اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد نبينا .. للخير ينادينا

محمد نبينا .. للخير ينادينا سيرة الحبيب المصطفى بكل لغات العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22-01-2018, 08:33 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp تقريب الفوائد بشرح حديث جريج العابد


متن الحديث:
أخرج البخاري ومسلم واللفظ لمسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً، فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَقَالَتْ: اللهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ، فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ، قَالَ: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ، فَقَالَ: أَيْنَ الصَّبِيُّ؟ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ، وَقَالَ: يَا غُلَامُ مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِي، قَالَ: فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا. وَبَيْنَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ، وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا، فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ ". قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا، قَالَ: "وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ: زَنَيْتِ، سَرَقْتِ، وَهِيَ تَقُولُ: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: اللهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا، فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ، فَقَالَتْ: حَلْقَى مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ فَقُلْتُ: اللهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَقُلْتَ: اللهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وَمَرُّوا بِهَذِهِ الْأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ، سَرَقْتِ، فَقُلْتُ: اللهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا فَقُلْتَ: اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، قَالَ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا، فَقُلْتُ: اللهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا زَنَيْتِ وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرَقْتِ وَلَمْ تَسْرِقْ فَقُلْتُ: اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا ".

تخريج الحديث:
أخرجه البخاري (1206) (3436) ومسلم (2550) وأحمد (8071) (8072) وغيرهم.

معاني المفردات:
المهد: الموضِع يُهَيَّأُ لينامَ فيه الصبي؛ والمعنى حال الرضاع والصغر.
صومعة: معبد الرُّهبان في الأماكن النَّائية "{وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ}".
الْمُومِسَات: الفواجر المجاهرات بذلك.
امْرَأَةٌ بَغِيٌّ: زانية.
يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا: يضرب بحسنها المثل.
لَأَفْتِنَنَّهُ: لأغوينه بالفاحشة.
فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا: فأذنت له أن يزني بها.
فَوَقَعَ عَلَيْهَا: فزنى بها.
دابة فَارِهَة: أَي جميلة وحسنة ونَشيطة وحاذقة؛ وفي التنزيل العزيز: {وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين}.
وَشَارَة حَسَنَة: والشارة بالشين المعجمة وتخفيف الراء : وهي الجمال الظاهر في الهيئة والملبس.
تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ: حدثت الصبي وحدثها.
حَلْقَى: يقال امرأة عقرى حلقى؛ توصَفُ بالخلاف والشُّؤم ويقال: عَقَرَها الله: أي عَقَرَ جَسَدَها وأصابها بوَجَع في حَلْقِها واشتقاقه من أنَّها تحِلق قَوْمَها وتَعْقِرُهمُ: أي تَسْتَأصِلُهُم من شُؤمِها عليهم. [كتاب العين للفراهيدي (1 / 152)].

فوائد الحديث
فائدة (1): قوله صلى الله عليه وسلم " لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ" إجمال ؛ يأتي بيانه فيما سيلحق من الحديث؛ والمجمل هو موجز القول؛ ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الثلاثة في الحديث.

ومن الحكم البلاغية للإجمال؛ ووجود المجمل في النصوص:
أ- فيه توطئة للنفس لتقبل البيان.
ب- التنويع في الأساليب للتشويق والإثارة.
ج- فيه دلالة على عظم أمر البيان الذي سيتلو الإجمال.

فائدة (2) العدد والحصر
قال الإمام النووي: "قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ) فَذَكَرَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِمُ الصَّبِيُّ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي حَدِيثِ السَّاحِرِ وَالرَّاهِبِ وَقِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ الصَّبِيَّ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَهْدِ بَلْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ صَاحِبِ الْمَهْدِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا "[شرح النووي على صحيح مسلم(16/ 106)]

وقال بدر الدين العيني:
"(فَإِن قلت) ظَاهر هَذَا يَقْتَضِي الْحصْر وَمَعَ هَذَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس شَاهد يُوسُف كَانَ فِي المهد قَالَه الْقُرْطُبِيّ؛ وَعَن الضَّحَّاك تكلم فِي المهد أَيْضا يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام وَفِي حَدِيث صُهَيْب أَنه لما خدد الْأُخْدُود تَقَاعَسَتْ امْرَأَة عَن الْأُخْدُود فَقَالَ لَهَا صبيها وَهُوَ يرتضع مِنْهَا يَا أمه اصْبِرِي فَإنَّك على الْحق؛ (قلت): الْجَواب عَن ذَلِك بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين فِي الصَّحِيح لَيْسَ فِيهَا خلاف وَالْبَاقُونَ مُخْتَلف فيهم وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة: كَانَ صَاحب يُوسُف ذَا لحية؛ وَقَالَ مُجَاهِد: الشَّاهِد هُوَ الْقَمِيص وَالْجَوَاب الآخر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ذَلِك أَولا ثمَّ أطلعه الله على غَيرهم وَقد يُقَال التَّنْصِيص على الشَّيْء باسمه الْعلم لَا يَقْتَضِي الْخُصُوص سَوَاء كَانَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ باسمه الْعدَد مَقْرُونا أَو لم يكن (قلت): الْخلاف فِيهِ مَشْهُور" انتهى [عمدة القاري شرح صحيح البخاري (7 /284)].

قال الشيخ الألباني: لا يخالف هذا الحصر كلام صبي الأخدود الآتي في الحديث (2094). لأنه ليس فيه أنه كان في المهد، بل كان أكبر من صاحب المهد، وإن كان صغيراً يرضع، وأما حديث "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى وشاهد يوسف، وصاحب جريج وابن ماشطة بنت فرعون" فحديث باطل كما بينته في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (884)، وأما ما ذكره بعضهم أن يحيى عليه السلام ممن تكلم في المهد، فمما لا أصل له مرفوعاً، وإنما هو من زعم الضحاك في تفسيره كما ذكر الحافظ في "الفتح" (344/ 6). انتهى [ تحقيق مختصر صحيح مسلم للمنذري(2 /468)].

فائدة (3): كلام عيسى عليه السلام في المهد وذلك لتبرئة أمه مريم عليها السلام؛ لأنه عليه السلام -كما هو معلوم- ولد بغير أب؛ كما حكى الله تعالى في القرآن في قوله سبحانه :﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [مريم: 29 - 35].

فائدة (4) : اثبات كرامات الأولياء.
ومن فوائد الحديث إثبات كرامات الأولياء وهو مذهب أهل السنة خلافًا للمعتزلة؛ والكرامة هي الأمر الخارق للعادة ليس مقرونا بالتحدي؛ بخلاف معجزة الأنبياء فهي أمر خارق للعادة مقرونا بالتحدي؛ ويؤيد الله تعالى الأنبياء والرسل بالمعجزات لتدل على صدقه فيما يخبر عن الله تعالى؛ أما كرامات الأولياء فتحصل لتثبيتهم على الحق ولرفع مكانتهم ومنزلتهم ولتدل على صحة ما هم عليه، وعلى صحة الشريعة التي يعملون بها، ولهذا قيل: كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي يتبعه هذا الولي؛ لأنها شاهد من الله على صدقه. وكرامات الأولياء لا تزال موجودة إلى يوم القيامة يكرم بها الله من شاء من أوليائه؛ قال تعالى : ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ (يونس :62 -64).

ومن ذلك الكلام في المهد؛ وقد حصل من ذلك لجريج بأن أنطق الله تعالى الطفل في المهد لإثبات براءة جريج مما اتهم به؛ ولتفريج كربه وضيقه؛ واستجابة لدعائه وتوسله.

قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
الأولياء هم المؤمنون وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم بإحسان، وهم أهل التقوى والإيمان، وهم المطيعون لله ولرسوله، فكل هؤلاء هم الأولياء سواء كانوا عربا أو عجما بيضا أو سودا أغنياء أو فقراء حكاما أو محكومين رجالا أو نساء لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ فهؤلاء هم أولياء الله الذين أطاعوا الله ورسوله، واتقوا غضبه فأدوا حقه وابتعدوا عما نهوا عنه، فهؤلاء هم الأولياء وهم المذكورون في قول الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ﴾ الآية.

وليسوا أهل الشعوذة ودعوى الخوارق الشيطانية والكرامات المكذوبة، وإنما هم المؤمنون بالله ورسوله، المطيعون لأمر الله ورسوله كما تقدم سواء حصلوا على كرامة أو لم يحصلوا عليها. [مجموع فتاوى ابن باز (6/ 325)].

فائدة (5) : الإسرائيليات في الحديث النبوي.
وهذا الحديث من الإسرائيليات الصحيحة التي حكاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقلت بالسند المتصل الصحيح.

وأنواع الإسرائيليات ثلاثة:
(1) صحيحة معتبرة؛ وهي ما نقل بالسند الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي فيها أخبارا عن بعض الناس من أهل الكتاب.

(2) ضعيفة أو منكرة وهي المكذوبات التي لا تتوافق مع أصول الإسلام وثوابته؛ فهي مردودة.

(3) ما نقل عن أهل الكتاب من كتبهم أو من خلال بعض من أسلم منهم؛ ولا يخالف أصول الإسلام وقواعده؛ فهذا مما لا يصدق ولا يكذب؛ وقد ورد في ذلك حديث أبي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيَّ مرفوعا: " إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ " [أخرجه أحمد(17225) وأبو داود (3644) وحسن شعيب الأرناؤوط أسناده].

وأخرج البخاري (3461) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ».

فائدة (6): الوحي بالسنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في الحديث دلالة على أن مصدر السنة هو الوحي ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخبر عن الأمم السابقة إلا وحيا؛ فهو لم يدرس بل كان عليه الصلاة والسلام أميًا؛ ولم يعرف له مجالسة أهل الكتاب؛ وكذا ما أخبر عن وقوعه مستقبلا كل ذلك بالوحي؛ قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ * وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ (العنكبوت: 47 - 48).

وقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بجلاء ؛ ففي حديث الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ، وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ، وَلَا لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ، إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ» [أبو داود والترمذي وصححه الألباني].

وأخرج الشافعي في "المسند"(311) قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي وَاللَّهِ لا يُمْسِكُ النَّاسُ عَلَيَّ بِشَيْءٍ إِلا أَنِّي لا أُحِلُّ إِلا مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلا أُحَرِّمُ إِلا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ، اعْمَلا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنِّي لا أُغْنِي عَنْكُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا».

ومعنى قوله " لا أُحِلُّ إِلا مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَلا أُحَرِّمُ إِلا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ" لا يتكلم إلا بالوحي فكل أقواله وأفعاله وتقريراته المتعلقة بالتشريع وحي من الله تعالى.

قال الشاطبي - رحمه الله - :
كل ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من خبر فهو كما أخبر، وهو حق وصدق معتمد عليه فيما أخبر به وعنه، سواء انبنى عليه في التكليف حكم أم لا، كما أنه إذا شرع حكما، أو أقر، أو نهى، فهو كما قال - عليه الصلاة والسلام-، لا يفرق في ذلك بين ما أخبر به الملك عن الله، وبين ما نفث في روعه وألقي في نفسه، أو رآه رؤية كشف واطلاع على مغيب على وجه خارق للعادة، أو كيف ما كان فذلك معتبر يحتج به، ويبنى عليه في الاعتقادات والأعمال جميعا، لأنه - صلى الله عليه وسلم- مؤيد بالعصمة، وما ينطق عن الهوى. [ الموافقات (4 / 52) ط: محي الدين.]

فائدة (7): الرهبانية قبل الإسلام.
والرهبانية: التخلي عن الدنيا والزهد فيها والابتعاد عن البشر والتفرغ للعبادة.
وهي عند النصارى ومن شابهوهم تعنى الانقطاع عن الدنيا وحرمان النفس من شهواتها وملذاتها؛ فيتركون الزواج والطيبات من المآكل والملابس؛ ويتقشفون ويعيشون على فتات الأشياء؛ فاعتزلوا النساء واتخذوا الصوامع؛ وبعضهم لحقوا بالجبال ونزلوا البراري. قال تعالى : ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ (الحديد :27).

فائدة (8) الرهبانية في الإسلام.
لا رهبانية في الإسلام؛ فإن الإسلام دين لا يهمل متطلبات النفس وشهواتها؛ فيعطيها بالسبل المشروعة والطرق الحلال؛ فهو دين الوسطية والاعتدال فلا إفراط ولا تفريط؛ وقد أخرج أحمد (22291) وغيره حديث : "إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَلَكِنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ"

وفي حديث آخر مرفوعا: «إِنَّمَا بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، وَلَمْ أُبْعَثْ بِالرَّهْبَانِيَّةِ الْبِدْعَةِ، أَلَا وَإِنَّ أَقْوَامًا ابْتَدَعُوا الرَّهْبَانِيَّةَ فَكُتِبَتْ عَلَيْهِمْ، فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، أَلَا فَكُلُوا اللَّحْمَ، وَائْتُوا النِّسَاءَ، وَصُومُوا وَأَفْطِرُوا، وَصَلُّوا وَنَامُوا، فَإِنِّي بِذَلِكَ أُمِرْتُ» [الطبراني في الكبير (8 /170) (7715)].

وأخرج أحمد في المسند وخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (555) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ: أَوْصِنِي. فَقَالَ: سَأَلْتَ عَمَّا سَأَلْتُ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبْلِكَ، : «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ رَوْحُكَ فِي السَّمَاءِ، وَذِكْرُكَ فِي الْأَرْضِ».

وفي الصحيحين عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» [متفق عليه].

وفي الصحيحين أيضا عن عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: «رَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا». والتبتل: هو الانقطاع عن النساء وترك النكاح انقطاعا إلى عبادة الله.

وقد رغب النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النكاح فقال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» [متفق عليه من حديث ابن مسعود]

بيان أن الخلطة أفضل من العزلة إلا إذا كان في الخلطة شر
قال الشيخ ابن عثيمين:
والعزلة خير إذا كان في الخلطة شر، أما إذا لم يكن في الخلطة شر؛ فالاختلاط بالناس أفضل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم" .

لكن إذا كانت الخلطة ضرراً عليك في دينك، فانجُ بدينك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر" يعني يفر بدينه من الفتن. انتهى [شرح رياض الصالحين (3 /72)].

الفرق بين الرهبانية والاعتكاف
الاعتكاف سنة نبوية وهو لزوم المكث في المسجد بنية التقرب إلى الله تعالى؛ والاعتكاف لزوم مؤقت غير دائم؛ وهو مستحب غير واجب؛ إلا إذا نذره المعتكف؛ وهو فرصة للخلوة للذكر والعبادة؛ وكذا فرصة لشحذ الروح والجسد للعودة للحياة؛ بخلاف الرهبانية فهم ألزموا أنفسهم بها؛ وانقطعوا عن الحياة ؛ ورفضوا التعايش مع الناس بحجة الانقطاع للعبادة؛ قال تعالى : ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ (الحديد :27).

فائدة (9): جواز اتخاذ مكان للعبادة.
ويدل عليه حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَلَقِيتُ عِتْبَانَ، فَقُلْتُ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ، قَالَ: أَصَابَنِي فِي بَصَرِي بَعْضُ الشَّيْءِ، فَبَعَثْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلِّيَ فِي مَنْزِلِي، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى، ... " [أخرجه مسلم]

فائدة (10) فضل بر الوالدين.
ومما يستفاد من الحديث تعظيم شأن الأم ومن ثم الأب؛ فالوالدان حقهما عظيم عند الله تعالى على أبنائهم؛ قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ (الإسراء: 22 - 24). وقال سبحانه : ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ (النساء : 36) وقل جل شأنه: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ (الأنعام: 151). وقال سبحانه: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ﴾ (الأحقاف: 15) وقال سبحانه :﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (العنكبوت :8) وقال : ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ لقمان (14 - 15).

وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»[متفق عليه].

وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: "رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف" قيل: من؟ يا رسول الله! قال "من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة". [أخرجه مسلم].

فائدة (11): تقديم بر الوالدين على نافلة الصلاة.
ويستفاد من الحديث تقديم بر الوالدين على نافلة الصلاة؛ ولهذا قال العلماء: من دعاه والداه فإن كان في نافلة فليقطعها؛ وإن كان في فريضة فليخففها حتى يجيب والديه.

ولهذا بوب الإمام النووي في صحيح مسلم (16/ 105) فقال: باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها.

ثم قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (16/ 105) : قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الصَّوَابُ فِي حَقِّهِ إِجَابَتَهَا لِأَنَّهُ كَانَ فِي صَلَاةِ نَفْلٍ، وَالِاسْتِمْرَارُ فِيهَا تَطَوُّعٌ لَا وَاجِبٌ ، وَإِجَابَةُ الْأُمِّ وَبِرُّهَا وَاجِبٌ، وَعُقُوقُهَا حَرَامٌ ، وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَفِّفَ الصَّلَاةَ وَيُجِيبَهَا ثُمَّ يَعُودَ لِصَلَاتِهِ ، فَلَعَلَّهُ خَشِيَ أَنَّهَا تَدْعُوهُ إِلَى مُفَارَقَةِ صَوْمَعَتِهِ ، وَالْعَوْدِ إِلَى الدُّنْيَا وَمُتَعَلِّقَاتِهَا وَحُظُوظِهَا ، وَتُضْعِفُ عَزْمَهُ فِيمَا نَوَاهُ وَعَاهَدَ عَلَيْهِ.

فائدة (12) : إذا تعارضت الأمور بدئ بأهمها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
"وتمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية فقد يدع واجبات ويفعل محرمات" [مجموع الفتاوى، ابن تيمية (10 /512).]

فائدة (13): استجابة دعاء الوالدين في أولادهما.
ومما يستفاد من الحديث بيان أن دعاء الوالدين لأولادهما مستجاب ويؤكد هذا إستجابة الله لدعاء أم جريج على ولدها؛ ومن ذلك أيضا ما ورد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ شَيْءٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِجَابٌ، إِلَّا شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَدُعَاءَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ» [معجم أبي يعلى الموصلي(257)]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ " [ابن ماجه (3862) وأبو داود الطيالسي(2639) والطبراني في الدعاء (1323) وحسنه الألباني].

فائدة (14): النهي عن الدعاء على الأولاد.
فعلى المرء أن يوطن نفسه على أن يدعو لأولاده لا أن يدعو عليهم حتى لو كان الولد عاقا؛ فالعاق هو أولى بالدعاء له؛ بالهداية والتوفيق؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ» [أخرجه مسلم (3009) وأبو داود (1532)].

فائدة (15): بيان فضل العلم .
ومن فوائد الحديث بيان فضل العلم؛ فما وقع جريج رحمه الله فيما وقع فيه إلا بسبب تقديم النافلة على الفريضة والواجب؛ وتقديم الأهم وفقه الأولويات باب عظيم من أبواب العلم؛ وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن لدعوتهم وعلمه أن يبدأ بالأولى والأهم ففي الصحيحين عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى اليَمَنِ، قَالَ: « إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، ... » الحديث.

فائدة (16): رؤية وجوه أصحاب المنكر عقوبة.
يستفاد من الحديث وجوب العزلة والهجر لأهل المعاصي والذنوب إلا إذا كانت المجالسة لدعوتهم وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وإلا فمجالستهم بل رؤيتهم عقوبة، فإن أم جريج دعت عليه بأن يعاقب برؤية وجوه المياميس وهن الزواني الفاجرات المجاهرات بذلك.

فائدة (17): واستعينوا بالصبر والصلاة.
فإن جريجا لما اتهم لجأ إلى الصلاة فكما ورد في الحديث " فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَصَلَّى.. "وفي الآية قوله تعالى : ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ (البقرة : 45)
وقَالَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه: «رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ فِي شَمْلَةٍ يُصَلِّي، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى» [تعظيم قد الصلاة للمروزي (212) وحسنه الألباني]
وفي الحديث قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا» [أبو داود (4986) وأحمد(23088)]

فائدة (18): لا أبوة للزاني.
لا تثبت الأبوة للزاني؛ فولد الزنا ينسب لأمه حتى لو علم الزاني؛ فلعل في شريعتهم كان الولد ينسب للزاني بدليل قوله: " من أبوك" ؛ وقيل أن ذلك للسبب وهو النطفة؛ أي من ماء من أنت ؟.

فائدة (19): إن الله يدافع عن أوليائه.
فإن الله تعالى نجى جريجًا من كربه؛ وأيده بكرامة ترد عنه التهمة وتبرئ ساحته مما رمي به؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ (الحج : 38) وقال سبحانه : ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ ( الشرح : 5- 6).

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» [أخرجه أحمد (2669) الترمذي (2516) وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].

قال الفاكهاني: "معناه؛ احفظ أمر الله واتقه، فلا يراك حيث نهاك، واحفظ حدود الله ومراسمه التي أوجبها عليك، فلا تُضيع منها شيئًا، فإذا فعلت ذلك حفظك الله في نفسك ودينك ودنياك. وهذا من أحسنِ العبارات عن هذا المعنى وأبلغها وأجزلها، وهو من جوامع الكلم التي أوتيها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".[ "قوت المغتذي على جامع الترمذي" للسيوطي (2 /605)]

فائدة (20): أمن يجيب المضطر إذا دعاه.
قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ (النمل : 62).

قال ابن كثير (6 /204):
يُنَبِّهُ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ المدعُوّ عِنْدَ الشَّدَائِدِ، المرجُوّ عِنْدَ النَّوَازِلِ، كَمَا قَالَ: ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ ﴾ (الْإِسْرَاءِ: 67) ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴾ (النَّحْلِ: 53) . وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ أَيْ: مَنْ هُوَ الَّذِي لَا يَلْجَأُ الْمُضْطَرُّ إِلَّا إِلَيْهِ، وَالَّذِي لَا يَكْشِفُ ضُرَّ الْمَضْرُورِينَ سِوَاهُ.

ثم قال ابن كثير معقبا (6 / 204):
وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ رَجُلٍ -حَكَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الدّينَوَري، الْمَعْرُوفُ بالدّقّيِّ الصُّوفِيُّ -قَالَ هَذَا الرَّجُلُ : كُنْتُ أُكَارِي عَلَى بَغْلٍ لِي مِنْ دِمَشْقَ إِلَى بَلَدِ الزّبَدَاني، فَرَكِبَ مَعِي ذَاتَ مَرَّةٍ رَجُلٌ، فَمَرَرْنَا عَلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ، عَلَى طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكَةٍ، فَقَالَ لِي: خُذْ فِي هَذِهِ، فَإِنَّهَا أَقْرَبُ. فَقُلْتُ: لَا خبرَةَ لِي فِيهَا، فَقَالَ: بَلْ هِيَ أَقْرَبُ. فَسَلَكْنَاهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَكَانٍ وَعْر وَوَادٍ عَمِيقٍ، وَفِيهِ قَتْلَى كَثِيرٌ، فَقَالَ لِي: أَمْسِكْ رَأْسَ الْبَغْلِ حَتَّى أَنْزِلَ. فَنَزَلَ وَتَشَمَّرَ، وَجَمَعَ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، وَسَلَّ سِكِّينًا مَعَهُ وَقَصَدَنِي، فَفَرَرْتُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَتَبِعَنِي، فَنَاشَدْتُهُ اللَّهَ وَقُلْتُ: خُذِ الْبَغْلَ بِمَا عَلَيْهِ. فَقَالَ: هُوَ لِي، وَإِنَّمَا أُرِيدُ قَتْلَكَ. فَخَوَّفْتُهُ اللَّهَ وَالْعُقُوبَةَ فَلَمْ يَقْبَلْ، فَاسْتَسْلَمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقُلْتُ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَتْرُكَنِي حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ؟ فَقَالَ: صَلِّ وَعَجِّلْ. فقمت أصلي فَأرْتِج عليَّ الْقُرْآنُ فَلَمْ يَحضرني مِنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ، فَبَقِيتُ وَاقِفًا مُتَحَيِّرًا وَهُوَ يَقُولُ: هِيهِ. افرُغ. فَأَجْرَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِي قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾، فَإِذَا أَنَا بِفَارِسٍ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ فَمِ الْوَادِي، وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ، فَرَمَى بِهَا الرَّجُلَ فَمَا أَخْطَأَتْ فُؤَادَهُ، فَخَرَّ صَرِيعًا، فَتَعَلَّقْتُ بِالْفَارِسِ وَقُلْتُ: بِاللَّهِ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ. قَالَ: فَأَخَذْتُ الْبَغْلَ وَالْحَمْلَ وَرَجَعْتُ سَالِمًا.

قصة نجاة أحد الصالحين
وَذُكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحَسَنِ أَمِّ أَحْمَدَ الْعِجْلِيَّةِ" قَالَتْ: هَزَمَ الْكَفَّارُ يَوْمًا الْمُسْلِمِينَ فِي غَزَاةٍ، فَوَقَفَ جَوَاد جَيّد بِصَاحِبِهِ، وَكَانَ مِنْ ذَوِي الْيَسَارِ وَمِنَ الصُّلَحَاءِ، فَقَالَ لِلْجَوَادِ: مَا لَكَ؟ وَيْلَكَ. إِنَّمَا كُنْتُ أَعُدُّكَ لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ. فَقَالَ لَهُ الْجَوَادُ: وَمَا لِيَ لَا أُقَصِّرُ وَأَنْتَ تَكلُ عَلُوفَتِي إِلَى السُّوَّاسِ فَيَظْلِمُونَنِي وَلَا يُطْعِمُونَنِي إِلَّا الْقَلِيلَ؟ فَقَالَ: لَكَ عليَّ عَهْدُ اللَّهِ أَنِّي لَا أَعْلُفُكَ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إِلَّا فِي حِجْري. فَجَرَى الْجَوَادُ عِنْدَ ذَلِكَ، ونجَّى صَاحِبَهُ، وَكَانَ لَا يَعْلِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا فِي حِجْره، وَاشْتَهَرَ أَمْرُهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَجَعَلُوا يَقْصِدُونَهُ لِيَسْمَعُوا مِنْهُ ذَلِكَ، وَبَلَغَ مَلِكَ الرُّومِ أمرُه، فَقَالَ: مَا تُضَام بَلْدَةٌ يَكُونُ هَذَا الرَّجُلُ فِيهَا. وَاحْتَالَ لِيُحَصِّلَهُ فِي بَلَدِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلًا مِنَ الْمُرْتَدِّينَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ أَظْهَرَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ حَسُنت نِيَّتُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَقَوْمِهِ، حَتَّى اسْتَوْثَقَ، ثُمَّ خَرَجَا يَوْمًا يَمْشِيَانِ عَلَى جَنْبِ السَّاحِلِ، وَقَدْ وَاعَدَ شَخْصًا آخَرَ مِنْ جِهَةِ مَلِكِ الرُّومِ لِيَتَسَاعَدَا عَلَى أَسْرِهِ، فَلَمَّا اكْتَنَفَاهُ لِيَأْخُذَاهُ رَفَع طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ، إِنَّهُ إِنَّمَا خَدَعني بِكَ فَاكْفِنِيهِمَا بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَخَرَجَ سَبُعَانِ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَاهُمَا، وَرَجَعَ الرَّجُلُ سَالِمًا. [تفسير ابن كثير (6 /206) وتاريخ دمشق (70 /9)].

أدعية نبوية لحال الكرب
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» أخرجه البخاري ومسلم.

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعوات المَكروب: اللهمَّ رَحمتَك أَرجُو، وَلَا تَكلنِي إِلَى نَفسِي طَرفَة عَينٍ وأَصلِح لِي شَأنِي كُلهُ لَا إِلَهَ أَلَا أَنت"[البخاري في "الأدب المفرد" (701)].

وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهَا كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ: «اللهُ اللهُ رَبِّي، لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» [النسائي وابن ماجه].

فائدة (21): وجوب التثبت من الأخبار والشائعات وعدم المسارعة في التهمة بلا برهان.
قال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ (الحجرات: 6).

وقال سبحانه: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾**(الإسراء:36).

قال قتادة: "لا تقل سمعت ولم تسمع، ولا تقل رأيت ولم تر، فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله".

ويجب إحسان الظن بالمؤمنين؛ قال تعالى: ﴿ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾.

وقال تعالى: ﴿ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ (النجم :28).

وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ (الحجرات : 12).

وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ".

فائدة (22): الوضوء في الأمم السابقة.
الراجح من ظاهر النصوص أن الوضوء كان مشروعا في الأمم السابقة؛ ففي لفظ الحديث في صحيح البخاري برقم (3436): "فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الغُلاَمَ، فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلاَمُ؟ قَالَ: الرَّاعِي، .... " .

وقد أخرج الطبراني في الأوسط"(3661) بسنده عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَقَالَ: «هَذَا الْوُضُوءُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ» ثُمَّ تَوَضَّأَ ثِنْتَيْنِ ثِنْتَيْنِ، فَقَالَ: «هَذَا وُضُوءُ الْأُمَمِ قِبَلَكُمْ» ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، فَقَالَ «هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي».

واخرج ابن ماجة (419) والطبراني في "المعجم الكبير" (13/ 234) (13968) بسند ضعيف جدا: عن ابن عمر، قال: توضَّأَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مرَّةً مرَّةً، وقال: «هَذَا وَظِيفَةُ الوُضُوءِ الَّذِي لاَ يَقْبَلُ اللهُ صَلاَةً إِلاَّ بِهِ» ، ثم توضَّأ مرَّتين مرَّتين، وقال: «هَذَا القَصْدُ مِنَ الوُضُوءِ، ويُضَاعِفُ اللهُ الأَجْرَ لِصَاحِبِهِ مَرَّتَيْنِ»، ثم توضَّأ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: «هَذا وُضُوئِي ووُضُوءُ خَلِيلِ اللهِ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم، ووُضُوءُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي- صلواتُ اللهِ عليهم- ومَنْ قَالَ بَعْدَ فَرَاغِهِ: "أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، فَتَحَ اللهُ لَهُ مِنَ الجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ».

فائدة (23): كل ذي نعمة محسود.
وهذا حق ؛ والحسد بسبب الطاعة والصلاح أعلى وأشد؛ قال سبحانه : ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (البقرة: 109).
حَسَدُوا الْفَتَى إِذْ لَمْ يَنَالُوا سَعْيَهُ
فَالنَّاسُ أَضْدَادٌ لَهُ وَخُصُومُ
كَضَرَائِرِ الْحَسْنَاءِ قُلْنَ لِزَوْجِهَا
حَسَدًا وَبَغْيًا إِنَّهَا لَدَمِيمُ
*
وقد نهى الله ورسوله عن الحسد؛ ففي الصحيحين عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ».

فائدة (24): عداوة الشيطان وأوليائه لأهل الإيمان.
وقد ظهر هذا جليًا في عداوة عصبة الشر لجريج رحمه الله؛ حتى أنهم سلطوا عليه امرأة بغيا لفتنته؛ قال تعالى حاكيًا عن إبليس : ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ (ص :82 -83)

وقال سبحانه: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ (الإسراء :53). وقال عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ (فاطر: 5 - 6).

فائدة (25): ليس أحد بعيدًا عن تهمة أهل الباطل.
فالأنبياء والرسل لم يسلموا من طعن أهل الباطل وأولياء الشيطان؛ فقد رموهم بالجنون والسفاهة والسحر والشعر والكهانة.
ولهذا قال الشافعي - رحمه الله" -: ليس إلى السلامة من الناس سبيل، فانظر الذي فيه صلاحُك فالْزمْه""

الاحتياط للنفس والعرض
ولهذا احتاط النبي صلى الله عليه وسلم من وسوسة الشيطان لبعض الصحابة؛ ففي الصحيحين من حديث صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا، أَوْ قَالَ: شَيْئًا ".

فائدة (26): مشروعية الدفاع عن النفس
فإن جريجًا دافع عن نفسه وطعن في بطن الغلام متوكلا على الله فأنطق الله الرضيع ببراءة جريج؛ فلم يستسلم للتهمة الباطلة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ﴾ (الشورى:41)، وفي قوله تعالى : ﴿ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾ (البقرة:194).

ويوسف عليه السلام دافع عن نفسه قائلا - كما في القرآن: ﴿ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ﴾ (يوسف: 26).

وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: «فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ» [مسلم].

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» [أبو داود (4772)].

فائدة (27): من أتلف شيئا فعليه إصلاحه.
فمن أتلف أو أفسد مالا محترما فعليه ضمانه؛ بالقيمة أو بالمثل ومن ذلك قول جريج عن صومعته بعد تكسيرها " أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا".

قال تعالى: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِه ﴾ (النحل : 126).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدت طعاماً في قصعة، فضربت عائشة رضي الله عنها القصعة بيدها فألقت ما فيها وكسرتها فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - قصعة عائشة وردها " طعام بطعام وإناء بإناء".[ البخاري]
*
فائدة (28): عدم الاغترار بالمظاهر.
ومما يستفاد من الحديث عدم الإغترار بالمظاهر ففي الحديث قول الطفل الرضيع عن الرجل صاحب الشارة والدابة الفارهة: "اللهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ" لأنه كان جبارا ظالما ؛ ومما يؤكد هذا ما ورد في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ: اقْرَءُوا، ﴿ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [الكهف: 105]" متفق عليه.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أيضا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ» [مسلم (2622)]

وكذا أيضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ» [مسلم (2622)]

فائدة (29): الدنيا يعطيها الله للمؤمن والكافر.
فالله عز وَجَلَّ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ، ولهذا أكثر أهل الجنة الضعفاء وأكثر أهل النار الجبارون والمتكبرون فعَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ» . مُتَّفق عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَة مُسلم: «كل جواظ زنيم متكبر».

وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْتَجَّتِ النَّارُ، وَالْجَنَّةُ، فَقَالَتْ: هَذِهِ يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ، وَالْمُتَكَبِّرُونَ، وَقَالَتْ: هَذِهِ يَدْخُلُنِي الضُّعَفَاءُ، وَالْمَسَاكِينُ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ: أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ - وَرُبَّمَا قَالَ: أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ - وَقَالَ لِهَذِهِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا ".

فائدة (30): الوسيلة التعليمية لتقريب المعنى وتسهيل الفهم.
ويستفاد من الحديث التمثيل لتقريب الفهم والمعنى واستعمال ما يعين على ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم وضع إصبعه في فمه يحكي ارتضاع الصبي؛ وقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة التعليمية في أكثر من مناسبة؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الوَسَطِ، وَقَالَ: " هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ - أَوْ: قَدْ أَحَاطَ بِهِ - وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا " [البخاري].
*
وكذا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أيضا قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا خَطًّا ثُمَّ قَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ» ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ» ثُمَّ تَلَا ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ (الأنعام: 153). [الدارمي (208) وأحمد(4142) ].

فائدة (31): الترهيب من الظلم والطغيان .
وقد دعا الطفل الرضيع في الحديث بألا يجعله الله مثل الرجل لأنه كان جبارا ظالما متكبرا؛ والله تعالى يقول : ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴾ (طه : 111).

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا" .[مسلم( 2577)].

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"[ مسلم (2578)].

فائدة (32): فضل الصبر على الظلم.
الصبر على المظالم عاقبته إلى خير لا شك؛ إما في الدنيا والأخرة ؛ ومن ذلك صبر بلال رضي الله عنه؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَادُ، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا، إِلَّا بِلَالًا، فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ " [ابن ماجه(150)].

صبرا آل ياسر
وأخرج الطبراني في الأوسط (1508) عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَبِأَهْلِهِ، وَهُمْ يُعَذَّبُونَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ: «أَبْشِرُوا آلَ يَاسِرٍ، مَوْعِدُكُمُ الْجَنَّةُ».

وفي قصة صهيب رضي الله عنه
فعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, قَالَ: أَقْبَلَ صُهَيْبٌ مُهَاجِرًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ, وَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَانْتَثَلَ مَا فِي كِنَانَتِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْمَاكُمْ رَجُلًا, وَايْمُ اللَّهِ لَا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّى أَرْمِيَ بِكُلِّ سَهْمٍ مَعِي فِي كِنَانَتِي, ثُمَّ أَضْرِبَ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدِي مِنْهُ شَيْءٌ, ثُمَّ افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ, وَإِنْ شِئْتُمْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَالِي وَقَيْنَتِي بِمَكَّةَ وَخَلَّيْتُمْ سَبِيلِي", قَالُوا: نَعَمْ, فَفَعَلَ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ قَالَ: "رَبِحَ الْبَيْعَ أَبَا يَحْيَى رَبِحَ الْبَيْعَ أَبَا يَحْيَى , قَالَ: وَنَزَلَتْ ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ ". [مسند الحارث (679)].

فائدة (33): فضل قول: حسبي الله ونعم الوكيل.
ومن فوائد الحديث قول الأمَةِ المتهمة بالباطل ظلما وزوراً : " حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ" فهو دعاء الصالحين والمظلومين والضعفاء؛ وقد أمر الله به؛ قال تعالى : ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ (التوبة :129). وقو له تعالى : ﴿ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ (الزمر :38). وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ (آل عمران: 173). وأخرج البخاري بسنده (4563) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، «قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» حِينَ قَالُوا: ﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173].

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدِ التَقَمَ صَاحِبُ القَرْنِ القَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْمَرَ أَنْ يَنْفُخَ فَيَنْفُخَ» قَالَ المُسْلِمُونَ: فَكَيْفَ نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ تَوَكَّلْنَا عَلَى اللَّهِ رَبِّنَا» [الترمذي(3243) والحميدي في مسنده (771) وصححه الألباني].

فائدة (34): فضل ضعفة المسلمين والفقراء الخاملين.
ومما يستفاد من الحديث بيان فضل الضعفاء وبيان سوء عاقبة المتكبرين والظالمين؛ فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ، مُرَجِّلٌ رَأسَهُ، يَخْتَالُ فِي مَشْيَتهِ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ في الأَرضِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ». متفقٌ عَلَيْهِ.

وقد بوب الإمام النووي في "رياض الصالحين" (ص 103): باب فضل ضعفة المسلمين والفقراء والخاملين.

جاء فيه عن حارثة بن وهْبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: سمعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «ألاَ أُخْبِرُكُمْ بِأهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيف مُتَضَعَّف ، لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ، أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وعن أَبي عباس سهل بن سعد الساعِدِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٌ: «مَا رَأيُكَ في هَذَا؟»، فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا واللهِ حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ. فَسَكَتَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: «مَا رَأيُكَ في هَذَا؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَراءِ المُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أَنْ لا يُنْكَحَ، وَإنْ شَفَعَ أَنْ لا يُشَفَّعَ، وَإنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَولِهِ. فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلءِ الأرْضِ مِثْلَ هَذَا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «احْتَجَّتِ الجَنَّةُ والنَّارُ، فقالتِ النَّارُ: فِيَّ الجَبَّارُونَ وَالمُتَكَبِّرُونَ. وَقَالتِ الجَنَّةُ: فِيَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَمَسَاكِينُهُمْ، فَقَضَى اللهُ بَيْنَهُمَا: إنَّكِ الجَنَّةُ رَحْمَتِي أرْحَمُ بِكِ مَنْ أشَاءُ، وَإنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أشَاءُ، وَلِكلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا». رواه مسلم.

وعن أسامة - رضي الله عنه - عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ، وَأصْحَابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أنَّ أصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ. وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

فائدة (35): فضل الزهد.
يعني القناعة باليسير؛ والزهد في الملبس والأكل والمركب مع أن الله تعالى أباح الطيبات من الرزق؛ ولكن ينبغي ألا يكون بإسراف ومخيلة؛ قال تَعَالَى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله ورِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ ﴾ (الحديد: 20).

وقال تَعَالَى: ﴿ زُيِّنَ لِلْنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المآبِ ﴾ (آل عمران: 14).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ الْحَارِثِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَذَاذَةُ مِنَ الْإِيمَانِ»، قَالَ: الْبَذَاذَةُ الْقَشَافَةُ، يَعْنِي التَّقَشُّفَ. [أحمد وأبو داود وابن ماجه واللفظ له].

وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أبْشِرُوا وَأَمِّلْوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوالله مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلكِنِّي أخْشَى أَنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُمْ». متفقٌ عَلَيْهِ.

وعن أنس - رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشَ الآخِرَةِ». متفقٌ عَلَيْهِ.

هذا ما تيسر
والله من وراء القصد

أبو عاصم البركاتي المصري

__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 09:40 PM.