اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد نبينا .. للخير ينادينا

محمد نبينا .. للخير ينادينا سيرة الحبيب المصطفى بكل لغات العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-12-2017, 05:51 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp شرح حديث: المرء مع من أحب


إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفُسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
*
أما بعد:
فيا أيها الإخوة المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا، ففيها الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، وهي وصية ربنا جل وعلا للأولين والآخرين: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]، ألا وإن مِن تقوى الله جل وعلا أن يُلاحظ المؤمن نياتِه ومقاصدَه، وأن يكون معتنيًا غاية العناية بما ينويه ويتوجَّه إليه، وما يعزم إليه ويقصده؛ فإنَّ هذه من أعمال القلوب المعظَّمة عند علام الغيوب، ذلك أن الأعمال بالنيات والأمور بمقاصدها، فكم من نية بلَّغَت الإنسانَ الدرجاتِ العلى عند ربه جل وعلا، وكم من نية أدَّت بالإنسان إلى سخط الله وغضبه جل وعلا، ألا ترون كيف أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قد حكَم على المتقاتلَين: ((إذا الْتَقَى المؤمنانِ بسيفيهِما فالقاتل والمقتول في النار))، قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: ((إنه كان حريصًا على قتْل صاحبه)).
*
وقد استفاضَت نصوصُ القرآن والسُّنَّة على تعظيم أعمال القلوب والنيات والمقاصد، ومن جملة هذه الأعمال الجليلة للقلوب ومقاصدها الحُبُّ، الحبُّ الذي أعظمُ درجاتِه وأسماها حبُّ الله جل وعلا، وهكذا ما أمَر اللهُ تعالى به مِن حبِّ الخيرات وحبِّ أهل الخير والصلاح والإقبال عليهم بالقلوب.
*
وفي هذا السياق نتفيَّؤ وإياكم حديثًا عظيمًا، وبشارةً كريمة بشَّر بها نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جليل، بشارة أفرحَت الصحابةَ رضوان الله عليهم، فما فرحوا بشيء كفرحهم بهذه البشارة النبوية الجليلة، وقد جاء هذا الحديث مِن طُرق متعددة في الصحاح والسنن والمسانيد، عن جملةٍ وعدةٍ من الصحابة رضوان الله عليهم، ومن ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنَّ رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الساعة، فقال: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: ((وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)) قَالَ: لَا شَيْء إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)).
*
قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ أعْمَالَهَم.
*
وفي رواية قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله، وذكره.
*
وفي رواية قال: بينما أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خارجانِ من المسجد، فَلَقِيَنَا رجلٌ عندَ سُدَّةِ المسجدِ؛ عند بابه، فقال يا رسول الله: متى الساعة؟ قال: ((ما أعْدَدْتَ لها؟)). فكأنَّ الرجُلَ اسْتَكَانَ؛ يعني أصابه خضوع واستِعظامٌ لهذا السؤال، فكأنَّ الرجلَ استكانَ، فقال: يا رسول الله ما أعددتُ لها كثيرَ صيام ولا صلاةٍ ولا صدقةٍ، ولكني أُحِبُّ اللهَ ورسولَهُ، قال عليه الصلاة والسلام: ((أنتَ معَ مَن أحبَبْتَ)). أخرجه البخاري ومسلم.
*
وفي رواية عند مسلم أيضًا نحو ما تقدَّم غير أنه قال: ما أعددتُ لها مِن كبير أحمد عليه نفسي، ولم يذكر قول أنس.
ولمسلم أيضًا في رواية أخرى: أَنَّ أَعْرَابِيًّا، قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ لَهُ: ((مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟)) قَالَ: حُبّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)).
*
وللبخاري أيضًا: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قَالَ: ((وَيْلَكَ، وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا)) قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: ((إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ))، قال: يقول أنس: وَنَحْنُ كَذَلِكَ؟ يعني: هل هذا الأمر بالنسبة لنا؟ قال عليه الصلاة والسلام: ((نَعَمْ))، قال أنس: فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحًا شَدِيدًا... الحديث.
*
وفي رواية للترمذي قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَة؟ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ: ((أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ؟))، وذكر نحوه.
وله أيضًا في رواية أخرى: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، وَلَهُ مَا اكْتَسَب)).
*
وفي رواية أيضًا عند أبي داود قال: قال أنس رضي الله عنه: رأيتُ أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَرِحُوا بشيءٍ، لم أرَهم فَرِحُوا بشيءٍ أشدَّ منه، قال رجُلٌ: يا رسولَ الله، الرجُلُ يُحبُّ الرجُلَ على العملِ من الخيرِ يعمَلُ به، ولا يعمَلُ بمثلِه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرءُ معَ مَن أحَبَّ)).
*
فهذه أيها الإخوة المؤمنون، روايات متعدِّدة تدُور على هذا المعنى العظيم: ((المرءُ معَ مَن أحَبَّ))، ((أنتَ مع مَن أحببتَ))، هذا الحديث العظيم الشريف الجليل، الذي رواه جمهرة من الصحابة رضوان الله عليهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث رواه: أنس، وابن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وعلي بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وأبو ذر الغفاري، وصفوان بن عسَّال، وعبد الله بن يزيد الخطمي، والبراء بن عازب، وعروة بن مضرِّس الطائي، وصفوان بن قدامة الجمحي، وأبو أمامة الباهلي، وأبو سريحة الغفاري، وأبو هريرة، ومعاذ بن جبل، وأبو قتادة الأنصاري، وعبادة بن الصامت، وجابر بن عبد الله، وعائشة؛ رضي الله عنهم أجمعين.
*
حيث بلغَت عدَّتُهم كما جمع ذلك أبو نعيم في كتابٍ له سماه (كتاب المحبِّين مع المحبوبين) نحوًا من عشرين صحابيًّا، ولذلك عُني العلماء رحمهم الله بهذا الحديث عناية بالغة، ووقفوا عند دلالاته، وعُنوا بالتبويب عليه، فقد رواه البخاري في كتاب الأدب من الجامع الصحيح، وبوَّب عليه باب علامة الحب في الله، وباب ما جاء في قول الرجل: ويلك، وفي أيضًا كتاب الفضائل؛ فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في باب مناقب عمر، ورواه في كتاب الأحكام في باب الفُتيا والقضاء في الطريق، ورواه مسلم في كتاب البرِّ والصِّلة في باب المرء مَع مَن أحب، وفي كتاب الفتن في باب قرب الساعة، ورواه أبو داود في الأدب في باب إخبار الرجلِ الرجلَ بمحبَّته له، ورواه الترمذي في كتاب الزُّهد في باب ما جاء أن المرء مع مَن أحب، وغيرهم من الأئمة.
*
هذا كله يوضِّح جلالة هذا الحديث، وعظيم قَدْره، وما ينبغي أن يُعنى به المسلم في تدبُّره وتأمُّل ما تضمَّنه من هذا الأصل العظيم.
*
فهذا الحديث يُقرِّر هذه المسألة الكبرى وهي: أن المرء مع مَن أحب، وأنه يكون معه يوم القيامة حيث الحشر والنشر، وحيث الجزاء أيضًا، ذلك أنَّ المحبة عملٌ جليل من أعمال القلوب، وأعلى وأشرف درجاتها حبُّ الله تعالى، وهذه منزلة السابقين المخلَصين كما الله تعالى عنهم: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، وأهلها يجدون لها سعادة وطمأنينة لا تُوصف، كما يدل عليه الحديث الصحيح: ((ثلاث مَن كُنَّ فيه وَجَدَ بهن حلاوة الإيمانِ: أن يكُون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يَكْره أن يعُود إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يَكْره أن يُقذف في النار)).
*
هكذا هو المؤمن؛ محبته سامية عالية شريفة جليلة، ولذلك فمَن أَحبَّ لله تعالى فإنَّ محبته مِن أعظم ما يقربه إلى الله، فالله جل شأنه شكور يعطي المتقرِّب إليه أعظم بأضعاف مضاعفة مما بَذَلَ.
*
ومن شكره سبحانه لهذا العبد الذي أحبه وأحب رسله وأحب الخير وأحب أهل الخير أن يجعله في المنازل العالية وإنْ قصر عمله، كما قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69]، هؤلاء هم أعلى الخليقة منزلة؛ النبيُّون والصدِّيقون والشهداء والصالحون، فيُلحق بهم المرء ببركة ما قام في قلبه مِن حبه لهم تبعًا لحبه لله ولشرعه جل وعلا.
*
وهذا الحديث المتقدم: ((المرء مع مَن أحبَّ)) هو مِن جوامع كَلِم النبي عليه الصلاة والسلام، فهذه العبارة مع أنها مقتصرة على ثلاث كلمات لكن تحتها معانٍ غزيرة ودلائلُ جليلة، ولذا قال العلماء: إنَّ مما تضمَّنه هذا الحديث التحذيرُ الشديد مِن محبة أهل الفسوق والعصيان، فإنَّ المحبة دليل على قوة اتصال بمن يحبه هذا المحب، ومناسبته لأخلاقه واقتدائه به، وهو نوع مِن سوء الأدب مع الله، الله لا يحب أهل العصيان، ولا أهل الفسوق والكفران، ولا مَن يحادُّه بالعصيان، فيأتي هذا الإنسان ليحب هؤلاء المحادِّين لله، فأي سوء أدب يحصُل مِن هذا الإنسان!
*
ألا ترون في حياة الناس كيف أن الإنسان إذا كان محبًّا لأحد يقدِّره؛ ممن له عليه فضل ومعروف؛ من والدَين أو قرابة أو رئيس أو غيرهم ممن يحبهم ويجلُّهم، ألا ترون أنه يجافي مَن يجافيه محبوبه ومقدِّره هذا؟ وهذا مِن مقتضى الأدب معه؛ لا يليق أن تحب إنسانًا ثم تتقرب إلى مَن يُعاديه ومَن يُسيء إليه، هذا مقتضى العقل والرشد والأدب.
*
وأعظم هذا العقل وأعظم هذا الرشد والأدب أن يكون هذا موقفك مع من يحادُّ الله ورسوله، فالذين يستعلِنون بالعصيان، ويُبارزون الله بالكفران واجب عليك أن تخلِّص قلبك مِن حبهم، بل واجب عليك أن يستقر في قلبك بُغضُهم ومجافاتهم.
*
ولذلك تكون الندامة الكبرى يوم القيامة لأولئك الذي أحبوا مَن حادُّوا الله ورسوله، كما أخبر الله في كتابه الكريم ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27 - 29]، وليس المقصود في هذا المقام الحبُّ الدنيويُّ الفطري الذي باعِثُه قرابة أو صداقة أو مقتضًى مِن مقتضى التعايش، الذي يؤدِّي بك إلى إسداء الخير لهذا الذي ارتبطتَ به ارتباطًا فطريًا أو اجتماعيًا، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان عمُّه أبو طالب برغم عدم إقراره بالتوحيد، لكنه كان محبًّا له، وكان يخدمه عليه الصلاة والسلام، وكان أيضًا له جارٌ يهودي فلم يمنعه أن يزوره لما مرض، وكان في جواره في المدينة مِن اليهود مَن تَعامَل معهم فباع واشترى، وقبِل الهدية، هذه التعاملات المعيشية لا تَمنَع الشريعةُ منها، وها هو رسولُنا عليه الصلاة والسلام يقُوم بها على هذا الوجه العظيم الشريف، ولكنَّ الذي تَمنَع منه الشريعة أن يكون في قلب المسلم محبةٌ لهؤلاء باعتبار ما هم عليه من الأخلاق والاعتقاد، ومتابعتُهم على ما هم فيه مِن الانحراف، ولذلك يُحْذر الحذر الشديد لأولئك الذين تتعلق قلوبهم بمن يستعلنون بالمعاصي ثم يُتابَعون عليها، إما حضورًا لمجالسهم التي يُعصى اللهُ فيها أو استماعًا لما يتلفظون به من العصيان أيًّا كان نوع هذا الكلام.
*
وهذا الحديث الشريف الذي قرَّر فيه النبي عليه الصلاة والسلام هذا الأصل العظيم ((المرء مع مَن أحب)) مؤيَّدٌ بالقرآن العزيز؛ كما يدل عليه قول ربنا سبحانه: ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾ [التكوير: 7]؛ أي: جُمِعَ كلُّ شكْل إلى نظيرِه، قال العلماء؛ أنه في يوم القيامة يُضمُّ إلى كلِّ صنف مَن كان مِن طبقته مِن الرجال والنساء، فيُضمُّ أهل الطاعات إلى أمثالهم، والمتوسطون فيها إلى نظرائهم، وأهل المعاصي إلى أمثالهم، فالتزويج يوم القيامة ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾: أن يُقرَن الشيء بمثله، والمعنى أن يُضمَّ كل واحد إلى طبقته في الخير والشر.
*
وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ﴾ [الزمر: 71]، ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ﴾ [الزمر: 73]، وفي هذا يقول العلَّامة ابن القيم رحمه الله: ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾؛ أيْ: قَرَنَ كُلَّ صَاحِبِ عَمَلٍ بِشَكْلِهِ وَنَظِيرِهِ، فَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ، وَقَرَنَ بَيْنَ الْمُتَحَابَّيْنِ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ فِي الْجَحِيمِ، فَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ شَاءَ أَوْ أَبَى.
*
وتأمَّلوا رحمكم الله في هذا الوعيد الربَّاني الذي جاء في القرآن خبرًا عما يكون في مشهد يوم القيامة؛ أمرٌ رباني إلى الملائكة: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ ﴾ [الصافات: 22 - 24]؛ أي: اجمعوا الظالمين وأشباههم ونظراءهم فاهدوهم إلى النار ليدخلوها جميعًا.
*
قال العلماء: والمراد بقوله سبحانه: ﴿ وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ في قوله: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ يعني: أشباههم ونظراءهم وأمثالهم في الشِّرْك والكفر والعصيان، وهذا التفسير مأثور عن عددٍ من الصحابة والتابعين؛ منهم عمر، والنعمان بن بشير، وابن عباس، وسعيد بن جبير، وغيرهم.
*
نقل ابن كثير رحمه الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ قَالَ: أَشْبَاهَهُمْ، قَالَ: يَجِيءُ صَاحِبُ الرِّبَا مَعَ أَصْحَابِ الرِّبَا، وَصَاحِبُ الزِّنَا مَعَ أَصْحَابِ الزِّنَا، وَصَاحِبُ الْخَمْرِ مَعَ أَصْحَابِ الْخَمْرِ.
*
قال المفسرون رحمهم الله: يَأمر الله تعالى الملائكةَ أن تجمع بين مَن كانوا يجتمعون في هذه الدنيا على ما يُغضب الله أن يجمعوا جميعًا في عذاب الآخرة، فعلى ذلك يجمع بين أولئك وبين قرنائهم، ويُقرن بعضهم إلى بعض في العذاب كما قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾ [الزخرف: 36 - 39].
*
في الدنيا إذا عَمَّت المصيبة هانت على كثير من الناس، أما في الآخرة إذا أُدخل هؤلاء إلى النار فلن يُخفِّف عنهم أنهم جميعًا في هذا العذاب مشتركون.
*
فتأمَّل يا عبد الله أين مُتَوَجَّهُ قلبك؟ ومَن يحب؟ فإن كان محبًّا لأهل العصيان فأنت على خطر عظيم، وما الذي تستفيده أن يتعلق قلبك بعاصٍ؛ لأنه على طريقة معينة أو شاكلة محددة، ما الذي تستفيده غير أن يُفسد قلبك، وأن يؤدِّي بك إلى هذا الخطر العظيم الذي جعلتَ نفسك فيه محادًّا لربك، ربك يحب الخير والبرَّ وأهلَه، وقلبك يتوجه إلى أضداد هؤلاء، فأي خسار أعظم من هذا!
*
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين مِن كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
*
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلَّم على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
*
أما بعد:
فهكذا يتكرَّر هذا السؤال بين يديْ نبيِّنا عليه الصلاة والسلام: ((متى الساعة؟)) تكرَّر مِن عدد ممن وفدوا على رسول الله عليه الصلاة والسلام، من الأعراب حول المدينة، وتكرَّرَ مِن الصحابة رضوان الله عليهم، هذا دالٌّ على ما كانوا عليه مِن الحرص مِن الاستعداد لها، وكان نبينا عليه الصلاة والسلام ينقُلهم إلى ما هو أهم: ((ما أعددتَ لها؟))، ((متى الساعة؟)) ((ما أعددتَ لها؟))، فالساعة ساعتان الساعة الكبرى التي بها نهاية هذه الدنيا، وساعةٌ لكل واحد منا، فمَن مات قامت قيامتُه وحلَّت ساعته واستَقبَل ما وعد به في هذه الدنيا، مما يكون في الآخرة، ((ما أعددت لها؟)) قال الكرماني رحمه الله: سَلَكَ النبي صلى الله عليه وسلم هنا أسلوب الحكيم وهو تلقِّي السائل بغير ما يطلب مما يهمُّه أو هو أهم.
*
يسألون ((متى الساعة؟)) فالأهم ((ما أعددت لها؟)).
والنبي عليه الصلاة والسلام كرَّر عليهم ((المرء مع مَن أحبَّ))، ((أنت مع مَن أحببتَ))؛ لأنهم كانوا يقولون: ما أعددنا لها كثير عمل، يقولون: نحن ليس عندنا عملٌ نُعوِّل عليه ونطمئن أنه يُنجينا يومَ القيامة فنحن مقصِّرون، وهكذا هو المؤمن دائمًا يُزري على نفسه ويتَّهمها بالتقصير، لا بد أن تكون نفسه لوَّامة لا أن تكون نفس مزكية له يظن نفسه ممن يدخلون الجنة بلا حساب ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم: 32]، لكن المؤمن يكون دائم المحاسبة لنفسه حتى يترقَّى في عبادته لربه جل وعلا.
*
ويُجيبُهم النبي عليه الصلاة والسلام: ((المرء مع مَن أحبَّ))؛ قال العلَّامة ابن بطال الأندلسي رحمه الله: دل هذا على أن مَن أحب عبدًا في الله فإن الله جامعٌ بينه وبينه في جنته ومدخله مدخله، وإن قصَّر عن عمله، وهذا معنى قوله: ((ولمَّا يلحَقْ بهم))؛ المرء يحب القوم ولما يلحق بهم، يعني: في العمل والمنزلة، وبيان هذا - والله أعلم - أنه لما كان المحب للصالحين وإنما أحبهم من أجل طاعتهم لله، وكانت المحبة عملًا من أعمال القلوب، واعتقادًا لها أثاب الله معتقِدَ ذلك ثوابَ الصالحين إذ النية هي الأصل والعمل تابع لها، والله يؤتي فضله من يشاء.
*
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذا الحديث ((المرء مع مَن أحبَّ)) حقٌ فإنَّ كَون المُحب مَعَ المحبوب أَمر فطري لَا يكون غير ذَلِك.
*
وقال العلَّامة النووي رحمه الله: ((أنت مع مَن أحببت))، وفي رواية ((المرء مع مَن أَحَبَّ)) فيه فضل حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحب الصالحين وأهل الخير الأحياء والأموات، ومِن فضل محبة الله ورسوله امتثالُ أمرِهما واجتنابُ نهيِهما والتأدب بالآداب الشرعية.
*
وهذا يؤكد في هذا المقام أن حب الله ورسوله ليس ادعاءً يدَّعيه المرء، ولكنه يقتضي عملًا ومتابعة، والله جل وعلا يقول: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31].
*
وفي دلالة هذه اللفظة النبوية والعبارة المصطفوية: ((إنك مع مَن أحببتَ)) قال العلَّامة ابن حجر رحمه الله: أي: أنك ملحَق بهم حتى تكون مِن زُمرتهم. ولا يُشترط كما يقول العلماء أن يكونوا في منزلة واحدة وإنما تكون المعية المطلقة فمن أحب رسول الله كان معه ولا يلزم أن يكون في تلك المنزلة العالية للنبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه يَحظَى بمعيته وبجواره بوجه من الوجوه، كما نبَّه العلماء وإن تفاوتت الدرجات.
*
وفي هذا أيضًا يقول بعض العلماء: ((المرء مع مَن أحب))؛ أي: يحشر مع محبوبه ويكون رفيقًا لمطلوبه. وظاهر هذا الحديث العموم الشامل للصالح والطالح، ويؤيِّده قول النبي صلى الله عليه وسلم ((المرء على دِينِ خليله)) ففيه ترغيب وترهيب، ووعد ووعيد.
*
فاختر مقامك يا عبد الله ((المرء مع مَن أَحَبَّ))، ولتحْذَر غاية الحذر أن يأخذك قلبك إلى حيث مَن عصوا ربك جل وعلا، فأنت تعلم ما الذي يحبه الله؟ وما الذي يبغضه؟ والحلال بيِّن والحرام بيِّن، ولا يمكن بعد ذلك للمؤمن إلا أن يختار ما يحبُّه الله، فإنْ كنتَ أنتَ عندك من الخشية والخوف من الله ما يحجزك عن ما يغضب الله وبخاصة من الكبائر فاحذَرْ أن يزلَّ قلبك فتتعلق بأصحاب الكبائر وبأصحاب المجاهرة من الذنوب فتكون محبًا لهم فتكون معهم؛ لأن مِن الناس مَن يكون عنده حياء وخشية ولا يُجاهر بالمعصية وإنْ وقع فيها، ولكنه في الحين نفسه يحب المجاهرين بالمعاصي، ويتعلق قلبه بهم، ويُكْثر متابعتَه لهم، فهذا أشدُّ عليه ومؤدٍّ به إلى الحال التي كما لو أنه جاهر بالمعاصي؛ بدلالة هذا الحديث، وقد قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارَن يقتدي
إذا كنتَ في قوم فَخَالِلْ خيارَهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
*
النفوس العلوية تنجذب إلى كل سامٍ شريف كريم، وهذا العلوُّ إنما هو بطاعتها لله، أما النفوس الدنيئة فإنها تنجذب إلى الأسفل، وهكذا مَن تعلَّق بها، وإنما سفُلت لأنها عصَت الله ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾ [الحج: 18]، مُن يُهن اللهُ فما له مِن مُكرِم، وإنما يهين الله أولئك الذين بارزوه بالمعاصي واستعلَنوا بالذنوب والكُفران لله جل وعلا، والله سبحانه يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ﴾ [المجادلة: 20]، فمَن أحبَّهم تَبِعَهم في الذلة، دنيا وآخرة، ومَن تعلَّقَ بهم لن يرجع إلا بالكرَّة الخاسرة ضيقًا في الصدر وضنكًا في العيش وسوء عقبى في الآخرة عياذًا بالله من كل ذلك.
*
وبعد أيها الإخوة المؤمنون، فليكُن هذا النص النبوي على محضر وبال منا في كل لحظة وحين ((المرء مع من أحب)) ((أنت مع من أحببت)). ولتفرح كما فرح صحابة نبيك عليه الصلاة والسلام، لأن الأصل في أهل الإسلام ألا يحبُّوا إلا أهل الطاعة والاستقامة وأهل البرِّ والخير والمعروف، والمرء مع من أحب، وما أجمل ما قاله أنس رضي الله عنه: فما فرحنا بشيء فرحَنا بهذا الحديث فكلُّنا يحب الله ورسوله، وكلُّنا يحب أبابكر وعمر وإن لم نعمل بأعمالهم.
*
ألا وصلوا وسلِّموا على خير خلق الله نبينا محمد فقد أمرنا ربنا بذلك فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
*
اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم وارضَ عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين خيرًا فأعزه وأكرمه وزده برًّا وخيرًا، ومَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا فأشغله بنفسه واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وألِّف بين قلوبهم، واجمعهم على كتابك وسُنَّة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام.
اللهم ابسُط على بلادنا الأمن والاستقرار، وزدْنا من الخير والنعماء، ووفقنا لشكرك يا رب العالمين.
اللهم أصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبه وترضاه، اللهم اجعل عمله في رضاك، اللهم وفِّقه وأعِنْه بنائبه وبأركان حكومته، واجعل عملهم فيما تحبه وترضاه يا رب العالمين، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الخير ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغِث عبادك وبهائمك وبلدك الميت، اللهم أغِث قلوبنا بالإيمان وبلادنا بالخيرات والأمطار يا ذا الجلال والإكرام.
سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع

__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:16 PM.