اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-08-2017, 08:38 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp بوابة السماء


الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [1].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [2].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [3] * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [4].
*
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ - وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.
قال عز وجل: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [5]. وهذا دليل على المكانة المقدَّسة لمدينة القدس، حيث ربط الله سبحانه وتعالى بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى في الآية الأولى التي افتتحت بها سورة الإسراء وذلك حتَّى لا يفصل المسلم بين هذين المسجدين، ولا يفرِّط في واحد منهما، فإنَّه إذا فرَّط في أحدهما أوشك أنْ يفرِّط في الآخر، فالمسجد الأقصى ثاني مسجد وضع لعبادة الله في الأرض، كما ورد عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أِيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلًا؟ قَالَ: " الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ " قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أِيُّ؟ قَالَ: " ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى " قَالَ: قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: " أَرْبَعُونَ سَنَةً فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ " [6].
*
للمسجد الأقصى وبيت المقدس فضائل جمة وبركات ذُكِرت في كتاب الله وسُنة نبيه صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم، والتي منها:
قبلة المسلمين الأولى: كانت القبلة إلى المسجد الأقصى لمدة ستة أو سبعة عشر شهرًا قبل نسخها وتحويلها إلى الكعبة بيت الله الحرام.
ثاني مسجد وُضِع في الأرض: هو ثاني المساجد في الأرض بعد المسجد الحرام؛ كما ذكر في حديث أبي ذر السابق مُبارك ما فيه وما حوله: هو مسجد في أرضٍ باركها الله حيث قال: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [7] قيل: لو لم تكن فضيلة إلا هذه الآية لكانت كافية، وبجميع البركات وافية.
*
مسرى النبي صَلَى اللهُ عَليهِ وَسلَّم: كان الإسراء من أول مسجد وُضِع في الأرض إلى ثاني مسجد وُضِع فيها، فجمع له فضل البيتين وشرفهما، ورؤية القبلتين وفضلهما.
*
دعوة موسى عَليه السلام: كان من تعظيم موسى عليه السلام للأرض المُقدسة وبيت المقدس أن سأل الله تبارك وتعالى عند الموت أن يُدنيه منها. روى البخاري في صحيحه مرفوعًا: «فسأل موسى الله أن يُدنيه من الأرض المُقدسة رمية بحجر، فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر». قال النووي: "وأما سؤاله -أي موسى عليه السلام- الإدناء من الأرض المُقدسة فلِشرفها، وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم".
سيهزم الجمع يا ‫أقصى وينكسر
ويَكْبِت الله من كادوا ومن مكروا
‫وَعدٌ من اللهِ والرحمنُ مُنْجِزَه
لَسوف تنتفض الأشجار والحَجَر

والله جلَّ في علاه قد جذَّر قدسية المسجد الأقصى في قلوب أتباع شرائعه السماوية السابقة، يحملها كل خلف عن سلفه عقيدة صافية سليمة، في سلسلة من المؤمنين تترى تؤمن بقدسيته، يقودهم نبي تلو آخر إلى ذات الهدف، حتى استقر أمر خلافته صلى الله عليه وسلم ببسط شريعته في المسجد الأقصى لما كان إماماً للأنبياء فيه ليلة الإسراء والمعراج، خاتماً به ما سبق من رسل ورسالات، فالمسجد الأقصى في محطاته الأولى قبلة للموحدين من أتباع النبيين وكأن الشارع الكريم أراد أن يبقي المسجد الأقصى في وجدان المسلمين، خاصة الرعيل الأول منهم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يجعله نَصبَ أعينهم حُكماً وقِبلة.
*
وأما آخر الزمان: فكان هو المكان والزمان الآخر الذي تشد إليه الأمة رغبة ورهبة، تُجمع عنده وحوله إلى عَرَصات الآخرة، لتكون آخر أيام الدنيا بين الأرض والسماء عنده، سيعود الأمر آخر الزمان إلى بلاد الشام، فخلافة آخر الزمان ستكون فيها، ورموز الكفر وساستهم ستكون نهايتهم عليها، فالدجال سي*** في فلسطين على يد عيسى عليه السلام، وي*** خنزير النصارى، ويكسر صليبهم، والإبادة الحقيقية لليهود ستكون هناك ويعاونهم في ذلك الشجر والحجر، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ " [8].
*
إن معركة الأمة الإسلامية مع يهود آخر الزمان معركة إسلامية صرفة لا حزبية فيها ولا قومية ولا مناطقية؛ لأن الحجر والشجر سينادي «يا مسلم» وليس يا ذا القومية الفلانية ولا الحزبية الفلانية.
ومع كل ما يأتي به الدجال من خوارق إلا أن الله يحفظ عنه المسجد الأقصى كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّجَّالِ، وَلَا تُحَدِّثْنِي عَنْ غَيْرِكَ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ مُصَدَّقًا، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَنْذَرْتُكُمْ فِتْنَةَ الدَّجَّالِ، فَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ أَوْ أُمَّتَهُ، وَإِنَّهُ آدَمُ جَعْدٌ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُسْرَى، وَإِنَّهُ يُمْطِرُ وَلَا يُنْبِتُ الشَّجَرَةَ، وَإِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَى نَفْسٍ فَيَقْتُلُهَا ثُمَّ يُحْيِيهَا وَلَا يُسَلَّطُ عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنَّهُ مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ وَنَهْرٌ وَمَاءٌ وَجَبَلُ خُبْزٍ، وَإِنَّ جَنَّتَهُ نَارٌ وَنَارَهُ جَنَّةٌ، وَإِنَّهُ يَلْبَثُ فِيكُمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، يَرِدُ فِيهَا كُلَّ مَنْهَلٍ إِلَّا أَرْبَعَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، وَالطُّورِ، وَمَسْجِدَ الْأَقْصَى، وَإِنْ شَكَلَ عَلَيْكُمْ أَوْ شُبِّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ "[9].. لتكون آخر أيام الصراع بين الحق والباطل في الدنيا عند أبوابه.
*
لذلك؛ مهما هدد اليهود باقتحام المسجد الأقصى أو تدميره أو بناء هيكل مزعوم عليه، فإنه محفوظ بإذن الله، تأكيداً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث معاذ بن جبل: عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ»، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ، - أَوْ مَنْكِبِهِ - ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا»، أَوْ «كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ»، يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ [10].
*
وأن المراد بالعمران الكمال في العمارة، أي عمران بيت المقدس كاملاً مجاوزاً عن الحد وقت خراب يثرب، فإن بيت المقدس لا يخرب.
نعم، إن بيت المقدس لا يخرب وسيبقى عامراً بمآذن تصدح بصوت الله أكبر مدوية في أكنافه.
يا ساكبَ الدمعِ! ما أجرى مآقيها؟
وراعَ قلبَك فاهتزّتْ قوافيها
أهذهِ القُدسُ، أم وجهٌ يُشابهها؟
ما للتصدّعِ يمشي في مبانيها؟
عاثَ اليهودُ بها، لم يتركوا حجَراً
إلا استعاذَ -حزيناً- من أياديها
قل لي: ضللتَ طريقَ القدسِ يا ولدي
وأنّ في القدس ما زالت أهاليها!
*
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفَى، وسلام على عبادِه الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له العليّ الأعلى، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صاحب النّهج السوي والخلق الأسنى، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه.
*
أما بعد:
قضية فلسطين هي قضية جميع المسلمين، هي قضية تجمعت فيها كل المصائب، قضية أرتنا كلَّ عيوبنا، ووضحت خللنا وتناقضنا، قضية مصيرية ارتبطت بها كل القضايا. فلسطين هي ميراث الأجداد ومسؤولية الأحفاد، معراجٌ محمدي وعهدٌ عمَري، فتحها المسلمون بعد وفاة الرسول بست سنوات، وحكموها قرونا طويلة، ثم احتلها الصليبيون فأخرجهم المجاهدون بقيادة صلاح الدين، ثم احتلها اليهود في عصرنا ولن يخرجوا إلا بالجهاد في سبيل الله.
*
بوركت فلسطين في القرآن الكريم ست مرّات، وقدّست مرّة.
والأرض المقدسة أي المطهرة، والتي لا يُعَمِّر فيها ظالم،
لهذا تميزت فلسطين على باقي بقاع الأرض بأنها المقدسة والمباركة.
قال العز بن عبد السلام: "اختلف العلماء في هذه البركة، فقيل بالرسل والأنبياء، وقيل: بالثمار والمياه [11].
*
وقال الطبري[12]: "جعلنا البركة لسكانه في معايشهم، وأقواتهم، وحروثهم وغروسها فهذه البركة غير مقيدة ولا محدودة، فهي شاملة لكل أنواع البركة، البركة الإيمانية، والبركة الأخلاقية، والبركة التاريخية، والبركة السياسية، والبركة الاجتماعية، والبركة الجهادية، وهذه البركة ربانية ثابتة مستقرة، ولن ينجح الأعداء في انتزاعها وتفريغها منها، مهما بذلوا من جهود. وبركة فلسطين وبيت المقدس نوعان هي:
1- البركة المعنوية: حيث "بعث في بلاد الشام الكثير من الأنبياء، فانتشرت في العالمين شرائعهم، وآثارهم الدينية؛ وهي البركات الحقيقية" وعلى سبيل المثال: فقد" عاش فيها من الرسل: داود وسليمان وعيسى وهاجر إليها: إبراهيم ولوط، فهي مهبط الملائكة،ومرقد الأنبياء،ودفن في القدس: بعض الصحابة والتابعين، والكثير من العلماء".
*
وفي ليلة الإسراء والمعراج.. كانت أول صلاة جماعة تقام على وجه الأرض...وكانت في المسجد الأقصى. وفي ليلة الاسراء والمعراج جمع الله الأنبياء جميعا من أولهم إلى أخرهم فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ابن كثير: "فدل هذا على أنه الإمام الأعظم والرئيس المقدم"، قال الله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1] [13].
*
2-البركة الحسية: وهي: بكثرة الماء، والشجر، والثمر، والخصب، وطيب العيش، ومعلوم أن بلاد الشام وعلى الأخص فلسطين، تتمتع بهذا النوع من البركة والخير.
أيها المسلمون ان موقف اليهود اليوم لم يختلف عن موقفهم بالأمس فهم ملة واحدة يتوارثون الخبث، من صفاتهم التكذيب لكل الرسل فهم أعداء كل دعوة للسلام والإسلام قال تعالى: ﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾*[14].
*
وقد *** اليهود عامة أنبيائهم والدعاة والمصلحين فيهم، بل إن الله جل وعلا حصر موقفهم - لعنهم الله - بين التكذيب وال*** فقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ﴾ [البقرة: 87] قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾*[15].
*
﴿ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87]
فمن صفاتهم التحريش بين الناس: فإن اليهود كانوا وما زالوا يحرصون على التفريق بين الأمم على قاعدتهم المشهورة (فرق تسد) فقدر روى لنا أهل التأريخ أن اليهود كانوا يمدون الخزرج بالسلاح ليقاتلوا الأوس ويدفعون للأوس المال ليقاتلوا الخزرج، بل كان بعضهم يخرج مع الأوس والآخر يخرج مع الخزرج لتأجيج نار الحرب بينهم. وكانوا يحرصون على التحريش في الإسلام.
*
هذا غيض من فيض واليوم لا نجد مشكلة بين المسلمين إلا وتجد لليهود لهم النصيب الأكبر على اختلاف مشاربهم، كم هي مروعة ومثيرة، تلك الصور والمشاهد التي رأيناها على شاشات الفضائيات.. *** وضرب واليوم يغلقون الأقصى ويشردون أهلنا يستبيحون حرمتهم ومازال الشعب مرابط مضحي نيابة عن الأمة يستحق منا وقفة صادقة للتخفيف عن آلامهم والدفاع عن حياضهم، ومملكتنا الحبيبة بقيادتها الرشيدة وقفت مشكورة مع الشعب الفلسطيني ونصرة للأقصى وهذا لا يستطيع إنكاره إلا جاحد.
فلسطين الحبيبة كيف أغفو
وفي عيني أطياف العذاب
أطهر باسمك الدنيا ولولم
يبرح بي الهوى لكتمت ما بي
فلسطين الحبيبة.. كيف أحيا
بعيداً عن سهولك والهضاب
تناديني السفوح مخضبات
وفي الآفاق آثار الخضاب
تناديني الشواطئ باكيات
وفي سمع الزمان صدى انتحاب
تناديني الجداول شاردات
تسير غريبة دون اغتراب
تناديني مدائنك اليتامى
تناديني قراك مع القباب
ويسألني الرفاق ألا لقاء
وهل من عودة بعد الغياب
غداً سنعود والأجيال تصغي
إلى وقع الخطى عند الإياب
نعود مع العواصف داويات
مع البرق المقدس والشهاب
مع الأمل المجنح والأماني
مع النسر المحلق والعقاب
مع الفجر الضحوك على الصحاري
نعود مع الصباح على العباب
مع الرايات دامية الحواشي
على وهج الأسنة والحراب
*
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في فلسطين.. اللهم ثبت أقدامهم، واربط على قلوبهم، وسدد رميهم، واجمع كلمتهم.. وأيدهم بجندك.. يا قوي يا عزيز.

[1] سورة آل عمران:102.
[2] سورة النساء:1.
[3] سورة الأحزاب:70.
[4] سورة الأحزاب:71.
[5] سورة الإسراء:1.
[6] رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ السنن الكبرى للبيهقي (2/ 607).
[7] سورة الإسراء: 1.
[8] صحيح مسلم (4/ 2239).
[9] مسند أحمد مخرجا (39/ 89).
[10] (سنن أبي داود (4/ 110).
[11] العز بن عبد السلام: ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام، مكتبة المنار: عمان، ص24.
[12] الطبري: تفسير الطبري، 6 /66.
[13] [الإسراء 1]
[14] سورة ص:4.
[15] سورة البقرة:87.

د. أحمد بن حمد البوعلي

__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-08-2017, 08:56 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp بَيْتُ المَقْدِسِ يَشتَكِي

الحمدُ للهِ الذي في السَّماءِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، واصْطَفَى مِن البِقَاعِ الحَرَمِينِ الشَّرِيفَينِ والبيتَ المُقَدَّسَ، الحمدُ للهِ ولَا يَبلغُ حَمْدَه حامدٌ، وأَشكرُه عَلَى نِعَمِه التي لَا يَعدُّها عَادٌّ ولَا يُحيطُ بها رَاصِدٌ، اللهِ الذي جَعَلَ الأيَّامَ دُولًا والأُمَمَ بعضَها لبعضٍ آياتٍ ومَثَلَا.
وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شَرِيكَ لَه، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورَسُولُه، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ والتَّابعينَ، ومَن تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
*
أمَّا بعدُ:
فاتَّقُوا اللهَ - تعالى - وراقِبُوه، وأَطِيعوا أَمْرَهُ ولَا تَعْصُوه، ومَا اسْتُجْلِبَتِ الخِيراتُ إلَّا بطَاعَتِهِ، ومَا مُحِقَتِ الأَحْوَالُ إلَّا بمعصِيَتِهِ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70].
*
عِبَادَ اللهِ: القُدْسُ مَدِينَةُ السَّلَامِ، ومَسْرَى نَبيِّنَا - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ -، ومُجْتَمَعُ المَلَائِكَةِ، ومَهْدُ عَيْسَى، ومُلْكُ سليمانَ بنِ دَاودَ، ومُهَاجَرُ إبراهيمَ الخَلِيلِ - عليهم أفَضَلُ الصَّلاةِ وأتَمُّ السَّلَام -، ومَأْوَى الرِّسَالَاتِ والدِّيَانَاتِ.
*
فقدْ ارْتَبَطَتْ مَكَانَةُ المسجدِ الأَقْصَى في نُفُوسِ المسلمينَ بحَادِثَةِ الإسْرَاءِ والمِعْرَاجِ ارْتِبَاطًا وَثِيْقًا، تلكَ الآيةُ والمُعْجِزَةُ العَقَائِدِيَّةُ التي اخْتُصَّ بِها رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمِ -، وخُلِّدَتْ ذِكْرَاها في الكتابِ العزِيزِ بِكَلِمَاتٍ مُجَلْجِلَةٍ في آذانِ وقُلُوبِ المؤمنينَ إلى يومِ السَّاعةِ:
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].
وكانتْ صَلَاةُ النَّبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - بالأنبياءِ في بيتِ المَقْدِسِ لَيْلَةَ الإسراءِ؛ إعلانًا بأنَّ الإسلامَ هو كلمةُ اللهِ الأخيرةِ إلى البَشَرِ، على يَدِ سَيِّدِ البَشَرِ مُحَمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - وأنَّ آخرَ صِبْغَةٍ لِـ «المسجدِ الأَقْصَى» هي الصِّبْغَةُ الإسلاميَّةُ؛ فالتَصَقَ نَسَبُ المسجدِ الأَقْصَى بهذهِ الأُمَّةِ الوَارِثَةِ.
*
نعمْ، إنَّ القُدْسَ والأَقْصَى - تاريخًا وأرضًا ومُقدَّسَاتٍ ومَعَالِمَ - هي إرْثُ المسلمينِ والمسلمينَ فقطْ، إرْثٌ واجبُ القَبُولِ، مُتَحَتِّمُ الرِّعايةِ، لَازمُ الصَّونِ، إنَّه ليسَ خيارًا يترَدَّدُ فيهِ المُتَرَدِّدُونَ، أو شأنًا يَتَحَيَّرُ فيه المُتَحِيِّرُونَ.
هذهِ المَدِينَةُ المُقَدَّسَةُ التي وجَّهَ النبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - جُلَّ اهتِمَامِهِ - بعدَ أنْ حرَّرَ الكَعْبَةَ مِن الأَوْثَانِ، واستَقَرَّتْ له دَولَةُ الإسلامِ- وَجَّهَ جُلَّ هَمِّهِ تِجَاهَ بيتِ المَقْدِسِ، فَأَرْسَلَ جَيْشًا بقِيادَةِ زيدِ بنِ حَارِثَةَ وابنِ عَمِّهِ جَعْفَرِ الطَّيَارِ وعبدِ اللهِ بنِ رَوَاحَةَ، وَجَّهَهُم إلى مُؤْتَةَ، وهي مِن أرضِ فلسطينَ، وسَالَتْ دِمَاؤهمْ عَلَى ثَرَاهَا، ولمْ يَمُتِ النبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - حتى عَقَدَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ اللِّوَاءَ لِأُسَامَةَ بنِ زيدٍ يَدْفَعُهُ لِمُلَاقَاةِ الرُّوْمِ، هذا اللِّواءُ الذي أَنْفَذَهُ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ- رضيَ اللهُ عنهُ -بعدَ وفاتِ النبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- مُبَاشَرَةً.
*
وَوَجَّهَ الصِّدِّيقُ- رضيَ اللهُ عنهُ -الجيوشَ لِفَتْحِ بلادِ الشَّامِ، وفَتَحَ عمرُو بنُ العَاصِ أكثرَ مُدُنِ فلسطينَ، وكانتْ الجيوشُ التي وَقَفَتْ عَلَى أبوابِ فلسطينَ تحتَ قِيادةِ أَمِينِ هذهِ الأُمَّةِ أبي عبيدةَ عامرِ بنِ الجَرَّاحِ، ورَفَضَ القَسَاوِسَةُ بِبَيْتِ المَقْدِسِ أنْ يُسَلِّمُوا المِفْتَاحَ إلَّا لِخَلِيْفَةِ المسلِمِينَ، فأَرْسَلَ أبو عبيدةَ إلى أميرِ المؤمنين عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ بأنْ يأتيَ لفَتْحِ بيتِ المَقْدِسِ، فأَتَى عَلَى دَابَّتِهِ، وَتَمَّ الفَتْحُ المُبِينُ.
*
وظَلَّتْ القُدْسُ في أيدي المسلِمِينَ عَزِيزَةً شَامِخَةً مُصَانةً حتى احْتَلَّهَا الصَّلِيبِيُّونَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مِن الهِجْرَةِ، وكانَ ذلكَ في عَهْدِ الفَاطِمِيِّينَ غُلَاةِ الشِّيعَةِ الزَّنَادِقَةِ بمِصْرَ، الذين سَلَّمَوا القُدْسَ للصَّلِيبِيِّينَ دُوْنَ أَدْنَى مُدَافعةٍ فَتَكَالَبَتِ الجُيوشُ الصَّلِيبِيَّةُ عَلَى احْتِلَالِ بيتِ المَقْدِسِ، إلى أنْ دَخَلُوها بعدَ حِصَارٍ دَامَ أربعينَ يَوْمًا، ولَيْتَهُم إذْ دَخَلُوها أَوْفَوا بِعُهُودِ الأَمَانِ التي وَعَدُوا بِهَا المُسلِمِينَ، فَلَمَّا دَخَلُوها سَارَ قائدُهم الصَّلِيبيُّ في شَوَارِعِ القُدْسِ ودِماءُ المُسلِمِينَ إلى رُكْبَتَيْهِ، وقَتَلُوا آنذاكَ سَبعِينَ أَلْفَ مُسْلِمٍ، وجَعَلُوا الصَّلِيبَ عَلَى قُبَّةِ الصَّخْرَةِ، وجَعَلُوا مِن المِحْرَابِ مَرْبَطًا لِخُيُولِهم وخَنَازِيرِهِم، وَبَقِيَ الصَّلِيبِيُّونَ إحْدَى وتِسْعِينَ سَنَةً في القُدْسِ، وفَعَلُوا بالمُسلِمِينَ الأَفَاعِيلَ.
*
ثُمَّ بَدَأَ المُسلِمُونَ يَسْتَيقِظُونَ مِن سَباتِهم في عَهْدِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِيِّ، واستَرَدُّوا مَدِينَةَ الرُّهَا، وهي أَوَّلُ مَدِينَةٍ استَرَدُّوهَا مِن الصَّلِيبِيِّينَ، وفَرِحَ المُسلِمُونَ بذلكَ فَرَحًا عَظِيمًا، حتَّى سَمَّوْهَا فَتْحَ الفُتُوحِ، ثُمَّ مَاتَ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِيُّ قَبْلَ أنْ يُكْمِلَ تَحْرِيرَ بيتِ المَقْدِسِ، فَتَوَلَّى الأَمْرَ مِن بَعْدِهِ وَلَدُهُ السُّلْطَانُ العَظِيمُ نُوْرُ الدِّينِ مُحْمُودُ زَنْكِيُّ الزَّاهِدُ العَابِدُ الذي كانتْ لَهُ مَوَاقِفُ عَظِيمَةٌ ضِدَّ الصَّلِيبِيِّينَ، والذي أَعَدَّ مِنْبَرًا لِيَدْخُلَ بِهِ بيتَ المَقْدِسِ يومَ تَحرِيرِهِ لِيَخْطُبَ عليهِ؛ إلَّا أَنَّهُ مَاتَ - رحمه اللهُ - قَبْلَ أنْ يُكَحِّلَ نَاظِرَيْهِ بِفَتْحِ بيتِ المَقْدِسِ.
*
فأَكْمَلَ المَسِيرَةَ بَعْدَهُ البَطَلُ الكَبيرُ صَلَاحُ الدِّينِ الأَيُّوبيُّ حيثُ تَوَجَّهَ صَلَاحُ الدِّينِ لِفَتْحِ بيتِ المَقْدِسِ وَالْتَقَى بالصَّلِيبِيِّينَ في مَعرَكَةِ حِطِّيْنَ العَظِيمَةِ في سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وكانَ عددُ الصَّلِيبِيِّينَ سِتِّينَ أَلْفًا ومعهم مُلُوكُ أورُوبَّا، فانْتَصَرَ عليهم صَلَاحُ الدِّينِ الأَيُّوبيُّ في هذهِ المعرَكَةِ، وكانتْ معرَكَةً عَظِيمَةً لمْ يُسْمَعْ بِهَا إلَّا في زَمَنِ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ، فَمَنْ رَأَى الأَسْرَى قالَ: ليسَ هناكَ قَتِيلٌ، وَمَنْ رَأَى القَتْلَى قالَ: ليسَ هناكَ أَسِيرٌ، فقدْ أَسَرَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وقَتَلَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا، ووَقَعَ كُلُّ مُلُوكِ أورُوبَّا في الأَسْرِ.
*
وَسَارَ صلاحُ الدِّينِ الأَيُّوبيُّ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فحَاَصرَ بيتَ المَقْدِسِ مِن كُلِّ الجَوَانِبِ، حتَّى عَرَضَ وَالِي القُدْسِ مِن قِبَلِ الصَّلِيبِيِّينَ عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ أنْ يَتَنَازَلَ لَهُ عنِ القُدْسِ صُلْحًا، وبعدَ حِوَارَاتٍ ومَشُورَاتِ، وافقَ صلاحُ الدِّينِ على الصلح.
ثُمَّ دَخَلَ المسلمونُ بيتَ المقدسِ فطُهِّرَ المكانُ، وأُنْزِلَ الصَّلِيبُ مِن فَوقِ قُبَّةِ الصَّخْرَةِ، وَعَلَا الأذانُ، وَخَنَسَ صَوتُ القِسِّيسِينَ والرُّهْبَان.
*
وظَّلَ الأَقْصَى تَحتَ أَيدِي المسلِمِين يَخرُجُ ويَعُودُ إلى أنْ نَشَبَتْ حَرْبُ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وتِسْعِمِائَةٍ وألْفٍ مِن الميلادِ، ثُمَّ كانَ تَقسِيمُ فلسطينَ بِقَرَارٍ مِن الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ، وكانَ تَحتَ الانْتِدَابِ البرِيطَانيِّ ووَعْدِ بَلْفُوْر، واجتَمَعَ الخَوَنَةُ كلُّهم عَلَى بِلَادِ المُسلِمِين، وَسَقَطَتِ القُدْسُ، ثُمَّ أَتَتْ بَعْدَ ذلكَ حربُ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وتِسْعِمِائَةٍ وألْفٍ مِن الميلادِ لِتُكْمِلَ عَلَى البَقِيَّةِ البَاقِيَةِ.
*
عِبادَ اللهِ: بعدَ هذهِ الوقائعِ المُتَجَلِّيَةِ في شمسِ الحقائقِ، يَزعُمُ يَهُودُ بِأَحَقِّيَتِهِمْ ببيتِ المَقْدِسِ بِوجُودِ مَبْنَى «هَيْكَلِ سُليمانَ»، وليسَ المقصودُ بهِ هَيْكَلًا عَظمِيًّا لِإنسَانٍ مَيِّتٍ, وإنَّمَا بَقَايَا مَبِانٍ وجُدرَانٍ يَزْعُمُونَ أَنَّها القَصْرُ الذي بَنَاهُ نَبِيُّ اللهِ سُلَيمَانَ- عليهِ وعَلَى نَبيِّنَا أَفضَلُ صَلَاةٍ وسَلَامٍ -, وهو مَعْبَدُ اليهودِ الذي حَاكُوا حَوْلَهُ الأَسَاطِيرَ التي لَا يَسْتَسِيغُها فَمٌ، وَلَا يَقْبَلُهَا عَقْلٌ.
*
ولِيُأصِّلُوا في عَقِيدةِ شُعوبِهم أنَّ مكانَ الهيكلِ هو أرضُ المَسجِدِ الأَقْصَى, وأنَّ المُسلِمِين بَنَوا المَسجِدَ الأَقْصَى عَلَى أَنْقَاضِه, فَيَا لَهَا مِن أُكْذُوبَةٍ إِبْلِيْسِيَّةٍ مُضْحِكَةٍ.
ويَعتَقِدُ اليهودُ كذلكَ أنَّ بِنَاءَ الهَيكَلِ مِن جَدِيدٍ سَيُخْرِجُ مَلِكًا مِن نَسْلِ دَاوودَ - عليه السلام -، يَحكُمُونَ بِهِ العَالَمَ، ويَقتُلُونَ بِهِ غيرَ اليهودِ.
*
عِبادَ اللهِ: منذُ أَكثَرَ مِن ثَلَاثينَ سَنَةً والتَّنْقِيبَاتُ والحَفْرِيَّاتُ جَارِيَةٌ تَحتَ المَسجِدِ الأَقْصَى وحَوْلَه؛ ظَنًّا مِنهمْ أَنَّهمْ سَيَعْثُرُونَ عَلَى الهيكَلِ المَزْعُومِ، مُتَّخِذِينَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِهَدْمِ الأَقْصَى.
وقدْ أَثبَتَ عُلَمَاءُ آثَارٍ مِن اليهودِ أَنفُسِهِم ومِن أرُوبَّا وأَمريكَا الذين شَاركُوا في الحَفْرِيَّاتِ والأَنْفَاقِ تَحتَ الحَرَمِ القُدْسِيِّ، أَثْبَتُوا: أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلهَيكَلِ المَزْعُومِ هذا.
*
فقدْ أَعْلَنَ عَالِمُ اليهودِ «فَانِشْتَايِن» مِن جَامِعَةِ تَلِّ أَبِيْب: «أنَّ الهيكلَ قصَّةٌ خُرَافِيَّةٌ».
وقالَ عَالِمُ آثَارٍ يهوديٌّ آخَرُ: «أنَّهُ بعدَ سبعينَ عامًا مِن الحَفْرِيَّاتِ المُكَثَّفَةِ في فلسطينَ تَوَصَّلَ علماءُ الآثَارِ إلى نَتِيجَةٍ مُخِيْفَةٍ هي: لمْ يكنْ هناكَ أيُّ شيءٍ عَلَى الإطلَاقِ يُشِيرُ لِلهيكَلِ».
*
وهذا حَقٌّ، فَمَا كانَ لِنَبيِّ اللهِ سليمانَ -عليه السلام- أنْ يَبْنِيَ بيتًا يُشْرَكُ فيهِ مَعَ اللهِ لِأَمثَالِ هؤلاءِ اليهودِ الكَفَرةِ، وقد قالَ اللهُ في شَأنِهم: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 30].
وأَمَّا السَّاسَةُ والعَلمَانِيُّونَ مِن بَنِي صُهْيُونَ فَيَرُونَ أنَّ هذهِ العَقَائِدَ الدِّينِيَّةَ التي تُحَرِّكُ صَهَايِنَتِهِمْ فُرْصَةٌ سَانِحَةٌ لِإقناعِ شُعُوبِهمْ وَتَحْرِيكِهمِ نَحْوَ احْتِلَالِ مَنطِقةِ الشَّرْقِ الإسلَامِيِّ، وَبَسْطِ نُفُوذِهمْ فيها؛ لِتَحقِيقِ مَكَاسِبَ سياسيَّةٍ واقتصاديَّةٍ بهذهِ المُعتَقَدَاتِ.
*
أيُّها المؤمنونَ: لَعَلَّ أَخطَرَ مَا عَملَهُ اليهودُ والنَّصارَى مِن حِيْلَةٍ هي أَنَّهمْ خِلَالَ العُقُودِ الماضِيَةِ -عَبْرَ الضَّخِّ الإعلَامِيِّ المُتَكَرِّرِ، والمُرَاوَغَاتِ السِّيَاسِيَّةِ المُتَعَدِّدَةِ - استَطَاعُوا تَحْوِيلَ قَضِيَّةِ احتِلَالِ بيتِ المَقْدِسِ مِن كَوْنِهَا قَضِيَّةً إسلَامِيَّةً عَالَمِيَّةً إلى حَصْرِهَا في العُنْصِرِ العَرَبيِّ؛ لِئَلَّا تَأخُذَ بُعْدًا دِينِيًّا؛ ولِتَحْيِيدِ مِليارِ مُسْلِمٍ مِن غيرِ العَرَبِ عنها، ثُمَّ حَوَّلُوهَا إلى قَضِيَّةٍ إقْلِيمِيَّةٍ شَرْقَ أَوْسَطِيَّةٍ تَهُمُّ دُوَلَ الجوَارِ المُحِيطَةِ بالأرضِ المُحتَلَّةِ، ثُمَّ ضَيَّقُوا هذهِ الدَّائِرَةَ أَكثَرَ لِتُصبِحَ شَأْنًا فلسطِينِيًّا دَاخِلِيًّا، يكونُ تَعَامُلُ اليَهودِ فيه معَ الفلسطِينِيِّينَ مُبَاشَرَةً، ولَا عِلَاقَةَ لِدُوَلِ الجوَارِ بِهِ إلَّا فيما يَخْدمُ المَصَالِحَ الصُّهيونِيَّةَ.
*
نَعَمْ، إنَّهم يُحَاوِلُونَ -بشَتَّى الطُّرقِ - تَحوِيلَ قَضِيَّةِ القُدْسِ مِن كَوْنِهَا قَضِيَّةً دِينيَّةً شَرعيَّةً لِجَعْلِهَا قَضِيَّةً وَطَنِيَّةً كما فَعَلُوا مِن قَبْل، وأكبرُ شيءٍ يُؤَرِّقُهمْ هو بقاءُ الوَهَجِ الدِّينيِّ في هذه القَضِيَّةِ التي ثَبَتَ فيها فَشَلُ المَشَارِيعِ العَلمَانِيَّةِ القَوْمِيَّةِ والوَطَنِيَّةِ، ولمْ يَنْجَحْ إلَّا الشِّعَارُ الدِّينيُّ الإسلاميُّ المعتدل الذي يُرعِبُ اليهودَ وتَرْتَعِدُ فرائِصُهم بِسَبَبِهِ.
*
عِبادَ اللهِ: إنَّ إمَاتَةَ القَضِيَّةِ الفلسطينيَّةِ في قلوبِ المسلِمِين هو تَمْهِيدٌ لِهَدْمِ المَسجِدِ الأَقْصَى، وهو ما يَسْعَى إليهِ الصَّهَاينَةُ وأَعوانُهم المُنَافِقُونَ، وإنَّ إحياءَ قَضِيَّةِ الأَقْصَى في قلوبِ المسلِمِين سيكونُ سَبَبًا في فَشَلِ اليهودِ والمُنَافِقِين عن تَحقِيقِ مُرَادِهم، فَأَحْيُوا -عِبادَ اللهِ - قَضِيَّةَ القُدْسِ وأَرْضِها المبَارَكَةِ في قلوبِكم وقلوبِ أولَادِكم، وفي بيوتِكُم ومَجَالِسِكُم؛ لِيُثْمِرَ ذلكَ دَعْمًا وتَأييدًا وتَثْبِيتًا لِلمُرَابِطِينَ في المَسجِدِ الأَقْصَى وأَكْنَافِهِ.
*
اللَّهمَّ احفظْ المَسجِدَ الأَقْصَى مِن أيدي الغَاصِبِينَ، واجْعَلْه شَامِخًا عَزِيزًا إلى يومِ الدِّينِ برحمَتِكَ يا أرحمَ الراحمينِ.
بارك الله لي ولكم....
*
الخُطبةُ الثَّانيةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ، الرحمنِ الرحيم، مالكِ يومِ الدِّينِ، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شَرِيكَ لَه، المَلِكُ الحَقُّ المُبِينُ، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورَسُولُه، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ، وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ والتَّابعينَ، ومَن تَبِعَهم بإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
معاشرَ المسلِمِين: إنَّ اعْتِدَاءَاتِ اليهودِ عَلَى المَسجِدِ الأَقْصَى وعَلَى أَهلِنَا هناكَ، وإغْلَاقَ أَبْوابِهِ عن تَأْدِيَةِ صَلَاةِ الجُمعةِ في المَسجِدِ الأَقْصَى قَبْلَ أسبوعٍ، سَابِقَةٌ لمْ تَحصلْ منذُ الاحْتِلَالِ الصُّهيونيِّ للقُدْسِ.
*
وهذا يَتَطَلَّبُ مِن المسلِمِينَ في العَالَمِ الإسلَاميِّ اجْتِمَاعَ كَلِمَتِهِمْ دِفَاعًا بِكُلِّ مَا يستَطِيعُونَ عن مَسْرَى نَبَيِّنَا - صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، ودِفَاعًا عن أَهلِنَا في فلسطينَ.
قالَ سماحةُ مُفتِي عامِ المَمْلَكَةِ العَرَبيَّةِ السُّعوديَّةِ - حَفِظَه اللهُ -: «هذه الجَرَائِمُ المُتَكَرِّرَةُ تُوجِبُ عَلَى المُسلَمِينَ تَنْسِيقَ مَوَاقِفِهِمْ؛ لِمَنْعِ قُوَّةِ الاحتِلَالِ مِن العُدْوَانِ عَلَى المَسجِدِ الأَقْصَى وإنهاءِ الاحتِلَالِ الظَّالِمِ, ومَا تَقُومُ بِهِ قُوَّاتُ الاحتِلَالِ مِن إغْلَاقٍ للمَسجِدِ الأَقْصَى والتَّعَدِّي عَلَى المُصَلِّينَ يُعَدُّ انتِهَاكًا لِحُرْمَةِ المَسجِدِ الأَقْصَى واستِفْزَازًا لِمَشَاعِرِ المُسلِمِينَ».
*
عِبادَ اللهِ: فَلْتَعْلَمُوا أنَّ الطَّرِيقَ إلى فلسطينَ لَا يَمُرُّ عَبْرَ إشَاعَةِ الفَوْضَى في بِلَادِ المسلِمِينَ، ولَا بِزَعْزَعَةِ الأُمَّةِ، أوِ التَّخْرِيبِ والتَّفْجِيرِ والاعتِدَاءِ عَلَى مَصَالِحِ الأُمَّةِ المُسلِمَةِ.
بل الواجِبُ المُتَحَتَّمُ هو اليَقَظَةُ والاجتِمَاعُ، والعملُ الجَادُّ، والائتِلَافُ وتَرْكُ الخِلَافِ.
*
فَلَا يَلِيقُ بِأُمَّةِ الإسلَامِ أنْ تَغْرقَ في خِلَافَاتٍ جَانِبِيَّةٍ، ونَظَرَاتٍ إقلِيمِيَّةٍ، أو أَنَانِيَّةٍ؛ إنَّما يَجِبُ أنْ تُقَدِّمَ مَصَالِحَ الأُمَّةِ الكُبرَى عَلَى كُلِّ مَصْلَحَةٍ فَرْعِيَّةٍ، وأنْ تَسمَعَ نِدَاءَاتِ الحَقِّ والعَدْلِ، ومَبَادَرَاتِ الحَزْمِ والعَقْلِ؛ بأنْ تَطْرَحَ الخِلَافَاتِ جانِبًا، وتَتَوَحَّدَ في وَجْهِ الأَزَمَاتِ، ولْيَتَجَسَّدْ فيها معنى قَولِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ﴾ [آل عمران: 103].
*
نسألُ اللهَ - تعالى بِمَنِّهِ وكَرَمِهِ - أنْ يحفظَ المسجِدَ الأَقْصَى مِن مَكْرِ اليهودِ، وأنْ يَرُدَّهم عَلَى أَعقَابِهمْ خِاسِرِينَ، وأنْ يخرجَهم مِن الأرضِ المُبَارَكَةِ أَذِلَّةً صَاغِرِينَ، وأنْ يَنصُرَ إخوانَنَا عليهم؛ إنَّه سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
*
صلوا وسلموا....

أحمد بن عبد الله الحزيمي
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 03-08-2017, 03:23 PM
أبو إسراء A أبو إسراء A غير متواجد حالياً
مشرف ادارى الركن الدينى
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 6,321
معدل تقييم المستوى: 22
أبو إسراء A is a jewel in the rough
افتراضي

جزاكم الله خيرا
__________________
المستمع للقرآن كالقارئ ، فلا تحرم نفسك أخى المسلم من سماع القرآن .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11-08-2017, 04:59 PM
سيناوي كبير سيناوي كبير غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 194
معدل تقييم المستوى: 0
سيناوي كبير is on a distinguished road
افتراضي

جزاكم الله خيرا
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 06:14 AM.