اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-10-2016, 08:01 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New تنظيم الغريزة الجنسية


في روضة المحبين: باب (في أن دواء المحبين في كمال الوصال الذي أباحه رب العالمين) يضم فصلاً من ألصق الفصول بحياة الإنسان، إذ يجد فيه المحب دواءه الذي يسر الوصول إليه: من زواج وتنظيم للعلاقة الجنسية بين الزوجين، كما يجد فيه الشباب دواءه الناجع الذي يخلصه من الاضطراب الذي تختلج به نفسه الفتية ويتشوش به نظام حياته.

قال رحمه الله: "قد جعل الله سبحانه وتعالى لكل داء دواء، ويسر الوصول إلى ذلك الدواء شرعاً وقدراً، فمن أراد التداوي بما شرعه الله له واستعان عليه بالقدر وأتى الأمر من بابه صادف الشفاء، ومن طلب الدواء بما منعه منه شرعاً وإن امتحنه به قدراً فقد أخطأ طريق المداواة، وكان كالمتداوي من داء بداء أعظم منه. وقد تقدم حديث طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لم يُر للمتحابين مثل النكاح". وقد اتفق رأي العقلاء من الأطباء وغيرهم في مواضع الأدوية أن شفاء هذا الداء في التقاء الروحين والتصاق البدنين. وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى زينب فقضى حاجته منها[1]".

وقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه. وذكر إسماعيل ابن عباس عن شرحبيل بن مسلم عن أبي مسلم الخولاني رحمه الله أنه كان يقول: يا معشر خولان زوجوا شبابكم وإماءكم فإن الغلمة أمر عازم فأعدوا عدتها، واعلموا أنه ليس لمنعظ إذن يريد أنه إذا استأذن عليه فلا إذن له. وذكر القيسي أن رجلاً من ولد عثمان ورجلاً من ولد الحسين خرجا يريدان موضعاً لهما، فنـزلا تحت سرحة فأخذ أحدهما فكتب عليها:
خبرينا خصصت بالغيث ياسر ♦♦♦ ح بصدق والصدق فيه شفاءُ

وكتب الآخر:
هل يموت المحب من ألم الحُبِّ ♦♦♦ ويشفى من الحبيب اللقاءُ

ثم مضيا فلما رجعا وجدا مكتوباً تحت ذلك:
إن جهلاً سؤالك السرح عما
ليس يوماً عليك فيه خفاءُ
ليس للعاشق المحب من الحبِّ
سوى لذة اللقاء شفاءُ
*
وقال أبو جعفر العذري:
لشكر الهوى أروى لعظمي ومفصلي
إذا سكر الندمان من لذة الخمرِ
ولما دعوت الصبر بعدك والبكا
أجاب البكا طوعاً ولم يجب الصبرِ[2]
وقال المروذي: قال أبو عبدالله - يعني أحمد بن حنبل -: ليس العزوبة من أمر الإسلام في شيء النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أربع عشرة ومات عن تسع، ولو تزوج بشر بن الحارث لتم أمره.

ولو ترك الناس النكاح لم يكن غزو ولا حج ولا كذا ولا كذا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح وما عندهم شيء، ومات عن تسع وكان يختار النكاح ويحث عليه، ونهى عن التبتل، فمن رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهو على غير الحق، ويعقوب في حزنه قد تزوج وولد له ولد. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: حبب إلي النساء. قلت له: فإن إبراهيم بن الأدهم يحكى عنه أنه قال: لروعة صاحب العيال فما قدرت أن أتم الحديث حتى صاح بي وقال: وقعت في بنيات الطريق، انظر ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم قال: بكاء الصبي بين يدي أبيه يطلب منه الخبز أفضل من كذا وكذا. أين يلحق المتعبد العزب؟ (انتهى كلامه) "وقد اختلف الفقهاء هل يجب على الزوج مجامعة امرأته؟ فقالت طائفة: لا يجب عليه ذلك فإنه حق له فإن شاء استوفاه، وإن شاء تركه، بمنـزلة من استأجر داراً إن شاء سكنها، وإن شاء تركها. وهذا من أضعف الأقوال، والقرآن والسنة والعرف والقياس يرده، أما القرآن فإن الله سبحانه وتعالى قال ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾[3] فأخبر أن للمرأة من الحق مثل الذي عليها، فهو حق لها على الزوج بنص القرآن، وأيضاً فإنه سبحانه وتعالى أمر الأزواج أن يعاشروا الزوجات بالمعروف، ومن ضد المعروف أن يكون عنده شابة شهوتها تعدل شهوة الرجل أو تزيد عليها بأضعاف مضاعفة ولا يذيقها لذة الوطء مرة واحدة. ومن زعم أن هذا من المعروف كفاه طبعه ردا عليه، والله سبحانه وتعالى إنما أباح للأزواج إمساك نسائهم على هذا الوجه لا على غيره فقال تعالى: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229].

وقالت طائفة: يجب عليه وطؤها في العمر مرة واحدة ليستقر لها بذلك الصداق. وهذا من *** القول الأول وهذا باطل من وجه آخر، فإن المقصود إنما هو المعاشرة بالمعروف، والصداق دخل في العقد تعظيما لحرمته وفرقاً بينه وبين السفاح، فوجوب المقصود بالنكاح أقوى من وجوب الصداق.

"وقالت طائفة: يجب عليه أن يطأها في كل أربعة أشهر مرة واحتجوا على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى أباح للمولي تربص أربعة أشهر وخير المرأة بعد ذلك، إن شاءت أن تقيم عنده، وإن شاءت أن تفارقه. فلو كان لها حق في الوطء أكثر من ذلك لم يجعل للزوج تركه في تلك المدة، وهذا القول وإن كان أقرب من القولين اللذين قبله فليس أيضاً بصحيح، فإنه غير المعروف الذي لها وعليها. وأما جعل مدة الإيلاء أربعة أشهر فنظراً منه سبحانه للأزواج فإن الرجل قد يحتاج إلى ترك وطء امرأته مدة لعارض من سفر أو تأديب أو راحة نفس أو اشتغال بمهم، فجعل الله سبحانه وتعالى له أجلا أربعة أشهر، ولا يلزم من ذلك أن يكون الوطء موقتاً في كل أربعة أشهر مرة.

"وقالت طائفة أخرى: بل يجب عليه أن يطأها بالمعروف كما ينفق عليها ويكسوها ويعاشرها بالمعروف. بل هذا عمدة المعاشرة. ومقصودها، وقد أمر الله سبحانه وتعالى أن يعاشرها بالمعروف فالوطء داخل في هذه المعاشرة ولا بد، قالوا: وعليه أن يشبعها وطئاً إذا أمكنه ذلك كما عليه أن يشبعها قوتا. وكان شيخنا رحمه الله تعالى يرجح هذا القول ويختاره.[4]

وقد حضَّ النبي صلى الله عليه وسلم على استعمال هذا الدواء ورغب فيه وعلق عليه الأجر وجعله صدقةً لفاعله فقال: وفي بُضع أحدكم صدقة. ومن تراجم النسائي على هذا: الترغيب في المباضعة ثم ذكر هذا الحديث، ففي هذا كمال اللذة، وكمال الإحسان إلى الحبيبة، وحصول الأجر، وثواب الصدقة، وفرح النفس، وذهاب أفكارها الرديئة عنها، وخفة الروح، وذهاب كثافتها وغِلظها، وخفة الجسم، واعتدال المزاج، وجلب الصحة، ودفع المواد الرديئة، فإن صادف ذلك وجهاً حسناً وخُلُقاً دَمثاً وعشقاً وافراً ورغبة تامة واحتساباً للثواب، فذلك اللذة التي لا يعادلها شيء، ولا سيما إذا وافقت كمالها فإنها لا تكمل حتى يأخذ كل جزء من البدن بقسطه من اللذَّة، فتلتذ العين بالنظر إلى المحبوب، والأذن بسماع كلامه، والأنف بشم رائحته، والفم بتقبيله، واليد بلمسه. وتعتكف كل جارحة على ما تطلبه من لذتها، وتقابله من المحبوب، فإن من فقد من ذلك شيء لم تزل النفسُ متطلعة إليه متقاضيةً له فلا تسكن كلَّ السكون، ولذلك تسمى المرأة سكناً لسكون النفس إليها قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾ [الروم: 21][5] ولذلك فُضل جماع النهار على جماع الليل، ولسبب آخر طبيعي وهو أن الليل وقت تبرُد فيه الحواسُ وتطلب حظها من السكون، والنهار محل انتشار الحركات كما قال الله تعالى (وَهوَ الذي جعلَ لكمُ الليلَ لباساً وَالنوم سباتاً وَجعلَ النهارَ نُشوراً)[6] وقال الله تعالى (هوَ الذِي جعلَ لكمُ الليلَ لتسكنوا فيهِ)[7] وتمامُ النعمة في ذلك فرحةُ المحب برضاء ربه تعالى بذلك، واحتساب هذه اللذة عنده، ورجاء تثقيل ميزانه، ولذلك كان أحب شيء إلى الشيطان أن يُفرق بين الرجل وحبيبه ليتوصل إلى تعويض كل منهما عن صاحبه بالحرام كما في السنن عنه صلى الله عليه وسلم: أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق[8]. وفي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
[إن إبليس ينصب عرشه على الماء ثم يبث سراياه في الناس فأقربهم منه منـزلةً أعظمهم فتنةً فيقولُ أحدُهم ما زلت به حتى زنى فيقول يتوب فيقول الآخرُ ما زلتُ به حتى فرقت بينهُ وبين أهله فيدنيه ويلتزمه ويقول: نعم أنت. نعم أنت]
عجبت من إبليس في نخوته ♦♦♦ وقبح ما أظهر من سيرِتهْ..

وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الشباب الذين هم مّظنة العشق إلى أنفع أدويتهم. ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج)[9] وفي لفظٍ آخر ذكره أبو عبيد. حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بالباءة وذكر الحديث وبين اللفظين فرق فإن الأول يقتضي أمر العزب بالتزويج، والثاني يقتضي أمر المتزوج بالباءة، اسم من أسماء الوطء، وقوله: من استطاع منكم الباءة فليتزوج فسرت الباءة بالوطء وفسرت بمؤن النكاح، ولا ينافي التفسير الأول إذ المعنى على هذا أمون الباءة، ثم قال: ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. فأرشدهم إلى الدواء الشافي الذي وضع لهذا الأمر، ثم نقلهم عنه عند العجز إلى البدل وهو الصوم فإنه يكسر شهوة النفس ويضيق عليها مجاري الشهوة، فإن هذه الشهوة تقوى بكثرة الغذاء وكيفيته، فكمية الغذاء وكيفيته يزيدان في توليدها، والصوم يضيق عليها ذلك فيصير بمنـزلته وجاء الفحل، وقل من أدمن الصوم إلا وماتت شهوته أو ضعفت جداً، والصوم المشروع يعدلها. واعتدالها حسنة بين سيئتين، ووسط بين طرفين مذمومين وهما العنّة والغلمة الشديدة الشديدة المفرطة، وكلاهما خارج عن الاعتدال، و"كِلا طرفيْ قصد الأمور ذميم"، وخير الأمور أوسطها، والأخلاق الفاضلة كلها وسط بين طرفي إفراطٍ وتفريط، وكذلك الدين المستقيم وسط بين انحرافين، وكذلك السنة وسط بين بدعتين، وكذلك الصواب في مسائل النـزاع إذا شئت أن تحظى به فهو القول الوسط بين الطرفين المتباعدين، وليس هذا موضع تفصيل هذه الجملة، فإنا لم نقصد له وبالله التوفيق.

مجلة التمدن الإسلامي، السنة الثالثة، العدد التاسع، 1356هـ - 1937م

[1] نقل صاحب تحفة العروس عن عياض في الإكمال قال: ولا تظن بمواقعة النبي صلى الله عليه وسلم لزينب حين رأى المرأة أنه وقع في نفسه شيء منها بل هو صلى الله عليه وسلم منزه عن الميل ولكنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لتقتدي به أمته في الفعل وليتمثلوا – أمره بالقول -.
[2] كذا بالإقواء.
[3] سورة البقرة الآية 228
[4] قال الإمام الغزالي في آداب الزواج من كتابه الإحياء "وينبغي أن يأتيها في كل أربع ليالٍ مرة فهو أعدل إذ عدد النساء أربعة فجاز التأخير إلى هذا الحد. نعم ينبغي أن يزيد أو ينقص بحسب حاجتها في التحصين فإن تحصينها واجب عليه" وهذا لعمري أولى الأقوال بالعمل وتعليله خير التعاليل.
[5] سورة الروم الآية 21
[6] سورة الفرقان الآية 47.
[7] سورة يونس الآية 67.
[8] قال السيوطي: رواه أبو داوود وابن ماجة والحاكم فهذا الوصال لما كان أحب شيء إلى الله ورسوله كان أبغض شيء إلى عدو الله, فهو يسعى في التفريق بين المتحابين في الله المحبة التي يحبها الله, ويؤلف بين الاثنين في المحبة التي يبغضها الله ويسخطها. وأكثر العشاق من جنده وعسكره, ويرتقي بهم الحال حتى يصير هو من جندهم وعسكرهم يقود لهم ويزين لهم الفواحش ويؤلف بينهم عليها كما قيل:
[9] جاء في شرح النووي على صحيح مسلم: .. (وأما الأفضل من النكاح وتركه فقال أصحابنا الناس فيه أربعة أقسام: قسم تتوق إليه نفسه ويجد المؤن فيستحب له النكاح, وقسم لا تتوق ولا يجد المؤن فيكره له, وقسم تتوق ولا يجد المؤن وهذا مأمور بالصوم – لدفع التوقان, وقسم يجد المؤن ولا تتوق فمذهب الشافعي وجمهور أصحابنا أن ترك النكاح والتخلي للعبادة أفضل ولا يقال النكاح مكروه بل تركه أفضل, ومذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي وبعض أصحاب مالك أن النكاح له أفضل).

عبدالرؤوف الأسطواني

__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26-10-2016, 08:03 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New

تابع لما مضى من تنظيم الغريزة الجنسية [1]

وقد ألقى الأخ الأستاذ السيد مظهر العظمة محاضرة بين فيها صلة الصوم بنظرية التحليل النفسي، والمحاضرة وإن كانت تتعلق بصيام رمضان، إلا أنها يمكن أن تشمل هذا الصوم الذي أرشد به النبي صلى الله عليه وسلم الشباب الذين لا يجدون مؤن الزواج، لهذا رأيت أن أجتزئ منها ما يلي:
"لعل الحكمة الكبرى من الصيام هي منع النفس بتقوية الإرادة عن كثير من الشهوات، والاسترسال فيها، وقد يدَّعى بأن كبح بعض الميول النفسية بال***** لا يزيل أثرها من النفس بل يبعثها خلف حجاب اللاشعور، لأنه يحدث ألماً يجلل النفس بالكآبة والامتعاض ويؤخر سير المرء العملي، للارتباط القوي بين المادة والروح. فكيف يكون للصوم إذن المزايا والمبررات الكثيرة مع أنه يكبت كثيراً من الميول والعواطف كبتاً؟".
*
"وقد سمعنا مثل هذه الأقوال الحمقاء كثيراً، خصوصاً ممن يذهبون هذا المذهب وهم في أحضان الحب والغرام لتبرير أعمالهم الشهوانية المنحطة. ونحن نستند في الرد على هذا القول إلى نظرية التحليل النفسي "Psych****yse" للعالم النمساوي "سيغموند فرويد" التي منها الحادثتان المعروفتان باسم التحويل Dublimation والتصعيد Derivation ويقصد بالأولى أن الميل المكبوت يستبدل بميل مباين له ظاهراً مطابق له باطناً فيصبح الطمع مثلاً قناعة بعد كبته. ويقصد بالثانية – أي التصعيد- أن المرء قد يرقى ميله فيرفعه إلى درجة أعلى من درجته السابقة، فيبدل بذلك الميل الشهواني إلى حب الجمال والشعر والموسيقى.
وهكذا شأن الصائم في جهاده فإنه يكبح جماح نفسه فيحول أهواءها وميولها الدانية إلى عالية". اهـ
*
وعليه فنظام الإسلام يحفظ نضارة الشباب ويوجهها إلى ما فيه خير البشرية، ذلك أن الشباب يتجلى فيه تياران متعاكسان: أحدهما العبقرية الفضة، وهي أساس النبوغ العلمي والفني، والثاني الغريزة الجنسية المتأججة التي إن لم تكبت أو تخفف وثباتها وتخضع لنظام، أغارت على التيار الأول وقضت عليه بالانحلال والزوال، وبالسير على مقتضى نظام الإسلام، ينتفي هذا الجواب بتحقق أحد شقي ذلك الشرط، بمعنى أن الإسلام فتح للشباب باب الزواج ونظم له علاقته الجنسية والاجتماعية، كما تقدم بيانه بصورة تدرأ شر الغريزة، وتبقي للعبقرية الفنية جواً للنهوض والوثوب، فإذا لم يجد مؤن الزواج الكافية، وخاف تغلب سلطان الغريزة، فالإسلام يرشده إلى طريق الصوم الذي يمنعه من بطش هذا السلطان؛ فإذا سلكها وجدها لغريزته كابتة، ولعبقريته ونبوغه حافزة.
*
على أن الصوم بحسب النحو المتقدم، إنما هو آخر سلاح يلجأ إليه من خاف شر الغريزة. لأن الإسلام يصل العبد بربه، صلة إذا تحقق بها أنسته مطالب نفسه كما كان حال الأولية؛ فالصلاة مفروضة خمس مرات في اليوم، فما كانت صلاة حقيقية نهت صاحبها عن الفحشاء والمنكر، كما قال تعالى "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"، ومتى أصبحت مجرد قيام وقعود، كما هي صلاة أكثر المسلمين اليوم إن لم نقل كلهم، ضاعت ثمرتها التي هي النهي عن الفحشاء والمنكر، كما ضاعت ثمرتها التي في هذا العصر المادي الإلحادي، فليس لمن فقد مؤن الزواج وخشي على نفسه الفحشاء، إلا أن يلجأ إلى الصوم المتقدم بيانه، لأنه بمجرد القيام والقعود لا يقطف ثمرة لصلاة.
*
حكمة تعدد الزوجات:
ثم إن هذه الشريعة السماوية أباحت للرجال أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع "لأن الذكور في معرض النقص عن عدد النساء، لتعرضهم لمخاطر الأسفار والحروب ومشاق الارتزاق، فلو منعوا من التعدد لبقي العدد الزائد من النساء معطلات عن النسل".
*
ثم إن الرجل مستعد لأداء النسل من بلوغه إلى آخر عمره ولو عاش مائة سنة، والمرأة تيأس من سن الخمسين أو الخمس والخمسين بقطع مادة الحيض، وفقد البزور من مبيضها، لطفاً من الله تعالى بها حيث أن الحمل والولادة والإرضاع تضعف قوتها، فمقدار استعدادها للنسل من سن البلوغ إلى سن اليأس خمس وخمسون سنة غالباً، فلو منع الرجل من التعدد لربما عطلت المرأة عليه أداء نسله مقداراً عظيماً من عمره؛ فإباحة التعدد له تخلصه من غائلة هذا التعطيل، ومن هنا يظهر سر جواز الطلاق حتى لا تتعطل عليه مدة من استعداده للتناسل فيما أيست زوجته أو كانت عقيماً وهو لم يقدر على التعدد فيستبدل بزوجة غيرها، وإن كان العقم منه لا يتعطل عليها نسلها[2]. وقد اشترطت الشريعة في الأربع العدل أيضاً؛ حتى لو خاف الرجل الجور بين اثنتين تحظر عليه الجمع بينهما وتبيح له الواحدة ولو خاف الجور على الواحدة بنحو ظلمها أو عجزه أو قصور يده عن الإنفاق عليها تحجر عليه أن يتزوج الواحدة أيضاً، وعليه يكون التزوج بواحدة أو أكثر غير جائز فيما لو غلب على الظن وقوع نتائج مؤلمة من هذا الزواج في المستقبل[3].
*
وصفوة القول أن تعدد الزوجات لو كان محرماً لبقي عدد كبير من النساء بلا أزواج، وهذا ما يؤدي إلى انتشار الفاحشة أكثر مما هي منتشرة في هذا الزمان وقد رأينا ما تولده من النتائج الوخيمة المؤلمة والإسلام يرجح درءها قبل وقوعها.
*
ومن هنا تظهر لك محاذير الشرائع غير الإسلامية والقوانين الوضعية التي لا تبيح التزوج بأكثر من واحدة بل والتي تعد تعدد الزوجات من الجرائم الجزائية المؤيدة بالعقاب! إذ بينما نراها تجرم المعدِّد وتأبى الاعتراف لتعديده الزوجات بأية نتيجة حقوقية نراها لا تقوى على منع الزوج اتخاذ الصاحبات الزانيات بل نجدها لا ترى مناصاً من بيوت الدعارة والفجور فلئن هي فرت من تعدد الزوجات زاعمة أنه جرم جزائي، فلقد وقعت فيما هو حقيق على أن يسمى جناية إنسانية، وقد كان خيراً لها أن تنهج نهج الإسلام، فتضع للتعدد نظاماً حقوقياً يحفظ كيان الأسرة؛ بدلاً من أن تصعب عليها بلاء الزنا وعواقبه وآلامه المتوارثة.
*
خاتمة:
لقد كان البحث منقسماً حسب انقسام اللذات إلى نفسية وجثمانية؛ أما روضة المحبين ففيها ثلاثة أقسام من اللذات: جثمانية، وخيالية وهمية، وعقلية روحانية.
*
فاللذة الجسمانية: في تلك الروضة هي لذة الأكل والشرب والجماع، وهذه اللذة يشترك فيها مع الإنسان الحيوان البهيم فليس كمال الإنسان بهذه اللذة لمشاركة أنقص الحيوانات له فيها، ولأنها لو كانت كمالاً لكان أفضل الإنسان وأشرفهم وأكملهم أكثرَهم أكلاً وشرباً وجماعاً، وأيضاً لو كانت كمالاً لكان نصيب رسل الله وأنبيائه وأوليائه منها في هذه الدار أكمل من نصيب أعدائه، فلما كان الأمر بالضد تبين أنها ليست في نفسها كمالاً، وإنما تكون كمالاً إذا تضمنت إعانة على اللذة الدائمة العظمى كما تقدم.
*
وأما اللذة الوهمية الخيالية: فلذة الرئاسة والتعاظم على الخلق والفخر والاستطالة عليهم، وهذه اللذة وإن كان طلابها أشرف نفوساً من طلاب اللذة الأولى فإن آلامها وما توجبه من المفاسد والمضار أعظم من التذاذ النفس بها، فإن صاحبها منتصب لمعاداة كل من تعاظم وترأس عليه، ولهذا شروط وحقوق تفوت على صاحبها كثيراً من لذاته الحسية، ولا يتم إلا بتحمل مشاق وآلام أعظم منها. فليست هذه في الحقيقة بلذة وإن فرحت بها النفس وسرت بحصولها. وقد قيل: إنه لا حقيقة للذة في الدنيا وإنما غايتها دفع آلام كما يدفع ألم الجوع والعطش وألم الشهوة بالأكل والشرب والجماع. ولذلك يدفع ألم الخمول وسقوط القدر عند الناس بالرئاسة والجاه، والتحقيق أن اللذة أمر وجودي يستلزم دفع الألم بما بينهما من التضاد.
*
وأما اللذة العقلية الروحانية: فهي كلذة المعرفة والعلم والاتصاف بصفات الكمال من الكرم والجود والعفة والشجاعة والصبر، والحلم والمروءة وغيرها؛ فإن الالتذاذ بذلك من أعظم اللذات؛ وهو لذة النفس الفاضلة العلوية الشريفة، فإذا انضمت اللذة بذلك إلى لذة معرفة الله تعالى ومحبته وعبادته وحده لا شريك له؛ والرضا به عوضاً عن كل شيء، ولا يتعوَّض بغيره عنه فصاحب هذه اللذة في جنة عاجلة نسبتها إلى لذات الدنيا كنسبة لذة الجنة إلى لذة الدنيا، فإنه ليس للقلب والروح ألذ ولا أطيب ولا أحلى ولا أنعم من محبة الله والإقبال عليه وعبادته وحده، وقرة العين به والأنس بقربه والشوق إلى لقائه ورؤيته، وإن مثقال ذرة من هذه اللذة لا يعدل بأمثال الجبال من لذات الدنيا، ولذلك كان مثقال ذرة من إيمان بالله ورسوله يخلص من الخلود في دار الآلام، فكيف بالإيمان الذي يمنع دخولهما؟ قال بعض العارفين: من قرت عينه بالله قرت به كل عين؛ ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات؛ ويكفي في فضل هذه اللذة وشرفها أنها تخرج من القلب ألم الحسرة على ما يفوت في هذه الدنيا؛ حتى إنه ليتألم بأعظم ما يلتذ به أهلها؛ ويفر منه فرارهم من المؤلم؛ وهذا موضع الحاكم فيه الذوق لا مجرد لسان العلم، وكان بعض العارفين يقول: مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا ولم يذوقوا طيب نعيمها، فيقال له: وما هو؟ فيقول: محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه ومعرفة أسمائه وصفاته.
*
"وأنت ترى محبة من في محبته عذاب القلب والروح كيف توجب لصاحبها لذة يتمنى أنه لا يفارقه حبه كما قال شاعر الحماسة:
تشكى المحبون الصبابة ليتني
تحملت ما يلقون من بينهم وحدي
فكانت لقلبي لذة الحب كلها
فلم يلقها قبلي محب ولا بعدي
*
قالت رابعة: شغلوا قلوبهم بحب الدنيا عن الله، ولو تركوها لجالت في الملكوت ثم رجعت إليهم بطرائف الفوائد. وقال مسلم الخواص: تركتموه وأقبل بعضكم على بعض، ولو أقبلتم عليه لرأيتم العجائب!
*
ولو لم يكن للقلب المشتغل بمحبة غير الله المعرض عن ذكره من العقوبة إلا صدؤه وقسوته وتعطيله عما خلق له لكفى بذلك عقوبة. وقد روى عبدالعزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد. قيل: يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن[4].
*
وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي قال: أدّبه بالذكر. وأبعد القلوب من الله القلب القاسي، ولا يذهب قساوته إلا حب مقلق، أو خوف مزعج، فإن قيل: ما السبب الذي لأجله يلتذ المحب بحبه وإن لم يظفر بحبيبه؟ قيل: الحب يوجب حركة النفس وشدة طلبها، والنفس خلقت متحركة بالطبع لحركة النار، فالحب حركتها الطبيعية، فكل من أحب شيئاً من الأشياء وجد في حبه لذة وروحاً، فإذا خلا عن الحب مطلقاً تعطلت النفس عن حركتها وثقلت وكسلت وفارقها خفة النشاط، ولهذا تجد الكسالى أكثر الناس هماً وغماً وحزناً، ليس لهم فرح ولا سرور، بخلاف أرباب النشاط والجد في العمل أي عمل كان فإن كان النشاط في عمل هم عالمون بحسن عواقبه وحلاوة غايته كان التذاذهم بحبه ونشاطهم فيه أقوى. وبالله التوفيق". اهـ
••••

هذا ما استطاع العاجز بيانه وجمعه من أثر اللذة في النفس ومتى تضمن اطمئنانها وسعادتها، وقد رأى القارئ أنهما لا يتمان إلا باتباع نهج الدين الإسلامي، فعسى أن يوفق كل فرد إلى اتباع هذا النهج القويم، وسلوك هذا الصراط المستقيم إذ بالاتباع تنتظم حياة الأفراد، وبانتظام حياة الأفراد ينتظم أمر الجماعة، ويستقر وضعها على أساس ثابت متين.
فلقد كفى بالجماعة الإسلامية ما آلت إليه حالها، كفاها اضطراباً وحيرة، فالطريق واضحة ليس فيها عوج ولا التواء.
*
لقد اتبعت الجماعة الإسلامية أحكام دينها مدة من الزمان فرأى البشر في سيطرتها رحمة ونعمة، ثم انحرفت عن شرعها فرأى البشر في انحلالها البلاء والنقمة، لا عليها وحدها، بل على العالم أجمع! فعجباً لدعاة يميلون بها إلى السبل المفرقة لجمعها، الهدامة كيانها، إنا لا نرجو لهم إلا ما يرجوه المسلم لكفار الحق وعباد الباطل والحمد لله رب العالمين!!

[1] المقال الأول: تنظيم الغريزة الجنسية
[2] نقلاً عن الرسالة الحميدية للشيخ حسين الجسر ص90 و91.
[3] ملخصاً عن الرسالة الحميدية أيضاً.
[4] قال الحافظ العراقي في تخرج أحاديث الإحياء: رواه البيهقي في الشعب بسند ضعيف.

عبدالرؤوف الأسطواني
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27-10-2016, 03:47 PM
msila.fll msila.fll غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2016
المشاركات: 14
معدل تقييم المستوى: 0
msila.fll will become famous soon enough
افتراضي

مشكوووووووووور
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:47 AM.