اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد نبينا .. للخير ينادينا

محمد نبينا .. للخير ينادينا سيرة الحبيب المصطفى بكل لغات العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-11-2017, 10:38 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp صفحات من ديوان الوفاء النبوي


إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
*
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون، إنَّ سيرة نبيِّنا محمد عليه الصلاة والسلام هي الصراط الأقوَم، والنموذج الأمثَل، الذي ينبغي أن يحتذيَه المسلمون في كل زمان ومكان، فما مِن خير وهدى إلا وقد دلَّنا عليه هذا النبيُّ الكريم صلوات ربي وسلامه عليه أبدًا دائمًا إلى يوم الدِّين، نعَم لم يَترك عليه الصلاة والسلام شيئًا يقرِّبنا إلى الجَنَّة إلا ودلَّنا عليه، ورغَّبَنا فيه، ولا شيئًا يقرِّبنا إلى النار، وفيه الضرر والشر؛ إلا بيَّنه لنا، وحذَّرنا منه، فما انتقَل إلى الرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام إلا وقد بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصَح الأمَّة، وجاهد في الله حقَّ جهاده، وترَكَنا على مثْل البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك.
*
وفي ظلال سيرته الشريفة عليه الصلاة والسلام نتفيَّأ القيَمَ والأخلاق والصفات الكريمة؛ التي لا تستغني عنها المجتمعات البشرية، فمحمد عليه الصلاة والسلام قرَّر الأخلاقَ السامية التي لا تنفكُّ المجتمعاتُ عن حاجتها إليها.
*
محمدٌ عليه الصلاة والسلام هو مَن زكَّاه ربه وعظَّم جنابه فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، فما مِن خُلق كريم إلا وقد تَمَثَّلَه عليه الصلاة والسلام، وكان نموذجًا في تطبيق هذا الخُلق العظيم، وما مِن خُلق سيِّء إلا وكان أبعدَ الناسِ عنه عليه الصلاة والسلام.
*
واليوم نقِف وإيَّاكم متأمِّلين مستلهِمين مسترشِدين خُطَى هذا النبي الكريم في خُلق عظيم نحتاجه جميعًا؛ ألا وهو الوفاء.
الوفاء الذي هو ضد الغدر، الوفاء الذي يتركَّب من مجموعةٍ من القيَم العظيمة؛ عدلٌ وصدقٌ ومبادرةٌ ونجدةٌ وإحسان، هكذا هو الوفاء، الوفاء الذي تَمَثَّلَ في شخْصِ نبيِّنا عليه الصلاة والسلام، فكان قائمًا به أعظَمَ القيام، كيف لا وهو الصادقُ الأمينُ منذ نعومة أظفاره، كيف لا وهو عليه الصلاة والسلام الذي تحمَّل أعظَمَ رسالة، وقام بأشرف مهمَّة في التاريخ وهي البلاغ للبشرية؛ بلاغها رسالات ربه إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.
*
وفي التطبيق العمليِّ زخرَت سيرتُه صلى الله عليه وسلم بمواقفَ عديدةٍ تُبيِّن وفاءه، وجزاءه الإحسان بالإحسان ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].
*
نستعرض وإيَّاكم شيئًا من هذه المواقف الشريفة، وما في غضونها من الدلائل المنيفة، فقد روى البخاريُّ رحمه الله في الجامع الصحيح؛ أنه لما أسَر المسلمون في غزوة بدر سبعين من المشركين، قال عليه الصلاة والسلام - وهو ينظر لهؤلاء الأسرى -: ((لو كان المُطعم بن عديٍّ حيًّا ثم كلمني في هؤلاء لتركتُهم له))، وفي رواية عند أبي داود: ((لأطلقتُهم له))؛ لو كلمني؛ شفَع في هؤلاء الأسرى، وطلَب أن أُطلقهم لأطلقتُهم له، فما السرُّ في هذا الموقف؟ ومَن هو المطعِمُ بن عدي الذي يَستحضِر النبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف اسمَه، ويُعظِّم مَطلبَه؛ أنه لو شَفَع في هؤلاء الأسرى أطلقتُهم له، مع أن المطعم بن عدي من المشركين الذين كانوا بمكة إبَّان إقامته عليه الصلاة والسلام بها، ومات مشركًا.
*
السبب في ذلك نسترجعه مع الرجوع إلى شهر شوال في السَّنة العاشرة من البعثة النبوية؛ لما كان عليه الصلاة والسلام مقيمًا بمكة، ولما رأى الأذى مِن قومه ورفضهم رسالته، وتكذيبهم قوله، وردَّهم ما دعاهم إليه، توجَّه عليه الصلاة والسلام بدعوته إلى قبائل أخرى خارج مكة، ذهب إلى الطائف، وعرض رسالته عليه الصلاة والسلام، إلى الطائف ويصحبه زيد بن ثابت رضي الله عنه، فلما خرج من مكة ووصَل الطائف لم يكونوا أحسَن حالًا مِن أهل مكة، بل إنهم تمادَوا في أذيته، وأغروا به السفهاء، وأعلنوا مسبَّته، ورموه بالحجارة حتى دميَت قدماه عليه الصلاة والسلام.
*
في تلك اللحظات العصيبة التي بلغ بها الجهد مبلغه بهذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وقد عَظُم عليه الخطب، وخاف ألَّا يقوم بهذه الرسالة، لم يكن خوُفه على جسده ولا على حياته، ولذلك كان مِن قوله: ((إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي))، وقد كانت رحمة الله سابغة، وفضله عظيمًا على هذا النبي الكريم؛ ففي هذه اللحظات العصيبة التي بلغ بها المشركون مبلغَهم في أذيَّته عليه الصلاة والسلام، يأتيه فرَج ربه حينما أرسل الله إليه جبرائيل عليه السلام سيد الملائكة ومعه ملك الجبال، وسلَّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا محمد، يا رسول الله، هذا ملَك الجبال؛ إن شئتَ أمرتَه أن يُطبق على أهل مكة الأخشبين فيهلكَهم.
*
وتأمَّلوا في هذه اللحظات فإنَّ مِن طبْع الإنسان أنه إذا ظُلم وهُضم، واعتُدي عليه، وأحَسَّ بألم العدوان والظلم والبهتان أن يتشبث بأي جزء لأن ينتصر، هذه أخلاق بني الإنسان بطبعهم لكنَّ محمدًا عليه الصلاة والسلام كان على غير هذا النحو، حضَرَت أخلاقُ النبوة، وحضرتْ خصالُه الكريمة التي درَج عليها: إنْ شئتَ أن يُهلكهم، وإنْ شئتَ أن يستأني بهم؟ قال: ((بل أستأني بهم؛ لعل الله أن يُخرج ِمن أصلابهم مَن يَعبد الله لا يشرك به شيئًا))؛ هكذا كان عليه الصلاة والسلام.
*
ثم حضر التساؤل كيف أعود لمكة؟ يقول زيد رضي الله عنه، وقد بلغ هو والنبي عليه الصلاة والسلام إلى بستان لعُتبة وشيبة ابنيْ ربيعة على بعد ثلاثة أميال من الطائف، لما رجعوا؛ يقول زيد رضي الله عنه -كما ينقل ذلك العلَّامة ابن القيم رحمه الله-: كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِم وَقَدْ أَخْرَجُوكَ؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((يَا زَيْد إِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا)).
*
هذه أخلاق الأنبياء؛ أنهم يتشبثون بالأمل بربهم جل وعلا، ويثقون به سبحانه، وبالأخص في أضيق الأحوال حينما ينقطع الرجاء في الأرض فتتعلَّق قلوبُهم بالله جل وعلا، كما قال أخوه موسى مِن قبل لما حُصر إلى البحر؛ قالوا: ﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 61، 62]، وهذا النبيُّ الكريم عليه الصلاة والسلام سجَّل القرآنُ قولَه لما كان أيضًا في الغار في الهجرة ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]؛ هكذا كان يَستحضِر عليه الصلاة والسلام أن الله معه بتأييده ونصْره والدفاع عنه.
*
وما هو إلا أنْ ثارت حمية رجلٍ مِن رجالات قريش: كيف نفعل هذا بمحمد؛ رمز الأخلاق والصدق والوفاء والإحسان؟ قال لقومه: كيف نفعل هذا بمحمد ونخرجه ونؤذيه؟ فما كان مِن المطعِم بن عدي إلا أن قام في قريش: (إني قد أجَرْتُ محمدًا فلا يَهْجُه أحدٌ منكم).
*
وانتهَى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم في مَسِيرِهِ وقد بلغ مكةَ، ووصَل إلى الكعبة المشرَّفة، والمطعم بن عدي قد أعلَن هذا الجوار، وقد لبِس سلاحَه، وأمَر أولادَه أن ينتصِبوا في أطراف الحَرم دفاعًا عن محمد عليه الصلاة والسلام.
*
فطاف عليه الصلاة والسلام بالبيت والمطعمُ بن عدي قد أجارَه وحوْله بَنُوهُ، ثم انصرف عليه الصلاة والسلام إلى داره والمطعم وأولاده مُحْدقون به بالسلاح حتى دخل بيتَه، وهنا استَحضَر النبيُّ عليه الصلاة والسلام بعد هذه السنين هذا الموقف ليقول: ((لو كان المطعم بن عدي حيًّا ثم سألني في هؤلاء الأسرى لأطلقتهم له)).
*
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: بأن ذلك مكافأة له على يدٍ كانت له عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمطعم فعَل هذا على عادة العرب في النخوة؛ فإنهم كانوا يحفظون هذه النخوة فيما بينهم، ويحفظون لأهل الجميل جميلهم ولو بعد حين، ولعل المطعم كان يَعلم لما لآباء النبي صلى الله عليه وسلم مِن يدٍ سابقة على آبائه.
*
وفي موقف آخر حينما قام أبو البختري، وكان في صفوف المشركين يوم بدر، لما كان يُقاتل معهم ضد المسلمين، فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا ت***وا أبا البختري))، ويوضِّح هذا ما أورده البيهقي في دلائل النبوة؛ أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((مَن لقِيَ أبا البختري بن هشام فلا ي***ْه))، ثم أورد البيهقي قول ابن إسحاق: وإنما نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن *** أبي البختري؛ لأنه كان أكفَّ القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، وكان لا يُؤذيه، وكان لا يَبلغُه عنه شيءٌ يَكرهه، وكان ممن قام في نقض صحيفة المقاطعة التي أخرج بها بنو هاشم ومَن معهم إلى الشِّعب شِعب أبي طالب فقاطعتهم قريش. فكان أبو البختري ممن قام في نقض هذه الصحيفة التي تعاقدَت عليها قريش.
*
فجاء النبيُّ عليه الصلاة والسلام ليردَّ هذا الجميل، وليتذكر هذا الصنيع حتى ولو كان مقاتلًا له أمامه ((مَن لقي أبا البختري فلا ي***ه)).
*
وهكذا صفحات حياته عليه الصلاة والسلام وفاءٌ وردٌّ للجميل، ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]. وكان مِن أعظم الناس على نبيِّنا عليه الصلاة والسلام يدًا وإحسانًا ولطفًا ورحمةً عمُّه أبو طالب، وقد كان يحزن نبيَّنا عليه الصلاة والسلام أن يرى هذا العم المحسنَ إليه أن يراه لا يزال مقيمًا على الشرك، فكان يتحسَّر ويتألم أن يكُون موتُه على الشرك، فلمَّا وافتْه منيَّته؛ أبو طالب وهو على هذا؛ أنه على دِين قومه، بلغ الحزنُ مَبلَغه من نبيِّنا عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا قدَر الله، ولذلك تنزلت الآيات: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء ﴾ [القصص: 56] وفي موضعٍ آخر: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ﴾ [التوبة: 113]، لكنَّ الله سبحانه وتعالى يحفظ جل وعلا لأهل الإحسان إحسانَهم، فيعجِّل لهم هذا الإحسانَ إن كانوا مشركين في الدنيا، وهذا مِن عدله سبحانه وتعالى، أما أبا طالب فإنَّ له خصوصية مِن بين غير المسلمين، فإنه قد خُفِّف عليه كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري؛ أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قلتُ للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أغنيتَ عن عمِّكَ؛ فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: ((هو في ضَحْضاح من النار، ولولا أنا لكان في الدَّرْك الأسفل من النار)).
*
وها هو عليه الصلاة والسلام يقِف موقفَ وفاء آخر مع عمِّه العباس، فقد أعطاه قميصًا له عليه الصلاة والسلام لما جيء به أسيرًا يوم بدر من صفوف المشركين، وكان ذلك قبْل إسلامه، وفِعْله هذا ردٌّ للجَميل، ووفاء لمواقفه معه، وبخاصة في بيعة العقبة.
*
وتتوالى مواقف الوفاء النبوي؛ فها هو عليه الصلاة والسلام يَفِي لسيدةٍ كريمةٍ سارَت معه مسيرة الصبر والإحسان والوفاء والحب والودِّ والحنان؛ إنها خديجة رضي الله عنها، فقد جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ حَتَّى يَذْكُرَ خَدِيجَةَ، فَيُحْسِنُ الثَّنَاءَ عَلَيْهَا، فَذَكَرَهَا يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ، فَأَخَذَتِنِي الْغَيْرَةُ فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ إِلَّا عَجُوزًا قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا، فَغَضِبَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: ((وَاللَّهِ مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا، آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ َكَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ مِنْهَا الْوَلَد دُوْنَ غَيْرِهَا)) قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ فِيْ نَفْسِي: وَاللَّهِ لَا أَذْكُرُهَا بَعْدَهَا بِسُبَّةٍ أَبَدًا. رواه أحمد وغيره.
*
وهكذا وفاؤه عليه الصلاة والسلام مع مَعارفه الذين كانوا يَعرفهم مِن قبل؛ إما لصحبة أو جيرة أو غير ذلك، ويوضِّح هذا ما رواه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها قالت: جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ لَهَا: ((مَنْ أَنْتِ؟)) قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ)).
*
هذه السيدة يَعرفها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وإلا لما ضُيفَتْ في بيته، لكنه أراد أن يُقرِّر اسمَها هل كان على ما كان من قبل إبَّان جيرتها أم تغيَّر؟ فقالت: هو هو أنا جثَّامة، وكان مِن هدْيه عليه الصلاة والسلام أن يُغيِّر الاسمَ الذي يُعطي معنى غيرَ سليم إلى ما هو أفضل منه فقال: ((بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ))، ((كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟)) قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ. تقول عائشة: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ تحتفي بها هذه الحفاوة؟ مَن تكون هذه المرأة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا أيَّامَ زَمَن خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ)).
حُسن العهد مِن دلائل صدق الإيمان وكماله.
*
وها هو عليه الصلاة والسلام وهو يَرى إنعامَ ربِّه جل وعلا بكمال هذه الشريعة بعد أن بلَّغ عن ربه، ورأى ما رأى مِن الخير وانتشار الإسلام، يَستحضِر أصحابَ أيادي الإحسان معه، ويقول: ما مِن أحد إلا قد وفَّيناه وكافأناه على ما كان مِن إحسانه، لكنه يَستحضِر يدًا كريمةً عظيمةً لها أثرُها في الدعوة إلى الإسلام، فيقول عليه الصلاة والسلام: ((ما لأحدٍ عندنا يدٌ إلا وقد كافَيناه ما خلا أبا بكر، فإنَّ له عندنا يدًا يُكافئه الله بها يوم القيامة)). رواه الترمذي.
*
وبعدُ أيها الإخوة المؤمنون، هذا نبيُّكم محمد عليه الصلاة والسلام مضربُ المَثَل في الأخلاق والقمَّة في الوفاء، هذا الخُلق الذي درج عليه طيلة حياته الشريفة، فما أحْرانا أن نكون على هذا المنوال، وأن نرتسم هذا الطريق، فإننا جميعًا بحاجة للتخلُّق بهذا الخُلق الذي لا تنفكُّ المجتمعاتُ عنه.
*
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيَّاكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين مِن كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
*
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدِّين، وصلى الله وسلَّم على المبعوث رحمة للعالمين نبيُّنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين.
*
أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنه قال: ما خطَبَنا نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: ((لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ له، ولا دِينَ لِمَن لا عهدَ له)).
*
هذا الحديث الصحيح يقرِّر ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام مِن خُلق الوفاء، ودعوته لأن يكون المسلمون كلهم كذلك. هذا الخُلق الذي نحتاجه جميعًا، ونحتاجه أكثر ما يكون مع مَن لنا صلة بهم متكررة، فالأرحام وخاصةً الوالدان هم أحقُّ الناس بالوفاء، فهم أعظمُ الناس عليك يدًا، ولو بذلتَ عمركَ كله خادمًا عند قدميهما ما وفَّيْتَ إحسانهما، ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]، وأنَّى لك أن تردَّ وفاءً لوالديك بذلا لأجلك مهجتيهما، وبذلا لأجلك كل خير ومعروف، ولو توقف ذلك على حياتهما، ولذلك لن يُوَفِّي أحدٌ حقَّ والديه مهما بذل ومهما أنفق، ولكنه لعله أن يُبارَك له في وفائه وبرِّه لوالديه فيرضَى اللهُ عنه.
*
وهكذا الأرحام أحقَّ الناس بالوفاء، وهكذا مَن تربطك به علاقةٌ عظَّمها اللهُ وهو الزوج، الوفاء بين الزوجين أحقُّ ما يكون مِن الإنسان، والله سبحانه قد عظَّم ذلك: ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21]؛ فهذا الميثاق بين الزوجين عظيم عظَّمه الله، وهو أحق بالوفاء والرعاية والتكريم، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في المشهد العظيم في عرفة: ((فإنكم استحللتم فروجهن بكلمة الله)).
*
وهكذا الوفاء للجيران؛ لأن الجار لا يطمئنُّ إلا إذا أمِن شرورَ جارِه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((واللهِ لا يُؤْمِنُ، واللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ. قيلَ: مَنْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: مَنْ لا يأْمَنُ جارُهُ بَوائِقَهُ)).
*
لا يؤمن الذي لا يأمن جارُه شرورَه، وأن يعتدي عليه، أو أن يخونه، ولذلك عُظِّم حقُّ الجار في شريعة الإسلام حتى قال عليه الصلاة والسلام: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننتُ أنه سيورِّثه)).
*
بل إنَّ الذي ينتهك هذه الحرمة جرمُه عظيم، وذنبُه كبير، حتى إنه جاء في الحديث ((لأن يزني رجل بسبعين امرأة أهوَن مِن أن يزني بحليلة جاره)).
فالجار معظَّم حقُّه، وجاء الإجلال لِجَنَابِهِ في الشريعة في نصوص عديدة.
*
وهكذا الوفاء مع كل مَن تربطك به صلة، كل مَن جالستَه ولو لحظة فإن له مِن الحق أن تفِي له، وأن تكون قائمًا بحق هذا المجلس الذي جلستَه معه، والعرب تقول: الحُرُّ يحفظ وُدَّ ساعة.
هكذا يكون المؤمن على هذا المنوال في حفظه لحقوق الآخرين والوفاء معهم.
*
وما أجمل ما قاله العلَّامة ابن حزم رحمه الله؛ فإنه ذكَر في شأن الوفاء؛ وأنه مركَّب من مجموعة من الأخلاق وهي (العدل والجود والنجدة)؛ لأن الوفيَّ يقوم بهذه الأمور على وجه الكمال، فهو يعدل، وهو يجود، وهو يُبادر وينجد. هكذا يكون المؤمن الذي ترسَّم وتمثَّل هذا الخُلق العظيم.
*
وفي زماننا اليوم ربما كثرَت القضايا في المحاكم في إنكار الحقوق بسبب غياب هذا الخُلق بين الناس، ولو أن الناس وفَّوا ما يجب عليهم لما كثُرت الخصومات، ولما كثُرت الدعاوى والادعاءات التي أفسدت كثيرًا من العلائق وضيَّعت الحقوق.
*
وبعد أيها الإخوة المؤمنون، فما أحوجَنا لهذا الخُلق، وما أحوجَنا لأن نقتدي بنبيَّنا عليه الصلاة والسلام، حتى ولو خانك وأخطأ عليك خَصمُك، فلا تخُن مَن خانك، ولكن تكِلُه إلى الله، ثم تَتمثَّل أخلاقك أنتَ، ولا تُقابل السوء بالسوء، وإنما تُقابل السوء بالتجاوز عنه، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((وطِّنوا أنفسكم إنْ أحسَن الناسُ أن تُحسِنوا، وإنْ أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم)).
*
ألا وصلُّوا وسلِّموا على خير خَلق الله نبيِّنا محمد؛ فقد أمَر ربُّنا بذلك فقال عزَّ من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
*
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
*
اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمَّة المهديِّين أبي بكر وعُمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا؛ ربنا إنك رؤوف رحيم.
*
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
اللهم مَن أراد بالإسلام والمسلمين خيرًا فبارك له وأعزَّه، ومَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا اللهم فاكفِ المسلمين شرَّه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.
*
اللهم ابسُط علينا في بلادنا مزيد الأمن والاستقرار والرخاء، وأعِذْنا مِن الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أعِذْنا من الزنا والربا والزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن يا رب العالمين.
*
اللهم أصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، اللهم مَن ولي مِن أمور المسلمين شيئًا اللهم فافتح عليه بالتيسير واهده سُبل السلام، اللهم وفِّق ولي أمرنا ونائبه لما فيه خير العباد والبلاد، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة الناصحة، وأبعِد عنهما بطانة السوء يا رب العالمين، اللهم وَلِّ على المسلمين خيارَهم، واكفِهم شرارَهم.
*
اللهم احقِن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح ذاتَ بينهم، وألِّف بين قلوبهم، اللهم ادفع عنهم الفتن، وارفع عنهم الضر يا رب العالمين.
*
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما رَبَّوْنا صغارًا.
اللهم أصلح لنا نيَّاتنا وذرياتنا، اللهم فرِّج همومنا ونفِّس كروبنا، ويسِّر أمورنا يا رب العالمين.
اللهم أحسِن عاقبتَنا في الأمور كلها برحمتك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:25 AM.