اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > قصر الثقافة > القسم العلمى و الصحى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-04-2015, 10:16 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي البصمـة الوراثية

البصمـة الوراثية
عبد الرحمن بن عبد اللّه السند



إن من نوازل العصر ما يُسمى بالبصمة الوراثية، والبصمة هي: "أثر الختم بالإصبع"، وبصمَ بَصماً إذا ختَم بطرف إصبعه كما في المعجم(1)، فالبصمة عند الإطلاق ينصرف مدلولها إلى بصمات الأصابع، وهي الانطباعات أو الآثار التي تتركها الأصابع عند ملامستها سطحاً مصقولاً، وهي لا تتشابه إطلاقاً حتى في أصابع الشخص الواحد، وتتكون كل بصمة من وحدات كيميائية ذات شقين محمولة في المورثات، وموزعة بطريقة مميزة، تفرق بدقة بارعة كلَّ فرد من الناس عن الآخر، وتتكون البصمة منذ فترة الانقسام في البويضة الملقحة، وتبقى كما هي حتى بعد الموت، ويرث كل فرد أحد شقي البصمة من الأب والآخر من الأم، بحيث يكون الشقان بصمة جديدة، ينقل الفرد أحد شقيها إلى أبنائه وهكذا.
كما أن الحامض النووي(dna) يعتبر بصمة جينية لا تتكرر من إنسان إلى آخر بنفس التطابق، وهي تحمل كل ما سوف يكون عليه هذا الإنسان من صفات وخصائص، منذ التقاء الحيوان المنوي للأب ببيضة الأم وحدوث الحمل.
وعلماء الطب الحديث يرون أنهم يستطيعون إثبات الأبوة أو البنوة لشخصٍ ما أو نفيهما عنه من خلال إجراءات الفحص على جيناته الوراثية، فقد دلت الأبحاث الطبية التجريبية على أن نسبة النجاح في إثبات النسب أو نفيه عن طريق البصمات الوراثية يصل في حالة النفي إلى حد القطع، أي: بنسبة 100% أما في حالة الإثبات فإنه يصل إلى قريب من القطع وذلك بنسبة 99% تقريباً.
مجالات استخدام البصمات الوراثية:
ويمكن استخدام البصمات الوراثية في مجالات كثيرة ترجع في مجملها إلى مجالين رئيسين هما:
الأول: المجال الجنائي: وهو مجال واسع يدخل ضمنه الكشف عن هوية المجرمين في حالة ارتكاب جناية ما، أو في حالة انتحال شخصيات الآخرين، ونحو ذلك من المجالات الجنائية.
الثاني: مجال النسب: وذلك في حالة الحاجة إلى إثبات البنوة أو الأبوة لشخص أو نفيهما عنه، وفي حالة اتهام المرأة من وطء شبهة أو زنا.
حكم استخدام البصمة الوراثية في نفي النسب:
أما حكم استخدام البصمة الوراثية في نفي النسب، فإن الشريعة الإسلامية جاءت بطرق معتبرة لإثبات النسب، وهي: الفراش، أو الإقرار، أو البينة، أو القيافة، ولا يجوز نفيه أو إبطاله مهما ظهرَ من أَمارات قد تحمل عليه أو قرائن قد تدل عليه، لأن الشارع الحكيم يحتاط للأنساب، ويتشوّف إلى ثبوتها، ويكتفي في إثباتها بأدنى سبب، فإذا ما ثبت النسب فإنه يتشدد في نفيه، ولا يحكم به إلا بأقوى الأدلة، قال ابن قدامة - رحمه الله -: "فإن النسب يحتاط لإثباته ويثبت بأدنى دليل، ويلزم من ذلك التشديد في نفيه وأنه لا ينتفي إلا بأقوى الأدلة"(1).
ومن تشديد الشارع الحكيم في نفي النسب بعد ثبوته أنه حصر نفيه بطريق واحد هو اللِّعان، واشترط لإقامته شروطاً كثيرة تحد من حصوله وتقلل من وقوعه، وبناء على ذلك فإنه لا يجوز استخدام البصمة الوراثية في نفي نسب ثابت، كما لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللِّعان في نفي النسب بمقتضى نتائجها الدالة على انتفاء النسب بين الزوج والمولود على فراشه، وذلك لأن اللعان حكم شرعي ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، وله صفة تعبدية في إقامته، فلا يجوز إلغاؤه وإحلال غيره محله أو قياس أي وسيلة عليه مهما بلغت من الدقة والصحة في نظر المختصين بها، وإن كان بعض الفقهاء المعاصرين قد ذهبوا إلى جواز الأخذ بالبصمة الوراثية والاكتفاء بها عن اللِّعان إذا دلت نتائجها على انتفاء النسب بين الزوج والمولود على فراشه.
ومع التقدير للقائلين بهذا القول فإن فيه من المصادمة للنصوص الشرعية، والجَرَأءَةُ على إبطالها وإلغاء العمل بها، ما يحمل على رد هذا القول وعدم وذلك؛ لأن الأحكام الشرعية الثابتة لا يجوز إلغاؤها أو إبطال العمل بها إلا بنص شرعي يدل على ذلك. بل لو أقرت الزوجة بصدق زوجها فيما رماها به من الفاحشة فإن النسب يلحق الزوج، لقوله (: "الولد للفراش وللعاهر الحجر"(2)، ولا ينتفي عنه إلا باللِّعان(3).
هذا ومع أنه لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان، فإنه يحسن الاستعانة بها على اعتبار أنها قد تحمل الزوج على العدول عن اللعان، فيما إذا ثبت من خلال نتائج البصمة الوراثية أن المولود على فراشه هو ابنه قد تخلق من مائه، وهذه مصلحة شرعية يدعو إليها الشرع المطهر ويتشوف إليها، لما فيها من تأكد للأصل الشرعي، وهو: أن الولد للفراش، ولما فيها من درء مفسدة اللّعان وضرره، فإن أصرَّ الزوج على طلب اللعان للانتفاء من نسب المولود على فراشه فذلك حق له لا يجوز منعه، بناءً على ما ظهر من نتائج البصمة الوراثية من كون المولود المراد نفيه هو ابنه.
وقد ذكر أحد القُضاة في محكمة الرياض الكبرى أن شخصاً تقدم بطلب الّلعان من زوجته للإنتفاء من بنتٍ ولدت على فراشه، فأحال القاضي الزوجين مع البنت إلى الجهة المختصة بإجراء اختبارات الفحص الوراثي، فجاءت نتائج الفحص بإثبات أبوة هذا الزوج للبنت إثباتاً قاطعاً، فكان ذلك مدعاة لعدول الزوج عن الّلعان، وزوال ما كان في نفسه من شكوك في زوجته، كما زال أيضاً بهذا الفحص الحرج الذي أصاب الزوجة وأهلها جراء سوء ظن الزوج، فتحقق بهذا الفحص مصلحة عُظمى يتشوف إليها الشارع الحكيم ويدعو إليها.
حكم استخدام البصمة الوراثية في إثبات النسب:
أما عن حكم استخدام البصمة الوراثية في إثبات النسب، فنظراً لتشوُّف الشارع الحكيم إلى ثبوت النسب وإلحاقه بأدنى سبب، فإن الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التي يجوز فيها الحكم بثبوت النسب بناءً على قول القافة أمر ظاهر الصحة والجواز، وذلك لأنه إذا جاز الحكم بثبوت النسب بناءً على القافة، والقائف في اصطلاح الشرع: "الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود" والقيافة عند القائلين بها في إثبات النسب إنما تستعمل عند عدم الفراش والبينة وحال الاشتباه في نسب المولود والتنازع عليه، فيعرض على القافة فمن ألحقته به القافة ألحق به.
فإذا جاز الحكم بثبوت النسب بناءً على قول القافه فإن الأخذ بنتائج الفحص بالبصمة الوراثية والحكم بثبوت النسب بناءً على قول خبراء البصمة الوراثية أقل أحواله أن يكون مساوياً للحكم بقول القافة، إن لم تكن البصمة أولى بالأخذ بها؛ لأن البصمة الوراثية يُعتمد فيها على أدلة خفية محسوسة، عُلم بالتجارب العلمية صحة نتائجها الدالة على وجود الشَّبه والعلاقة النسبية بين اثنين أو نفيه عنهما، مما يُحمل على الحكم بمشروعية الأخذ بها في مجال إثبات النسب في الحالات التي يجوز الحكم فيها بقول القافة قياساً عليها. ولما في الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب من تحقيق مصلحة ظاهرة كَتشوُّف الشارع الحكيم إلى اتصال الأنساب، وعدم انقطاعها، ولهذا اكتفى في ثبوتها بأدنى الأسباب.
ولذلك جاء في توصية ندوة الوراثة والهندسة الوراثية ما نصه: "البصمة الوراثية من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية والتحقق من الشخصية ولاسيما في مجال الطب الشرعي، وهي ترقى إلى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية، وتمثل تطوراً عصرياً عظيماً في مجال القيافة الذي يذهب إليه جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه، ولذلك ترى الندوة أن يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب أولى"(4).
وبناءً على ذلك فإنه يمكن الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التالية:
أولاً: حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء.
ثانياً: حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية المواليد والأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.
ثالثاً: حالات ضياع الأطفال واختلاطهم بسبب الحوادث والكوراث وتعذر معرفة أهليهم، وكذا عند وجود جثث لم يتمكن من معرفة هويتها بسبب الحروب أو غيرها.
ومما يجدر أن ننبه إليه أن النسب إذا ثبت بإحدى الطرق الشرعية فإنه لا يجوز نفيه ألبتة إلا عن طريق الِّلعان للأدلة الدالة على ذلك، وأيضاً دلت قواعد الشرع على أنه لا يجوز محاولة التأكد من صحة النسب بعد ثبوته شرعاً، وذلك لاتفاق الشرائع على حفظ الضروريات للحياة الإنسانية، ومنها: حفظ النسب والعرض، ولما جاءت به الشريعة المباركة من جلب للمصالح ودرء للمفاسد؛ ولأن في محاولة التأكد من صحة الأنساب الثابتة قدح في أعراض الناس وأنسابهم؛ ولما يؤدي إليه من مفاسد فإنه يمنع شرعاً.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل من بني فزارة إلى رسول الله (فقال: ولدت امرأتي غلاماً أسود، وهو حينئذ يُعرِّضُ بنفيه. فقال له النبي (: "هل لك من إبل؟ " قال: نعم، قال: "فما ألوانها؟ "، قال: حمر. قال: "هل بها من أَورق؟ "، قال: نعم، قال: "فأنى أتاها ذلك؟ "، قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال "فهذا عسى أن يكون نزعه عرق"(5).
فقد دل الحديث على أنه لا يجوز نفي النسب بعد ثبوته مهما ظهر من أمارات وعلامات تدل عليه، يقول ابن القيم - رحمه الله -: "إنما لم يعتبر الشبه ههنا لوجود الفراش الذي هو أقوى منه"(6).
فإذا كان لا يجوز نفي النسب بعد ثبوته بغير الِّلعان، فإنه لا يجوز أيضاً استخدام أي وسيلة قد تدل على انتفاء النسب ونفيه عن صاحبه، لأن الوسائل لها حُكم الغايات، فما كان وسيلة لغايةٍ محرمة، فإن الوسيلة تكون محرمة، وعلى الجهات المسؤولة منع ذلك والحيلولة دون حصوله، صيانة لأنساب الناس وأعراضهم، ودرءاً للمفاسد والأضرار عنهم.
مدى مشروعية استخدام البصمة في المجال الجنائي:
أما عن مدى مشروعية استخدام البصمة الوراثية في المجال الجنائي، فالبصمة الوراثية تدل على هوية كل إنسان بعينه، وهي أفضل وسيلة للتحقق من الشخصية، ومعرفة الصفات الوراثية المميزة للشخص عن غيره، عن طريق الأخذ من أي خلية من خلايا جسم الإنسان من الدم أو اللعاب أو المني أو البول أو نحو ذلك.
والاستدلال من خلال نتيجة البصمة الوراثية على مرتكبي الجرائم، ومعرفة الجناة عند الاشتباه، سواء كانت جريمة زنا، أو ***، أو سرقة، أو حرابة، أو انتحال لشخصيات الآخرين، أو غير ذلك من أنواع الجرائم، فإنه كما يرى المختصون يمكن الاستدلال عن طريق البصمة الوراثية على مرتكب الجريمة والتعرف على الجاني الحقيقي من بين المتهمين من خلال أخذ ما يسقط من جسم الجاني في محل الجريمة وما حوله، وإجراء تحاليل البصمة الوراثية على تلك العينات المأخوذة، ومن ثم مطابقتها على البصمات الوراثية للمتهمين بعد إجراء الفحوصات المخبرية على بصماتهم الوراثية. فعند تطابق نتيجة البصمة الوراثية، للعينة المأخوذة من محل الجريمة مع نتيجة البصمة الوراثية لأحد المتهمين فإنه يكاد يُجزم بأنه مرتكب الجريمة دون غيره من المتهمين.
وبناءً على ما ذكر عن حقيقة البصمة الوراثية، فإن استخدامها في الوصول إلى معرفة الجاني والاستدلال بها كقرينة من القرائن المعينة على اكتشاف المجرمين، وإيقاع العقوبات المشروعة عليهم في غير قضايا الحدود والقصاص، أمر ظاهر الصحة والجواز للأدلة الشرعية الكثيرة من الكتاب والسنة على جواز الأخذ بالقرائن، والحكم بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي في غير قضايا الحدود والقصاص، هو ما ذهب إليه الفقهاء في المجامع والندوات العلمية الشرعية التي تم بحث هذه المسألة فيها.
البصمة الوراثية لا يثبت بها حد ولا قصاص:
أما أنه لا يثبت بموجبها حد ولا قصاص فلأمرين:
الأول: لأن الحد والقصاص لا يثبت إلا بشهادة أو إقرار دون غيرهما من وسائل الإثبات عند كثير من الفقهاء.
الثاني: لأن الشارع الحكيم يتشوف إلى درء الحد والقصاص، فهما يُدرءان بأدنى شبهة أو احتمال، والشبهة في البصمة الوراثية ظاهرة لا في إثبات هوية صاحب البصمة، فإن البصمة الوراثية تثبت بيقين هوية صاحب الأثر، لكنها ظنية عند تعدد أصحاب البصمات على الشيء الواحد، أو وجود صاحب البصمة قَدراً في مكان الجريمة قبل أو بعد وقوعها، أو غير ذلك من أوجه الظن المحتملة.
المستند الشرعي لجواز الأخذ بالبصمة في المجال الجنائي:
أما المستند الشرعي لجواز الأخذ بالبصمة الوراثية في المجال الجنائي، فلأنها وسيلة لغاية مشروعية، والقاعدة الشرعية تقول: "إن الوسائل لها حكم الغايات"، ولما في الأخذ بها من تحقيق لمصالح كثيرة، ودرء لمفاسد ظاهرة، ومبنى الشريعة على قاعدة الشرع الكُبرى: (جلب المصالح ودرء المفاسد)، وأخذاً بما ذهب إليه جمهور الفقهاء من مشروعية العمل بالقرائن والحكم بمقتضاها، وعملاً بما دَرج عليه الولاة والقضاة، من عهد الصحابة ومن بعدهم في عصور الإسلام إلى يومنا هذا، من استظهار للحق بالقرائن والحكم بموجبها، كما قال ابن القيم - رحمه الله -: "ولم يزل حذاق الحكام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات، فإذا ظهرت لم يقدموا عليها شهادة تخالفها ولا إقراراً"(7)
السبب في عدم الأخذ بالبصمة الوراثية في الحدود والقصاص:
والقول بعدم الأخذ بالبصمة الوراثية في الحدود والقصاص هو قول جمهور الفقهاء، وبينا السبب في عدم مشروعية الأخذ بالبصمة الوراثية في الحدود والقصاص، وذلك لأن الحدود والقصاص لا تثبت إلا بشهادة أو إقرار دون غيرهما من وسائل الإثبات، عند كثير من الفقهاء.
الأخذ بالبصمة الوراثية في قضايا الحدود والقصاص في رأي بعض الفقهاء:
إلا أنه يمكن القول بمشروعية الأخذ بالبصمة الوراثية في قضايا الحدود والقصاص بناءً على ما ذهب إليه بعض الفقهاء من جواز إثبات بعض الحدود والقصاص بالقرائن والأمارات الدالة على موجبها، وإن لم يثبت ذلك بالشهادة أو الإقرار ومن ذلك:
أولاً: إثبات حد الزنا على المرأة الحامل، إذا لم تكن ذات زوج ولا سيد، وهو مذهب المالكية والحنابلة في رواية عن الإمام أحمد فهنا إثبات لحد الزنا بغير إقرار أو شهادة.
ثانياً: إثبات حد الزنا على المرأة الملاعنة، عند نكولها عن اللعان، عند المالكية والشافعية والظاهرية وقول للحنابلة اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -.
ثالثاً: إثبات حد الخمر على من وجد منه رائحته أو تقيأه، وهو مذهب المالكية والحنابلة في رواية عن الإمام أحمد.
رابعاً: إثبات حد السرقة على من وجد عنده المال المسروق.
خامساً: ثبوت القصاص على من وجد وحده قائماً وفي يده سكين عند قتيل يتشحط في دمه.
فلو قيست البصمة الوراثية على هذه المسائل التي أثبت بعض العلماء فيها الحد والقصاص من غير شهود ولا إقرار وإنما أخذاً بالقرينة وحكماً بها، لم يكن الأخذ عندئذ بالبصمة الوراثية والحكم بمقتضاها في قضايا الحدود والقصاص بعيداً عن الحق ولا مجانباً للصواب فيما يظهر قياساً على تلك المسائل؛ لا سيما إذا حَفَّ بالقضية أو الحال من قرائن الأحوال ما يؤكد صحة النتائج قطعاً لدى الحاكم، يقول ابن القيم - رحمه الله -: "فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه، والله - سبحانه - أعلم وأحكم وأعدل أن يمضي طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة، فلا يجعله منها ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها بل قد بين - سبحانه - بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده، وقيام الناس بالقسط. فأي طريق استخراج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له"(8).
وقال - رحمه الله -: "وقد حكم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - والصحابة معه برجم المرأة التي ظهر بها حمل ولا زوج لها ولا سيد، وذهب إليه مالك وأحمد في أصح روايتيه اعتماداً على القرينة الظاهرة".
وحكم عمرو ابن مسعود - رضي الله عنهما - ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة بوجوب الحد برائحة الخمر من فيِّ الرجل أوقيئة خمر؛ اعتماداً على القرينة الظاهرة، ولم يزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتهم، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار، فإنهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب، ووجود المال مع نص صريح لا يتطرق إليه شبهه، وهل يشك أحد رأى قتيلاً يشحط في دمه وآخر قائم على رأسه بالسكين أنه ***ه لاسيما إذا عرف بعداوته.. انتهى كلام ابن القيم - رحمه الله -.
وإذا صحَّ قياس البصمة الوراثية على تلك المسائل وانسحب عليها الخلاف الحاصل في تلك المسائل، سوغ للحاكم عندئذ أن يحكم بأي القولين ترجح عنده بحسب ما يحف بالقضية من قرائن قد تدعوه إلى اثبات الحد أو القصاص بها، فحكم الحاكم بأي قول من القولين يرفع الخلاف الحاصل كما هو إجماع العلماء، ولا لوم على القاضي في الحكم بأحد القولين إذا تحرى واجتهد في معرفة الحق، ونظر في جميع القرائن والأصول ثم حكم بعد التأمل والنظر، بل هذا هو الواجب والمتعين على الحاكم.
الهوامش:
1- ينظر المعجم الوسيط ص60.
2- البخاري (6670) ومسلم (3570) من حديث أبي هريرة.
3- اللعان مأخوذ من اللعن، لأن الملاعن يقول: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وقيل سمّي لعاناً؛ لأن اللعن الطرد والإبعاد، وهو مشترك بينهما (أي المرأة والرجل) فتح الباري (9/440).
4- ينظر (توصيات المؤتمرات إلى الحادي عشر للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية الذي عقد في 2-25-جمادى الآخرة 1419هـ).
5- البخاري (6695) مسلم (3721) أحمد (7169) وغيرهم.
6- الطرق الحكمية (1/324).
7- الطرق الحكمية ص28
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:34 AM.