اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد نبينا .. للخير ينادينا

محمد نبينا .. للخير ينادينا سيرة الحبيب المصطفى بكل لغات العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-11-2010, 02:39 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
Thumbs up السيرة النبوية


أقدم لحضراتكم السيرة النبوية وهو منقول للفائدة
أساليب قريش في مواجهة الدعوة المحمدية
سبل شتى لمواجهة الدعوة :
ولما انتهى الحج ، وعادت قريش إلى بيوتهم ، واطمأنوا كأنهم رأوا أن يعالجوا هذه المشكلة التي نشأت لأجل قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله وحده ، ففكروا واستشاروا ، ثم اختاروا سبلاً شتى لمواجهة هذه الدعوة والقضاء عليها ، نذكرها فيما يلي بإيجاز .
1 - الأول مواصلة السخرية والاستهزاء والإكثار منها :
والقصد من ذلك تخذيل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، وتوهين قواهم المعنوية ، فكانوا يتهمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه رجل مسحور ، شاعر مجنون ، كاهن يأتيه الشيطان ، ساحر كذاب ، مفتر متقول ، وغير ذلك من التهم والشتائم ، وكانوا إذا رأوه يجيء ويذهب ينظرون إليه نظر الغضب والنقمة ، كما قال الله تعالى : ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون ) وكانوا إذا رأوه يتهكمون به ، ويقولون : ( أهذا الذي يذكر آلهتكم ) . وإذا رأوا ضعفاء الصحابة قالوا : قد جاءكم ملوك الأرض ( أهؤلاء من الله عليهم من بيننا )
وقد أكثروا من السخرية والاستهزاء ، ومن الطعن والتضحيك حتى أثر ذلك في نفس النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى : ( ولقد نعلم أنه ليضيق صدرك بما يقولون ) ثم ثبته الله تعالى ، وبين له ما يذهب بهذا الضيق ، فقال : ( فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) وقد بين له ذلك ما فيه التسلية حيث قال : ( إنا كفيناك المستهزئين ، الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون ) وأخبره أن فعلهم هذا سوف ينقلب وبالاً عليهم فقال : ( ولقد استهزيء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون ) .
2 – الثاني : الحيلولة بين الناس وبين الاستماع إلى النبي صلى الله عليه وسلم :
فقد قرروا أن يثيروا الشغب ، ويرفعوا الضوضاء ، ويطردوا الناس كلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يستعد ليقوم بالدعوة إلى الله فيما بينهم ، وأن لا يتركوا له فرصة ينتهزها لبيان ما يدعو إليه ، وقد تواصوا بذلك فيما بينهم ، قال الله تعالى : ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) وقد ظلوا قائمين بذلك بكل شدة وصلابة ، حتى إن أول قرآن تمكن النبي صلى الله عليه وسلم من تلاوته في مجامعهم هو سورة النجم – وذلك في رمضان في السنة الخامسة من النبوة - .
وكانوا إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن في صلاته وأكثر ما كان يتلوه في صلاته بالليل – سبوا القرآن ، ومن أنزله ، ومن جاء به ، حتى انزل الله تعالى : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) .
وذهب النضر بن الحارث إلى الحيرة والشام ، فتعلم منهم قصصاً شعبية ، كانوا يحكونها عن ملوكهم وأمرائهم مثل : رستم و إسفنديار ، فلما رجع أخذ يعقد النوادي والمجالس ، يقص هذه القصص ويصرف بها الناس عن الاستماع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإذا سمع بمجلس جلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلمللتذكير بالله ، خلفه في ذلك المجلس ، ويقص عليهم من تلك القصص ، ثم يقول:بماذا محمد أحسن حديثاً مني .
ثم تقدم خطوة أخرى ، فاشترى جارية مغنية ، فكان لا يسمع أحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى تلك المغنية ، ويقول أطعميه واسقيه وغنيه ، هذا خير مما يدعوك إليه محمد ، وفي ذلك أنزل الله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين ).
الثالث : إثارة الشبهات وتكثيف الدعايات الكاذبة :
فقد أكثروا من ذلك وتفننوا فيه ، فربما كانوا يقولون عن القرآن : إنه ( أضغاث أحلام ) أي أحلام كاذبة يراها محمد صلى الله عليه وسلم بالليل ، فيتلوها بالنهار وأحياناً كانوا يقولون : ( افتراه من عند نفسه ) وأحياناً كانوا يقولون : ( إنما يعلمه بشر ) وربما قالوا : ( إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ) أي اشترك هو وزملاؤه في اختلاقه : ( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ً ) وأحياناً قالوا : إن له جناً أو شيطاناً يتنزل عليه بالقرآن مثل ما ينزل الجن والشياطين على الكهان ، قال – تعالى – رداً عليهم : ( قل هل أنبئكم على من تنزل الشياطين ، تنزل على كل أفاك أثيم ) أي إنها تنزل على الكذاب الفاجر المتلطخ بالذنوب ، وما جربتم علي كذباً ، ولا وجدتم في فسقاً ، فكيف تقولون إن القرآن من تنزيل الشيطان ؟
وأحياناً كانوا يقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قد أصابه نوع من الجنون ، فهو يتخيل المعاني ثم يصوغها في كلمات بديعة رائعة ، كما يصوغ الشعراء ، فهو شاعر وكلامه شعر ، قال الله تعالى رداً عليهم : ( والشعراء يتبعهم الغاوون ، ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون ، وأنهم يقولون ما لا يفعلون ) فهذه ثلاث خصائص يتصف بها الشعراء ، ولا توجد واحدة منها في النبي صلى الله عليه وسلم فالذين اتبعوه هداة ، متقون ، صالحون في دينهم ، وخلقهم وأفعالهم ، وتصرفاتهم ، ومعاملاتهم ولا توجد عليهم مسحة من الغواية في أي شأن من شئونهم ، وهو لا يهيم في الأودية كلها كما يهيم الشعراء ، بل يدعو إلى رب واحد ، ودين واحد وصراط واحد ، وهو لا يقول إلا ما يفعل ، ولا يفعل إلا ما يقول ، فأين هو من الشعر والشعراء ؟ وأين الشعر والشعراء منه .
الرابع : النقاش والجدال :
وكانت ثلاث قضايا استغربها المشركون جداً ، وكانت هي الأساس في الخلاف الذي حصل بينهم وبين المسلمين في أمر الدين ، وهي : التوحيد والرسالة ، والبعث بعد الموت ، فكانوا يناقشون في هذه القضايا ، ويجادلون حولها .
فأما البعث بعد الموت فلم يكن عندهم في ذلك إلا التعجب والاستغراب ، والاستبعاد العقلي فقط ، فكانوا يقولون : ( أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون ، أو آباؤنا الأولون ) وكانوا يقولون : ( ذلك رجع بعيد ) وكانوا يقولون : ( هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ، أفترى على الله كذباً أم به جنة ) وقال قائلهم :
أموت ثم بعث ثم حشر حديث خرافة يا أم عمرو
وقد رد الله عليهم بأنواع من الردود ، حاصلها أنهم يشاهدون في الدنيا أن الظالم يموت دون أن يلقى جزاء ظلمه ، والمظلوم يموت دون أن يأخذ حقه من ظالمه ، والمحسن الصالح يموت قبل أن يلقى جزاء إحسانه وصلاحه ، والمسيء يموت قبل أن يعاقب على سيئاته ، فإن لم يكن بعد الموت يوم يبعث فيه الناس فيؤخذ من الظالم للمظلوم ، ويجزى المحسن الصالح ، ويعاقب المسيء الفاجر ، لاستوى الفريقان ، ولا يكون بينهما فرق ، بل يصير الظالم والمسيء أسعد من المظلوم والمحسن التقي ، وهذا غير معقول إطلاقاً ، وليس من العدل في شيء ، ولا يتصور من الله سبحانه أن يبني نظام خلقه على مثل هذا الظلم والفساد ، قال تعالى : ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ،ما لكم كيف تحكمون ) وقال : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) وأما الاستبعاد العقلي ، فقال : رداً عليهم في ذلك : ( أأنتم أشد خلقاً أم السماء ..) وقال : ( أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ) وقال : ( ولقد علمتم النشأة الولى فلولا تذكرون ) وقال : ( كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين ) وذكرهم ما هو معتاد لديهم ، وهو أن الإعادة ( أهون عليه ) وقال : ( أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد ) .
وأما رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فكانت لهم حولها شبهات مع معرفتهم واعترافهم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم وأمانته وغاية صلاحه وتقواه ، وذلك أنهم كانوا يعتقدون أن منصب النبوة والرسالة أعظم وأجل من أن يعطى لبشر ، فالبشر لا يكون رسولاً ، والرسول لا يكون بشراً ، حسب عقيدتهم ، فلما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبوته ورسالته ، ودعا إلى الإيمان به تحير المشركون ، وتعجبوا ، وقالوا : ( مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ) قال تعالى : ( بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب ) وقالوا : ( ما أنزل الله على بشر من شيء ) .
وقد أبطل الله عقيدتهم هذه ، وقال رداً عليهم : ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس ) وقص عليهم قصص الأنبياء والرسل ، وما جرى بينهم وبين قومهم من الحوار ، وأن قومهم قالوا إنكاراً لرسالتهم : ( إن أنتم إلا بشر مثلنا ) و( قالت لهم رسولهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ) فالأنبياء والرسل كلهم كانوا بشراً ، واما أن يكون الرسول ملكاً فإن ذلك لا يفي بغرض الرسالة ومصلحتها ، إذ البشر لا يستطيع أن يتأسى بالملائكة ، ثم تبقى الشبهة كما هي ، قال تعالى : ( ولو جعلنا ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون ) .
وحيث أن المشركين كانوا يعترفون أن إبراهيم وإسماعيل وموسى عليهم السلام كانوا رسلاً وكانوا بشراً ، فإنهم لم يجدوا مجالاً للإصرار على شبهتهم هذه ، ولكنهم أبدوا شبهة أخرى ، قالوا : ألم يجد الله لحمل رسالته إلا هذا اليتيم المسكين ؟ ما كان الله ليترك العظماء الكبار من أشراف قريش وثقيف ، ويرسل هذا ، ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) أي مكة والطائف ، قال تعالى رداً عليهم : ( أهم يقسمون رحمة ربك ) ، يعني الوحي والقرآن والنبوة والرسالة رحمة من الله ، والله يعلم كيف يقسم رحمته ، وأين يضعها ، فمن يعطيها ، ومن يحرمها ، قال تعالى : ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) .
فانتقلوا بعد ذلك إلى شبهة أخرى قالوا: إن من يكون رسولاً لملك من ملوك الدنيا يوفر له الملك أسباب الحشمة والجاه من الخدم ، والحشم ، والضيعة ، والمال ، والأبهة ، والجلال ، وغير ذلك ، وهو يمشي في موكب من الحرس والمرافقين أصحاب العز والشرف ، فما بال محمد يدفع في الأسواق للقمة عيش يدعى أنه رسول الله ؟: ( لولا أنزل عليه ملك فيكون معه نذيراً ، أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً ) .
معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أرسل إلى جميع أنواع البشر : صغارهم وكبارهم ، وضعافهم وأقويائهم ، وأذنابهم وأشرافهم ، وعبيدهم وأحرارهم فلو حصل له ما تقدم من الأبهة ، والجلال ، ومواكبة الخدم ، والحشم ، والكبار ، لم يكن يستفيد به ضعفاء الناس وصغارهم ، وهم جمهور البشر ، وإذن لفاتت مصلحة الرسالة ، ولم تعد لها فائدة تذكر ، ولذلك أجيب المشركون على طلبهم هذا بأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول ، يعني يكفي لدحض شبهتكم هذه أنه رسول ، والذي طلبتموه له من الحشمة والجاه والموكب والمال ، ينافي تبليغ الرسالة في عامة الناس بينما هم مقصودون بالرسالة .
أما قضية التوحيد فكانت رأس القضايا وأصل الخلاف ، وكان المشركون يقرون بتوحيد الله سبحانه وتعالى في ذاته وصفاته وأفعاله ، فكانوا يعترفون بأن الله تعالى هو الخالق الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما ، وهو خالق كل شيء ، وهو المالك الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وما بينهما وملكوت كل شيء ، وهو الرازق الذي يرزق الناس والدواب والأنعام ، ويرزق كل حي ، وهو المدبر الذي يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، ويدبر أمر كل صغير وكبير حتى الذرة والنملة ، وهو رب السماوات والأرض وما بينهما ورب العرش العظيم ، ورب كل شيء ، سخر الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والجن والإنس والملائكة ، كل له خاضعون ، يجير من يشاء على من يشاء ولا يجار عليه أبداً ، يحيي ويميت ، ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه .
وهم بعد هذا الإقرار الصريح لتوحيد الله – سبحانه وتعالى – في ذاته وصفاته وأفعاله كانوا يقولون : إن الله تعالى أعطى بعض عباده المقربين – كالأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين – شيئاً من التصرف في بعض أمور الكون ، فهم يتصرفون فيه بإذنه مثل : هبة الأولاد ، ودفع الكربات ، وقضاء الحوائج، وشفاء المرضى ، وأمثال ذلك . وأن الله إنما أعطاهم ذلك لقربهم من الله ، ولجاههم عند الله ، فهم لأجل أن الله منحهم هذا التصرف وهذا الخيار يقضون بعض حاجات العباد عن طريق الغيب ، فيكشفون عنهم بعض الكربات ، ويدفعون بعض البليات ، ويقربون إلى الله من يرضون به ، ويشفعون له عنده .
والمشركون على أساس زعمهم هذا جعلوا هؤلاء الأنبياء والأولياء والصالحين وسيلة فيما بينهم وبين الله ، واخترعوا أعمالاً يتقربون بها إليهم ، ويبتغون بها رضاهم ، فكانوا يأتون بتلك الأعمال ثم يتضرعون إليهم ، ويدعونهم لقضاء حوائجهم،ويستغيثون بهم في شدائدهم ، ويستعيذون بهم في مخاوفهم .
أما الأعمال التي اخترعوها للتقرب إليهم فهي أنهم خصصوا لهؤلاء الأنبياء أو الأولياء والصالحين أماكن ، وبنوا لهم فيها البيوت ، ووضعوا فيها تماثيلهم التي نحتوها طبق صورهم الحقيقية أو الخيالية وربما وجدوا قبور بعض الأولياء والصالحين حسب زعمهم ، فبنوا عليها البيوت دون أن ينحتوا لهم التماثيل ثم كانوا يقصدون هذه التماثيل وتلك القبور ، فكانوا يمسحونها ويتبركون بها ، ويطوفون حولها ، ويقومون لها بالإجلال والتعظيم ، ويقدمون إليها النذور والقرابين ، ليتقربوا بها إليهم ، ويبتغوا بها من فضلهم ، وكانوا ينذرون لهم مما كان يرزقهم الله من الحرث والزرع والطعام والشراب والدواب والأنعام والذهب والفضة والأمتعة والأموال .
فأما الحرث والزرع والطعام والشراب والذهب والفضة والأمتعة والأموال فكانوا يقدمونها إلى أماكن وقبور هؤلاء الصالحين ، أو إلى تماثيلهم ، بواسطة سدنة وحجاب كانوا يجاورون تلك القبور والبيوت ، ولم يكن يقدم إليها شيء إلا بواسطتهم في معظم الأحوال .
وأما الدواب والأنعام فكان لهم فيها طرق ، فربما كانوا يسيبونها باسم هؤلاء الأولياء والصالحين ، من أصحاب القبور أو التماثيل ، تقرباً إليهم وإرضاءً لهم ، فكانوا يقدسون هذه الدواب ، ولا يتعرضون لها بسوء أبداً ترتع ما شاءت ، وتتجول أين شاءت ، وربما كانوا ي***ونها على أنصاب هؤلاء الأولياء – أي على قبورهم وأماكنهم المخصصة لهم – وربما كانوا ي***ونها في أي مكان آخر ، ولكن كانوا يذكرون أسماءهم بدل اسم الله – سبحانه وتعالى - .
وكان من جملة أعمالهم أنهم كانوا يحتفلون بهؤلاء الأولياء والصالحين مرة أو مرتين في السنة ، فكانوا يقصدون قبورهم وأماكنهم من كل جانب ، فيجتمعون عندها في أيام خاصة ، ويقيمون لها أعياداً ، يفعلون فيها كل ما تقدم من التبرك والمسح والطواف وتقديم النذور والقرابين وغير ذلك ، وكان كالموسم يحضره الداني والقاصي ، والشريف والوضيع ، حتى يقدم كل أحد نذره ، وينال بغيته .
كانوا المشركون يفعلون كل ذلك بهؤلاء الأولياء والصالحين تقرباً إليهم وإرضاءً لهم ، ليجعلوهم وسطاء بينهم وبين الله ، وليتوسلوا بهم إلى الله ، معتقدين أنهم يقربونهم إلى الله زلفى ، ويشفعون لهم عند الله ، ثم كانوا يدعونهم لقضاء حوائجهم ودفع كرباتهم ، معتقدين أنهم يسمعون لما قالوا ، ويستجيبون لما دعوا وطلب منهم ، فيقضون حوائجهم ، ويكشفون كرباتهم ، إما بأنفسهم ، وإما بشفاعتهم لذلك عند الله .
فكان هذا هو شركهم بالله ، وعبادتهم لغير الله ، واتخاذهم آلهة من دون الله ، وجعلهم شركاء لله ، وكان هؤلاء الأولياء والصالحون وأمثالهم هم آلهة المشركين .
فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى توحيد الله ، وخلع كل ما اتخذوه إلهاً من دون الله ، شق ذلك على المشركين ، وأعظموه وأنكروه ، وقالوا : إنها مؤامرة أريد بها غير ما يقال ، وقالوا: ( أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب ، وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق .
ثم لما تقدمت الدعوة وقرر المشركون الدفاع عن شركهم ، والدخول في النقاش والجدال ومناظرة المسلمين ليكفوا بذلك الدعوة إلى الله ، ويبطلوا أثرها في المسلمين ، أقيمت عليهم الحجة من عدة جوانب ، فقيل لهم : من أين علمتم أن الله تعالى أعطى عباده المقربين التصرف في الكون ، أنهم يقدرون على ما تزعمون من قضاء الحوائج وكشف الكربات ؟ هل أطلعتم على الغيب ؟
أو وجدتم ذلك في كتاب ورثتموه عن الأنبياء أو أهل العلم ؟
قال تعالى : ( أم عندهم الغيب فهم يكتبون ) وقال : ( ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ) وقال : ( قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون ) .
وكان من الطبيعي أن يعترف المشركون بأنهم لم يطلعوا على الغيب ، ولا وجدوا ذلك في كتاب من كتب الأنبياء ، ولا أخذوه من أهل العلم ، فقالوا : ( بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا ) و( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) . وبهذا الجواب تبين عجزهم وجهلهم معاً ، فقيل لهم : إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ، فاسمعوا منه – سبحانه وتعالى – ما يقوله ويخبر به عن حقيقة شركائكم هؤلاء ، يقول تعالى : ( إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم ) أي إنهم لا يقدرون على شيء مما يختص بالله – سبحانه وتعالى – كما أنكم لا تقدرون عليه ، فأنتم وهم سواء في العجز وعدم القدرة ، ولذلك تحداهم الله بقوله : ( فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين ) . وقال تعالى : ( والذين تدعون من دون الله ما يملكون من قطمير ) أي بقدر ما يكون من القشرة الرقيقة فوق النواة ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) وقال تعالى : ( والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ، أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ) وقال تعالى : ( أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون ، ولا يستطعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون ) وقال : ( واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً ) .
ثم رتب على عجز هؤلاء الآلهة ، وعدم قدرتهم على ما كانوا يزعمون ، أن دعاءهم والرجاء منهم لغو وباطل لا فائدة فيه إطلاقاً ، وذكر لذلك بعض المثلة الرائعة ، وذلك مثلاً قال تعالى : ( والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) .
ثم دعى المشركون إلى قليل التفكير ، وحيث إنهم كانوا يعترفون بأن الله تعالى هو خالق كل شيء ، وان آلهتهم لم يخلقوا شيئاً ، بل هم انفسهم مخلوقون لله ، فقيل لهم : كيف سويتم بين الله الخالق القادر وبين هؤلاء المخلوقين العجزة ؟ كيف سويتم بينهما في العبادة والدعاء ؟ فإنكم تعبدون الله وتعبدون هؤلاء ، وتدعون الله وتدعون هؤلاء : ( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ) .
فلما وجه إليهم هذا السؤال بهتوا ، وذهبت عنهم حجتهم ، فسكتوا وندموا ثم تشبثوا بأمر باطل ، قالوا : إن آباءنا كانوا من أعقل البشر ، معروفين بذلك فيما بين الناس ، قد اعترف بفضل عقولهم الداني والقاصي ، وهم كلهم كانوا على هذا الدين ، فكيف يمكن أن يكون هذا الدين ضلالاً وباطلاً ؟ ولا سيما وآباء النبي صلى الله عليه وسلم وآباء المسلمين أيضاً كانوا على هذا الدين .
فرد عليهم بأنهم ما كانوا مهتدين ، ولم يعرفوا سبيل الحق ، ولا سلكوه ، ويستلزم هذا أنهم كانوا ضالين ، لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون ، وقد قيل لهم ذلك أحياناً بالإشارة والكناية ، وأحياناً بالصراحة الكاملة ، مثل قوله تعالى : ( إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون ) . هذه من جهة ومن جهة أخرى أخذ المشركون يخوفون النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين من آلهتهم ، يقولون : إنكم أسأتم الأدب إلى آلهتنا ببيان عجزهم ، فهم سوف يغضبون عليكم ، فتهلككم أو تخبطكم لأجل ذلك ، وهذا كما كان الأولون يقولون لرسلهم : ( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ) .
ورد على ذلك بتذكير المشركين وإلزامهم بما كانوا يشاهدونه ليلاً ونهاراً ، وهي أن هذه الآلهة لا تستطيع أن تتحرك من أماكنها ، وتتقدم أو تتأخر شيئاً ، أو تدفع عن نفسها شراً ، فكيف تستطيع أن تضر المسلمين وتهلكمهم ؟ ( ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون ) .
وضرب لهم بمثل هذه المناسبة بعض المثال الصريحة ، مثل قوله تعالى: ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ) ومثل قوله تعالى : ( مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ) وقد بين بعض المسلمين عجزهم هذا بقوله :
أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب
فلما وصلت النوبة إلى مثل هذه الصراحة هاج المشركون وماجوا ، وسبوا المسلمين حتى سبوا ربهم الله سبحانه وتعالى فأما المسلمون فقد نهاهم الله سبحانه وتعالى عن معاودة ما يسبب ذلك وقال : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ) .
وأما المشركون فقد قرروا إحباط الدعوة ، والصد عن سبيل الله بالضغط والقوة وال*** ، فقام كل كبير ورئيس ب***** من آمن من قبيلته ، وذهب جمع منهم إلى أبي طالب ليكف هو رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعوة إلى الله .

__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 30-11-2010, 02:40 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

إسلام حمزة رضي الله عنه
أما إسلام حمزة فسببه أن أبا جهل مر يوماً برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الصفا ، فنال منه وآذاه ، ويقال إنه ضرب بحجر في رأسه صلى الله عليه وسلم فشجه ، ونزف منه الدم ، ثم انصرف إلى نادي قريش عند الكعبة ، وجلس معهم ، وكانت مولاة لعبد الله بن جدعان تنظر ما حدث من مسكن لها على الصفا ، وبعد قليل أقبل حمزة من الصيد متوشحاً قوسه ، فأخبرته الخبر ، فخرج حمزة يسعى حتى قام على أبي جهل ، وقال : يا مصفر استه ! تشتم ابن أخي ، وأنا على دينه ، ثم ضربه بالقوس ، فشجه شجة منكرة . وثار الحيان : بنو مخزوم وبنو هاشم ، فقال أبو جهل :دعو أبا عمارة – أي حمزة – فإني سببت ابن أخيه سباً قبيحاً .
وكان إسلام حمزة أنفة ، كان اللسان قد سبق إليه دون قصد ، ثم شرح الله صدره للإسلام ، وكان أعز فتى في قريش ، وأقواهم شكيمة ، حتى سمي أسد الله ، أسلم في ذي الحجة سنة ست من النبوة .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 30-11-2010, 02:41 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

إسلام عمر وردة فعل المشركين على إسلامه
وعزة الإسلام بإسلامه
إسلام عمر رضي الله عنه :
وبعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان من أشد الناس قسوة على المسلمين قبل إسلامه ، وفي ليلة سمع سراً بعض آيات القرآن ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة ، فوقع في قلبه أنه حق ، ولكنه بقي على عناده ، حتى خرج يوماً متوشحاً سيفه يريد أن ي*** النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه رجل ، فقال : أين تعمد يا عمر ! قال : أريد أن أ*** محمداً ، قال : كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة ، وقد ***ت محمداً ؟ قال عمر : ما أراك إلا قد صبوت ؟ قال : أفلا أدلك على العجب يا عمر ؟ إن أختك وختنك قد صبوا ، فمشى مغضباً حتى أتاهما ، وعندهما خباب بن الأرت يقرئهما صحيفة فيها طه ، فلما سمع حس عمر توارى في البيت ، وسترت أخت عمر الصحيفة ، فلما دخل ، قال : ما هذه الهيمنة التي سمعتها عندكم ؟ فقالا : ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا ، قال : فلعلكما قد صبوتما ؟ فقال له ختنه : يا عمر ! أرأيت إن كان الحق في غير دينك ؟ فوثب عمر على ختنه ، فوطئه وطأً شديداً ، فجاءت أخته فرفعته عن زوجها ، فنفخها نفخة بيده فدمى وجهها ، فقالت وهي غضبى : يا عمر إن كان الحق في غير دينك ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله . ويئس عمر وندم واستحيى ، وقال : أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه ، فقالت أخته : إنك رجس ، ولا يسمه إلا المطهرون ، فقم فاغتسل ، فقام فاغتسل ثم أخذ الكتاب فقرأه : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) فقال : أسماء طيبة طاهرة ، ثم قرأ طه حتى انتهى إلى قوله تعالى : ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدن وأقم الصلاة لذكري ) فقال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ؟ دلوني على محمد .
وخرج خباب فقال : أبشر يا عمر ! فإني أرجو أن تكون دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس – وكان قد دعا النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة : اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك ، بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام – ثم ذكر له خباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم التي في أصل الصفا .
فخرج عمر حتى أتى الدار وضرب الباب ، فأطل رجل من صرير الباب فرآه متوشحاً السيف ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم واستجمع القوم ، فقال حمزة ما لكم ؟ قالوا : عمر فقال : وعمر ، افتحوا له الباب ، فإن كان يريد الخير بذلناه له ، وإن جاء يريد شراً ***ناه بسيفه . ورسول الله صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه ، ثم خرج فأخذ بمجامع ثوب عمر وحمائل سيفه – وهو في الحجرة – فجبذه بشدة ، وقال : أما تنتهي يا عمر حتى ينـزل الله بك من الخزي والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة ؟ ثم قال : اللهم هذا عمر بن الخطاب ، اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ، فقال عمر : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد .
ردة فعل المشركين على إسلام عمر :
كان عمر رضي الله عنه ذا شكيمة لا يرام ، فلما أسلم ذهب إلى أشد قريش عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإيذاء للمسلمين ، وهو أبو جهل ، فدق بابه ، فخرج ، وقال : أهلاً وسهلاً ما جاء بك ؟ قال : جئتك لأخبرك أني قد آمنت بالله ورسوله محمد فأغلق الباب في وجهه وقال قبحك الله ، وقبح ما جئت به ، وذهب عمر إلى خاله العاص بن هاشم فأعلمه فدخل البيت .
وذهب إلى جميل بن معمر الجمحي – وكان أنقل قريش لحديث – فأخبره أنه أسلم ، فنادى جميل بأعلى صوته أن ابن الخطاب قد صبأ ، فقال عمر : كذب ، ولكني أسلمت ، فثاروا إليه ، فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم .
ولما رجع إلى بيته اجتمعوا وزحفوا إليه ، يريدون ***ه ، حتى سال بهم الوادي كثرة ، وجاء العاص بن وائل السهمي – من بني سهم ، وكانوا حلفاء بني عدي قوم عمر – وعليه حلة حبرة ، وقميص مكفوف بحرير ، فقال : مالك ؟ قال : زعم قومك أنهم سي***ونني أن أسلمت ، قال : لا سبيل إليك ، ثم خرج فوجد الناس قد سال بهم الوادي ، فقال : أين تريدون ؟ قالوا : هذا ابن الخطاب قد صبأ ، قال : لا سبيل إليه فرجعوا .
عزة الإسلام والمسلمين بإسلام عمر :
أما المسلمون فقد وجدوا عزة وقوة كبيرة بإسلام عمر ، فقد كانوا قبل ذلك يصلون سراً ، فلما أسلم عمر قال : يا رسول الله ألسنا على الحق وإن متنا وإن حيينا ؟ قال بلى . قال : ففيم الإختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن ، فخرجوا به في صفين ، حمزة في أحدهما وعمر في الآخر ، لهم كديد ككديد الطحين ، حتى دخلوا المسجد الحرام ، فلما نظرت إليهما قريش أصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها ، ولذلك سمى الفاروق .
قال ابن مسعود : ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر ، وقال ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر .
وقال صهيب : لما أسلم عمر ظهر الإسلام ، ودعى إليه علانية ، وجلسنا حول البيت حلقاً ، وطفنا بالبيت ، وانتصفنا ممن غلظ علينا ، ورددنا عليه بعض ما يأتي به .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 30-11-2010, 02:42 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم
في المدينة المنورة
ولما استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة بدأ ينسق الأمور دينياً ودنيوياً بجانب استمراره في الدعوة إلى الله .
المسجد النبوي :

وأول خطوة اتخذها في هذا السبيل هو بناء المسجد النبوي ، واشترى لذلك الأرض التي بركت بها ناقته ، وكانت لغلامين يتيمين ، وكانت مائة ذراع في مائة ذراع تقريباً ، وفيها قبور المشركين ، وخرب ونخل وشجرة من غرقد فنبشت القبور وسويت الخرب ، وقطعت الشجرة والنخل ، وصفت في قبلة المسجد ، وجعل الأساس قريباً من ثلاثة أذرع ، وأقيمت الحيطان من اللبن والطين ، وجعلت عضادتا الباب من الحجارة والسقف من الجريد ، والعمد من الجذوع ، وفرشت الأرض بالرمال والحصباء ، وجعلت له ثلاثة أبواب ، وكانت القبلة في الشمال إلى بيت المقدس ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة واللبن مع المهاجرين والأنصار ، ويرتجز ويرتجزون ، فيزيدهم ذلك نشاطاً .
وبنى بجانب المسجد حجرتين بالحجارة واللبن وسقفهما بالجريد والجذوع أحداهما لسودة بنت زمعة ، والثانية لعائشة رضي الله عنهما ولم يكن إذ ذاك متزوجاً غيرهما ، وقد بنى بعائشة رضي الله عنها بعد قدومها قريباً في شوال سنة 1 ه‍ .
الأذان :
وبدأ المسلمون يحضرون للصلوات الخمس في جماعة ، ويتحينون أوقاتها ، فيتعجل بعضهم ويتأخر البعض ، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في علامة يعرفون بها حضور الصلاة ، فأشار بعضهم برفع النار وبعضهم بالنفخ في البوق ، وبعضهم بضرب الناقوس ، فقال عمر رضي الله عنه : أولا تبعثون رجلاً ينادي بـ ( الصلاة جامعة ) فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرأي وعمل به ، ثم إن عبد الله بن زيد بن عبد ربه النصاري رضي الله عنه رأى الأذان في المنام فجاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنها لرؤيا حق ، وأمره أن يلقي على بلال حتى ينادي بها ، لأنه أندى صوتاً منه ، فأذن بلال ، وسمع صوته عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجاء يجرر رداءه وقال : والله لقد رأيت مثله ، فتأكد بذلك الرؤيا ، وصار الأذان أحد شعائر الإسلام منذ ذلك اليوم .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30-11-2010, 02:55 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

استفزازات قريش
مكائد قريش :
وبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتب أمور المدينة وينظم جوانب الحياة فيها ، ويرجو أن يجد فيها هو والمسلمون مكاناً آمناً يعملون فيه بدينهم بغير معارضة أو استفزاز إذ فوجئوا بمكائد قريش تريد القضاء عليهم .

فمنها أنهم كتبوا إلى مشركي يثرب يحرضونهم على قتال المسلمين وإخراجهم عن المدينة ، ويهددونهم ب*** مقاتلتهم واستباحة نسائهم إن لم يفعلوا ذلك ، وفعلاً قام مشركوا يثرب لينفذوا ذلك ، ولكن أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظهم ونصحهم فكفوا عما أرادوا من القتال وتفرقوا .
ومنها أن سعد بن معاذ رضي الله عنه رئيس الأوس ، ذهب إلى مكة معتمراً ، فطاف بالبيت ، ومعه أبو صفوان أمية بن خلف ، فلقيهما أبو جهل ، فلما عرف سعداً هدده وتوعده وقال : تطوف بمكة آمناً وقد آويتم الصباة ، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً ، وكان هذا إعلاناً عن صد المسلمين عن المسجد الحرام ، وعن ***هم إذا وجدوا في حدود قريش .
وكانت لقريش صلة بيهود يثرب ، وكانت اليهود كما أثر في الإنجيل عن المسيح عليه السلام حيات أولاد الأفاعي ، فكانوا يقومون بنبش الأحقاد والضغائن القديمة بين الأوس والخزرج ويحرشونهم ويحاولون إثارة القلق والإضطراب فيما بينهم .
وهكذا أحاط الخطر بالمسلمين في المدينة من الداخل والخارج ، ووصل الأمر إلى أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يبيتون إلا ومعهم السلاح ، ولم يكونوا يصبحون إلا فيه ، وكانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قوله تعالى : ( والله يعصمك من الناس ) فقال صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس انصرفوا عني فقد عصمني الله عز وجل .

مشروعية القتال :

وفي هذه الظروف الخطيرة أنزل الله تعالى الإذن بقتال قريش ، ثم تطور هذا الإذن مع تغير الظروف حتى وصل إلى مرحلة الوجوب ، وجاوز قريشاً إلى غيرهم ، ولا بأس أن نبين تلك المراحل بإيجاز قبل أن ندخل في ذكر الأحداث .
1 – المرحلة الأولى : اعتبار مشركي قريش محاربين ، لأنهم بدأوا بالعدوان ، فحق للمسلمين أن يقاتلوهم ، ويصادروا اموالهم ، دون غيرهم من بقية مشركي العرب .
2 – قتال كل من تمالأ من مشركي العرب مع قريش ، واتحد معهم ، وكذلك كل من تفرد بالإعتداء على المسلمين من غير قريش .
3 – قتال من خان أو تحير للمشركين من اليهود الذين كان لهم عقد وميثاق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبذ ميثاقهم إليهم على سواء .
4 – قتال من بادأ بعداوة المسلمين من أهل الكتاب ، كالنصارى ، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
5 – الكف عمن دخل في الإسلام مشركاً كان او يهودياً أو نصرانياً أو غير ذلك ، فلا يتعرض لنفسه وماله إلا بحق الإسلام وحسابه على الله .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30-11-2010, 02:57 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

اقتراح غريب من قريش ورد طريف من أبي طالب :
ورأت قريش أن إنذارهم لم يجد نفعاً ، فالرسول صلى الله عليه وسلم ماض في عمله ، وأبو طالب قائم بنصرته ، وهذا يعني أنه مستعد لفراقهم وعداوتهم ومنازلتهم في نصرة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم فلبثوا ملياً يفكرون ويتشاورون ، حتى وصلوا إلى اقتراح غريب ، فقد جاءوا إلى أبي طالب ومعهم عمارة بن الوليد سيد شبابهم وأنهد فتى في قريش وأجمله ، فقالوا : يا أبا طالب خذ هذا الفتى ، فلك عقله ونصره واتخذه ولداً ، فهو لك وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي خالف دينك ودين آبائك ، وفرق جماعة قومك وسفه أحلامهم فن***ه ، فإنما هو رجل برجل . قال أبو طالب : والله لبئس ما تسومونني ، أتعطوني ابنكم أغذوه لكم ، وأعطيكم ابني ت***ونه ؟ هذا والله ما لا يكون أبداً .

اعتداءات على رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ولما فشلت قريش ويئسوا ، ورأوا أن الإنذار والتحدي والمساومة لم تجد نفعاً ، بدأوا بالإعتداءات على ذات رسول الله صلى الله عليه وسلم وزادوا في ***** المسلمين والتنكيل بهم .
وحيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معززاً محتشماً محترماً ، فقد تولى إيذاءه كبراء قريش ورؤساؤهم ، ولم يجترئ على ذلك أدنابهم وعامتهم .
وكان النفر الذين يؤذونه في بيته أبا لهب ، والحكم بن أبي العاص بن أمية ، وعقبة بن أبي معيط ، وعدي بن حمراء الثقفي ، وابن الأصداء الهذلي – وكانوا جيرانه صلى الله عليه وسلم فكان أحدهم يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلي ، وكان يطرحها في برمته إدا نصبت ، وكانوا إذا طرحوا عليه ذلك يخرج به على العود فيقف به على بابه ويقول : يا بني عبد مناف ! أي جوار هذا ؟! ثم يلقيه في الطريق . وكان أمية بن خلف إذا رآه همزه ولمزه . والهمز : الطعن والشتم علانية ، أو كسر العينين والغمز بهما ، واللمز العيب والإغراء .
وكان أخوه أبي بن خلف يتوعد النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يا محمد إن عندي العود ، فرساً أعلفه كل يوم فرقاً من ذرة أ***ك عليه ، حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أنا أ***ك إن شاء الله وقد ***ه يوم أحد وجاء أبي بن خلف هذا يوماً بعظم بال رميم ، ففته ، ونفخه في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وجلس عقبة بن أبي معيط إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه ، فبلغ أبياً – وكان صديقه – فعاتبه ، وطلب منه أن يتفل في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل .
أما أبو لهب فقد عاداه وآذاه من أول يوم ظهرت فيه الدعوة إلى الله ، وكانت في عقد ابنيه عتبة وعتيبة ابنتا رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم ، فقال لهما : رأسي من رأسكما حرام إن لم تطلقا بنتي محمد ، وقالت زوجته أيضاً : طلقاهما فإنهما قد صبأتا فطلقاهما .
وكانت زوجته هذه – وهي أم جميل أروى بنت حرب – أيضاً عدوة لدودة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته ، فكانت تأتي بالأغصان وفيها الشوك ، فتطرحها في سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل ، حتى يعقر هو وأصحابه .
وسمعت بنـزول ( تبت يدا أبي لهب )فجاءت وفي يدها فهر – أي ملء الكف من الحجارة وهي تبحث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أبي بكر عند الكعبة فأخذ الله ببصرها ، فلم تكن ترى إلا أبا بكر ، فقالت : أين صاحبك ؟ قد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهدا الفهر فاه ، أما والله إني شاعرة ثم قالت :
مذمماً عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا
ثم انصرفت ، فقال أبو بكر : يارسول الله أما تراها رأتك ، فقال : ما رأتني لقد أخذ الله ببصرها .
وكان مما تؤذي به قريش أنهم كانوا يسمون رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمماً بدل محمد ، يشتمون بذلك ويسبون ، ولكن صرف الله ذلك عنه ، حيث إنهم كانوا يشتمون مذمماوليس محمد .
وكان الأخنس بن شريق الثقفي أيضاً ينال من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما أبو جهل فكان قد تحمل عبء الصد عن سبيل الله ، وقد كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ، وينهاه عن الصلاة ،ويفخر ويختال بما فعل ، حتى شدد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوعده في يوم رآه يصلي ، فانتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه بخناقه وهزه وقال : ( أولى لك فاولى ، ثم أولى لك فأولى ) فقال أتوعدني يا محمد ! والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئاً وإني لأعز من مشى بين جبليها .
وقال لرفقته يوماً : يعفر محمد وجهه بين أيديكم ؟ قالوا : نعم ، فقال : واللات والعزى لئن رأيته لأطأن على رقبته ، ولأعفرن وجهه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ رقبته فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ، ويتقي بيديه ، فقالوا مالك يا أبا الحكم ؟ إن بيني وبينه خندقاً من نار وهولاً وأجنحة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً .
وحاز مثل هده الشقاوة عقبة بن أبي معيط ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي يوماً عند البيت ، وأبو جهل وأصحاب له جلوس ، إذ قال بعضهم لبعض : أيكم يجيء بسلا جزور بني فلان ، فيضعه على ظهر محمد إذا سجد ، فانبعث أشقى القوم عقبة بن أبي معيط ، فجاء به وانتظر ، فلما سجد وضعه بين كتفيه ، فجعلوا يضحكون ، ويحيل ( أي يميل ) بعضهم على بعض ، وهو ساجد لا يرفع رأسه ، حتى جاءته فاطمة وطرحته عن ظهره ، فرفع رأسه ، ثم قال : اللهم عليك بقريش ) فشق ذلك عليهم إذ دعا عليهم ، وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة ، ثم سماهم رجلاً رجلاً : ( اللهم عليك بفلان وفلان ) وقد ***وا كلهم يوم بدر . وكان عظماء المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة : الوليد بن المغيرة المخزومي ، والأسود بن عبد يغوث الزهري ، وأبو زمعة الأسود بن عبد المطلب الأسدي ، والحارث بن قيس الخزاعي ، والعاص بن وائل السهمي ،وقد أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سيكفي شرهم فقال : ( إنا كفيناك المستهزئين ) ثم أنزل على كل منهم ما فيه عبرة وعظة .
فأما الوليد فكان قد أصابه قبل سنين خدش من سهم ، ولم يكن شيئاً، فأشار جبريل إلى أثر ذلك الخدش فانتفض ، ، فلم يزل يؤلمه ويؤذيه حتى مات بعد سنين .
وأما الأسود بن عبد يغوث فأشار جبريل إلى رأسه فخرج فيه قروح ، فمات منها ، وقيل أصابه سموم ، وقيل : أشار جبريل إلى بطنه ، فاستسقى بطنه ، وانتفخ حتى مات .
وأما الأسود بن عبد المطلب فلما تضايق رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاه دعا عليه وقال : ( اللهم أعم بصره وأثكله ولده ) فرماه جبريل بشوك في وجهه حتى ذهب بصره ، ورمى ولده زمعة حتى مات .
وأما الحارث بن قيس ، فأخذه الماء الأصفر في بطنه ، حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه .
وأما العاص بن وائل ، فجلس على شبرقة فدخلت شوكة لها من أخمص قدمه ، وجرى سمها إلى رأسه حتى مات .
هذه صورة مصغرة لما كان يعانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من قريش بعد إعلان الدعوة والجهر بها ، وقد اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوتين إزاء هذا الموقف المتأزم .
دار الأرقم :
الأولى : أنه جعل دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي مركز الدعوة والعبادة ومقر التربية ، لأنها كانت في أصل الصفا ، بعيدة عن أعين الطغاة ، فكان يجتمع فيها مع صحابته سراً ، فيتلو عليهم آيات الله ، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وبهذا التدبير وقى أصحابه كثيراً من الأحداث التي كان يخشى وقوعها لو اجتمع بهم جهراً وعلانية ، أما هو صلى الله عليه وسلم فكان يعبد الله ويدعو إليه جهراً بين ظهراني المشركين ، لا يصرفه عن ذلك ظلم ، ولا عدوان ، ولا سخرية ، ولا استهزاء ، وكان ذلك من حكمة الله حتى تبلغ دعوته إلى من يؤمن ومن لا يؤمن ، فلا تكون للناس على الله حجة بعد البلاغ ، ولئلا يقول قائل يوم القيامة : ما جاءنا من بشير ولا نذير .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30-11-2010, 02:58 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

الإسراء والمعراج
المراد بالإسراء توجه النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ، والمراد بالمعراج صعوده صلى الله عليه وسلم إلى العالم العلوي ، وكان ذلك بجسده الشريف وروحه الأطهر .
والإسراء مذكور في القرآن في قوله تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) .
أما المعراج فقيل : هو مذكور في سورة النجم من آياتها السابعة إلى الثامنة عشرة ، وقيل المذكور في هذه الآيات غير المعراج
واختلف في وقت الإسراء والمعراج ، فقيل في السنة التي بعث فيها النبي صلى الله عليه وسلم وقيل : سنة خمس من النبوة ، وقيل : في 27 رجب سنة عشر من النبوة . وقيل : في 17 رمضان سنة اثنتي عشرة من النبوة ، وقيل في المحرم ، وقيل : في 17 ربيع الأول سنة 13 من النبوة .
أما تفصيل القصة فملخص الروايات الصحيحة : أن جبريل عليه السلام جاء بالبراق وهو دابة فوق الحمار ، ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه والنبي صلى الله عليه وسلم بالمسجد الحرام فركبه حتى أتى بيت المقدس ومعه جبريل ، فربطه بالحلقة التي يربط بها الأنبياء ، ثم دخل المسجد ، فصلى فيه ركعتين ، أم فيهما الأنبياء ، ثم أتاه جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاختار اللبن ، فقال جبريل : أصبت الفطرة ، هديت وهديت أمتك ، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك .
ثم عرج به من بيت المقدس إلى السماء الدنيا ، فاستفتح له جبريل ففتح له ، فرأى هنالك آدم أبا البشر فسلم عليه ، فرد عليه السلام ، ورحب به ، وأقر بنبوته ، وعن يمينه أسودة إذا نظر إليهم ضحك – وهي أرواح السعداء وعن يساره أسودة إذا نظر إليهم بكى – وهي أرواح الأشقياء - .
ثم عرج إلى السماء الثانية فاستفتح له جبريل ففتح ، فرأى فيها ابني الخالة يحيى بن زكريا ، وعيسى ابن مريم عليهما السلام فسلم عليهما ، فردا عليه السلام ورحبا به وأقرا بنبوته .
ثم عرج إلى السماء الثالثة ، فرأى فيها يوسف عليه السلام وكان قد أعطي شطر الحسن ، فسلم عليه فرد عليه ورحب به وأقر بنبوته .
ثم عرج إلى السماء الرابعة فرأى فيها إدريس عليه السلام فسلم عليه فرد عليه ، ورحب به وأقر بنبوته .
ثم عرج به إلى السماء الخامسة فرأى فيها هارون بن عمران عليه السلام فسلم عليه فرد عليه ورحب به وأقر بنبوته .
ثم عرج به إلى السماء السادسة فلقى فيها موسى بن عمران عليه السلام فسلم عليه فرد عليه ، ورحب به ، وأقر بنبوته فلما جاوزه بكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : أبكي لأن غلاما ً بعث من بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي .
ثم عرج به إلى السماء السابعة فلقي فيها إبراهيم عليه السلام فسلم عليه ، فرد عليه ، ورحب به ، وأقر بنبوته ،وكان مسنداً ظهره إلى البيت المعمور ، وهو بيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه .
ثم رفع إلى سدرة المتهى ، فإذا أوراقها كآذان الفيلة ، وإذا ثمارها كالقلال – أي الجرار الكبيرة – ثم غشيها فراش من ذهب ، وغشيها من أمر الله ما غشيها ، فتغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها .
ثم عرج به إلى الجبار – جل جلاله - ، فدنا منه ، حتى كان قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إلى عبده ما أوحى وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، فرجع حتى مر على موسى فقال : بم أمرك ربك ؟ قال: بخمسين صلاة ، قال : إن أمتك لا تطيق ذلك ، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فالتفت إلى جبريل ، فأشار أن نعم إن شئت ، فرجع فوضع عنه عشراً ، ثم مر بموسى فسأله فأخبره فأشار عليه بسؤال التخفيف ، فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل حتى جعلها خمساً ، ثم مر بموسى فأشار بالرجوع وسؤال التخفيف ، وقال : والله لقد راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فضعفوا عنه وتركوه ، فقال صلى الله عليه وسلم قد استحيت من ربي ، ولكني أرضى وأسلم ، فلما بعد نودي أن قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ، هي خمس وهن خمسون ، لاى يبدل القول لدي .
ثم رجع عليه السلام من ليلته إلى مكة المكرمة ، فلما أصبح في قومه أخبرهم بما أراه الله عز وجل من آياته الكبرى ، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستضرارهم عليه ، فمنهم من صفق ، ومنهم من وضع يده على رأسه تعجباً وإنكاراً ، وسعى رجال إلى أبي بكر الصديق ، وأخبروه الخبر ، فقال : إن كان قال ذلك فقد صدق قالوا أتصدقه على ذلك ؟ قال : إني لأصدقه على أبعد من ذلك ، أصدقه على خبر السماء في غدوة أو روحة ، فسمى الصديق . وقام الكفار يمتحنونه فسألوه أن يصف لهم بيت المقدس ، ولم يكن رآه قبل ذلك ، فجلاه الله له حتى عاينه ، فطفق يخبرهم عن آياته ، يصفه لهم باباً باباً وموضعاً موضعاً ، فلم يستطيعوا أن يردوا عليه ، بل قالوا : أما النعت فوالله لقد أصاب .
وسألوه عن عير لهم قادمة من الشام ، فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها ووقت قدومها ، وعن البعير الذي يقدمها ، وكان الأمر كما قال ، ولكن أبى الظالمون إلا كفوراً
وصبيحة يوم الإسراء جاء جبريل وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية الصلوات الخمس وأوقاتها ، وكانت الصلاة قبل ذلك ركعتين في الصباح وركعتين في المساء .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30-11-2010, 02:59 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

الاستعجال بالعذاب
ربما كان النبي صلى الله عليه وسلم أوعد المشركين بعذاب الله إن استمروا على مخالفته ، -كما سبق – فلما أبطأ العذاب طفقوا يستعجلون به على سبيل السخرية والعناد ، وتظاهروا بأن هذا الوعيد لم يؤثر فيهم ، ولن يتحقق أبداً فأنزل الله في ذلك آيات ، منها قوله تعالى : ( ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ) ومنها قوله تعالى : ( يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) ومنها قوله تعالى : ( أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم ) وغير ذلك من الآيات .
وكان من جملة مجادلة المشركين أنهم كانوا يطالبون بالآيات من المعجزات وخوارق العادات عناداً وتعجيزاً ، فأنزل الله في ذلك ما بين به سنته ، وقطع به حجتهم ، وسنمر على شيء من ذلك في الفصول القادمة إن شاء الله .
تلكم هي المحاولات التي واجه بها المشركون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته ، وقد مارسوها كلها جنباً إلى جنب متنقلين من طور إلى طور ، ومن دور إلى دور . فمن شدة إلى لين ، ومن لين إلى شدة ، ومن جدال إلى مساومة ، ومن مساومة إلى جدال ، ومن هجوم إلى ترغيب ، ومن ترغيب إلى هجوم ، كانوا يثورون ثم يخورون يجادلون ثم يجاملون ، ينازلون ثم يتنازلون ، يوعدون ثم يرغبون ، كأنهم يتقدمون ويتأخرون ، لا يقر لهم قرار ، ولا يعجبهم الفرار ، وكان غرضهم من كل ذلك كف دعوة الإسلام ولم شعث الكفر ، لكنهم بعد بذل كل الجهود عادوا خائبين خاسرين ، ولم يبق أمامهم إلا خيار واحد ، وهو السيف ، والسيف لا يزيد الفرقة إلا شدة ، ولا يفضي إلا إلى تناحر لعله يستأصل شأفتهم ، فاحتاروا ماذا يفعلون .
أما أبو طالب فإنه لما واجه مطالبتهم بتسليم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم لي***وه ، ثم رأى في تحركاتهم وتصرفاتهم ما يؤكد أنهم يريدون ***ه مثل ما فعله أبو جهل ، وعقبة بن أبي معيط ، وعمر بن الخطاب جمع بني هاشم وبني المطلب ودعاهم إلى القيام بحفظ النبي صلىالله عليه وسلم فأجابوه إلى ذلك كلهم مسلمهم وكافرهم ، وتعاقدوا وتعاهدوا عليه عند الكعبة ، إلا أبو لهب ، فإنه فارقهم ، وكان مع قريش .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30-11-2010, 03:00 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

ال***** ومحاولة ال***
كان من الطبيعي أن يعود المشركون إلى ضراوتهم بعد الفشل ، وفعلاً عادوا إلى الشدة والبطش بالبقية الباقية من المسلمين ، بل مدوا أيديهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فمن ذلك أن عتيبة بن أبي لهب أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : هو يكفر بالذي ( دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ) ثم تسلط عليه بالأذى ، وشق قميصه ، وتفل في وجهه صلى الله عليه وسلم إلا أن البزاق رجع على عتيبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أرسل عليه كلباً من كلابك ، فخرج عتيبة في ركب إلى الشام ، فلما نزلوا في الطريق طاف بهم الأسد ، فقال : هو آكلي والله ، كما دعا علي محمد ، ***ني وهو بمكة وأنا بالشام ، فلما ناموا جعلوه في وسطهم ، ولكن جاء الأسد وأخذه برأسه من بين الإبل والناس و***ه .
ومن ذلك أن عقبة بن أبي معيط وطيء برجله على رقبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان .
ويؤخذ من سياق الحوادث أن المشركين بعد فشلهم في شتى محاولاتهم لكف الدعوة أخذوا يفكرون بجد في *** النبي صلى الله عليه وسلم ولو أدى ذلك إلى سفك الدماء . ومما يدل على ذلك أن أبا جهل قال يوماً لقريش : إن محمداً قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وشتم آلهتنا ، وإني أعاهد الله لأجلسن له بحجر ما أطيق حمله ، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه ، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني ، فليصنع بعد ذلك بنوعبد مناف ما بدا لهم ، قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبداً فامض لما تريد .
فلما أصبح أبو جهل أخذ حجراً كما وصف ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يصلي ، وغدت قريش في أنديتهم ينتظرون ما يفعله أبو جهل ، وأقبل أبو جهل حتى دنا ، ثم رجع منهزماً ، منتقعاً لونه مرعوباً ، قد يبست يداه على حجره ، حتى قذفه من يده ، فقالت له قريش : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : قمت لأفعل ما قلت البارحة ، فعرض لي فحل من الإبل ما رأيت مثل هامته وقصرته وأنيابه لفحل قط ، فهم بي أن يأكلني .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ذاك جبريل لو دنا لأخذه ) .
ثم حدث ما هو أشد من ذلك وأنكى ، وذلك أن قريشاً اجتمعوا يوماً في الحطيم ، وتكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ يطوف بالبيت ، فلما مر بهم غمزوه ، فعرف ذلك في وجهه ، ثم مر بهم الثانية ، فغمزوه بمثلها ، فعرف ذلك في وجهه ، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ، فوقف ، ثم قال : أتسمعون يا معشر قريش : أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بال*** ، فأخذت القوم كلمته ، كان على رؤوسهم طائراً وقع ، حتى إن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد .
فلما كان من الغد اجتمعوا كذلك يذكرون أمره ، إذ طلع عليهم ، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد ، فأخذوا بمجامع ردائه ، وقالوا : أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباءنا ؟ قال : أنا ذاك ، فانقضوا عليه ، هذا يحثه ، وهذا يبلبله ، وأقبل عقبة بن أبي معيط فلوى ثوبه في عنقه ، فخنقه خنقاً شديداً ، وأتى الصريخ إلى أبي بكر : أدرك صاحبك ، فجاء وأخذ بمنكبي عقبة ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ يضرب هذا ، ويجاهد هذا وهو يقول : ويلكم أت***ون رجلاً أن يقول ربي الله . فانصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر ، وضربوه ضرباً لا يعرف وجهه من أنفه ، وكانت له أربع غدائر فما يمسون منها شيئاً إلا رجع ، فحملته بنو تميم في ثوب وأدخلوه منـزله ، ولا يشكون في موته ، فتكلم آخر النهار ، فسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاموه ، وخرجوا من عنده ، وعرض عليه الطعام والشراب فأبى أن يأكل أو يشرب حتى يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما هدأ الليل وسكن الناس أوصلوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في دار الأرقم ، فلما وجده بخير ساغ له الطعام والشراب .
وقد خرج أبو بكر رضي الله عنه يريد الهجرة إلى الحبشة بعدما اشتد عليه الأذى وتضايقت عليه سبل الحياة ، ولما بلغ برك الغماد لقيه مالك بن الدغنة سيد القارة والأحابيش ، فسأله عن قصده ، فأخبره ، فقال : مثلك يا أبا بكر لا يخرج ، إنك تكسب المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار ، فارجع واعبد ربك ببلدك ، ثم رجعا إلى مكة ، وأعلن ابن الدغنة في قريش عن جواره لأبي بكر ، فلم ينكروا عليه ، ولكن قالوا له : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ولا يستعلن ، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا وضعفتنا ، فلبث أبو بكر بذلك فترة ، ثم بنى مسجداً بفناء داره ، واستعلن بصلاته وقراءته ، فذكره ابن الدغنة بجواره ، فرد عليه إبو بكر جواره ، وقال : أرضى بجوار الله .
وكان رجلاً بكاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن ، فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم ، وهم يعجبون منه ، وينظرون إليه ، فكان المشركون يؤذونه لأجل ذلك . وأثناء هذه الظروف القاسية التي كان يمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حدث ما أفضى إلى إسلام بطلين جليلين من أبطال قريش طالما استراح المسلمون تحت ظل قوتهما ، وهما حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30-11-2010, 03:01 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

الجهر بالدعوة

الدعوة في الأقربين :
وبعد أن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات في سبيل الدعوة الفردية ووجد لها آذاناً صاغية ، ورجالاً صالحين من صميم قريش وغيرها ، وتمهدت لها السبل ، وتهيأ لظهورها الجو أنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم : ( وأنذر عشيرتك الأقربين واخفض جناحك لمن تبعك من المؤمنين فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون ) فجمع النبي صلى الله عليه وسلم عشيرته الأقربين ، وهم بنو هاشم ومعهم نفر من بني المطلب ، فقال بعد الحمد وشهادة التوحيد :
( إن الرائد لا يكذب أهله ، والله لو كذبت الناس جميعاً ما كذبتكم ، ولو غررت الناس جميعاً ما غررتكم ، والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة ، والله لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون ، ولتحاسبن بما تعملون ، ولتجزون بالإحسان إحساناً وبالسوء سوءاً ، وإنها الجنة أبداً أو النار أبداً ) .
فتكلم القوم كلاماً ليناً غير عمه أبو لهب ، فإنه قال : خذوا على يديه قبل أن تجتمع عليه العرب ، فإن سلمتموه إذن ذللتم ، وغن منعتموه ***تم ، فقال أبو طالب : والله لنمنعنه ما بقينا ، وقال أيضاً : امض لما أمرت به ، فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك ، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب .

على جبل الصفا:
وفي غضون ذلك نزل أيضاً قوله تعالى : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فعلا أعلاها حجراً ، ثم هتف : ( يا صباحاه ) .
وكانت كلمة إنذار تخبر عن هجوم جيش أو وقوع أمر عظيم .
ثم جعل ينادي بطون قريش ، ويدعوهم قبائل قبائل : يا بني فهر ! يا بني عدي ! يا بني فلان ! يا بني عبد مناف ! يا بني عبد المطلب !
فلما سمعوا قالوا: من هذا الذي يهتف ؟ قالوا : محمد . فأسرع الناس إليه ، حتى إن الرجل إذا لم يستطع أن يخرج إليه إرسل رسولاً لينظر ما هو ؟
فلما اجتمعوا قال : ( أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي بسفح هذا الجبل ، تريد ان تغير عليكم أكنتم مصدقي ) ؟
قالوا : نعم ، ما جربنا عليك كذباً ما جربنا عليك إلا صدقاً .
قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله – أي يتطلع وينظر لهم من مكان مرتفع لئلا يدهمهم العدو- فخشي أن يسبقوه ، فجعل ينادي : يا صباحاه ) .
ثم دعاهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وبين لهم أن هذه الكلمة هي ملاك الدنيا ونجاة الآخرة ، ثم حذرهم وأنذرهم عذاب الله إن بقوا على شركهم ، ولم يؤمنوا بما جاء به من عند الله ، وأنه مع كونه رسولاً لا ينقذهم من العذاب ولا يغنيهم من الله شيئاً . وعم هذا الإنذار وخص فقال : ( يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله ، أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً ، ولا أغني عنكم من الله شيئاً .
يا بني كعب بن لؤي ! أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .
يا بني مرة بن كعب ! أنقذوا أنفسكم من النار .
يا معشر بني قصي ‍ أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .
يا بني عبد شمس ‍أنقذوا أنفسكم من النار .
يا بني عبد مناف ‍ أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .
يا بني هاشم ‍ أنقذوا أنفسكم من النار .
يا بني عبد المطلب ‍ أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً ، ولا أغني عنكم من الله شيئاً ، سلوني من مالي ما شئتم ، لا أملك لكم من الله شيئاً .
يا عباس بن عبد المطلب ‍ لا أغني عنك من الله شيئاً .
يا صفية بنت عبد المطلب : عمة رسول الله ‍ سليني بما شئت ، أنقذي نفسك من النار ، لا أغني عنك من الله شيئاً .غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها – أي سأصلها حسب حقها - .
ولما أتم هذا الإنذار انفض الناس وتفرقوا ، ولا يذكر عنهم انهم أبدوا أي معارضة أو تأييد لما سمعوه ، سوى ما ورد عن أبي لهب أنه واجه النبي صلى الله عليه وسلم بالسوء، فقال : تباً لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت ( تبت يدا أبي لهب وتب ) .
أما عامة قريش فكأنهم قد أصابتهم الدهشة والإستغراب حين فوجئوا بهذا الإنذار ، ولم يستطيعوا أن يختاروا أي موقف تجاه ذلك ولكنهم لما رجعوا إلى بيوتهم ، استقرت أنفسهم ، وأفاقوا من دهشتهم ، واطمأنوا ، استكبروا في أنفسهم ، وتناولوا هذه الدعوة والإنذار بالاستخفاف والاستهزاء ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر على ملأ منهم سخروا منه وقالوا: أهذا الذي بعث الله رسولاً ؟ أهذا ابن أبي كبشة ، يكلم من السماء ، وأمثال ذلك .
وأبو كبشة اسم لأحد أجداده صلى الله عليه وسلم من جهة الأم ، كان قد خالف دين قريش ، واختار النصرانية ، فلما خالفهم النبي صلى الله عليه وسلم في الدين نسبوه إليه ، وشبهوه به ، تعييراً واحتقاراً له وطعناً فيه .
واستمر النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وبدأ يجهر بها في نواديهم ومجامعهم ، يتلو عليهم كتاب الله ، ويدعوهم إلى ما دعت إليه الرسل : ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) وبدأ يعبد الله أمام أعينهم ، فكان يصلي بفناء الكعبة نهاراً جهاراً وعلى رؤوس الأشهاد .
وقد نالت دعوته بعض القبول ، ودخل عدد من الناس في دين الله واحداً بعد واحد ، وحصل بين هؤلاء المسلمين وبين من لم يسلم من أهل بيتهم التباغض والتباعد .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 30-11-2010, 03:03 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

الحبيب صلى الله عليه وسلم في الطائف
وفي هذه الظروف الصعبة قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف رجاء أن يستجيبوا لدعوته ، أو يؤوه وينصروه ، فخرج إليها ماشياً على قدميه ، ومعه مولاه زيد بن حارثة ، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام حتى بلغ الطائف ، ونزل على ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف ، فدعاهم إلى الإسلام وإلى نصرته صلى الله عليه وسلم على تبليغه ، فلم يستجيبوا له ، بل ردوا عليه أسوء رد ، فتركهم وقصد الآخرين ، فدعاهم إلى قبول الإسلام ونصرته ، ولم يزل ينتقل من رئيس إلى رئيس ، فلم يترك أحداً من أشرافهم إلا وكلمه ، وقضى في ذلك عشرة أيام ، ولكن لم يجب له أحد ، بل قالوا له : اخرج من بلدنا ، وأغروا به صبيانهم وسفهاءهم وعبيدهم ، فلما تهيأ وخرج وقفوا له صفين ، وأخذوا يسبونه ويشتمونه ويرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه وقدميه صلى الله عليه وسلم وحتى اختضب نعلاه بالدم ، وكان زيد بن حارثة رضي الله عنه يقيه بنفسه ، ويدافع عنه ، فأصابه شجاج في رأسه ، واستمرت هذه السفاهة حتى وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة على بعد ثلاثة أميال من الطائف فدخل فيه ، فلما دخل فيه انصرفوا عنه .
وجلس النبي صلى الله عليه وسلم في الحائط تحت ظل حبلة من عنب ، معتمداً إلى جدار ، وقد أثر في نفسه ما لاقاه ، فدعا بالدعاء المشهور : ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ، أم إلى عدو ملكته أمري ، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنـزل بي غضبك أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ) .
ورآه ابنا ربيعة في هذا الحال فأخذتهما رقة ، وأرسلا إليه بقطف من عنب مع مولى نصراني اسمه عداس ، فلما مد النبي صلى الله عليه وسلم يده ليتناوله قال : ( بسم الله ) ثم أكل ، فقال عداس : هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أي البلاد أنت ؟ وما دينك ؟ ) .
فقال نصراني من أهل نينوى .
فقال : ( من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ ) .
فقال : وما يدريك ما يونس بن متى ؟
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي ) . وقرأ عليه قصة يونس عليه السلام من القرآن ، فأسلم عداس على ما يقال .
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحائط ، وتقدم في طريقه إلى مكة ، وهو كئيب حزين مهموم ، حتى إذا بلغ قرن المنازل ، أظلته سحابة فيها جبريل ومعه ملك الجبال لتأمره بما شئت ، ثم سلم ملك الجبال وقال : يا محمد ! ذلك ، فما شئت ، إن شئت أطبقت علهم الأخشبين – وهما جبلا مكة : أبو قبيس والذي يقابله – فقال صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً .
وأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم من همه بمجيء هذا النصر ، وتقدم في طريقه إلى مكة حتى نزل بنخلة ، وأقام بها أياماً ، وأثناء إقامته بها صرف الله إليه نفراً من الجن يستمعون القرآن ، وهو قائم يصلى بأصحابه صلاة الفجر ، فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين ، وقد آمنوا به ، ولم يشعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذلك القرآن : آيات من سورة الأحقاف ، وآيات من سورة الجن .
وبعد أيام خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من نخلة يريد مكة ، وهو يرجو من الله الفرج والمخرج ، ويخشى من قريش الشر والبطش ، فأحب أن يحتاط لنفسه ، فلما دنا من مكة مكث بحراء ، وبعث رجلاً إلى الأخنس بن شريق ليجيره ، فاعتذر بأنه حليف ، والحليف لا يجير ، فأرسل إلى سهيل بن عمرو ، فاعتذر بأنه من بني عامر بن لؤي ، وهم لا يجيرون على بني كعب بن لؤي ، فأرسل إلى المطعم بن عدي ، وهو من بني نوفل بن عبد مناف أخي هاشم بن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم وعبد مناف أعز بطن في قريش ، فقال المطعم : نعم ، وتسلح هو وبنوه ، ثم أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء ودخل المسجد الحرام ، وطاف بالبيت وصلى ركعتين ثم انصرف إلى بيته والمطعم بن عدي و أولاده محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح وكان المطعم قد أعلن في قريش أنه أجار محمداً فقبلوا ذلك منه .

__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 30-11-2010, 03:04 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

السرايا والغزوات

تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين كانوا آخذين بالحيطة والحذر من بداية أمرهم ، وذلك بالحراسة والبيات مع السلاح ، فلما نزلا الإذن بالقتال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتب البعوث والدوريات العسكرية ، ويؤمر عليها أحداً من أصحابه ، وهي المسماة بالسرية ، وربما خرج فيها بنفسه وهي المسماة بالغزوة ، وكان المقصود منها :
1 – استكشاف حركات العدو ، وتأمين أطراف المدينة ، حتى لا يؤخذ المسلمون على غرة .
2 – الضغط على قريش بالتعرض لقوافلهم حتى يشعروا بالخطر على تجارتهم وأموالهم وأنفسهم ، فإما أن يفيقوا عن غيهم ، ويسالموا المسلمين ويتركوهم على حريتهم في نشر الإسلام والعمل به ، وهذا غاية ما كان يتمناه المسلمون أو يختاروا طريق الحرب والقتال فيخسروا أولاً طريق تجارتهم ، لأنها كانت تمر بأطراف المدينة ، ويلقوا ثانياً جزاء شرهم وعدوانهم بإذن الله ونصره لعباده المؤمنين ، وهذا الذي وقعت الإشارة إليه في كلام الله سبحانه وتعالى مراراً .
3 – عقد مواثيق التحالف ، أو عدم الإعتداء مع قبائل أخرى .
4 – إبلاغ رسالة الله ، ونشر دعوة الإسلام قولاً وعملاً .
وأول سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية تسمى بسيف البحر بعثها في رمضان في السنة الأولى من الهجرة ، وأمر عليها عمه حمزة بن عبد المطلب ، وكان قوامها ثلاثين رجلاً من المهاجرين ، وقد واصلوا سيرهم حتى بلغوا سيف البحر – أي ساحل البحر الحمر – من ناحية العيص ، واعترضوا عيراً لقريش قادمة من الشام ، عليها أبو جهل ، في ثلاثمائة رجل ، فاصطف الفريقان ، وكاد يقع القتال ، لكن توسط مجدي بن عمرو الجهني ، فانصرف الفريقان .
كانت هذه السرية أول عمل عسكري في تاريخ الإسلام ، وكان لواؤها أبيض ، وهو أول لواء عقد في تاريخ الإسلام ، وحمل اللواء أبو مرثد كناز بن حصين الغنوي .
ثم تتابعت البعوث والسرايا فأرسل في شوال عبيدة بن الحارث في ستين رجلاً من المهاجرين إلى بطن رابغ فلقي أبو سفيان وهو في مائتي رجل ، فوقع الترامي دون القتال .
ثم أرسل في ذي القعدة سعد بن أبي وقاص في عشرين رجلاً من المهاجرين إلى الخرار قريباً من رابغ فلم يلق كيداً .
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه إلى الأبواء أو ودان في صفر سنة 2 ه‍ في سبعين رجلاً من المهاجرين ، فلم يلق أحداً وعقد ميثاق الأمان والتناصر مع عمرو بن مخشي الضمري ، وكانت أول غزوة خرج لها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم خرج إلى بواط من ناحية رضوى ، في ربيع الأول سنة 2 ه‍ في مائتي من المهاجرين، فلم يلق أحداً .
وفي نفس الشهر أغار كرز بن جابر الفهري على مراعي المدينة وساق بعض المواشي ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه إلى سفوان من ناحية بدر ، في سبعين رجلاً من المهاجرين ، ولكن كرزاً أفلت ونجح في الفرار ، وهذه الغزوة تسمة بغزوة بدر الأولى .
ثم خرج في جمادي الأولى أو الآخرة سنة 2 ه‍ إلى ذي العشيرة في مائة وخمسين ، أو في مائتين من المهاجرين ، يعترض عيراً لقريش ذاهبة إلى الشام ، ولكنها فاتته قبل أيام ، وعقد ميثاق عدم العدوان مع بني مدلج .
ثم بعث في شهر رجب سنة 2 ه‍ عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة ، بين مكة والطائف ، في اثني عشر رجلاً من المهاجرين ، ليأتوا بخبر عير قريش ، لكنهم هجموا عليها ف***وا رجلاً ، وأسروا اثنين ، وساقوا العير ، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ، ولم يرض به ، فأطلق الأسيرين وأدى دية المقتول .
وكان الحادث في آخر يوم من رجب ، فأثار المشركون ضجة بأن المسلمين انتهكوا حرمة الشهر الحرام . فأنزل الله : ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من ال*** ) .
وفي شعبان سنة 2 ه‍ حول الله القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة وكان ذلك مما يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتظره ، وقد انكشف بذلك بعض المخادعين من المنافقين واليهود الذين دخلوا في الإسلام زوراً فارتدوا وتطهرت صفوف المسلمين منهم .
تلك هي التحركات العسكرية التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون لحفظ أمن المدينة وأطرافها ، ولإشعار قريش بسوء عاقبتها إن لم تكف عن شرها ، ولكنها ازدادت في العلو والإستكبار ، فلاقت جزاء أمرها في بدر ، وكان عاقبة أمرها خسراً .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 30-11-2010, 03:05 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

القيام بالدعوة والرعيل الأول

وقام رسول الله صلى الله علي وسلم على أثر نزول هذه الآيات بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالىوحيث أن قومه كانوا جفاة لا دين لهم إلا عبادة الأصنام والأوثان ، ولا حجة لهم إلا أنهم ألفوا آباءهم على ذلك ، ولا أخلاق لهم إلا الأخذ بالعزة والأنفة ، ولا سبيل لهم في حل المشاكل إلا السيف ، فقد اختار الله له أن يقوم بالدعوة سراً ، ولا يواجه بها إلا من يعرفه بالخير وحب الحق ، ويثق به ويطمئن إليه ، وأن يقدم أهله وعشيرته وأصدقاءه وندماءه على غيرهم .

الرعيل الأول :
فلما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم دعوته بادر إلى الإيمان به عدد ممن كتب الله له السبق إلى السعادة والخير .
1 – وكانت أولهم على الإطلاق أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها ، وكانت قد علمت البشارات ، وسمعت عن الإرهاصات ، وأبصرت ملامح النبوة ، وشاهدت تباشير الرسالة ، وتوقعت أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو نبي هذه الأمة ، ثم تأكد لها من حديث ورقة أن الذي نزل في حراء هو جبريل عليه السلام وأن الذي جاء به هو وحي النبوة ، ثم شاهدت بنفسها ما مر به النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول أول المدثر ، فكان من الطبيعي أن تكون هي أول المؤمنين .
2 – وبادر النبي صلى الله عليه وسلم إلى صديقه الحميم أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليخبره بما أكرمه الله به من النبوة والرسالة ، ويدعوه إلى الإيمان به ، فآمن به دون تردد ولا تلعثم ، وأسرع إلى التصديق ، وشهد شهادة الحق ، فكان أول من آمن به على الإطلاق أو من الرجال ، وكان أصغر منه صلى الله عليه وسلم بسنتين ، وصديقاً له منذ عهد قديم ، عارفاً بسره وعلانيته ، فكان إيمانه أعدل شاهد على صدقه صلى الله عليه وسلم .
3 – ومن أول من آمن به علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان تحت كفالته صلى الله عليه وسلم مقيماً عنده ، يطعمه ويسقيه ، ويقوم بأمره ، لأن قريشاً أصابتهم مجاعة ، وكان أبو طالب مقلاً كثير الأولاد ، فكفل العباس ابنه جعفراً ، وكفل النبي صلى الله عليه وسلم علياً ، فكان أحد أولاده إلى ان جاءت النبوة وقد ناهز البلوغ ، يقال : كان عمره عشر سنين وكان يتبعه في كل أعماله ، فلما دعاه إلى الإسلام أجاب إليه ، وهو أول من آمن به من الصبيان .
ومن أول من آمن به مولاه زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي ، كان قد أسر أيام الجاهلية وبيع ، فاشتراه حكيم بن حزام ، ووهبه لعمته خديجة ، فوهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم به أبوه وعمه فجاءا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلماه ليحسن إليهما في فدائه ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً ، وخيره بين أن يذهب مع أبيه وعمه وبين أن يبقى عنده ، فاختاره عليهما ، وعندئذ ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملأ من قريش ، وقال اشهدوا أن هذا ابني وارثاً وموروثاً ، وذلك قبل النبوة فكان يدعى زيد بن محمد حتى جاء الإسلام وأبطل التبني ، فدعي زيد بن حارثة .
هؤلاء الأربعة كلهم أسلموا في يوم واحد ، يوم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإنذار ، وقام بالدعوة إلى الله ، وقد قيل عن كل واحد منهم إنه أول من أسلم.
ثم نشط للدعوة إلى الله أبو بكر رضي الله عنه وصار الساعد الأيمن للنبي صلى الله عليه وسلم في مهمة رسالته ، وكان رجلاً عفيفاً ، مألفاً محبباً ، سهلاً كريماً جواداً معظماً ، أعلم الناس بأنساب العرب وأخبارها ، يقصده رجال قومه لخلقه ومعروفه ، وعلمه وفضله ، وتجارته وجوده ، وحسن معاملته ومجالسته . فدعا إلى الإسلام من توسم فيه الخير ووثق به من قومه ، فأجابه جمع من فضلاء الناس ، في مقدمتهم عثمان بن عفان الأموي ، والزبير بن العوام الأسدي ، وعبد الرحمن بن عوف الزهري ، وسعد بن أبي وقاص الزهري ، وطلحة بن عبيد الله التميمي ، بين لهم أبو بكر رضي الله عنه الإسلام ، وأتى بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا جميعاً .
ثم تلا هؤلاء أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح ، وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة ، والأرقم بن أبي الأرقم ، وعثمان بن مظعون ، وأخواه قدامة وعبد الله ابنا مظعون ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف ، وسعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل ، وامرأته فاطمة بنت الخطاب أخت عمر بن الخطاب ، وخباب بن الأرت ، وجعفر بن أبي طالب ، وامراته أسماء بنت عميس ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وامرأته أمينة بنت خلف ، ثم أخوه عمرو بن سعيد بن العاص ، وحاطب بن الحارث ، وامرأته فاطمة بنت المجلل وأخوه حطاب بن الحارث ، وامرأته فكيهة بنت يسار ، وأخوه الآخر معمر بن الحارث ، والمطلب بن أزهر ، وامرأته رملة بنت أبي عوف ، ونعيم بن عبد الله بن أسيد النحام ، وهؤلاء كلهم قرشيون من بطون وأفخاذ شتى من قريش .
ومن السابقين الأولين إلى الإسلام من غير قريش : عبد الله بن مسعود الهذلي ، ومسعود بن ربيعة القاري ، وعبد الله بن جحش ، وأخوه أبو أحمد بن جحش ، وصهيب بن سنان الرومي ، وعمار بن ياسر العنسي ، وأبوه ياسر ، وأمه سمية ، وعامر ابن فهيرة . وبلال بن رباح رضي الله عن الجميع .
وممن سبق إلى الإسلام من النساء من غير من تقدم ذكرهن : أم أيمن بركة الحبشية ، مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته ، وأم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث الهلالية ، زوج العباس بن عبد المطلب ، وأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
وقد عرف هؤلاء الأقدمون ومن أسلم معهم بلقب السابقين الأولين ، ويظهر بعد التتبع والإستقراء أن عدد من قيل فيه : إنه قديم الإسلام ، أو قيل فيه : إنه من السابقين الأولين ، يصل إلى مائة وثلاثين صحابياً تقريباً . ولكن لا يعرف بالضبط أنهم كلهم أسلموا قبل الجهر بالدعوة ، أو تأخر إسلام بعضهم إلى الجهر بها .
عبادة المؤمنين وتربيتهم :
أما الوحي فقد تتابع نزوله بعد أوائل المدثر ، ويقال : أن أول ما نزل بعدها هي سورة الفاتحة ، وهي سورة تجمع بين الحمد والدعاء ، وتشتمل على جميع المقاصد المهمة من القرآن والإسلام ، كما أن أول ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من العبادات الصلاة ، ركعتان بالغداة وركعتان بالعشي ، نزل بذلك جبريل فعلمه الوضوء والصلاة .
فكانت الطهارة الكاملة هي سمة المؤمنين ، والوضوء شرط الصلاة ، والفاتحة أصل الصلاة ، والحمد والتسبيح بها في أماكن بعيدة عن الأنظار ، وربما كانوا يقصدون بها الأودية والشعاب .
ولا تعرف لهم عبادات وأوامر ونواه أخرى في أوائل أيام الإسلام ، وإنما كان الوحي يبين لهم جوانب شتى من التوحيد ، ويرغبهم في تزكية النفوس ، ويحثهم على مكارم الخلاق ، ويصف لهم الجنة والنار ، ويعظهم مواعظ بليغة تشرح الصدور وتغذي الأرواح .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، ويحدو بهم إلى منازل نقاء القلوب ، ونظافة الأخلاق ، وعفة النفوس ، وصدق المعاملات ، وبالجملة كان يخرجهم من الظلمات إلى النور ، ويهديهم إلى صراط مستقيم ، ويربيهم على التمسك بدين الله والإعتصام بحبل الله ، والثبات في أمر الله ، والإستقامة عليه .
وهكذا مرت ثلاثة أعوام ، والدعوة لم تزل مقصورة على الأفراد ، لم يجهر بها النبي صلى الله عليه وسلم في المجامع والنوادي ، إلا أنها صارت معروفة لدى قريش ، وقد تنكر لها بعضهم أحياناً ، واعتدوا على بعض المؤمنين ، ولكنهم لم يبالوا بها بصفة عامة ، حيث لم يتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لدينهم ولم يتكلم في آلهتهم .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 30-11-2010, 03:06 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

كان من سجايا الأنصار وكرمهم أنهم كانوا يتنافسون في إنزال المهاجرين واستضافتهم في بيوتهم ، وكانوا كما قال الله تعالى عنهم : ( والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجرإليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) .
ثم زاد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحب والإيثار قوة بعقد المؤاخاة بينهم وبين المهاجرين ، فجعل كل أنصاري ونزيله أخوين ، وكانوا تسعين رجلاً نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار ، فآخى بينهم على المؤاساة وأنهم يتوارثون فيما بينهم بعد الموت ، دون ذوي الأرحام ، ثم نسخ التوارث وبقيت المؤاخاة ، وكانت قد عقدت في دار أنس بن مالك رضي الله عنه وعنهم أجمعين .
وكان من حب الأنصار لإخوانهم المهاجرين أنهم عرضوا نخيلهم على النبي صلى الله عليه وسلم ليقسم بينهم وبين إخوانهم المهاجرين ، فأبى فقالوا : إذن تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة فقبل ذلك .
وكان سعد بن الربيع أكثر الناس مالاً ، فقال لأخيه المهاجر عبد الرحمن بن عوف : اقسم مالي نصفين ولي امرأتان ، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي ، أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها ، قال عبد الرحمن : بارك الله في أهلك ومالك ، أين سوقكم ؟ فدلوه على سوق بني قينقاع ، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن ، وما هي إلا أيام حتى اكتسب مالاً وتزوج امرأة من الأنصار .

تأسيس المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية :

كانت هذه المؤاخاة ربطاً بين فرد من المهاجرين وبين فرد من الأنصار ، وحيث إن المسلمين صاروا – بعد اجتماعهم بالمدينة – أمة مستقلة فقد كانوا في حاجة إلى تنظيم اجتماعي ، وإلى تعريف بالواجبات والحقوق الإجتماعية ، وإلى إبراز النقاط التي تجعلهم أمة واحدة مستقلة عن الآخرين .
وكانت في المدينة طائفتان أخريان سوى المسلمين ، تختلفان عنهم في العقيدة والدين ، والمصالح والحاجات ، والعواطف والميول ، وهم المشركون واليهود ، فعقد النبي صلى الله عليه وسلم فيما بين المسلمين ميثاقاً ، وفيما بينهم وبين المشركين وفيما بينهم وبين اليهود ميثاقاً آخر وكتب بذلك كتاباً قرر فيه :
1 – أن المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس .
2 – وأن أداء ديتهم وفداء أسيرهم بين المؤمنين يكون حسب العرف السابق وأنهم ينصرون المؤمنين في الفداء والدية .
3 – وأنهم يقومون ضد المفسد والباغي والظالم كيد واحدة ، ولو كان ولد أحدهم .
4 – وأنه لا ي*** مؤمن مؤمناً بكافر ، ولا ينصر كافرأ على مؤمن .
5 – وأن ذمة الله واحدة ، فيجير عليهم أدناهم .
6 – وأن من تبع المسلمين من اليهود فله النصر والأسوة .
7 – وأن سلم المسلمين واحدة .
8 – وأن من *** مؤمناً قصداً يقتص منه ، إلا أن يرضى ولي المقتول ، ويجب على المؤمنين أن يقوموا ضد القاتل .
9 – وأنه لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثاً لأو يؤويه .
10 – وأنهم إذا اختلفوا في شيء فإن مرده إلى الله ورسوله .
زيادة على هذا الميثاق بين النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين حق الأخوة الإسلامية في أوقات ومناسبات شتى ، وحضهم على التعاون والتناصر ، والتعاضد والتكاتف ، والمؤاساة وإسداء الخير ، حتى سمت هذه الأخوة إلى أعلى قمة عرفها التاريخ .
وأما المشركون فكانوا على وشك الإنهيار ، حيث أسلمت أغلبيتهم مع ساداتهم وكبرائهم ، ، فلم يكن في استطاعتهم الوقوف في وجه المسلمين ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم عليهم : ( أنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ، ولا يحول دونه على مؤمن ) وبذلك انتهى ما كان يخشى منهم .
وأما اليهود فقد تم الإتفاق بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم على الأمور الآتية :
1 – أنهم أمة مع المؤمنين ، ولهم دينهم وللمسلمين دينهم ، وعليهم نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم .
2 – وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ، وعلى من دهم يثرب ، كل يدافع عن جهته .
3 – وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم .
4 – وأن المرء لا يؤخذ بإثم حليفه .
5 – وأن النصرللمظلوم .
6 – وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين .
7 – وأن يثرب حرام لأهل هذه الصحيفة .
8 - وأن ما يكون بينهم من حدث أو اشتجار فإن مرده إلى الله ورسوله .
9 – وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها .
10 – وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم .
وبهذا الميثاق انتظم المسلمون والمشركون واليهود من سكان يثرب في كيان واحد ، وأصبحت المدينة وضواحيها دولة ذات استقلال وسيادة ، والكلمة النافذة فيها للمسلمين ، ورئيسها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ونشط رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعه المسلمون في الدعوة إلى الله ، فكان يحضر مجالس المسلمين وغير المسلمين ، يتلو عليهم آيات الله ، ويدعوهم إلى الله ، ويزكي من آمن منهم بالله ، ويعلمهم الكتاب والحكمة .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 30-11-2010, 03:07 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,781
معدل تقييم المستوى: 20
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

المقاطعة العامة وفرض الحصار

زادت حيرة المشركين إذ نفدت بهم الحيل ، ووجدوا بني هاشم وبني المطلب مصممين على حفظ النبي صلى الله عليه وسلم والقيام دونه كائناً ما كان ، فاجتمعوا في خيف بني كنانة ليدرسوا الموقف الراهن ، ويقضوا فيه ، فاستشاروا ثم استشاروا حتى وصلوا إلى حل غاشم تحالفوا عليه ، وهو أنهم لا يناكحون بني هاشم وبني المطلب ، ولا يبايعونهم ولا يجالسونهم ، ولا يخالطونهم ، ولا يدخلون في بيوتهم ، ولا يكلمونهم ، ولا يقبلون منهم صلحاً أبداً ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لل*** .
تحالفوا على هذا القرار ، وكتبوا بذلك صحيفة علقوها في جوف الكعبة ، وكان الذي كتبها بغيض بن عامر بن هاشم ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشلت يده أو بعض أصابعه .
وانحاز بعض ذلك بنو هاشم وبنو المطلب في شعب أبي طالب ، سواء في ذلك مسلمهم وكافرهم – إلا أبا لهب – وقطعت عنهم الميرة والمادة ، ومنع التجار من مبايعتهم ، فجهد القوم حتى أكلوا أوراق الشجر ، والجلود ، وواصلوا الضر والفاقة ، حتى سمعت أصوات النساء والصبيان يتضاغون جوعاً ، ولم يكن يصل إليهم شيء إلا سراً ، فكان حكيم بن حزام ربما يحمل قمحاً إلى عمته خديجة رضي الله عنها أما هم فكانوا لا يخرجون من الشعب إلا في الأشهر الحرم ، فكانوا يشترون من العير التي تأتي من الخارج ، إلا أن أهل مكة كانوا يزيدون عليهم في الثمن حتى لا يستطيعوا الشراء .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على رغم كل ذلك مستمراً في دعوته إلى الله ولا سيما في أيام الحج حينما كانت القبائل العربية تفد إلى مكة من كل صوب .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 12:52 AM.