اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > القسم الأدبى

القسم الأدبى قسم يختص بنشر ما يكتبه كبار الشعراء والأدباءء والفلاسفة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-05-2013, 08:17 PM
محمد فتحي يوسف محمد فتحي يوسف غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 12
معدل تقييم المستوى: 0
محمد فتحي يوسف is on a distinguished road
افتراضي قراءة في رواية أم سعد


قراءة في قصة أم سعد
رواية أم سعد لغسان كنفاني تمثل نموذج للأدب الواقعية الاشتراكية، الذي انتشر تحديدا بعد ثورة أكتوبر1917 في روسيا، ففي هذا العمل أراد كنفاني أن يقترب أكثر من القارئ، فجعل من أم سعد ـ المرأة الفلسطينية ـ الراوي الأساسي للأحداث، فكانت لغتها بسيطة وقريبة جدا من فهم القارئ أي كانت ثقافته، وقد تضمن العمل الروائي العديد من العبارات العامية، وهذا طبيعيا سيخدم النص والفكرة من ورائه، فالعبارات التالية رغم عاميتها إلا أن لها وقع على القارئ أكثر مما لو استخدمت الفصحى، فها هي أم سعد تخاطب ابنها " ولو يا سعيد؟ ألا تعبط أمك وتبوسها بعد هذا الغياب" ص46، مثل هذه العبارة تجعل القارئ يقترب أكثر من النص بحيث يبدو له قد صدر من المحيطين به وليس من نسيج الخيال الكاتب.
كما استخدم كنفاني اللهجة العامية على لسان سعد عندما كان محاصرا.
" يما يما ... ياما ردي علي ... انا هون ... انا سعيد ياما جوعان " ص48-51، ايضا تمثل هذه الألفاظ اسلوب اقتراب الكاتب من القارئ، ولا تجعل من النص شيئا غريبا أو بعيدا عنه.
الرواية جاءت منسجمة مع تسميتها " أم سعد " فهي رواية المرأة الفلسطينية بكل ما تحمل من معنى، أي إنها كانت تعمل لدعم العمل الفدائي وأيضا تعمل من اجل لقمة العيش، وهذا يجعلها تجاهد على جبهتين، يتطلبان بذل الجهد الجهيد،
"ـ ولست حزينة أو غاضبة؟
ـ لا. قلت لجارتي هذا الصباح. أود لو عندي مثله عشرة. انا متعبة يا ابن العم. اهترأ عمري في ذلك المخيم. كل مساء أقول يا رب، وكل صباح أقول يا رب، وها قد مرت عشرون سنة، وإذا لم يذهب سعد، فمن سيذهب؟" ص31، مثل هذا الموقف ينم عن الوعي الكامل لطبيعة الحياة التي مرت بها أم سعد، و الطريق للخلاص الذي سيلبي لها ولأهل المخيم طموحهم.
قد يبدو بان أم سعد كانت مجردة من عواطف الأمومة، وامرأة من حجر لا قلب بها، ولكن يمثل موقفها من إرسال ابنها إلى العمل الفدائي وعي مطلق بطبيعة الخلاص مما هي فيه،
ورغم ذلك هي أم كأي أم تحن وتشتاق وتحب ابنها.
" قلت للمرأة التي جلست بجانبي في الباص أن ولدي أضحى مقاتلا ـ آنذاك بدا صوتها، بلا ريب، مختلفاً، ـ ولذلك تذكرت الآن ـ قلت لها أني أحبه وسأشتاق له، ولكنه جاء ابن أمه... أتعتقد أنهم سيعطونه رشاشا؟ ... أود لو كان قريبا فأحمل له كل يوم طعامه من صنع يدي" ص32، مثل هذه العبارات تنم عن العاطفة الجياشة للام، فهي أم تحمل من الحنين ومحبة ابنها الشيء الكثير، ومع هذه المشاعر لم تعارض إرسال ابنها في عمل فدائي، فيبدو لنا عظمة الأم التي تحمل هذه العاطفة وترسل ابنها إلى الموت.
أما المجاهدة في الجبهة الثانية ـ لقمة العيش ـ فقد جاءت أيضا على لسان أم سعد عندما قالت
"أتدري؟ إن الأطفال ذل، لو لم يكن هذين الطفلان للحقت به لسكنت معه هناك، خيام؟ خيمة عن خيمة تفرق، لعشت معهم، طبخت لهم طعامهم. خدمتهم بعيني ولكن الأطفال ذل" ص32و33، مهنا يتجلى الوعي الحقيقي للمأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني، وطريقة الخلاص لهذه المأساة، كما ينم حديثها ـ والذي جاء بعضه عاميا ـ يعطي القارئ الانسجام والاندماج معها.
كما هو حال الأدب الاشتراكي الذي يتناول الطبقية في المجتمع، استخدم غسان هذا الطرح في روايته
" ـ عبد المولى متزعما حمولته، رجل عنده أرزاق ويشغل الفلاحين ويملك زيتونا ويبيعه لشركة قرمان، أنت لا تذكر تلك الأيام، وطبعا أنت لا تعرف فضل، فضل فلاح من حالاتنا، لا ارض ولا مي، وفي ثورة 36طلع فضل إلى الجبال. كان حافي القدمين، حمل مرتينة وغاب طويلا."ص66و67، يتجلى هنا الفكر الطبقي بكل وضوح، فدائما الفلاح الفقير يمثل الثورة، بينما الغني البرجوازي يمثل الاستكانة والعمالة للسلطة، ولكن الطرح الطبقي هنا لم يكن مجرداً، بمعني أن الكاتب ينحاز للفقراء لأنهم فقراء، وهو ضد الأغنياء لأنهم أغنياء، أو لان الواقعية الاشتراكية تعمل على هذه الوتيرة، بل يمثل وعي طبقي عند أبطاله، فهم يتفهمون ما يجري حولهم ويحللون الماضي بشكل منطقي، من هنا فهم لا ينزلقون إلى الصراع الذاتي الذي أوجده المستغلين لهم،
" ـ كانوا يعطونني سبع ليرات، أنا امرأة عندي أربعة أولاد، وقالوا لي سبع ليرات كثير
ـ وجعلوني أنا اقطع رزقك. الله يقطع رزقهم" ص75، هذا الوعي لطبيعة الصراع الطبقي وتحديد مسبباتها وكيف العمل لحله، يشكل مبررا لموقف الكاتب من هؤلاء المستغلين للفقراء، وليس هكذا جزافا.
حضور المرأة في أم سعد
استخدم غسان أكثر من أنموذج للمرأة في هذا العمل، فهناك الراوي الرئيس للعمل أم سعد، وهناك العجوز التي قدمت لسعد ورفاقه الطعام وهم محاصرون، وهناك المرأة التي جلست بجانب أم سعد في الباص، وهناك أم ليث، ومن خلال هذا الحضور للمرأة نستطيع القول بأنها رواية المرأة بامتياز
لكن هل نستطيع القول بان غسان كنفاني ـ انزلق ـ إلى الأدب الواقعي الاشتراكي، وهذا العمل ـ أم سعد ـ يمثله بالكامل؟، نعتقد بان الإجابة عليه سيكون بالنفي قطعياً، فقد كانت الرمزية تتكرر كثيرا في هذا العمل
"... وسحبت من فتحتها عرقا بدا يابسا، ورمته نحوي:
ـ " قطعته من دالية صادفتني في الطريق، سأزرعه لك على الباب، وفي أعوام قليلة تأكل عنباً "ص18و19هذا الحدث كان في بداية الرواية وجاء في نهايتها
"ـ برعمت الدالية يا ابن العم برعمت وخطوت نحو الباب حيث كانت أم سعد فوق التراب، حيث غرست ـ منذ زمن بدا لي في تلك اللحظة سحيق البعد، تلك العودة البنية اليابسة التي حملتها إلي ذات صباح، تنظر إلى رأس أخضر كان يشق التراب ب***وان له صوت" ص92، نحن لا ننكر على الواقعية الاشتراكية استخدامها الرمز، ولكن بمثل هذه الكيفية وهذا الطرح من الصعب عليها تناوله.
وعلى الجانب الآخر استطاع غسان أن يستخدم أحداث ـ غير منطقية ـ عند الواقعيين الاشتراكيين، وذلك عندما تم محاصرة سعد ورفاقه
كان الخيار صعباً، قال سعد، وقرروا الانتظار حتى المساء قبل أن يعقدوا العزم على قرار.
وعند الظهر قال سعد لرفاقه: ها قد جاءت أمي!
ونظر الرجال إلى رأس الطريق المنحدر كالثعبان من التلة، وهناك رأوا امرأة في ثوبها الريفي الطويل
الأسود تنزل قادمة صوبهم. تحمل على رأسها بقجة، وفي يدها رزمة من العروق الخضراء.
وبدت لهم عجوزاً، في عمر أم سعد وفي قامتها العالية الصلبة، ومن خلال الصمت المخيم كصمت
الموت،كان صليل الحصى تحت قدميها العاريتين يسمع كأنه الهمس.
وقال أحد الأربعة:
-أمك؟ أمك في المخيم يا أخوت..ضربك الجوع بالعمى!
وقال سعد:
-انتم لا تعرفون أمي..إنها تلحق بي دائماً، وهذه أمي.
وصارت المرأة في محاذاة مكمنهم، وباتوا يسمعون حفيف ثوبها الطويل المطرز بالخيوط الحمراء،
ونظر إليها سعد، من خلال أشجار العليق التي تسد مكمنه، وفجأة ناداها:
" -يما يما."
-وتوقفت المرأة لحظة، وأدارت بصرها في الحقول الصامتة حولها، وظلوا يراقبونها صامتين فيما
أمسك أحدهم بذراع سعد وضغط عليها محذراً، لحظة، لحظة أخرى، احتارت المرأة، ثم عادت تسير.
خطوتان، ثلاث خطوات، واعاد سعد نداءه:
" - يا يما ، ردي علي" !
مرة أخرى وقفت المرأة، ونظرت حولها محتارة، وحين لم تر
شيئاً أنزلت الصرة عن رأسها ووضعتها
على الأرض وأراحت فوقها رزمة العروق الخضراء، وحطت كفيها على خاصرتيها وأنشأت، بعينيها،
تنقب في دغول العليق حولها.
وقال سعد:
" -أنا هون يما!"
والتقطت العجوز مصدر الصوت، فتأملته برهة إلا أنها لم تر
شيئاً، وأخيراً انحنت فلمت قضيباً مشقت
عنه أوراقه وخطت نحوهم خطوتين، ثم وقفت ونادت:
" -لماذا لا تخرج وتريني نفسك؟"
ونظر الرجال نحو سعد الذي تردد برهة، ثم علق رشاشة على كتفه، وسار بهدوء نحو المرأة:
" -أنا سعد ، يا يما ، جوعان!"
وسقط القضيب من يد الفلاحة العجوز وهي تحدق إلى الشاب الذي ولده الدغل الشائك ينحدر نحوها بالكاكي وبالرشاش على كتفه، أما رفاقه فقد هيأوا بنادقهم، فيما أخذ سعد يقترب من العجوز.
وقالت المرأة:
" - يجوع عدوينك يا ابني..تعال لعند أمك"
وأقترب سعد أكثر، كانت خطواته مطمئنة وكان رشاشة ما زال يتأرجخ على كتفه من غير اكتراث،
وحين صار على بعد خطوة منها فتحت ذراعين واحتضنته: " يا حبيبي..يا ابني..الله يحميك."
وقال سعد:
" -يا يما، بدنا أكل"
وانحنت المرأة فناولته الصره، وحين أخذها رأى عينيها تدمعان، فقال لها:
" -حلفتك بالنبي لا تبكي يا يما"!
قالت العجوز:
" -معك بقية الأولاد؟ أطعمهم. في المغرب سأمرق من هنا واضع الزوادة على الطريق..الله يحميكم يا
أولادي"
وعاد سعد بالزوادة، ولم يلحظ رفاقه أية دهشة في ملامحه. أكلوا، وقال أحد رفاقه:
" -لنغير مكاننا، فقد تعود بالعسكر"
إلا أن سعد لم يرد، وبعد قليل قال لهم:
-إنها أمي، وقد رأيتم ذلك بأنفسكم، فكيف تعود بالعسكر؟"
وفي المساء جاءت العجوز فوضعت الزوادة، ووضعتها هناك فجر اليوم التالي، وفي كل مرة كان سعد
يناديها من وراء الدغل:
" - يسلموا أيديكي يما"
ويسمعونها تقول:
" - الله يحميك يا ابني"
قالت أم سعد: تلك المرأة العجوز ظلت أيام خمسة تطعمهم..قال لي سعد إنها لم تتأخر ساعة واحدة،
حتى انفك الحصار، جاءت فوضعت الزوادة ونادت: " العسكر راحوا..الله يوفقكم.."
وعادت أم سعد فطوت راحتيها على حضنها كما يتعانق مخلوقان لا فصام بينهما، وقالت: سعد يقول انه
رآني هناك، وانه لولا أن أطعمته لمات جوعاً، ولولا أن دعوت له ل***ته الرصاصة التي شطفت لحم
ساعده.
وقامت، ففاحت في الغرفة رائحة الريف الذي كمن فيه سعد، محاطاً بذلك الدرع الذي لا يصدق، وقالت:
" -سيرجع بعد أن يلحم جرحه، قال لي ألا أشتاق له كثيراً فهو يراني هناك دائماً..ماذا تريدني أن أقول
له؟ قلت له: الله يكون معك ويحميك".
واستدارت، خطوة، خطوتين، وفجأة سمعت نفسي أنادي:
" - يا يما"
فوقفت
إن مثل هذه الفانتازيا الإيجابية لم تكن في الرواية لو أراد غسان لن يكتبها على وتيرة الواقعية الاشتراكية، فهو كمبدع رغم التزامه بفكره إلا انه يبحث عن أساليب أدبية تجعل القارئ يتوقف عندها للتفكير، فهو هنا يرفض تماما التحليل العقلي للحدث، فظهور المرأة العجوز التي أنقذت سعد ورفاقه من حصار دام ثلاثة أيام يمثل الخروج على النمطية التي تتسم بها الواقعية الاشتراكية ، ومثل هذا العمل البسيط في عدد صفحاته، العميق بفكرته، يمثل احد الإبداعات لغسان كنفاني، ويؤكد فيه على حضوره ككاتب صاحب قضية تحررية ، وككاتب مبدع متألق، ويكتب بمنهج وأسلوب خاص به، وبعيد عن التقليد، فكما كانت أم سعد متمردة على واقعها كان غسان متمرد بأسلوبه في هذه الرواية، ومن هنا نستطيع استكشاف الثورية عند بطلة الرواية ـ أم سعد ـ والثورية عند كاتبها ـ غسان ـ الذي لم يكن ليتفق مع الواقعية الاشتراكية بالمطلق، رغم تأثره بها، ونعتقد بان غسان في هذا العمل أراد أن يقول للجميع باني لي اسلوب الخاص في الكتابة لا تستطيع أي مدرسة أدبية أن تحتويه.

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 12:16 AM.