اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > التنمية البشرية

التنمية البشرية يختص ببناء الانسان و توسيع قدراته التعليمية للارتقاء بنفسه و مجتمه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-05-2015, 04:04 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي القاتل الخفي!


القاتل الخفي!





هنادي الشيخ نجيب

ما أكثرَ الحيلَ النفسيَّةَ التي تَثنينا عن المبادرة والإنجاز! وتَصرِفنا عن العناية بتزكية نفوسنا!

وقد يصل أمرُ التلاعب بنا إلى درجة الرضا بالتقصير، والتبرير للقعود بالتخدير، وطرح حجج وعوائق مُتخيَّلة وموهومة؛ فتنتج عنها عزائم خائرة بالضعف محكومة.

إن النفس وحدَها هي مصدر السلوك، وفي يدها زِمام التوجيه، وذلك بحسب ما يملؤها من أفكار، وما يغمرها من عواطف، وإنَّنا نستطيع أن نكون أمثلةً رائعةً في مجتمعنا إذا ما أردنا وعقلنا، وأَخْلَيْنا "الوهم" عن أنفسنا.

الوهم آفة مدمرة، ومرض قاتل؛ كثيرًا ما اهتم به العلماء؛ حتى أُثِر عنهم أنهم قالوا: "إذا نحن فكَّرنا بالمرض والضعف، أصبحنا مرضى وضعفاء"، وأحسن شرح لذلك المفهوم قصة إحدى النساء التي توهَّمتْ أن عَظْمَ سمكةٍ عَلِقَ في حنجرتها، وسوف ي***ُها، وبينما أجمع الأطباء الذين عاينوها على عدم وجود حَسَك السمك في حلقها، أصرَّت هي على أنها على وشْك أن تموت بسبب الحسكة! وظلَّت تُصارِعُ حَتْفَها إلى أن تداركها طبيبٌ حاذق عرف علةَ نفسها وسلامةَ بدنها، فأمسك ملقطًا ووضع في طرفه بطريقة خفية عظمة صغيرة، ثم أدخله في بلعومها وأخرجه بعد لحظات صارخًا: (انظري، لقد أخرجتُ العظمة من حنجرتك أخيرًا!)؛ فشُفيت المرأة بعد ذلك شفاء تامًّا.

وهذا ما يسمِّيه المختصون "الإيحاء النفسي"، وله تأثيرات إما سلبية تؤدي إلى العجز والخضوع، وإما إيجابية تنحو بالمرء باتجاه الإنجاز والنهوض وتَجاوُز العَقَبات، وربما شكَّلت السبب الرئيس في الموت السريري لدى الكثيرين، حتى يصبحوا من الصنف الأول في قول الشاعر:
الناسُ صِنفانِ: موتى في حياتهمُ = وآخرون ببطن الأرض أحياءُ
وكم ممن صرعه الوهم، حتى انزوى روحيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا؛ جرَّاء الاستسلام لظروف وُجدت في مُخيِّلة المتوهم وحدَه، لم يستطع مواجهتَها بالحقيقة؛ "ف***ه الوهم"!

قصة قصيرة تَصِفُ بينَ سطورها أعراضَ الوهم، وما يؤول إليه أمرُ الواهم إذا أسلَمَ له القياد؛ أرويها لكم لنقف على العبرة، ونستفيد من الفكرة.

نجح طاقم أحد القطارات من إنجاز رحلته بسرعة وأمان، فقرَّرت إدارة شركة القطارات مكافأتهم، ومنحتهم إجازة مدفوعة الأجر لمدة يوم واحد، علاوة على السماح لهم بالنزول في المحطة التي وصلوا إليها، وإكمال الرحلة في اليوم التالي.

فرح العمَّال بهذا القرار، وبدؤوا على الفور بمغادرة المقصورات، بعد أن استيقنوا من إحكام غلق أبواب العربات ونوافذها، لكنَّ هذه المِنحَةَ تحوَّلت إلى مِحْنةٍ على أحد زملائهم؛ فبينما كان يُنظِّفُ العربة الخاصة بنقل اللحوم المجمدة - وهي عربة الثلاجة - أغلق زملاؤه البابَ الخارجي عليه دون أن يعرفوا أنه بداخلها.

في صبيحة اليوم الثاني عثر العمَّال على زميلهم جثةً هامدة داخل الثلاجة، كما وجدوا مفكرةً صغيرة مُلقاةً بقربه دوَّن فيها آخرَ أنفاسه قبل موته لحظة بلحظة، كتب قبل أن يلقى مصيره:
(لا أدري لِمَ أغلَقَ زملائي بابَ الثلاجة؟! لماذا تركوني في هذا البرد القارس؟! لقد بذلتُ كلَّ ما بوسعي لأخرج، صرخت بأعلى صوتي، طرقت الجدرانَ بيديَّ، رفست الباب برجليَّ، ناديت وناديت، لكن لا مجيب! أشعر ببرد يقضم أطرافي، وقشعريرة تسري في أوصالي، استلقيت على الأرض، لم يبقَ في جسمي طاقةٌ تدفع هذا الجليد، لم يَعُدْ بي طاقة على التحمل، هذا آخر سطر سأكتبه في حياتي).

مات العامل من البرد، لكن المفاجأة الكبرى أنَّ الثلاجة لم تكن تعمل؛ فقد أوقف العمال مفتاح تشغيلها قبل مغادرتهم؛ " لقد ***ه الوهم"!

قرَّاءَنا الكرام، ونحن كم *** الوهم منَّا! كم كسر من إرادتنا! كم أبدى لنا خيالاتٍ وأشباحًا يعيقوننا عن مسيرتنا! كم صوَّر لنا الممكنَ مستحيلاً، والقريبَ بعيدًا، والطموحَ وقاحة، والمبادرة تهورًا، والثبات تصلبًا، والاستقامة تخلفًا، والإنفاق مهلكة!

سأل الممكنُ يومًا المستحيل: أين تقيم؟
فأجابه: في أحلام العاجز، وأوهام القاعد!
الوهم - أيها الأفاضل- سبيل الوهن، وهو ما حذَّر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم منه، عندما أخبرنا بأنه آفة تصيبنا آخرَ الزمان، وسئل: ما الوهن يا رسول الله؟ فأجاب: ((حبُّ الدنيا، وكراهية الموت))، فكثير منا توهَّموا أن الدنيا ستدوم لهم إن تفانوا لأجلها وخدموها، فعملوا لها على قدر توهمهم بأنهم سيُقيمون فيها، وأغلقوا على أنفسهم كلَّ باب إلى الآخرة؛ حرصًا مما توهُّموا أنه سيهلكهم، أكلوا وشربوا، ناموا وترفهوا، جمعوا وكنزوا، ثم راحوا وتركوها، كأنها لم تكن: "***هم الوهم"!

ولمواجهة هذا الخطر القادم من أنفسنا، علينا أن نكون في قمة الوعي لما يدور حولنا، فننفض عنَّا نظريةَ المؤامرة المطلقة، فما تآمر علينا عدوٌّ أقوى وأقرب من أفكارنا وأوهامنا، ونستيقظ من سُبات الوهم الذي أقعد عزائمَنا، ولنتدارك ما بقي من أعمارنا في العمل على أرض صلبة، ولنُنشِدْ مع القائل بلسان العاقل، منفتح البصر والبصيرة؛ فالإبصار علاج الأوهام:
ما من صباحٍ خيوطُ الشمس تنسجه
إلَّا يُنادي ألَا إني بلا عقبِ
ما لي رجوع لدنيا الناس ثانيةً
فاقطف من الغصن خير الزاد واحتطبِ
ربَّاه باركْ لنا في الوقت ما سمحتْ
أعمارنا إنك الوهاب فاستجبِ


الدواء في رؤية الحقيقة، وإبصار الطريقة، ثم الاتِّباع إذا تجلَّى الحقُّ، وإلا فالابتعاد إن ظهر الباطل.

علاج القاتل الخفي هنا في دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام: ((اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه)).

اللهم آمين.






رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:25 AM.