اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-07-2018, 11:07 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New رؤية الله تعالى


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهـد أن محمداً عبده ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء:1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].
*
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
*
أيها الناس: إذا عظمت سيرة شخص، وحسنت صفاته وأفعاله، وكثرت منجزاته؛ تداول الناس سيرته، وتمنوا رؤيته، واستمعوا لقوله. وفي التاريخ البشري عظماء من قادة وعلماء وأدباء وشعراء وأسخياء وشجعان، يتداول الناس قصصهم، ويتلون سيرهم، ويستمتعون بأخبارهم، ويتمنون بعض ما لهم. وودوا لو أنهم رأوهم وجالسوهم واستمعوا لهم. هذه الأمنيات من بشر في بشر مثلهم، فما الظن برؤية الرسل عليهم السلام؟ ثم ما الظن برؤية الله تبارك وتعالى؟!
*
هنا.. وهنا فقط ترخص الدنيا وما عليها، وكم تعلقت قلوب المؤمنين برؤية ربهم سبحانه وتعالى. إنها ليست كأي رؤية مهما كانت.
إنها -أيها الإنسان- رؤية من خلقك ولم تك شيئا، ورؤية من هداك لما يصلحك ولولاه سبحانه لضعت، ورؤية من علمك ولولاه لضللت، ورؤية من علمك أنه ربك وخالقك، وأرسل لك رسله، وأنزل عليك كتبه، وفصل لك بداية الخلق ونهايته، وعاقبة المؤمنين ومصير المكذبين.
*
إنها رؤية من أنعم عليك في نفسك ووالديك وأهلك وولدك ومالك، ورؤية من دفع عنك الضر وأنت لا تدري، ورؤية من له في كل لحظة نعم متجددة عليك، وألطاف تحيط بك. ورؤية من تحتاجه في حياتك وبعد مماتك، ومن أنت مفتقر إليه في كل أمورك، ورؤية من كان حليما على جهلك، وصبورا على أذاك، وقد أمهلك في معصيتك، وفتح لك أبواب التوبة، ودلك على طرق الطاعة، وكان قادرا على أن يهلكك ويعذبك، ويبدل بك غيرك ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ﴾ [النساء: 133] وهو ذو الجلال والكمال والجمال، وهو الجميل الذي خلق الجمال، فكل جمال في خلقه فهو دليل على جماله سبحانه وتعالى، قَال أعلم خلقه به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فمن لا يشتاق إلى رؤيته بعد هذا كله؟!
*
كم تعفرت الجباه على الأرض لنيل رؤيته سبحانه، وكم سخت الأيدي بالبذل لأجلها، وكم لهجت الألسن داعية بها، وكم خشعت القلوب وسحت العيون عند ذكرها؟! يسهو المصلي في صلاته، ويغفل الداعي في دعائه، فإذا ذكرت رؤية الرب سبحانه في الدعاء رجع الخشوع، واهتزت القلوب، وتنبهت النفوس؛ لأنه أمر عظيم، بل هو أعظم أمر، وأعظم أمنية، وأعظم جزاء، وأعظم فوز.
*
هذه الرؤية مذكورة في القرآن الكريم تعريضا وتصريحا، وترغيبا وتشويقا، وتواترت بها الأحاديث النبوية، وأجمع عليها الصحابة والعلماء والأئمة. وآيات لقاء الله تعالى في القرآن من أدلة رؤيته سبحانه؛ لأن من لوازم اللقاء الرؤية والمعاينة ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110] ﴿ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ﴾ [العنكبوت: 5] وفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ﴾ [الأحزاب: 44] قال الإمام اللغوي أَبَو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى رحمه الله تعالى: «أَجْمَعَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ اللِّقَاءَ هَاهُنَا لَا يَكُونُ إِلَّا مُعَايَنَةً وَنَظَرًا بِالْأَبْصَارِ». وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: «وأجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نُسب إلى الحي السليم من العمى والمانع؛ اقتضى المعاينة والرؤية».
*
وفي حديث قصة شهداء بئر معونة رضي الله عنهم «فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ، فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، قال أنس رضي الله عنه فَكُنَّا نَقْرَأُ: أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ» رواه الشيخان. وقال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» متفق عليه.
*
وذكرت رؤية الله تعالى في القرآن صراحة في قول الله تعالى مشوقا للمؤمنين ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22- 23]، هذه الوجوه الموصوفة بالنضرة، وهي الحسن والسرور والنعومة قد استنارت وأشرقت بما هي فيه من النعيم تنظر إلى ربها سبحانه، فيكتمل نعيمها بنظرها إليه عز وجل. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «تَنْظُرُ إِلَى رَبِّهَا عَيَانًا بِلَا حِجَابٍ». وقَالَ الْحَسَنُ رحمه الله تعالى: «تَنْظُرُ إِلَى الْخَالِقِ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَنْضُرَ وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَى الْخَالِقِ».
*
وفي آية أخرى قال الله تعالى ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26] فالحسنى هي الجنة وما فيها من النعيم المقيم، والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، والأنس بقربه، وسماع كلامه، والفوز برضاه. وفي حديث صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ» وفي رواية: «ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾» رواه مسلم.
*
وفي موضع آخر قال سبحانه ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق: 34- 35] قَالَ جَابِرٌ وَأَنَسٌ رضي الله عنهما: «هُوَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ».
*
وقال سبحانه في الكفار ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [المطففين: 15] قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ رحمه الله تعالى: «كَمَا حَجَبَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَنْ تَوْحِيدِهِ حَجَبَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَنْ رُؤْيَتِهِ». وَقال الإمام مَالِكٌ رحمه الله تعالى: «لَمَّا حَجَبَ اللَّهُ أَعْدَاءَهُ فَلَمْ يَرَوْهُ تَجَلَّى لِأَوْلِيَائِهِ حَتَّى رَأَوْهُ». وَقَالَ الإمام الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: «فلما حجبهم في السخط، كان في هذا دليل على أنهم يرونه في الرضا».
*
ومن شوقنا لرؤية ربنا سبحانه وتعالى فإننا ندعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في سؤال الرؤية «اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِّنَا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لنا، وَتَوَفَّنَا إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لنا، اللَّهُمَّ وَنسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَنسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَنسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَنسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَنسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَنسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَنسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ».
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
*
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 223].
*
أيها المسلمون: ادخر الله تعالى نعيم رؤية عباده له في الدار الآخرة، ومنعهم في الدنيا منها؛ لضعفهم وعدم قدرتهم على تحمل رؤيته؛ ولذا فإن من ادعى أنه رأى الله تعالى عيانا فكلمه سبحانه مباشرة أو نحو ذلك فهو كذاب أشر، كما يزعم ذلك غلاة الصوفية؛ فإن الله تعالى لا يُرى عيانا في الدنيا، وقد طلب كليمه عليه السلام رؤيته فلم يره ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 143].
*
ولشيخ الإسلام ابن تيمية في معرض رده على منكري رؤية الله تعالى في الآخرة كلام عظيم متين يشرح فيه لم لا يستطيع أهل الدنيا رؤية الله تعالى عيانا، فيقول رحمه الله تعالى: «وَالْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ الْوُجُودِ أَكْمَلُ الْمَوْجُودَاتِ وُجُودًا، وَأَبْعَدُ الْأَشْيَاءِ عَنِ الْعَدَمِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِأَنْ يُرَى، وَإِنَّمَا لَمْ نَرَهُ لِعَجْزِ أَبْصَارِنَا عَنْ رُؤْيَتِهِ، لَا لِأَجْلِ امْتِنَاعِ رُؤْيَتِهِ، كَمَا أَنَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ أَحَقُّ بِأَنْ يُرَى مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ. وَلِهَذَا مَثَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَةَ اللَّهِ بِهِ فَقَالَ: «تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» شَبَّهَ الرُّؤْيَةَ بِالرُّؤْيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَرْئِيُّ مِثْلَ الْمَرْئِيِّ، وَمَعَ هَذَا فَإِذَا حَدَّقَ الْبَصَرُ فِي الشُّعَاعِ ضَعُفَ عَنْ رُؤْيَتِهِ، لَا لِامْتِنَاعٍ فِي ذَاتِ الْمَرْئِيِّ بَلْ لِعَجْزِ الرَّائِي، فَإِذَا كَانَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَكْمَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآدَمِيِّينَ وَقَوَّاهُمْ حَتَّى أَطَاقُوا رُؤْيَتَهُ، وَلِهَذَا لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْجَبَلِ خَرَّ مُوسَى صَعِقًا ﴿فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾. قِيلَ: أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُ لَا يَرَاكَ حَيٌّ إِلَّا مَاتَ، وَلَا يَابِسٌ إِلَّا تَدَهْدَهَ، فَهَذَا لِلْعَجْزِ الْمَوْجُودِ فِي الْمَخْلُوقِ، لَا لِامْتِنَاعٍ فِي ذَاتِ الْمَرْئِيِّ» انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
*
فمذهب أهل الحق من أهل الإيمان بأن الله تعالى لا يرى في الدنيا، وأن المؤمنين يرونه في الجنة، ويتنعمون برؤيته، بل ينسون كل نعيم برؤيته سبحانه؛ كما قَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ رحمه الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيَتَجَلَّى لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا رَآهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ نَسُوا نَعِيمَ الْجَنَّةِ».
*
نسأل الله تعالى أن يبلغنا ووالدينا وأهلنا وذرياتنا وأحبابنا ذلكم الموقف الكريم العظيم، والنعيم الكبير المقيم، إنه جواد كريم.
وصلوا وسلموا على نبيكم...

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-07-2018, 11:09 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New رؤية الله تعالى (2)


الحمد لله العزيز الوهاب، الكريم المنان؛ منَّ على المؤمنين بالهداية للإيمان، وجزاهم على إيمانهم بالرضا والجنان، وجمع لهم السعادة في الدارين، والفوز في الحياتين، نحمده حمداً كثيراً، ونشكره شكراً مزيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ اتصف بصفات الجلال والجمال والكمال، وتنزه على النظراء والأشباه والأمثال ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أكرمه ربه سبحانه بالعروج في السماء، حتى بلغ مبلغاً لم يبلغه ملَك مقرَّب ولا نبي مرسل، وما حجبه عن رؤية الله تعالى إلا النور، وذلك أن الله تعالى لا يرى عيانا في الدنيا، ولما سئل: «هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ» صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتقربوا إليه بما يكون سببا في نجاتكم، ورضاه سبحانه عنكم؛ فإن في رضاه عن عبده فوزاً كبيراً، ونعيماً مقيماً ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 72] ﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [التوبة: 21- 22] ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ﴾ [الإنسان: 20].

أيها الناس: في الصيف حرٌّ شديد يفر القادرون منه إلى البلاد الباردة، فيتمتعون بطيب هوائها، وعذوبة مائها، وخضرة أرضها، ونضج فواكهها. ويتذكر المؤمنون منهم بما يرون الجنة وما فيها من النعيم المقيم. ولا نعيم يعدل نعيم الجنة ولا يدانيه مهما كان، ولو ملك الإنسان الدنيا بكاملها من أول تاريخها إلى آخره، فلا تساوي ساعة في الجنة. فكيف الحال إن كان الخلد في الجنة أبدي، في نعيم لا يحول ولا يزول ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 16 - 17].

وأعلى نعيم الجنة وأعظمه وأكمله رؤية المؤمنين ربهم سبحانه، وكلامه لهم، ورضاه عنهم، وأنسهم به. وهي رؤية ادخرها الله تعالى لعباده في الآخرة؛ لعجز أبصارهم عن تحملها في الدنيا؛ ولذا لما سألها موسى عليه السلام في الدنيا أراه الله تعالى أنه لا يطيقها ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ﴾ [الأعراف: 143]. وأما في الآخرة فإن الله تعالى يمنح أهل الجنة حياة كاملة تليق بهم، فيطيقون رؤيته سبحانه، ويتلذذون بها.

والنعيم برؤية الله تعالى في الجنة جاء صريحاً في القرآن، وتواترت به الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22- 23] ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26] ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق: 35] فالزيادة والمزيد في الآيتين رؤية الله تعالى في الجنة.

وفي حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ، كَذَلِكَ يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ تَعَالَى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتَّبِعُونَهُ» وفي رواية: «حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا قَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا، فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا» رواه البخاري ومسلم.

ومعنى تضارون: أي لا يخالف بعضكم بعضاً فيكذبه، وجاء في رواية أخرى للبخاري قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «هَلْ تُمَارُونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ، قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ، قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ». والمعنى: هل تشكون، والمرية هي: الشك.

وفي حديث جَابِرٍ رضي الله عنه: «...ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: مَنْ تَنْتَظِرُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نَنْتَظِرُ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ، وَيَتَّبِعُونَهُ» رواه مسلم.

وقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن المؤمنين يعرفون ربهم سبحانه بالعلامة، والعلامة هي كشف الساق، وهو المذكور في قوله سبحانه ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [القلم: 42] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَقْسُو ظَهْرَ الْكَافِرِ فَيَصِيرُ عَظْمًا وَاحِدًا».

وعَنْه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَمْ تَرْضَوْا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ أَنْ يُوَلِّيَ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِلَى مَنْ كَانَ يَتَوَلَّى فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عُزَيْرًا شَيْطَانُ عُزَيْرٍ، حَتَّى يُمَثِّلَ لَهُمُ الشَّجَرَةَ وَالْعَوْدَ وَالْحَجَرَ، وَيَبْقَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ جُثُومًا، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا لَكُمْ لَا تَنْطَلِقُونَ كَمَا يَنْطَلِقُ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: إِنَّ لَنَا رَبًّا مَا رَأَيْنَاهُ بَعْدُ، قَالَ: فَيُقَالُ: فَبِمَ تَعْرِفُونَ رَبَّكُمْ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَلَامَةٌ، إِنْ رَأَيْنَاهُ عَرَفْنَاهُ، قِيلَ: وَمَا هِيَ؟، قَالُوا: يَكْشِفُ عَنْ سَاقٍ، قَالَ: فَيُكْشَفُ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ سَاقٍ، قَالَ: فَيَخِرُّونَ مَنْ كَانَ لِظَهْرِهِ طَبَقًا سَاجِدًا، وَيَبْقَى قَوْمٌ ظُهُورُهُمْ كَصَيَاصِيِّ الْبَقَرِ يُرِيدُونَ السُّجُودَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ» رواه الحاكم، وقال: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ووافقه الذهبي.

وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» رواه الشيخان.

اللهم إنا نسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 45 - 46].

أيها الناس: كان أئمة السلف، وأهل التحقيق من العلماء؛ يعتنون عناية فائقة بتقرير رؤية المؤمنين ربهم في الجنة، ويظهرون شوقهم لذلك المقام الكريم، وكيف لا يشتاقون لرؤيته وهو خالقهم وربهم ومعبودهم؛ «فَأَطْيَبُ مَا فِي الدُّنْيَا مَعْرِفَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ، وَأَلَذُّ مَا فِي الْجَنَّةِ رُؤْيَتُهُ وَمُشَاهَدَتُهُ». قَالَ الْحَسَنُ البصري رحمه الله تعالى: «لَوْ عَلِمَ الزَّاهِدُونَ الْعَابِدُونَ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْمَعَادِ لَزَهَقَتْ أَنْفُسُهُمْ فِي الدُّنْيَا».

ويحدث عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه فيقول: «رَأَيْتُ أَبِيَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُصَحِّحُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّؤْيَةِ وَيَذْهَبُ إِلَيْهَا، وَجَمَعَهَا أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابٍ وَحَدَّثَنَا بِهَا».

ولما جمع مجد الدين ابنُ الأثير أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورتبها ترتيبا بديعا في كتابه (جامع الأصول) عقد بابا خاصا في رؤية الله تعالى قال فيه: «وإنما أوردنا هاهنا أحاديث انفردت بذكر الرؤية، وجعلناها في آخر (كتاب القيامة) لأنها الغاية القصوى في نعيم الآخرة، والدرجة العليا من عطايا الله الفاخرة، بَلَّغنا الله منها ما نرجوه».

وكتب العلامة ابن القيم كتاباً عن الجنة وما فيها من النعيم، وأفرد باباً لرؤية الله تعالى في الجنة، وافتتحه قائلاً: «هذا الباب أشرف أبواب الكتاب، وأجلها قدراً، وأعلاها خطراً، وأقرها عيناً لأهل السنة والجماعة، وأشدها على أهل البدعة والضلالة، وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون، وتنافس فيها المتنافسون، وتسابق إليها المتسابقون، ولمثلها فليعمل العاملون. إذا ناله أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم، وحرمانه والحجاب عنه لأهل الجحيم أشد عليهم من عذاب الجحيم، اتفق عليها الأنبياء والمرسلون، وجميع الصحابة والتابعون، وأئمة الإسلام على تتابع القرون، وأنكرها أهل البدع المارقون». اهـ.

وبعد أيها الإخوة: فينبغي للمؤمن العناية بهذا الباب العظيم تعلما وتعليما، وتلقينا للأهل والولد؛ لأنه من أصول الاعتقاد، ولمراغمة أهل البدع والضلال فيه؛ ولأن فيه تعريفا للناس بخالقهم سبحانه، وتشويقا لهم إلى رؤيته، وحفزا لهممهم على الازدياد من الإيمان والعمل الصالح، وذلك أن من اشتاق إلى شيء اجتهد في الوصول إليه، ومن أحب لقاء الله تعالى أحب الله تعالى لقاءه.

أيها الإخوة: ومما يؤسف ما وقع هذا الأسبوع من اعتداء أليم على نقطة أمنية في القصيم من قبل غلاة سلموا عقولهم لغيرهم، واستسلموا لما يقذف عليهم من الشبهات، فصاروا معاول هدم وتخريب، وما عملهم إلا ضرب من ضروب الفساد في الأرض، وإخلال بالأمن، واسترخاص للأنفس المعصومة، وإذكاء لنار الفتنة، وهو عمل مخالف للشرع الحنيف، وتستنكره الفطر السليمة، وتنبو عنه العقول الرشيدة؛ لما ينتج عنه من زعزعة الأمن والاستقرار، ونشر الخوف والاضطراب، والله تعالى يقول ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56] وقال سبحانه ﴿ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 32].

فالحذر الحذر أيها الشباب من مضلات الفتن والأهواء؛ فإنها تردي أصحابها في الدنيا، وتوبقهم في الآخرة ﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ص: 26] ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153] ومن سعى في شق عصى الطاعة، ومفارقة الجماعة فهو مخالف لوصية الله تعالى بالاجتماع وعدم الفرقة، ومن خالف أمر الله تعالى فلن يفلح ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103] ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46].
وصلوا وسلموا على نبيكم...


الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:52 AM.