اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-06-2018, 10:39 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New بلى - يا رب - قد آن


ما أعظم هذا القرآن، وما أحسن تأثيره على النفوس! إنه نور يبحث عن القلوب الغارقة في دياجير الظلام، فيأتيها لينتشلها من ليالي الضلال إلى فجر الهداية والصلاح. آية واحدة منه قد تكون كافية لتغيير مسار إنسان سالكٍ دربَ الغواية، وفي برهة من الزمان يسمع الآية أو يقرؤها وتحضره عناية الله تعالى ساعتئذ فيدع سبل الشر ليسلك بعدها صراط الله المستقيم.
*
فبينا رجل يلاحق الخطيئة، ويركب لها مطايا الليل الدامس، حتى ينال منها بغيته، إذا بالحق يقطع عليه طريقه نحوها، ويقول له: إن بغيتك عندنا ألذ لك وأعظم، فيصل إلى سمعه -وهو يتسلق جدران المعصية- منادي الحق: أنْ انزل؛ فقد آن لك أن تغلق سجل البعد عن ربك، وتفتح سجل القرب إليه، لقد حان هذه الليلة أن تخط على صفحة قلبك بدموع الندامة سطورَ التوبة التي سيشرق منها زهد وعلم يملأ الدنيا نوراً واقتداءً.
*
سمع منادي الحق من غير ميعاد يأتيه فيه، ولا قصدٍ من مناديه وهو يقرأ آية من سورة الحديد، ومن تلك الآية انطلق الفضيل بن عياض، من قاطع للطريق بين أبيورد وسرخس[1]، وعاشقٍ لجارية يطاردها إلى كناسها، إلى عالم زاهد، وواعظ عابد ملأ سمع الدنيا بزهده وصلاحه. فمن هو الفضيل بن عياض، وما الآية التي هدته إلى الله تعالى، وما خبر ذلك؟

الفضيل بن عياض هو: الإمام القدوة الثبت، شيخ الإسلام، أبو علي الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر، التميمي اليربوعي الخراساني، المجاور بحرم الله. كان عالمًا جليلاً وعابداً صادقًا، من رجال الحديث المعدودين، ومن أعلام الورع المشهورين.
*
قال ابن المبارك: "إن الفضيل بن عياض صدق اللهَ، فأجرى الحكمة على لسانه، فالفضيل ممن نفعه علمه"[2].وقال إبراهيم بن الأشعث: "ما رأيت أحداً كان الله في صدره أعظم من الفضيل، كان إذا ذكر الله، أو ذكر عنده، أو سمع القرآن، ظهر به من الخوف والحزن، وفاضت عيناه، وبكى حتى يرحمه من يحضره، وكان دائم الحزن، شديد الفكرة، ما رأيت رجلاً يريد الله بعلمه وعمله، وأخذه وعطائه، ومنعه وبذله، وبغضه وحبه، وخصاله كلها غيره، كنا إذا خرجنا معه في جنازة لا يزال يعظ، ويذكر ويبكي كأنه مودع أصحابه، ذاهب إلى الآخرة، حتى يبلغ المقابر، فيجلس مكانه بين الموتى من الحزن والبكاء، حتى يقوم وكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها[3].
*
وقال محرز بن عون: "أتيت الفضيل بمكة، فقال لي: يا محرز، وأنت أيضًا مع أصحاب الحديث، ما فعل القرآن؟ والله لو نزل حرف باليمن، لقد كان ينبغي أن نذهب حتى نسمعه، والله لأن تكون راعي الحمر وأنت مقيم على ما يحب الله، خير لك من الطواف وأنت مقيم على ما يكره الله"[4].
*
"كانت قراءته حزينة، شهية، بطيئة، مترسلة، كأنه يخاطب إنسانًا، وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة تردد فيها وسأل، وكانت صلاته بالليل أكثر ذلك قاعداً، يلقى له الحصير في مسجده، فيصلي من أول الليل ساعة، ثم تغلبه عينه، فيلقي نفسه على الحصير، فينام قليلاً، ثم يقوم، فإذا غلبه النوم نام، ثم يقوم هكذا حتى يصبح، وكان دأبه إذا نعس أن ينام، ويقال: أشد العبادة ما كان هكذا"[5].
*
دخل على هارون الرشيد فقال له هارون: عظني. قلت: بماذا أعظك؟ هذا كتاب الله بين الدفتين، انظر ماذا عمل بمن أطاعه، وماذا عمل بمن عصاه، إني رأيت الناس يغوصون على النار غوصًا شديداً، ويطلبونها طلبًا حثيثا، أما والله لو طلبوا الجنة بمثلها أو أيسر لنالوها[6]. وجاء عنه قوله: "كفى بالله محبًا وبالقرآن مؤنسًا، وبالموت واعظًا، وبخشية الله علمًا، وبالاغترار جهلاً"[7].
*
قال محمد بن سعد عنه: "ولد بخراسان بكورة أبيورد، وقدم الكوفة، وهو كبير، فسمع من منصور وغيره، ثم تعبد، وانتقل إلى مكة، ونزلها إلى أن مات بها في أول سنة سبع وثمانين ومئة"[8][9].
*
وقصة هداية الفضيل رحمه الله ذكرها غير واحد، منهم البيهقي حيث ساق بسنده إلى الفضل بن موسى قال: "كان الفضيل بن عياض شاطراً[10] يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته: أنه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليًا يتلو: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16]. قال: فلما سمعها قال: بلى -يا رب- قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خربة وإذا فيها سابلة فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم: حتى نصبح؛ فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين ههنا يخوفونني! وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام"[11].
*
نعم، إنها هداية الله تعالى الذي يهدي من يشاء في الوقت الذي يشاء، فما أجل وقع هذه الآية على قلب الفضيل حيث قطعت منه نياط الاستمرار في المعصية، فأرجعته عن قصده السيئ، وجاء حوار أهل الخربة كالتوقيع النهائي على كتاب التوبة لينطلق بعد ذلك من الفضيل الشاطر المطارِد إلى الفضيل العالم الزاهد العابد.
*
إن هذه الآية الكريمة: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16]. حينما نتدبرها وننظر في جمال أسلوبها الوعظي نجد أنها آية عظيمة تستدعي الالتفات، وتستهوي الأفئدة، وتزجر الجوارح عن خطاياها وتقصيرها. فتقول: " أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي: تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن، فتفهمه وتنقادُ له وتسمع له وتطيعه"[12]. " ألم يحن للذين صدقوا الله ورسوله أن تلين قلوبهم لذكر الله، فتخضع قلوبهم له، ولما نزل من الحقّ، وهو هذا القرآن الذي نزله على رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم"[13]. بلى قد " جاء الحين والأوان لذلك؛ لكثرة ما تردد عليهم من زواجر القرآن ومواعظه"[14].
*
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16]. إلا أربع سنين"[15].
*
إن هذه الآية الكريمة قد تدبرها بعض الصالحين، وأنعم النظر فيها، فأثرت عليه تأثيراً بالغًا:
فعن نافع قال: "كان ابن عمر رضي الله تعالى عنه إذا قرأ: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16]. بكى حتى يغلبه البكاء"[16].
*
وقال ابن الجوزي: عن علي بن المحسن المسوحي عن أبيه أن جعفر بن حرب كان يتقلد كبار الأعمال للسلطان، وكانت نعمته تقارب نعمة الوزارة، فاجتاز يومًا راكبًا في موكب له عظيم، ونعمته على غاية الوفور، ومنزلته بحالها في الجلالة، فسمع رجلاً يقرأ: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16]. فصاح: اللهم بلى، يكررها دفعات، وبكى، ثم نزل عن دابته، وفرق جميع ماله في المظالم التي كانت عليه، وردها وتصدق بالباقي، ثم انقطع إلى العلم والعبادة حتى مات[17].
*
دروس من قصة الهداية:
1- بيان عظم جمال الأسلوب القرآني في وعظه وعتابه، ودعوته إلى التوبة ومراجعة النفس.
2- قوة تأثير القرآن الكريم على النفوس، مهما كانت موغلة في العصيان والانحراف.
3- على العاصي مراجعة نفسه، والتعرض لنفحات التوبة، فرحمة الله واسعة.
4- رأينا أثر قيام الليل وقراءة القرآن فيه كيف كانت سببًا للهداية.
*
لا يقنطن أحد من توبة عاصٍ ولو بلغت ذنوبه عنان السماء.

[1] شعب الإيمان، البيهقي (5/ 468).
[2] سير أعلام النبلاء، الذهبي (8/ 425).
[3] سير أعلام النبلاء، الذهبي (8/ 426).
[4] المصدر السابق (8/ 427).
[5] المصدر السابق (8/ 428).
[6] المصدر السابق (8/ 436).
[7] المصدر السابق (8/ 440).
[8] المصدر السابق (8/ 424).
[9] تنظر ترجمة الفضيل في: سير أعلام النبلاء، الذهبي (8/ 421) وما بعدها، الوافي بالوفيات، الصفدي (7/ 186)، وفيات الأعيان، ابن خلكان (4/ 47).
[10] يعني: قاطعًا للطريق.
[11] شعب الإيمان، البيهقي (5/ 468).
[12] تفسير ابن كثير (8/ 19).
[13] تفسير الطبري (23/ 187).
[14] أضواء البيان، الشنقيطي (7/ 547).
[15] رواه مسلم (4/ 2319).
[16] حلية الأولياء، أبو نعيم الأصبهاني (1/ 305).
[17] صفة الصفوة (2/ 469).

عبدالله بن عبده نعمان العواضي

__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:11 AM.