اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > التنمية البشرية

التنمية البشرية يختص ببناء الانسان و توسيع قدراته التعليمية للارتقاء بنفسه و مجتمه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21-05-2015, 08:55 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي الذكاء بين علم النفس والمعلوماتية


الذكاء بين علم النفس والمعلوماتية


حسن مظفر الرزّو


1- مقدمة:
احتار العلماء في معالجة ماهية الذكاء البشري، ووقفوا حيارى أمام القدرات العقلية اللامحدودة لبني البشر، والتي جعلتهم أكرمَ مخلوقات الله على هذه الأرض، استأثر الفلاسفة والحكماء بمعالجة الذكاء في البداية، وعكفوا على صياغة تعريف جامع لحدوده، ثم لم تلبث المعرفة العلمية أن تدور دورتها، فتخرج مفهوم الذكاء من دائرة الفلسفة إلى دائرة علم النفس.

بقي الذكاء في دائرة علوم النفس لحين بزوغ فجر المعلوماتية، وانتشار مفاهيم علم السبرنتيك[1]، الذي بدأ يفتش عن سبل أتمتة أنشطة الآلة، من خلال منطق ذكي يحاكي الذكاء البشري في بعض جوانبه، ويخطط لمستقبل صدع به العالِم "ألان تورينغ" تستوطن في ساحته آلات ذكية تنافس الإنسانَ بقدرتها على حل المشكلات، وتجاوز عقبات الواقع، واتخاذ قرارات حكيمة بصدد تحسين أدائها.

سنعالج الذكاء بين دائرة علم النفس، وعلم المعلوماتية الذي امتدت مجسَّاته وتسللت إلى جلِّ الأنشطة البشرية في عصرنا الراهن، ونحاول إلقاء الضوء على التطورات المحتملة في الذكاء الاصطناعي، الذي بدأ العلماء بتغذية الآلات الصماء برحيقه السحري، وهل أن ذكاءنا سيصمد أمام ذكاء آلاتنا، أو أنها ستباشر بثورة على صانعيها فتحكم سيطرتها على الإنسان المعاصر؟

2- الذكاء البشري في دائرة الاصطلاح:
حفلت كتب علماء النفس بزمرة من التعريفات الاصطلاحية لمَلَكة الذكاء لدى الإنسان، بَيْدَ أنها تتفق جميعًا على اعتباره مرتهنًا بالمحاور التالية:
أ- القدرة على التعلم، أو إنشاء المفاهيم من الخبرة المستمدة من الواقع.
ب- القدرة على البحث واكتساب المعرفة.
ج- القدرة على التكيف بسرعة وبنجاح مع المواقف والمشكلات المعترضة.
د- امتلاك القدرة على استثمار القدرات الذهنية في تحقيق تكيف مع البيئة والمجتمع، وتحقيق نجاح ملموس فيها.

وقد اقترح معامل الذكاء IQ بوصفه معيارًا كميًّا لقياس الذكاء لدى مختلف الفئات العمرية، وعلى ضوء بيانات استندت إلى دراسات مكثفة لزمر منتخبة، وعبر سلسلة من الاختبارات في شتى ميادين المعرفة، والتي ترتكز إلى حقيقة وجود فوارقَ معنويةٍ بين مختلف الأفراد في عملية الإدراك، قابلة للقياس من خلال أداء الشخص قيد الاختبار، وأن التباين الحاصل في نتائج الاختبار ترتبط ارتباطًا جوهريًّا بالذكاء الطبيعي الذي يمتلكه ذلك الشخص.

لذا أضحى الأكثر ذكاءً بمعيار علماء النفس - في عصرنا الراهن - هو مَن يحصل على أكبر مجموع من النقاط عند اجتيازه لاختبارات معامل الذكاء، والتي تنعكس بزيادة عمره العقلي بالمقارنة مع عمره الزمني.

استمرَّ العلماء بتعميق أبحاثهم لفهم الذكاء، فظهرت عند حافات القرن العشرين اصطلاحات جديدة، مثل: الذكاء المائع: والذي يرتبط بقدرة الإنسان على ابتكار تقنيات جديدة في معالجة المشاكل الجديدة، أو غير المتوقعة التي تعترضه، والذكاء المتبلور: الذي يمتلك صاحبُه القدرة على استلهام خبرات سابقيه، وتطويعها لحل المشاكل التي تشكل عائقًا أمامه، والذكاء المرئي – المكاني: وهو قدرة عقلية راقية تمكِّن صاحبَها من توظيف الصور المرئية، والعلاقات التي تربط بينها لحل الإشكاليات المعرفية التي تعترضه، فترقى بقدراته الرياضية والمنطقية، التي تتسم بتجريد عقلي متقدم.

يبدو أن الاصطلاحاتِ الجديدةَ لتعريف الذكاء لدى علماء النفس أصبحت تتبادل حدودها الاصطلاحية مع الحدود التي أقامها المعلوماتيون، كما سنرى في الفقرة القادمة، وهو مؤشر واضح على بداية رحلة جديدة لاصطلاح الذكاء من دياره في حمى علم النفس، إلى دائرة المعلوماتية الآسرة.

3- الذكاء الاصطناعي والمعلوماتية:
يطلق اصطلاح الذكاء الاصطناعي على القدرة التي يمتلكها أي جهاز، أو آلة، أو برنامج، أو نظام حاسوبي، تجعله يسلك سلوكًا يقارب بعضَ جوانب السلوك الذكي لدى البشر.


يعتبر الرياضي البريطاني ألان تورينغ ( 1912 – 1954 ) الأبَ الروحي للحاسوب الرقمي، وآلات الذكاء الاصطناعي، والذي اخترع الماكينة التي عرفت باسمه TuringMachine، والتي تمتاز بقدرتها على إجراء أي نوع من العمليات الرياضية، وقد عمد إلى توسيع دائرة بحوثه إلى ميدان الذكاء الاصطناعي، حيث باشر بدراسة ملكة الذكاء لدى الكائنات الحية المختلفة، ثم قام في بداية الخمسينيات باقتراح منهاج لاختبار السلوك الذكي في الآلات والمكائن، ومدى قدرتها على مباشرة عملية التفكير الآلي، أطلق عليه اختبار تورينغ.

لم تنجح أية آلة - إلى هذا التاريخ - في اجتياز هذا الاختبار بنجاح، وبقيت آليات الذكاء الاصطناعي الموجودة في المكائن والآلات، والنظم البرمجية المختلفة، تلهث وراء هذا الاختبار دون جدوى لإثبات جدارتها في منافسة القدرات العقلية لدى الإنسان.

استوطن هذا العلم في دائرة علوم الحاسوب، وأضحى عبارة عن زمرة من الهيكليات، أو النظم البرمجية التي تصاغ بلغات برمجية متخصصة، بحيث تمتلك هذه النظم القدرةَ على محاكاة بعض أوجه أنشطة الذهن البشري، مثل: الاستدلال المنطقي، والتمييز المرئي بين الكائنات المختلفة، والتعلم واستثمار الخبرة، والقدرة على اقتراح آليات مستحدثة في حل المشكلات وتجاوز العقبات.

يقوم علم الذكاء الاصطناعي بتمثيل المعرفة باستخدام أساليب هندسة المعرفة، التي تلجأ إلى تشظية النشاط العقلي لدى الإنسان إلى أبسط صيغة رياضية أو منطقية، قابلة للمحاكاة بواسطة الخوارزميات المتاحة في اللغويات البرمجية السائدة، وبصورة قواعد رياضية، أو منطقية، أو على شكل شبكات دلالية، أو مخططات مفهومية.

لم يقتصر هذا العلم البكر على محاكاة جوانب الفكر المنطقي، فاقتحمت تكنولوجيا المعلومات عالم الحدس، واستحدثت فرعًا علميًّا يعرف بالبحث الموجّه Heuristic بهدف إكساب البرامج القدرة على التعامل مع الزائغ، والمتميع، والمحتمل، والمشوش، وغير القاطع، وعلى اختيار أقصر الطرق للوصول إلى النتائج.

إن الفكرة الذهبية وراء سيادة تقنيات الذكاء الاصطناعي تكمن في إرساء فروق جوهرية بين البيانات الخام والمعلومات من جانب، والمعلومات والمعارف من جانب آخر، فالبرنامج الذي يصح أن نطلق على أدائه بالذكاء، هو الذي يمتلك بجانب المعلومات معارفَ نشأت عن خبرات، مع امتلاكه القدرة على الاستنتاج، واستخلاص الحكمة من قلب ضوضاء البيانات المتناثرة، والمعلومات المستقاة من ذوي الخبرة والاختصاص.

4- الذكاء الاصطناعي في دائرة العلوم الطبية:
بدأت الكوادر الطبية باستثمار الإمكانيات الهائلة التي تتيحها تقنيات الذكاء الاصطناعي، فظهرت زمرة من التطبيقات الذكية التي تستند إلى برمجيات ذكية - خبيرة، تفيد من الخبرة المتراكمة لدى الأطباء المختصِّين، عبر ترجمتها إلى آلة استدلال معلوماتية.

يوجد نوعان من آلة الاستدلال المعلوماتي، الأولى: حتمية تقريرية Deterministic أساسها اليقين، وتستخدم العمليات الرياضية والمنطقية، والثانية: احتمالية Probabilistic تحتمل اللايقين، وتستخدم الطرق الإحصائية.

توظف آلة الاستدلال المعرفي الآليات المتاحة لإصدار الحكم بالاستناد إلى القواعد Rules، بوصفها أساسًا منهجيًّا لإنشاء الأحكام، والتوصيات، والإستراتيجيات، تتكئ القواعد إلى عنصر الخبرة الطبية الذي يتخذ قرارًا محددًا إزاء المتغيرات السريرية أو التشخيصية، التي تحيط بالحالة المرضية قيد الدراسة، على ضوء الخبرة المتراكمة في قواعد المعرفة المستقاة من الأطباء المختصين، والتي تمت ترجمتها إلى قواعد من قِبَل المعلوماتيين.

إن أكثر التطبيقات شيوعًا هو نظام MYCIN، الذي يستخدم في تفسير نتائج التحاليل المختبرية المعقدة، وإقامة تبريرات مقبولة بينها وبين الأعراض السريرية المسجلة عن المريض، تستخدم كذلك النظم الحاسوبية الذكية في إنشاء صور ثلاثية الأبعاد للأورام، توفق بين النتائج المستحصلة من أجهزة المفراس CT Scan، والرنين المغناطيسي MRI، مع إظهار صور دقيقة للأنسجة المحيطة بالورم.

إن استخدام الأشعة السينية للكشف عن سرطان الثدي - والتي يطلق عليها الماموغرام Mammogram - تساعد في عملية تشخيص الورم، بَيْدَ أن توظيف المفراس فوق الصوتي، ومعدات طبية متقدمة في إنشاء صور بمنظور متعدد الأبعاد - تساعد النظمَ الحاسوبية الذكية في اتخاذ قرار ذكي، يجمع بين الحقائق الموجودة في جميع نتائج التحليلات الطبية التي توفرها المعدات المتقدمة، وإصدار تشخيص موازٍ لتشخيص الطبيب، يساعده في التأكد من دقة تشخيصه على ضوء التشخيص الحاسوبي الذكي.

5- الذكاء الاصطناعي بمنظور مستقبلي:
إذا كان الذكاء الاصطناعي بالوقت الراهن يرتكز في آليته إلى خوارزميات رياضية، يوظفها المعلوماتيون في مجموعة من دوائر سليكونية، فإن الذكاء بالمستقبل القريب سيتوجه صوب الخلية الحيَّة بوصفها موردًا هائلاً لاختزان المعلومات، ومعالجتها خلال الآليات الحيوية التي تمارسها أجزاء الخلية الموغلة في الدقة.

بصورة عامة تعاني تكنولوجيا صناعة الرقاقات الإلكترونية - في وقتنا الراهن - من مأزق الزحام الشديد للدوائر الإلكترونية الدقيقة، التي بات عددها يزيد على أكثر من مليوني دائرة، في مساحة لا تتجاوز إنجًا مربعًا فقط؛ لذا فإن الجيل الجديد للرقاقات الذكية يبحث عن بديل لمادة السليكون، التي لن تستطيع الصمود برغم التعديلات التكنولوجية على المواد المضافة إلى سبيكتها، التي أوشكت على استنزاف جميع الطاقات المتاحة في بدنها المنهك بالدوائر الرقمية.

توصَّل الباحثون في ميدان الإلكترونيات الجزيئية إلى اكتشاف مادة بروتينية (توجد في شبكية العين لدى معظم الحيوانات الثديية)، أطلق عليها اصطلاح رودوبسين Rhodopsin، يمكن استخدامها - بعيدًا عن دائرة علوم البيولوجيا - كحاسوب حيوي يوظف المادة الحيّة كمورد للذكاء، بدلاً من رقاقات السليكون الجامدة.

تحتوي مادة الرودوبسين البروتينية على جزئية تعرف بالكروموفور Chromophore، وهي عبارة عن تركيب يشابه سلسلة من ذرات الكربون، النتروجين، والهيدروجين، لاحظ العلماء بأن سقوط كمية محددة من الطاقة الضوئية على جزيئة الكروموفور، أن الجزء الملتوي من هذه الجزيئة يعاود حالته الطبيعية ضمن الوضع الطبيعي لبقية مكونات الجزيئة، الأمر الذي ينجم عنه انبعاث طاقة يتم ترجمتها إلى إشارة شبكة عصبية Neural Signal، بعد هذه المرحلة يطرح الكروموفور من البروتين، ويباشر الأنزيم بإنتاج كروموفور جديد، لاستلام الشعاع الجديد الذي سوف يسقط على العين.

يظهر بأن آلية عمل مادة الرودوبسين تشابه عمل اللوحة الشمسية شبه الموصلة، وذلك بتحويل الأشعة الضوئية الممتصة إلى طاقة قابلة للاستثمار، بيد أن الواقع يؤشر بوضوح إلى أن المادة البروتينية تمتلك كفاءةً أكبرَ بكثير من أكثر الألواح الشمسية المعروفة بوقتنا الراهن (إذ تصل كفاءة الأولى إلى حوالي 65 %، بينما لا تزيد كفاءة الثانية على 10 %).

بدأ هذا البروتين يجلب أنظارَ المتخصصين في ميدان المعلوماتية؛ لغرض استخدامه كوسط حيوي للذكاء الحاسوبي، فبدلاً من استخدام مجموعة هائلة من المفاتيح السليكونية، التي تتأرجح بين حالتي (مفتوح/ مغلق)، يمكن استخدام البروتين الجديد بحالتيه (ملتوي/ غير ملتوي)، ضمن شريحة لا يزيد سمكها على جزء من 100000 جزء من ألانج، تستخدم الأشعة الليزرية لتحفيز المادة البروتينية، والاستثمار من آلية عملها في توليد أنشطة ذكية؛ لتحقيق الأهداف اللامتناهية التي يخطط لها الإنسان المعاصر.

لا نعتقد بأن هذه التقنية هي الأخيرة على طريق البحث الدؤوب عن آلياتٍ وموادَّ تحاكي القدراتِ الذكيةَ البشرية، بيد أننا نتلمس وراء كل هذه المحاولات سيادة منطق التفكيك التجزيئي، الذي أحال ماهية الإنسان إلى جزيئة DNA بأبجدية رباعية تهيمن على معادلة الوجود الإنساني، ثم باشر بتفكيك المفاهيم والخصائص التي تحيط بنا، فباشر في تفكيك عمليات الذكاء الإنساني إلى وحدات أصغر؛ لكي تستمر عملية التفكيك الدؤوبة لحين الوصول إلى الجزيئة الأولية، (قد تكون تلك التي أطلق عليها الفيلسوف اليوناني ديمقريطس الذرة، والفيلسوف الألماني ليبتنز المونادة)، حيث لا يبقى ثمة ذكاء؛ بل مادة خام قابلة للتصنيع.

ويبدو بأن هذه النزعة التفكيكية بحاجة إلى نفحة إيمانية، تجعلها تصحو من حالة الإغفاء المهيمنة على العلوم المعاصرة عن عالم الروح الذي يستوطن الذكاء البشري في ساحته، ولا تسود في ساحته مفاهيم الامتداد المادي التي تقبل الانقسام، والتفكيك المادي المحموم.

ـــــــــــــــــ
[1] هو علم أقام لبنتَه الأولى العالم نوربرت فيرنر عام 1948، يعنى بدراسة نظم السيطرة لدى الإنسان، مثل الدماغ والأعصاب، ومقارنتها مع النظم الآلية المعقدة.


رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:07 AM.