اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-02-2018, 06:57 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp بين الشدة والرخاء


بين الشدة والرخاء

كانا يَرقُبانِ صنعَ اللهِ بذلك الإنسان، وكيف تعمل فيه المصيبةُ والشدة مثلما يعمَلُ به الرخاء، فأرادا أن يجعلا لهما في مَيْدان القول كما لهما في ميدان العمل.
*
ابتدرَتِ الشدةُ قائلةً:
• أَمَا ترى لهذا الإنسان كيف تُربِّيه الشدة؛ إذ يفيء إلى ربِّه متضرعًا سائلًا كشفَ البلاء، معترفًا بقَدْرِ نفسه، مُسلِّمًا بضعفِه وفقره وفاقته؟!
*
إنه في ذلك الوقت إنسانٌ آخرُ غير الذي كانَه وقت الرخاء، غافلًا عن حقيقةِ نفسه، ظانًّا أنه متحكِّم بمصيره، مُقرِّر لغدِه ما يريد!
*
إن أحدَهم لَيَظلُّ طالبًا للحياة، متلهفًا على الوصول لقِمَّتِها، باذلًا من مواهبه ومما وهَبَه الله مِن نِعَم وطاقاتٍ ما يُعِينه على الوصول، يصرفه ذلك الهمُّ وتلك الرغبة في التمتُّع بلذائذِ الحياة عن تفقُّد حال نفسه، وتلمُّسِ جوع روحه التي تَذْوِي تحت وَطْأة النفس المتطلبة، فإذا احتوَشَتْه المصائب، وأعجزَتْه طاقته العليلة عن حملها، وارتدَّ بصره خاسئًا كلما أطلَقَه بين الأصحاب يبتغى عونًا أو مشاركةً في الأحمال - هنالك يُدرِك أنه ذليلٌ وحيد، وأن روحه المُقفِرة تصرُخُ طالبةً بعضَ الغيث، فتنحطُّ رحاله على الباب، وتصعَدُ زفراتُه قويةً هادرةً: إني ضعيفٌ محروم! فيأتيه المَدَد مِن فوره وينفتح له الباب، فتروَى جذورُه اليابسة، وتحيا نفسٌ بعد موتها، ويعود يُدرِك أنه كان في الظُّلمة متخبطًا، وأنه الآن أبصَرَ واستضاء، أفلا تكون الشدة حينذاك هديَّةً مِن ربه وعطاءَ كريمٍ يجب له الشكر وغاية الرضا؟
*
ابتسم الرخاء لتلك المدافعة القوية، فقال:
أَمَا إنَّكِ لصادقةٌ فيما قلتِ؛ فكم رأيتُ مَن أصابَتْه الشدة، فعاد بعد أن أوغل في البعد، وأبصَرَ بعد أن سلبَتْه الظُّلمةُ نورَ قلبه!
*
أمَّا الرخاء، فعندي أنه فتنةٌ لا ينتبه لها كثيرٌ مِن الناس، إنهم يرونَها دليلَ رضا وجوازَ مرورٍ لِما ينشُدُه القلب من راحة وصفاء من الهموم!
*
أما فعله في النفس، فكثيرًا ما يصيبها اعتيادُ النِّعَم بنسيان الشكر قولًا وعملًا، إنك لَتَرين إلى رجلٍ رُزِق الزوجة والذرية، فلا يكاد يلتَفِتُ إليهم إلا ساخطًا متبرمًا يبحث عما لا يجده عندهم، ولو التفت لهم قليلًا لعَلِم أيَّ نعمةٍ يرفُلُ فيها، وأي جمالٍ هو عنه ذاهلٌ وغافل، ولو فقدهم في أي لحظة لبكى عليهم دهرَه!
*
وإنك لتنظرين إلى امرأةٍ رُزِقت العافيةَ تُسلِّط لسانَها على مَن هم دونها، وتُكثِر اللوم لهذه وتلك، وتترفَّع عن مدِّ اليد لمن حُرِموا ومَن سقَطوا.
*
وتجدين مَن وُسِّع له في رزقه ينسى أنه قد كان يومًا بائسًا فقيرًا، فلا يُحسِن أو يتفضَّل!
ومَن تقوَّى بمنصبٍ أو جاه، يُعمِل سيف البطش، ويُسرِف في جلب اللعنات!
فهلَّا انتَبَه مَن هؤلاء حالُهم إلى ما هم فيه مِن فتنةٍ قد ينحدرون فيها إلى دَرَكات الحرمان؟
وفي هذا يكمُنُ الابتلاء، وهذا بالضبطِ ما يجعله أقوى في الصقلِ وارتقاء الدرجات.
*
إن الإنسان إذ يكون مُنعَّمًا فتظلُّ حاضرةً في ذهنه أبدًا حقيقةُ أنه عبدٌ مُحتاجٌ لمولاه، فلا يطغى ولا يغفُلُ أو يستَغنِي - لَهُوَ الكسب حقًّا، وإنه لحقيقٌ به في تلك الحالة أن يصبر حتى يجتازَ تلك المَفَازةَ الخادعة، فلا يخلو بنفسه إلا ويُعرِّفها قدرَها لِمَ هي هنا؟ ولم تلك الهدايا بحوزتِها؟ ومتى ستسترد؟ وكيف يَسْتبقيها مدة اختباره؟ وهكذا لا يخرج من محنةِ الرخاء إلا فائزًا مُفلحًا.
*
عقَّبتِ الشدة:
فكلانا إذًا صاحبُ أثرٍ وفعل عظيم في العبد المؤمن، وبقي أن يتبصَّره ويعقِلَه ويعتَبِرَ به.
*
أضاف الرخاء:
ذلك هو الحق، غيرَ أن لكلِّ واحد من عباد الله ما يُناسِبه أو يصلُحُ له، وقد تتنوَّع الحالات، وتتعاقَب الابتلاءات، يومًا هذا، ويومًا ذاك، وما هي جميعًا إلا تلك القضبان على الطريق تُصنع لكيلا يحيد القطار عن طريقه المرسوم، فيَهلِك ويهلِك مَن معه.

فاطمة عبدالمقصود

__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:29 AM.