اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-07-2018, 10:57 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New كيف يكون تخليد الكافر في النار عدلاً!


الحمد لله وبعد فإن من الأسئلة التي وجدتها لدى بعض من تناوشتهم الشكوك، وتسلط عليهم أهل الإلحاد قولهم: كيف يكون عدلاً أن يُعَذَّب في النار خالداً مخلداً من عاش خمسين أو ستين سنة! هبه قضاها كلها ليلاً ونهاراً عاصياً! فهل من العدل أن تكون عقوبة جرم خمسين سنة خمسمائة سنة في العذاب؟!

وأحسب أن هذا أحد أسئلة الشكوكيين المخادعة، فهو لا يرقى لأن يكون شبهة للطاعنين في أصل الدين؛ لأنه مهما تكن النتيجة وكيف كان الجواب فإنه لا يقدح في أصل وجود الرب الخالق الرازق المالك المتصرف الآمر الناهي، ولا في أصل بعثة الرسل، ولا في أصل الشرائع. نعم هو شبهة في إضافة ما لا يليق إلى الرب سبحانه وتعالى، أو في نفي عقابه، وتأول أخبار وعيده.

[العدل من صفات الرب المستحِقِّ للعِبادَة]

وقبل جوابه لابد أن يعلم أننا نعتقد أنّ الرب سبحانه وتعالى قد أوجب العدل على نفسه، وحرَّم الظلم ونفاه عن نفسه عز شأنه، ونفى وقوعه منه في الدنيا ويوم القيامة، فالعدل من صفاته سبحانه، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أن العدل من أسمائه عزّ وجل، وكما أوجب على نفسه جل جلاله العدل فضلاً منه –وكان قادراً على أن يفعل في ملكه ما يريد ولا يُسأل- وقد أمر بالعدل عباده، والنصوص من القرآن والسنة في هذا كثيرة، قال الله تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49]، (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [غافر: 40]، (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) [الزخرف]، (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47]، وهذا في الآخرة، أما في الدنيا، فأحكامه كلها عدل، كما أن أخباره كلها صدق، كما قال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا) [الأنعام: 115]، وقد أخبر أنه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الناس، قال تعالى: (وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى: 15]، وقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) [النحل: 90]، وعقوباته القدرية في الدنيا كذلك كما قال: (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود]،**وفي الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا»[1]! وعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتؤدنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء»[2].

ولا يقول مسلم إن ربّه عز وجل الذي يعبده ظالم، بل قال من قال من المسلمين إن الظلم غير مقدور للرب أصلاً، لأنه ممتنع، وهذا قول ضعيف، بل هو مقدور له سبحانه غير واقع منه لكمال عدله وواسع فضله عز وجل.

وإذا تقرر هذا فالإشكال الذي يقع لبعض الناس منحصر في الجمع بين العدل وما يرونه من تشريعات، أو أقدار، أو أخبار عن مآل الناس يوم الجزاء والحساب.

وهذا الأخير هو موضوع هذه المقالة، وإن كان الباب في الجملة واحداً، فما ثبت من التشريع، أو القدر، كما ثبت من الجزاء يوم القيامة بالخبر، وإشكال المتشكك فيه عادة يرجع إلى تصوره للعدل، أو تصوره للشرع والواقع والخبر، ومتى صحح مفهوم العدل، وأحاط علماً بالتشريع المحكم وشروطه، أو القدر النازل وأسبابه، أو الجزاء الأخروي ومقتضياته = علم أن العدل لا يخالف التشريع المحكم، ولا القدر النازل، ولا الجزاء المتوعد.

وتفصيل هذا يخرج بالمقالة إلى موضوعات أخرى، والحديث هنا عن حكم الآخرة، ودعوى أن تخليد الكافر في النار ليست عدلاً، على سبيل الإجمال.

[إشكال العدل لا يوجب الإلحاد ولا يدعو العاقل إلى التفلُّت من التكليف]

أشرت إلى إن سؤال العدل المذكور لايوجب الكفر على فرض تسليمه! فإن الجرائم تتفاوت في التشريع الواحد، وعقوباتها كذلك تتفاوت، والتفاوت عند اختلاف التشريعات من بلد إلى آخر أعظم، بل قد يُعد جرماً في بلد ما هو سائغ في بلد آخر لا يعمل بذلك القانون أو النظام؛ فلباس البحر النسائي في كثير من الدول الكافرة مشروع على الشواطئ، ويعدونه مخلاً في غيرها من المواضع! وبعض الدول تمنعه مطلقاً. وشرب الخمر في بلد جريمة مطلقاً، وفي بلد آخر جريمة في الأماكن العامة، وفي ثالث جريمة عند ملابسات معينة كقيادة السيارة حال السكر، وهؤلاء البعداء لم يراعوا إلاّ مفسدة واحدة، والأولون راعوا كل مفسدة، والمذبذبون راعوا بعضاً وتركوا بعضاً. الولايات المتحدة تعاقب بال*** –في كثير مِن ولاياتها- على الاتجار في بعض المخدرات، وتسمح ببعضها!

والمقصود أن ثمة نُظماً تقرر أن الفعل المعين جريمة تقتضي العقوبة، فمن أتى الجريمة دون أن يكرهه أحد عليها، فلا يلومنّ إلاّ نفسه، ولا يطالبنّ القضاء أن يخلي عنه أو يعاقبه وفقاً لمزاجه وما يراه عدلاً! فهذا ليس إليه وإنما هو إلى السلطة الشرعية أو الحاكمة، وليست العدالة التي في دماغه هي العادلة عند المشرّعين! وقد قيل قد أعذر من أنذر، ومن الحمق أن تخالف القانون لتلقي بنفسك بين يدي مؤاخذته، بحجة أن عقوبته ليست عادلة! وأنت المسيء إن سلطت على نفسك بخطيئتك من لا يرحمك لمصالح يراها، وقد أنذرك.

إن نسبية العدالة واقع يجب أن نتعامل معه وإن كنا نرى أن عدالة زيد ليست بعدالة في نظرنا، فإن كانت لنا قدرة على تغيير الأمر غيرناه، وإلاّ تعاملنا مع الواقع، فلم نلم الدولة على معاقبتها مجرماً –نقر بأنه مجرم لكن نختلف في تقدير عقوبته- وفق نظام قد أعلنته، وقد خالفه متعمداً. بل لو فرضنا أن دولة تمنع مباحاً فمن الحكمة أن ندعو الناس لالتزام المنع وعدم تجاوزه لئلا يعرضوا أنفسهم للعقوبة! إلى حين تغيير ذلك بما يمكن، أما التهور الأرعن بالدعوة إلى المخالفة والحال ما ذكر فخلاف مقتضى العقل، إذ هو تعريض للنفس إلى التلف أو العقوبة في سبيل ممنوع لا يسوى!

هذا في شؤون الدنيا وكذلك على فرض التسليم بأن عقوبة الآخرة على جريمة ما متجاوزة –تعالى الحق عن ذلك- فمقتضى العقل ألا تخالف! بل أن يزيدك ذلك ارتداعاً عن المخالفة! كما أن العقوبة المتجاوزة في أحد الأنظمة الأرضية لا تدعوك إلى المخالفة والإجرام ونبذ كل النظام أو القانون! فظهر بذلك أن إشكال العدل لا يوجب الإلحاد ولا يدعو العاقل إلى التفلت من التكليف.

أما في حق ربنا المتعال فهو منزه عن الجور، وما يتوهم جوراً مرده في الغالب إلى أحد أمرين:

الأول: أن يكون الخبر أو التشريع غير العادل متهم من حيث الثبوت.

الثاني: أن يكون الخبر أو التشريع ثابت لكن القول بأنه ليس بعدل هو الجور لاختلال في ميزان العدل.

[معيار عدالة العقاب]

وعوداً إلى أصل السؤال موضوع المقال إذا تدبرته وجدته مبنياً على تصور للعدل فيه إشكال؛ مقتضاه أن العدل ***** المجرم أو الكافر بعدد سنوات جرمه! أو نحو ذلك، وخلاف ذلك جور. وصاحب هذا التصور كان حرياً به أن يسأل نفسه! ما الذي جعل هذا التصور عدلاً؟!

*

وهل في عذاب الكافر إشكال على العدالة أو إن الإشكال في حقيقته يعود إلى معيار العدل عند المشكك أو المتسائل!

وهو كذلك فإن ما فرض معيار ظاهر الاختلال بأدنى تأمل! لا يجريه في أمور الدنيا عاقل ولا يعتبره هو فيها! بل لو أقيم في الدنيا لعده ظلماً!

كم من الوقت تستغرق الرصاصة من مسدس مجرم لتخترق رأس الضحية؟ ولنفترض أن الضحية قد بلغ من العمر عتيا!

فلماذا يقضون عليه بالسجن الطويل والأعمال الشاقة وربما ال*** أو كما يعبرون: (الإعدام)!

وفقاً لمعاير المعترض على الدين لا يجوز سجنه أكثر من بضع ثوان!

هب أن أحدهم خطط لعملية عدوانية إرهابية! سنة ثم نفذها ف*** ألف نفس بريئة! فهل من العدل أن تساوى عقوبته بعقوبة من عاش مائة سنة في كل يوم يسرق رغيفاً يسود به جوعته وجوعة عياله؟! لو نظرنا إلى مدة الجرم كان الأحرى أن يحبس سارق الرغيف ويعاقب أكثر من الأول!

إن المعيار الصحيح هو أن تناسب العقوبة الجرم، بصرف النظر عن الوقت الذي استغرقه الجرم!*وأن يتوقف عليها ردع من تسول له نفسه، وأيضاً*يحصل بها الإصلاح للمعاقب أو التطهير.. وقد نظر الوضعيون إلى هذا الأخير، وكذلك إلى الأولين وإن كان نظر الشزر إليهما كثير! لهذا فإنهم قد يقلّصون مدة سجن المجرم الذي تظهر علامات صلاحه للعيش في المجتمع.

وقد ينظرون إلى بشاعة الجرم فيقضون بالسجن على التأبيد مع الأعمال الشاقة!

[مغفرة الله أعظم من مؤاخذته ورحمته سبقت غضبه]

والحكم العدل سبحانه وتعالى أخبرنا أن حقوق العباد توفى يوم القيامة، فيقتص للمظلوم من الظالم، وأما الجرائم المتعلقة بحقه جل جلاله فمن كرمه أن جعلها كلها داخلة تحت المشيئة؛ كلها قد يغفرها، قد يتجاوز عنها، وقد يعاقب عليها، فإن عاقب مسيئاً فذلك لأمد بقدر ما يتطهر، فيتأهل لدخول الجنة، إلاّ شأنا واحداً يأتي بيانه، أمّا ما دونه فلا يخلد به بل قد يغفره ويتجاوز عن حقه فيه.

وقد أخبرنا أنه ادخر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة، في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا وأنزل في الأرض جزءا واحدا فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه)، وفي لفظ خارجهما: (تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة).

وفيهما أيضاً عنه رضي الله عنه: (لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي)، وفي لفظ البخاري: سبقت غضبي.

ومن أجَلِّ صفاته تعالى الرحمة، ومن أخص أسمائه بل هو أخصها بعد (الله) : (الرحمن)، الذي تفتتح به كل سورة، ويثنى في كل صلاة.

ومن رحمته هدايته الخلق، وبعثته الرسل، وإنزاله الكتب، وتكليفه العباد بالدعوة، وإنزاله الآيات، وتصديقه الرسل بالمعجزات، إلى غير ذلك من أسباب خير الدنيا والآخرة، (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [البقرة: 221]، (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس: 25]، وقال: يهدي من يشاء، لكونه حكيم سبحانه وتعالى يجعل الأمور مواضعها، فلا يوفق الخبيث الآبي إلى ما يوفق إليه غيره، وذلك من جملة عدله.

[الشيء الذي يوجب للخلود في النار وسبب كونه بتلك المثابة]

ما استثنى الله عز وجل مما يغفر إلاّ ذنباً يصل إلى حد الكفر، والخروج من الدين، إما بالشرك الأكبر، أو الجحود والإلحاد، أو الإعراض، أو الإباء أو الاستكبار، أو التكذيب، فالكفر وحده هو الذي لا يغفره الله عز وجل، كما قال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء]، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء: 48]، أما فيما عدا ذلك فقد قال: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].

فانظر هنا إلى مقدار ما تجاوز مما هو منطو في قوله: (ما دون ذلك)، تعرف أن رحمته سبقت غضبه، فقد جوز العفو عن الأكثر، وتوعد على الشرك وحده وما شاكله من الكفر.

وحتى الكافر ما جعل عقوبته على الكفر الخلود في النار إلاّ بشرط أن تكون الحجة الرسالية قد بلغته بلوغاً تقوم به على مثله الحجة، ثم هو بعد ذلك كافر في حكم الدنيا، وأمره إلى الله في الآخرة، ولهذا كان من نصوص الاعتقاد قولهم: "لا نشهد لأحد بجنة ولا نار إلاّ من شهد له الله ورسوله".

ومن عدل الله تعالى أنه لم يسو بين الكافرين المخلدين في النار في العقوبة، بل هم على دركات، والله حكيم عليم قد أنذر وأعذر، يعلم حال كل أحد وما يستحقه.

أما خلود الكافر الذي لم يقم له عذر، فحق وذلك لأن الكفر جرم عظيم، وخطره على المجتمع والأجيال التالية له كبير متصل، فالكافر يتقوى به الكافر، وإنما تقوم شوكة الكفر باجتماع كافر إلى كافر! ثم الكافر يلد كافراً، ويورث الكفر لابنه أو بنته، أو ابن أخيه، أو جماعته أو قريبه، ما بقية حياة ذلك المجتمع، وأياً ما كان فهو لبنة من لبنات مجتمع الكفر وسبب في تماسكه وما ينتج عنه!

ثم إن من خصائص الروح البقاء، فإذا اختبرت وتبين أنها خبيثة شريرة غير صالحة، وعلم أن خبثها لم يكن لطارئ أو عارض جهل بل هو ذاتي، فاللائق بها في حكم العدل أن تجازى فتحبس في العذاب أبداً، وبقاء الأرواح وخلودها هو قول أهل الحق، فالروح وإن كانت مخلوقة محدثة فإنها باقية أبدية لها تعلقات بالجسد مختلفة في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة.

وفي هذا تنبيه على أحد أوجه الضعف في قول من قال من الإسلاميين بأن الكافر يعذب آماداً ثم بعد ذلك تنهى حياته.

والمهم هنا أن تعلم أن العدل الأخذ بحسب الجرم وما يستحقه المجرم، وذلك فرع عن علم بالظاهر والباطن، فقد تكون الجريمة واحدة لكن ارتكبتها نفسية خبيثة لا داعي لها ولا دافع أو قد ضعف داعيها ودافعها إلى الجريمة، وأخرى قوي دافعها وظهر لها نوع عذر، فتتفاوت العقوبة.

[هل الدنيا كافية لاختبار يتقرر عليه المصير؟]

مما تقدم يعلم أن معيار العدل عند الله مبناه على علم تام وحكمة، لا يملكهما المشكك، بلا لا يملك سوى الجهل بحال تلك الأرواح وما تستحق فكيف يطعن به في حكمة العليم بها سبحانه؟ الذي من عدله أنه لم يقض بسابق علمه، بل خلق وأمد وأنعم ثم أخذ بما ظهر من العمل.

وقد ذكرت فيما تقدم أنه لا يخالف العدل في مقاييس البشر ومجريات أمورهم المعتادة إجراء عقوبة طويلة على جرم شنيع لم يستغرق كثيراً، وكذلك لا يخالفه بناء نتيجة طويلة على اختبار قصير؛ ألا ترى عامة امتحانات الدنيا تكون في أوقات محددة، يختبر عندها الطالب –مثلاً- فيما حصله في سنة أو نصفها، وعليها تتقرر نتيجة تؤثر في حياته، فمنهم المجتهد الناجح المنتقل من مرحلة إلى مرحلة إلى أن يغدو طبيباً أو مهندساً يعيش بها حياته، ومنهم المقصر الفاشل الذي تكون نهاية أمره الإبعاد عن المدرسة فإما يفتح الله عليه في المكاسب تجارة أو غيرها وإما أن يمتهن حرفة من الحرف الوضيعة فيعيش بها بقية حياته! هل يعد أحد هذا ظلماً من الممتحنين أو يقولون المسؤولية ملقاة على عاتق المقصر!

وقل مثل ذلك في المتقدم إلى عمل، والمنافس على مناقصة، وهلم جراً، إنما هو اختبار وبعدها إما قبول وفوز إلى ما شاء الله وإما حرمان من ذلك عمره.

والفرق هو أن امتحان الآخرة قد أمهل الله تعالى فيه الناس إمهالاً لا يمهل بعضهم بعضاً مثله! أمهلهم ما عاش الممتَحَن، كما قال: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) [فاطر: 37]، جعل مدته عمرَه في هذه الدنيا، له أن يسقط ويعيد ويحاول من جديد خلال مدة عمره!

وقد أخبرنا الممتحِن أنه بعد فوات الدنيا فقد مضى وقت الامتحان وأرشدنا إلى أن نعد العدة! فلا دار بعد الموت إلا جنة أو نار.. والمُمْتَحَن على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره! أنت لا تطالب المدرسة أو المؤسسة أن تعيد لكل طالب أو راغب في الوظيفة الاختبار عشرات المرات وتجبره عليه تارات حتى ينجح! وترى أن ذلك جوراً وإلحاقاً للبطّال بالمجتهد المجد! فما بالك هنا قد انقلب معيار عدلك!

*

وختاماً*فإن الدور داران يوم القيامة إما جنة وإما نار، فالجنة فضل الله ورحمته، وأهلها الصالحون، والنار عدل الله ونقمته، وأهلها الطغاة المفسدون المتجبرون، وليس لك أن تقول واجب على الله أن ينشأ داراً ثالثة يهيئ فيها من النعم ما ينعم ويعيش به الطغاة المتجبرون الذين أنذرهم وأعذر إليهم في الدنيا ليعيد اختبارهم فيها لينعمهم إن أحسنوا! نعم الله رؤوف رحيم لكنه حكيم يضع الأمور مواضعها فيكرم يوم القضاء والفصل في دار كرامته من هو أهل، ويؤاخذ من استحق العقوبة بذنبه.

والمقصود أن معيار العدل عند الله مبني على علم تام وحكمة، فمتى تصورت خللاً فالأولى أن تتهم معيارك إذ هو قاصر في حكمته وإدراكه لحقائق الوجود، لكن اهتد بوحي الله تعالى وحاول أن تتلمس حكمة الله عز وجل فقد يبدو لك منها طرف به تعلم أنه عَدلٌ منزَّه عن الظلم سبحانه وتعالى.

والله الموفق.

-----------

*

[1]*صحيح مسلم (2577).
[2]*صحيح مسلم (2582).


إبراهيم الأزرق

__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 11:13 AM.