اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حى على الفلاح

حى على الفلاح موضوعات و حوارات و مقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-08-2017, 11:25 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp خطبة عيد الأضحى لعام 1438 هـ


اللهُ أَكبرُ كَبِيرًا، وَالحَمدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبحَانَ اللهِ بُكرَةً وَأَصِيلاً، وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ بَعثَهُ اللهُ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلى اللهِ بِإِذنِهِ وِسَراجًا مُنِيرًا. صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَعَظِّمُوهُ وَكَبِّرُوهُ، فَإِنَّكُم في يَومٍ هُوَ أَعظَمُ أَيَّامِ السَّنَةِ، اجتَمَعَت فِيهِ أَعمَالٌ عَظِيمَةٌ لِلحُجَّاجِ وَالمُقِيمِينَ، صَلاةُ عِيدٍ وَذَبحُ ضَحَايَا، وَأَكلٌ وَشُربٌ وَذِكرٌ للهِ، ورَميُ جَمَرَاتٍ وَذَبحُ هَدَايَا، وَحَلقٌ أَو تَقصِيرٌ وَقَضَاءُ تَفَثٍ، وَوَفَاءٌ بِالنُّذُورِ وَطَوَافٌ بِالبَيتِ العَتِيقِ، وَكُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُفعَلُ تَعظِيمًا لِشَعَائِرِ اللهِ ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، يَعِيشُ المُسلِمُ في دُنيَاهُ بَينَ ابتِلاءٍ وَامتِحَانَاتٍ، وَيَمُرُّ بِهِ في حَيَاتِهِ تَمحِيصٌ وَاختِبَارَاتٌ، وَمَا يَزَالُ مُنذُ بُلُوغِهِ الرُّشدَ إِلى أَن يَلقَى رَبَّهُ، في مَعرَكَةٍ مَعَ النَّفسِ وَالهَوَى، وَمَعرَكَةٍ مَعَ الشَّيطَانِ وَالفِتَنِ وَالمُضِلاَّتِ، وَمَعرَكَةٍ مَعَ الأَعدَاءِ في الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ، وَايمُ اللهِ، لا يَقتَحِمُ كُلَّ العَقَبَاتِ وَيَتَجَاوَزُهَا، إِلاَّ مَن تَغَلَّبَ عَلَى نَفسِهِ وَقَمَعَ هَوَاهَا، وَفي سُورَةِ آلِ عِمرَانَ، أَنزَلَ اللهُ - تَعَالى - أَكثَرَ مِن خَمسِينَ آيَةً بَيِّنَةً، في حَدِيثٍ عَن مَعرَكَةِ أُحُدٍ، دَخَلَ في أَثنَائِهِ حَدِيثٌ عَن غَزوَةِ بَدرٍ، في تَنَوُّعٍ يَنتَقِلُ مِن مَيدَانِ المَعرَكَةِ في الأَرضِ، إِلى مَيَادِينَ أُخرَى في النَّفسِ وَالمُجتَمَعِ، يَنتَهِي بِمُتَأَمِّلِهِ إِلى أَنَّ الانتِصَارَ عَلَى العَدُوِّ الخَارِجِيِّ، لا يَكُونُ إِلاَّ بِالانتِصَارِ عَلَى العَدُوِّ الدَّاخِلِيِّ، وَبِحَسْبِنَا - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - أَن نَأخُذَ مِن تِلكَ الآيَاتِ إِشَارَاتٍ مُقتَضَبَةً ؛ لِنَنتَبِهَ إِلى شَيءٍ مِمَّا يَجِبُ عَلَينَا فَنَأتِيَهُ، وَلِنَعرِفَ بَعضًا مِمَّا حُذِّرْنَا مِنهُ فَنَترُكَهُ، لِيَكُونَ لَنَا بِذَلِكَ العُلُوُّ وَالقُوَّةُ، وَنَنَالَ النَّصرَ بِإِذنِ اللهِ في مَعَارِكِنَا الَّتي مَا زِلنَا نَعِيشُهَا دَاخِلِيًّا وَخَارِجِيًّا، وَيَزدَادُ وُرُودُهَا عَلَينَا يَومًا بَعدَ يَومٍ. وَأَعظَمُ الإِشَارَاتِ الَّتي وَرَدَت في تِلكُمُ الآيَاتِ، أَنَّ الصَّبرَ وَالتَّقوَى وَالتَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ هِيَ أَعظَمُ أَسبَابِ النَّصرِ كَمَا في غَزوَةِ بَدرٍ، وَأَنَّ الإِخلالَ بِهَا وَاقتِرَافَ شَيءٍ مِنَ المَعصِيَةِ وَالتَّعَلُّقَ بِقَلِيلٍ مِنَ الدُّنيَا، كَانَ سَبَبًا فِيمَا أَصَابَ المُسلِمِينَ في أُحُدٍ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123] وَقَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 120] وَمِن لُطفِ اللهِ بِعِبَادِهِ وَإِحسَانِهِ إِلَيهِم أَنَّهُ لَمَّا ﴿ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ ﴾ [آل عمران: 122] مِنَ المُؤمِنِينَ في أُحُدٍ بِالفَشلِ، ثَبَّتَهُمَا وَقَالَ: ﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ﴾ [آل عمران: 122] أَيْ بِلُطفِهِ وَتَوفِيقِهِ لأَولِيَائِهِ لِمَا فِيهِ صَلاحُهُم، وَعِصمَتُهُم عَمَّا فِيهِ مَضَرَّتُهُم، ثم قَالَ: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 122] فَلَيسَتِ الأَسبَابُ المَادِّيَّةُ إِلاَّ طَمأَنَةٌ لِلقُلُوبِ وَتَثبِيتٌ لَهَا، وَأَمَّا النَّصرُ الحَقِيقِيُّ الَّذِي لا مُعَارِضَ لَهُ، فَهُوَ مَشِيئَةُ اللهِ لِنَصرِ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ المُتَوَكِّلِينَ عَلَيهِ، غَيرَ أَنَّ فِعلَ المَعَاصِي ضَعفٌ وَهَزِيمَةٌ وَشَقَاءٌ، وَتَركُهَا قُوَّةٌ وَنَصرٌ وَرَحمَةٌ، وَلِذَا قَالَ - تَعَالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ﴾ [آل عمران: 155] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152] فَأَخبَرَ أَنَّ سَبَبَ انهِزَامِ المُسلِمِينَ في أُحُدٍ وَفِرَارِهِم، إِنَّمَا هُوَ تَسوِيلُ الشَّيطَانِ لَهُم بِسَبَبِ بَعضِ ذُنُوبِهِم، فَهُمُ الَّذِينَ مَكَّنُوهُ مِن أَنفُسِهِم بِمَعصِيَةِ نَبِيِّهِم - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وَإِرَادَتِهِمُ الدُّنيَا، وَإِلاَّ فَقَد كَانُوا أَوَّلَ الأَمرِ مُنتَصِرِينَ حِينَمَا امتَثَلُوا أَمرَهُ، فَلَمَّا خَالَفُوهُ وَمَالُوا إِلى الدُّنيَا، وَنَزَلَ رُمَاتُهُم مِنَ الجَبَلِ لِجَمعِ الغَنَائِمِ، انهَزَمُوا وَأَوقَعَ بِهِمُ المُشرِكُونَ. وَكَمَا تَحصُلُ الهَزِيمَةُ بِطَاعَةِ شَيطَانِ الجِنِّ، فَإِنَّ طَاعَةَ شَيَاطِينِ الإِنسِ أَيضًا تُورِثُ الهَزِيمَةَ وَالخَسَارَ، وَشَرُّ أُولَئِكَ وَأَعظَمُهُم الكُفَّارُ، وَلِذَا جَاءَ النَّهيُ في تِلكَ الآيَاتِ عَن طَاعَتِهِم فَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 149 - 151] فَبَيَّنَ - تَعَالى - أَنَّ طَاعَةَ الكُفَّارِ وُقُوعٌ في أَعظَمِ الشَّرِّ وَهُوَ الكُفرُ، وَعَاقِبَةُ الكُفرِ هِيَ الخَيبَةُ التَّامَّةُ وَالخُسرَانُ المُحَقَّقُ، وَبِهِ تَزُولُ وِلايَةُ اللهِ وَنَصرُهُ لِعِبَادِهِ، حَيثُ وَعَدَ أَنَّهُ سَيُلقِي في قُلُوبِ الكَافِرِينَ الرُّعبَ بِسَبَبِ شِركِهِم، فَإِذَا أَطَاعَهُمُ المُسلِمُونَ وَتَابَعُوهُم عَلَى الكُفرِ وَالشِّركِ وَالطُّغيَانِ، تَسَاوَى الجَمِيعُ في عَدَاوَةِ اللهِ لَهُم وَخُذلانِهِ إِيَّاهُم. وَلِعِظَمِ تَأثِيرِ المَعَاصِي وَحُبِّ الدُّنيَا في حُصُولِ الهَزِيمَةِ، كَانَ الحَدِيثُ في أَثنَاءِ مَعرَكَةِ المَيدَانِ عَن مَعَارِكَ في النُّفُوسِ، وَجَاءَ نَهيُ اللهِ - تَعَالى - عَن أَكلِ الرِّبَا، وَأَمرُهُ بِطَاعَتِهِ وَتَقوَاهُ وَاتِّقَاءِ النَّارِ، ثم حَثُّهُ المُؤمِنِينَ عَلَى المُسَارَعَةِ إِلى المَغفِرَةِ وَالجَنَّةِ، وَتَرغِيبُهُم في أُمُورٍ تَزكُو بها النُّفُوسُ وَتَطهُرُ، وَتَكُونُ الأُمَّةُ أَهلاً لأَن تُعَانَ وَتُنصَرَ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 130 - 136] فَالجَنَّةُ لِلمُتَّقِينَ، وَالمُتَّقُونَ لا يَأكُلُونَ الرِّبَا، بَل يُنفِقُونَ وَيُنفِقُونَ، وَيَكظِمُونَ الغَيظَ وَيَصبِرُونَ، وَيَعفُونَ بَل وَيُحسِنُونَ، ثم هُم رَجَّاعُونَ تَوَّابُونَ مُستَغفِرُونَ، لا يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ، وَكُلُّ هَذِهِ الأَعمَالِ العَظِيمَةِ، تَحتَاجُ إِلى جِهَادٍ لِلنَّفسِ عَظِيمٍ، وَمُقَاوَمَةٍ شَدِيدَةٍ لِدَوَاعِي الشَّرِّ فِيهَا، فَإِذَا انتَصَرَ العِبَادُ فِيهَا عَلَى أَنفُسِهِم، كَانُوا حَقِيقِينَ بِالانتِصَارِ عَلَى عَدُوِّهِم.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، وَحِينَ تَضِيقُ الأُمَّةُ بِالابتِلاءِ، فَلْتَعلَمْ أَنَّهُا لَيسَت في ذَلِكَ وَحدَهَا، فَقَد مَضَت قَبلَهَا أَجيَالٌ مِنَ المُؤمِنِينَ وَأُمَمٌ، امتُحِنُوا وَابتُلُوا بِالكَافِرِينَ، وَلَم يَزَالُوا مَعَهُم في سِجَالٍ وَمُدَاوَلَةٍ، حَتَّى كَانَتِ العَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ وَالنَّصرُ لِلمُؤمِنِينَ ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137] نَعَم، مَن سَارَ في الأَرضِ بِبَدَنِهِ أَو بِقَلبِهِ، عَرَفَ ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137] فَإِنَّهُم عُذِّبُوا بِأَنوَاعٍ مِنَ العُقُوبَاتِ الدُّنيَوِيَّةِ، فَخَوَت دِيَارُهُم، وَتَبَيَّنَ لِكُلِّ أَحَدٍ خَسَارُهُم، وَذَهَبَ عِزُّهُم وَمُلكُهُم، وَزَالَ بَذَخُهُم وَفَخرُهُم، وَفي هَذَا دِلالَةٌ تُبَيِّنُ لِلنَّاسِ الحَقَّ مِنَ البَاطِلِ، وَتُمَيِّزُ أَهلَ السَّعَادَةِ مِن أَهلِ الشَّقَاوَةِ. وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 146 - 148] هَكَذَا كَانَ مَن رَبَّاهُمُ الأَنبِيَاءُ عَلَى الإِيمَانِ وَالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ، لَمَّا أَصَابَهُمُ القَتلُ وَالجِرَاحُ وَغَيرُ ذَلِكَ مِنَ المَصَائِبِ، لم تَضعُفْ قُلُوبُهُم، وَلا وَهَنَت أَبدَانُهُم، وَلا ذَلُّوا لِعَدُوِّهِم، بَل صَبَرُوا وَثَبَتُوا، وَسَأَلُوا رَبَّهُم مَغفِرَةَ الذُّنُوبِ وَالإِسرَافِ ؛ لِعِلمِهِم أَنَّهَا مِن أَعظَمِ أَسبَابِ الخِذلانِ، وَأَنَّ التَّخَلِّيَ عَنهَا مِن أَسبَابِ النَّصرِ، وَمَعَ هَذَا لم يَتَّكِلُوا عَلَى مَا بَذَلُوا مِن جُهدٍ، بَلِ اعتَمَدُوا عَلَى اللهِ، وَسَأَلُوهُ أَن يُثَبِّتَ أَقدَامَهُم عِندَ مُلاقَاةِ الكَافِرِينَ وَأَن يَنصُرَهُم عَلَيهِم، وَمِن ثَمَّ فَلا عَجَبَ أَنْ نَصَرَهُمُ اللهُ، وَجَعَلَ لَهُمُ العَاقِبَةَ في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَإِذَا كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَن يَعتَزَّ المُؤمِنُونَ دَائِمًا بِإِيمَانِهِم وَإِن حَصَلَ لَهُم في الدُّنيَا مَا حَصَلَ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 139، 140] وَقَالَ - سُبحَانَهُ - ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 141] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 179] إِنَّهُ لا يَلِيقُ بِالمُؤمِنِينُ الوَهَنُ وَالحُزنُ وَهُمُ الأَعلَونَ في الإِيمَانِ، الرَّاجُونَ نَصرَ اللهِ وَثَوَابَهُ، المُتَيَقِّنُونَ بما وَعَدَ بِهِ في الدَّنيَا وَالآخِرَةِ، فَالقَرحُ قَد أَصَابَ الجَمِيعَ، وَإِنَّمَا يَبتَلِي اللهُ عِبَادَهُ بِالهَزِيمَةِ أَحيَانًا، لِتَتَمَيَّزَ الصُّفُوفُ، وَيَتَبَيَّنَ المُؤمِنُ مِنَ المُنَافِقِ ؛ إِذْ لَوِ استَمَرَّ النَّصرُ لِلمُؤمِنِينَ في جَمِيعِ الوَقَائِعِ، لَدَخَلَ في الإِسلامِ مَن لا يُرِيدُهُ، لَكِنَّ الابتِلاءَ يُبَيِّنُ المُؤمِنَ الَّذِي يَرغَبُ في الإِسلامِ فَحَسبُ، وَبِهِ يَتَّخِذُ اللهُ مِن عِبَادِهِ شُهَدَاءَ، يُصِيبُهُم مَا تَكرَهُهُ النُّفُوسُ في الدُّنيَا، لِيُكَفِّرَ ذُنُوبَهُم، وَيُزِيلَ عُيُوبَهُم، وَلِيُنِيلَهُم مَا يُحِبُّونَ مِنَ المَنَازِلِ العَالِيَةِ وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ، وَلِيُمحَقَ الكَافِرُونَ وَيُستَأصَلُوا.

وَمِنَ الإِشَارَاتِ المُهِمَّةِ في تِلكُمُ الآيَاتِ أَنَّهُ لا يُوصَلُ لِلرَّاحَةِ الأُخرَوِيَّةِ إِلاَّ بِتَركِ الرَّاحَةِ الدُّنيَوِيَّةِ، وَلا يُدرَكُ النَّعِيمُ المُقِيمُ إِلاَّ بِتَركِ النَّعِيمِ الزَّائِلِ، وَمَن جَزِعَ أَو ضَعُفَ، أَو تَرَاجَعَ وَرَكَنَ إِلى الدُّنيَا، فَإِنَّمَا يَضُرُّ نَفسَهُ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142] وَقَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 144] فَاللهُ - تَعَالى - غَنيٌّ عَنِ المُتَقَلِّبِينَ وَالمُنقَلِبِينَ، وَسَيُقِيمُ دِينَهُ وَيُعِزُّ عِبَادَهُ المُؤمِنِينَ ﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144].

وَمِنَ الإِشَارَاتِ العَظِيمَةِ أَنَّ كُلَّ نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ، مَاتَ رَسُولُ اللهِ وَخُلَفَاؤُهُ، وَمَاتَ العُلَمَاءُ وَالقَادَةُ وَالمُصلِحُونَ، وَقُتِلَ بَعضُهُم ظُلمًا وَعُدوَانًا، وَمَا زَالَ أَذَى الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِيَن لِلمُؤمِنِينَ وَتَضيِيقُهُم عَلَيهِم يَتَوَالى وَيَشتَدُّ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لا يُسَوِّغُ لِلنَّاسِ الانقِلابُ على أَعقَابِهِم وَالرُّجُوعُ عَن دِينِهِم، بَلِ الوَاجِبُ الثَّبَاتُ عَلَى الدِّينِ، وَلُزُومُ تَوحِيدِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالمَوتُ عَلَى الحَقِّ المُبِينِ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ المَعبُودُ وَحدَهُ، وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 144].
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنُجَاهِدْ أَنفُسَنَا وَلْنَنتَصِرْ عَلَيهَا في كُلِّ مَيدَانٍ ؛ لِيَكُونَ لَنَا النَّصرُ عَلَى الأَعدَاءِ مِنَ الرَّحمَنِ.
♦ ♦ ♦ ♦

الحَمدُ للهِ الذي أَكمَلَ لَنَا الدِّينَ وَأَتَمَّ عَلَينَا بِهِ النِّعمَةَ، وَبَعَثَ فِينَا رَسُولاً تَلا عَلَينَا الآيَاتِ وَعَلَّمَنَا الكِتَابَ وَالحِكمَةَ، وَأَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ.

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيهِ بِذَبحِ ضَحَايَاكُم وَكَبِّرُوهُ وَاشكُرُوهُ، وَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا وَأَهدُوا. يَقُولُ رَبُّنا - تَبَارَكَ وَتَعَالى -: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37] إِنَّ أَهَمَّ مَقَاصِدِ الأَضَاحِي هُوَ التَّقَرُّبُ إِلى اللهِ بِذَبحِهَا، لا مُجَرَّدَ تَحصِيلِ لَحمِهَا، وَلِذَا فَرَّقَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بَينَ شَاةِ اللَّحمِ وَشَاةِ الأُضحِيَةِ فَقَالَ: " مَن ذَبَحَ قَبلَ الصَّلاةِ فَإِنَّمَا يَذبَحُ لِنَفسِهِ، وَمَن ذَبَحَ بَعدَ الصَّلاةِ فَقَد تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسلِمِينَ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. فَانتَبِهُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - لِسِنِّهَا وَسَلامَتِهَا مِنَ العُيُوبِ ؛ فَقَد قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَربَعٌ لا يُجزِينَ في الأَضَاحِي: العَورَاءُ البَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالمَرِيضَةُ البَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالعَرجَاءُ البَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالعَجفَاءُ الَّتي لا تُنقِي " رَوَاهُ أَهلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، قَدِ اجتَمَعَ لَكُم في يَومِكُم هَذَا عِيدَانِ، عِيدُ الأَضحَى وَعِيدُ الأُسبُوعِ، وَقَد دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ مَن صَلَّى العِيدَ يَومَ الجُمُعَةِ رُخِّصَ لَهُ في تَركِ الجُمُعَةِ ذَلِكَ اليَومَ، وَجَازَ لَهُ أَن يُصَلِّيَهَا ظُهرًا في بَيتِهِ، وَأَمَّا مَن لم يَشهَدِ العِيدُ، فَلا رُخصَةَ لَهُ في تَركِ الجُمُعَةِ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " قَدِ اجتَمَعَ في يَومِكُم هَذَا عِيدَانِ، فَمَن شَاءَ أَجزَأَهُ مِنَ الجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، اِحرِصُوا عَلَى مَا يُصلِحُ القُلُوبَ وَيَجمَعُهَا، وَحَصِّنُوهَا بِالإِيمَانِ وَاليَقِينِ وَالتَوَكُّلِ، وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ، وَيَا أَيُّهَا الآبَاءُ وَالأُمَّهَاتُ، أَحسِنُوا تَربِيَةَ الأَبنَاءِ بِالدِّينِ، وَاحرِصُوا عَلَى تَنشِئَتِهِم عَلَى الحَيَاءِ، تَعَاشَرُوا بِالمَعرُوفِ وَلا تَنسَوُا الفَضلَ بَينَكُم، وَاحذَرُوا الخِصَامَ وَالشِّقَاقَ، وَلا تَجعَلُوا حَلَّ الخِلافاتِ بِالطَّلاقِ، أَو تَعجَلُوا إِلى التَّبَاعُدِ وَالافتِرَاقِ، فَإِنَّ تَدمِيرَ الأُسرَةِ تَدمِيرٌ لِلمُجتَمَعِ، وَمَا فَتِئَ الأَعدَاءُ لِذَلِكَ يُخَطِّطُونَ ؛ لِيُشعِلُوا الصِّرَاعَ بَينَ الزَّوجَينِ، تَحتَ لافِتَاتِ خَادِعَةٍ وَدِعَايَاتٍ مَاكِرَةٍ، بِاسمِ استِعَادَةِ حُقُوقِ المَرأَةِ المَسلُوبَةِ، وَإِعَادَةِ حُرِّيَتِهَا المُنتَزَعَةِ، وَإِنهَاءِ مُعَانَاتِهَا مَعَ وِلايَةِ الرَّجُلِ الظَّالِمَةِ، يَزعُمُونَ أَنَّهُم يُصلِحُونَ، وَاللهُ يَعلَمُ إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ مُفسِدُونَ، هَدَفُهُم إِخرَاجُ المَرأَةِ لِلتَّمَتُّعِ بها، وَإِخلاءُ بَيتِهَا مِنهَا لإِفسَادِ الأُسرَةِ وَالمُجتَمَعِ. فَاللهَ اللهَ، وَالحَذَرَ الحَذَرَ، وَتَمَسَّكُوا جَمِيعًا بِثَوَابِتِ الدِّينِ، وَكُونُوا كَمَّا سَمَّاكُمُ اللهُ مُسلِمِينَ.

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

__________________

آخر تعديل بواسطة abomokhtar ، 31-08-2017 الساعة 11:36 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 31-08-2017, 11:28 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp خطبة عيد الأضحى: الثقة بالله في حياة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام

الحمد لله الواحد الاحد، الفرد الصمد، الحمد لله الكبير المتعال، ذي الجلال والإكرام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
*
وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العظيم وطاعته:
الحمد لله الذي فضلنا على الناس وسقانا من القران أروى كاس و جعل نبينا صلى الله عليه وسلم خير نبي رعى وساس، وقال لنا: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد

اعلموا عباد الله أن الثقة بالله تعالى، والاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار، وحصول الأرزاق وحصول النصر على الأعداء، وشفاء المرضى وغير ذلك من أهم المهمات وأوجب الواجبات، ومن صفات المؤمنين، ومن شروط الإيمان، ومن أسباب قوة القلب ونشاطه، وطمأنينة النفس وسكينتها وراحتها، ومن أسباب الرزق، والثقة بالله وبكفايته لعبده، هو من أهم عناصر عقيدة المسلم الصحيحة في الله تعالى.
فقيراً جئت بابك يا إلهي
ولست إلى عبادك بالفقير
غني عنهم بيقين قلبي
وأطمع منك في الفضل الكبير
إلهي ما سألت سواك عونا
فحسبي العون من رب قدير
إلهي ما سألت سواك عفوا
فحسبي العفو من رب غفور
إلهي ما سألت سواك هديا
فحسبي الهدي من رب بصير
إذا لم أستعن بك يا إلهي
فمن عوني سواك ومن مجيري؟
*
الثقة بنصره
أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم تتجلى هذا الثقة في حياة خليل الرحمن عليه السلام لما اضرموا له النار و أوثقوه بالحبال ووضعوه على المجانيق هل بعد هذا المشهد المريع مشهد أخر؟
قال عز وجل: ﴿ قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 68، 69] وسبب غضب المشركين هو محاجة إبراهيم لهم، وترى عند قراءة الآيات الذاكرة للحجج التي أقامها عليهم مدى قوة النبي وثقته حين يجادلهم؛ يسفه أصنامهم، وكذلك يكسرها حتى لا يبقي إلا على كبيرها، وفوق ذلك يتهكم عليهم، فكل هذا يدل على الثقة الكبيرة القوية بالله؛ ( يا إبراهيم ألك إلى حاجة.. قال أما منك فلا و أما من الله فعلمه بحالي يغنى عن سؤالي ) فنصره الله، وحوّل النار الحارقة إلى باردة.
*
نعم إنه مشهد الثقة بالله تعالى وبأنه ناصره وبانه منجيه فالله الذي أرسله هو رب هذه النار القادر فإذا قرأ في القرآن: ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾[المجادلة: 21]. فليعلم أنه غالب ما استقام على أمر الله عزَّ وجلَّ.
*
قال القاسمي رحمه الله: «وقوله تعالى:*﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ﴾ [المجادلة: 21] أي: حزب الشيطان المحادين ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25] أي: قوي على إهلاك من حاده ورسله، عزيز فلا يغلب في قضاءه».
*
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: «هذا وعد ووعيد، وعيد لمن حاد الله ورسوله بالكفر والمعاصي، أنه مخذول مذلول، لا عاقبة له حميدة، ولا راية له منصورة.
*
ووعد لمن آمن به، وبرسله، واتبع ما جاء به المرسلون، فصار من حزب الله المفلحين، أن لهم الفتح والنصر والغلبة في الدنيا والآخرة، وهذا وعد لا يخلف ولا يغير، فإنه من الصادق القوي العزيز الذي لا يعجزه شيء يريده».
*
وها هو حبيبنا وقدوتنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- مع صاحبه في الغار، وقد أطبقت عليهما جحافل الحنق المحموم، وهما أعزلان، ولا مهرب لهما ولا حيلة، وهنا يهمس الصديق-رضي الله عنه- متحسرًا مشفقًا (يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا). فتنبعث نبرات الثقة من القلب الموقن بمعية الله، (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا) وعندئذ تتجلى قدرة ذي العزة والجبروت فيرد قوى الشر والبغي هذه بأوهى الأسباب، بخيوط العنكبوت، ويسجل القرآن هذا الموقف بقوله تعالى: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 40].

والثقة أيضاً صفة من صفات الأولياء الصادقين؛ قال يحيى بن معاذ رحمه الله: «ثلاث خصال من صفة الأولياء: الثقة بالله في كل شيء، والغنى به عن كل شيء، والرجوع إليه من كل شيء».
*
الثقة برزقه وكلاءته:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر و لله الحمد
و من مواطن البلاء التي أُفعمت بالثقة بالله تعالى عندما أمر الله تعالى خليله إبراهيم- عليه الصلاة والسلام – بأن يأخذ هاجر وولده إسماعيل عليهما السلام- إلى مكة حيث لا مكة لا جليس و لا أنيس و لا زرع ولا ضرع و لا ماء فعن سعيد بن جبير رحمه الله قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «أوَّل ما اتَّخذ النساء المنطق من قبل أمّ إسماعيل اتَّخذت منطقًا لتعفي أثرها على سارة ثمَّ جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه فوضعهما «حتى وضعهما» عند البيت عند دوحة فوق زمزم «الزَّمزم» في أعلى المسجد وليس بمكَّة يومئذٍ أحد وليس بها ماءٌ فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابًا فيه تمرٌ وسقاءً فيه ماء ثمَّ قفى إبراهيم منطلقًا فتبعته أمُّ إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا «في هذا» الوادي الذي ليس فيه إنسٌ «أنيسٌ» ولا شيء فقالت له ذلك مرارًا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له آلله الذي أمرك بهذا قال: نعم قالت إذن لا يضيّعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات «الدعوات» ورفع يديه فقال ربِّ*﴿ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ﴾ [إبراهيم: 37] حتى بلغ ﴿ يَشْكُرُونَ ﴾ وجعلت أمُّ إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السِّقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوَّى أو قال يتلبَّط «يتلمَّظ» فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرق درعها ثمَّ سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثمَّ أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا ففعلت ذلك سبع مرَّات قال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «فذلك سعي النَّاس «فلذلك سعي النَّاس» بينهما فلمَّا أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت صهٍ تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضًا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواثٌ «غواثٌ» فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوِّضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف قال ابن عبَّاس قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يرحم الله أمُّ إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينًا معينًا قال فشربت وأرضعت ولدها...» أخرجه البخاري.
*
الثقة بهدايته:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
ومن صور الثقة بالله تعالى الثقة الكاملة بربوبية الله تعالى
فالله هو الهادي إلى الصراط المستقيم
والله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين
و الله تعالى هو الشافي من أمراض القلوب و أمراض الأبدان قال الله تعالى ﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ * رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [الشعراء: 75 - 83].
لماذا نخاف الضيعة؟
لأننا ضيعنا أوامر الله تعالى
لماذا نخاف الفقر؟
لأن قلوبنا أقفرت من الثقة بالله
لما انتشرت الأمراض ولم نجد لها دواء؟
لأننا تركنا الشفاء والداء ورا ظهورنا كتاب الله تعالى
أما خليل الرحمن فثقته بالله تعالى هاديا ورازقا و شافيا لا يحدها حد ويتصورها أحد إلا الله تعالى يقول صاحب الظلال -رحمه الله- ونستشعر من صفة إبراهيم لربه، واسترساله في تصوير صلته به، أنه يعيش بكيانه كله مع ربه. وأنه يتطلع إليه في ثقة، ويتوجه إليه في حب؛ وأنه يصفه كأنه يراه، ويحس وقع إنعامه وإفضاله عليه بقلبه ومشاعره وجوارحه.. والنغمة الرخية في حكاية قوله في القرآن تساعد على إشاعة هذا الجو وإلقاء هذا الظل، بالإيقاع العذب الرخي اللين المديد..
*
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 78].. الذي أنشأني من حيث يعلم ولا أعلم؛ فهو أعلم بماهيتي وتكويني، ووظائفي ومشاعري، وحالي ومآلي: ﴿ فهو يهدين ﴾ إليه، وإلى طريقي الذي أسلكه، وإلى نهجي الذي أسير عليه. وكأنما يحس إبراهيم عليه السلام أنه عجينة طيعة في يد الصانع المبدع، يصوغها كيف شاء، على أي صورة أراد. إنه الاستسلام المطلق في طمأنينة وراحة وثقة ويقين.
*
﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 79، 80].. فهي الكفالة المباشرة الحانية الراعية، الرفيقة الودود، يحس بها إبراهيم في الصحة والمرض. ويتأدب بأدب النبوة الرفيع، فلا ينسب مرضه إلى ربه وهو يعلم أنه بمشيئة ربه يمرض ويصح إنما يذكر ربه في مقام الإنعام والإفضال إذ يطعمه ويسقيه.. ويشفيه.. ولا يذكره في مقام الابتلاء حين يبتليه.
*
﴿ والذي يميتني ثم يحيين ﴾.. فهو الإيمان بأن الله هو الذي يقضي الموت، وهو الإيمان بالبعث والنشور في استسلام ورضى عميق.
و قد كشف لكم النبي - صلى الله عليه و سلم - ما أنتم فيه من بلاء و عناء حدد لكم الداء و بين في ثناياه الدواء عن عبد الله بن عمر، قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين، وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم "
*
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
الثقة بأمره سبحانه وتعالى:
و من أجل و أروع صور الثقة في حياة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام-الثقة بأمر الله تعالى، فالله تعالى لا يأمرنا إلا بالخير و لا ينهانا إلا عن شر فأمره خير و نهيه خير،و تتجلى الثقة بأمر الله تعالى في حياة الخليل في مواطن كثيرة نذكر منها:
الثقة بأمره لما امر هان ي*** ولده و فلذة كبده إسماعيل عليه السلام- ما سأل عن الحكمة و لا عن المغزى من ***ه لعلمه أن أمر الله تعالى خير كله،يصور الله تعالى ذلك المشهد بقوله ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصافات: 102 - 111].
يا لله! ويا لروعة الإيمان والطاعة والتسليم..
*
هذا إبراهيم الشيخ. المقطوع من الأهل والقرابة. المهاجر من الأرض والوطن. ها هو ذا يرزق في كبرته وهرمه بغلام. طالما تطلع إليه. فلما جاءه جاء غلاماً ممتازاً يشهد له ربه بأنه حليم. وها هو ذا ما يكاد يأنس به، وصباه يتفتح، ويبلغ معه السعي، ويرافقه في الحياة.. ها هو ذا ما يكاد يأنس ويستروح بهذا الغلام الوحيد، حتى يرى في منامه أنه ي***ه. ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية. فماذا؟ إنه لا يتردد، ولا يخالجه إلا شعور الطاعة، ولا يخطر له إلا خاطر التسليم.. نعم إنها إشارة. مجرد إشارة. وليست وحياً صريحاً، ولا أمراً مباشراً. ولكنها إشارة من ربه.. وهذا يكفي.. هذا يكفي ليلبي ويستجيب. ودون أن يعترض. ودون أن يسأل ربه.. لماذا يا ربي أ*** ابني الوحيد؟!
*
ولكنه لا يلبي في انزعاج، ولا يستسلم في جزع، ولا يطيع في اضطراب.. كلا إنما هو القبول والرضى والطمأنينة والهدوء. يبدو ذلك في كلماته لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب:
﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ [الصافات: 102].

فهي كلمات المالك لأعصابه، المطمئن للأمر الذي يواجهه، الواثق بأنه يؤدي واجبه. وهي في الوقت ذاته كلمات المؤمن، الذي لا يهوله الأمر فيؤديه، في اندفاع وعجلة ليخلص منه وينتهي، ويستريح من ثقله على أعصابه!
*
والأمر شاق ما في ذلك شك فهو لا يطلب إليه أن يرسل بابنه الوحيد إلى معركة. ولا يطلب إليه أن يكلفه أمراً تنتهي به حياته.. إنما يطلب إليه أن يتولى هو بيده. يتولى ماذا؟ يتولى ***ه.. وهو مع هذا يتلقى الأمر هذا التلقي، ويعرض على ابنه هذا العرض؛ ويطلب إليه أن يتروى في أمره، وأن يرى فيه رأيه!
إنه لا يأخذ ابنه على غرة لينفذ إشارة ربه.
*
وينتهي. إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر. فالأمر في حسه هكذا. ربه يريد. فليكن ما يريد. على العين والرأس. وابنه ينبغي أن يعرف. وأن يأخذ الأمر طاعة وإسلاماً، لا قهراً واضطراراً. لينال هو الآخر أجر الطاعة، وليسلم هو الآخر ويتذوق حلاوة التسليم!
*
إنه يحب لابنه أن يتذوق لذة التطوع التي ذاقها؛ وأن ينال الخير الذي يراه هو أبقى من الحياة وأقنى..
فماذا يكون من أمر الغلام، الذي يعرض عليه ال***، تصديقاً لرؤيا رآها أبوه؟
*
إنه يرتقي إلى الأفق الذي ارتقى إليه من قبل أبوه:
﴿ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ... ﴾ [الصافات: 102]
إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب. ولكن في رضى كذلك وفي يقين..
﴿ يا أبت ﴾.. في مودة وقربى. فشبح ال*** لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده. بل لا يفقده أدبه ومودته.
﴿ افعل ما تؤمر ﴾.. فهو يحس ما أحسه من قبل قلب أبيه. يحس أن الرؤيا إشارة. وأن الإشارة أمر. وأنها تكفي لكي يلبي وينفذ بغير لجلجة ولا تمحل ولا ارتياب.
*
ثم هو الأدب مع الله، ومعرفة حدود قدرته وطاقته في الاحتمال؛ والاستعانة بربه على ضعفه ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية، ومساعدته على الطاعة:
﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات: 102]..

ولم يأخذها بطولة. ولم يأخذها شجاعة. ولم يأخذها اندفاعاً إلى الخطر دون مبالاة. ولم يظهر لشخصه ظلاً ولا حجماً ولا وزناً.. إنما أرجع الفضل كله لله إن هو أعانه على ما يطلب إليه، وأصبره على ما يراد به: ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾.

يا للأدب مع الله! ويا لروعة الإيمان. ويا لنبل الطاعة. ويا لعظمة التسليم!
ويخطو المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكلام.. يخطو إلى التنفيذ:
﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [الصافات: 103].
*
ومرة أخرى يرتفع نبل الطاعة. وعظمة الإيمان. وطمأنينة الرضى وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان.. إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً. وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً. وقد وصل الأمر إلى أن يكون عياناً.
*
لقد أسلما.. فهذا هو الإسلام. هذا هو الإسلام في حقيقته. ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم.. وتنفيذ.. وكلاهما لا يجد في نفسه إلا هذه المشاعر التي لا يصنعها غير الإيمان العظيم.
*
أيها المسلمون الموحدون: من لم يستطع منكم أن يأتي البيب تلانه منه بعيد فعليه برب البيت فانه أقرب إليه من حبل الوريد.
من لم يستطع منكم أن ي*** هديه بمني فلي*** هواه هنا فقد بلغ المنى.
*
أيها المسلمون الموحدون: ا***وا أضاحيكم و كلوا و تصدقوا و تهادوا قال الله تعالى ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الحج: 36].
في سنة أبيكم إبراهيم عليه السلام وهي قربة إلى رب الأنام وسبيل إلى دار السلام.
وأخيرا قبل أن تضحي أريدك أن تضحي بتلك العداوة والشحناء التي بينك وبين أخيك أو جارك و صديقك.
*
لابد أن تبدأ الأن بها:
استبدل ناره العداوة بنور المحبة والألفة
استبدل الشحناء والبغضاء بالمحبة والإخاء
استبدل ظلمة القطيعة بنور الصلة والتواصل
أيها الناس صلوا الأرحام و اطعموا الطعام و افشوا السلام و صلوا بالليل و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
كل عام أنتم بخير و تقبل الله منا و منكم صالح الأعمال

السيد مراد سلامة
__________________

آخر تعديل بواسطة abomokhtar ، 31-08-2017 الساعة 11:37 AM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 31-08-2017, 11:29 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp

خطبة قصيرة عن الحج

الخطبة الأولى
عباد الله، قال الله سُبَحانَهُ: ﴿ وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العَالمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، وقال عليه الصلاةُ والسلامُ: (بُنيَ الإِسلامُ على خمسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ محمدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ البَيتِ، وَصَومِ رَمَضَانِ).
وَعَن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللهَ قَد فَرَضَ عَلَيكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا)، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟! فَسَكَتَ حتى قالها ثَلاثًا، فقال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (لَو قُلتُ: نَعَم، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا استَطَعتُم)، ثم قال: (ذَرُوني مَا تَرَكتُكُم).
*
إخوة الإسلام، متى استَطَاعَ المُسلِمُ الحَجَّ وَتَوَفَّرَت فِيهِ شُرُوطُ وُجُوبِهِ وَجَبَ أَن يُعجِّلَ بِأَدَاءِ فَرِيضَةِ اللهِ فِيهِ، وَلم يَجُزْ لَهُ تَأخِيرُهُ وَلا التَّهَاوُنُ بِهِ، يقول الشيخُ ابنُ بَازٍ - رحمه اللهُ -: (مَن قَدَرَ عَلى الحَجِّ ولم يَحُجَّ الفَرِيضَةَ وَأَخَّرَهُ لِغَيرِ عُذرٍ فَقَد أَتَى مُنكَرًا عَظِيمًا وَمَعصِيَةً كَبِيرَةً، فَالوَاجِبُ عَلَيهِ التَّوبَةُ إِلى اللهِ مِن ذَلِكَ وَالبِدارُ بِالحَجِّ). ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (تَعَجَّلُوا إِلى الحَجِّ - يَعني الفَرِيضَةَ -؛ فَإِنَّ أَحَدَكُم لا يَدرِي مَا يَعرِضُ لَهُ)، وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: (مَن أَرَادَ الحَجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ؛ فَإِنَّهُ قَد يَمرَضُ المَرِيضُ، وَتَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَتَعرِضُ الحَاجَةُ).
*
فَلْيَحمَدِ اللهَ - عز وجل - مَن مُدَّ في عُمُرِهِ وَأُنسِئَ لَهُ في أَجلِهِ، فَهَا هُوَ مَوسِمُ الحَجِّ قَد أَشرَقَت شَمسُهُ، وَهَا هُمُ الحُجَّاجُ قَد بَدَؤُوا يَأتُونَ مِن أَقصَى الأَرضِ شَرقًا وَغَربًا، بَعضُهُم لَه سَنَوَاتٌ وَهُوَ يجمَعُ نفقة هذا الحج؛ يَقتَطِعُها مِن ماله؛ حتى جمع ما يُعِينُهُ على أَدَاءِ هَذِهِ الفَرِيضَةِ العَظِيمَةِ، وَالبعض مِنَّا في هَذِهِ البِلادِ قَد تَيَسَّرَت لَهُ الأَسبَابُ وَتَهَيَّأَت لَهُ السُّبُلُ، وَمَعَ هَذَا يُؤَخِّرُ وَيُؤَجِّلُ، قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه -: (لَقَد هَمَمْتُ أَن أَبعَثَ رِجَالاً إِلى هَذِهِ الأَمصَارِ، فَلْيَنظُرُوا كُلَّ مَن كَان لَهُ جِدَةٌ ولم يحُجَّ فَيَضرِبُوا عَلَيهِمُ الجِزيَةَ، ما هُم بِمُسلِمِينَ، مَا هُم بِمُسلِمِينَ).
*
فيَا مَن لم تحُجُّوا وأنتم قادرون - اتقوا الله، وَبَادِرُوا إِلى أَدَاءِ هَذِهِ الفَرِيضَةِ العَظِيمَةِ وَأَسرِعُوا؛ فَإِنَّ هذه الطاعات ييسرها الله، وَلا يُقعِدَنَّكُمُ الشَّيطَانُ وَلا يَأخُذَنَّكُمُ التَّسوِيفُ، وَلا تُلهِيَنَّكُمُ الأَمَانِيُّ البَاطِلَةُ أَو تَخدَعَنَّكُمُ الحِيَلُ الكَاذِبَةُ، فَتُؤَخِّرُوا الحَجَّ كُلَّ عَامٍ إِلى الذي يَلِيهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُم لا يَعلَمُ أَينَ هُوَ العَامَ القَادِمَ أَفَوقَ التُّرَابِ أَم تحتَهُ؟! وَتَأَمَّلُوا في حَالِ الأَجدَادِ كَيفَ كَانُوا يحُجُّونَ، وَكَيفَ سَارُوا عَلَى أَقدَامِهِم وَامتَطَوا رَوَاحِلَهُم شُهُورًا وَلَيَاليَ وَأَيَّامًا لِيَصِلُوا إلى البَيتِ العَتِيقِ وَيَقضُوا تَفَثَهُم، وَنحنُ وَللهِ الحَمدُ في نِعمَةٍ لم يَسبِقْ لها مَثِيلٌ، لَكِن مِنَّا مَن يُلَبِّسُ عَلَيهِ الشَّيطَانُ وَيَفتَعِلُ لَهُ الأَعذَارَ.
*
عباد الله، إِنَّ فَضلَ الحَجِّ عَظِيمٌ وَأجرُهُ كَبِيرٌ، وَهُوَ يجمَعُ بَينَ العِبَادَةِ البَدَنِيَّةِ وَالمَادِيَّةِ، وَالأَحَادِيثُ في فَضلِهِ وَعَظِيمِ أَجرِهِ وَأَثرِهِ كَثِيرَةٌ، قال - صلى الله عليه وسلم -: (مَن حَجَّ هَذَا البَيتَ فَلَم يَرفُثْ ولم يَفسُقْ رَجَعَ كَيَومِ وَلَدَتهُ أُمُّهُ)، وَسُئِلَ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الأَعمَالِ أَفضَلُ؟! قال: (إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ)، قِيلَ: ثم مَاذَا؟! قال: (جِهَادٌ في سَبِيلِ اللهِ)، قِيلَ: ثم مَاذَا؟! قال: (حَجٌّ مَبرُورٌ)، وقال - عليه الصلاةُ والسلامُ -: (تَابِعُوا بَينَ الحَجِّ وَالعُمرَةِ، فَإِنهما يَنفِيَانِ الفَقرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَيسَ لِلحَجَّةِ المَبرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةُ)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (مَا مِن يَومٍ أَكثَرَ مِن أَن يُعتِقَ اللهُ فِيهِ عَبدًا مِنَ النَّارِ مِن يَومِ عَرَفَةِ).
وَمَعَ هَذَا الأَجرِ العَظِيمِ وَالثَّوابِ الجَزِيلِ فَإِنَّ أَيَّامِ الحَجِّ قَلِيلَةٌ معدودة.
*
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ الحَجُّ أَشهُرٌ مَعلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ في الحَجِّ وَمَا تَفعَلُوا مِن خَيرٍ يَعلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيرَ الزَّادِ التَّقوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولي الأَلبَابِ ﴾ [البقرة: 197].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله....
*
الخطبة الثانية
عباد الله، من عزم على الحج فإنه يجب عليه أن يتفقه في أحكام هذا الحج والطريقة الصحيحة لأداء هذا النسك العظيم، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (خذوا عني مناسككم). وعليه أن يتعلم من أهل العلم ويسألهم عما أشكل عليه، حتى يعبد الله على بصيرة.
*
أَيُّهَا الإِخوَةُ الكرام، يسأل البعض عن الحج مع الديون، وربما يكون الفهم الخاطئ يؤخر البعض عن أداء هذه الفريضة، وللبيان فإنها لا تخلُو مِن أَن تَكُونَ دُيُونًا حَالَّةً أَو مُؤَجَّلَةً، فَإِن كَانَت مُؤَجَّلَةً فَلا إِشكَالَ، وَإِنْ كَانَت حَالَّةً وَقَدَرَ عَلَى دَفعِهَا وَعَلَى نَفَقَةِ الحَجِّ لَزِمَهُ أَنْ يحُجَّ، وَإِنْ اجتمع عَلَيهِ الحج والدَّين في وقت واحد وَلم يَستَطِعْهُما مَعًا فَلْيُقَدِّمْ الدَّين الذِي يُطَالَبُ بِهِ، وَلْيُؤَخِّرِ الحَجَّ إِلى أَن يَستَطِيعَهُ؛ وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى الإِنسَانِ دَينٌ طَوِيلُ الأَمَدِ، كالأقساط، وَهُوَ وَاثِقٌ مِن أَنَّهُ كُلَّمَا حَلَّ عَلَيهِ قِسطٌ أَوفَاهُ، فَإِنَّهُ في هَذِهِ الحَالِ إِذَا تَوَافَرَ عِندَهُ المَالُ وَقتَ الحَجِّ فَعليه أن يحج فريضته؛ ولا حرج عليه؛ لأن نفقة الحج لا تؤثر على سداد أقساط هذه الديون.
*
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، وَاحرِصُوا عَلَى فَرَائِضِهِ، وَتَقَرَّبُوا إِلَيهِ بها، فَإِنَّهَا أَحَبُّ ما يتقرب به العباد إليه سبحانه، وَتَزَوَّدُوا مِنَ النَّوافِلِ وَاستَكثِرُوا مِنهَا يُحبِبْكُمْ وَيُوَفِّقْكُم وَيَجعَلْ لَكُم نُورًا تَمشُونَ بِهِ وَيَغفِرْ لكم، قال -تعالى ذِكرُهُ- في الحَدِيثِ القُدسِيِّ: (وَمَا تَقَرَّبَ إِليَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ ممَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِليَّ بِالنَّوَافِلِ حتى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سمعَهُ الذِي يَسمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ التي يَبطِشُ بها، وَرِجلَهُ التي يَمشِي بها، وَإِنْ سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ).
اللهم يسِّر لحجاج بيتك حجهم.....
اختصار ومراجعة: الأستاذ: عبدالعزيز بن أحمد الغامدي
__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 31-08-2017, 11:31 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp

خطبة عيد الأضحى 10/ 12/ 1438هـ

• الركعةُ الأولى: تكبيرةُ الإحرامِ، ثمَّ تستفتحُ، ثمَّ ستُّ تكبيراتٍ.
• الركعةُ الثانيةُ: تكبيرةُ الانتقالِ، ثمَّ خمسُ تكبيراتٍ.
*
الحمدُ للهِ الذي جَعَلَ الأعْيَادَ فِي الإسْلامِ مَصْدرًا لِلْهنَاءِ والسُّرُورِ، الحمدُ للهِ الذِي تفضَّل في هذِه الأيَّامِ العَشْرِ علَى كلِّ عبدٍ شَكُورٍ، سُبحانَه غافِرُ الذَّنْبِ وقابِلُ التَّوبِ شَديدُ العِقَابِ. نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمٍ أَتَمَّهَا، وَعَافِيَةٍ أَسْبَغَهَا، وَمِحَنٍ رَفَعَهَا، وَكُرُوبٍ كَشَفَهَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا شَرَعَ لَنَا مِنَ المَنَاسِكِ، وَمَا عَلَّمَنَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَلَوْلَاهُ سُبحانَه لَضَلَلْنَا.
*
اللهمَّ صلِّ وسَلِّم علَى صَاحِبِ الحَوضِ المورُودِ، واللِّواءِ المعقُودِ، والصِّرَاطِ الممْدُودِ، خَاتَمِ الأنبياءِ، وخيرِ الأوليَاءِ، ومَنْ تَركَنَا على الْمَحَجَّةِ البَيضَاءِ.
إنَّ الْبَرِيَّةَ يَومَ مَبْعَثِ أَحْمَدٍ
نَظَرَ الإلَهُ لَهَا فَبَدَّلَ حَالَهَا
بَلْ كَرَّم الإنسانَ حِينَ اخْتَارَ مِنْ
خَيْرِ البَرِيَّةِ نَجْمَهَا وهِلاَلَهَا
لَبِسَ الْمُرَقَّعَ وهُوَ قَائِدُ أُمَّةٍ
جَبَتِ الكُنُوزَوَكَسَّرَتْ أَغْلاَلَهَا
*
اللهمَّ صَلِّ عليهِ في الأولينَ والآخِرينَ، وصَلِّ عَليهِ في الملأِ الأعَلَى إلى يومِ الدِّينِ، * وعَلَى آلِه وصحبِهِ وسَلَّم تَسلِيماً كَثِيراً. أَمَّا بَعدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْوَصِيَّةِ لِلْمُؤْمِنِينَ، مَا أَوْصَى اللهُ بِهِ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].
*
اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا لَبَّى مُلَبٍّ وَكَبَّرَ، اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا طَافَ بِالْبَيْتِ طَائِفٌ وَكَبَّرَ، اللهُ أَكْبَرُ مَا لَبِسَ الْحَجِيجُ مَلاَبِسَ الْإِحْرَامِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا رَأَوا الْكَعْبَةَ فَبَدَؤُوهَا بالتَّحِيَّةِ وَالسَّلامِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا اسْتَلَمُوا الْحَجَرَ، وَطَافُوا بِالْبَيْتِ، وَصَلَّوا عِنْدَ الْمَقَامِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا وَقَفَ الْحَجِيجُ فِي صَعِيدِ عَرَفَاتَ.اللهُ أَكْبَرُ مَا غَفَرَ لَهُمْ رَبُّهُمْ وَتَحَمَّلَ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا رَمَوْا وَحَلَقُوا وَتَحَلَّلُوا وَنَحَرُوا، فَتَمَّتْ بِذَلِكَ حَجَّةُ الْإِسْلامِ. اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا رَجَعَ مُذْنِبٌ وَتَابَ، اللهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا رَجَعَ عَبْدٌ وَأَنَابَ.
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.
*
لَكَ الْحَمْدُ يا اللَّهُ يَوْمَ أَنْ كَفَرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَأَرْشَدْتَنَا لِلْإِسْلامِ، لَكَ الْحَمْدُ يَوْمَ أَنْ ضَلَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَهَدَيْتَنَا لِلْإيمَانِ، لَكَ الْحَمْدُ يَوْمَ أَنْ جَاعَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَأَطْعَمْتَنَا مِنْ رِزْقِكَ الْحَلالِ، لَكَ الْحَمْدُ يَوْمَ أَنْ نَامَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَأقَمْتَنَا بَيْنَ يَدَيْكَ مِنْ فَضْلِكَ.
رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ سِرًّا وَجَهْرًا، لَكَ الْحَمْدُ دَوْمًا وَكَرًّا، وَلَكَ الْحَمْدُ شِعْرًا وَنَثْرًا.
*
عِبَادَ اللَّهِ: تَجْتَمِعُ الْبَهْجَةُ وَالسُّرُورُ وَالْفَرْحَةُ وَالْحُبُورُ عَلَى مُسْلِمِي الْعَالَمِ الْيَوْمَ بِاجْتِمَاعِ مَرَاسِمِ بَهْجَةِ الْعِيدِ وَفَرْحَتِهِ، فَهَذِهِ الْأيَّامُ تَجْتَمِعُ فِيهَا عِبَادَاتٌ جَلِيلَةٌ وَعَظِيمَةٌ؛فبِالْأَمْسِ وَقَفَ النَّاسُ بِعَرَفَاتَ، وَقَبْلَهُ كَانَتِ الْأيَّامُ الْمُبَارَكَاتُ، وَالْيَوْمَ يُصَلِّي الْمُسْلِمُونَ صَلاَةَ الْعِيدِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ الَّذِي هُوَ أعْظَمُ الْأيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، الْمُوَافِقُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّذِي هُوَ أفْضَلُ أيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَفِي مَوْسِمِ الْحَجِّ إِلَى بَيْتِ اللهِ الْحَرامِ الْمُعَظَّمِ، الَّذِي هُوَ أعْظَمُ مُنَاسَبَةٍ شَرْعِيَّةٍ فِي الْعَامِ، وَيَنْحَرُ الْمُسْلِمُونَ فِي هَذِهِ الْأيَّامِ ضَحَايَاهُمْ، هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتُ الْعِظَامُ وَهَذِهِ الرَّحَمَاتُ الْجِسَامُ، نَعَمْ! يَمُنُّ اللهُ بِهَا عَلَيْنَا، قَالَ سُبْحَانَه: ﴿ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 37].
*
اجْعَلُوا -يا عِبَادَ اللَّهِ- أَيَّامَ الْعِيدِ فَرَحًا لَا تَرَحًا، أيَّامَ اتِّفَاقٍ لَا اخْتِلاَفٍ، أيَّامَ سَعَادَةٍ لَا شَقَاءٍ، أيَّامَ حُبٍّ وصَفَاءٍ، لَا بَغْضَاءَ وَلَا شَحْنَاءَ، تَسَامَحُوا وَتَصَافَحُوا، تَوَادُّوا وَتَحَابُّوا، تَعَاوَنُوا عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى، صِلُوا الْأَرْحَامَ، وَارْحَمُوا الْأَيْتَامَ، تَخَلَّقُوا بِأخْلاقِ الْإِسْلامِ.
*
هَذَا يَوْمُ عِيدِكُمْ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أَوَّلاً، وَاجْعَلُوهُ عِيدَ خَيْرٍ وَوِئَامٍ لِتَصْفُوا النُّفُوسُ، وَتَرْتَاحُ الْقُلُوبُ، وَلْيَصْفَحْ كُلٌّ مِنْكُمْ عَنْ أَخِيهِ، وَلْتَقُمْ بَيْنَكُمُ الْمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ الَّتِي رَبَّاهَا فِيكُمُ الْإِسْلامُ، فَتَكُونُونَ كَمَا أَرَادَ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا.
*
عِبَادَ اللَّهِ: اُشْكُرُوا اللهَ جَلَّ وَعَلا أَنْ بَلَّغَكُمْ هَذَا الْيَوْمَ الْعَظِيمَ وَهَذَا الْمَوْسِمَ الْكَرِيمَ، وَاعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ يَوْمَكُمْ هَذَا يَوْمٌ مُبَارَكٌ، رَفَعَ اللَّهُ قَدْرَهُ، وَأَعْلَى ذِكْرَهُ، وَسَمَّاهُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأكْبَرِ، وَجَعَلَهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ حُجَّاجًا وَمُقِيمِينَ، فِيهِ يَنْتَظِمُ عَقْدُ الْحَجِيجِ عَلَى صَعِيدِ مِنَىً، بَعْدَ أَنْ وَقَفُوا بِعَرَفَةَ وَبَاتُوا بِمُزْدَلِفَةَ، فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ يَتَقَرَّبُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رَبِّهِمْ بِذَبْحِ ضَحَايَاهُم اتِّبَاعًا لِسُّنَّةِ الْخَلِيلَيْنِ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ خَلِيلَهُ بِذَبْحِ ابْنِهِ وَفِلْذَةِ كَبِدِهِ، فَامْتَثَلَ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَه بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ افْتَدَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ، فَكَانَتْ مِلَّةٌ إِبْرَاهِيمِيَّةٌ جَارِيَةٌ وَسُنَّةٌ مُحَمَّدِيَّةٌ سَارِيَةٌ، فَعَلَهَا الْمُصْطَفَى وَرَغَّبَ فِيهَا.
*
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ شَرَعَ اللهُ لَنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ ذَبْحَ الأَضَاحِي تَقَرُّبًا للهِ وَزُلْفَى، قَالَ سُبْحَانَه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
*
ضَحُّوا -عِبَادَ اللَّهِ- وَطِيبُوا نَفْسًا بِضَحَايَاكُمْ، وَاذْكُرُوا اللهَ عَلَى مَا رَزَقَكُمْ وَهَدَاكُمْ، فَإِنَّه مَا عُبِدَ اللهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ بِمِثْلِ إِرَاقَةِ دَمِ الأَضَاحِي، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ.
*
عِبَادَ اللَّهِ: لَا يَصْعَدُ إِلَى اللهِ اللَّحْمُ، اللهُ غَنِيٌّ عَنَّا وَعَنْ لُحُومِنَا: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37]. فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَصْعَدُ إِلَيهِ؛ وَلِذَلِكَ أَخْلِصْ فِي الأُضْحِيَةِ، وَإِيَّاكَ وَالْمُفَاخَرَةِ بِكَثْرَتِهَا أَوْ غَلاءِ أسْعَارِهَا فَإِنَّهَا مِنْ أَجَلِّ الشَّعَائِرِ.
*
يُسَنُّ-أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- إِذَا رَجَعَ الْإِنْسَانُ مِنَ الْمُصَلَّى يَوْمَ الْأَضْحَى أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ بِذَبْحِ أُضْحِيَتِهِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَوَلَّى الْمُضَحِّي ذَبْحَهَا بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ ثَلاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْه فَنَحَرَ الْبَاقِيَ، إِنْ تَيَسَّرَ لَهُ وَإلَّا وَكَلَّ غَيْرَهُ.وَيَسْتَمِرُّ الذَّبْحُ إِلَى غُرُوبِ يَوْمِ الثَّالِثِ عَشَرَ مِنْ أيَّامِ التَّشْرِيقِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ.
*
فَإِذَا أَضْجَعْتَ أُضْحِيَتَكَ -بَعْدَمَا تَسُوقُهَا سَوْقًا رَفِيقًا، وَوَجَّهْتَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ، وَبَعْدَمَا تَحُدُّ السِّكِّينَ- فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَكَبِّرْ، وَسَمِّ مَنْ هِيَ لَهُ، وَلَا تَذْبَحْ وَاحِدَةً بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى، وَهَذَا مِنَ الرِّفْقِ بِالْحَيَوَانِ، فَإِذَا ذَبَحْتَ-يا عَبْدَ اللهِ- فَلَا تَسْلُخْ إلَّا بَعْدَ التَّأَكُّدِ مِنْ مَوْتِهَا.
*
وَالْأفْضَلُ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَيَتَصَدَّقَ وَيُهْدِي، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ واسِعٌ وفيهِ سِعَةٌ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا أُخْرِجَتْ للهِ تَعَالَى، وَلَا يُعْطَى الْجَازِرُ أُجْرَتَهُ مِنْهَا.
*
نَسْأَلُ اللهَ سُبْحَانَه وَتَعَالَى أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا أَجْمَعِينَ، وَأَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا إِنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. نَفَعَنِي اللهُ وإيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَبِهَدْيِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ.
أَقُولُ قَوْلَي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
*
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ مُعِيدِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ.. وَجَامِعِ النَّاسِ لِيَوْمٍ لارَيبَ فِيهِ.. إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ. وَأَشْهَدُ أَنْلَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ولاَ نِدَّ وَلَا مُضَادَّ.. وَأَشْهَدُ أَنَّ محمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَفْضُلُ الْعِبَادِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْمَعَادِ. وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..
*
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ؛ فَإِنَّهُ أفْضَلُ الْأيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
أُمَّةَ الْإِسْلامِ: تَفَكَّرُوا فِي نِعَمِ اللهِ عَلَيْكُمْ، الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَكُلَّمَا تَذَكَّرَ الْعِبَادُ نِعَمَ اللهِ ازْدَادُوا شُكْرًا للهِ؛ تَذَكَّرُوا نِعْمَةَ الْإِسْلامِ أَعَظْمَ النِّعَمِ، وَتَحْكِيمَ الشَّرِيعَةِ وَتَطْبِيقَهَا. تَذَكَّرُوا أَمْنَكُمْ وَاسْتِقْرَارَكُمْ. تَذَكَّرُوا ارْتِبَاطَ قِيَادَتِكُمْ مَعَ مُوَاطِنِيهَا.. تَذَكَّرُوا هَذِهِ النِّعَمَ، وَتَفَكَّرُوا فِي حَالِ أَقْوَامٍ سُلِبُوا هَذِهِ النِّعَمَ. ادْعُوا رَبَّكُمْ أَنْ يُدِيمَ أَمْنَكُمْ وَاسْتِقْرَارَكُمْ وَاشْكُرُوا نِعَمَهُ يَزِدْكُمْ.
*
عِبَادَ اللهِ: مِنْ جُمَلةِ وَصَايَاهُ الْعَظِيمَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا"، إِنَّهُ الْإِسْلامُ -يا مُؤْمِنُونَ- الَّذِي أَعَلَى شَأْنَ الْمَرْأَةِ وَرَفَعَ قَدْرَهَا وَحَفِظَ حَقَّهَا! قَضِيَّةُ حِفْظِ حُقُوقِ الْمَرْأَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا أَدْعِيَاءُ الْغَرْبِ وَأَذْنَابُهُمْ مِمَّنْ يُنَادُونَ بِحُرِيَّةِ الْمَرْأَةِ وَتَحْرِيرِهَا، كذَا زَعَمُوا وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ يُرِيدُونَ الْوُصُولَ إِلَيهَا فَقَط، خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْبِلادِ الَّتِي قَدْ عُرِفَتْ نِسَائُهَا بِالْحِجابِ وَالسَّتْرِ وَالْعَفَافِ، إِيَّاكِ إِيَّاكِ أَيَّتُها الْمَرْأَةُ الْمُؤْمِنَةُ الْمُطِيعَةُ للهِ وَرَسُولِهِ التَّسَاهُلَ فِي حِجَابِكِ أَوْ عِفَّتِكِ، لَا تَكُونِي مِعْوَلَ هَدْمٍ لِأُمَّتِكِ، نُرِيدُكِ الْمُؤْمِنَةَ التَّقِيَّةَ الْمُتَّبِعَةَ لِشَرْعِ رَبِّكِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِتُحَقِّقِي الْعُبُودِيَّةَ الْحَقَّةَ.
*
تَأَمّلِي - يَا رَعاكِ اللهُ - كَيْفَ يُوصِي بِكِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَيَحْفَظُ لَكِ حُقُوقَكِ، فِي أَعْظَمِ مَشْهَدٍ تَشْهَدُهُ الْأُمَّةُ، حَيْثُ قَالَ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: "اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ، أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ".
*
وَالْوَاجِبُ عَلَيْكُمْ مَعَاشِرَ الْأَزْوَاجِ الْاسْتِجَابَةُ لِأَمْرِ نَبِيِّكُمْ فِي حِفْظِ حُقُوقِ الْمَرْأَةِ، وَتَقْدِيرِهَا وَإجْلالِهَا وَالْعِنَايَةِ بِهَا، وَالْعِنَايَةِ أَيْضَاً بِفلذَاتِ الْأَكْبَادِ مِنَ الْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي تَكَالَبَ عَلَيْهِمْ أَعْدَاءُ الْمِلَّةِ لِصَرْفِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ.
*
عِبَادَ اللَّهِ: يَجْتَمِعُ الْيَوْمَ عِيدُ الْأَضْحَى وَصَلاَةُ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ صَلَّى الْعِيدَ أَنَّ لَا يُصَلِّيَ الْجُمُعةَ، وَلَكِنْ صَلاَةُ الْجُمُعةِ أفْضَل؛ فَإِذَا تَيَسَّرَ لَكَ فَصْلَهُمَا فَإِنَّهُمَا مَشْهَدَانِ عَظِيمَانِ مُبَارَكَانِ، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ الْجُمعةَ فَإِنَّه يُصَلِّي ظُهْرًا، وَلَا تُفْتَحُ الْمَسَاجِدُ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، وَإِنَّمَا تُفْتَحُ لِصَلاَةِ الْجُمُعةِ فَقَط، وَمَنْ لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعةَ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَهْلِ بَيْتِهِ ظُهْرًا جَمَاعَةًأو نحوِ ذَلكَ.
*
عِبَادَ اللهِ: إِنْ كَانَ لِعَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنَ الْفَضْلِ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ، فَإِنَّ لأَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَضْلَهَا وَمَكَانَتَهَا؛ فَهِي الأيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ الَّتِي أُمِرْنَا بِذِكْرِ اللهِ فِيهَا كَمَا قَالَ سُبْحَانَه: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ [الحج: 28]، وكَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:"أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍللهِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
*
وأيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلاثَةُ أيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ. وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهَا فَيَنْبَغِي لَنَا اغْتِنَامُهَا بالذِّكْرِ والتَّكْبِيرِ وَأَلَا نَقْتَصِرَ عَلَى الْأَكْلِ والشُّرْبِ فَحَسْب، كَمَا وَأَنَّه يُشْرَعُ فِي هَذِهِ الأيَّامِ التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ بِأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، فَكَبِّرُوا وَارْفَعُوا بِهَا أَصْوَاتَكُمْ وَأَحْيُوا سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ.
*
عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الأيامِ الْفَاضِلَةِ الْمَاضِيَةِ فَلْيَسْتَمِرَّ فِي إحْسَانِهِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ عَلاَمَةٌ أَكِيدَةٌ عَلَى تَوْفِيقِ اللهِ لِلْعَبْدِ، فَإِنَّ اللهَ يُوَزِّعُ الْأَرْزَاقَ بَيْنَ خَلْقِهِ، وَإِنَّ مِنْ رُزِقَ لَذَّةَ الطَّاعَةِ وَالْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهَا فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا.
*
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَقَبَّلَ اللهُ طَاعَاتِكُمْ وَصَالِحَ أَعْمَالِكُمْ، وَقَبِلَ صِيَامَكُمْ وصَدَقَاتِكُمْ وَدُعَاءَكُمْ، وَضَحَايَاكُمْ وَضَاعَفَ حَسَنَاتِكُمْ، وَجَعَلَ عِيدَكُمْ مُبَارَكًا وَأيَّامَكُمْ أَيَّامَ سَعَادَةٍ وَهَنَاءٍ وَفَضْلٍ وَإحْسَانٍ وَأَعَادَ اللهُ عَلَينَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَرَكََاتِ هَذَا الْعِيدِ، وَجَعَلَنَا فِي الْقِيَامَةِ مِنَ الآمِنِينَ، وَحَشَرَنَا تَحْتَ لِوَاءِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ.
*
اللَّهُمَّ احْفَظْ حُجَّاجَ بَيتِكَ الْـحَرَامِ، مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَسُوءٍ، اللَّهُمَّ أَعِدْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ؛ سَالِمِينَ غَانِـمِينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ حَجَّهُمْ، وَاغْفِرْ ذُنُوبَهُمْ، وَاجْعَلِ الْجَنَّةَ جَزَاءَهُمْ، الَّلهُمَّ احْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
*
الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، اللَّهُمَّ اخْلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ خَيْرًا، وَاحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ، اللَّهُمَّ صَوِّبْ رَمْيَهُمْ، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ عَدُوِّهِمْ.
*
اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

أحمد بن عبد الله الحزيمي
__________________
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 31-08-2017, 11:32 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
مشرف سوبر ركن مسك الكلام فى الاسلام
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,696
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
Impp

خطبة عيد الأضحى 1438هـ
*
الخطبة الأولى (خطبة العيد)
إِنَّ الحَمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا...

أمَّا بَعْدُ:
أُوصِيكُمْ -عِبادَ اللهِ- بِتَقْوَى اللهِ، وحَمْدِهِ، وتَهْلِيلِهِ، وتَكْبِيرِهِ، وشُكْرِهِ علَى مَا هَدَانَا لَهُ مِنَ النِّعَمِ، ووفَّقَنَا لَهُ مِنَ الْخَيْرِ، فللهِ الْحَمْدُ.. فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ.. الْيَوْمُ يَوْمُ عِيدٍ وأُضْحِيَةٍ، يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ تَعَالَى، يَوْمُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ، فَلْنَبْتَسِمْ وَنَفْرَحْ، وَلْنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ، وَلْنَصِلْ أَقَارِبَنَا وَأَرْحَامَنَا وَأَحْبَابَنَا، لِيُوَقِرَّ الصَّغِيرُ الْكَبِيرَ، وَلْيَرْحَمَ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَ، لِنَجْلِسْ مَعَ أَوْلاَدِنَا وَبَنَاتِنَا، فَإِنَّهُمْ أَمَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَحَيَاتُهَا، هم أَمَلُ الْمُسْتَقْبَلِ، وبُنَاةُ الحَاضِرِ، ولْنَحُثَّهُمْ علَى القُرْبِ مِنَ اللهِ، وطَاعَةِ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَبِرِّ الوَالِدِين، وصِلَةِ الأَرْحَامِ، فَنِعْمَ الشَّابُّ شَابٌّ نَشَأَ فِي الطَّاعَةِ.

عبادَ اللهِ... إنَّ الْمُؤْمِنَ الْحَقِيقِيَّ هو مَنْ يَأْخُذُ بالدِّينِ كُلِّهِ*﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208] فَيَأْتَمِرَ بأَمْرِ اللهِ، ويَنْتَهِي بِنَهْيِهِ؛ ولِذَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا الإتْيَانُ بمَا أُمِرْنَا بهِ فِي الشِّدَّةِ والرَّخَاءِ، والعُسْرِ واليُسْرِ، والْمَنْشَطِ والْمَكْرَهِ.

فأَوَّلُ الأَوَامِرِ وأَجَلُّهَا وأَعْظَمُهَا حَقُّ اللهِ تَعَالى علَى الْعَبْدِ، فَحَقُّ اللهِ علَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ ولاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ وَعْدَ اللهِ ومَوْعُودَهُ؛ فَحَقُّ الْعِبَادِ على اللهِ أَلاَّ يُعَذِّبَ مَن لاَ يُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا.

ثُمَّ أَمَرَ رَبُّكُمْ بعْدَ تَوحِيدِهِ ببِرِّ الوَالِدَيْنِ والدُّعَاءِ لَهُمَا، وصِلَةِ الأَرْحَامِ، ووَصْلِ اليتَامَى والمسَاكِينِ والجِيرَانِ وابنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.

أيُّهَا المسْلِمُونَ... عَلَيْكُمْ بِالْفَرَائِضِ الْمُحَتَّمَاتِ الَّتِي كَتَبَهَا رَبُّ الْعِبَادِ؛ فأَدُّوا الصَّلاةَ الْمَفْرُوضَةَ؛ فَإِنَّهَا عَمُودُ الْإِسْلامِ وَالْفَارِقُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالإِيمَانِ، أَدُّوا زَكاةَ أَمْوَالِكُمْ، صُومُوا رَمَضَانَ، وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ؛ إِنْ فَعَلْتُمْ فَإِنَّ التَّوْفِيقَ رَفِيقُكُمْ، والثَّوَابَ فِي الآخِرَةِ جَزَاؤُكُمْ -بإذنِ رَبِّكُمْ-.

كَمَا أُوصِي نَفْسِي وَإيَّاكُمْ بِالْحِفَاظِ عَلَى مُهِمَّتِكُمُ الْعُظْمَى وَوَظِيفَتِكُمُ الْكُبْرَى، وَظِيفَةُ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُهِمَّةُ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، الْمُهِمَّةُ الَّتِي لَهَا أُخْرِجْنَا، وَالَّتِي هِيَ مَصْدَرُ خَيْرِيَّتِنَا وَاسْتِمْرَارُ عِزِّنَا، وَسَبِيلُ نَصْرِنَا، ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ... إِذَا رَاوَدَتْكَ نَفْسُكَ إِلَى مَعْصِيَةٍ فَلَا تَنْظُرْ إِلَى كِبَرِ الْمَعْصِيَةِ وَلَا صِغَرِهَا وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى عَظَمَةِ مَنْ عَصَيْتَ؛ فَلْنَحْذَرْ أَنْ يَرَانَا اللهُ حَيْثُ نَهَانَا، فَلْنَحْذَرْ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، فَإِنَّ لِلذُّنُوبِ أثَرًا فِي مَحْقِ الْبَرَكَةِ، وَقِلَّةِ الرِّزْقِ، وَضَعْفِ الْبَدَنِ، وَضَيَاعِ الذُّرِّيَّةِ، وَكَثْرَةِ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ... وَإِنَّ مِنْ حِكَمِ الْعِيدِ وَمَنَافِعِهِ الْعُظْمَى: التَّوَاصُلُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّزَاوُرُ، وَتَقَارُبُ الْقَلُوبِ، وَارْتِفَاعُ الْوَحْشَةِ، وَانْطِفاءُ نَارِ الْأَحْقَادِ وَالضَّغَائِنِ وَالْحَسَدِ؛ فَالتَّرَاحُمُ وَالتَّعَاونُ وَالتَّعَاطُفُ صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَديثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".

وَالْمَحَبَّةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّوَادُّ غَايَةٌ عُظْمَى مِنْ غَايَاتِ الْإِسْلامِ، فَجَاهِدْ نَفْسَكَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- لِتَكُونَ سَلِيمَ الصَّدْرِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَسَلاَمَةُ الصَّدْرِ نَعِيمُ الدُّنْيا، وَرَاحَةُ الْبَدَنِ وَرِضْوانُ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
♦♦♦♦♦

الخطبة الثانية
الْحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى أشْرَفِ المرْسَلِينَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ أجْمعينَ، أَمَّا بَعْدُ:
فيَا نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ.. عَلَيكُنَّ بِتَقْوَى اللهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَكُنَّ عِنْدَ اللهِ مكَانَةً وَفَضْلَا، فَلَا تُضَيِّعْنَ تِلْكَ الْمَكَانَةَ، وَكُنَّ خَيْرَ خَلَفٍ لِخَيْرِ سَلَفٍ مِنْ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاحْذَرْنَ مِنَ التَّبَرُّجِ وَالسُّفُورَ وَالاخْتِلاطِ بِالرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَالتَّقْصِيرِ فِي أَدَاءِ أمَانَةِ الرِّعَايَةِ فِي الْبَيْتِ عَلَى الْأَوْلاَدِ وَالزَّوْجِ؛ فَإِنَّ مَسْؤُولِيَّتَكُنَّ عَظِيمَةٌ، وَتَأْثِيرَكُنَّ فِي الْبَيْتِ أَعْظُمُ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمَاتُ الْعَفِيفَاتُ... لَا شَكَّ بِأَنَّ عَلَيْكُنَّ دَوْرٌ كَبِيرٌ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى بَنَاتِكُنَّ، لَا سِيَّمَا فِي ظِلِّ قَنَوَاتِ التَّوَاصُلِ الَّتِي غَزَتْ كُلَّ بَيْتٍ -إلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ-، قَنَوَاتٌ تَحُضُّ عَلَى التَّبَرُّجِ وَتَحُثُّ عَلَى السُّفُورِ، قَنَوَاتٌ تَتَكَلَّمُ بَلِسَانِ الشَّيْطَانِ وَتُعَبِّرُ عَنْهُ،
فَاتَّقِينَ اللهَ فِي بَنَاتِكُنَّ، واحْرِصْنَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمُوهُنَّ دِينَهُنَّ، عَلِّمُوهُنَّ الْحَياءَ والتَّسَتُّرِ، عَلِّمُوهُنَّ كَيْفَ يَلْبَسْنَ مَا يُرْضِي اللهَ، وكَيْفَ يَقُلْنَ مَا يُحِبُّهُ، وكَيفَ يَمْشِينَ فِي مَا يُرِيدُهُ.

عِبَادَ اللَّهِ... الأُضْحِيَةُ سُنَّةٌ نَبَوِيَّةٌ، تُذْبَحُ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَيَأْكُلُ مِنْهَا صَاحِبُهَا وَيُهْدِي لِلْأَقَارِبِ، وَيتَصَدَّقُ علَى الْمَسَاكِينِ، ثم اعْلَمُوا أَنَّه قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، عِيدُ الْجُمُعَةِ، وَعِيدُ الْأَضْحَى؛ وَإِذَا وَافَقَ الْعِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَازَ لِمَنْ حَضَرَ الْعِيدَ أَنْ يُصَلِّيَ جُمْعَةً أَوْ أَنْ يُصَلِّيَهَا ظُهْرًا؛ لَمَّا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا، وَالْأفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ الجُمُعَةَ؛ فَهَذَا يَوْمُ النَّحْرِ أفْضَلُ أيَّامِ اللهِ قَدِ اجْتَمَعَ مَعَ يَوْمِ الجُمُعَةِ أفْضَلُ أيَّامِ الأُسْبُوعِ، فِي أيامٍ هِيَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ، فاحْرِصُوا عَلَى صَلاةِ الجُمُعَةِ.

تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنكُمُ الطَّاعَاتِ والصَّالِحَاتِ، وَأَجَابَ الدُّعَاءَ، وَحَقَّقَ الرَّجَاءَ.
اللَّهمَّ اغْفِرْ لِآبَائِنا وَأُمَّهاتِنَا... اللّهُمَّ وَفِّقْ مَنْ شَيَّدَ هذا المسجدَ وبنَاهُ، اللهمَّ تَقَبَّلْ مِنهُ يا ذَا الْجَلاَلِ والإِكْرَامِ.
اللهمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرضَى، وانْصُرْ جُنُودَنَا فِي الحَدِّ الجَنُوبِيِّ يَا ربِّ العَالَمِينَ..

د. سعود بن غندور الميموني
__________________
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01-09-2017, 03:24 PM
أبو إسراء A أبو إسراء A غير متواجد حالياً
مشرف ادارى الركن الدينى
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
المشاركات: 6,321
معدل تقييم المستوى: 22
أبو إسراء A is a jewel in the rough
افتراضي

جزاك الله خيرا
كل عام أنتم بخير
__________________
المستمع للقرآن كالقارئ ، فلا تحرم نفسك أخى المسلم من سماع القرآن .

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:04 PM.