اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > مصر بين الماضى و الحاضر

مصر بين الماضى و الحاضر قسم يختص بالحضارة و التاريخ المصرى و الاسلامى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-05-2015, 07:30 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي الانشطارات في الخلافة العباسية - تقرير


الانشطارات في الخلافة العباسية - تقرير


خلافاً لما دعا إليها الإسلام وحث عليها، بل وأوجبها، ألا وهي الوحدة الإسلامية، نجد أن التاريخ الإسلامي قد شهد وقائع انفصالية في جسد الأمة، لا زالت تداعياتها السلبية قائمة إلى اليوم.
ففي فترة حرجة من تاريخ الخلافة العباسية ظهرت بادرة جديدة لم تظهر من قبل، وهي استقلال بعض الدول عن الخلافة، وانفراد أصحابها بالحكم وبمناسبة هذا الشهر الكريم الذي جاء بكل معاني الوحدة والتماسك والتكاتف والتآلف نخصص هذا التقرير للحديث عن بعض مشاهد الانقسامات في عصر الخلافة العباسية - وهي مرحلة مهمة من مراحل التاريخ الإسلامي - لمعرفة الأسباب والدوافع والتداعيات.
الدولة الطولونية
قامت الدولة الطولونية المستقلة عن الخلافة العباسية في مصر والشام والحجاز، وهي أول دولة تستقل بالحكم عن حكومة الخلافة المركزية.
وتنسب هذه إلى الدولة إلى مؤسسها أحمد بن طولون الذي كان جنديّاً تركيّاً، جاء إلى مصر نائباً للحاكم العباسي فيها، لكنه استأثر بالحكم، ثم بسط سلطانه على الشام، حين كان العباسيون مشغولين بمقاومة ثورة الزنج.
أظهر أحمد بن طولون براعة وحسن إدارة في حكمه، ومن ثَمَّ استطاع النهوض بمصر؛ إذ أخذ في بناء مؤسسات الدولة ومرافقها الأساسية، وكوَّن جيشاً وأسطولاً قويّاً للدفاع عن ملكه، وتغلب على الصعاب التي واجهته حيث كانت الفتن والثورات مشتعلة في عهده بمصر من قِبل الخوارج والعلويين وغيرهم.
بعد وفاة أحمد بن طولون خَلَفه ابنه خمارويه، الذي استطاع أن يستعيد سيطرة الطولونيين على البلاد الشامية حتى الموصل والجزيرة الفراتية، وذلك بعد قيام الخليفة العباسي بالإغارة على الشام للقضاء على الدولة الطولونية.
واستطاع أيضاً أن ينتزع من الخلافة العباسية اعترافاً له بحكم مصر - هو وأولاده - لمدة ثلاثين سنة عند عقد معاهدة صلح سنة 273هـ - 886م.
فكَّر خمارويه في تدعيم عَلاقاته مع الخلافة العباسية عن طريق المصاهرة، فعرض على الخليفة المعتضد زواج قطر الندى ابنته من ابن الخليفة العباسي، غير أن الخليفة المعتضد - وكان قد سمع عن محاسن وجمال قطر الندى - طلبها لنفسه بدلاً من ابنه.
وقد بالغ خمارويه في جهاز ابنته، وتكلف في ذلك ما يقصر دونه الوصف، وكان جهازها الذي أعدَّه أبوها أسطوريّاً بالغاً في الإسراف إلى حدٍّ يفوق الخيال.
ولم يُحسِن خمارويه الاستفادة من الأموال الجمَّة التي تركها له أبوه، فأخذ يسرف في البناء وأنواع الترف. وكان هذا الإسراف من قِبَل خمارويه سبباً في إفلاس مالية البلاد، وكانت مصر من أغنى الدول وأكثرها ثراءً.
وبعد *** خمارويه على يد بعض جواريه، لم تستطع مصر الاحتفاظ باستقلالها الذي تعب أحمد بن طولون في تحقيق وجوده؛ إذ أصبحت مصر ميداناً للضعف والفوضى من ناحية، ومسرحاً لأحداث دامية أطاحت بوحدة الطولونيين، وعجَّلت بزوال نفوذهم، حيث استطاع الخليفة العباسي أن يعيد مصر والشام إلى نفوذ الدولة العباسية مرة أخرى.
وأخيراً فإن هذه الدولة التي ظلت مدة ثمانية وثلاثين عاماً عندما سقطت، شعر المصريون بالحزن والحسرة؛ وذلك لأن الطولونيين قد كرَّسوا معظم جهودهم للنهوض بمصر، وارتبطوا بها، وتقربوا إلى المصريين، وأحاطوهم برعايتهم، حتى إن أحد المؤرخين يذكر أن تلك الدولة كانت من "غُرَر الدول، وأيامهم من محاسن الأيام".
الدولة الحمدانية
الدولة الحمدانية هي دولة عربية قامت في الموصل وحلب، واستقلت عن الدولة العباسية في عصور ضعفها. وينتسب الحمدانيون إلى حمدان بن حمدون من قبيلة تغلب العربية الأصل التي قامت بضواحي مدينة الموصل.
وبنو تغلب ينتمون إلى آل ربيعة، وكانوا نصارى قبل الإسلام، غير أنَّا نجدهم في أواخر القرن الثالث للهجرة مسلمين. وقد كانت الحالة المادية سيئة، واضطُرَّ قسم كبير من بني تغلب إلى الهجرة، فهاجروا إلى البحرين، وبقي جزء منهم في الجزيرة وبلاد العراق، هذا القسم هو الذي قاد لواء اليقظة الفكرية والسياسية في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع، والذي ترأس هذه اليقظة هم بنو حمدان من تغلب.
كان حمدان بن حمدون عاملاً على الموصل للمعتضد بالله العباسي، ثم استقل الحمدانيون عن الدولة العباسية بقيادة ناصر الدولة الحسن في سوريا، وبقي ولاة الحمدانيين في الموصل موالين للخليفة في بغداد، وكان أشهر قادتهم سيف الدولة الحمداني، الذي ضم حلب وحمص إلى سلطانه عام 945م.
بدايةً ثار الحمدانيون على الدولة العباسية، ولكن عفت عنهم عندما انتصر الحسين بن حمدان على هارون الشاري الخارجي وأسره وجاء به إلى المعتضد.
وقد كان الحمدانيون يمثلون القوة التي تلجأ إليها الخلافة إذا ضاقت بها الأحوال في بغداد؛ فقد لجأ إليهم الخليفة المتقي فارّاً من قوات البريدي التي زحفت على العراق، وعجز أمير الأمراء ابن رائق عن الصمود لها، فناصر الحمدانيون الخلافة، و***وا ابن رائق وطردوا البريديين، وأعادوا الخليفة إلى عاصمته؛ مما جعل الخليفة المتقي يلقِّب الحسن بن حمدان (ناصرَ الدولة)، ولقَّب أخاه عليّاً (سيف الدولة)، وذلك في شهر شعبان سنة 330هـ، وتولى إمرة الأمراء في بغداد ناصر الدولة أمير الموصل.
لم يستقر الحمدانيون كثيراً ببغداد؛ لاضطراب أمورها بسبب الحروب الأهلية، وحنق الخليفة على ناصر الدولة لزيادة الضرائب؛ مما دفع الخليفة إلى انتهاز فرصة خروج ناصر الدولة إلى الموصل، فاستنجد بتوزون القائد التركي، ومهَّد له السبيل لدخول بغداد سنة 331هـ.
ولم يستطع زعماء الحمدانيين من العرب البقاء في بغداد أكثر من سنة، واضطروا إلى العودة إلى الموصل. ومع ذلك ظلت علاقة الحمدانيين حسنة بالخلافة على الرغم من محاولة البويهيين إزالتهم عن إمارتهم.
وفي حلب امتاز عهد سيف الدولة بكثرة حروبه مع البيزنطيين، وكان جهاد الحمدانيين ضد الروم من أبرز الأعمال التي خلدت ذكرى هذه الدولة. وكان ممن خلدوا ذكر الحمدانيين: أبو الطيب المتنبي، وأبو فراس الحمداني.
وعندما أراد سيف الدولة أن يوسّع ملكه بالشام ليتمكّن من تقوية جبهته أمام الروم، امتد بنفوذه إلى دمشق؛ الأمر الذي أدى إلى حرب مع الإخشيد، انتصر فيها الإخشيد. وتوصلا أخيراً إلى صلح يدفع بموجبه الإخشيد جزية سنوية للحمدانيين مقابل احتفاظه بدمشق. ولعل الإخشيد كان يرمي من وراء إبرام الصلح على هذه الصورة، أن يُبقي الدولة الحمدانية حصنًا منيعًا يكفيه مئونة محاربة البيزنطيين. وعندما مات الإخشيد نقض سيف الدولة الصلح، فتصدى له كافور وهزمه، وتم الصلح على بنود الصلح الأول ما عدا دفع الجزية السنوية.
بدأت الدولة الحمدانية في التفكك بعد سيف الدولة، ووقعت في صراعات داخلية أسرية أدت إلى أن يستعين بعضهم على بعض بالروم والعبيديين.
ثم سقطت أخيراً تحت الضغط العبيديّ المتعاظم في مصر، والنفوذ البويهيّ من جهة العراق، فورثها العبيديون في النهاية.
ويرى الدكتور عبد الحليم عويس أن قوة الدولة الحمدانية تمثلت في شخص، وكعادة الدول التي ترتبط بأشخاص تسقط بسقوطهم. وكان أكبر عامل حضاري زحزح الدولة الحمدانية عن مكانتها في التاريخ أنها فشلت في الاستجابة للتحدي الذي كان أقوى منها، ولم تنهج النهج السليم في مقاومته عن طريق إيجاد وحدة إسلامية تتجاوز الصراعات الجزئية لتواجه الخطر الحضاري الكبير. وعندما تفشل دولة في الاستجابة للتحدي الذي يفرضه القدر عليها فإنها، وإن قاومت قليلاً، لا بد أن تسقط.
إنجازات الدولة الحمدانية
الحياة الاقتصادية
وشهدت الحياة الاقتصادية ازدهاراً ملحوظاً في العديد من المجالات؛ فمن ناحية الزراعة كَثُرَت المزروعات، وتنوَّعت المحاصيل من الحبوب والفاكهة والثمار والأزهار، فظهر البُرُّ والشعير والذرة والأرز والبسلة وغيرها، كما ظهرت أنواع عديدة من الفاكهة كالتين والعنب والرمان والبرقوق والمشمش والخوخ والتوت والتفاح والجوز والبندق والحِمضيات، ومن الرياحين والأزهار كالورد والآس والنرجس والبنفسج والياسمين، كما جادت زراعة الأقطان والزيتون والنخيل.
وقامت صناعات عديدة على تلك المزروعات مثل زيت الزيتون، والزبيب. كما ظهرت صناعات أخرى كالحديد والرخام والصابون والكبريت والزجاج والسيوف والميناء.
وقد نشطت التجارة، وظهر العديد من المراكز التجارية المهمَّة في حلب والموصل والرَّقَّة وحرَّان وغيرها.
الحياة الفكرية
شهدت الحياة الفكرية والثقافية نهضة كبيرة ونشاطًا ملحوظًا في ظلِّ الحمدانيين؛ فظهر الكثير من العلماء والأطباء والفقهاء والفلاسفة والأدباء والشعراء.
وقد أرسى سيف الدولة الحمداني دعائم دولته في حلب، فاستقطب بلاطه مشاهير العلماء والأدباء والشعراء أمثال المتنبي وأبي الفتح عثمان النحوي، وقد أجزل سيف الدولة العطاء للشعراء بسبب محبته للشعراء وإجادته نظمه، وبادله الشعراء شعرًا حسنًا، وفنًّا جيدًا.
كما اشتُهِر جماعة من أهل بيته في نظم الشعر كابن عمِّه أبي فراس الحمداني، وهو حينما وقع في أسر الروم في إحدى غزواته، كتب أحسن شعره طالباً من سيف الدولة بحلب أن يفديه؛ لأنه نشأ في رعايته، ومن شعره في الأَسْر:
ولا تقعـدن عنِّي وقـد سيـم فديتي *** فلست عـن الفعل الكريم بمُقْعَـدِ
فكم لك عنـدي من أيــــادٍ وأنعـــمٍ *** رفعت بها قدري وأكثرتَ حُسَّدي
وقد اجتمع في بلاط سيف الدولة أشهر اللغويين والنحويين في زمانه مثل أبي علي الفارسي، وابن خالويه، وابن جني، فضلاً عن الفيلسوف الفارابي الذي كتب في الطب والمنطق والسياسة والرياضة والكيمياء والموسيقى. أمَّا الطبيب عيسى بن الرقي، فقد قال عنه ابن أبي أصيبعة في كتابه (طبقات الأطباء): "إن سيف الدولة كان يعطي عطاء لكل عمل، وكان عيسى الرَّقِّي يأخذ أربعة أرزاق: رزقًا بسبب الطب، ورزقًا بسبب ترجمة الكتب من السرياني إلى العربي، ورزقين بسبب علمين آخرين".
العمارة
بالرغم من الطابع العسكري والحربي لدولة الحمدانيين بصفة عامة، وإمارة سيف الدولة على نحو خاص؛ فإن ذلك لم يصرف الأمير سيف الدولة عن الاهتمام بالجوانب الحضارية والعمرانية.
فقد شيَّد سيف الدولة قصره الشهير بـ(قصر الحلبة) على سفح جبل الجوشن، والذي تميز بروعة بنائه وفخامته وجمال نقوشه وزخارفه، وكان آية من آيات الفن المعماري البديع، كما شيَّد العديد من المساجد، واهتم ببناء الحصون المنيعة والقلاع القوية.
شجرة الحكام
الدولة الحمدانية في الموصل:
1- ناصر الدولة أبو محمد الحسن (317هـ - 929م).
2- عدة الدولة أبو تغلب الغضنفر (358- 369هـ / 968- 979م).
3- أبو طاهر إبراهيم (371هـ - 981م).
4- أبو عبد الله الحسين (380هـ - 991م).
الدولة الحمدانية في حلب:
1- سيف الدولة أبو المحاسن علي (333هـ - 944م).
2- سعد الدولة أبو المعالي شريف (356هـ - 967م).
3- سعيد الدولة أبو الفضائل سعد (381هـ - 991م).
4- أبو الحسن علي (392هـ - 1001م).
5- أبو المعالي شريف (394هـ - 1003م).
الأدارسة في المغرب الأقصى
تُعَدّ دولة الأدارسة أول دولة علوية هاشمية تقوم في التاريخ الإسلامي. وتعود نسبتها إلى مؤسسها إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي هرب مع مولاه راشد إلى مصر ثم إلى المغرب الأقصى بعيداً عن أيدي العباسيين؛ وذلك بعدما تمكّن العباسيون من القضاء على ثورة الحسين بن علي بن الحسن في معركة فخ.
ومذهبها هو الزيدية أقرب مذاهب الشيعة إلى أهل السنة.. ونقل موقع قصة الإسلام عن الدكتور حسين مؤنس نفيه ذلك، وأكد أنها دولة سنية، فيقول: "من الأخطاء الشائعة القول بأن دولة الأدارسة دولة شيعية؛ لأن مؤسسيها وأمراءها كانوا من آل البيت، والحقيقة أن الأدارسة رغم علويتهم لم يكونوا شيعيين، بل لم يكن أحد من رجال دولة الأدارسة أو أتباعهم شيعياً فقد كانوا سنيين، لا يعرفون الآراء الشيعية التي شاعت على أيام الفاطميين، ولم يعرفوا في بلادهم غير الفقه السني المالكي، ومن البديهي أن آل البيت لا يمكن أن يكونوا شيعة لأحد، أما الشيعة فهم أنصارهم، والوصف الصحيح لهذه الدولة هو أنها كانت دولة علوية هاشمية، وهي أول تجربة نجح فيها أهل البيت في إقامة دولة لأنفسهم".
لم تنقطع ثورات العلويين بعد تولي أبناء عمومتهم العباسيين الخلافة، وإعلانهم أنهم أحق بها منهم، وقابل العباسيون ثورات أبناء العمومة بكل شدة وقسوة، ونجح أبو جعفر المنصور في القضاء على ثورة محمد النفس الزكية، واستشهاده سنة (145هـ - 762م)، ولم تكن ثورة أخيه إبراهيم أفضل حالاً من ثورته، فلقي مصرعه في السنة نفسها، واطمأن أبو جعفر المنصور على سلطانه، واستتب له الأمر.
وبعد فشل هاتين الثورتين قامت حركات لبعض العلويين في اليمن وخراسان، لكنها لم تلقَ نجاحاً، وأصابها ما أصاب سالفاتها، وعاش من بقي من آل البيت العلوي في هدوء، وربما استخفوا حتى يتمكنوا من إعداد العُدَّة للخروج وهم مكتملو القوة والعدد. وظلت الأمور على هذا النحو من التربص والانتظار حتى حدث نزاع صغير بين والي المدينة المنورة وبعض رجال من آل البيت أساء التعامل معهم، وأهانهم وأغلظ القول لهم، فحرك ذلك مكامن الثورة في نفوسهم، وأشعل الحمية في قلوبهم، فثار العلويون في المدينة بقيادة الحسين بن علي بن الحسن، وانتقلت الثورة إلى مكة بعد أن أعلن الحسين البيعة لنفسه، وأقبل الناس عليه يبايعونه.
ولما انتهى خبر هذه الثورة إلى الخليفة العباسي موسى الهادي، أرسل جيشاً على وجه السرعة للقضاء على الثورة، قبل أن يمتد لهيبها إلى مناطق أخرى؛ فيعجز عن إيقافها، فتحرك الجيش العباسي إلى مكة، والتقى بالثائرين في (8 من ذي الحجة 169هـ -11 من يونيو 786م) في معركة عند مكان يسمى (فخ) يبعد عن مكة بثلاثة أميال، وانتهت المعركة بهزيمة جيش الحسين، وم***ه هو وجماعة من أصحابه.
نجاة إدريس بن عبد الله
وكان ممن نجا من قادة الثائرين في هذه المعركة إدريس بن عبد الله بن الحسن، الذي اتجه إلى مصر ومعه خادمه راشد، وظل أمرهما مجهولاً حتى بلغا مصر مستخفيْن في موكب الحجيج، ولم يكن اختفاؤهما أمرًا سهلاً؛ فعيون الخلافة العباسية تتبعهما وتقتفي أثرهما، ولم تكن لتهدأ وتطمئن قبل أن تعثر على إدريس بن عبد الله حياً أو ميتاً، لكنهما نجحا في التحرك والتخفي؛ لا لمهارتهما في ذلك، ولكن لحب الناس آل البيت، وتقديم يد العون والمساعدة لهما.
ومن مصر خرج إدريس وخادمه إلى بلاد المغرب، ويقال: إن هذا الخادم كان بربريَّ الأصل، وساعدهما على الخروج من مصر عامل البريد بها؛ فقد كان متشيعاً لآل البيت، فلما علم بوجودهما في مصر قدم إليهما في الموضع الذي يستخفيان به، وحملهما على البريد المتجه إلى المغرب.
وتذهب روايات تاريخية إلى أن الذي أعان إدريس على الفرار من مصر هو علي بن سليمان الهاشمي والي مصر. وأياً ما كان الأمر فإن إدريس لقي دعماً ومساعدة لتمكينه من الخروج من مصر، سواءً كان ذلك بعون من والي مصر أو من عامل البريد.
وبعد أن وصل إدريس بن عبد الله إلى برقة تخفى في زي خشن، يظهر فيه بمظهر غلام يخدم سيده راشد، ثم سلكا طريقاً بعيداً عن طريق إفريقيا إمعاناً في التخفِّي، وخوفاً من أن يلتقي بهما أحد من عيون الدولة العباسية التي اشتدت في طلبهما. حتى وصلا إلى تلمسان سنة (170هـ - 786م)، وأقاما بها عدة أيام طلباً للراحة، ثم استأنفا سيرهما نحو الغرب، فعبرا وادي ملوية، ودخلا بلاد السوس الأدنى، حيث أقاما بعض الوقت في طنجة التي كانت يومئذ أعظم مدن المغرب الأقصى، ثم واصلا سيرهما إلى مدينة وليلي، وهي بالقرب من مدينة مكناس المغربية، واستقرا بها بعد رحلة شاقة استغرقت حوالي عامين.
وبعد أن استقر إدريس في وليلي (قصر فرعون حالياً) اتصل بإسحاق بن محمد بن عبد الحميد زعيم قبيلة (أوربة) البربرية، صاحبة النفوذ والسيطرة في وليلي، فلمَّا اطمأنَّ إليه إدريس عرَّفه بنسبه، وأعلمه بفراره من موطنه نجاةً بنفسه من بطش العباسيين. وقد رحَّب إسحاق بضيفه الكبير، وأنزله معه داره، وتولَّى خدمته والقيام بشأنه شهوراً عديدة، حتى إذا حلَّ شهر رمضان من السنة نفسها جمع إسحاق بن محمد إخوته وزعماء قبيلة أوربة، وعرَّفهم بنسب إدريس وبفضله وقرابته من النبي - صلى الله عليه وسلم - وكرمه وأخلاقه وعلمه؛ فرحبوا جميعاً به، وأعربوا عن تقديرهم له، وبايعوه بالخلافة في (14 من رمضان 172هـ -15 من فبراير 788م)، وبعد ذلك خلع إسحاق بن عبد الحميد طاعة بني العباس حيث كان من ولاتهم، وتنازل لإدريس عن الحكم.
وتبع ذلك الدعوة لإدريس بين القبائل المحيطة؛ فدخلت في دعوته قبائل: زناتة، وزواغة، وزوارة، ولماية، وسراته، وغياشة، ومكناسة، وغمارة، وبايعته على السمع والطاعة، واعترفت بسلطانه، وقصده الناس من كل مكان.
استقرت الأمور لإدريس بن عبد الله، ورَسُخَت أقدامه بانضمام كل هذه القبائل إلى دعوته، ودانت له معظم قبائل البربر، وبدأ يطمح إلى مدِّ نفوذه وسلطانه إلى القبائل التي تعترف بحكمه، ونشر الإسلام بين القبائل التي لا تزال على المجوسية أو اليهودية أو المسيحية، فأعدَّ جيشاً كبيراً زحف به نحو مدينة شالة قبالة مدينة الرباط، ففتحها، ثم تحول إلى كل بلاد تامسنا فأخضعها، وأتبع ذلك بإخضاع إقليم تاولا، وفتح حصونه وقلاعه.
ودخل كثيرٌ من أهل هذه البلاد الإسلام، ثم عاد إلى وليلي للراحة والاستجمام في (آخر ذي الحجة 172هـ - مايو 789م)، ثم عاود حملته الظافرة عازماً على دعوة من بقي من قبائل البربر إلى الإسلام، ونجح في إخضاع قبائل: قندلاوة ومديونة وبهلولة وغيرها من القبائل البربرية التي كانت متحصنة بالجبال والحصون المنيعة، ثم رجع إلى وليلي في (15 من جمادى الآخرة 173هـ -10 من أكتوبر 789م).
نهاية إدريس
ولم تكد تصل هذه الفتوحات إلى عاصمة الخلافة العباسية حتى فزع الخليفة هارون الرشيد، وشعر بالقلق من النجاح الذي يحققه إدريس بن عبد الله، الذي نجح فيما فشل فيه غيره من أبناء البيت العلوي؛ فلأول مرة ينجحون في إقامة دولة لهم بعد إخفاقات عديدة ومآسٍ دامية.
ثم اشتد خوف الخليفة العباسي حين جاءته الأخبار بعزم إدريس بن عبد الله على غزو إفريقيا (تونس)، ففكَّر في إرسال جيش لمحاربة هذا العلوي، وبينما الرشيد على هذه الحال من القلق والاضطراب تدخَّلت الأقدار، وأراحته مما كان يفكر فيه، فتوفي إدريس بن عبد الله في (سنة 177هـ - 793م) على أرجح الروايات، بعد أن نجح في تحدي الصعوبات، وأقام دولة عُرفت باسمه (دولة الأدارسة) بعيداً عن وطنه، بين قبائل متطاحنة تعتز بعنصريتها، وتتخذ من قوتها وسيلة لفرض سيطرتها على من حولها، وهذه تُحسَب له، وتجعله واحداً من كبار رجال التاريخ. ويضاف إليه أن المغرب مدين له بنشر الإسلام في أماكن لم يكن قد وصل إليها من قبل.
إدريس الثاني (177 – 213 هـ / 793 – 828م)
خلفه ابنه إدريس الثاني الذي كان جنينًا في بطن أمه عندما مات أبوه، وقام بشؤون البربر مولى أبيه (راشد)، فلما قُتِلَ راشد كفل إدريسَ أبو خالد يزيد بن إلياس العبدي - أحد شيوخ البربر - حتى كَبُر إدريس فتولَّى الأمر بوصاية أبي خالد عام 188هـ - 804 م. وفي سنة 192هـ - 808م بدأ إدريس الثاني يحكم مستقلاً بنفسه.
وابتداءً من سنة 197هـ - 812م بدأ إدريس سلسلة حملات ثبَّتت سلطان الدولة من تلمسان إلى ساحل المحيط الأطلسي، ونشط لحرب الخوارج في جبال أطلس، ودارت حروب طويلة بينه وبين البرغواطيين، وفي هذا الدور من تاريخ الأدارسة حمل العبء رجال قبيلتي أوربة وغمارة بشكل خاص.
ثم توفي إدريس الثاني عام 213هـ - 828م بعد أن ثبَّت دعائم الدولة بعد حروب طويلة ومؤمرات خطيرة من جانب منافسيه من بني الأغلب خاصة.
تقسيم بعد انفصال
وبعد وفاته نجد ابنه وخليفته محمد بن إدريس الثاني يتصرف تصرفًا غريباً وغير معقول، فيقوم بناءً على نصيحة جدته (كنزة) بتقسيم الدولة بين إخوته الكثيرين، وكان المعقول أن يقيمهم عمالاً أو ممثلين للدولة، ولكنه أعطاهم نواحي الدولة إقطاعات ينفرد كل منهم بناحية منها؛ فكان هذا سبباً في ضعف الدولة، وهي بعدُ لم يكتمل نموها، ومع أن محمد بن إدريس احتفظ لنفسه بالرياسة واعتبر إخوته أتباعاً له، إلا أن بعض الإخوة اتجه إلى الاستقلال بناحيته، ناسياً أن قوة الدولة الإدريسية تكمن في ترابط رؤسائها من أفراد البيت الإدريسي، الذي كان يتمتع في قلوب الناس بمكانة جليلة.
توفي محمد بن إدريس الثاني عام 221هـ - 836 م فخلفه ابنه علي بن محمد، وكان عمره تسع سنوات عندما تولَّى الحكم، ولقب باسم حيدرة، وحيدرة لقب كان يطلق على الإمام علي بن أبي طالب ومعناه الأسد، واستمر في الحكم ثلاث عشرة سنة، ولم يحدث في أيامه ما يستحق الذكر، فقد حكم تحت وصاية أقاربه ورجال الدولة حتى توفي سنة 234هـ - 848 م.
وبعد وفاة علي بن محمد خَلَفَه أخوه يحيى الأول، وفي عهد يحيى هذا بلغت فاس أوجها أيام الأدارسة، فقامت فيها المنشآت الكثيرة وامتدت على سفوح الجبال، وأُنشِئ جامع القرويين.
ولما مات خَلَفَه ابن أخيه يحيى الثاني بن علي بن محمد، وكان سيء السيرة فثارت عليه العامة، فاختفى بعُدوة الأندلس ريثما تخمد الفتنة، ومات من ليلته، واستولى عبد الرحمن بن أبي سهل - الذي تزعم الثورة على يحيى بن علي - على مدينة فاس؛ فأرسلت زوجة يحيى إلى أبيها - والي بلاد الريف - علي بن عمر بن إدريس، وطلبت منه الحضور لإخماد هذه الثورة فجاء وأخمدها، وسيطر على البلاد.
وبذلك انقطع الملك من عقب علي بن محمد بن إدريس الثاني، وأصبح في عقب عمر بن إدريس صاحب الريف تارة، وفي عقب القاسم بن إدريس الزاهد تارة أخرى.
ولم يلبث أن دخل أهل فاس في طاعة علي بن عمر، وخُطِبَ له على منابر المغرب، واستقرت قدمه في هذه البلاد فترة من الزمن.
وكانت إمارة الأدارسة تعيش خلافات شديدة؛ إذ كانت تخضع تارةً لحكم صاحب الريف علي بن عمر بن إدريس، وتارة لحكم أولاد القاسم بن إدريس إضافة إلى ثورة عبد الرازق الفهري أحد زعماء الخوارج الصفرية الذي أجبر علي بن عمر بن إدريس على الفرار إلى قبيلة أوربة، ولكن أهل فاس استدعوا ابن أخيه وهو يحيى الثالث بن القاسم بن إدريس وبايعوه، وبقي طيلة وقته يقاتل الخوارج حتى ***ه الربيع بن سليمان عام 292هـ - 905 م.
وعاشت دولة الأدارسة في فوضى واضطراب بسبب القتال بين أبناء إدريس والخوارج الصفرية، وبسبب هذه الحروب ساءت الحالة الاقتصادية والاجتماعية للدولة.
وبعد أن اغتيل يحيى الثالث بن القاسم تولى أمر الأدارسة يحيى الرابع بن إدريس بن عمر بن إدريس وامتد سلطانه على بلاد المغرب الأقصى كلها، وكان عظيم القدر، عادلاً في رعيته، كثير الفضل، بطلاً شجاعاً، ذا بيان وفصاحة، حافظاً للحديث، فقيهاً، صاحب دين وورع.
الدولة في عيون المؤرخين
يقول ابن خلدون عن يحيى الرابع بن إدريس بن عمر صاحب الريف: "وكان أعلى بني إدريس ملكاً وأعظمهم سلطاناً، وكان فقيهاً عارفاً بالحديث، ولم يبلغ أحد من الأدارسة مبلغه في السلطان والدولة، وفي أثناء ذلك كله خلط الملك للشيعة بأفريقية، وتغلبوا على الاسكندرية".
ويقول صاحب جذوة الاقتباس عن دولة الأدارسة: "كانت مدة ملك الأدارسة من يوم بويع إدريس بن عبد الله بمدينة وليلي سنة 172هـ - 788م إلى أن *** الحسن هذا - يعني الحسن بن القاسم كنون الإدريسي - مائتين وسنتين وخمسة أشهر، وكان عملهم بالمغرب من السوس الأقصى إلى مدينة وهران، وقاعدة ملكهم مدينة فاس ثم البصرة، وكان سلطانهم إذا قوي امتد إلى وهران وتلمسان، وإذا ضعف لا يجاوز البصرة وأصيلا وحجر قلعة النسر، وكان في أيامهم الرخاء بالمغرب متوالياً".
ويقول الدكتور إبراهيم أيوب: "أسهم الأدارسة في خدمة المسلمين عن طريق تثبيت البربر على الإسلام، فكان ظهور دولة الأدارسة مقدمة لظهور دولة المرابطين الذين كملوا ما بدأه الأدارسة في تثبيت إسلام البربر، ونشر الإسلام في غرب أفريقيا في عهدهم".
ويقول الزركلي عن إدريس بن إدريس بن عبد الله ثاني ملوك الأدارسة بالمغرب الأقصى: "وكان جواداً فصيحاً حازماً، أحبته رعيته، واستمال أهل تونس وطرابلس الغرب والأندلس إليه (وكانت في يد العباسيين بالمشرق يحكمها ولاتهم) وغصت مدينة وليلي بالوفود والسكان فاختط مدينة فاس سنة 192 هـ - 808م وانتقل إليها".
ويقول الدكتور حسن إبراهيم حسن: "وقد امتد حكم الأدارسة من السوس الأقصى إلى مدينة وهران، وكانت حاضرة ملكهم مدينة فاس ثم البصرة ببلاد المغرب الأقصى، وقد زال ملكهم بعد أن حكموا قرنين وثلاث سنين (172 - 375هـ / 788م – 985م) لم تتمتع فيها البلاد بشيء من الاستقرار الذي يمكن القائمين بالحكم فيها من توجيه جهودهم إلى نشر العلوم والفنون والأخذ بأسباب الحضارة".
أما الدكتور حسين مؤنس فيقول: "ودولة الأدارسة من الدول الطويلة العمر فقد قامت في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، ولكنها لم تنته تماماً إلا في أواخر القرن الرابع الهجري (1010م). وقد عمرت فوق القرنين ونصف، أي ضعف ما عمرته دولتا الأغالبة والرستميين، وثبتت لمحنة الفاطمية وجيوشها، وخاضت طوال تاريخها حرب بقاء أو موت مع الدولة الأموية الأندلسية حينًا وإلى جانبها حيناً آخر، ولكنها مع ذلك العمر الطويل والحيوية المتجددة، كانت من صغار الدول سواء في سعة مملكتها أو قوة أئمتها، ولكنها كانت من أهمها من الناحية الحضارية، فقد كان لها في تاريخ المغرب أثر حاسم في صياغة مذهب السنة من ناحية، وتعريب البلاد من ناحية أخرى، وقد مرت بفترات احتضار طويلة وانتعشت مرات كثيرة".
شجرة الحكام
1- إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (إدريس الأول) (172 - 177هـ).
2- إدريس الثاني (177 - 213 هـ).
3- محمد بن إدريس الثاني (213 - 221هـ).
4- علي بن محمد بن إدريس (221- 234 هـ).
5- يحيى الأول بن محمد بن إدريس (234 - 250هـ).
6- يحيى الثاني بن علي بن محمد بن إدريس الثاني (250 - 250 هـ).
7- علي الثاني بن عمر بن إدريس الثاني (250 - 265هـ).
8- يحيى الثالث بن القاسم بن إدريس الثاني (265 - 292هـ).
9- يحيى الرابع بن إدريس بن عمر بن إدريس الثاني (292 - 310هـ).
10- الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس الثاني (310 - 312هـ).
الدولةالرستمية
هي دولة إباضية خارجية أسَّسها عبد الرحمن بن رستم من أصل فارسي. وكانت قاعدتها مدينة تاهرت قرب مدينة تياريت الحديثة في مقاطعة وهران غرب الجزائر (المغرب الأوسط سابقاً).
والفرقة الخارجية من أشد الفرق الإسلامية دفاعاً عن مذهبها، وأشدها تهوراً واندفاعاً، وحماسة لآرائها، مستمسكون بألفاظ قد أخذوا بظواهرها، واتخذوها ديناً لا يحيدون عنها. ويتصف الخوارج بحبِّ الفداء والرغبة في الموت، والاستهداف للمخاطر من غير دافع قوي يدفع إلى ذلك.
والإباضية هي إحدى فرق الخوارج، وتنسب إلى عبد الله بن إباض التميمي. ويدعي أصحابها أنهم ليسوا خوارج، وينفون عن أنفسهم هذه النسبة.
وقد دخل مذهب الإباضية إلى إفريقيا في النصف الأول من القرن الثاني، وانتشر بين البربر حتى أصبح مذهبهم الرسمي.
مؤسسالدولة الرستمية
عبد الرحمن بن رستم بن بهرام - من أصل فارسي - مولى سيدنا عثمان بن عفان، وقد قَدِم رستم إلى مكة تصحبه زوجته وابنه عبد الرحمن لأداء فريضة الحج فمات، فتزوجت أرملته برجلٍ من أهل القيروان، حملها وابنها عبد الرحمن معه عند عودته إلى بلده.
وتربَّى عبد الرحمن بن رستم في القيروان، وأخذ العلم عن فقهائها، ومال إلى تعليم الخوارج الإباضية، كما يقول ابن خلدون: "وأخذ عبد الرحمن بن رستم بدين الخارجيَّة والإباضية منهم، وكان ذلك بتأثير من سلمة بن سعيد داعية الإباضية الذي كان يجتهد آنذاك في نشر المذهب الإباضي في ربوع المغرب"، ثم خرج إلى المغرب الأوسط، واتخذ من مدينة تاهرت مركزًا لنشر دعوته.
الرستميون والدولة الأموية في الأندلس
قامت العلاقات بين الدولة الأموية في الأندلس والرستميين على أسس التحالف المتين والصداقة المتبادلة، وقد بدأت العلاقات بين الطرفين في وقت مبكر، حيث إن مؤسِّس الدولة الأموية بالأندلس - عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك - حين فرَّ من العباسيين لجأ إلى المغرب الأوسط، وأقام بين بني رستم الذين حافظوا عليه، وأجاروه من الأخطار التي كانت تواجهه.
كان من الطبيعي إذن أن يحدث التآلف بين أمراء بني أمية في قُرطبة وبين الأئمة الرستميين في تاهرت، وتقوم العلاقات بين الدولتين على أساس من الصداقة والتحالف والمودة، إذ كان الأمويون في الأندلس محطَّ عداء العباسيين، كما كان العباسيون أيضاً أعداء للإباضيَّة في تاهرت؛ لأنهم كانوا يعتبرون بلاد المغرب كلها ميراثًا شرعيّاً تركه الأمويون لهم، وعلى هذا الأساس نظروا إلى الدولة المستقلة عنهم نظرة عداءٍ باعتبار مؤسِّسيها قاموا باقتطاع أجزاء من ممتلكات العباسيين.‏
ومما دفع أمراء بني أمية إلى توطيد علاقتهم بالرستميين أنه لم يعد أمامهم من منفذ إلى بلاد المغرب سوى المغرب الأوسط؛ لأنَّ المغرب الأدنى (إفريقيَّا) قامت فيه دولة الأغالبة الموالية للعباسيين، والمغرب الأقصى فيه دولة الأدارسة الشيعيَّة التي كانت علاقتها بالأمويين في الأندلس تتسم بالعداء، وبقيام هاتين الدولتين أوصدت جميع المنافذ والسبل في وجه الإمارة الأموية الفتيَّة. وبذلك أصبحت الدولة الرستمية هي الشريان الحيوي الوحيد الذي بإمكانه تغذية تلك الإمارة بالحياة، والتعاون معها سياسيّاً واقتصاديّاً وحضاريّاً.
الفتن والثورات
ثورة النكار
لقد تعرضت الدولة الرستمية لعددٍ من الفتن والثورات، حيث لم تسلم الدولة منها؛ فمثلما يعمُّ الخير والاستقرار تنتشر الفتن والثورات، ومنها الثورة التي تعرف بثورة النكَّار التي هزت أركان الدولة في عهد الإمام عبد الوهاب ابن الإمام عبد الرحمن الرستميِّ.
والنُّكَّار الذين أشعلوا تلك الفتنة وقاموا بتلك الثورة، قومٌ أنكروا إمامة عبد الوهاب، وطالبوا بتكوين مجلس للشورى يكون أعضاؤه أشخاصاً معروفين.
لقد دبَّر فريق النكَّار مؤامرة لعزل الإمام عبد الوهاب أو ***ه، فقد انتهزوا مناسبة كان الإمام قد غادر فيها عاصمة الدولة لبعض الأمور فأعلنوا الثورة، وانقضوا على تاهرت، فواجههم أهل المدينة، ودافعوا عن أنفسهم ببسالة، ووقع كثير من ال***ى من الفريقين. فلما رجع الإمام وجد على باب العاصمة جثثًا مُلقاة ودماء مُراقة، وأخبره الناس بما وقع فأمر بال***ى فجمعوا، وصلَّى على الجميع اقتداءً بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب في واقعة الجَمَل، ثم أمر بدفن الجميع.
الثورة التيأسقطت الدولة الرستمية:
وكانت الفتنة الأخيرة التي أودت بالدولة الرستمية وا***عتها من جذورها، فتنةً ليست بين صفوف الرعيَّة، وإنما اشتعلت نيرانها بين أسرة الإمامة نفسها؛ لأن الذين قاموا بها اثنان من أبناء أخي الإمام نفسه، إذ انقضَّ اثنان من أبناء أبي اليقظان - شقيق الإمام - على عمِّهما و***اه وولَّيا مكانه والدهما أبا اليقظان.
وعلى الرغم من أن أبا اليقظان كان شخصية متميزة فإن جريمة *** ولديه لشقيقه الإمام قبَّحت صورته أمام الناس، وكان هذا الغدر إيذانًا بغروب شمس دولة كانت عظيمة؛ فقد أعرض الناس عنهم، وانفضوا من حولهم، واستنكروا فعلتهم، ولم يكد يمضي على هذه الحادثة غير وقت قصير حتى قَدِم عليهم أبو عبد الله الحجاني - مولى الإمام العبيديّ وقائد جيشه - ف*** الوالد والولدين وبقيَّة أفراد الأسرة الرستمية، باستثناء أبي يوسف يعقوب بن أفلح الذي استطاع النجاة؛ وبذلك انتهت الدولة الرستمية الإباضية، وصارت جزءًا من مسيرة الدولة الإباضية يرويها التاريخ.
رأي المؤرخين في الدولة الرستمية
يقول توفيق المدني عن الدولة الرستمية: "إنها كانت أول دولة إسلامية بربرية نشأت في هذه الديار - يعني الجزائر - ازدهرت ونمت ونالت شهرة عالمية واسعة".
وكذلك يقول عثمان الكعاك: "إن الدولة الرستمية كانت قوية عزيزة ذات بأس وسلطان، عاصرت بني الأغلب بإفريقيا (يعني تونس) والأدارسة بالمغرب الأقصى، وكانت الآمرة الناهية في بلاد المغرب الأوسط".
شجرة الحكم
1- عبد الرحمن بن رستم (162- 171هـ).
2- عبد الوهاب (171- 208هـ).
3- أفلح (208- 258هـ).
4- أبو بكر (258- 260هـ).
5- محمد أبو اليقظان (260- 281هـ).
6- يعقوب (282- 286هـ).
7- يوسف أبو حاتم (281- 282 هـ)، (286- 294هـ).
8- يقظان (294- 297هـ).
الخلاصة
لقد كثرت حالات الانفصال في عصر الدولة العباسية حتى أصبحت ظاهرة شائعة من المشرق الإسلامي إلى مغربه.
وأصبح كل اجتمع حوله مريدون يطمح إلى إنشاء دولة له ولعائلته.. وكثيراً ما يحصل ذلك استغلالاً لضعف في الخلافة أو تمرداً عدائياً للعباسيين.
صحيح أن بعض هذه الدويلات خدمت الإسلام وساعدت على نشره، إلا أن عمليات الانفصال ساهمت أيضاً في إضعاف الخلافة العباسية وتمزيق بلاد المسلمين.
فالمحافظة على كيان جامع للمسلمين وتصحيح الأخطاء من الداخل أفضل من التمرد والانقسام والانفصال، خصوصاً إذا كان هناك أعداء يتربصون بهذه الأمة.
وكلما انفصل جزء من الأمة نقص حجمها وقل شأنها وتشجع أعداؤها، وزادت فرص استغلالهم لتلك الأجزاء المبعثرة لعزلها عن أصلها وضربها ببعضها، كما هو حاصل اليوم بأبشع صوره.
ويلاحظ أن الدويلات التي قامت غالباً يكون سقوطها ثمرة للصراع الداخلي، إما داخل بين فئات مجتمعاتها أو داخل السلطة الحاكمة نفسها.
ـــــــــــــــــــــــ
المصادر
- تاريخ ابن خلدون.
- موقع (قصة الإسلام).
- (دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية)، د. عبد الحليم عويس.
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم




رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:47 AM.