اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-05-2017, 07:16 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New التحذير من الكسب الحرام (خطبة)


الحمد لله، هو الرزاقُ ذو القوة المتين، إلهُ الأولينَ والآخرين، يبسطُ الأرزاقَ من فيض كرمه لعباده أجمعين، نحمده على رزقهِ الأسْنى وعطائِهِ الأَوْفَى، ونسأله السترَ وإصلاحَ الأمر واحتسابَ الأجرِ.
*
يا أخا الإسلام:
عليكَ بتقوى اللهِ إنْ كُنْتَ عَاقِلاً
يَأْتيكَ بالأرْزاقِ منْ حيثُ لا تَدْري
وكيفَ تخْشَى الفَقْرَ واللهُ رازِقٌ
وقدْ رزقَ الأطْيَارَ والحوتَ في البحرِ
ومنْ ظَنَّ أنَّ الرّزْقَ يَأتي بقُوَّةٍ
مَا أَكَلَ العُصْفُورُ شَيْئاً معَ النَّسْرِ
*
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، شارِعُ الحلال والحرام، وواهب الآلاء والنعم الجسام.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، نبي الهداية الرحمانية، ومبعوث العناية الإلهية.
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
*
أما بعد:
فلا يزال دعاء الصالحينَ مدوِّياً في سمعِ الزَّمان: "اللهم ارزقنا من الحلالِ وباركْ لنا فيه وباعد بيننا وبين الحرام كما باعدت بين المشرق والمغرب"، لأن الرزقَ الحلالَ مِفتاحُ الطَّاعَاتِ كما أن الرزقَ الحرامَ أوسع الأبواب لإجتلاب الذنوب والسُخْطِ من ربِّ الأرض والسماوات، وفي الأثر: "من أكل الحلال أطاع الله تعالي شاءَ أَمْ أَبى ومَنْ أَكَلَ الحرامَ عصى الله تعالى شاءَ أَمْ أَبَى".
*
ومن عموم البلْوى في حياة الكثيرِ من الناس في هذا الزمان أنهم لا يُبَالُونَ في مكاسبهم جاءت من أي طريقٍ فيجمعون الحرام مع الحلال في قرنٍ واحدٍ، ويقتحمون في هذا الباب عقباتٍ ما كان السلف الصالح يتخطونها أبداً، وعلى هذا القياس في الموازين قال عبد الله بن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه: "إنكم لتعملون أعمالاً هي أدقُّ في أعينكم من الشَّعْرِ إن كنا لنعُدُّها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبِقَات"، ويقول هذا في خير الأزمان.. فماذا نقول عن زماننا؟ ونحن في السُّوقِ ولسْنَا في العُنُوقِ!.
*
والناس يجمعون المالَ وفُتَاتَ المالِ من أي طريقٍ ولا يجدون في ذلك عوجاً ولا يلقون حرجاً ولا يستشعرون العيبَ إذا امتلأ الجيْب ُما دام لهم وجوهٌ جامدةٌ وقلوبٌ كأنها ميتةٌ ويسمعون من أشباه العلماء طنيناً مُرْجِفاً يحلل الحرام ويضفي عليه القبول، ثم يستزيدون بقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لوابصةَ رضي الله تعالى عنه: [جئتَ تسألُ عن البِرِّ والإثمِ؟ قال: نعم، فقال: استَفْتِ قلبَك، البِرُّ ما اطمأنَّتْ إليه النَّفسُ واطمأنَّ إليه القلبُ، والإثمُ ما حاك في النَّفسِ وتردَّدَ في الصَّدرِ، وإن أفْتاك الناسُ وأَفْتَوْك] (النووي في الأذكار405 وقال: حديثٌ حسنٌ عن وابصة بن معبد الأسدي رضي الله تعالى عنه)، ومن هنا غدا كاسب الحرام وآكله يراجع العلماء والصالحين باستفتاء قلبه، وقلبه مأوى العطب والمرض ويجب عليه أن يتحرز من مراجعة مثل هذا القلب فهو ليس مثل أصحاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في تقواهم.
*
وفوق ذلك إنما تجب المعاتبة للنفس وخصوصاً لمن درج على الاستخفاف في أمر المكاسب أو التشبع بالحرام، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وإن أفْتاك الناسُ وأَفْتَوْك)، فمهما أعاد وأزاد من يدعي العلم ويتجرأ على الفتيا فيجب على المسلم أن يكون في مواطن الاحتياط من الأخطار في ما تحتويه يده من المال، وليتذكر دوماً أن الدنيا بما فيها إلى فناءٍ وانقضاءٍ:
أيا من عاش في الدنيا طويلاً
وأفنى العمر في قيلٍ وقالِ
واتعب نفسه فيما سيفنى
وجمَّعَ من حرامٍ أو حلالِ
هب الدنيا تقادُ إليك عفواً
أليس مصير ذلك للزوالِ؟!
*
وإذا تحدثَ زمانُنَا عن كثيرٍ من أبنائِهِ فإنَّهُ يصفُ الصورةَ الحقيقيةَ الماثِلَةَ غيرَ متجانفٍ لكذبٍ بين رشاوَى وتَقَاضِي أموالٍ طائلةٍ تحت ادِّعاء أعمالٍ وهميةٍ وزاد التعدي على الملكية العامة في الأراضي والسواحل والمركبات، ولم يعد المرء يُبالي أَأَدْخَلَ جوف أولاده ووالديه وزوجته لقمةً حلالاً أم حراماً؟، والمهم لديه اكتناز أَوْهامِ الكثرة الخيالية، وللأسف الشديد غَدَتْ هذه بصمةُ الوقتِ ولغةً الزَّمانِ!.
*
المكاسب المحرَّمة بلاءٌ مستطيرٌ:
وقد أمر الشرع الحنيف بالبحث عن الحلالِ وتحرّيه وحذَّرَ من الحرامِ وأكْلِهِ لأن المكاسب المحرمة نقمةٌ شديدة الوطأةِ على العبد في دنياه وأخراه، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: [أيها الناسُ: إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّبًا، وإنَّ اللهَ أمر المؤمنين بما أمر به المرسل فقال: ﴿ يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51] وقال: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجلَ يطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبَرَ يمدُّ يدَيه إلى السماءِ يا ربِّ يا ربِّ ومطعمُه حرامٌ ومشربُه حرامٌ وملبَسُه حرامٌ وغُذِيَ بالحرام فأَنَّى يُستجابُ لذلك]؟ ( صحيح مسلم 1015 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه)، وأمر الله تعالى جموع البشر من بني آدم بقصد الحلال في المطعم وبيَّنَ أنَّ أَكْلَ الحرام فيه طاعةٌ للشيطان فقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168].
*
فيا ويل من تسول له نفسه التعدي على مال الله بغير كسبٍ حلالٍ كأن يكون من عرق الجبين وكَدِّ اليمين أو مالاً موروثاً أو موهوباً، وخلاف ذلك تغشى المكاسب صورٌ فيها دخنٌ كثيفٌ ومحاذيرٌ شديدةٌ، ومن حديث خولة الأنصارية رضي الله تعالى عنها أنها قالت: سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: [إنَّ رجالًا يَتَخَوَّضُونَ في مالِ اللهِ بغيرِ حقٍّ، فلهمُ النارُ يومَ القيامةِ] (صحيح البخاري 3118)، ولا نامت أعين السُّرَّاقِ بالباطل لأموال الناس تحت أيِّ مُسمى، خيرٌ لهم من الكسب الحرام لعق التراب بدلاً من تجرع مرارة الندم يوم القيامة، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: [..... ولئن يأخذ ترابا فيجعله في فيه خير له من أن يجعل في فيه ما حرم الله عليه] (أحمد شاكر في مسند أحمد 13 /273 وقال إسناده صحيح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه).
*
وعلى العموم فإن الإنسان إذا خَلَّفَ مالاً حراماً فإنه سيكون زاده إلى النار، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: [إنَّ اللهَ قسَّم بينكم أخلاقَكم كما قسَّم بينكم أرزاقَكم وإنَّ اللهَ يُعطي الدُّنيا من يحبُّ ومن لا يحبُّ ولا يُعطي الدِّينَ إلَّا من يحبُّ فمن أعطاه اللهُ الدِّينَ فقد أحبَّه ولا والَّذي نفسي بيدِه لا يسلَمُ أو لا يسلَمُ عبدٌ حتَّى يسلمَ أو يسلمَ قلبُه ولسانُه ولا يؤمنُ حتَّى يأمنَ جارُه بوائقَه قالوا وما بوائقُه قال غشَمُه وظلمُه ولا يكسِبُ عبدٌ مالًا حرامًا فيتصدَّقُ به فيُقبلُ منه ولا ينفِقُ منه فيُبارَكُ له فيه ولا يتركُه خلف ظهرِه إلَّا كان زادَه إلى النَّارِ إنَّ اللهَ تعالَى لا يمحو السَّيِّئَ بالسَّيِّئَ ولكن يمحو السَّيِّئَ بالحسنِ إنَّ الخبيثَ لا يمحو الخبيثَ] (المنذري في الترغيب والترهيب 3 /19 عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقال المنذري: هو من طريق أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد وقد حسنها بعضهم).
*
وآكِلُ الحرامِ محرومٌ من نعيم الجنة مهما ادَّعَى، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: [كان لأبي بكرٍ غلامٌ يُخرِجُ له الخَراجَ، وكان أبو بكرٍ يَأكُلُ مِن خَراجِه، فجاء يومًا بشيءٍ فأكلَ منه أبو بكرٍ، فقال له الغلامُ: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكرٍ: وما هو؟ قال: كنتُ تَكَهَّنْتُ لإنسانٍ في الجاهليةِ، وما أحسنَ الكَهانَةَ! إلا أني خدَعتُه، فلَقِيَني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكَلْتَ منه، فأدخلَ أبو بكرٍ يدَه، فقَاءَ كلَّ شيءٍ في بطنِه] (صحيح البخاري 3824)، وعن الصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال: [لا يدخلُ الجنَّةَ جسدٌ غُذِيَ بحرامٍ] ( الألباني في صحيح الترغيب 1730 وقال: صحيح لغيره عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه).
*
وقد كان أكابر الأمة أمثال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يراجعون أهل المال في اكتسابه ويتحرون الحلال منه ويخلصونه مما فيه شبهة، فعن زيدِ بنِ أسلمَ عن أبيهِ قال خرج عبدُ اللهِ وعبيدُ اللهِ ابنا عمرَ في جيشٍ إلى العراقِ فلما قفلا مرَّا على أبي موسى الأشعريِّ وهو أميرُ البصرةِ فرحَّبَ بهما وسهَّلَ وقال لو أقدرُ لكما على أمرٍ أنفعُكُما به لفعلتُ، ثم قال: بلى هاهنا مالٌ من مالِ اللهِ أريدُ أن أبعثَ به إلى أميرِ المؤمنينَ وأُسْلِفُكُمَا فتبتاعانِ به من متاعِ العراقِ ثم تبيعانِه بالمدينةِ، فتُؤدِّيانِ رأسَ المالِ إلى أميرِ المؤمنين ويكونُ لكما الربحُ ففعلا وكتب إلى عمرَ بنِ الخطابِ أن يأخذَ منهما المالُ، فلما قدم على عمرَ قال: أكُلَّ الجيشِ أسلَفَكُما، فقال: لا، فقال عمرُ: أدِّيَا المالَ ورِبْحَه، فأما عبدُ اللهِ فسكت وأما عبيدُ اللهِ فقال: ما ينبغي لك يا أميرَ المؤمنين، لو هلك المالُ أو نقص لضَمِنَّاهُ، فقال: أدِّيَا المالَ، فسكت عبدُ اللهِ وراجَعَه عبيدُ اللهِ، فقال رجلٌ من جُلساءِ عمرَ: يا أميرَ المؤمنين لو جعلتَه قَراضًا، فقال عمرُ: قد جعلتُه قَراضًا فأخذ رأسَ المالِ ونصفَ رِبْحِه وأخذا نصفَ رِبْحِه] (ابن حجر العسقلاني في الإصابة 3 /75 بإسنادٍ صحيحٍ عن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما)، فلله درك أيها الفاروق.
*
أثر الحرام على العبادة:
واكتسابُ الحرام وأكْلُه يثقلُ البدنَ ويُمِيتُ الهِمَّةَ ويمْسَخُ الأرواحَ ويؤثر تأثيراً سلبياً على العبادةِ ويُطِيحُ برونقها بل ويحبطها في بعض الصور، وبينما نتعلم قيمة الدعاء بقوله صلى الله عليه وسلم: [الدُّعاءُ هو العبادةُ...] (صحيح ابن حبان 890 عن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما)، لكننا نجد أن طعمةَ الحرام تحبِسُ الدعاء وتبعثره بل تفنيه كأنه ما كان، ومجرد لقمةٍ من الحرام تحبط العمل الصالح بشتى صوره لمدة أربعين يوماً، وأن الجسد الذي نبت لحمه من سحتٍ ومكاسب محرمه له النار يوم القيامة، إذ لمَّا تُلِيَت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ [البقرة: 168]* [فقام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فقال: يا رسول الله: ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمدٍ بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوما، وأيما عبدٍ نبت لحمه من سحتٍ فالنار أولى به] (ابن رجب في جامع العلوم والحكم 1 /260 وقال: إسناده فيه نظر عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما)، وفي حديثٍ سبق قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: [ثم ذكر الرجلَ يطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبَرَ يمدُّ يدَيه إلى السماءِ يا ربِّ يا ربِّ ومطعمُه حرامٌ ومشربُه حرامٌ وملبَسُه حرامٌ وغُذِيَ بالحرام فأَنَّى يُستجابُ لذلك].
*
والمال الحرام يحبط أجور المزكين، بل سيكون عليهم وبالاً ونكالاً يوم القيامة، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: [إذا أدَّيْتَ زكاةَ مالِك فقد قضَيْتَ ما عليك فيه ومَن جمَع مالًا حرامًا ثمَّ تصدَّق به لم يكُنْ له فيه أجرٌ وكان إِصْرُه عليه] (صحيح ابن حبان 3216 عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه).
*
وأكل الحرام واكتسابه يفقد المصلين مشاعر الإخبات لرب الأكوان، ويغلق على العبد في مصلاه باب الخشوع وربما يصلي البدن والقلب غير حاضر وذلك من أثر الحرام الذي استسهله كثيرٌ من الناس، وورد أنه من صلى بثوبٍ يساوي عشرة دراهم وفيه درهمٌ حرامٌ لم يتقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، وكيف يجرؤ مكتسب الحرام على تعلم العلم وتبليغه وذلك من أعظم العبادات وأشرفها، ولا شك أن بابه مغلق وحجابه عن ربه مسدل وسيكون وعظه وعلمه في مهبِّ الريح وربما يسمعه الناس لكنهم لا يستفيدون منه هداية ولا يزيدون بدعوته من الله قرباً.
*
وعلى هذا فطعمةُ الحرام واكتسابُه كَنَارٍ مُتَّقِدةٍ تحرقُ الأخضر واليابس من العبادة وصورها وجوهرها، أو كطاعونٍ فَتَّاكٍ يزوي معه الإيمان شيئاً فشيئاً حتى يصير العبد بالكسب الحرام من المفلسين، وفي ذلك قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: "من أنفق الحرام في الطاعةِ فهو كمن طهر الثوب بالبول والثوبُ لا يطهره إلا الماء والذنبُ لا يكفره إلا الحلال"، وقال وهب بن الورد: "لو قمت قيام السارية ما نفعك حتى تعلم ما يدخل بطنك أحلالٌ أم حرام".
♦ ♦ ♦
*
صورٌ من المكاسب المحرمة:
وقد تغيرت الدنيا بفئامٍ من الناس في هذا الزمن فأضْحَوْا ذا ثراءٍ ونشبٍ بعد أن أكلهم الفقر والعوز منذ أزمانٍ فلجأوا إلى طريق الكسب الحرام وكوَّنُوا ثرواتٍ طائلةً لكنها لا تصنع سعادة في الدنيا ولا تورث نعيماً في الآخرة.
*
من هذه المكاسب على الاختيار:
مالٌ جاء عن طريق الظلم للناس كالغصب والسرقة والاحتكار والغش والرشوة وتطفيف المكيل والموزون وبخس الناس أشياءهم واللعب بالأسواق صعوداً وهبوطاً لحصد ثروات محرمةٍ من دماء وجيوب الجائعين والمحتاجين، هذه صورٌ واقعيةٌ من الملعونين أينما كانوا في السهل أو الجبل أو القرى أو الحضر، لا يزالون يؤدون نشاطهم الخبيث في حرفيةٍ ومهارةٍ.
*
ومن صور الكسب المحرم المقامرة واليانصيب والربا الفاحش الذي حرمه القرآن الكريم في آياته المحكمة، قال الله تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]، وقال الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 130].
*
ومن الكسب المحرم الاتجار في الخمر والخنزير والتماثيل المحرمة وأجور الدجالين والعرافين والكهان والمنجمين والعاملين في المراقص والملاهي المحرمة والمواخير التي تغتال الفضائل وتحث على الرذائل.
ومن الكسب المحرم أكل مال اليتيم مع الوعيد الشديد في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]، ومنه أكل المواريث المفروضة من الله تعالى بين أهل المتوفى وخصوصاً نبذ النساء في هذا الصدد حتى أننا نجد بعض المجتمعات حتى الآن يحرمها حقها طول عمرها في ميراث والدها أو زوجها وإذا تم دفعه إليها أو إلى ورثتها فإنه يجتزئ ويقل إلى ما دون نصفه، وكيف ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: [اللَّهمَّ إنِّي أحرِّجُ حقَّ الضَّعيفينِ اليتيمِ والمرأةِ] (النووي في رياض الصالحين 146 وقال: حديثٌ حسنٌ عن أبي شريح العدوي الخزاعي الكعبي رضي الله تعالى عنه)، ومثله في المسئولية كلُّ ضعيفٍ مثل أجور العمال عند أرباب العمل وحقوق المحجور عليهم وكبار السن عند الأوصياء وحقوق النساء عند الرجال.
*
ومن المكاسب المحرمة تلك البيوع التي نهى عنها الشرع الحنيف كبيع الغرر وبيع العينة والمناجشة وغيرها من الصور التي تنتج مكاسب لا يقرها الإسلام.
ومن أشد أنواع المكاسب المحرمة نهب المال العام أو تضييعه باختلاس ٍ أو استحقاقٍ بلا عمل ولا جهد لأنه يُعَدُّ في باب الغلول، والله تعالى يقول: ﴿ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 161]، وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه: [أنَّ رجلًا مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تُوفِّي يومَ خيبرَ فذكَروه لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: "صلُّوا على صاحبِكم" فتغيَّرت وجوهُ القومِ مِن ذلك فقال: "إنَّ صاحبَكم غَلَّ في سبيلِ اللهِ" ففتَحْنا متاعَه فوجَدْنا خَرَزًا مِن خَرَزِ اليهودِ لا يُساوي درهمينِ]!! (صحيح ابن حبان 4853)، وهذه نهاية غلامٍ قُتِلَ بسهمٍ لكنه يُعَذَّبُ بشملةٍ كان قد غَلَّهَا، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: [أَهْدَى رفاعةُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غلامًا فخرَج به معه إلى خيبرَ فأتى سهمٌ غَرْبٌ فقتَله فقُلْنا: هنيئًا له الجنَّةُ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "والَّذي نفسي بيدِه الشَّملةُ لَتحترقُ عليه الآنَ في النَّارِ غَلَّها مِن المسلِمينَ يومَ خيبرَ" فقال رجلٌ مِن الأنصارِ: يا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصَبْتُ يومَئذٍ شِراكينِ قال: " يُعدَّدُ لك مِثلُهما في نارِ جهنَّمَ"](صحيح ابن حبان 4852).
*
وفي مجال الكسب الحرام فإن هناك من يستغل منصبه لإحراز أموالٍ بغير حق ويحقق ثراءً مفاجئاً في زمنٍ يسيرٍ باسم العمولة أو الهدية وهي في مضمونها رشاوى ناطقة غير خرساء بكنهها ومعناها كما ندد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بابن اللتبية الذي أُهديَ إليه بأكثر من أموال الزكاة.
ولو خلت لخربت فإن في الأمة أشباه الملائكة الكرام ولعلهم في بعض صورهم يشابهون عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وقد أهدى بعضهم إليه شيئاً فرفض فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه قد قبل الهدية قال: هي لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية ولنا رشوة.
♦ ♦ ♦
*
إن سياسة الشرع الحنيف في تضييق موارد الكسب الحرام على المسلمين تدفعهم إلى تحري مرابح الحلال بالعرق والعمل وفي هذا إبعادٌ لهم عن مسالك الكسب الخبيث، وإن الإثراء من طرق المكاسب المحرمة سيؤدي إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء الأقلين والفقراء الذين يمثلون السواد الأعظم وعندها يزيد فقر الفقير ويزيد ثراء الغني، ومن البعد الأخلاقي في السياسة الشرعية تضييق الخناق على الحرف والصنائع التي حرمها الإسلام وحفظ المجتمع منها كونها أمراض فتَّاكة تجب الوقاية منها.
*
وفي الختام:
فإن المال وإن كان حلالاً فإنه لا يستحق كل هذا الإهتمام من مريديه وعشاقه إلا بما يسدُّ الحاجة ويكفي المطالب فكيف بحرامه؟!؛ وقد كانت أعظم الوصايا من سيدنا بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه لصاحبه كميل بن زياد تخص المال واكتسابه وقيمته، قال كميل: [أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بالكوفة فخرجنا حتى انتهينا إلى الجبان فلما أصحر تنفس صعداء ثم قال لي يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها للعلم.... يا كميل بن زياد: العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال، المال ينقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق، يا كميل بن زياد: محبة العالم دين يدان تكسبه الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته، ومنفعة المال تزول بزواله، العلم حاكم والمال محكوم عليه، يا كميل: مات خُزَّانُ المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر] (ابن عساكر في تاريخ دمشق 50 /251وقال:غريب عن كميل بن زيادٍ رضي الله تعالى عنه).
*
وفي الحلال غنيةٌ وبركةٌ ومنحٌ من الله واهب النعم، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: قال لي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: [خُذْ عليكَ ثيابَكَ وسلاحَكَ، ثمَّ ائتِني، فأتيتُهُ وَهوَ يتوضَّأُ فصعَّدَ فيَّ النَّظَرِ ثمَّ طَأطأَهُ فقالَ: إنِّي أريدُ أن أَبعثَكَ على جَيشٍ فيسلِّمُكَ اللَّهُ ويغنِّمُكَ وأرغَبُ لَكَ منَ المالِ رَغبةً صالِحةً قال قُلتُ يا رسولَ اللَّهِ: ما أسلَمتُ من أجلِ المالِ ولَكِنِّي أسلَمتُ رغبةً في الإسلامِ وأن أَكونَ معَ رسولِ اللَّه ِصلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ، فقالَ: يا عَمرٍو نِعمَ المالِ الصَّالحِ للمرءِ الصَّالحِ] (الوادعي في الصحيح المسند 1009 بسندٍ صحيحٍ عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه).
*
ونسأل الله تعالى أن يرزقنا من الحلال وأن يبارك لنا فيه وأن يباعد بيننا وبين الحرام كما باعد بين المشرق والمغرب.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأكرمنا بفضلك عمن سواك.
والحمد لله في المبدأ والمنتهى.

الشيخ حسين شعبان وهدان

__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:30 AM.