اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإدارى > أرشيف المنتدي

أرشيف المنتدي هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-01-2016, 06:32 AM
الصورة الرمزية صوت الحق
صوت الحق صوت الحق غير متواجد حالياً

رئيس مجلس الادارة ( سابقا )

 
تاريخ التسجيل: Dec 2006
المشاركات: 8,414
معدل تقييم المستوى: 0
صوت الحق is an unknown quantity at this point
افتراضي ما العمل



ما العمل؟

قرأت هذا الكتاب المدهش لأول مرة منذ ثمانية عشر عاما (فى 1998)، ثم زاد

إعجابى به عندما أعدت قراءته منذ أيام قليلة، كما زادت دهشتى من أن يستطيع
أى شخص أن يكتب كتابا مثله وهو فى التسعين من عمره.

الكتاب اسمه «ما العمل؟»، والمؤلف هو المفكر والمؤرخ السورى العظيم قسطنطين
زريق، الذى وصف بأنه شيخ المؤرخين العرب، وأنه داعية العقلانية فى الفكر العربى

الحديث، ذاع صيته عندما نشر كتاب «معنى النكبة» عقب هزيمة 1948 وضياع
فلسطين، ثم استمر يكتب ويحاضر على أمل أن يعود للعرب رشدهم، وينهضوا
من سباتهم الطويل، فكتب (معنى النكبة مجددا)، عقب هزيمة 1967،

واستمعت لمحاضرة رائعة له بالقاهرة فى أوائل التسعينيات

عقب هجوم صدام حسين على الكويت (هل كان اسمها نكبة العرب الثالثة؟)،
ثم نشر هذا الكتاب الصغير (ما العمل؟) قبل وفاته بعامين، ووضع له
عنوانا فرعيا هو «حديث إلى الأجيال العربية الطالعة»، فى محاولة لبث الأمل
من جديد، واضعا أمله هذه المرة فى الأجيال الأصغر سنا، بعد أن اكتشف

ما أصاب الأجيال الأكبر سنا من إعياء يستعصى على العلاج.

خطر للدكتور زريق، قبل أن يعطى الكتاب للنشر عن طريق مركز دراسات الوحدة
العربية، أن يزور القاهرة (وربما فعل هذا أيضا فى عواصم عربية أخري)، ليعطى
مخطوطة الكتاب لبعض المثقفين المصريين ليقرأوه، ثم يجتمع بهم ليستمع الى
ملاحظاتهم قبل أن يطبعه فى صيغته النهائية، وكنت واحدا من هؤلاء، فلفت نظرى
الأسلوب الجزل، واللغة بالغة الرقى، والشعور الصادق بمحنة الأمة العربية، ثم قدرته
على تشخيص الأزمة وأسبابها الداخلية والخارجية، التشخيص الصحيح، وتحليله
للمواقف المختلفة من هذه الأزمة، الصحى منها وغير الصحى، أو على حد تعبيره
(المميت منها والمحيي)، ثم نفوره من الحلول المتعجلة، وإيمانه بأن النهضة مشروع
طويل المدى لا يجوز فيه التعجل.

يفعل «قسطنطين» كل هذا فى أقل من مائة صفحة، فهل يا ترى فقدنا، نحن الجيل
الأصغر، القدرة على رؤية الأمور بهذا الوضوح؟ وفقدنا الثقة الرائعة بإمكان
النهوض؟ هل فقدنا أيضا هذا الاحترام الرائع للغتنا القومية، القادرة على التعبير بكل
هذه الدقة والجمال عما يدور فى رءوسنا؟ هل يحتاج كل هذا إلى رجل ولد مثل
قسطنطين زريق فى سنة 1909، فتعلم بلغة عربية راقية قبل أن يتقن لغة أجنبية،
وقرأ لمؤلفين عظام من العرب القدماء والمعاصرين، قبل أن يشيع التهريج والتزييف
فى الكتابة والتأليف؟.

لم يكن غريبا أن أتذكر هذا الكتاب، وأن أقرأه من جديد بعد أن سمعت أخبار العراك
بين الحكومتين السعودية والإيرانية، وأصابتنى هذه الأخبار بالخوف من أن يستفحل
الأمر، وأن ينتهى النهاية المرسومة له بالضبط: أن يتعامل المسلمون والعرب بالكلام
أولا، ثم بالسلاح، حول قضايا تعود إلى أكثر من ألف عام، ولا يمكن حسمها بالسلاح
ولا حتى بالكلام، فلما قرأت من جديد كتاب قسطنطين زريق وجدت أنه من الممكن
جدا أن يكتب كله الآن، على أن يوجه كما وجهه الى «الأجيال العربية الطالعة»،
إذ لا يبدو أن هناك أى أمل حقيقى فى غير هؤلاء.

يصف المؤلف، فى مقدمة قصيرة، مشاعر العرب، شيوخا وشبابا، حينئذ،
أى فى يناير 1998، فلم أجد فى هذا الوصف كلمة واحدة لا تصلح لوصف أحوالهم
بالضبط الآن، فى يناير 2016، على الرغم من السنوات الخمس التى وصفناها
بـ «الربيع العربي» (نقلا عن معلقين غربيين هم الذين اخترعوا هذا الوصف)،
ويعبر الدكتور زريق عن عجبه من المفارقة بين ما ساد الشعوب العربية

فى الثلاثينيات الى الخمسينيات من القرن العشرين، من مشاعر
«مفعمة بالأمل والحماسة»، والتفاؤل بمستقبل عربى أفضل، برغم أن
أخطار الصراع العربى الصهيونى كانت جاثمة على الصدور، ومن طموح
الى تحقيق شكل من أشكال الوحدة بين البلاد العربية، وبين ما يراه فى نهاية القرن،

واتجاه الأجيال الناشئة الى »تقصد الأغراض المادية« و»السعى الى الانتقال الى بلاد
أخرى تقبلهم وتضمن لهم مطالب العيش حتى لو تطلب ذلك خسران أصلهم
وهويتهم«.
بعد أن يقدم الدكتور زريق تحليلا صحيحا لأسباب هذا «القنوط المستشري»،

الخارجية والداخلية، يقدم تصنيفا رائعا للمواقف المختلفة من المحنة العربية الراهنة،
فيذكر أولا «الغائبين»، وهم الغالبية «المثقلون بأعباء تحصيل لقم العيش ومكافحة

المرض والتخلص من ظلم الحكام والحفاظ على البقاء»، ثم يذكر «الندابين واللوامين
والمستهزئين»، وهم أكثر انتشارا اليوم مما كانوا عند صدور هذا الكتاب، ويصفهم
بأنهم «يكثرون من الندب والنواح لسوء الأوضاع، ويلومون هذا أو ذاك من الحكام
أو من الزعماء.. ويستهزئون بأى أمل فى الإصلاح.. نراهم يرتادون المجالس بل
يتصدرونها بوجوههم المنتفخة، وبطونهم المكورة، وأصواتهم المرتفعة، ينثرون
عبارات النقد والانتقاص فى جميع الجهات، وعلى جميع الناس، مغذين بذلك شعور
الفشل والإحباط».
قد يصدم القاريء أن يجد بعد هذا التحليل السليم لمظاهر المحنة العربية، وأسبابها
الخارجية والداخلية، وللمواقف المختلفة منها، أنه لا يقدم حلا سهلا وعاجلا للخروج
من هذه المحنة، ولكن ما الذى ينتظره القارئ من رجل حكيم، عاش ما يقرب من قرن
بأكمله، وشهد ما شهده من حروب عالمية ومحلية، وثورات وانقلابات، مدنية
وعسكرية، وتتابع مختلف أنواع النظم السياسية، الوطنية وغير الوطنية، وشاهد
العلل تتفاقم والمحن تزداد رسوخا؟ هل يمكن أن يتوقع منه حقا نصيحة تخرجنا مما
نحن فيه بين يوم وليلة؟ بل المتوقع أن يرى رجل مثل قسطنطين زريق الحل فى
عمل طويل المدى، ولكن بدأب وإصرار، تتراكم آثاره الطيبة عبر السنين، كما تراكمت
آثار الفشل والخيانة؟ يجب أن نزيل من أذهاننا، على حد قوله، «إن تحقيق تحررنا
وتقدمنا ممكن بأساليب سحرية، كرفع شعارات، أو ظهور مستبد عادل، أو حدوث
انقلاب سياسى سريع.. إن جميع أسباب التحرر والتقدم التى عددناها، وغيرها مما لم
نعدد، لن تتم وتنتشر فى جوانب المجتمع، وتؤتى ثمارها الطيبة، إلا اذا استندت إلى
قدرتين أساسيتين هما العقلانية والخلقية».

قد يبدو مثل هذا الموقف مثبطا للهمم، فكم نحتاج من وقت لنشر العقلانية، وترسيخ
الالتزام الخلقى؟ والدكتور زريق واع بما يمكن أن يبعثه موقفه هذا من إنكار، فيقول
إن البعض قد ينفرون من هذه «المثالية»، ويتهمون صاحبها بأنه يجعلنا نسهو عن
الواجبات الملحة، أى عن التحرر من تسلط الغير، وعيوبنا الداخلية، قبل أن نتطلع
الى ما بعدها، ولكنه يصر فى نهاية كتابه على أنه «لا تحرر بلا تحضر»، كما
يختمه بفقرة متفائلة بقدرتنا على تحقيق هذا التحضر، فيقول:«ثمة أدلة على أن
الشعوب العربية، على الرغم من المحن والمآسى التى حلت بها حديثا، تملك من
القدرات الممكنة فى هذه المجالات ما يبعث الأمل ويبشر بالخير، والدليل على ذلك
وفرة ما برز من أفرادنا فى البلاد المتقدمة التى نزحوا إليها، واستفادوا من الإمكانات
والوسائل التى أتاحتها لهم، ما يدل على أنهم ليسوا أدنى من سواهم أهلية للتميز
والعطاء الحضارى». نقلا عن الأهرا

__________________


صوت الحق
عصام على
أول رئيس مجلس إدارة
لهذا المنتدى



 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 05:03 PM.