اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > علوم القرآن الكريم

علوم القرآن الكريم هنا أن شاء الله كل حاجة عن القرآن الكريم من مسموع ومرئي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-11-2017, 06:33 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp ألفاظ القرآن الكريم


يمكن إجمال الخصائص والاعتبارات التي تميزت بها ألفاظ وكلمات القُرْآن في النقاط التالية:
أولًا: روعة اللفظ القُرْآني في نفسه:
فالقُرْآن يتأنق في اختيار ألفاظه، ويضعها في الموضع الذي تؤدي فيه معناها بدقة، بحيث لا يصلح فيه سواها؛ ولذلك لا تجد في القُرْآن ترادفًا، بل كل كلمة تحمل معنى جديدًا، ولا تجد في القُرْآن كلمة معيبة من حيث صورة اللفظ، (حروفه، وحركاته، وسكناته)، ولا استعماله، ولا تجد فيه لفظًا قلقًا مضطربًا أو نابيًا في موضعه.

قال ابن عطية: (كتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد، ونحن تبين لنا البراعة في أكثره، ويخفى علينا وجهها في مواضع؛ لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة وميز الكلام)[1]؛ اهـ.

وتحقيقًا لانتقاء الألفاظ وعذوبتها في القُرْآن، فإن القُرْآن يعمد إلى تهذيب ما قد يعاب من الألفاظ إذا دعا داعٍ بلاغي لوروده (اللفظ) فيه؛ ولهذا ترى في القُرْآن كلمات وألفاظًا يشهد الذوق بحسنها؛ لأنها هذبت ووضعت وضعًا محكمًا، بينما تراها في غير القُرْآن معيبة شاذة.

ذلك كلمة (ضيزى) بمعنى (جائرة)، وهي من أغرب ما في اللغة من الكلمات، بله القُرْآن، ولم يستعملها عربي فيما وصل إلينا من أقوالهم وأشعارهم، وبالرغم من ذلك فقد استعملها القُرْآن الكريم، ووُجد لها حُسن في القُرْآن أضعاف ما لها من الغرابة في غيره.

قال تعالى موبخًا أهل الشرك: ﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ [النجم: 21، 22]، وحُسن هذه الكلمة في هذه الآية يرجع إلى عدة أمور:
أولًا: مناسبة الفاصلة التي قبلها والالتئام معها؛ فالفاصلة التي قبلها تنتهي بالألف المقصورة (الأنثى)، فلو وضعت كلمة (جائرة) وهي قسيمتها في الدلالة، لفاتت المناسبة وحسن الجوار، وضاع الالتئام والتناسق الصوتي.

ثانيًا: أنها جاءت تعليقًا على سلوك معيب، وهو جعلهم الإناث لله سبحانه وتعالى والذكور لهم، فاختير لهم اللفظ القبيح عندهم والغريب.

ثالثًا: أن الآية الأولى: ﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ﴾ [النجم: 21] اشتملت على استفهام إنكاري، والآية الثانية: ﴿ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ [النجم: 22] اشتملت خاتمتها على التهكم، وهما معنيان متناسبان، أولهما (الاستفهام الإنكاري) كالمقدمة للثاني (التهكم)، وهذه الكلمة الغريبة (ضيزى) أليق ما تكون دلالة على التهكم[2].

ومن التحقيق أيضًا لانتقاء الألفاظ في القُرْآن: أن القُرْآن يؤثِر استخدام الألفاظ القصار الثلاثية الأصول، أو الرباعية الأصول، والثلاثية فيه أوفر عددًا من الرباعية؛ ففي القُرْآن الكريم ألف وستمائة وأربعون أصلًا ثلاثيًّا (1640) يتفرع منها ما يزيد على خمسين ألف لفظة، وهي تزيد على نسبة ثمان وتسعين بالمائة (98%) من مفردات القُرْآن، وغير الثلاثي لا يزيد على ثمانمائة لفظة[3]، أما الألفاظ خماسية الأصول فهذه لم يرد منها في القُرْآن شيء؛ لأنه لا وجه للعذوبة في استعمالها، وقد يسبب استعمالها الثقل على اللسان، اللهم إلا ما كان من اسم عرب ولم يكن في الأصول عربيًّا؛ كإبراهيم، وإسماعيل، وطالوت، وجالوت... ونحوها؛ ولا يجيء به مع ذلك إلا أن يتخلله المد كما ترى، فتخرج الكلمة وكأنها كلمتان[4].

أيضًا من شواهد اختيار القُرْآن وانتقائه لألفاظه: أنه يكني عما يكون بين الرجل وزوجته بألفاظ غاية في النزاهة والشرف.
فمرة يكني عنه بالإتيان، وذلك في قوله تعالى: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ ﴾ [البقرة: 223].
ومرة يكني عنه بالرفث، وذلك في قوله تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187].
وأخرى يكني عنه بالغشيان، وذلك في قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا ﴾ [الأعراف: 189].
وأخرى يكني عنه بالقربان، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ [البقرة: 222].
وأخرى يكني عنه باللمس، وذلك في قوله تعالى: ﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ [النساء: 43].
وأخرى يكني عنه بالمسِّ، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ﴾ [آل عمران: 47، مريم: 20].
وأخرى يكني عنه بالنكاح، وذلك في قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ [البقرة: 230].
وأخرى يكني عنه بالمباشرة، وذلك في قوله تعالى: ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 187].

قلت: وذلك كله في جانب الحلال، أما في جانب الحرام فقد شاع كلمة الزنا، وقد تستعمل كلمات أخرى في الدلالة على هذا المعنى تنفيرًا وترهيبًا، مثل: الفاحشة في سورة النساء آية (15)، البهتان في سورة النور آية (16)، البِغاء في سورة النور آية (33)، السوء، السفاح في سورة النساء آية (24، 25)، الإفك في سورة النور آية (11، 12).
*
ثانيًا: اتساق اللفظ القُرْآني ودقته في الدلالة على المعنى (تناول المعنى من سطحه، وأعماقه، وسائر صوره، وخصائصه):
فالقُرْآن يستخدم من الكلمات أدقها دلالة وأتمها تصويرًا بالنسبة إلى نظائرها، فإذا استنفدت اللغة طاقتها ولا تزال بقية من المعنى أو الصورة شاردة وراء حدود البلاغة، اتسعت لها الكلمة القُرْآنية وشملتها عن طريق ما تتسم به من جرس وإيقاع.

فمثلًا كلمة (أغطش) في قوله تعالى: ﴿ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات: 29] متقاربة من حيث الدلالة اللغوية مع كلمة (أظلم)، ولكن (أغطش) تمتاز بدلالة أخرى من وراء حدود اللغة يستقل بها جرس الأحرف المتآلفة التي تكونت منها؛ فالكلمة بهذه الدلالة تعبر عن ظلام انتشر فيه الصمت رغم الركود، وتجلت في أنحائه مظاهر الوحشة، وهذا إحساس ينبعث في النفس من طبيعة الكلمة ووقع حروفها[5].

ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ﴾ [هود: 44]؛ فقد آثر التعبير القُرْآني لفظ (استوت) على غيره، فلم يقل: (رست) أو (استقرت)؛ لأن الاستواء يدل على معنى لا يدل عليه واحد من نظيريه المذكورين.

فالاستواء يدل على الاستقرار والرسو المطمئن مع اعتدال الوضع.

أما الرسو ذو الاستقرار فقد يكون على غير وضع الاعتدال والاطمئنان؛ كأن ترسو السفينة أو تستقر وهي منكسة مثلًا، أو مائلة، والاستقرار المعتدل الوضع هو المعنى المطلوب في جانب نجاة المؤمنين من الهلاك وسلامتهم من الطوفان، ونفي التنكس مطلوب في مكان عم الطوفان فيه وجه الأرض، وغمر الماء النازل من السماء كل سهل ووعر.

فاختار التعبير القُرْآني كلمة (استوت) بدلًا من (رست) أو (استقرت)؛ لئلا يقع في الظن أن تكون السفينة قد تعرضت لشيء من الأخطار، خاصة وأن الله تعالى قال: ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ﴾ [هود: 42]، فهذا أنسب لمقتضى الحال، حتى يعلم المخاطبون عناية الله بعباده المؤمنين[6].

وانظر كذلك إلى قوله تعالى: ﴿ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ﴾ [يوسف: 17]، قد يقول قائل: لم عبر بالأكل وهو عام لا يختص به نوع من الحيوان دون نوع، وكان من الأنسب أن يعبر بلفظ (الافتراس) وهو الأفصح المختار مع السباع؟
والجواب: أن الافتراس هو ال*** وحسب، مأخوذ من (الفرس) الذي هو دق العنق، وإخوة يوسف ادعوا على الذئب أنه أكله أكلًا، وأتى على جميع أعضائه وأجزائه فلم يترك فيه مفصلًا ولا عظمًا؛ خوفًا من أن يطالبهم أبوهم بأثر باقٍ منه يشهد بصحة دعواهم، فعبروا بالأكل ليزيلوا عن أنفسهم المطالبة بأثر من جسد يوسف، ولو عبروا عنه بالافتراس لما أدى هذا المعنى، على أن استعمال لفظ الأكل مع الذئب وغيره من السباع ذائع ومشهور[7].
*
ثالثًا: تناسب وقع (جرس) اللفظ القُرْآني مع مقامه، أو الخاصية التعبيرية للفظ القُرْآني:
هذا ما أوجزته سابقًا في مطلب الخصائص العامة تحت عنوان: (المناسبة بين لفظه ومعناه أو الملاءمة...)، وأزيده تفصيلًا هنا فأقول: المقصود بهذا عدة أمور:
أ‌- في مقام التهديد والوعيد وما أشبه ذلك تأتي ألفاظ القُرْآن قوية عنيفة:
ومن أمثلة ذلك في القُرْآن: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 9 - 19].

انظر إلى قوة التهديد، و*** الألفاظ، وخاصة في قوله تعالى: ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ﴾ [العلق: 15] سنسحبه من مقدم رأسه إلى النار سحبًا شديدًا، وقوله تعالى: ﴿ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾ [العلق: 18] الملائكة الشديدة الغليظة خزنةَ جهنم، إنها كلمات تملأ النفس خوفًا ورعبًا.

ومن أمثلته أيضًا قوله تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ﴾ [الهمزة: 1 - 9].

تأمل هذه السورة، وخاصة في هذه التعبيرات المفزعة المرعبة: ﴿ وَيْلٌ ﴾ هلاكٌ وعذاب ودمار، ﴿ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴾ [الهمزة: 4] طرح بشدة في نار تحطم ما يلقى فيها بعد أكلها لحومهم ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ﴾ [الهمزة: 6] تلتهب التهابًا، ﴿ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ﴾ [الهمزة: 7] ألمها ولهيبها يصل للقلوب بعد أكل اللحوم والجلود، ﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ﴾ [الهمزة: 8] مغلقة لا هرب منها ولا فرار، ﴿ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ﴾ [الهمزة: 9] زِيد في إحكامها عليهم، وإطباقها، وإغلاقها أن شدت أبوابها بأوتادٍ من حديد[8].

قلت: ويقرب من مقام التهديد والوعيد في قوة و*** ألفاظه مقام الهجاء والذم، ومقام التحدي، فلا مداهنة، ولا ليونة، ولا تقصير، بل قوة، وفخامة في الألفاظ وترهيبًا وتعنيفًا؛ ولذلك كان الكافرون يرهبون سماع القُرْآن ويصدون عنه صدودًا، ألم يقل الوليد بن المغيرة: حسبك يا بن أخي، حينما تلا عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾ [فصلت: 13].

ولو تأملنا القُرْآن لوجدنا أن السور المكية حافلة بهذا اللون من الألفاظ، وخاصة قصار السور، والعلة في ذلك أن الفترة المكية كانت إعراضًا، وصدودًا، وتحديًا، وغلظة مع المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأصحابه (رضي الله عنهم).

ب‌- في مقام الترغيب، أو التوجيه والتنبيه، أو التربية والتعليم تبعد ألفاظ القُرْآن عن القوة وال***، وتأتي عذبة رقيقة:
ومن أمثلة ذلك في القُرْآن الكريم قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 10 - 13]؛ فالمقام كما ترى مقام ترغيب؛ حيث رغب سبحانه وتعالى في الصلح، وأننا يجب أن نسارع إليه لأننا إخوة، ولأنه من أسباب الرحمة.

كما أن المقام مقام توجيه وتربية وتعليم، بالتحذير من أمراض اجتماعية خطيرة تهدد بنيان المجتمع، وتقطع أواصر المودة، والحب، والترابط بين أفراده وجماعاته.

وقد جاءت الألفاظ كما ترى سلسة عذبة لا *** فيها، ولا تهديد ولا وعيد، بل تناسب بيسر، وسهولة، وهدوء.

وانظر إلى الترغيب في التوبة من تلك الأمراض الخطيرة؛ حيث بيَّن سبحانه أن الوقوع في تلك الأمراض من ظلم العبد لنفسه ولغيره، فقال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]، ثم رغب في التوبة منها مرة أخرى فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12] دعوة بهدوء إلى التخلي عن هذه الأمراض.

ت‌- في مقام العتاب، سواء أكان عتابًا للنبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين:
تجد ألفاظ القُرْآن وكلماته تنهج نهجًا فريدًا، فتجمع بين العذوبة والرقة، وال*** والقوة؛ لأن العتاب لا يكون إلا عن خطأ، أو تقصير، فحينئذ لا بد من ال*** والقوة، كما أنه يرجى منه العودة إلى الجادة والصواب، فحينئذ لا بد من العذوبة والرقة[9].

ومن أمثلة العتاب في القُرْآن في حق النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67 - 69].

هذه الآيات نزلت عتابًا للمصطفى صلى الله عليه وسلم في قبول الفداء من أسرى قريش في غزوة بدر، وهو عتاب قاسٍ وعنيف، بدأه الله بالاستنكار لهذا الفعل فقال: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 67] حتى يُعمِل ال*** وبشدة في أعدائه، وانظر إلى قوله تعالى: ﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 67] وكأنه سبحانه وتعالى يقول: هواكم ليس تبعًا لما يُرضي الله، وانظر إلى قوله تعالى: ﴿ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 68] فهذا تهديد شديد أيضًا، ولكن خفف من قسوة هذا العتاب و***وانه قوله تعالى: ﴿ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 68]؛ أي: لولا أن الله كتب ألا يعذب أحدًا بجهالة لعوقبتم، أو لولا ما سبق لأهل بدر من أن الله لا يعذبهم لعذبتم، أو لولا كتاب من الله سبق من أنه يغفر لمن عمل الخطايا ثم تاب لعذبتم، أو لولا أن القُرْآن يقتضي غفران الصغائر لعذبتم[10]، ثم انظر إلى قوله تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ [الأنفال: 69] هذا يفيد حِلَّ ما قبِلوه من الفداء، وبالتالي فهو يخفف من قسوة العتاب، ثم انظر إلى قوله تعالى في آخر العتاب: ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 69] فهو بِشارة بالمغفرة والرحمة.

قلت: هكذا جمع القُرْآن في العتاب بين الأمور المتقابلة، ونظمها في سلك واحد بهذه الصورة، ولأمر واحد ومأمور واحد؛ مما يدل على أن القُرْآن الكريم من لدن حكيم خبير، وصدق الله إذ يقول: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1].

ث‌- في مقام التشريع والتفريع تجد ألفاظ القُرْآن وكلماته هادئةً حسنة وسطًا بين القوة والرقة وال*** والعذوبة:
ومن أمثلته في القُرْآن الكريم قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 183 - 185]، هذا نص تشريعي خالص، أُدِّيَ بكلمات حسنة هادئة، حتى في مواطن الإثارة والحث، وانظر إلى قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وقوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184]، ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]كلها ألفاظ هادئة[11].
*
رابعًا: أثر الكلمة القُرْآنية الدلالي والبياني في النظم القُرْآني:
للكلمة القُرْآنية أثر بالغ في بيان المضمون القُرْآني بما تحويه من معانٍ بالغة الدلالة على المضمون، انظر على سبيل المثال إلى كلمة: ﴿ وَأَلْقَيْتُ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [طه: 38، 39]، من المعروف أن الفرعون كان قد أصدر قرارًا ب*** الذكور من بني إسرائيل عند ولادتهم، ولكن الله عز وجل بقدرته وحكمته قضى بنجاة موسى عليه السلام من تنفيذ هذا القرار، وعن طريق الفرعون نفسه، وذلك بأن أوقع حب موسى الرضيع عليه السلام في قلب زوجة الفرعون عند رؤيتها لموسى عليه السلام؛ فالله عز وجل قد أودع في موسى عليه السلام جاذبية لا تقاوم، تلك الجاذبية التي تقطع جذور الكراهية لتحل محلها أواصر المحبة نراها مودعة في قوله تعالى: ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾ [طه: 39]، وجاءت كلمة (ألقيت) لتبين وتوضح لنا أن أسباب المحبة قد طرحت على موسى عليه السلام طرحًا حتى شملته وغطته وتمكنت منه تمكنًا لاصقًا لا فرار ولا فكاك منه، كما أن هذه الكلمة (ألقيت) صورت لنا تلك المحبة بصورة حسية، وأنها أصبحت ملموسة ظاهرة في مواجهة الناظر إلى موسى عليه السلام، فلا يملك إلا أن ينجذب نحوه، ويتعلق به، لا يملك من ذلك فكاكًا ولا ابتعادًا، ومن ثم يبعد عنه من يحاول الاقتراب منه أو مسَّه بسوء، وهذا تمامًا هو ما حدث مع امرأة الفرعون حينما رأت موسى عليه السلام، فلم تملِك إلا أن قالت كما يقص القُرْآن الكريم: ﴿ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 9]؛ فالدلالة البيانية لكلمة (ألقيت) تبدو واضحة جلية، حينما نراها قد حولت الشيء المعنوي - وهو المحبة - إلى شيء حسي ثقيل يلقى ويطرح على موسى، ثم كان وراء ذلك ما كان من التماس المرضعات لموسى حنوًّا عليه وعطفًا وحفظًا لحياته.

مثال آخر: انظر إلى كلمتي (قيعة) و(الظمآن) في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39]، من المعروف أن ظاهرة السراب الخادع يراها الظمآن وغيره، ومن المعروف أيضًا أنها ترى في المكان المنخفض عما حوله (القيعة) والمستوي من سطح الأرض، فلماذا أوثر التعبير بكلمتي (قيعة) و(الظمآن)؟

قلت: إن الظمآن فقط هو الذي يعنيه البحث عن الماء، وهو الذي يلتفت إليه إذا رآه، وهو الذي يتقدم إليه في لهف وشوق ليروي غلته ويطفئ نار ظمئه، وكل ذلك في عَدْوٍ لاهث من أجل الحفاظ على حياته، وهذا هو السر في اختيار التعبير به، حيث نفهم من خلاله الأمل الجارف للكافرين يوم القيامة في أن تنقذهم أعمالهم من هول هذا اليوم، وأن تحفظهم من حرق النار، كما أنه يصور لنا أنهم يتلهفون لرؤية أعمالهم بين أيديهم شافعة لهم، وحائلة بينهم وبين العذاب الأليم، كما يتلهف الظمآن لرؤية الماء لينقذه من عذاب الظمأ.

أما السر في اختيار كلمة (قيعة) فلأن ظهور السراب فيها يكون أبعد من الشك في حقيقة كون ما يرى ماءً حقيقيًّا لا سرابًا؛ وذلك لأن اتساع القيعة يجعل انبساطها أشبه ببحيرة من الماء المتحرك الموج، وهو أمر يدفع الظمآن إلى زيادة الأمل لديه في إنقاذه مما به من عطش يكاد يهلكه، وهذا يعطينا تصورًا لحجم الأمل الذي يملأ نفوس الكافرين يوم القيامة ومدى تصورهم لصحة أعمالهم، ثم إذا بهم يتبينون أنهم كانوا يجرون وراء سراب خادع خلاب، كما هو الحال بالنسبة للظمآن الذي لم يشك لحظة في قرب الارتواء من الماء، ثم إذا به يجد الأرض جدباء جرداء خالية من وجود أي ماء.

... وبعد، فهذه هي خصائص الكلمات في القُرْآن، وميزاتها التي علت بنظم القُرْآن وتركيبه فوق أنماط التعبير الأخرى من اختيار الألفاظ وانتقائها، ومن إصابة عين الدلالة على المعنى، ومن التناسب بين اللفظ وجرسه والمعنى، ومن الأثر الدلالي والبياني للكلمة، ولو أدرت اللغة من ألفها إلى يائها لتضع لفظًا موضع لفظ آخر يسد مسده من كل الوجوه لطلبت مستحيلًا، وعدت كليلًا.
والله أعلم.

[1] "المحرر الوجيز" (1/ 52).
[2] انظر: "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" (ص: 261)، "خصائص التعبير القرآني" (1/ 248، 249).
[3] انظر بحثًا بعنوان "الكلمة القرآنية وعلماء البيان" للدكتور: فضل عباس، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الكويت، السنة الثانية، العدد الرابع، ربيع أول 1406هـ = ديسمبر 1985م (ص: 19).
[4] انظر: "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" (ص: 260)، "خصائص التعبير القرآني" (1/ 246).
[5] انظر: "كمال اللغة القرآنية بين حقائق الإعجاز وأوهام الخصوم" د. محمد محمد داود، دار المنار القاهرة، (ص: 204 - 206).
[6] "خصائص التعبير القرآني" (1/ 261).
[7] انظر: "بيان إعجاز القرآن" للخطابي (ص: 41، 38).
[8] انظر: "زاد المسير" (4/ 489).
[9] انظر: "خصائص التعبير القرآني" (1/ 273، 274).
[10] انظر: "زاد المسير" (2/ 226).
[11] خصائص التعبير القرآني (1/ 278).

الشيخ مسعد أحمد الشايب

__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-11-2017, 07:34 PM
مستر أويس مستر أويس غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 70
معدل تقييم المستوى: 0
مستر أويس is on a distinguished road
افتراضي

هايل وفى تقدم مستمر
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11-11-2017, 04:42 PM
شوشو علوان شوشو علوان غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 67
معدل تقييم المستوى: 7
شوشو علوان is on a distinguished road
افتراضي

جزاك الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 07:34 PM.