف و قال :
" هنيئا لك ! لقد كسبت حب و تقدير هذا الرجل و لذلك وافق على العمل معك ! "

أطلقت صيحة فرح و هتفت :
" آه ... وافق أخيرا ! الحمد لله ! شكرا لك يا سيف "

و كنت قد طلبت من سيف مساعدتي في محاولة إقناعه بالعودة للعمل معي... فقد كنت
بحاجة ماسة للمعونة من رجل بمثل خبرته و أمانته... و هذا الخبر أبهجني كثيرا تلك
الليلة...
و لم أدرك أنني سأدفع ثمن بهجتي هذه .. عاجلا جدا !

~~~~~~~

احتراما لضيفتنا، تظاهرت بالسرور و أخفيت كل الغضب في داخلي... و شاركت الجميع
طعام العشاء الذي أعدته الشقراء و أمها... و كانتا المسؤولتين عن الطهي و شؤون
المطبخ... تساعدهما خادمة وظفها وليد منذ فترة...

كانت الشقراء ترتدي بلوزة جميلة عارية الكمين و الكتفين ... و تتزين بعقد ثمين من
اللؤلؤ اشترته مؤخرا... و تلون وجهها الأبيض ببعض المساحيق... و تبدو في غاية
الجمال و الأناقة... و لا بد أنها أثارت إعجاب ضيفتنا و أبهرتها في كل شيء...



و بعد خروج الضيوف ذهبت هي و بكامل زينتها و مباشرة إلى حيث كان وليد...
أما أنا فصعدت إلى غرفتي لاستبدل ملابسي...

نظرت إلى نفسي عبر المرآة و تخيلت صورتها إلى جواري فشعرت بالحنق و الغيظ... و
رغبت في تمزيقها...

لم استطع تجاهل صورتها و هي تعيّرني بأنني أعيش عالة على ثروتها... ولم أتحمّل تخيلها و هي تجلس هكذا قرب وليد...

تملّكتني رغبة ملحة في الذهاب إلى وليد و إخباره عما قالت في الحال... و وضع حد نهائي
لحالتي البائسة معها...

فتحت خزانتي و استخرجت جميع المجوهرات التي أنقذتها من حطام بيتنا المحروق...
مجوهراتنا أنا و دانة و أمي رحمها الله... و أخذت أتأملها و أشعر بالألم... فهي كل ما
تبقى لي...و لم أتصور أنني سأفرط فيها ذات يوم...

جمعتها كلها في علبتين كبيرتين و وضعتهما في كيس بالإضافة إلى البطاقة المصرفية التي
منحني إياها وليد و كذلك الهاتف المحمول...

حملت الكيس و خرجت من غرفتي سعيا إلى وليد فوصلني صوت ضحكاته هو و
الشقراء... ترن في أنحاء المنزل !!

كدت أصفع الكيس بأحد الجدران و أحطم محتوياته غيظا...

ذهبت إلى غرفة الجلوس ... مصدر الضحكات... و كان الباب مفتوحا و من خلاله رأيت
ما زلزني ...

كان وليد شبه مستلق ٍ على المقعد و أروى الحسناء تجلس ملتصقة به... تمد إحدى يديها
فوق كتفه و تطعمه المكسرات بيدها الأخرى....

كانا يشاهدان التلفاز ويبدو على وليد المرح و البهجة الشديدين... و هو يمضغ
المكسرات... حينما رأياني ابتسم وليد و جلس معتدلا بينما أشاحت هي بوجهها عنّي...

" تعالي رغد "

قال مرحبا ً ... و الدماء الحمراء تتدفق إلى وجهه...
" هذه المسرحية مضحكة جدا ! "

وقفت كالتمثال غير مستوعبة بعد للقطة الحميمة التي رأيتها تجمعهما سوية... أما النار
فكانت تتأجج في صدري حتى أحرقته و فحّمته...
لم أتحرّك و لم أتكلّم... و ربما حتى لم أتنفس... فأنا لا أشعر بأي هواء يدخل صدري...
تبادل وليد و أروى النظرات و من ثم نظرا إلى الكيس...

قال وليد :
" أهناك شيء ؟ "

أردت أن أخنق صوته... أ*** ضحكاته... أكسر فكّه الذي يمضغ المكسرات... أن
أصفعه... أن أضربه... أن أمزقه بأظافري...
تبا لك يا وليد !

قلت باقتضاب :
" أريد التحدث معك "

قال مباشرة و قد زال المرح و حلت أمارات الجد على وجهه العريض :
" خير؟ تفضلي ؟ "
و الدخيلة لم تتحرك! لا تزال جالسة ملتصقة بوليد تقضم المكسرات...
إنني أوشك على ركلها بقدمي غيظا...



قال وليد :
" ما الأمر ؟ "

تقدّمت نحوه... و الغضب يغلي في داخلي و رميت إليه بالكيس ب***... و لو لم أتمالك
نفسي لربما رميت به على أنفه و هشّمته من جديد...

الكيس استقر تحت قدميه... فنظر إليه بتعجب و سأل :
" ما هذا ؟ "

قلت بانفعال :
" مجوهراتي "

ازداد تعجّب وليد فقلت موضحة :
" أعرف أنها لن تغطّي كل ما أنفقتـَه علي ّ منذ رحيل والدينا... لكن... هذا كل ما أملك "
قبل ثوان كان وليد مسترخ على المقعد و الآن أصبح على أهبة النهوض!
" ماذا تعنين يا رغد ؟ "

قلت بعصبية :
" خذها... حتى لا يعيّرني الآخرون بأنني عالة على ثرواتهم "
و رميت أروى بقنبلة شرر من عيني...و وليت هاربة...
ربما ارتطمت بجدار... أو تعثرت بعتبة... أو انزلقت أرضا... لم أكن أرى الطريق
أمامي... لم أكن أرى غير اللقطة الحميمة تجمع بين الحبيبين ...

وليد لحق بي و استوقفني و أنا عند أصعد عتبات الدرج و هو يقول بحدة :
" انتظري يا رغد... افهميني ما الذي تعنينه ؟ "

استدرت إليه فرأيت أروى مقبلة خلفه نظرت إليهما بحدة ثم حملقت في أروى و قلت بعصبية :
" اسألها "

وليد استدار إلى أروى ثم إلي ثم إليها و سأل بحيرة :
" ما الذي حدث؟ افهماني ؟ "

قلت :
" بقي فقط ثمن التذكرة... و سأطلب من خالتي دفعها إليك حالما توصلني إليها... و الآن هل لا أعدتني إلى خالتي ؟ "

زمجر وليد بانزعاج :
" ما الذي تقصدينه يا رغد ؟؟ أنا لم أفهم شيئا... هل لا شرح لي أحد ماذا يحدث ؟ "
و التفت نحو أروى...

أروى قالت :
" أنا لم أعن ِ شيئا مما فهمت ْ "

تقصدني بذلك، فأفلتت أعصابي و صرخت :
" بل تعنين يا أروى... إنك تعيريني لعيشي عالة متطفلة على ابن عمي... لكن اعلمي أنه
من أجبرني على الحضور معه... و لو كان لدي أبوان أو أهل أو حتى بيت يؤويني ما
اضطرني القدر للمكوث معك ِ أنت ِ تحت سقف واحد "

بدا الذهول طاغيا على الأعين الأربع التي كانت تحدّق بي... ذهول ألجم لسانيهما عن
النطق مباشرة...

" لكنهما ماتا... وبيتي احترق... و لم يتبقّ َ لي شيء غير هذه الحلي... خذاها و دعاني
أرحل بكرامتي... "

وليد قال منفعلا :
" ماذا أصابك يا رغد ؟ هل جننت ِ ؟ "

قلت بعصبية أكبر :
" أرجوك... أعدني إلى خالتي... إن كانت كرامتي تهمك في شيء "
" أي كرامة و أي جنون...؟؟ "

و التفت إلى أروى بغضب :
" ماذا قلت ِ لها ؟ "

أروى قالت مدافعة مهاجمة في آن معا :
" لاشيء... طلبت منها أن تحترمني... عوضا عن رسمي بتلك الصورة المهينة..."

وليد كرر بغضب و عصبية :
" ماذا قلت لها يا أروى ؟؟ تكلّمي ؟ "

قالت أروى :
" الحقيقة يا وليد... فهي تعيش على ثروتي و عنائك... و لا تقدر و لا تحترم أيا منا "

دار وليد دورة حول نفسه من شدة الغضب و لم يعرف ما يقول... رأيت وجهه يتقد احمرارا و أوداجه تنتفخ و صدره يزفر الهواء ب***...

ضرب سياج الدرج بقبضته بقوة و صرخ بغضب :
" كيف تفعلين هذا يا أروى ؟ "

قالت أروى بانفلات أعصاب :
" إن كان يرضيك ذلك فأنا لا يرضيني... و إن كنت تتحمّلها لكونها ابنة عمّك فما ذنبي أنا لأتحمّل الإحسان إلى و الإهانة من فتاة ناكرة الجميل ؟ "

هيجتني جملتها أكثر و أكثر و أثارت جنون جنوني... و صرخت بتهوّر :
" أنا لا انتظر الإحسان من أحد... وليد ينفق علي لأنه الوصي علي ّ و المسؤول عن
مصروفاتي... و هو من اختار كفالتي بعد عمّي... ألا ترين أنني يتيمة و بلا معيل؟ أنا
أهلي لم يتركوا لي إرثا عندما ماتوا جميعا... مثل عمّك... و هذه الثروة التي تعيرينني
بها... وليد هو الأحق بها منك ِ أنت ِ و من أي إنسان آخر في هذا الكون "

و توقفت لألتقط بعض أنفاسي ... ثم قلت موجهة خطابي لوليد :
" أخبرها بأنها من حقك أنت "

وليد هتف بانفعال :
" رغد ! "

قلت بإصرار :
" أخبرها "

صرخ وليد :
" يكفي يا رغد "

التفت أنا إلى أروى المذهولة بكلامي و أعلنت دون تردد :
" إنها لن تعوّض ثمن السنوات الثماني التي قضاها في السجن حبيسا مع الأوغاد...
بسبب ابن عمّك الحقير الجبان "

" رغد "

انطلقت صرخة من وليد... ربما كان هي المعول الذي كسر السد...
انجرف كلامي كالسيل العارم يأبى الوقوف عند أي شيء...

" و بعد كل الذي سببه الحقير لي... و لابن عمّي... تأتين أنت ِ لتعكري صفو ما تبقى من
حياتي... ألا يكفي ما ضاع منها حتى الآن ؟؟ ألا يكفي ما عنيته و أعانيه حتى اليوم؟؟ أنا
أكرهك يا أروى ... أكرهك و أتمنى أن تختفي من حياتي... أكرهك ... أكرهك ... ألا
تفهمين ؟؟ "

رميت الاثنين بنظرة أخيرة ملؤها الغضب... أروى مستندة إلى الحائط في ذهول رهيب...
أشبه بلوحة مذعورة... و وليد عند أسفل عتبات الدرج تتملكه الدهشة و المفاجأة...

" لماذا تجبرني على العيش معها يا وليد ؟؟ لماذا ؟؟... إن كنت تحبّها فأنا أكرهها... و
أكرهك أنت أيضا... و لا أريد العيش معكما... أنتما تتعسان حياتي... أكرهكما سوية...
أعدني لخالتي... أعدني لخالتي... يا بليـــــــــــــــــد "

فجرت هذه الجملة و انطلقت مسرعة نحو غرفتي


تــ ،، ــا بــ ،، ــع
__________________

أَسْتَوْدِعُكُمُ
اللهَ الْذِي لا تَضِيعُ وَدَائِعَهُ ،،
و
دُمْتُمْ
بِحِفْظِ اللهِ ،،

آخر تعديل بواسطة Amethyst ، 30-08-2009 الساعة 06:02 AM
رد مع اقتباس
  #189  
قديم 30-08-2009, 01:33 PM
الصورة الرمزية hermiony
hermiony hermiony غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 35
معدل تقييم المستوى: 0
hermiony is on a distinguished road
افتراضي

القصه ديه انا تبعتها فى اكثر من منتدى عشان اعرف النهايه مش عارفه اوصلها

بس اكييد انشاء الله متابعه معاكى

وجزاكى الله خيرا وكل عام وانتى بخير ورمضان كريم

اختك فى الله
رد مع اقتباس
  #190  
قديم 31-08-2009, 07:35 AM
الصورة الرمزية Amethyst
Amethyst Amethyst غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 3,084
معدل تقييم المستوى: 19
Amethyst is on a distinguished road
افتراضي

* * الحلقة الأربعون * *

~ مُفترق الطرق ~

وقفتُ عند أسفل عتبات السلّم... مأخوذا بهول ما سمعتُ... مشلول الإرادة...

اختفتْ رغد بعدما صرختْ في وجهي ( أكرهكَ يا بليد )

إن أذني ّ لم تسمعا... إنما هو قلبي الذي اهتز ب*** بعد الصدمة...


التفتُ إلى الوراء بجهد فرأيتُ أروى تقف ملتصقة بالجدار محملقة بي تكاد بنظراتها تثقبُ

عيني ّ فيما تعبيرات الذهول طاغية على وجهها الملوّن...


كانتْ أمسية جميلة و قد استمتعتُ فيها مع سيف و طفله... ثم سهرتُ مع أروى نشاهد

مسرحية فكاهية رائعة... كان كل شيء رائعا قبل قليل...


لماذا يا رغد ؟

لماذا ؟؟

" وليد "

الحروف خرجتْ متقطّعة من فم أروى المصعوقة بما سمعتْ... و بالتأكيد تريد الآن أن

تسمع من جديد...


" وليد... وليد... ماذا قالتْ رغد ؟؟ "

ركّزتُ نظري في أروى ... و لم أرد...

أروى اقتربتْ منّي خطوة بعد خطوة ببطء ... كأن قدميها قد ثقلتا فجأة و ما عادتْ بقادرة

على رفعهما


و لما صارتْ أمامي أبعدتُ نظري عن عينيها... فقد كانتْ نظراتها قوية جدا... و مركزة

جدا إلا أنها سرعان ما مدّتْ يدها إلي و سألتْ :


" وليد ... أنت َ ... أنت َ ... من... *** عمّار ؟؟ "

سماع اسمه أجبر عينيّ على العودة فورا إلى عينيها المذهولتين

" وليد ...؟؟ أنت ...!! "

أجبتُ أخيرا :

" نعم ... أنا من *** عمار القذر... ابن عمّك "

أروى رفعتْ يدها بعيدا ثم وضعتْها على فمها و شهقتْ بقوة.. و تجمّدتْ اللحظة ساعة أو

عاما أو حتى قرنا من الزمان...


لم أحس إلا بقطرات العرق تسيل على جسمي... و بالحرارة تنبعثُ منه...

و لم استطع تحرير بصري من قيد عينيها...

بدأتْ الآن تهزّ رأسها في عدم تصديق و دهشة ما مثلها دهشة...

" لا ... لا أصدّق ! وليد !"

و التقطتْ بعض أنفاسها و تابعتْ :

" كل... هذا الوقت... و أنتَ ... تخفي عنّي ؟؟ لا أصدّق ! "

و مرّة أخرى حرّكتْ يدها نحوي و أمسكتْ بكتفي

" غير صحيح ! وليد أنتَ ... تمزح "

قلتُ بحزم :

" ***تُه و دخلتُ السجن... و لستُ نادما... هذه هي الحقيقة... هل عرفت ِ الآن ؟ "

ابتعدتْ أروى عنّي و هي تهتفُ :

" لا ... لا ... "

ثم توقفتْ فجأة و استدارتْ إليّ و قالتْ :

" لماذا ؟؟ لماذا ***ته ؟ "

قلتُ مباشرة :

" لأنه يستحق الموت... الحيوان... القذر... الحقير... "

عادتْ تسأل مندهشة مبحوحة الصوت :

" لماذا ؟ "

جوابي كان بضربة سددتُها إلى سياج السلم الخشبي كدتُ معها أن أحطّمُه...

أروى كررتْ :

" لماذا ؟ أخبرني "

و لما لم أجبها أقبلتْ نحوي مجددا و أمسكتْ بذراعي ّ الاثنتين و هتفتْ :

" أخبرني لماذا ؟؟ لماذا ؟؟؟ "

صرخت ُ بانفعال :
" لأنه حيوان... ألا تعرفين معنى حيوان ؟؟ "

أروى تهزُّ رأسها و تقول:

" ماذا تخفي عنّي يا وليد ؟؟ قلْ لي ؟؟ لماذا أخفيتَ هذا عنّي ؟؟ لماذا لم تخبرني لماذا ؟ "

و بدأتْ دموعها بالانهمار...

شعرتُ بأني أختنق... الهواء من حولي لم يكن كافيا لملء رئتيّ... أبعدتُ يديها عني و

أوليتُها ظهري و سرتُ متجها نحو مدخل المنزل...


نادتني أروى:

" إلى أين تذهب ؟؟ لا تدعني هكذا يا وليد... قل لي ما الذي تخفيه عنّي ؟؟"

لم أجبها فقد كنتُ من الضيق و الغضب ما يكفي لأن أدمّر مدينة بكاملها...

" وليد إلى أين ؟ "

صرختُ :

" دعيني و شأني يا أروى "

و أسرعتُ نحو الباب و غادرتُ المنزل...

الساعة آنذاك كانتْ منتصف الليل... و لم أكن لأغادر المنزل في مثل هذا الوقت لو أن

الضيق لم يصل بي إلى حد الاختناق..


كنتُ أريد أن أهدأ بعيدا...

أعيد عرض الشريط و أركز فيما حصل...

استوعب الحدث و أفكر فيه...

توجهتُ نحو البحر...أرفس رماله و أرجم أمواجه إلى أن أفرغتُ ما في صدري من ثورة

في قلبه... و لو كان يتكلم لصرخ صرخة تصدعتْ لها كواكب المجرة من فرط الألم..

و كإنسانٍ مجردٍ من أي اعتبارات... على سجيته و فطرته... أطلقتُ العنان لدموعي... و

بكيتُ بألم...


تفقدتُ ساعتي فلم أجدها و تحسستُ جيوبي بحثا عن هاتفي فلم أعثر سوى على سلسلة

مفاتيحي... السلسلة التي أهدتني إياها رغد ليلة العيد...


لا أدري كم من الوقت مضى و لكني لمحتُ أول خيوط الفجر يتسلل عبر عباءة السماء...

عندما وصلتُ إلى المنزل... وجدتُه يغط في سكون مخيف...

أردتُ أن أتفقد الفتاتين... وجدتُ أروى نائمة في غرفتها و قد تركتْ الباب مفتوحا و

المصابيح مضاءة فاستنتجتُ أنها نامتْ بينما كانت تنتظر عودتي...


توجهتُ نحو غرفتي و توقفتُ عند الجدار الفاصل بين بابها و باب غرفة رغد

و استعدتُ ذكرى الليلة الماضية و اشتعل الألم في معدتي...

أديت صلاتي ثم ارتميتُ على سريري و عبثا حاولتُ النوم... لم أنم و لا لحظة واحدة

و عاصرتُ بزوغ الشمس و مراحل سباحتها في كبد السماء ساعة ً ساعة و حمدتُ الله

أنه كان يوم إجازة و إلا لتغيبتُ عن العمل من شدة التعب...


لم أفعلْ شيئا سوى التفكير و التفكير...

و عند نحو العاشرة و النصف سمعتُ طرقا على الباب...

" تفضّل "

لقد كانتْ أروى...

و على غير العادة لم نبدأ حديثنا بالتحية...

" هل استيقظتَ ؟ "

سألتني و وجهها يسبح في الحزن...

" بل قولي : هل نمتَ ؟ "

لم تعلق أروى، ثم قالتْ :

" أيمكننا التحدث الآن ؟ "

" تفضلي "

و بالطبع تعرفون عم سنتحدث...

" أريد أن أعرف... تفاصيل م*** عمار... و لم أخفيتَ الحقيقة عني... و ما علاقة كل هذا

برغد ؟ "


تنهدتُ ثم قلتُ :

" هل... سيغير ذلك شيئا ؟ "

أروى قالتْ بسرعة :

" بالطبع... سيغيّر الكثير... "

و لا أدري ما قصدتْ بذلك... و لم يعد يهمني ما قد يحدث.... في نظري الآن... لا شيء

يستحق الاهتمام...


" حسنا يا أروى... لقد سبق و أن أخبرتُك بأنني انتظر الوقت المناسب لأطلعكِ على أمر

مهم... و لم يعد هناك معنى للصمت بعد الآن "




" إذن ... اخبرني بكل شيء ... "



تنهّدتُ تنهيدة مريرة... خرجتْ من صدري عجوزا واهنة لم تجد ما تتكئ عليه... و

سرعان ما هوتْ في أعماق الذكريات...


" قبل أكثر من تسع سنوات... ***تُ عمار... و دخلتُ السجن... و هناك تعرّفتُ إلى

والدك... بمحض الصدفة... و قبل وفاته أوصاني بكِ و بأمكِ خيرا... و ماتَ و هو لا

يعرف أنني... من *** ابن أخيه أو ربما لا يعرف حتّى... أن ابن أخيه قد قُتِل "


كانتْ أروى تصغي إلي باهتمام...

و عندما توقفتُ نظرتْ إلي بتعجب و قالتْ:

" هذا كل شيء ؟ "

قلتُ بضيق باد ٍ :

" نعم "

هزّتْ رأسها استنكارا و قالتْ:

" لا تخفي عنّي شيئا يا وليد... اخبرني بالحقيقة كاملة "

" ماذا تريدين أن تعرفي ؟ "

" لماذا ***تَ عمّار "

التزمتُ الصمت

" لماذا يا وليد ؟ "

أجبتُ :

" فيم يهمّك ذلك ؟ "

" بالتأكيد يهمني أن أعرف "

قلتُ :

" لم يكن ذلك يهمّك ... سابقا "

صمِت ّ قليلا ثم قلتُ :

" أتذكرين ؟؟ ارتبطت ِ بي و لم تسأليني لِمَ دخلتُ السجن... و من ***تُ... و لماذا .."

أروى قالتْ :

" لكن... ذلك كان قبل أن أكتشف أن الضحية كان ابن عمّي "

هيجتني الجملة فهتفتُ منفعلا :

" الضحية ؟؟ تقولين عن ذلك الحقير الضحية ؟؟ "

حملقتْ أروى بي ثم انطلق لسانها مندفعاً :

" هذا ما يثير جنوني... لماذا تنعته بالحقير و القذر؟ ماذا فعل؟ ماذا حصل؟ ما الذي كان

بينكما؟ و لماذا ***ته؟ "


لم أجب...

" وليد أجبني ؟ "

أشحتُ بوجهي بعيدا... لكنها حاصرتني من كل الجوانب

" لماذا لا تريد أن تجيب يا وليد ؟؟ بدايةً... أنا لا أصدق أنك يمكن أن ت*** رجلاً مهما

حصل... فلماذا ***تَ ابن عمّي ؟ "


قلتُ منفعلا :

" لا تشيري إليه بـ ( ابن عمّي ) فهذا يثير التقزز يا أروى "

" وليد ! "

قلت ُ بصبر نافذ :

" اسمعي يا أروى... لا استطيع أن أفصح عن السبب... لقد ***تُه و انتهى الأمر... و

لستُ نادما... و لن أندم يوما على ذلك... "


ثم استطردت ُ :

" أرجوك ِ يا أروى... أنا متعب للغاية... هذا يكفي الآن "

الحيرة تملكتْ أروى ممزوجةً بالفضول الشديد... و أصرتْ على معرفة المزيد لكنني

امتنعتُ عن البوح بالحقيقة...


فجأة سألتْ :

" هل... تعرف رغدُ ذلك ؟ "

و ربما للانفعال الذي ظهر على وجهي استنبطتْ هي الجواب دون أن أنطق...

ثم بدا عليها بعض التردد و قالتْ أخيرا :

" و ... هل ... لثروتي علاقة بذلك ؟ "

نظرتُ إليها مستغربا و سألتُ:

" ثروتك؟؟ ماذا تعنين؟ "

قالت :

" أعني... هل كنتَ تعرف... عن ثروة عمّي قبل زواجنا ؟ "

صُعقتُ من سؤالها... وقفتُ فجأة مذهولا كمن لدغته أفعى...

قلتُ :

" ما الذي تقولينه؟؟ "

أروى وقفتْ بدورها و أفلتتْ أعصابها منطلقة:

" أنا لا أعرف ما الذي أقوله... لا أعرف كيف أفكّر... قبل ساعات اكتشفتُ أن خطيبي هو

قاتل ابن عمّي... و أنتَ تخفي عني الحقيقة... و ترفض البوح بشيء... كيف تريدني أن

أفكّر يا وليد أنا أكاد أجن ... "


حقيقة لم أرَ أروى بهذه الحالة من قبل...

قلتُ بعصبية :

" لا علاقة لهذا بزواجنا يا أروى... لا تذهبي بأفكارك إلى الجحيم "

صرختْ :

" إذن قل لي الحقيقة "

" أي حقيقة يا أروى بعد ؟؟ "

" لماذا ***تَ عمار و لماذا أخفيتَ الأمر عنّي ؟؟ و لماذا لا تريدني أن أعرف السبب ؟ "

وضعتُ يدي على جبيني و ضغطت على صدغي ّ حائلا دون انفجارهما...

" لماذا يا وليد ؟ "

صرختُ :

" أرجوك يا أروى... لا تضغطي علي... لا استطيع إخبارك عن الأسباب... "

احمرّ وجه أروى الأبيض غضبا و قالتْ و هي تهمّ بالمغادرة :

" سأعرفُ الأسباب... من رغد إذن "

و انطلقتْ نحو الباب

أبعدتُ يدي عن رأسي فجأة و تركتُه ينفجر صداعا قاتلا... و هتفتُ بسرعة :

" أروى انتظري "

لكن أروى كانت قد غادرتْ الغرفة و لالتصاق غرفتي بغرفة رغد سرعان ما مدّتْ ذراعها

و طرقتْ باب رغد و نادتها


أسرعتُ خلفها محاولا منعها

" توقفي يا أروى إيّاكِ "

قلتُ ذلك و أنا أبعدُ يدها عن الباب...

" دعني يا وليد... أريد أن أعرف ما تخفيانه عني... "

جذبتُ أروى بقوة حتى آلمتُها و صرختُ بوجهها :

" قلتُ توقفي يا أروى ألا يكفي ما فعلتِه بالأمس ؟؟ يكفي "

" أنا ؟ ما الذي فعلتُه ؟ "

" ما قلتِه لرغد عن ثروتكِ و عما ننفقه من ثروتكِ... و أنتِ تعلمين يا أروى أنني احتفظ

بسجل لكل المصروفات... و أنّ ما أعطيها إياه هو من راتبي أنا و مجهودي أنا... "


هنا فُتِح الباب و أطلتْ منه رغد...

أول ما اصطدمتْ نظراتنا تولّد شرر أعشى عينيّ...

هل رأيتموه ؟؟

حملقنا ببعضنا قليلا... و الطيور على رؤوسنا نحن الثلاثة...

أول ما تكلمتْ رغد قالت بحدة:

" نعم ؟ ماذا تريدان ؟ "

و نقلتْ بصرها بيننا... و لم ننطق لا أنا و لا أروى...

قالتْ رغد:

" من طرق بابي ؟ "

هنا أجابتْ أروى:

" أنا "

سألتْ رغد بغضب:

" ماذا تريدين ؟ "

أروى ترددتْ ثوانٍ لكنها قالت:

" سأسألك سؤالا واحدا "

هنا هتفتُ رادعا بغضب :

" أروى... قلتُ كلا "

التفتتْ إليّ أروى محتجةً :

" و لكن يا وليد "

فصرختُ مباشرة و بصرامة :

" قلتُ كلا ... ألا تسمعين ؟ "

ابتلعتْ أروى سؤالها و غيظها و أشاحتْ بوجهها و انصرفتْ من فورها...

لم يبقَ إلا أنا و رغد... و بضع بوصات تفصل فيما بيننا... و شريط البارحة يُعرض في

مخيلتنا... عيوننا متعانقة و أنفاسنا مكتومة...


تراجعتْ رغد للخلف و همّتْ بإغلاق الباب ...

" انتظري "

استوقفتها... لم أكن أريدها أن تبتعد قبل أن أرتاح و لو قليلا...

" ماذا تريد ؟ "

سألتني فقلتُ بلطفٍ و رجاء :

" أن نتحدّث قليلا "

فردتْ بحدة و جفاء :

" لا أريد التحدث معك... دعني و شأني "

و دخلتْ الغرفة و أغلقتْ الباب بهدوء... لكنني شعرتُ به يصفع على وجهي و أكاد أجزم

بأن الدماء تغرق أنفي...


جلستُ في الصالة مستسلما لتلاعب الأفكار برأسي تلاعب المضرب بكرة التنس... بعد

ذلك رغبتُ في بعض الشاي علّه يخفف شيئا من صداع رأسي...


هبطتُ إلى الطابق السفلي و إلى المطبخ حيث وجدتُ أروى و خالتي تجلسان بوجوم حول

المائدة...


حييتُ خالتي و شرعتُ بغلي بعض الماء...

" وليد "

التفتُ إلى أروى... التي نادتني و رأيتُ في وجهها تعبيرات الجد و الغضب...

" أريدُ العود إلى المزرعة "

حملقتُ في أروى غير مستوعبٍ لجملتها الأخيرة هذه... سألتُ :

" ماذا ؟ "

أجابتْ بحزم :

" أريد العودة إلى المزرعة... و فورا "

التفتُ إلى خالتي فهربتْ بعينيها إلى الأرض... عدتُ إلى أروى فوجدتُها تنتظر جوابي

قلتُ :

" ماذا تقولين ؟ "

" ما سمعتَ يا وليد... فهل لا دبّرت أمر عودتنا أنا و أمي الآن ؟؟ و إذا لم تستطع

مرافقتنا فلا تقلق. نستطيع تدبير أمورنا في المطار و الطائرة "


عدتُ أنظر إلى خالتي فرأيتُها لا تزال محملقة في الأرض...

" خالتي ... "

التفتتْ إلي فسألتُ :

" هل تسمعين ما أسمع ؟ "

الخالة تنهدتْ قليلا ثم قالتْ :

" نعم يا بني. دعنا نعود لأرضنا فقد طال بعدنا و أضنانا الحنين "

أدركتُ أن الأمر قد تمتْ مناقشتُه و الاتفاق عليه من قِبلهما مسبقا... عدتُ أكلم أروى:

" ما هذا القرار المفاجئ يا أروى... غير ممكن ... تعلمين ذلك "

أروى قالت بحدة :

" أرجوك يا وليد... لستُ أناقش معك تأييدك من عدمه... أنا فقط أعلمك عن قراري و

أريد منك شراء التذاكر... "


" أروى !! "

" و هذا قرار نهائي و لا تحاول ثنيي عنه...رجاء ً يا وليد احترم رغبتي ..."




تــ ،، ــا بــ ،، ــع
__________________

أَسْتَوْدِعُكُمُ
اللهَ الْذِي لا تَضِيعُ وَدَائِعَهُ ،،
و
دُمْتُمْ
بِحِفْظِ اللهِ ،،
رد مع اقتباس
  #191  
قديم 31-08-2009, 07:46 AM
الصورة الرمزية Amethyst
Amethyst Amethyst غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 3,084
معدل تقييم المستوى: 19
Amethyst is on a distinguished road
افتراضي

و عبثا حاولتُ ... و باءتْ محاولاتي بالفشل... و أصرتْ أروى و أمها على العودة إلى

المزرعة و بأسرع ما يمكن...


تركتُ الماء يغلي و يتبخر و ربما يحرق الإبريق... و خرجتُ من المنزل... لم يكن لدي

هدف و لكنني أرت الابتعاد قبل إثارة شجار جديد...


حاولتُ إعادة تنظيم أفكاري و حلولي فأصابني الإعياء من كثرة التفكير...

عندما عدتُ وقت زوال الشمس... كانتْ أروى و خالتي قد حزمتا أغراضهما في

الحقائب...

" بالله عليك يا أروى... تعلمين أنه لا يمكنكما السفر... "

قالت :

" لماذا ؟ "

قلتُ :

" تعرفين لماذا... لا يمكن أن... نبقى أنا و رغد بمفردنا "

و كأن كلامي هذا أشعل الجمر في وجهها... إني لم أرَ أروى غاضبة بهذا الشكل من ذي

قبل...


" من أجل رغد ؟ لقد انتهينا يا وليد... أنا لم يعد يهمني ما تفعله و ما لا تفعله من أجل

رغد... دبر أمورها بعيدا عني... لا علاقة لي بهذه الفتاة من الآن فصاعدا "


و تركتني و غادرتْ المكان...

وقفتُ حائرا غير قادر على التصرف... خاطبتني خالتي آنذاك :

" دعنا نذهب يا بني فهذا خيرٌ لنا "

قلتُ معترضا :

" كيف تقولين ذلك يا خالتي؟؟ تعرفين أن رغد تدرس في الكلية و لا يمكنني العودة بها

إلى المزرعة و لا البقاء معها هنا وحيدين... أرجوكِ يا خالتي قدري موقفي... أرجوك ...

اقنعي أروى بتغيير قرارها المفاجئ هذا "


لكن خالتي هزتْ رأسها سلبا... و قالتْ:

" ابنتي متعبة يا وليد... لقد لقيَتْ منك و من ابنة عمّك الكثير... رغم كل ما تفعله من

أجلك... أنتَ صدمتها بقوة... و صدمتني كذلك... دعنا نعود إلى مزرعتنا نتنفس

الصعداء... يرحمك الله "


لم أجرؤ على إطالة النظر في عينيها أكثر من ذلك... و لم أجسر على قول شيء... شعرتُ

بالخجل من نفسي و أنا أقف حاملا ذنبي الكبير ...أمام كل ما فعلتْه عائلة نديم لي عبر كل

تلك الشهور...


كم أشعر بأنني خذلتهم... و صدمتهم...

لكن...

ألم يكونوا يعرفون بأنني قاتل مجرم خريج سجون؟؟

هل يفرق الأمر فيما لو ***تُ عمار عما لو ***تُ غيره ؟؟

هل كان علي أن... أبوح بسري إلى أروى منذ البداية؟؟

كان يوما من أسوأ أيام حياتي... حاولتُ النوم من جديد بلا جدوى... و حاولتُ الذهاب إلى

رغد و لم أجرؤ... و حاولتُ التحدث مع أروى فصدتني...


قبل غروب الشمس، ذهبتُ إلى أحد مكاتب شركة الطيران و حجزتُ أربعة تذاكر سفر إلى

الشمال...


عدتُ بعد صلاة العشاء حاملا معي طعاما جلبتُه من أحد المطاعم...

كنتُ أشعر بالجوع و التعب و آخر ما أكلته كان بعض المكسرات ليلة أمس... كما و أن

أروى لم تعد أي وجبة هذا اليوم...


" أحضرتُ أقراص البيتزا لنا جميعا... دعونا نتناولها فلابد أنكما جائعتان مثلي "

قلتُ ذلك و أنا أضع العلب الأربع على المنضدة في غرفة المعيشة، حيث كانت أروى و

الخالة تجلسان و تشاهدان التلفاز...


الخالة ابتسمتْ ابتسامة سطحية أما أروى فلم تتحرك...

فتحتُ علبتِي و اقتطعتُ قطعة من البيتزا الساخنة و قضمتُها بشهية...

" لذيذة... تعالي يا أروى خذي حصّتك "

و مددتُ باتجاهها إحدى العلب... أروى لم تتحرك... فقلتُ مشجعا :

" إنها لذيذة بالفعل "

أتدرون بم ردّتْ ؟

" خذها لابنة عمك... لابد أنها الآن تتضور جوعا و هي حبيسة غرفتها منذ البارحة "

فوجئتُ و اغتظتُ من ردّها... و ما كان منّي إلا أن وضعتُ العلبة على المنضدة مجددا و

أعدتُ قطعتي إلى علبتها كذلك...


الجو غدا مشحونا... و حاولتْ خالتي تلطيفه فأقبلتْ نحوي و أخذتْ إحدى العلب... و

وضعتها بينها و بين أروى و بدأتْ بالأكل...


أما أروى فلم تلمسها...

حملتُ العلبة الثالثة و قلتُ و أنا أغادر الغرفة:

" نعم... سآخذها إليها "

و لا أدري بم تحدثتا بعد انصرافي...

حالما طرقتُ باب رغد و تحدثتُ إليها :

" أحضرتُ لك ِ قرص بيتزا... تفضلي "

ردتْ علي :

" لا أريد منك شيئا..."

امتصصتُ ردها المر رغما عني، و أجبرتُ لساني على الكلام :

" لماذا يا رغد؟ إلى متى ستصومين؟ هل تريدين الموت جوعا؟ "

و ردّتْ علي :

" أكرم لي من الأكل من ثروة الغرباء "

استفزني ردها فطرقتُ الباب بانفعال و أنا أقول :

" ما الذي تقولينه يا رغد؟ افتحي الباب و دعينا نتحدّث "

لكنها صاحتْ:

" دعني و شأني "

فما كان منّي إلا الانسحاب... مكسور الخاطر...

استلقيتُ على أريكة في الصالة العلوية... وسط الظلام... لا أرى إلا السواد يلون طريقي

و عيني و أفكاري...


و مرتْ الساعة بعد الساعة... و الأرق يأكل رأسي... و الإجهاد يمزق بدني و الجوع

يعصر معدتي... و يهيج قرحتي... و لم يغمضْ لي جفن أو يهدأ لي بال...


بعد سكون طويل سمعتُ صوت أحد الأبواب ينفتح...

لابد أنها رغد... إذ أن أروى و الخالة تنامان في غرفتين من الناحية الأخرى من المنزل،

بعيدتين عن الصالة و عن غرفتينا أنا و رغد...


أصغيتُ السمع جيدا... شعرتُ بحركة ما... فقمتُ و حثثتُ الخطى نحو غرفة رغد...

رأيتُ الباب مفتوحا و يبدو أنها قد غادرتْ قبل ثوان...



وقفتُ عند الباب منتظرا عودتها... و أنا بالكاد أحملُ جسدي على رجلي... و استندُ إلى

الجدار الفاصل فيما بين غرفتينا ليمنحني بعض الدعم...


كنتُ بحاجة لأن أراها و أكلمها و لو كلمة واحدة... عل ّ عيناي تأذنان بإسدال جفونهما...

بعد قليل أقبلتْ رغد...

و انتفضتْ حالما رأتني... و كذلك أنا... تشابكتْ نظراتنا بسرعة... و انفكّت بسرعة!

رغد كانتْ تحمل قارورة مياه معدنية... و كانت ترتدي ملابس النوم... و بدون حجاب...

أبعدتُ نظري عنها بتوتر و أنا أتنحنح و أستديرُ نحو باب غرفتي و افتحه و أخطو إلى

الداخل... على عجل... و من ثم أغلق الباب... بل و أوصده بالمفتاح !


وقفتُ خلف الباب لبعض الوقت... أتصبّب عرقا و اضطرب نفسا و أتزايد نبضا... و أشدّ

و أرخي عضلات فكي في توتر... حتى سمعتُ باب غرفة رغد ينغلق...


و نظرتُ إلى الجدار الفاصل بين غرفتينا... و اعتقد ... إن لم يكن السهر قد أودى

بعقلي... أنني رأيتُ رغد من خلاله !


إنني أراها و أشعر بحركاتها... و أحس بالحرارة المنبعثة منها أيضا !

مرتْ دقائق أخرى و أنا لا أزال أشعر بها موجودة حولي... أكادُ أجن... من أجل التحدث

معها و الاطمئنان عليها... و لو لدقيقة واحدة...


و لم أستطع تجاهل هذا الشعور...

فتحتُ بابي و خطوتُ نحو بابها و قبل أن يتغلب علي ترددي طرقته بخفة...

" رغد ... "

لم اسمع الجواب... لكني متأكد من أنها لم تنم...

عدتُ و طرقته من جديد :

" رغد... "

و سمعتُ صوتها يجيبني على مقربة... بل إنني كدت ألمسه ! أظنها كانت تهمسُ في الباب

مباشرة !


" نعم ؟ "

ارتبكت ُ و تعثرتْ الكلمات على لساني...

" أأأ... إممم ... هل أنت ِ نائمة ؟ أعني مستيقظة ؟ "

" نعم "

" هل... استطيع التحدث معك ؟ "

لم تجب رغد...فحدقتُ النظر إلى الموضع الذي يصدر منه صوتها عبر الباب مفتشا عن

كلامها!


أعرف... لن تصدقوني !

لكنني رأيتُه أيضا ...

" ماذا تريد ؟؟ "

أجبت ُ بصوت ٍ أجش :

" أن أتحدّث معكِ... قليلا فقط "

و لم ترد... قلتُ :

" أرجوكِ رغد... قليلا فقط "

و لم تجبْ... فكررتُ بنبرة شديدة الرجاء و اللطف :

" أرجوكِ... "

بعد ثوان انفتح الباب ببطء...

كانتْ صغيرتي تنظرُ إلى الأرض و تتحاشى عيني ّ... أما أنا فكنتُ أفتش عن أشياء كثيرة

في عينيها... عن أجوبة لعشرات الأسئلة التي تنخُر دماغي منذ الأمس...


عن شيء ٍ يطمئنني و يسكّن التهيّج في صدري...

و يمحو كلماتها القاسية ( أكرهك يا بليد ) من أذني ّ ....

" أنا آسف صغيرتي و لكن... أود الاطمئنان عليكِ "

ألقتْ رغد عليّ نظرة خاطفة و عادتْ تخبـّئ بصرها تحت الأرض...

" هل أنت ِ بخير ؟ "

أومأت ْ إيجابا... فشعرت ُ ببعض ٍ من راحة ٍ ... ما كان أحوجني إليها...

" هل... يمكننا الجلوس و التحدث قليلا ؟ "

رفعت ْ نظرها إليّ مستغربة، فهو ليس بالوقت المناسب للحديث ... و كنت ُ أدرك ذلك،

لكنني كنت ُ غاية في الأرق و انشغال البال و لن يجد النوم لعيني ّ سبيلا قبل أن أتحدث

معها...


" أرجوك...فأنا متعب... و أريد أن أرتاح قليلا... أرجوكِ "

ربما خرج رجائي عميقا أقرب إلى التوسل... كما خرج صوتي ضعيفا أقرب إلى الهمس..

و تفهّمتْ رغد ذلك و فسحتْ لي المجال للدخول..


توجهت ُ مباشرة إلى الكرسي عند المكتب و جلست ُ عليه... و أشرتُ إليها :

" اجلسي رغد "

فجلستْ هي على طرف السرير...

حاولتُ تنظيم أفكاري و انتقاء الكلمات و الجمل المناسبة و لكن حالتي تلك الساعة لم تكن

كأي حالة...


لمحت ُ قارورة الماء نصف فارغة موضوعة على المكتب إلى جواري...

" رغد... ألا تشعرين بالجوع ؟ "

سرعان ما نظرتْ إلي تعلوها الدهشة !

فهو ليس بالموضوع الذي يتوقع المرء أن يدور نقاشٌ طارئ ٌ في منتصف الليل حوله!

قلت ُ بحنان :

" يجب أن تأكلي شيئا قبل أن تنامي... "

عقــّبتْ هي باندهاش :

" أهذا كل شيء ؟؟ "

تأوهت ُ و قلت ُ:

" لا و لكن... أنت ِ لم تأكلي شيئا منذ ليلتين و أخشى أن يصيبك الإعياء يا رغد "

لم تتجاوب معي... فأدرت ُ الحديث إلى جهة أخرى...

" رغد... مهما كان ما قالته أروى... أو مهما كان شعوركِ نحوها... أو حتى نحوي... لا

تجعلي ذلك يزعزع من ثقتك... بأن ّ... بأن ّ... "


و تعلقت ْ الكلمات على طرف لساني برهة شعرتُ فيها بالشلل... ثم أتممت ُ جملتي بصوت

أجش...


" بأنكِ... كما كنت ِ... و كما ستظلين دائما... صغيرتي التي... التي... "

و تنهدتُ بمرارة...

" التي ... أحبُ أن أرعاها و أهتم بجميع شؤونها مهما كانت... "

نظرت ْ إلي بتمعن و اهتمام... و لكنها لم تعلـّـق...

أضفتُ :

" و كل ما أملك يا رغد... قل ّ أم كثر... هو ملكك ِ أنت ِ أيضا و تحت تصرّفكِ... يا رغد...

أنا لا آخذ شيئا من ثروة أروى... إنما استلم راتبا كأي موظف... إنني احتل منصب

المدير كما تعلمين... و دخلي كبير... فلا تظني بأنني أحصل على المال دون عناء أو دون

عمل... "


رغد قالت فجأة:

" بل أنا من ... يحصل عليه دون عناء و دون عمل... و دون حق و لا مقابل "

ازداد ضيق صدري و لم يعد قادرا حتى على التنهّد...

سألتها بمرارة و أنا أحس بعصارة معدتي تكاد تحرق حبالي الصوتية:

" لماذا يا رغد؟؟ لماذا دائما... تقولين مثل هذا الكلام؟؟ ألا تدركين أنك... تجرحين

شعوري؟"


تعبيرات رغد نمّتْ عن الندم و الرغبة في الإيضاح... و لكن لا أعرف لم انعقد لسانها...

قلتُ :

" رغد... أنا ... لطالما اعتنيتُ بكِ... ليس لأن من واجبي ذلك... حتى في وجود والدي ّ

رحمهما الله... و حتى و أنت ِ مرتبطة بسامر... و أنت ِ طفلة و أنتِ بالغة و أنت ِ في كل

الأحوال و مهما كانت الأحوال... دائما يا رغد... أنتِ صغيرتي التي أريد و لا شيء

يبهجني في حياتي أكثر من ... أن اعتني بها... كجزء ٍ لا يتجزأ منّي يا رغد... "


أجهل مصدر الجرأة التي ألهمتني البوح بهذه الكلمات الشجية وسط هذا الظلام الساكن...

تلعثمتْ التعبيرات على وجه رغد... أهي سعيدة أم حزينة؟ أهي مصدقة أم مكذبة؟ لا

يمكنني الجزم...


سألتني و كأنها تريد أن تستوثق من حقيقة تدركها... ليطمئن قلبها :

" صحيح... وليد ؟ "

لم أشعر بأن إجابتي من كل هذا البعد ستكون قوية ما يكفي لطمأنتها... وقفتُ... سرتُ

نحوها... أراها أيضا بعيدة... أجثو على ركبتيّ... تصبح عيناي أقرب إلى عينيها... تمتد

يداي و تمسكان بيديها... ينطق لساني مؤكدا :


" صحيح يا رغد... و رب الكعبة... الذي سيحاسبني عن كل آهة تنفثينها من صدرك

بألم... و عن كل لحظة تشعرين فيها باليتم أو الحاجة لشيء و أنا حي على وجه الأرض...

لا تزيدي من عذابي يا رغد... أنا لا استطيع أن أنام و في صدرك ضيق و لا أن أهدأ و

في بالك شاغل... و لا حتى أن آكل و أنت ِ جائعة يا رغد... أرجوك... أريحيني من هذا

العذاب... "


لم أشعر إلا ويدا رغد تتحرران من بين يدي و تمسكان بكتفي ّ

" وليد..."

امتزجتْ نظراتنا ببعضها البعض... و لم يعد بالإمكان الفصل فيما بينها...

عينا رغد بدأتا تبرقان باللآلئ المائية...

قلتُ بسرعة :

" لا تبكي أرجوك "

رغد ربما ابتلعتْ عبراتها في عينيها و سحبتْ يديها و شبكتْ أصابعها ببعضها البعض...

ثم طأطأتْ رأسها هاربة من نظراتي...


ناديتُها مرة و مرتين...لكنها لم ترفع عينيها إلي ّ... ولم تجبني...

" رغد... أرجوك... فقط ... قولي لي أنكِ بخير حتى أذهب مرتاحا... أنا بحاجة للنوم...

كي أستطيع أن أفكر... لا استطيع التفكير بشيء آخر و أنا... قلق عليك ِ "


أخيرا رغد رفعتْ عينيها و نظرتْ إليّ...

" هل ... أنتِ بخير ؟؟ "

هزّتْ رأسها و أجابت :

" نعم ... بخير "

تنهدتُ ببعض الارتياح... ثم قلتُ :

" جيد... لكن... يجب أن تتناولي بعض الطعام قبل أن تنامي... هل أعيد تسخين

البيتزا؟؟"


قالتْ مباشرة :

" لا... لا ..."

قلتُ :

" إذن... تناولي أي شيء آخر قبل أن تنامي... رجاء ً "

نظرتْ إلى الأرض و أومأتْ إيجابا...

تأملتُها برهة عن قرب... ثم وقفتُ و أعدت ُ تأمّلها من زاوية أبعد... و مهما تبعد

المسافات... إنها إلى قلبي و كياني أقرب... و أقرب...


أقرب من أن أقوى على تجاهل وجودها و لو لبرهة واحدة...

أقرب من أن أستطيع أن أغفو دون أن أحس بحرارة قربها... في جفوني...

و أقرب من أن أسمح لصدى ( أكرهكَ يا بليد ) بأن... يبعدها عنّي...

قلتُ :

" حسنا صغيرتي... سأترككِ تأكلين و تنامين... "

و خطوتُ نحو الباب... ثم عدتُ مجددا أتأملها... راغبا في مزيد من الاطمئنان عليها...

متمسكا بآخر طيف لها... يبرق في عيني ّ...


" أتأمرين بشيء ؟ "

رغد حركتْ عينيها إليّ... ثم قالتْ :

" كلا... شكرا "

فقلتُ :

" بل ... شكرا لك ِ أنتِ صغيرتي... و اعذريني... "

و ختمتُ أخيرا :

" تصبحين على خير "

و غادرتُ غرفتها عائدا إلى غرفتي...

رميتُ أطرافي الأربعة على سريري ناشدا الراحة... لكني لم أحصل حقيقة عليها ... لم

تكن جرعة رغد كافية لتخدير وعيي... و لليلة الثانية على التوالي أعاصر بزوغ الفجر و

أشهد مسيرة قرص الشمس اليومية تشق طريقها ساعة ً ساعة ... عبر ساحة السماء...






تــ ،، ــا بــ ،، ــع


__________________

أَسْتَوْدِعُكُمُ
اللهَ الْذِي لا تَضِيعُ وَدَائِعَهُ ،،
و
دُمْتُمْ
بِحِفْظِ اللهِ ،،
رد مع اقتباس
  #192  
قديم 01-09-2009, 02:31 AM
الصورة الرمزية واحدة وخلاص
واحدة وخلاص واحدة وخلاص غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 142
معدل تقييم المستوى: 16
واحدة وخلاص is on a distinguished road
افتراضي

شكرا ليكى بجد انك هتكملى الروايه
__________________
من وجد حب الله فماذا فقد
ومن فقد حب الله فماذا وجد

رد مع اقتباس
  #193  
قديم 01-09-2009, 06:55 AM
الصورة الرمزية Amethyst
Amethyst Amethyst غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 3,084
معدل تقييم المستوى: 19
Amethyst is on a distinguished road
افتراضي

تكملة الحلقة الأربعون
---


صحوت ُ من نومي القصير و أنا أشعر بدوار شديد و رجفة في أطرافي... و إجهاد و ضعف عام في عضلاتي... لم استطع التحرك عن موضعي في السرير... لابد أن السبب هو الجوع فأنا لم آكل شيئا منذ ليلة شجاري مع الشقراء... و بالرغم من أن وليد نصحني بالطعام البارحة إلا أنني لم أكن أشعر بأي شهية له



هذا إضافة إلى تأثير السهر و الأرق... اللذين لم يبرحاني مذ حينها...



كلّما حاولتُ الحركة ازداد الدوار... و تسارعتْ خفقات قلبي ... و صعُبَ تنفسي...إنه ذات الشعور الذي داهمني يوم فرارنا حفاة من المدينة الصناعية... و تشردنا جياعا عطشى في البر...

أمن أحد ليساعدني؟ أريد بعض الماء ... أريد قطعة خبز... أكاد أفقد وعيي...!

أغمضتُ عيني و تنفستُ بعمق و حبستُ الهواء بصدري كي أمنع عصارة معدتي من الخروج... و زفرتُ أنّة طويلة تمنيتُ أن تصل إلى مسامع وليد... لكن الجدار الفاصل بيننا بالتأكيد امتص أنيني...



بعد قليل سمعتُ طرقا على الباب... معقول أنه وليد قد سمعني؟ الحمد لله...!



استجمعتُ بقايا قوتي و قلتُ مباشرة:



" ادخل "



لم أكن ارتدي غير ملابس النوم و لكن أي قوة أملك حتى أنهض و أضع حجابي؟؟ لففتُ لحافي حولي عشوائيا و كررتُ:



" ادخل "



انفتح الباب ببطء و حذر...



قلتُ بسرعة مؤكدة :



" تفضل "



بسرعة... أنقذني...

و أنا انظر نحو الباب... بلهفة...

أتدرون من ظهر؟

إنها أروى...

فوجئتُ بها هي تدخل الغرفة...

قالتْ و هي تقفُ قرب الباب :



" أريد أن أتحدّث معك "



أغمضتُ عيني... إشارة إلى أنني لا أريدها... إلى أنني متعبة... إلى أنني لم أكن أنتظرها هي... و لم أكن لأطلب العون منها...



قالتْ :



" هو سؤال واحد أجيبيه و سأخرج من غرفتك "



قلتُ و أنا أزفر بتعب :



" أخرجي "



لكن أروى لم تخرج... فتحتُ عيني ّ فوجدتها تقتربُ منّي أكثر... أردتُ أن أنهض فغلبني الدوار... أشحتُ بوجهي بعيدا عنها... لا أريد أن أراها و لا أريد أن تراني بهذه الحالة...



أروى قالتْ :



" فقط أجيبيني عن هذا السؤال يا رغد... يجب أن تجيبيني عليه الآن... "



لم أتجاوب معها

حلّي عني يا أروى ! ألا يكفي ما أنا فيه الآن ؟؟ إنني إن استدرتُ إليك فسأتقيأ على وجهك الجميل هذا...



" رغد "



نادتني



فأجبتُ بحنق :



" ماذا تريدين منّي ؟ "



قالتْ :



" أخبريني... أتعرفين... لماذا ... *** وليد عمّار ؟؟ "



انتفض جسمي كلّه فجأة... و الخفقات التي كانت تهرول في قلبي صارتْ تركض بسرعة... بأقصى سرعة...

التفت ُ إلى أروى... أو ربما الغرفة هي التي دارتْ و جعلتْ وجهها مقابل وجهي... لست ُ أكيدة...



حملقتْ أروى بي ثم قالتْ :



" تعرفين السبب... أليس كذلك ؟ أنا واثقة..."



هززتُ رأسي نفيا... أريد محو السؤال و محو صورتها و محو الذكريات التي كسرتْ الباب و اقتحمتْ مخيّلتي فجأة ... هذه اللحظة...



قالت أروى:



" بل تعرفين... تصرفاتك و انفعالك يؤكد ذلك يا رغد... أنا واثقة من هذا... لا أعرف لم أنتما مصران على إخفاء الأمر عنّي... لكن... "



هتفتُ :



" كفى..."



أروى قالتْ بإصرار :



" للأمر... علاقة بك ِ أنت ِ... أليس كذلك ؟؟ "



صرخت ُ و أنا أحاول صم أذني ّ عن سماع المزيد... و إعماء عيني عن رؤية شريط الماضي...



" يكفي "



لكن أروى تابعتْ :



" أخبريني يا رغد... يجب أن تخبريني... لماذا *** وليد عمّار... و ما علاقتكِ أنتِ بهذا ... لماذا صرخت ِ حين رأيت ِ صورته معلقة على جدار المكتب؟؟ و لماذا تنعتانه أنتما الاثنان بالحقير؟؟ ماذا فعل؟؟ ما الذي ارتكبه و جعل وليد... ي***ه انتقاما؟؟ أنت ِ تعرفين الحقيقة... أليس كذلك؟؟ من حقي أن أعرف... أخبريني ... "



" كفى... كفى ... كفى ... "



صرختُ و أنا أضغط بيدي كلتيهما بقوة على صدغي ّ محاولة منع الذكرى المريرة الملغومة من الانفجار في رأسي...



آنذاك... ظهر لي وجه عمار في الصورة... نعم... لقد رأيتُه يقترب منّي... رأيتُ يديه تمتدان نحوي... قفزت ُ عن سريري مفزوعة... صرختُ ... رأيت ُ الجدران تتصدع إثر صراخي... رأيتُ السقف ينهار... و الأرض تهتز ... أحسست ُ بعيني تدور ... و الغرفة تدور... و شعرت ُ بيد ٍ ما تمتد ُ نحوي... تحاول الإمساك بي...

إنها... يد عمّار !





" لا... لا... لاااااااااااااا "



على هذه الصرخات انتفضتُ و رميتُ بفرشاة أسناني جانبا و خرجتُ من الحمام مسرعا مبتلعا بقايا المعجون دفعة واحدة و مطلقا ساقي ّ للريح... نحو غرفة رغد...

كان الباب مفتوحا و الصراخ ينطلق عبره... مفزِعا...

اقتحمتُ الغرفة فورا و رأيتُ رغد واقفة عند سريرها ممسكة برأسها بكلتا يديها و تصرخ مذعورة ... فيما أروى واقفة مذهولة إلى جوارها معلقة يديها في الهواء...



" رغد ؟؟ "



هرولتُ باتجاهها مفزوعا طائر العقل ... و رأيتُ يديها تبتعدان فجأة عن رأسها و تمتدان نحوي... و في ثوانٍ... تخطو إلي ّ... و تهوي على صدري... و تطبق علي ّ...



تعثر قلبي الراكض و انزلق أرضا ب***... جراء الموقف...

كنتُ مذهولا ... لا أعرف و لا أدرك ما يحصل من حولي...



" رغد ؟؟ "



صرخت ُ فزعا... و أنا ألتقطها بين ذراعي فجأة و أضمها إلي ّ و أشعر بصراخها يخترق أضلاع قفصي الصدري...



" بسم الله الرحمن الرحيم... ماذا حصل رغد ...؟ "



حاولت ُ إبعاد رأسها كي أنظر إلى عينيها لكنها غاصتْ بداخلي بعمق ... بقوة و هي تصرخ:



" أبعده عني... أبعده عنـّـي ... أبعده عنـّـي "



ألقيتُ نظرة خاطفة على أروى فرأيتها مجفلة فزعة محملقة بعينيها...



صرختُ :



" ماذا حصل ؟ "



لم تقو َ على الكلام...



صرختُ ثانية :



" ماذا حصل ؟؟ يا أروى؟؟ "



تأتأتْ أروى :



" لا... أدري... "



أبعدتُ رأس رغد عن صدري فلم تقاوم... نظرتُ إلى عينيها أريد أن أسألها عمّا حصل... فإذا بهما تحملقان في الفراغ... و إذا بذراعيها تهويان فجأة على جانبيها... و إذا بها تنزلق من بين يدي...



بسرعة أمسكتُ بها و أنا أصرخ:



" رغد... رغد "



رفعتُها إلى السرير و جعلتُ أخاطبها و أهزها ... لكن عينيها كانتا تبحلقان في اللاشيء... و فجأة دارتا للأعلى و انسدل جفناها من فوقهما...



" رغد... رغد... ما بك ... رغد أجيبيني "



لكنها لم تجب...



صرختُ بانفعال :



" أجيبيني يا رغد... رغد...أرجوكِ... "



و أنا أهزها ب*** محاولا إيقاظها... لكنها... بدت فجأة كالميتة....

تزلزل قلبي تحت قدمي مرتاعا و صرختُ مذهولا:



" يا إلهي... ماتت ْ صغيرتي ماتت ْ ..."



و أنا مستمر في هزّها ب*** دون جدوى...



التفتُ إلى أروى و صرختُ بقوة:



" طبيب... إسعاف... ماء ... افعلي شيئا... احضري شيئا ... تحركي بسرعة "



و أروى واقفة كالتمثال ... متجمدة في فزع ..



صرختُ :



" هيا بسرعة "



تحركتْ أروى باعتباط ... يمينا يسارا حتى إذا ما لمحتْ قارورة الماء تلك على المكتب... أسرعتْ إليها و جلبتها لي

رششتُ الماء على وجه رغد ... بل إنني أغرقتُه و أنا لا أزال أهزها و أضرب خديها بقوة... حتى ورّمتهما....

رغد فتحتْ عينيها فناديتها مرارا لكنها لم تكن تنظر إليّ أو حتى تسمعني... بدتْ و كأنها تسبح في عالم آخر...



" رغد... أتسمعينني؟؟ ردي عليّ... ردي عليّ يا رغد أرجوك... "



و لم تتجاوب معي...

بسرعة قربتُ من فمها قارورة الماء و طلبتُ منها أن تفتحه و تشرب...

رغد لم تحرك شفتيها... بل عادتْ و أغمضتْ عينيها... لكنها لا تزال تتنفس... و لا يزال الشريان ينبض في عنقها ب***...

أبعدت ُ القارورة و رحت ُ أحرك رأسها يمينا و شمالا بقوة ... محاولا إيقاظها...

و التفتُ إلى أروى آمرا :



" أحضري بعض السكّر "



وقد تفجرتْ فكرة هبوط السكر في بالي فجأة...



أروى حدّقت بي ببلاهة... غير مستوعبة لشيء فهتفتُ:



" السكر يا أروى... بسرعة "



وانطلقتْ أخيرا خارج الغرفة و عادتْ بعد ثوان تحمل علبة السكّر...

كانتْ رغد لا تزال شبه غائبة عن الوعي على ذراعي...

تناولتُ علبة السكر بسرعة و سكبتُ كمية منه داخل القارورة و رججتها ب***... ثم قرّبتها من رغد مجددا :



" رغد... أتسمعينني؟؟ افتحي فمك..."



لكنها فتحتْ عينيها و نظرتْ إليّ...

رأس رغد كان على ذراعي اليسرى و القارورة في يدي اليمنى... ألصقتُها بشفتيها و قلتُ:



" هيا يا رغد...افتحي فمك "



لم تع ِ رغد كلامي...

رفعت ُ رأسها و فتحت ُ فمها بنفسي... و دلقت ُ شيئا من الشراب فيه...



" اشربي...."



عينا رغد أوشكتا على الإغماض... فهززتها بقوة :



" أوه لا... لا تنامي الآن... أفيقي... اشربي هيا... "



و رفعت ُ رأسها للأعلى أكثر...

حينها وصل الشراب إلى بلعومها فسعلتْ... و ارتد الشراب إلى الخارج...

فتحتْ رغد عينيها و بدا و كأنها استردتْ شيئا من وعيها إثر ذلك...



قربت ُ القارورة من فمها مجددا و قلتُ:



" أتسمعينني يا رغد ؟؟ اشربي... أرجوك..."



سكبتُ كمية أخرى في فمها فابتلعتها رغد فجأة... ثم فجأة رأيتُ المزيج يخرج من فمها و أنفها... و ينسكب مبللا وجهها و ملابسها...



" أوه يا رغد.... كلا... كلا...."



ضممتُها إلى صدري بهلع ... بفزع... بعشوائية... و بانهيار...

كانت طرية كالورقة المبللة...



غمست ُ يدي في علبة السكّر و أخذتُ حفنة منه... و رفعتُها نحو فمها المفغور و نثرتُها فيه... مبعثرا الذرات على وجهها المبلل و على عنقها و ملابسها و في كل مكان من شدّة اضطرابي...



" ابلعيه... أرجوك... أرجوك يا رغد... "



عدتُ و أخذتُ كمية أخرى و حشوتُ فمها بها... و أغلقتُه بيدي... و هي مستسلمة لا تقاوم... و لا تظهر على قسمات وجهها أية تعبيرات...

كأنها تمثال من الورق الذابل...

كانت... كالميتة على ذراعي...

عدتُ أخاطبها فخرج صوتي مبحوحا ممزقا... و كأن حفنة السكر تلك قد انحشرتْ في حنجرتي أنا... و أعطبتْ حبالي الصوتية...



" ابلعيه يا رغد... أرجوك... يجب أن تبلعيه... يا إلهي ماذا جرى لصغيرتي ؟؟ "



أبعدتُ رأس رغد عنّي قليلا... فرأيتُ عينيها نصف مفتوحتين تحملقان في اللاشيء ... و فمها مفتوح تنساب من زاويتيه قطرات اللعاب ممزوجة بحبيبات السكر....

و شيئا فشيئا بدأتْ تحرّك عينيها و فمها و تستعيد وعيها...



" رغد ... "



صحت ُ بلهفة... و أنا أرى عينيها تدوران في الغرفة و من ثم تنظران إلي ّ



" رغد... رغد... هل تسمعينني ؟؟ "



رغد تنظر إلي... إذن فهي تراني... و تسمعني...

فمها أراه يتحرك و يبتلع السكر...



بسرعة تناولت ُ قارورة المزيج تلك و ألصقتُها بفمها مباشرة و قلتُ :



" اشربي ... أرجوك... أرجوك... "



شربتْ رغد جرعة ... و ابتلعتْها... تلتها جرعة أخرى...

أبعدت ُ القارورة و أعدتُ رجها بقوة... ثم قربتُها من شفتيها و طلبتُ منها أن تشرب المزيد...



" اشربي... قليلا بعد يا رغد... هيا ... "



حتى أرغمتُها على شرب المزيج كاملا... و قد تجاوبتْ منقادة و نصف واعية على ذراعي...

و هي على ذراعي... استردّتْ وعيها تدريجيا...

و هي على ذراعي... كانتْ تتنفس بقوة... و اضطراب... و ترتعش كعصفور يحتضر...

و هي على ذراعي... انحدرتْ من عيني دمعة كبيرة... بحجم السنين التي فرقتْ فيما بيننا...

و هي على ذراعي... و أنا ممسك بها بكل قوتي و كل ضعفي... مخافة أن تنزلق من بين يدي... مخافة من أن يبعدها القدر عني... مخافة من أن أفقدها هذه المرة... للأبد...



لقد كانت شبه ميتة بين يدي...

رغد الحبيبة... طفلتي الغالية... منبع عواطفي و مصبها... شبه ميتة... على ذراعي ؟؟



" هل تسمعينني يا رغد ؟ أتسمعينني ؟ "



سألتُها عندما رأيتُها تحدّق بي... بدتْ و كأنها مشوشة و غير قادرة على التركيز... أخذتْ تدور بعينيها على ما حولها... توقفتْ برهة تحملق في أروى... و أخيرا عادتْ إلي...



" أخبريني... هل أنتِ بخير؟؟ أتسمعينني؟؟ أتستطيعين التحدّث؟ ردي عليّ يا رغد أرجوك... "



" وليد... "



أخيرا نطقتْ...



قلتُ بلهفة :



" نعم رغد... أأنت ِ بخير؟؟ كيف تشعرين؟ "



رغد أغمضتْ عينيها بقوة... كأنها تعتصر ألما... ثم غمرتْ وجهها في صدري... و شعرتُ بأنفاسها الدافئة تتخلخل ملابسي... كما أحسستُ بالبلل يمتصه قميصي... من وجهها...



حركتُ يدي نحو كتفها و ربتُ بخفة:



" رغد...؟؟ "



تجاوبتْ رغد معي... أحسستُ بهمسها يصطدم بصدري... لم أميّز ما قالتْ أولا... لكنها حين كررتْ الجملة استطاعتْ أذناي التقاطها ...



" أبعده عنّي... "



توقفتُ برهةً أفتشُ عن تفسيرٍ لما سمعتُ... سألتُها بحيرة و عدم استيعاب :



" أُبعِدُهُ عنكِ ؟؟ "



كررتْ رغد... و هي تغمرُ وجهها أكثر في ثنايا قميصي :



" أَبعدهُ عنّي ... "



قلتُ مستغربا :



" من ؟؟ "



سرتْ رعشة في جسد رغد انتقلتْ إليّ ... نظرتُ إلى يدها الممدودة جانبا فرأيتُها ترتجفُ... و رأيتُها تتحرك نحوي و تتشبثْ بي... كانتْ باردة كالثلج... و أيضا أحسستُ برأسها ينغمسُ في داخلي أكثر فأكثر... ثم سمعتُها تقول بصوتٍ مرتجف واهن:



" عمّار "



آن ذاك... جفلتُ و تصلبتْ عضلاتي فجأة... و تفجرتْ الدهشة كقنبلة على وجهي...

حركتُ يدي إلى رأسها و أدرتُه إليّ... لأرى عينيها... فتحتْ هي عينيها و نظرتْ إليّ...



قلتُ :



" من ؟؟ "



فردّتْ :



" عمار... أبعده عنّي... أرجوك "



اختنق صوتي في حنجرتي بينما ارتجّتْ الأفكار في رأسي...



قلتُ :



" عمــ....مار ؟؟ لكن... "



و لم أقوَ على التتمة...

ماذا جرى لصغيرتي ؟ ما الذي تهذي به ؟؟



قالتْ :



" أبعده... أرجوك "



ازدردتُ ريقي بفزع و أنا أقول :



" أين... هو ؟ "



رغد حركتْ عينيها و نظرتْ نحو أروى... ثم هزتْ رأسها و أغمضتْ عينيها و عادتْ و غمرتْ وجهها في صدري و هي تصيح :



" أبعده عني... أبعده عنّي... وليد أرجوك..."



آنذاك... شعرتُ بأن خلايا جسمي كلها انفصمتْ عن بعضها البعض و تبعثرتْ على أقطار الأرض... و فشلتُ في جمعها...



البقايا المتبقية لي من قوة استخدمتُها في الطبطبة على رغد و أنا أردد :



" بسم الله عليكِ... اهدئي يا رغد... ماذا حل بكِ؟ ...هل رأيتِ كابوسا ؟؟ "



رغد كررتْ مجددا و هذه المرة و هي تبكي و تشدّ ُ الضغط عليّ متوسلة:



" أبعده يا وليد... أرجوك... لا تتركني وحدي... لا تذهب..."



" أنا هنا يا رغد... بسم الله عليكِ... يا إلهي ماذا حصل لكِ ؟ هل تعين ما تقولين؟ "



أبعدتْ رغد رأسها قليلا و وجهتْ نظرها إلى أروى و صاحتْ مجددا:



" أبعده أرجوك... أرجوك... أنا خائفة... "



جُن ّ جنوني و أنا أرى الصغيرة بهذه الحالة المهولة ترتجف ذعرا بين يدي ...

هتفتُ بوجه أروى :



" ماذا فعلت ِ بالصغيرة يا أروى ؟ "



أروى واقفة مدهَشة متجمدة في مكانها تنظر إلينا بارتباك و هلع...



صرخت ُ :



" ماذا فعلت ِ يا أروى تكلّمي ؟ "



ردتْ أروى باضطراب:



" أنا ؟؟ لا شيء... لم أفعل شيئا "



قلت ُ آمرا بصرامة :



" انصرفي الآن ... "



حملقتْ أروى بي مذهولة فكررت ُ بغضب :



" انصرفي هيا ... "


__________________

أَسْتَوْدِعُكُمُ
اللهَ الْذِي لا تَضِيعُ وَدَائِعَهُ ،،
و
دُمْتُمْ
بِحِفْظِ اللهِ ،،
رد مع اقتباس
  #194  
قديم 01-09-2009, 06:57 AM
الصورة الرمزية Amethyst
Amethyst Amethyst غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 3,084
معدل تقييم المستوى: 19
Amethyst is on a distinguished road
افتراضي

حينها خرجتْ أروى من الغرفة... و بقينا أنا و رغد منفردين... يمتص كل منا طاقته من

الآخر...




كانت الصغيرة لا تزال تئن مراعة في حضني... حاولتُ أن أبعدها عنّي قليلا إلا أنها

قاومتني و تشبثتْ بي أكثر...



لم استطع فعل شيء حيال ذلك... و تركتُها كما هي...

هدأتْ نوبة البكاء و الروع أخيرا... بعدها رفعتْ رغد رأسها إلي و تعانقتْ نظراتنا

طويلا...



سألتُها :



" أأنت ِ بخير ؟ "



فأومأتْ إيجابا...



" كيف تشعرين ؟ "



" برد ... "



قالتْ ذلك و الرعشة تسري في جسمها النحيل...

جعلتُها تضطجع على الوسادة و غطيتها باللحاف و البطانية... و درتُ ببصري من حولي

فوجدتُ أحد أوشحتها معلقا بالجوار فجلبتُه...



و أنا ألفّه حول وجهها انتبهتُ لحبيبات السكر المبعثرة على وجهها و شعرها... و ببساطة

رحتُ أنفضها بأصابعي...



كان وجهها متورما محمرا من كثرة ما ضربته! أرى آثار أصابعي مطبوعة عليه !...

آه كم بدا ذلك مؤلما... لقد شقّ في قلبي أخدودا عميقا...

أنا آسف يا صغيرتي...سامحيني...



لففتُ الوشاح على رأسها بإحكام مانعا أي ٍ من خصلات شعرها القصير الحريري من

التسلل عبر طرفه...



" ستشعرين بالدفء الآن... "



سحبت ُ الكرسي إلى جوار السرير و جلستُ قرب رغد أراقبها...

إنها بخير... أليس كذلك؟

هاهي تتنفس... و هاهما عيناها تجولان في الغرفة... و هاهو رأسها يتحرك و ينغمر أكثر
و أكثر في الوسادة...




لابد أنه هبوط السكّر... فقد مرتْ رغد بحالة مشابهة من قبل... لكنها لم تكن تهذي

آنذاك...



هل كان كابوسا أفزعها؟؟

هل قالتْ لها أروى شيئا أثار ذعرها؟؟

ماذا حصل؟؟

لابد أن أعرف...



انتظرتُ حتى استرددتُ أنفاسي المخطوفة... و استرجعتُ شيئا من قواي الخائرة... و
ازدردت ُ ريقي الجاف إلا عن طعم المعجون الذي لا يزال عالقا به... و استوعبتُ

الموقف، ثم خاطبتُ رغد :



" رغد "



التفتتْ رغد إلي ّ فسألتُها:



" ماذا... حصل ؟ "



كنتُ أريد الاطمئنان على وعيها و إدراكها... و معرفة تفسير ما حدث...

رغد نظرتْ إلي ّ نظرة بائسة... ثم قالتْ و صوتها هامس خفيف:



" شعرت ُ بالدوخة منذ استيقاظي... و عندما وقفت ُ أظلمتْ الصورة في عيني ّ و فقدت
ُ توازني... "



ثم أضافتْ :



" لم آكل شيئا... أظن أنه السبب "



ثم تنهّدتْ باسترخاء...

قلتُ :



" أهذا كل شيء؟"



قالت :



" نعم "



" و أنتِ الآن... بخير ؟؟ "



أجابتْ :



" نعم... بخير "



تنهدتُ شبه مطمئنا و قلتُ :



" الحمد لله..."



و أضفتُ :



" لقد أفزعتني..."



نظرتْ هي إليّ ثم غضّت بصرها اعتذارا...



قلتُ :



" الحمد لله... المهم أنكِ بخير الآن "



عقبتْ :



" الحمد لله "



سكتُ قليلا و الطمأنينة تنمو في داخلي، ثم استرسلتُ :



" إذن... لم تأكلي شيئا البارحة.. أليس كذلك ؟ "



و لم أرَ على وجهها علامات الإنكار...



قلت ُ معاتبا و لكن بلطف:



" لماذا يا رغد؟ لم تسمعي كلامي... أتريدين إيذاء نفسك؟؟ انظري إلى النتيجة... لقد

جعلت ِ الدماء تجف في عروقي هلعا..."



حملقتْ رغد بي لبرهة أو يزيد... ثم نقلتْ بصرها إلى اللحاف بعيدا عنّي... تأسفا و

خجلا...

لم يكن الوقت المناسب للعتاب.. لكن خوفي عليها كاد ي***ني... و أريد أن أعرف ما حصل

معها...



قلت ُ :



" أحقا هذا كل ما في الأمر ؟ "



عادتْ رغد تنظر إليّ مؤكدة :



" نعم... لا تقلق... أنا بخير الآن "



سألت ُ :



" و أروى... ماذا كانت تفعل هنا ؟ "



أجهل معنى النظرات التي وجهتها رغد نحوي... لكنني رجّحت ُ أنها لا تود الإجابة...

احترتُ في أمري... أردت ُ أن أسألها عما جعلها تشير إليها كـ عمار... و لم أجرؤ...



قلتُ أخيرا... و أنا أهب ُ واقفا :



" حسنا... دعيني أحضر لك ِ شيئا تأكلينه "



و هممتُ بالانصراف غير أن رغد نادتني:



" وليد... "



التفتُ إليها و رأيتُ الكلام مبعثرا في عينيها... لا أعرف ماذا كانت تود القول... غير أنها

غيّرت حديثها و قالتْ:



" أنا آسفة "



ابتسمتُ ابتسامة سطحية و قلتُ مشجعا :



" لا عليك "



ابتسمتْ هي بامتنان و قالتْ :



" شكرا لكَ "



و غادرت ُ الغرفة... مطمئن البال نسبيا و اتجهتُ إلى المطبخ...



هناك حضرت ُ الشاي و فتشتُ عن بعض الطعام فوجدت ُ علب البيتزا التي كنتُ قد

اشتريتها بالأمس و لم تُمس...



و عدا عن العلبة التي تناولتـْها خالتي ليندا، فإن البقية كما هي


قمت ُ بتسخين أحد الأقراص على عجل... و انطلقتُ حاملا الطعام إلى رغد...



كانتْ على نفس الوضع الذي تركتُها عليه...

جلست ُ على المقعد إلى جوارها و قدّمتُ لها الوجبة



" تفضلي... اشربي بعض الشاي لتدفئي "



جلستْ رغد و أخذتْ تحتسي الشاي جرعةً جرعة... وهي ممسكة بالكوب بكلتا يديها...



" هل تشعرين بتحسّن ؟ "



حركتْ رأسها إيجابا



قلتُ :



" جيّد... الحمد لله... تناولي بعضا من هذه ... لتمنحك بعض الطاقة "



و قربتُ إليها إحدى قطع البيتزا ... فأخذتْها و قضمتْ شيئا منها...



سألتُها :



" أهي جيّدة ؟ لا أعتقد أن طعمها قد تغيّر ؟ "



أتعرفون كيف ردّت رغد ؟؟

لا لن تحزروا... !



فوجئتُ برغد و قد قربتْ قطعة البيتزا ذاتها إلى فمي... تريدُ منّي أن أتذوقها!



اضطربتُ، و رفعتُ يدي لأمسك بالقطعة فأبعدتْ رغد القطعة عن يدي... و عادتْ و قرّبتْها إلى فمي مباشرة !



الصغيرة تريد أن تطعمني بيدها !



نظرتُ إليها و قد علا التوتر قسمات وجهي كما لوّنته حمرة الحرج... و رغد لا تزال معلّقة البيتزا أمام فمي...



أخيرا قلتُ :



" كـُـ... كليها أنت ِ رغد "



و لو ترون مدى الامتقاع و التعبيرات المتعسة التي ظهرت على وجهها !



و إذا بها تقول:



" لا تريد أن تأكل من يدي ؟ "



فاجأني سؤالها في وقت لم أصح ُ فيه بعد من مفاجأة تصرفها... و لا مفاجآت حالتها هذا الصباح...

إنّ شيئا ألمّ بالصغيرة... يا رب... لطفك ...



رفعتُ حاجباي دهشة... و تلعثمتْ الحروف على لساني...



" أأأ... رغد... إنه... أنا... "



رغد... ماذا جرى لك اليوم ؟؟ ماذا أصابك ...؟

أنت ِ تثيرين جنوني... تثيرين فزعي... تثيرين مخاوفي ... تثيرين شجوني و آلامي و ذكريات الماضي...

ماذا دهاك يا رغد ؟؟

بربّك... أخبريني ؟؟



كنتُ على وشك أن أنطق بأي جملة... تمتّ ُ أو لا تمتُ للموقف بصلة إلاّ أن رغد سبقتني و قالتْ منفعلة:



" لكنك تأكل من يدها... أليس كذلك ؟ "



ذهلتُ لجملتها هذه ... أيما ذهول...

رغد لم تبعد يدها بل قربتها مني أكثر .. لا بل ألصقتْ البيتزا بشفتي و نظراتها تهددني...

حملقتُ بها بدهشة و قلق... شيء ما قد حلّ بصغيرتي... ماذا جرى لها ؟ يا الهي...



" رغد... "



لما رأتْ رغد استنكاري... أبعدتْ البيتزا عني، و وجهها شديد الحزن تنذر عيناه

بالمطر... و فمها قد تقوس للأسفل و أخذ يرتعش... و رأسها مال إلى الأسفل بأسى و

خيبة ما سبق لي أن رأيتُ على وجه رغد شبيها لهما... و بصوت ٍ نافذ الطاقة هزيل

متقطّع أقر ب إلى الأنين قالتْ:



" أنت ...لا تريد... أن... تأكل من يدي أنا... أليس... كذلك ؟ "



و هطلتْ القطرة الأولى... من سحابة الدموع التي سرعان ما تكثـّفتْ بين جفنيها...

إنها ليستْ باللحظة المناسبة لأي شرح أو تفسير... أو علة أو تبرير... أو رفض أو

اعتراض !



قلتُ مستسلما مشتتا مأخوذا بأهوال ما يجري من حولي:



" لا... لا ليس كذلك ... "



شيئا فشيئا انعكس اتجاه قوس شفتيها... و ارتسمتْ بينهما ابتسامة مترددة واهية... و

تسللتْ من بينهما الدمعة الوحيدة مسافرة عبر فيها إلى مثواها الأخير...



نحو فمي ساقتْ رغد قطعة البيتزا ثانيةً... و بين أسناني قطعتُ جزءا منها مضغتُه دون أن
أحسّ له طعما و لا رائحة...



اتسعتْ الابتسامة على وجه الصغيرة و سألتني:



" لذيذة ؟ "



قلتُ بسرعة :



" نعم ... "



ابتسمتْ رغد برضا... و كأنها حققتْ إنجازا عظيما...

ثم واصلتْ التهام البيتزا و طلبتْ مني مشاركتها ففعلتُ مستسلما... و أنا في حيرة ما مثلها
حيرة من أمر هذه الصغيرة...



كم بدا القرص كبيرا... لا ينتهي...

كنتُ أراقب كل حركة تصدر عن صغيرتي... متشككا في أنها قد استردتْ إدراكها كاملا...
الرعشة في يديها اختفتْ... الارتخاء على وجهها بان... الاحمرار على وجنتيها تفاقم... و

الأنفاس من أنفها انتظمتْ...




و أخيرا فرغتْ العلبة... لقد التهمنا البيتزا عن آخرها لكن... لم أشعر بأنني أكلتُ شيئا...



في هذه اللحظة أقبلتْ أروى و وقفت عند الباب مخاطبة إياي:



" إنه هاتف مكتبك يا وليد... رن مرارا..."



نقلت ُ بصري بين أروى و رغد... الفتاتان حدقتا ببعضهما البعض قليلا... ثم مدتْ رغد يديها و أمسكتْ بذراعي كأنها تطلب الأمان...

كان الخوف جليا على وجهها ما أثار فوق جنوني الحالي... ألف جنون و جنون...



" رغد !! "



رغد كانت تنظر إلى أروى مذعورة... لا أعرف ما حصل بينهما...



قلتُ مخاطبا أروى :



" انصرفي الآن يا أروى رجاء ً "



رمقتني أروى بنظرة استهجان قوية... ثم غادرتْ...



التفتُ إلى الصغيرة و سألتُها و القلق يكاد ي***ني :



" ماذا حل بكِ يا رغد ؟ أجيبيني ؟؟ هل فعلتْ بك ِ أروى شيئا ؟؟ "



رغد أطلقتْ كلماتها المبعثرة بانفعال ممزوج بالذعر:



" لا أريد أن أراها... أبعدها عني... أنا أكرهها... ألا تفهم ذلك؟؟... أبعدها عني...أرجوك "



لن يفلح أي وصف لإيصال شعوري آنذاك إليكم... مهما كان دقيقا

أخذتُ أطبطب عليها أحاول تهدئتها و أنا المحتاج لمن يهدّئني....



" حسنا رغد... يكفي...أرجوك اهدئي... لا تضطربي هكذا...بسم الله الرحمن الرحيم..."



بعد أن هدأتْ رغد و استقرتْ حالتها العجيبة تلك... لم أجرؤ على سؤالها عن أي شيء...
عرضتُ عليها أن آخذها إلى الطبيب، لكنها رفضتْ تماما... فما كان منّي إلا أن طلبتُ منها

أن تسترخي في فراشها لبعض الوقت و سرعان ما اضطجعتْ هي و غطّتْ وجهها

بالبطانية... ليس لشيء إلا.. لأنها أرادتْ أن تبكي بعيدا عن مرآي...



كنتُ أسمع صوت البكاء المكتوم... و لو دفنته يا رغد تحت ألف طبقة من الجبال... كنتُ
سأسمعه !



لكنني لم أشأ أن أحرجها... و أردتُ التسلل خارجا من الغرفة...

وقفت ُ و أنا أزيح المقعد بعيدا عنها بهدوء... و سرتُ بخفة نحو الباب...

فيما أنا على وشك الخروج إذا بي أسمعها تقول من تحت البطانية:



" وليد...أرجوك...لا تخبرها... عما حصل في الماضي... أرجوك "



تسمرتُ في موضعي فجأة إثر سماعي لها... استدرتُ نحوها فرأيتها لا تزال مختبئة تحت

البطانية... هروبا من مرآي...



تابعتْ :



" لن احتمل نظرات السخرية... أو الشفقة من عينيها... أرجوك وليد.."



بقيتُ واقفا كشجرة قديمة فقدتْ كل أوراقها الصفراء الجافة في مهب رياح الخريف...

لكن المياه سرعان ما جرتْ في جذوري ... دماء ً حمراء مشتعلة تدفقتْ مسرعة نحو رأسي و تفجرتْ كبركان شيطاني... من عيني ّ...



تبا لك ِ يا أروى...!!



خرجتُ من غرفة رغد غاضبا متهيجا و بحثتُ عن أروى و وجدتُها في الردهة قرب السلّم... ما أن رأتني حتى وقفتْ و أمارات القلق على وجهها صارخة...



قالتْ مباشرة :



" كيف هي ؟ "



و قبل أن تسترد نفسها من الكلام انفجرتُ في وجهها كالقنبلة:



" ماذا فعلت ِ بها ؟ "



الوجوم و الدهشة عليا تعبيراتها و قالتْ مضطربة:



" أنا !! ؟؟ "



قلتُ بصوت ٍ قوي غليظ :



" نعم أنت ِ ... ما الذي فعلته بها ؟؟ أخبريني ؟ "



أروى لا تزال مأخوذة بالدهشة تنم تعبيرات وجهها عن السذاجة أو التظاهر بالسذاجة... و

هو أمر أطلق المدافع في رأسي غضبا... فزمجرت ُ :



" تكلّمي يا أروى ما الذي كنت ِ تفعلينه في غرفتها؟؟ ماذا قلت ِ لها تكلّمي "



أروى توتّرتْ و قالتْ مستهجنةْ:



" و ما الذي سأفعله بها ؟؟ لم أفعل شيئا... ذهبت ُ لأسألها عن شيء... إنها هي من كان

غير طبيعيا... بدتْ و كأنها ترى كابوسا أو فلما مرعبا... ثم صرختْ.. .لا علاقة لي بالأمر"



قلتُ بغضب :



" عن أي شيء سألتها ؟ "



بدا التردد على أروى فكررتُ بلكنة مهددة:



" عن أي شيء سألتها يا أروى تكلّمي؟؟ اخبرني بالتفصيل.. ماذا قلت ِ لها و جعلتها تضطرب بهذا الشكل؟؟ عم سألتها أخبريني؟ "



" وليد ! "



هتفتُ ب*** :



" تكلّمي ! "



شيء من الذعر ارتسم على وجه أروى... من جراء صراخي...



أجابتْ متلعثمة :



" فقط ...سـ... سألتها عن... سبب ***ك عمار... و إخفائك الحقيقة عنّي... و عن ... علاقتها هي بالأمر... "



انطلقتْ الشياطين من بركان رأسي ... كنت ُ في حالة غضب شديد... لم استطع كتمانه أو التغلب عليه...

صرخت ُ في وجه أروى ب***:



" أهذا كل شيء ؟ "



أجابتْ أروى مذعورة:



" نعم... لا تصرخ بوجهي ... "



لكنني خطوتُ نحوها... و مددتُ يدي و أمسكتُ بذراعها بقوة و ضججتُ صوتي:



" و لماذا فعلتِ ذلك ؟ ألم أحذركِ من هذا ؟ ألم أطلب منكِ ألا تتحدثي معها ؟ لماذا فعلت ِ هذا يا أروى لماذا ؟ "



أطلقتْ أروى صيحة ألم... و حاولتْ تحرير ذراعها منّي... لكنني ضغطتُ بشدة أكبر و أكبر... و هتفتُ بوجهها منفعلا :



" كيف تجرأتِ على هذا يا أروى ؟؟ أنظري ماذا فعلت ِ بالصغيرة... إنها مريضة... ألا تفهمين ذلك ؟؟ إن أصابها شيء ... فستدفعين الثمن غاليا "



صاحتْ أروى:



" اتركني يا وليد ... أنت تؤلمني... "



قلتُ :



" لن أكتفي بالألم... إن حلّ بالصغيرة شيء بسببكِ يا أروى... أنا لا أسمح لأحد بإيذائها
بأي شكل... كائنا من كان... و لا أسامح من يسبب لها الأذى أبدا يا أروى...أتفهمين ؟؟

إلا صغيرتي يا أروى... إلا رغد... لا أسامح فيها مس شعرة... أبدا يا أروى أبدا...

أبدا... هل فهمت ِ ؟؟ "



و أفلتُّ ذراعها بقسوة مبعدا إياها عنّي بسرعة... لئلا تتغلب علي الشياطين و تدفعني

لارتكاب ما لن ينفع الندم بعده على الإطلاق...



كان هذا.. مطلعا تعيسا أسود ليوم جديد أضيفه إلى رصيد أيام حياتي الحزينة المؤلمة... و

هو مطلع لم يساوي الكثير أمام ما كان يخبئه القدر... في نهايته.



__________________

أَسْتَوْدِعُكُمُ
اللهَ الْذِي لا تَضِيعُ وَدَائِعَهُ ،،
و
دُمْتُمْ
بِحِفْظِ اللهِ ،،
رد مع اقتباس
  #195  
قديم 01-09-2009, 07:00 AM
الصورة الرمزية Amethyst
Amethyst Amethyst غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Oct 2008
المشاركات: 3,084
معدل تقييم المستوى: 19
Amethyst is on a distinguished road
افتراضي

* الحلقة الواحدة و الأربعون *




~ الحادث ~



لا يمكن أن يكون هذا هو الرجل الذي ارتبطتُ به ! مستحيل أنه هو وليد ذاته... الرجل الطيب الخلوق المهذب...اللطيف الهادئ... الصبور الحليم... ينقضُّ على ذراعيّ بهذه الوحشية و يصرخ في وجهي بهذه القسوة ؟؟



و لأجل ماذا ؟؟

لا أعرف! ما هو الذنب الخطير الذي ارتكبته و جعلته يثور لهذا الحد؟؟

فقط لأنني سألتُ مدللته الغالية عن سبب ***ه لعمار؟؟

ألا يجعلني تصرفه أصرُ أكثر و أكثر على معرفة السبب؟ إذا كان خطيرا لهذا الحد... للحد الذي يوشك معه أن يقطع ذراعي و يحرق وجهي بنار صراخه... فهل أُلام إن ألححتُ على معرفة الحقيقة؟؟



مضتْ بضع ساعات و الهدوء يخيّم على المنزل رغم الشحنات المتضادّة التي تنبعث من رؤوسنا... كنتُ قد لمحتُ وليد يدخل غرفة مكتبه الخاص، و لم أره بعد ذلك... أما المدللة العزيزة فهي لم تغادر غرفة نومها على الأرجح... و لم نجرؤ لا أنا و لا والدتي على الاقتراب منها... و إن كانتْ والدتي تردد بين الفينة و الأخرى:



" ألا يجب أن نطمئن على الفتاة ؟؟ "



استدرتُ إلى أمي بحنق و قلتُ:



" لا تقلقي يا أمي... إنها بخير... لا شيء يصيب تلك المدللة... إنها فقط تمثـّل دور المتعبة حتى تسرق اهتمام وليد "



و عضضتُ على شفتي ّ غيظا...

والدتي لم تعجبها النبرة غير المعتادة في صوتي و كلامي فقالتْ:



" لا يا أروى هداك الله... لا يجب أن يصدر منك ِ أنت العاقلة الناضجة كلامٌ كهذا... كما أنكِ قلتِ بنفسك أنها أصيبتْ بالإغماء لبعض الوقت... "



رددتُ غاضبة :



" تمثيل ! "



والدتي هزّت رأسها استنكارا... فقلتُ منفعلة:



" نعم تمثيل يا أمي... ما عدتُ أصدّق شيئا مما حولي... إنها تؤدي دورها بشكل مذهل... ليستْ أوّل مرّة... تتظاهر بالانهيار و تستميتُ في البكاء حتى يسرع وليد إليها... تريد الاستحواذ على اهتمامه و السيطرة عليه... إنها تحبه يا أمي... ألا تفهمين معنى ذلك ؟؟ تحب خطيبي و تريد سرقته منّي ! "



و لحظتها لم أتمالك نفسي و أخذتُ أبكي... فأقبلتْ أمّي و ضمتني إلى صدرها الحنون و أخذتْ تربتُ عليّ و تواسيني...



و أنا في حضن أمّي لمحتُ كيس المجوهرات الذي جلبته رغد إليّ تلك الليلة تريد دفع ما فيه تعويضا عما صرفته من الأموال... و قد وضعناه كما هو على منضدة مجاورة لإعادته إليها لاحقا... و لا أدري لم تذكّرتُ حينها يوم مررنا من منزل عائلة وليد المحروق ... و أخذتْ رغد تجمع التذكارات منه، و من بينها هذه المجوهرات...و كيف كانت تضمها إلى صدرها بحرقة و تبكي بألم... أذكر أنها آنذاك كانت منهارة جدا... و وسط الدموع التفتتْ إلى وليد و طلبتْ منه أن يضمّها !



ضغطتُ ذراعي ّ حول أمي و أنا أتذكّر كيف ارتمتْ في حضنه هذا الصباح... و كأنّ صدر وليد شيء يخصها و يمكنها الاستلقاء عليه كلّما شاءتْ !

ألا تعرف هذه الفتاة حدودها ؟؟ إن وليد لم يشملني بين ذراعيه بالطريقة التي غلّفها بها صباح هذا اليوم.....



في وقت لاحق من ذلك اليوم المزعج كنتُ مع أمي نشاهد التلفاز علّ الوقت يمضي و الجو يلطُف قليلا...

و لأن وليد لم يظهرْ من الصباح فقد شعرتُ ببعض القلق... تركتُ والدتي في الغرفة و ذهبتُ أتفقده في غرفة مكتبه... أ معقول أنه لا يزال هناك ؟؟

توجهتُ إلى غرفة المكتب بحذر... طرقتُ الباب بهدوء و انتظرتُ قليلا ثم فتحتُه ببطء و أطللتُ برأسي على الداخل

وجدتُ وليد ينام على أحد المقاعد...



ناديتُ و لكن بهدوء :



" وليد ! "



و لم يسمعني، لذا غادرتُ الغرفة و سرتُ عائدة إلى أمي.

هناك في تلك الغرفة وجدت ُ رغد !

كانت واقفة قرب الباب و يبدو أنها كانت على وشك الانصراف

التقتْ نظراتنا فأشاحتْ هي بوجهها عنّي...

تذكرتُ صورتها و هي تشير بنظراتها إليّ و تقول لوليد : (أبعدها عنّي) بينما كانتْ متربعة في حضنه بكل جرأة...أحسستُ بالغيظ الشديد...

و لما أرادتْ الخروج استوقفتها :



" انتظري "



التفتتْ إلي ببرود و قالتْ :



" نعم ؟ "



قلتُ و أنا أشير إلى كيس المجوهرات الموضوع على المنضدة :



" إن كنت ِ تبحثين عن هذا فهو هنا "



رغد نظرتْ إلى الكيس ثم إليّ و ردّتْ:



" لا. لم آتِ من أجل هذا... يمكنك الاحتفاظ به "



قلتُ :



" لماذا أنت ِ هنا إذن ؟ "



أمي أومأتْ لي بأن أسحب سؤالي، لكنّي أكدتُ نظرات الاستجواب على عيني رغد منتظرة ردّها... إنني مملوءة حنقا عليها منذ فترة و اشتعل فتيلي هذا الصباح و لم ينطفىء.

رغد همّت بالانصراف لكنني قلتُ بغضب:



" لم تجيبي على سؤالي؟ "



و بدا أن الجملة قد استفزتها فقالتْ:



" و هل عليّ أن استأذنك ِ للتجوّل في منزلي ؟ "



أجبتُ منفعلة و مطلقة العنان لغيظي :



" لا ! إنّه منزل وليد... زوجي... على أيّة حال... و واقعا لا تملكين فيه غير هذا الكيس "



و أشرتُ إلى كيس المجوهرات ذاك...



أمي هتفتْ رادعة بغضب :



" أروى ! ما هذا الكلام ؟ "



قلتُ مباشرة :



" الحقيقة التي يجب أن تدركها هذه "



رغد كانت تنظر نحوي بذهول... فهي لم تكن للتوقع منّي كلاما كهذا... بل إنني نفسي لم أكن لأتوقعه!

لطالما كنتُ طيبة و متساهلة معها و تحمّلتُ الكثير من سوء معاملتها لي... من أجل وليد...

و أنا متأكدة أنها جاءتْ إلى هنا بحثا عنه! و لكن... متى تدرك هذه المراهقة أن وليد هو زوجي أنا ؟؟

توجهتُ لحظتها نحو كيس المجوهرات و جلبته إلى رغد و أنا أقول:



" إليك ِ أشياؤك... لستُ بحاجة إليها و لديّ أضعاف أضعافها... و ما هو أهم منها يا رغد "



نقلتْ رغد بصرها بيننا نحن الاثنتين... و تحوّل وجهها إلى اللون الأحمر... و بدأتْ عضلات فمها بالتقوس للأسفل... كانتْ على وشك البكاء!

وضعتُ الكيس قرب قدمها و أشحتُ بوجهي عنها منتظرة انصرافها...

سمعتُ صوت يدها تطبق على الكيس... ثم رأيتها تعبر فتحة الباب إلى الخارج فتوغلتُ أنا إلى الداخل و صفعتُ بالباب بقوّة !

سمعت ُ حينها صوت رغد تقول من خلف الباب:



" سأخبر وليد عن هذا "



قلت ُ بغضب و تحدٍ:



" تجدينه في مكتبه ... أسرعي ! "



في الداخل استقبلتني والدتي بنظرات غاضبة و وبختني... أدركُ أن تصرفي كان سيئا لكنني لم أتمالك نفسي بعد كل الذي حدث مؤخرا... و أصبحتْ لدي رغبة مفاجئة في إزاحة رغد عن طريقي...

أمّي أرادتْ اللحاق بها لتهدئة الموقف لكنني عارضتها و قلت ُ:



" لا تقلقي على المدللة... سيتكفّل وليد بذلك ! "





~~~~~~~~~~~~~~~





حملتُ كيس المجوهرات توجهتُ إلى غرفة مكتب وليد... كنتُ قد بحثتُ عنه في أرجاء مختلفة من المنزل و لم أره، و ذهبتُ لسؤال السيدة ليندا عنه حين فاجأتني أروى بموقفها الجديد هذا

حسنا ! تبا لك ِ يا أروى... سترين !

طرقتُ الباب و لم أسمع جوابا، ففتحته و دخلتُ الغرفة. الوقت آنذاك كان وقت غروب الشمس... الغرفة كانتْ تسبح في السواد إلا عن بصيص بسيط يتسلل عبر فتحة صغيرة بين ستائر إحدى النوافذ...

البصيص كان يشقّ طريقه عبر فراغ الغرفة و يقع رأسا على جسم مغناطيسي... طويل... عريض... ضخم... محشور فوق أحد المقاعد !

متأكدة أن البصيص اختار الانجذاب طوعا إليه هو... دونا عن بقية الأجسام... الطويلة العريضة الضخمة... التي تفرض وجودها بكل ثقة في أرجاء هذه الغرفة !

لا أعرف ما الذي دهاني !؟

كنتُ قادمة بمشاعر غاضبة تريد أن تنفجر... و فجأة تحوّلتْ مشاعري إلى نهر دافئ ينجرف طوعا نحو وليد !

أغلقتُ الباب و على هدى النور الخافت سرتُ نحو وليد أحمل الكيس بحذر...

وقفتُ قربه و أنا أشعر بأنه أقرب إليّ من الهواء الذي يلامسني، و من المشاعر التي تختلج صدري...

وضعتُ الكيس جانبا فأصدر صوتا... لكن وليد لم ينتبه له... يبدو أنه نائم بعمق ! و لكن لماذا ينام هنا و بهذا الشكل المتعب و في مثل هذا الوقت؟ كنتُ على وشك أن أهتف باسمه إلا أن هتافا أقوى و أعظم تسلل عبر زجاج نوافذ الغرفة أو جدرانها و ملأ داخلها إصغاء ً و خشوعا



( الله أكبر الله أكبر )



و لم ينتبه وليد لصوت الأذان...

توجهتُ نحو تلك النافذة... و أزحتُ الستائر و فتحتها بهدوء... فاندفع صدى الأذان أقوى و أخشع نحو الداخل... و انتشر النور الباهت في الغرفة...

النافذة تطل على الفناء الخلفي للمنزل، و الذي كانت تستعمره حديقة جميلة في الماضي... تحولتْ إلى صحراء قاحلة خالية إلا من بعض قطع الأثاث و السجاد القديمة التي ركناها هناك عند مجيئنا للمنزل...

أما السماء فقد كانت تودع خيوط الشمس الراحلة... و التي لم تشأ توديع الكون قبل أن ترسل بصيصها الأخير... إلى وليد !

انتهى الأذان و وليد لم يسمعه ... و لم يشعر بحركة شيء من حوله ! قررتُ أخيرا أن أوقظه !

ناديته بضع مرات و بصوتٍ يعلو مرة تلو الأخرى إلى أن سمعني و استيقظ أخيرا !

فتح وليد عينيه و هو ينظر نحو النافذة مباشرة !



قلت ُ :



" صحوة حميدة ! "



وليد مغط ذراعيه و تثاءب ثم قال:



" من ؟ أهذه أنتِ رغد ؟؟ "



أجبتُ :



" نعم "



وليد أخذ يدلّك عنقه قليلا... ربما يشعر بألم بسبب نومه على المقعد ! لا أعرف لم يحبّ وليد النوم على المقاعد ؟؟



قلت ُ :



" لماذا تنام هنا وليد ؟؟ "



أسند وليد رأسه إلى مسند المقعد لبرهة ثم أخذ ينظر إلى ساعة يده:



" كم الساعة الآن ؟؟ "



قلت ُ :



" تقريبا السادسة ! رُفع أذان المغرب قبل قليل فأردتُ إيقاظك ! "



قال وليد :



" آه... هل نمتُ كل هذا !؟ إنني هنا منذ الظهيرة "



ابتسمتُ و قلتُ:



" نوم العافية ! "



وليد فجأة نظر نحوي... ثم أخذ يتلفتْ يمينا و شمالا ... ثم نهض واقفا و هو ينظر نحوي و قال :



" رغد ؟؟! ماذا تفعلين هنا ؟؟ "



و كأنه انتبه للتو أنني موجودة ! و كأنه استيقظ الآن فقط من النوم !



قلت ُ باستغراب :



" أتيتُ لإيقاظك ! وقت الصلاة "



قال :



" و النافذة ؟ "



قلتُ :



" كنتُ أستمع إلى الأذان... و أراقب السماء ! "



وليد حكّ شعر رأسه قليلا ثم سار باتجاهي... حتى صار عند الطرف الآخر من النافذة ثم قال :



" و لكن أين المطر "



استغربتُ و سألت ُ:



" المطر ؟ أي مطر ؟؟ "



قال :



" ألم تقولي أنك كنتِ تراقبين المطر ؟ "



قلتُ :



" أبدا ! قلتُ أنني كنتُ استمع إلى الأذان و أراقب السماء ! أي مطر هذا و نحن في قلب الصيف ! "



قال وليد :



" لم أسمع جيدا "



قلتُ و أنا أبتسم :



" يبدو أنك لا تزال نائما ! "



ابتسم وليد و ألقى نظرة على السماء و مجموعة من العصافير تطير عائدة إلى أعشاشها...



التفت إليّ بعدها و سأل:



" صحيح رغد... كيف أنت ِ الآن ؟ "



و تذكّرت ُ لحظتها الدوخة الذي داهمتي صباحا بسبب الجوع ... و كيف أنه أغشي عليّ بضع دقائق... و انهرتُ بين ذراعي وليد !

و شعرت ُ بطعم السكّر في فمي... فازدرتُ ريقي وأنا أطأطئ رأسي خجلا و أهمس:



" بخير... "



وليد قال :



" جيّد ! و هل تناولت ِ وجبة بعد البيتزا ؟ "



قلت :



" لا "



" سيء ! لماذا رغد ؟ أنت ِ صغيرة و نحيلة و لا تتحملين الجوع لوقت ٍ طويل... تكرر هذا معنا في البر... أتذكرين ؟ "



رفعتُ بصري إليه و ابتسمت ُ... طبعا أذكر ! من ينسى يوما كذلك اليوم ؟؟ و نحن حفاه جياع عطشى مرعوبون و هائمون في البر؟؟

و لكن لحظة ! هل أنا صغيرة لهذا الحد ؟؟



قلت ُ :



" لا تقلق... متى ما شعرتُ بالجوع سأحضّر لي بعض البطاطا المقلية "



ابتسم وليد و قال :



" طبقك ِ المفضّل ! "



اتسعتْ ابتسامتي تأييدا و أضفت ُ:



" و الوحيد ! فأنا لا أجيد صنع شيء آخر ! "



ضحك وليد... ضحكة عفوية رائعة... أطربت ْ قلبي... و كدتُ أنفجر ضحكا من السعادة لولا أنني كتمتُ أنفاسي خجلا منه !



في ذات اللحظة، انفتح باب الغرفة ... التفتنا نحن الاثنان نحو الباب... فوجدنا أروى تطلّ علينا... و لأن الإضاءة كانتْ خافتة جدا... يصعب عليّ كشف تعبيرات وجهها... لم تتحدّث أروى بادئ الأمر، كما ألجم الصمت لسانينا أنا و وليد... بعدها قالت أروى:



" استيقظتَ ؟ جيّد إذن... كنت ُ سأوقظك لتأدية الصلاة "



وليد قال و هو يسير نحو الباب مبتعدا عنّي :



" نعم أروى... نهضت لتوّي "



وصل وليد إلى مكابس مصابيح الغرفة، فأضاءها... الإنارة القوية ضيّقت بؤبؤي عينيّ المركزين على أروى، للحد الذي كادا معه أن يخنقاها !

كانت أروى تنظر نحوي، ثم نقلتْ نظرها إلى وليد...

سمعتُ وليد و الذي صار قربها يهمس بشيء لم تترجمه أذناي... ثم رأيتُ أروى تشيح بوجهها و تغادر الغرفة.

وليد وقف على وضعه لثوان... ثم استدار و هو يتنهّد و قال أخيرا :



" سأذهب إلى المسجد... هل تريدين شيئا أحضره ؟ "



قلتُ و أنا مشغولة البال بفك رموز همسة وليد السابقة :



" كلا... شكرا "



و غادر وليد الغرفة...





~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~





و الآن... الغاضبة هي أروى و هذا دورها! ربّاه ! هل أنتهي من إحداهما لأبدأ مع الأخرى؟؟ إن أعصابي ما كادتْ تستفيق من صدمة الصباح، و ها هي على وشك الاحتراق بحادثة أخرى...

كنتُ أود تلطيف الأجواء و لو قليلا... و الاسترخاء في هواء طلق يزيح عنّي شحنات الصباح القوية... و يطمئنني أكثر إلى أن رغد بخير...

اقترحتُ في تلك الليلة الليلاء أن نخرج في نزهة و نتناول عشاءنا في أحد المطاعم. رغد وافقتْ و الخالة ليندا رحبتْ بالفكرة غير أن أروى ردت بـِ:



" اذهب أنت َ و ابنة عمّك المدللة... و استمتعا بوقتكما... أنا و أمي سنبقى ها هنا "



كنتُ ساعتها مع أروى في غرفتها و قد قدمتُ للتو لأعرض عليها الفكرة... و لمّا سمعتُ ردها حزنتُ و قلت ُ :



" لم يا أروى ؟ والدتك ِ كذلك رحبتْ بالفكرة و بادرتْ بالاستعداد للنزهة "



أبعدت ْ أروى نظرها عنّي هروبا من سؤالي.... لكنني واصلت ُ:



" هيا يا أروى ! دعينا نروّح عن أنفسنا قليلا ! الأجواء خانقة هنا ! "



اعني بذلك المشكلة الأخيرة بيننا أنا و رغد و أروى ...



نظرتْ أروى إليّ و قالتْ:



" كلا و شكرا... لا أريد الذهاب معكم "



صمتُ قليلا ثم قلت ُ:



" أما زلت ِ غاضبة مني ؟؟ "



لم تجب أروى، بمعنى أنها تؤيد هذا...



قلتُ :



" و لم كل هذا ؟ "



قالتْ بعصبية :



" أنتَ تعرف السبب ... فلم تسأل ؟ "



و بدا و كأنها تنتظر الشرارة لتشعل الحريق ! لم أكن أريد أن نبدأ الجدال من جديد بل على العكس... أردتُ أن نجدد الأجواء و نرخي أعصابنا المشدودة منذ يومين...



" ليس بالوقت المناسب لإعادة فتح الموضوع من جديد يا أروى ! "



ردّتْ أروى بعصبية أكبر:



" و من قال أنني أغلقته أصلا؟؟ سيبقى معلقا إلى أن تخبرني بكل الحقائق التي تخفيها عنّي"



كنتُ أقف عند الباب و لما اشتد صوت أروى خشيتُ أن يتسرب إلى آذان أخرى...

دخلتُ الغرفة و أغلقتُ الباب و اقتربتُ منها و قلتُ برجاء:



" لا نريد أن نثير شجارا الآن... أرجوكِ يا أروى... لا استطيع إيضاح المزيد... و لن أفعل ذلك مستقبلا فلا تعاودي الضغط عليّ "



ردتْ أروى مباشرة:



" إلى هذا الحد ؟؟ "



قلتُ مؤكدا :



" نعم . إلى هذا الحد "



ضيّقتْ أروى فتحتي عينيها و قالتْ:



" و رغد ؟؟ "



لم تقلها ببساطة... كانت تحدّق في عينيّ بحدة ثاقبة... كأنها تتوقع رؤية الحقائق تختبئ خلف بؤبؤيهما... بدّلت ُ تعبيرات وجهي إلى الجدية و التحذير و قلتُ و أنا أشير بسبّابتي:



" إياك ِ أن تقتربي منها ثانية ! يكفي ما حصل هذا الصباح... إياك ِ يا أروى "



أروى تأملتْ تعبيراتي برهة ثم أشاحتْ بوجهها و هي تقول:



" اذهب... قبل أن يتأخر الوقت "



قلتُ :



" و هل ستبقين بمفردك ؟ "



" نعم "



قلتُ معترضا :



" لا يريحني ذلك ! "



استدارتْ أروى و قالتْ بلهجة أقرب للسخرية:



" لا تقلق بشأني ! فأنا لا أخاف البقاء منفردة و ليستْ لديّ عقدة من الوحدة ! "



آنذاك... لم أشأ أن أطيل النقاش حرفا زائدا... و غادرتُ غرفتها و ذهبتُ إلى غرفة المعيشة الرئيسية حيث كانتْ رغد و الخالة ليندا تجلسان... قلت ُ :



" هيا بنا "



الخالة ليندا سألتْ:



" أين أروى ؟ "



تنهّدتُ و قلتُ:



" لا تريد الذهاب "



تمتمتْ الخالة بعبارات الاحتجاج ثم قالتْ أخيرا:



" إذن... اذهبا أنتما فأنا لن أتركها وحدها "



نهاية الأمر التفتُ إلى الصغيرة و سألت ُ:



" إذن... أتذهبين ؟ "



و لعلي لن أفلح في وصف التعبيرات التي كانتْ تملأ وجهها و هي تجيبُ :



" نعم ! بالتأكيد "





~~~~~~~~~~





" نعم بالتأكيد ! "



و هل أضيع فرصة رائعة كهذه ؟؟

أنا و وليد نخرج في نزهة ليلية ! نتجول في شوارع المدينة... نتناول الطعام من أحد المطاعم... و نحلّي بكرات البوظة ! تماما كما كنا نفعل في الماضي ! يــــاه ! ما أسعدني !... و تحقق الحلم الذي كان أبعد من الخيال! و قضينا نحو ثلاث ساعات في نزهة رائعة أنا و وليد قلبي فقط و فقط !

أوقف وليد سيارته عند الموقف الجانبي لأحد الجسور المؤدّية إلى جزيرة اصطناعية ترفيهية صغيرة يرتادها الناس للتنزه... و وقفنا أنا و هو على الجسر... عند السياج نتأمل الجزيرة و نراقب أمواج البحر و نتنفس عبقه المنعش... و من حولنا الناس يستمتعون بالأجواء الرائعة ...



" منظر مدهش وليد ! ليتنا أحضرنا معنا آلة تصوير ! "



وليد ابتسم، و أخرج هاتفه المحمول من جيبه و استخدم الكاميرا التابعة له و التقط بعض الصور... ثم دفعه لي كي أتفرج عليها !



" عظيم ! ليتني اقتني هاتفا كهذا ! "



كرر وليد ابتسامته و قال:



" بكل سرور! أبقه معك لتصوري ما تودين الليلة! مع أن الظلام لن يسمح بالكثير"



و مع ذلك التقطتُ بعض الصور الأخرى، و الأهم... صورة مختلسة لوليد التقطتها بحذر دون أن يدري... و قد أبقيتُ الهاتف معي طوال النزهة لئلا يراها! و راودتني فكرة أن أنقلها إلى الحاسوب، ثم أقوم بطباعتها و من ثم أرسمها بيدي... و أعيد إلى مجموعة لوحاتي صورة جديدة لوليد قلبي... عوضا عن تلك التي احترقتْ في منزلنا المنكوب...

آه ! كم أنا سعيدة! و لأنني كنتُ في غمرة لا توصف من البهجة فقد تخليتُ عن جزء من حذري و رحتُ أراقب وليد بلهفة و تمعن و أرصد تحركاته و تعبيرات وجهه بدقة منقطعة النظير... أتمنى فقط ألا يلحظ هو ذلك !

و نحن عند الجسر... و فيما أنا منغمسة في مراقبته... مرت لحظة أغمض وليد فيها عينيه و أخذ يتنفس بعمق... و يزفر الهواء مصحوبا بتنهيدات حزينة من صدره ... كرر ذلك مرارا و كأنه يريد أن يغسل صدره من الهواء الراكد الكئيب فيه !



شعرتُ ببعض القلق فسألتُ :



" ما بك وليد ؟ "



التفتَ إليّ و هو يفتح عينيه و يبتسم و يجيب:



" لا شيء! أريد أن أملأ رئتيّ من هذا النقاء! جميل جدا... كيف تفوّتْ أروى و الخالة شيئا كهذا؟"



إذن... ربما كان يفكّر في أروى ! خذلتني جملته بعض الشيء... ففيما أنا مكرسة نظري و فكري فيه... يشتغل باله بالتفكير بها هي؟؟

مرتْ بذاكرتي صورة أروى و هي تشيح بوجهها عن وليد و تخرج من غرفة مكتبه هذا اليوم...عند المغرب... بدتْ غاضبة... وبدا وليد حينها منزعجا... و كأن بينهما خصام ما... الفضول تملّكني هذه اللحظة و ربما كانتْ الغيرة هي الدافع، فسألت ُ:



" لماذا رفضتْ المجيء معنا ؟؟ هل... هل هي غاضبة؟ "



وليد نقل بصره إلى البحر... و قال بعد قليل :



" نعم... منّي "



لستُ شريرة و لا خبيثة ! لكن... يا إلهي أشعر بسرور غير لائق ! لم استطع كتمه و قلتُ باندفاع فاضح:



" هل أنتما متخاصمان ؟؟ "



التفتَ إلي ّ وليد مستغربا ! لقد كان صوتي و كذلك تعبيرات وجهي تنم عن البهجة !

شعرتُ بالخجل من نفسي فطأطأتُ رأسي نحو الأرض فيما تصاعدتْ الدماء إلى وجنتيّ !

لم أسمع ردا من وليد... فرفعتُ بصري اختلس النظر إليه... فوجدته و قد سبحتْ عيناه في البحر بعيدا عنّي... ثم سمعته يقول :



" تريد العودة إلى لمزرعة "



اندهشتُ ... و أصغيتُ باهتمام مكثف ... وليد تابع:



" مصرة على ذلك و قد فشلتُ في ثنيها عن الأمر... اضطررتُ لشراء التذاكر و موعد السفر يوم الأحد "



ماذا ! عجبا ! قلتُ :



" أحقا ؟ ستتركها تذهب ؟؟ "



وليد أجاب و هو لا يزال ينظر إلى البحر:



" و الخالة كذلك... "



قلتُ مباشرة :



" و أنتَ ؟؟ و أنا ؟ "



التفتَ وليد إليّ و كأن هذه الجملة هي أكثر ما يثير اهتمامه! ركز النظر في عينيّ لحظة ثم قال :



" سنرافقهما طبعا "



صمتُ و علامات التعجب تدور فوق رأسي !!!



قلتُ بعدها :



" نعود للمزرعة ! كلا ! و الكلية ؟ و الدراسة ؟؟ "



وليد تنهد ثم قال :



" سنرافقهما إلى المزرعة ثم نعود... مساء الثلاثاء "



بدأ قلبي يدق بسرعة ... نعود يقصد بها.. أنا و هو ؟؟ أم ماذا ؟؟



خرجتْ الحروف مرتجفة على لساني :



" أأأ ... نـ...ـعود أنا و أنتَ ؟ "



وليد قال :



" نعم "



عدتُ أسأل لأتأكد:



" و ... أروى و أمها... ستظلان في... المزرعة ؟؟ "



وليد قال :



" نعم ! إلى أن تهدأ الأوضاع قليلا "



أتسمعون ؟؟

أنا و وليد وحدنا ... و لا شقراء بيننا !

مدهش ! يا لسعادتي ! تخلـّـصت ُ منها أخيرا

أكاد أطير من الفرح ! بل إنني طرتُ فعلا ! هل ترون ذلك ؟؟



تعبيرات وجهي بالتأكيد كانت صارخة... و لو لم أمسك نفسي آنذاك لربما انفجرتُ ضحكا... لكن وليد مع ذلك سألني و بشكل متردد:



" ما رأيك ؟ "



آه يا وليد أ وَ تسأل عن رأيي ؟

ألا تدرك أنه حلم حياتي يتحقق أخيرا ؟؟

وداعا أيتها الشقراء !



و لئلا أفضح فرحي بهذا الشكل طأطأتُ رأسي و خبأتُ نظري تحت حذاء وليد !

و قلتُ مفتعلة التماسك :



" لا أعرف... كما ترى أنتَ "



وليد عاد يسأل و بشكل أكثر جدية و بعض القلق امتزج بصوته:



" هل تقبلين بهذا كحل مؤقت طارئ... حتى نجد الحل الأنسب ؟ "



قلتُ و أنا لا أزال أدعي التماسك و عدم الانفعال:



" لا بأس "



تحركتْ قدم وليد قليلا باتجاه الجسر... رفعتُ عيني عنها إليه فوجدته وقد عاد يغوص بأنظاره في أعماق البحر... و سمعته يقول:



" سنمر بسامر و أطلب منه العودة معنا... "



تعجبتُ و سألتُ:



" سامر ؟! "



أجاب :



" نعم. طلبتُ منه مرارا أن يأتي للعيش و العمل معنا هنا و قد تكون هذه فرصة جيدة لإقناعه "



سامر من جديد ؟

لا أتخيل أن أعود للعيش معه تحت سقف بيت واحد ثانية ! لا أعرف بأي طريقة سنتعامل... يكفي الحرج الذي عانيناه عندما اضطررتُ للمبيت في شقته أنا و وليد بعد حادث السيارة...

أتذكرون ؟؟

و رغم أني لم أحبذ الفكرة لم أشأ التعليق عليها... و على كل ٍ لا أظن سامر سيرحب بها هو بدوره...

وليد تابع :



" أما الخادمة فسنجعلها تعمل ليلا أيضا و تباتُ في المنزل و نضاعف لها الراتب "



علقتُ :



" يبدو أنك خططتَ لكل شيء! "



استدار وليد إليّ و قال :



" لم أنم الليلة الماضية من شدة التفكير! هذه الحلول المؤقتة حاليا... يمكننا تدبر بعض الأمور الأخرى بشكل أو بآخر... "



قلت ُ :



" و ماذا عن الطعام ؟ "



فأروى و والدتها كانتا تتوليان أمر المطبخ و تعدان الوجبات الرئيسية... و الأطباق الأخرى و التي كان وليد لا يستغني عنها و يمتدحها دائما!



وليد رد :



" لدينا المطاعم "



ابتسمت ُ و قلتُ مداعبة:



" يمكنك الاعتماد عليّ ! البطاطا المقلية يوميا كحل طارئ مؤقت ! "



ابتسم وليد فأتممت ُ :



" لكن لا تقلق! سأشتري كتاب الطهي و أتعلم ابتداء من الغد ! سترى أنني ذكية جدا و أتطور بسرعة "



ضحك وليد ضحكة خفيفة كنتُ أريد أن أختم نزهتي الرائعة بها...

و مع خبر مذهل كخبر سفر الشقراء أخيرا ... أصبحتْ معنوياتي عالية جدا و دبّ النشاط و الحيوية في جسدي و ذهني و ألححتُ على نقل الصور من هاتف وليد إلى جهاز الحاسوب في مكتبه و تنسيقها في تلك الليلة... قبل أن يكتشف صورته من بينها... و رغم أن الليل كان قد انتصف و لم يبقَ أمامي غير ساعات بسيطة للنوم إلى موعد الكلية إلا أنني أنجزتُ الأمر و بدأتُ برسم أولي لوجه وليد بقلم الرصاص على بعض الأوراق...



الساعة تجاوزت الثانية عشر و النصف، و أخيرا انتهيتُ !

كنتُ على وشك النهوض عندما رنّ هاتف وليد و الذي كان معي، موضوعا على المكتب.

و لكن هل يتصل أصحابه به في ساعة متأخرة ؟؟ أتراه لا يزال مستيقظا؟ اعتقد أن الجميع قد خلدوا للنوم !



حملتُ الهاتف و أوراقي و شرعتُ بالمغادرة بسرعة، حينها توقف رنين الهاتف...

واصلتُ طريقي نحو السلّم و في نيّتي المرور بغرفة وليد و إعادة الهاتف إليه إن كان مستيقظا قبل لجوئي إلى فراشي...

و فيما أنا أصعد السلّم عاد الهاتف للرنين... حثثتُ الخطى صعودا لأوصله إلى وليد...

و في منتصف الطريق رأيت ُ جسما يقف على الدرجات ينظر نحوي !

كانت أروى !

توقفتُ ثوانٍ و ألقيتُ عليها نظرة لا مبالية و صعدتُ خطوة جديدة...



و هنا سمعتها تخاطبني :



" أليس هذا هاتف وليد ؟ "



نظرتُ إليها و أجبتُ:



" بلى "



سألتْ :



" و لم هو عندك ؟ "



رمقتها بنظرة تجاهلية و قلتُ:



" سأعيده إليه "



و صعدتُ خطوة بعد...

كانتْ أروى تقف مباشرة في طريق خطواتي... تنحيتُ للجانب قليلا لأواصل طريقي إلا أنها تنحتْ لتعترضني !

نظرتُ إليها و رأيتها تمد يدها إليّ قائلة:



" هاتيه... أنا سأعيده "



توقف الهاتف عن الرنين، يبدو أن المتصل قد يئس من الرد...



أضافت أروى :



" وليد نائم على أية حال... لكنه يستخدمه كمنبّه لصلاة الفجر... سأضعه قرب وسادته "



شعرتُ بالغيظ ! يكفي أن ألقي نظرة على هذه الفراشة الملونة حتى أفقد أعصابي!



قلتُ :



" سأفعل أنا ذلك، بما أن غرفته في طريقي "



فجأة تحوّل لون الفراشة إلى الأحمر الدموي! أروى بيضاء جدا و حين تنفعل يتوهج وجهها احمرارا شديدا !



قالتْ بنبرة غاضبة :



" عفوا؟؟ تقصدين أن تتسللي إلى غرفة زوجي و هو نائم؟؟ من تظنين نفسك؟ "



فوجئتُ من هذا السؤال الذي لم أكن لأتوقع صدوره من أروى ! و المفاجأة ألجمتْ لساني...



أروى قالتْ بانفعال :



" وليد هو زوجي أنا... يجب أن تدركي ذلك و تلزمي حدودكِ "



صعقتُ... عمّ تتحدّث هذه الدخيلة ؟؟ قلتُ بصوت متردد :



" مـ ... ماذا تعنين ؟؟ "



هتفتْ أروى باندفاع :



" تعرفين ما أعني... أم تظنين أننا بهذا الغباء حتى لا ندرك معنى تصرفاتك ؟؟ "



ذهلتُ أكثر و كررتُ :



" ما الذي تقصدينه ؟؟ "



و كأن أروى قنبلة موقوتة انفجرتْ هذه اللحظة ! رمتْ بهذه الكلمات القوية دون تردد و دون حساب !



" لا تدعي البراءة يا رغد ! ما أبرعكِ من ممثلة ! أنتِ ماكرة جدا... و تستغلين تعاطف وليد و شعوره بالمسؤولية تجاهكِ حتى تفعلين ما يحلو لكِ ! دون خجل و لا حدود... لكن... كل شيء أصبح مكشوفا يا رغد... أنا أعرف ما الذي تخططين له... تخططين لسرقة زوجي منّي ! أليس كذلك ؟؟ تستميلين عواطفه بطرقك ِ الدنيئة! أنت ِ خبيثة يا رغد... و سأكشف نواياك ِ السيئة لوليد ليعرف حقيقة من تكونين ! "



ذهلتُ ... وقفتُ كالورقة تعصف بي كلمات أروى... لا تكاد أذناي تصدقان ما تسمعان...

كنتُ أنظر إلى أروى بأوسع عينين من شدّة الذهول... عبستْ أروى بوجهها و ضغطتْ على أسنانها و هي تقول :



" كنتِ تمثلين دور المتعبة هذا الصباح... و مثلتِ دور المريضة ليلة حفلتنا أنا و وليد... و دور المرعوبة ليلة سهرنا أنا و وليد... هنا و في المزرعة و في بيت خالتكِ و في أي مكان... تمثلين أدوار المسكينة لتجعلي عقل وليد يطير جنونا خوفا عليك ِ ! تدركين أنه لا يستطيع إلا تنفيذ رغباتك شعورا منه بالمسؤولية العظمى تجاهكِ! ما أشد دهائكِ و خبثك ِ... لكنني سأخبر وليد عن كل هذا... وإن اضطررتُ لفعل ذلك الآن ! "



كنتُ أمسك بهاتف وليد في يدي اليمنى و بالأوراق في يدي اليسرى... و للذهول الذي أصابني من كلام أروى رفعتُ يدي اليمنى تلقائيا ووضعتها على صدري...

فجأة تحركتْ يد أروى نحوي... و همّتْ بانتزاع الهاتف و هي تقول:



" هاتي هذا "



و كردة فعل تشبثتُ بالهاتف أكثر... فسحبته هي بقوة أكبر... ثم انزلق من بين أيدينا و وقع على عتبات الدرج...

استدرتْ منثنية بقصد التقاطه بسرعة فتحرتْ أروى لمنعي فجأة و اصطدمتْ بي...

حركتها هذه أفقدتني التوازن ... فالتوتْ قدمي و فتحتُ يدي اليسرى بسرعة موقعة بالأوراق أرضا... و مددتها نحو ذراع أروى وتشبثتُ بها طالبة الدعم... الأمر الذي أفقد أروى توازنها هي الأخرى... وفجأة انهرنا نحن الاثنتان متدحرجتين على الدرَج ... و لأنني كنتُ في الأسفل... فقد وقع جسدها عليّ و انتهى الأمر بصرخة مدوية انطلقتْ من أعماق صدري من فرط الألم...
__________________

أَسْتَوْدِعُكُمُ
اللهَ الْذِي لا تَضِيعُ وَدَائِعَهُ ،،
و
دُمْتُمْ
بِحِفْظِ اللهِ ،،
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:14 PM.