مشاهدة النسخة كاملة : احلام الشباب .... يوميات فتاه مسلمه


ساره الالفي
26-01-2009, 12:54 PM
بسم الله الرحمنالرحيم

إخواني وأخواتي أعضاء بوابة الثانويه العامه المصريه
السلام عليكم ورحمةالله وبركاته

أقدم لكم ،يوميات جديدة ، اسمها (أحلام الشباب ... يوميات فتاة مسلمة ) وكاتبتها فتاة اسمها ( آية)، أدعوكن لمتابعتها ،متمنية أن تنال إعجابكم ،إن شاء الله ، انتظر ردودكم لمشاركتي بفارغ الصبر http://www.qopaa.com/vb/images/smilies/sm256.gif

من منا ليس له أحلام يطمح إلى تحقيقها؟
و نحن فيمقتبل العمر، تكون احلامنا كبيييرة و طموووحة
و المعوقات تكون أكبر...
لكننا نتطلع إلى غد جديد مشرق
لا تحد الصعوبات من عزائمنا :)


مــــرام،فتاة في مثل عمركم،
لديها أحلامهاو طموحاتها الخاصة
لديها نظرتها المميزة للحياة، و أفكارها المتعطشة للحرية والانطلاق
لديها ابتسامتها الحلوة و تفاؤلها معين لا ينضب...
و لكن لديها أيضا دينها و عقيدتها لديها التزامها و عباداتها...


أدعوكم إلى مشاركتها أحلامها عن طريقاليوميات التي سنقرؤها معا سنتعلم منها، من تجاربها، من أخطائها ونجاحاتها

تعالوا ندخل إلى عالم مرام...http://www.qopaa.com/vb/images/smilies/n200674.gif

ساره الالفي
26-01-2009, 12:57 PM
الحلـــــــقة الأولـــــــــــى





ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ


اسمي مرام، في العشرين من عمري،طالبة في كلية الطب البشري...
دخلت عالم الكلية مند سنتين، فتغيرت أشياء كثيرة في حياتي, هل كبرت؟؟
ربما! لكنني واثقة أن النضج الفكري ليس له علاقة جد وثيقةبالسن...
ربما حصلت تحولات في حياتي و هو ما جعلني أحس بالاختلاف

نعم،تغير المحيط
تغير الأصدقاء و الأصحاب
فقدت البعض و كونت صداقات جديدة...
الحياة لا تتوقف و العمر يمضي...

لكن ليس كل هذا مادعاني إلى كتابة مذكراتي!
صحيح أن كل تفاصيل حياة مهمة و لها قيمتها الخاصة بالنسبةإلي
فأنا أرى أن كل شخص مميز بالفطرة، لأن الله عز و جل خلقه مختلفا عن غيره منالبشر
لذا فكل فرد استثنائي بمجرد وجوده و اكتسابه لكينونة مستقلة و...
يبدوأنني سأبحر في الفلسفة

دعونا نعود إلى موضوعنا...
اممم، ما الدي دعاني إلى كتابة مذكراتي؟
نعم...
إنه إحساس مختلف بنفسي...
إحساس بكوني قد ألعب أدوارا هامة في مستقبل بلدي و أمتي...
ليس أن أكون محط الأنظار و حسب، لكن أن يكون لي تأثير في الناس من حولي
أن أصنع تغييرا في حياة كل من يلتقي بي
جميلأن تدرك قيمة نفسك، لكن الأجمل أن ينضاف إليه إحساس غيرك بقيمتك...
هدا لا يعني أنه لم يحس أحد بقيمتي حتى اللحظة!!
فأنا محبوبة من أهلي و إخوتي و رفيقاتي وأساتدتي و و و...

لكن، ماهي إضافتي إلى كل هؤلاء؟؟

اليوم، اليوم فقطأحسست بأنني قادرة على الإضافة
شعور يملأني سرورا و يملأ كياني حتى ما عاد يضاهيه شعور آخر

إحساسي بأن الله يستخدمني لخير عباده و لايستبدلني...
هل جربت هذا الإحساس؟
جرب و لنتندم...

( لؤلؤة الإسلام )
26-01-2009, 01:04 PM
يللا يا سارة كملي ... شكلها جميلة ..

ساره الالفي
26-01-2009, 01:12 PM
شكرا لؤلؤة الاسلام لمرورك تابعي معانا اليوميات إن شاء الله

أنا أنتظر حضور الأعضاء واتمنى تعجبكم إن شاء الله ونستفاد كلنا منها

ساره الالفي
29-01-2009, 11:44 PM
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ


كنت دائما أتطلع إلى أن أكون ذات نفع للآخرين
لكنها ظلت أفكارا نظرية أكثر منها تطبيقية إلى حد يوم من الأيام
فنحن تقريبا طوال دراستنا نأخد من الجميع و لا نعطي شيئا!
نأخد من آبائنا و أمهاتنا، وقتهم و جهدهم و مالهم و حنانهم و رعايتهم...
نأخد من الأساتدة و المعلمين و المدربين طاقاتهم و معرفتهم... و صبرهم و سعة صدورهم
كما نأخد من الطبيعة من حولنا ثرواتها الطبيعية، و نلقي بفضلاتنا فيها (ليس نوعا من العطاء المستحب )

و نقول في كل يوم : أريد أن أكون إيجابيا!!
أما آن لهذه الشعارات التي نتغنى بها، كشباب مثقف، ليلا و نهارا دون أن نبدي حراكا، أن تتحول إلى واقع، إلى حقيقة ملموسة، فنعطي شيئا؟؟

و الحقيقة أنني لم أكن أختلف عن الجميع في التشدق بالشعارات البراقة، و إلقاء الكلمات الرنانة على أسماع زميلاتي، فينظرن إلى فصاحتي و أفكاري الإبداعية بإعجاب ثم أنظر إلى نفسي و أقول : كفاك نفاقا!!

إلى أن جاء يوم...
كان ذلك مند حوالي أسبوعين، كنت جالسة في المكتبة العمومية، أطالع مجلدا ضخما من المصطلحات الطبية المعقدة، التي لم أتعود عليها بعد... حين تناهى إلى مسمعي أصوات تتحدث بصوت عال غير بعيد عني.
رفعت رأسي في انفعال واضح : يا عالم ياناس، أريد أن أركز!! ألا تكفيني المعادلات المعقدة و التركيبات الغريبة التي أكتشفها كل يوم في جسمي، فتشعرني تارة بالغثيان و تارة بالفزع و أخرى بالدهشة و الحيرة أمام عظمة الخالق، ليأتي بعض المشوشين و يفسدوا علي محاولاتي المتكررة و غير المجدية للتركيز !!!!

طبعا لم تنبس شفتاي بكلمة مما ورد سابقا، بل اكتفيت بالعض على شفتي و التمتمة في حنق : لا حول و لا قوة إلا بالله!!

التقطت أذناي كلمات استرعت انتباهي، فما لبثت أن تركت ما بين يدي، و نسيت أصلا أي مصطلح كنت بصدد المراجعة، و رحت أتابع الحديث باهتمام...

كانت الفتاتان تجلسان غير بعيد عني، مما جعل الحوار مسموعا تماما من حيث أجلس...
كان الحزن الشديد باديا على إحداهما، و كان في صوتها غصة، تغالب دموعها بصعوبة فيخرج صوتها مبحوحا...
ـ ... المرض في وضع متقدم، و الطبيب يقول أنه إن لم تجر العملية في أقرب وقت فحياتها ستكون مهددة!!
ـ يا حبيبتي يا نهى، شفى الله أمك و عافاها! إن شاء الله بعد العملية ستكون بخير، لا داعي للقلق، و احمدي الله أنكم اكتشفتم المرض قبل فوات الأوان...
ـ المشكلة ليست هنا يا حنان! المشكلة أن العملية بااااهظة الثمن جدا!! و لن يكون في مقدور أبي أن يوفر ثمنها بسهولة... و أنت تعلمين أن مصاريف الكلية ليست بالقليلة عليه، و مصاريف إخوتي الصغار أيضا... أبي مهموم جدا هذه الأيام، حاله النفسية أسوأ من وضع أمي الجسدي، إحساسه بالعجز يقهره! كما أنه لا يجد من يقرضه المبلغ...

تنهدت الفتاتان في حرقة...
و سرحت ببصري للحظات و قد استولت علي حالة من الذهول
أين الإيجابية يا مرام؟؟ أين روح المبادرة؟؟
و وجدتني أقف فجأة وسط القاعة بحركة مفاجأة أوقعت الكرسي و جعلت كل العيون تتوجه نحوي في دهشة
فنظرت حولي في خجل، ثم جمعت أدواتي على عجل و خرجت من القاعة لا ألوي على شيء...

إنها فرصتك يا مرام... فرصتك ليستخدمك الله فلا تضييعيها...

H.H.KH
03-02-2009, 02:00 AM
القصة شكلها هيبقى حلو اوى:)0000000متابعين معاكى 00استمرى يا جميل:av4056bb7jp3:

ساره الالفي
03-02-2009, 02:32 PM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ



خرجت من قاعة المكتبة و قد اعتملت في دهني أفكار كثيرة...
أولا : من واجبي كمسلمة مثقفة واعية ... أن أفعل شيئا لمساعدة الأخت نهى في مرض والدتها
ثانيا : أنا لا أعرف نهى هده، و لا أعرف كيف يمكنني أن أساعدها!!
ثالثا : أنا في حيرة من أمري و لا أدري من أين أبدأ، لكن يجب أن أفعل شيئااااااا
رابعا : يجب أن أحل النقاط الثلاث الأولى قبل المرور إلى غيرها

دخلت إلى غرفتي و أنا لم أكف طوال الطريق عن التفكير...
مع أن مندوبا رسميا عن ضميري المهني، أقصد الدراسي، كان يحاول أن يفسد علي هدوئي و يحول نظري إلى المجلد المرمي على الفراش بين الفينة و الأخرى ليدكرني باختبار بيولوجيا الخلايا بعد يومين

لكنني شخص يعرف أولوياته جيدا
و أعلم أن المجلد لن يضيع إن انا تركته مهملا على فراشي بعض الوقت، في حين أن حياة والدة نهى في خطر محقق...

وجدتها!!
طرت إلى حاسوبي و تسمرت أمامه لبضع دقائق، و أصابعي تعالج الأزرار تارة، و تقرص على الفأرة تارة أخرى و عيناي مشدودتان إلى الشاشة أتابع نتاج عملي في رضا...

دخلت أمي إلى الغرفة، فناديتها في حماس لتنظر إلى الشاشة
كنت قد انتهيت من إعداد القصاصة الاعلامية...
(( المسلم للمسلم رحمة...
إخوتي، إحدى زميلاتنا بالكلية تمر بظروف قاهرة و في حاجة إلى تعاونكم لانقاد والدتها من الموت...
ندعوكم إلى التبرع جميعا بمبالغ صغيرة من مصروفكم اليومي علنا نسد من حاجتها جزءا نثاب عليه في الدنيا و الآخرة...))

و في خلفية القصاصة لم أنس أن أضع صورة لأم تحضن ابنتها و الدموع على خديهما... تعبت كثيرا حتى عثرت على الصورة المناسبة على شبكة الأنترنت
ابتسمت أمي وقالت :
ـ من هي هاته الفتاة؟
ـ نهى...
خمنت أمي قليلا في حيرة...
ـ هل حدثتني عنها من قبل؟
ابتسمت و قلت :
ـ ليس كثيرا، و لكننا سنصبح مقربتين أكثر في الفترة القادمة...
لم يبد على أمي أنها فهمت الكثير، لكنني عاجلتها قبل أن تخرج من الغرفة
ـ أظنني في حاجة إلى زيادة صغيرة (أقصد كبيرة نوعا ما ) في مصروفي لأقوم بطبع القصاصات و توزيعها على الزملاء في الجامعة، ثم للمشاركة بمبلغ صغير في الحملة!!

ساره الالفي
03-02-2009, 02:47 PM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ




التقيت بصديقتي و أختي في الله راوية أمام باب الكلية...
نظرت في فضول إلى حزمة الأوراق التي أحملها و سألتني مشيرة إليها
ـ هل توزعين منشورات يامرام؟! هل جننت؟؟! ممنـــــــــــــــــوع في الكلية!!
ـ اششش... ليس الأمر كما تظنين، أنا في مهمة!
ـ مهمة؟؟
ـ و في حاجة إلى مساعدتك أيضا... سنقوم بوضع المنشورات في أدراج الطلبة، لا نريد أن يلحظنا أحد...
ضحكت ساخرة و قالت
ـ كيف تريدين أن لا يلاحظك أحد و أنت تحملين هذه الرزمة؟


انتبهت حينها إلى حقيقة الوضع، فأخفيت القصاصات في حقيبتي الدراسية، و مددت واحدة لراوية لتفهم الموضوع...
ـ أفهم من القصاصة أنك تنوين جمع مبلغ من المال لمساعدة إحدى الطالبات لمعالجة والدتها...
هززت رأسي موافقة و ابتسامة تعلو شفتي
ـ لكنك في نفس الوقت لا تريدين ان يلاحظك أحد و خاصة صاحبة الموضوع...
ـ نعم...
ـ لكن إلى من سيقدم المتبرعون المبلغ!؟؟ فالقصاصة لا تنص إلى الطرف الدي يجمع المال!!!!


- صحيييييييح
يا للذكاء حبيبتي راوية
لست أدري ما كنت سأفعل من دونك يا راوية! أنت أروع صديقة في الدنيا!!


نمر إذن إلى النقطة الرابعة :
رابعا : نحتاج طرفا موثوقا منه يلعب دور الوسيط لجمع المبلغ
خامسا : يجب أن يكون معروفا في الكلية حتى يقصده الجميع بدون تردد
سادسا : علينا استئذانه قبل توزيع المنشورات ليكون على علم بالعملية...


ـ ما رأيك في الدكتورة منى؟ إنها محبوبة من الجميع، و مكتبها معروف حيث تستقبل الطلبة، و لا أظنها تمانع
قبلت صديقتي الحبيبة راوية في امتنان و قلت :
ـ هيا بنا نكلم الدكتورة منى!!


كانت الدكتورة منى بالفعل في مستوى تطلعاتنا و تقبلت المهمة بترحاب كبير و كانت أول المساهمين بمبلغ محترم حتى انها تكفلت بتوزيع عدد من القصاصات على الأساتذة و الدكاترة لحثهم على المساهمة في الحملة...


انتظرنا بداية الحصة، حيث دخل الطلبة إلى قاعات المحاضرات، و لم يبق أحد في الساحة، فانطلقت رفقة راوية بسرررررعة إلى مكان الأدراج، و رحنا نرمي بالقصاصات داخل الأدراج بسرعة البرق... فعلينا أيضا أن نلحق المحاضرة


الحمد لله، انتهينا، فلننتظر النتيجة الآن...

ساره الالفي
03-02-2009, 03:24 PM
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ






جلست في قاعة المحاضرة و انا مشغولة البال...
يا الله... كم سيكون عدد المتبرعين يا ترى؟ كم سيكون المبلغ؟
يا لحظك يا مرام... كلما تبرع واحد كانت لك حسنات إضافية دون أن ينقص من حسناته شيء!!
((الدال على الخير كفاعله))
و أنت دللت على الخير و شجعت عليه...

ما أحلى الاحساس بالإيجابية... ما أحلى إحساس الفرد بانتمائه إلى المجموعة
ما أحلى الأخوة في الإسلام، حيث لا يؤمن أحدنا حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه...
و وجدتني أعانق راوية في سعادة ناسية أننا في قاعة المحاضرة

ـ مرام!! هل جننت؟؟ الناس ينظرون إلينا! أنت مثيرة للشبهات... ماذا دهاك؟؟
ـ أحبك في الله يا راوية!!
نظرت إلي كمن ينظر إلى مجنون يخشى ردة فعله العصبية
ـ أحبك الله الذي أحببتني فيه، لكن ما لزوم العناق في قاعة المحاضرة؟؟
ـ التعبير عن الحب ليس مرتبطا بمكان و لا زمان

هزت كتفيها في يأس
ـ لا حول و لا قوة و لا بالله... أرجو أن تشفي بسرعة من مرض الحب المفاجئ لأنني لا أريد أن أتعرض إلى المزيد من المواقف المحرجة بسببك

وقفنا في وسط الساحة نراقب جموع الطلبة بعد أن عثر كل منهم في درجه على القصاصة الإعلامية، و قد تجمع بعضهم في حلقات يتناقشون المسألة...
اقتربت منا سهير، طالبة في الصف الرابع و هتفت
ـ هل قرأتما القصاصات؟ جميل... الآن ستذهبان أمامي إلى مكتب الدكتورة منى... هيا، هيا بلا تأخير!! الجميع يجب أن يشارك... إنها حالة إنسانية...

ثم انطلقت إلى المجموعات الأخرى المتفرقة في الساحة تحثهم على التبرع، و بالفعل كان عدد منهم يتوجه إلى المبنى المقابل حيث مكتب الدكتورة منى...
نظرت إليها و على شفتي ابتسامة سعيدة...
إنها تنال نصيبها من الحسنات هي الأخرى، الحمد لله أنها لا تنقص من حسناتي شيئا و لا من حسنات المتبرعين...
ـ كم أحبك في الله يا سهير...
نظرت إلي راوية مبهوتة و تنهدت
ـ يا إلهي، ها قد عادت إليها حمى الحب!!


تم جمع المبلغ، و قد ساهم الكثيرووون و خلال أيام قليلة تمكنت أم نهى من إجراء العملية...
لم أكن إلى جانب نهى حين تسلمت المبلغ من الدكتورة منى و هي في غاية التأثر و الحيرة، لكنني أتخيل دموعها التي كانت تسيل على خديها بغزارة في عدم تصديق... فتسيل دموعي في فرح حقيقي

أنا و بكل فخر صنعت الحدث بتوفيق من الله تعالى
و الله إنه شعور لا يعادله شعور
أن يستخدمك الله لتيسير شؤون عباده
اللهم استخدمني و لا تستبدلني و وفقني إلى ما تحبه و ترضاه...

اليوم كنت في زيارة والدة نهى رفقة بعض الأخوات...
جميعنا لم تربطنا بها صداقة سابقة... لكنها الأخوة في الله
فالحمد لله على نعمة الإسلام...

إنها الخطوة الأولى... لقد أيقنت بأنني قادرة على أن اكون فاعلة و إيجابية في محيطي، و لا تزال أمامي خطوات كثيرة لتحقيق الحلم...


تمت الحلقة الأولى بحمد الله

ساره الالفي
03-02-2009, 03:34 PM
تعليق : بجد ما أحلى أن يكون الإنسان ايجابيا فاعلا في مجتمعه ووطنه ونيته إن هو بيعمر الأرض ، ياااااه بجد إحساس رائع ، بيحس الانسان إن ربنا بيستخدمه ، زي ما مرام حست ، هو ده الانسان المسلم ، وكتير بتمنى إن يكون مننا مرام كتير ، ساعتها قد إيه الدنيا هتكون جميلة وهتبدأ عجلة الزمان تدور وتكون احنا أصحاب الحضارة

ممكن تقولوا ايه الكلام الكبير ده !!! وإيه التفاؤل اللي هيا (أنا) فيه؟؟؟ بس حقيقي أنا مقتنعة بكده ، وبتمنى أعيش الأيام اللي يتحقق فيها ده وأكون من ضمن اللي ساهموا في كده

طولت عليكم بكلامي ، بس كنت حابة أعلق على اللي عملته مرام في الحلقة الأولىhttp://www.qopaa.com/vb/images/smilies/sm256.gif


والأحداث ابتداء من الحلقة التانية إلى الأخيرة هتكون مشوقة أكتر ، ومنتظرة تعليقاتكم اللي بتفرحني http://www.qopaa.com/vb/images/smilies/qopaaa.gif
وياريت ما تحسسونيش إني بكلم نفسي http://www.qopaa.com/vb/images/smilies/sm45.gif
أترككم في رعاية الله http://www.qopaa.com/vb/images/smilies/n200674.gif

لومة fces
03-02-2009, 03:51 PM
والله العظيم موضوع جميل جدا جدا جدا
وجزاك الله خيرا
وفى انتظار الحلقات القادمة وانا متابعة معاكى ان شاء الله
ويارب يجعلنا زى مرام كده وننفع اى حد باى حاجة بجد نفسى فى كده والله

قلب صادق
03-02-2009, 07:58 PM
جزاكى الله كل خير

وشكرا على القصه الرائعة

فى إنتظار المزيد

تحياتى

H.H.KH
04-02-2009, 03:46 AM
حلوة اوى الحلقة الأولى بجد جميييييييييييييييييييلة جــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدا0000000 واكيد فيه من مرام ديه 0000000000ولو مفيش ان شاءالله يكون فيه 000000:)ويللا بقى كملى باقى الحلقات واحنا متابعين معاكى:)

JusT DreaM
04-02-2009, 09:22 AM
جميلة بجد
تسلم ايديكي
وفي انتظار الحلقة التانية

فراق
04-02-2009, 12:27 PM
جزيت الجنة بجد جميلة ومستنية الباقى

ساره الالفي
04-02-2009, 01:40 PM
والله العظيم موضوع جميل جدا جدا جدا
وجزاك الله خيرا
وفى انتظار الحلقات القادمة وانا متابعة معاكى ان شاء الله
ويارب يجعلنا زى مرام كده وننفع اى حد باى حاجة بجد نفسى فى كده والله

جزانا الله واياكي أختي الغاليه
يارب آميين ربنا يجعلنا زي مرام
يجعلنا شخصيات إيجابيه فعاله في المجتمع


جزاكى الله كل خير

وشكرا على القصه الرائعة

فى إنتظار المزيد

تحياتى

جزانا الله وإياك
شكرا لمرورك العطر


حلوة اوى الحلقة الأولى بجد جميييييييييييييييييييلة جــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدا0000000 واكيد فيه من مرام ديه 0000000000ولو مفيش ان شاءالله يكون فيه 000000:)ويللا بقى كملى باقى الحلقات واحنا متابعين معاكى:)


ربنا يكرمك يارب مشاركتك أسعدتني

أكيد طبعا مرام موجوده وسطنا وممكن تكون كل واحده فينا هي مرام بس محتاجه تتوجه

جميلة بجد
تسلم ايديكي
وفي انتظار الحلقة التانية

مشكوره بنت الاسلام على مرورك العطر
في انتظار مشاركاتك وتعليقاتك


جزيت الجنة بجد جميلة ومستنية الباقى


آمييييين

ربنا يكرمك أختي الغاليه


بجد أنا مبسوطه أووووووي لمشاركاتكم كلكم وتابعوا معانا الحلقات

إن شاء الله كلنا نستفيد من مرام:)

ساره الالفي
04-02-2009, 01:50 PM
الحلــــــــقة الثــــــــانية


ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ



مثل كل فتاة مسلمة أحلم ببناء بيت مسلم متين البنيان
أحلم بالزوج الصالح، و الذرية الصالحة و الوئام و الانسجام...
أحلم برجل يملأ حياتي بهجة، أكون له أمة مطيعة فيكون لي عبدا ملبيا...
يعينني على طاعة الله و يأخذ بيدي إلى الفردوس الأعلى...
يااااه، أيقظوني، فإنني قد أغرق في مثل هذه الأحلام، أحلام اليقظة!!


كانت هذه الأحلام تراودني، و لازلت، منذ وعيت أهدافي في الحياة و حصرت محاورها.
و كان يوم... أحسست فيه أن أحلامي قاب قوسين أو أدنى مني...

كان ذلك منذ بضعة شهور، كنت في قاعة المكتبة (غريب أمري، كأن كل مذكراتي تبدأ في قاعة المكتبة!! أرأيتم كم أن العلم يفتح الأبواب، واظبوا على الذهاب إلى المكتبة العمومية و ستتغير حياتكم إن شاء الله، مثلما تغيرت حياتي:av4056bb7jp3:..)
كان في الكلية عدد من الطلبة الأجانب، بعضهم فلسطينيون و لبنانيون مسيحيون. بل أن بعضهم يحاول التبشير في الكلية و دعوة الشباب المسلم إلى المسيحية المحرفة. و المصيبة هي أن بعض الشباب المتذبذب يستجيب إلى الدعوة فيغير دينه، لأنه أصلا لم يكن يطبق الدين الإسلامي على أسس صحيحة...
و لا حول و لا قوة إلا بالله...


المهم كنت يومها في المكتبة، و كالعادة كانت هنالك أصوات تتعالى بحوار بدا ساخنا...
رفعت رأسي في سخط، ألا يحلو لهم الكلام إلا في المكتبة؟؟ هناك ساحات مخصصة لذلك، كما أنهم يختارون الطاولة المجاورة لطاولتي...
لا بأس يا مرام، صبرا جميلا، و الله المستعان على ما تصفون... كم أحب دعاء سيدنا يعقوب.
لا سبيل إلى التركيز على الجهاز العصبي، أعصابي أصلا لم تعد تستحمل, فلأنظر فيما يتحدثون و هل يستحق الموضوع كل هذه الضوضاء...

انتبهت إلى أن أحد الشباب يتكلم بلهجة لبنانية واضحة... ثم سمعته يهتف بكلمات مثل اليسوع و التضحيات الجسيمة و... لم أعد أحتمل!
وقفت من مكاني إلى حيث تجلس المجموعة، حيث توسط المبشر مجموعة من الشباب و الفتيات يشرح لهم نظريات دينه المحرفة!!
لم أستطع تمالك نفسي، فاقتربت لأدخل في النقاش :

ـ يبدو أن الحوار شيق هنا... دعونا نستفيد!!
تطلع إلي الشاب في دهشة و قد استفزه منظر حجابي الذي يغطي صدري و كتفي :
ـ أهلا بك يا أختي، إن كنت مهتمة باليسوع، تفضلي و شاركينا!!
ـ بالطبع مهتمة، و إلا لما كنت تركت مراجعتي و انضممت إليكم!

أحست المجموعة الجالسة حوله بأن حربا على وشك أن تشب بين الإسلام و المسيحية في ساحة الوغى، أقصد المكتبة... فأخذ المجتمعون يتسللون رويدا رويدا من الحلقة ليتركوني قبالة الشاب و كلانا يتطلع إلى الآخر في هدوء مستفز...

طيب قمت بمهمتي و فرقت الناس من حوله، الآن يجب أن أنسحب لأنه ليس من اللائق أن أجلس إليه وحدنا، ثم ماذا سيقال عني أنا المسلمة الملتزمة إن رآني أحدهم أحادثه؟ أنه نجح في تنصيري؟؟

ـ أظن أنه علي أن أذهب الآن...
رمقني بنظرة فاحصة :
ـ ظننتك متحمسة للحوار، ثم إن لدينا متسعا من الوقت للحديث بهدوء و ترو بما أن المجموعة انسحبت... أم أنك لا تثقين في متانة حججك، فتفضلين الانسحاب!

إنه يحاول إغاظتي!! اشتعل وجهي، و تصاعدت الدماء إلى رأسي و هممت بأن... و لكن...

ساره الالفي
04-02-2009, 01:53 PM
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ






هممت بأن أصرخ في وجهه و ألقنه درسا في احترام الدين الإسلامي ... لكن مرت بذهني فجأة آية كريمة أحبها : ((لو كنت فظاغليظ القلب لانفضوا من حولك)) و ((وجادلهم بالتي هي أحسن))...

فأخذت نفسا عميقا للسيطرة على انفعالي ثم قلت في ثقة :
ـ ليس من خلق رسولنا الكريم أن يرد على استفزازات المشركين، و نحن نسعى إلى أن نكون على خطاه، لذلك لن أرد عليك ... كما أنني آسفة لأنه يجب أن أنصرف فليس من خلق الفتاة المسلمه أن تجلس لمجادلة الرجال دون حياء، لكن إن شئت يمكننا أن ننضم جلسة نقاش يحضرها الشباب المسلم لتبادل الأفكار...

حينها سمعت صوته من خلفي يقول في صلابة و حزم :
ـ أنا أول المشاركين في الجلسة إن شاء الله!

التفتت مندهشة إلى مصدر الصوت... رأيته واقفا أمامي، تقدم بكل هدوء و سحب مقعدا ليجلس قبالة الشاب اللبناني و هو يقول :
ـ اعذراني إن قطعت حواركما، لكنه يبدو شيقا بالفعل، و يهمني أن أشارك...

كان من الواضح أنه استمع إلى قسم من حوارنا. أحسست بالسعادة... فقد جاءت المساندة!
لم أكن أعرف الشاب القادم بصفة شخصية لكنني أراه كثيرا في المكتبة، و يبدو عليه أنه طالب مجتهد. يجلس في ركن قصي حيث لا يضايقه أحد، لا يرفع رأسه عن كتبه... ربما من التركيز الشديد... و ربما غضا للبصر...

تكلم دون أن ينظر إلي بمثل وقاحة الكثير من الشباب اليوم :
ـ بعد إذنك أختي... سأتكفل بحجز إحدى القاعات، و أضع إعلانا على لوحة الإعلانات حتى يشاركنا كل من يريد أن يدلي بدلوه، و سأحرص على أن يكون الحوار منظما و حضاريا، دون تبادل الاتهامات المخزية و أو استعمال حجة الحنجرة و الاستفزاز... ما رأيكما في مساء الأربعاء؟

لم نملك إلا أن نوافق و قد بدا أنه سيطر على الموقف تماما...
لكنني كنت سعيدة، ربما لأن الإسلام لا يزال بخير
ربما لأنني كنت في موقف عصيب و وجدت من يقف معي و هو لا يعرف عني سوى أنني أخت في الله
و ربما...

لكن الأكيد هو أنني أحمد الله كثيييييرا لأنني لم أتسرع بالقيام بردة فعل عصبية كانت كفيلة بإفساد كل شيء في لحظات فتشوه صورة الإسلام و المسلمين
و تضيع فرصة الحوار بين الأديان...
و تجعلني في موقف حرج و فظيع أمام الشاب الشهم الذي أنقذ الموقف...

يوم الأربعاء، يكون بعد غد...
و بالفعل كان الإعلان يحتل صدر اللوحة صباح الغد... و رأيت عددا من الشباب يقفون لمطالعته
و كانت صديقتي راوية متحمسة جدا لحضور الجلسة، و لم تكن تعلم شيئا عن السبب الأساسي لعقدها...

فراق
04-02-2009, 02:55 PM
لازم الاثارة دى يا سارة ماشي يا ستى يا ريت الباقي

ساره الالفي
04-02-2009, 03:37 PM
لازم الاثارة دى يا سارة ماشي يا ستى يا ريت الباقي



طبعا هو في قصه منغير تشويقhttp://www.thanwya.com/vb/life/icons/icon16.gif

يلا تابعي معنا الباقي:av4056bb7jp3:

H.H.KH
04-02-2009, 07:34 PM
يللا نزلى بقى الحلقة اللى بعدها ومتتأخريش علينا :redface:.......مستنييييييييين:av4056bb7jp3:

ساره الالفي
04-02-2009, 09:40 PM
حاضر من عنيا تابع معانا

ساره الالفي
04-02-2009, 09:43 PM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ




إنه مساء الأربعاء...

وصلت باكرا إلى الكلية رفقة راوية التي بدت في غاية الاستعداد و قد أحضرت معها عددا من الكتيبات الدعوية لتوزيعها على الحاضرين
ما شاء الله على حبيبتي راوية... لا يفوتها شيئا!
لازال أمامي مشوار طويل حتى أكون في إيجابيتها و تفكيرها السليم...

لم يكن هنالك عدد كبير من الطلبة في الساحة... فليس هناك محاضرات هذا المساء...

كنت أنظر في الوجوه، كأنني أبحث عن شخص معين...
كنت بالفعل أبحث عن شخص معين، و قد انتابني القلق...

هتفت راوية منفعلة :
ـ إنها فرصة رائعة أن نتمكن من التحاور مع الطلبة المسيحيين بصفة مباشرة، فكم كنت أتمنى أن تتاح لنا الفرصة مند زمن! بارك الله في صاحب الفكرة و جزاه عنا كل خير...

هززت رأسي موافقة و لم أنبس ببنت شفة... لاحظت راوية شرودي فهمست :
ـ هل هناك ما يقلقك؟
ـ أنا؟؟ لا أبدا! لكنني متوترة قليلا، فالحوار لن يكون سهلا، علينا أن نتوقع دفاعا متينا من الطرف المقابل
ـ لكننا أصحاب الحجة الأقوى! لا تخافي، سيقوم الشباب بالواجب...


بدأ المهتمون بموضوع النقاش يتوافدون على الكلية،
ثم فتح أحد الشباب باب قاعة المحاضرات من الداخل، و دعا الجميع إلى الدخول...
أخذنا مقاعدنا في الصفوف الخلفية، حيث جلس الشباب من الأمام.
و امتلأت القاعة شيئا فشيئا... ياااه، الحمد لله على هذا الجمع الغفير...
اللهم وفق الشباب إلى حسن الدفاع عن دينك و تبليغ و لو كلمة عن رسولك الكريم صلى الله عليه و سلم.


ثم رأيت بطلي يدخل من الباب الجانبي يحمل رزمة من الأوراق، و معه شابان آخران يحملان رزما مماثلة و شرعا في تمريرها إلى صفوف الجالسين.
أحسست بخفقان قلبي يشتد...
ماذا دهاك يا مرام!؟
اهدئي!!
إنه شاب شهم، مسلم و يحب دينه و كفى!
لا تتركي الأحلام، أو بالأحرى الأوهام تسيطر عليك... فأنت بالكاد تعرفينه!

غضضت بصري، و انغمست في قراءة الورقة التي وصلت إلي يدي بعد أن انتشرت الأوراق على الحضور... كانت تشرح بأسلوب بليغ و حضاري أهداف اللقاء، و تؤيد حرية التعبير عن الآراء بما في ذلك الدين، و تضمن للجميع حقهم في المشاركة...

ساره الالفي
04-02-2009, 09:44 PM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ

سمعت صوته عبر مكبر الصوت يفتتح اللقاء...

كان عدد من الشباب يقف على المنصة منهم المسيحي و منهم المسلم، و قد تعرفت بالفعل على الشاب اللبناني الذي التقيته سابقا في المكتبة


و كعلامة على احترام الرأي المخالف كان الشاب اللبناني أول المتكلمين!
تكلم بطلاقة و هدوء... تحدث عن السلام و حب الآخر، و عن دعوة المسيح إلى الائتلاف...
ثم تكلم شاب ثان مسلم عن الإله الواحد و معنى التوحيد في الإسلام و مخالفة المسيحية المحرفة لمعنى الألوهية...
و بدأ الحاضرون من الجلوس يطلبون الكلمة، كل يشرح عقيدته و يرد على حجة الطرف الآخر دون تعصب أو غضب...
كنت أنظر إلى إخوتي المتكلمين باسم الإسلام بفخر و اعتزاز لانتمائي إلى هذا الدين و هذه الأمة...


إنني حقا خجلة من نفسي... رغم ما أدعيه من ثقافة دينية و معرفة عميقة للشريعة الإسلامية، فإنني لا أجد الحجة المناسبة في الوقت المناسب!!
بل إنني أتوه عندما يوجه إلي أحد المسحيين سؤالا، فالجواب يبدو لي بديهيا و لا أجد سبيلا إلى إيصال المعلومة التي باتت حقيقة بالنسبة لي لا تقبل النقاش!!!

ربما لأنني لم أهتم يوما بفهم وجهة نظر الطرف المقابل، لا أحاول أن أجيب على أفكاره و قناعاته بقدر ما أعمد على السخرية منها و اعتبارها أقاويل مفروغا من تفاهتها...

لكن ما رأيته في اللقاء من سعة صدر و تفهم و احترام للحجج المخالفة كان درسا بالنسبة إلي حول كيفية الأخذ بزمام الحوار...


خاصة حين تكلم بطلي...
تكلم بهدوء و موضوعية، محاولا إيجاد نقاط الالتقاء بين الآراء التي وقع الإدلاء بها سابقا، ثم متعرضا إلى نقاط الاختلاف الجوهرية و إلى التكملة التي جاء بها الإسلام بالنسبة إلى النصرانية... و إلى نقاط التحول التاريخية التي جمعت الديانتين، مستندا إلى تصريحات بعض المسيحيين الذين أسلموا و ما عرضوه من نقاط ضعف في الدين المسيحي المحرف...


و وجدتني فجأة أطلب الكلمة...

وقفت وسط الحضور و تناولت مكبر الصوت لأتحدث عن ما أعرفه من مطالعاتي و البرامج الثقافية التي أشهادها. تحدثت عن يوسف إيستس Yusuf Estes ، المبشر النصراني الأمريكي الذي أسلم بعد أن اقتنع بهشاشة دعوته، و تفرق مذاهب قومه و بني ديانته السابقة حين اصطدم بمتانة حجة الإسلام و سلامة القرآن من التحريف...
و وجدتني أتطوع لنسخ محاضراته و مد كل من يرغب في الاستماع إليها بها...


حين أنهيت كلمتي، كنت ألهث من الانفعال.
جلست، فعانقتني راوية في فرح :
ـ لقد كنت رائعة يا مرام!!
ـ حقا؟!
ـ نعم!!! لقد تكلمت بثقة و اتزان، و كانت العيون مركزة عليك، لقد أحسنت ختم اللقاء!
ـ ...




انتهى اللقاء الممتع على أحسن ما يرام، و خرجت رفقة راوية تعلو وجوهنا ابتسامة عريضة... الحمد لله



ـ كانت فرصة مميزة...
ـ نعم، أرجو أن نعيدها مرات و مرات...
ـ لاحظت أن عددا من الحاضرين ليسوا من الملتزمين!
ـ معظمهم جاء للاستماع و الاستفادة، ربما هداهم الله عبر مثل هذه اللقاءات...
ـ بل أن بعض الفتيات اللاتي طلبن الكلمة لسن من المحجبات، و أجدن الحجاج، سبحان الله... اللهم اهدهن إلى الحجاب و نور بصيرتهن...
ـ اللهم آمين...
ـ هل لاحظت الشاب الذي كان ينظم الحوار و الذي استلم الكلمة في الأخير فأحسن التعبير؟



بوغتت بالسؤال... إنها تتحدث عن بطلي!!



تظاهرت بعد الاهتمام و قلت في غير اكتراث :



ـ عن أي شاب تتحدثين؟ كل الشاب الحاضر كانوا مميزين، ما شاء الله...
ـ نعم، نعم أكيد... لكنني أتحدث عن منظم اللقاء، الذي دخل في البداية و وزع الأوراق




يا إلهي! إنها كانت ترقبه منذ البداية هي الأخرى!! معقول؟؟
صحيح أنه شاب مميز، و من الطبيعي أن يلفت انتباه كل الفتيات الملتزمات!
يا لحظي!!!




قلت متظاهرة بعدم المبالاة :
ـ نعم، أظن أنني عرفت عمن تتحدثين... ما به؟
ـ إنه ابن جيراننا... و أخته صديقتي، و تأتي إلى منزلنا كثيرا... و قد فوجئت حين رأيته يشرف على الحوار و يقود الجلسة! إنه شاب متخلق و مهذب جدا... لا يصافح البنات، و لا يكلمهن إلا في ضرورة... تصوري أنهم جيراننا منذ أكثر من خمس سنوات و لم نتحدث يوما! بل إنه حين يمر بي يكتفي بإلقاء التحية و يغض بصره بسرعة، حتى ظننته من النوع الخجول الذي يستحي من أخذ الكلمة... ففوجئت اليوم بطلاقة لسانه و ثقته العالية بنفسه!




ـ نعم يا حبيبتي راوية... فالشباب اليوم لا يتورعون عن الوقوف طويلا مع الفتيات و مبادلتهن الأحاديث و الدعابات، و يسمع ضحكهم من آخر الساحة... حتى بات الشاب الملتزم يعتبر معقدا... مثلما تعتبر البنت التي تتصرف بحياء معقدة... حتى أصبح الكثيرون يتهكمون و يتفكهون بقولهم : المعقدون للمعقدات، عوض الطيبون للطيبات!!!




قطع علينا حوارنا صوت شاب ينادي برفق من خلفنا :
ـ معذرة يا فتيات، هل لي أن أقاطعكن للحظات...
تسمرت في مكاني، و استدرت ببطء لأكتشف المتكلم...
من يكون يا ترى؟؟
اممم...
كان الشاب اللبناني المسيحي!
غير معقول... ماذا يريد!؟




لم تنطق إحدانا بكلمة من فرط المفاجأة، فأردف قائلا :
ـ آسف على الإزعاج، لكنني سمعتك تقولين في القاعة أنك مستعدة لمد كل من يرغب بأشرطة و خطب المبشر الذي أسلم... فهل لي أن أحصل عليها؟




عقدت الدهشة لساني، لكنني هززت رأسي علامة الموافقة و تمتمت كلمات غير مفهومة





حين انصرف، تبادلت مع راوية نظرة طويلة ذات معنى ثم انفجرنا ضاحكتين...

H.H.KH
04-02-2009, 11:07 PM
حاضر من عنيا تابع معانا

ايه "تابع" ديه انا بنت على فكرة:040vk0: ......هعديها المرة دي اللى جاية لاااااااااا:slap1qk6:......وتسلمى ياجميل على الحلقتين بصراحة حلوين اوى ويللا مستنيين الباقى:):av4056bb7jp3::049gc0:

ساره الالفي
05-02-2009, 01:51 PM
ايه "تابع" ديه انا بنت على فكرة:040vk0: ......هعديها المرة دي اللى جاية لاااااااااا:slap1qk6:......وتسلمى ياجميل على الحلقتين بصراحة حلوين اوى ويللا مستنيين الباقى:):av4056bb7jp3::049gc0:



على فكره مش مقصوده

العتب ع الكيبورد http://www.thanwya.com/vb/life/icons/icon10.gif

يلا متزعليش هاخد بالي المره الجايه :lol:

تسلمي انتي يا قمر ع المرور والاتشجيع ويلا نشوف الباقي :039uw8:

ساره الالفي
05-02-2009, 01:57 PM
الحلقـــــــــة الثـــــــــالثة


ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ





هذه المرة لم أكن في المكتبة العمومية...

إنها فترة التمرين، أقضي معظم يومي في المستشفى، أقوم بأعمال الممرضات في أغلب الأحيان...
ماذا أفعل؟ لست بعد في مقام الأطباء...
يارب وفقني و صبرني على السنوات المتبقية!!
لم أعد أطيق الانتظار خاصة حين أرى معاملة الأطباء اللا إنسانية للمرضى هنا!!
شيء لا يصدق...
الأطباء، و الممرضون الذين من المفروض أن يكونوا ملائكة الرحمة، يعاملون المرضى بقسوة و لا مبالاة... قد يقضي المريض يومه بين توجع و أنين دون أن يهتم به أحدهم أو يعيره أدنى اهتمام...

يا الله، هل سأصبح مثلهم في يوم من الأيام؟؟
يقولون أن الاستماع المستمر إلى الصراخ و الأنين يجعلك لا تسمعه و لا تحس به، كأنه جزء من السنفونية اليومية التي تعزفها الحياة حولك!!
هل التعود على آلام الآخرين يدفع بالقلوب إلى القسوة و التحجر؟؟

حين دخلت للمرة الأولى إلى قسم الأطفال المعاقين، لم أتحمل المشهد...
دمعت عيناي، و تراجعت، لم أستطع أن أحتضن الطفلة التي كانت عند قدمي تمد إلى يديها لأرفعها، لأنها وقعت عن فراشها و هي مشلولة القدمين لا تقوى على الوقوف...

ثم رأيت الممرضة التي رافقتني، تحملها بحركة سريعة، كأنها ترفع صندوقا خشبيا... و تعيدها إلى مكانها في عنف واضح، و تولي عنها دون أن تحاول الكشف عن الأضرار التي لحقتها عند السقوط...

و تعالى بكاء طفل آخر في أقصى القاعة...
أحسست بقشعريرة...
هل خلقت فعلا لأكون طبيبة؟؟ أنا لا أتحمل تألم الآخرين أمامي... فكيف سأقوى على تضميد الجراح العميقة و خياطتها؟؟ كيف سأجري العمليات المعقدة و أفتح البطون و أعبث بمحتويات الأجساد؟؟


رمقتني الممرضة و أردفت مبتسمة :
ستتعودين... كلنا كنا مثلك في البداية، لكن بطبيعة العمل ستصبح أشياء عادية بالنسبة إليك.
نعم؟؟؟؟ أصبح مثلكم، قاسية القلب، عديمة الرحمة؟؟
شكرا يا حبيبتي!!
أفضل أن أبقى على حساسيتي، على أن أفقد أسمى ما في الإنسان : مشاعره الإنسانية!!


خرجت من القاعة بسرعة، حتى لا أفقد أعصابي...
و... فجأة اصطدمت بشخص ما، إذ لم أكن مفتوحة العينين تماما... و قد استغرقني التفكير في مستقبلي المهني

التفت مرتبكة لأعتذر من الشخص الذي تسببت في إيقاع دفاتره و بعثرة أوراقه على الأرض... و... انعقد لسان من المفاجأة...
غير معقول!! من؟؟
إنه هو!
هو بشحمه و لحمه و لا أحد غيره!

...

ساره الالفي
05-02-2009, 01:59 PM
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ





سارع بالانحناء ليجمع أوراقه، قبل أن أهم أنا بجمعها...
انتظرت حتى فرغ من إعادتها إلى مكانها، لأقول بصوت خفيض و متلعثم :
ـ آسفة... لم أنظر أمامي...
لكنه قاطعني بابتسامة مؤدبة :
ـ لا عليك أختي...
ثم قال متفكرا بعد أن استقام في وقفته
ـ ألست الأخت التي شاركتنا في لقاء الأديان منذ أسبوعين؟

إنه يذكرني!! غير معقول!!
اهتز قلبي من الطرب...
سأرقص في مكاني!!

غضضت بصري بسرعة و قلت في حياء :
ـ نعم، لقد كان لقاء رائعا، و التنظيم غاية في الإحكام، كما كانت الكلمة الأخيرة مؤثرة بالفعل...

اتسعت ابتسامته و هو يقول :
ـ أردت أن أشكرك لأنك بمبادرتك أتحت للجميع فرصة التعبير عن آرائهم، و أنا أولهم، فقد كنت أخطط لمثل ذاك اللقاء منذ فترة لكنني لم أجد الفرصة المناسبة...

صمت للحظات، ريثما همهمت بكلمات غير مفهومة لأنفي عن نفسي أي فضل، ثم أردف قائلا :
ـ كما أشكرك جزيل الشكر على الأشرطة التي انتشرت في الكلية، حتى وصلني أحدها، فقد وجدت فيها الكثير من الحجج التي أعجز عن العثور عليها في أي مرجع آخر، لأن الرجل يتكلم من وجهة نظر المسيحي ثم يرد من وجهة نظر المسلم، إنه لشيء رائع حقا...


أحسست أن وقفتنا طالت أكثر مما يجب، و الممرضة توشك على الخروج في إثري.
لاحظ أنني تطلعت ناحية الباب فقال :
ـ أنا آسف، لأنني آخذ من وقتك، لكن لم تتح لي الفرصة سابقا لأشكرك... و إنها لفرصة طيبة أن أراك هنا...


يا إلهي...
أحس أن لوني تحول إلى الأحمر القاني...
وجهي سينفجر... النجدة!!
ـ هذا من لطفك يا أخي...


ـ على العموم، أنا أقوم بتربص لمدة شهرين هنا... إن احتجت إلى أية مساعدة، تجدينني في المكتب المقابل... أعلم أن تجربة التمارين الأولى قد تكون مرهقة... كما أنني أمتلك بعض المراجع التي قد تفيدك...
ثم استطرد ضاحكا :
ـ على الأقل أكون قد رددت جميلك...



ابتسمت بدوري، ثم حييته باقتضاب و انطلقت إلى غرفة التحاليل...
...

Dr.love ferdos paradise
06-02-2009, 12:30 AM
تسلم ايدك قصه جميله انا قريتها من الاول

جزاكي الله خيرااا

وياريت الباقي

ساره الالفي
06-02-2009, 09:26 PM
تسلم ايدك قصه جميله انا قريتها من الاول

جزاكي الله خيرااا

وياريت الباقي


جزانا الله واياكي اختي الغاليه

الباقي جاي في الطريق :078111rg3:

ساره الالفي
06-02-2009, 09:34 PM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ



أطلب منه المساعدة؟؟ مستحيل!!

ليس لأنني أترفع عن طلب المساعدة من أحد...
لكنه شخص غريب...
لا يكفي أننا التقينا مرتين أو ثلاثة قبل الآن لأسمح لنفسي بمبادلته الأحاديث!

لكنها فرصتك يا مرام...
من الواضح أنه معجب بك، و قد شكرك بنفسه، و هو يعترف لك بالفضل في قيام الملتقى...

نعم، إنه يشركني على مساهمتي و حسب...
لذا لا يجب أن أبحر كثيرا في أوهامي... أو أن أسمح لأحاديثي معه أن تتجاوز حدود اللياقة و الاحترام
حادثة اليوم ليست مسوغا لإقامة علاقة صداقة أو أيا كانت!!

أنت هكذا تغلقين الأبواب جميعها...
اتركي له الفرصة، لا تعطي المسألة أهمية أكثر مما تستحق، و دعي الأحداث تسير بطبيعتها... على أية حال، أمامك أسبوع كامل تقضينها معه في نفس المستشفى و قد تسنح بعض الفرص لتتحدث فلا تنفري منه!


آخ رأسي!!
تعبت من التفكير...


ـ مرام، هلا أتيت إلى هنا...
سارعت إلى الطبيبة التي كانت تدخل امرأة قد بدا عليها الإنهاك إلى غرفة الإنتظار
ـ قومي بفحصها، ثم خذيها إلى غرفة الأشعة، لتصوير الجمجمة...

اقتربت مسرعة من السيدة و تناولت ذراعها لتتوكأ علي، إذ كانت تتحرك بصعوبة
بادرتها و أنا أجس نبضها :
ـ ما الذي حصل معك؟
ـ وقعت من أعلى السلم، فأصبت في رأسي...

دقات قلبها ضعيفة... الحال لا تبشر بخير...
تحسست موقع الإصابة التي توقفت عن النزيف.
ثم سارعت أقيس ضغط دمها... الحالة خطرة بالفعل!!
أجلستها على السرير في قاعة الفحوصات ثم انطلقت إلى الطبيبة مسرعة :

ـ دكتورة... حالتها خطرة، لا يجب أن تتحرك، بل يجب أن تخضع إلى عملية في الحال... دقات قلبها ضعيفة جدا و مستوى ضغط الدم ينذر بهبوط حاد... أشك في نزيف داخلي...


قاطعتني الطبيبة في صرامة :
ـ قلت لك خذيها لتقوم بصور الأشعة... و لا تحاولي أن تلعبي دور الطبيبة، فما تعلمته في الكلية يبقى مجرد نظريات مقارنة بالتجربة و المعاينة... لذا أطيعي أوامري!
ـ و لكن...
ـ مرام!

عدت إلى قاعة الفحوصات على مضض. كانت السيدة تشعر بدوار، ساعدتها على الوقوف و أنا أقول محاولة رسم ابتسامة مشجعة على وجهي :
ـ سيكون كل شيء على ما يرام، سنذهب معا إلى قاعة التصوير بالأشعة، استندي علي... تفضلي من هنا...

وقفت السيدة مترنحة و بدت ذراعها مرتخية و هي تقول :
ـ هل مازال وليد في الخارج؟ طلبت منه أن يحضر لي قطعة من الحلوى لأنني أحس بالضعف...
ـ من هو وليد؟
ـ إنه ابني، و قد أحضرني إلى هنا بالسيا...

لم تتم الجملة، بل انقطع صوتها فجأة و ارتخت ذراعها تماما، لتسقط على الأرض بلا حراك

لم أتمالك نفسي أن صرخت : النجدة...

ساره الالفي
06-02-2009, 09:38 PM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ


لم أعرف ما الذي يجب أن أفعله أمام هول المفاجأة...
لبثت المرأة مسجاة أمامي، للحظات قبل أن يهرع "فتى المواقف الصعبة" لنجدتي بعد أن سمع الصرخة المدوية التي أطلقتها...

سارع بحمل السيدة على ذراعيه دون أن ينبس بحرف، تبعته إلى قاعة الفحوصات، حيث قام بمعاينتها بسرعة و خفة قبل أن يهتف في جزع :
ـ نحتاج إلى إنعاش سريع... إنها تموت!!


شهقت في هلع...

كان عدد من الممرضين قد تجمع في القاعة على إثر البلبلة التي حصلت في القسم، و وجدت الطبيبة التي أصرت على قيامها بالصور تقف أمام الباب و قد حاكى و جهها وجوه الموتى من اشتداد الاصفرار...
سارع البعض إلى تجهيز غرفة الإنعاش و صعقات الكهرباء، في حين تابع المنقذ محاولاته اليائسة بالضغط المستمر على صدرها...
ثم ما لبث بعد عدة محاولات أن رفع رأسه في أسى، ليواجه العيون المتسائلة في وجوم :
ـ فات الأوان... لقد فارقت الحياة...


تملكتني نوبة من البكاء الحاد، لم أستطع السيطرة عليها
أول مرة أرى شخصا يموت أمام عيني...
خاصة أنه كان بإمكاني إنقاذها…
كنت أحس بأسى شديد، و قلبي يتقطع من الحزن…
يا إلهي… اغفر لي يا رب…


جاء رئيس القسم بسرعة و على وجهه تكشيرة مخيفة، و نادى الطبيبة المشرفة، ثم بعد لحظات عاد ليناديني إلى مكتبه!
تبعته في رعب شديد و أنا بالكاد أرى الطريق أمامي بعد أن صارت الرؤية ضبابية بسبب الدموع
مررت على الممرضين الواقفين أمام القاعة و سمعت بعضهم يهمس :
ـ مسكينة، لم يمض على وجودها في المستشفى أيام قليلة و ها قد تسببت في وفاة إحدى المرضى!


لم أستطع أن أرد، بل ارتفع نحيبي ثانية بعد أن أفلحت في السيطرة عليه بصعوبة شديدة
أنا لم أقتلها… لم أقتلها!!
ليس ذنبي، صدقوني!!

جلس رئيس القسم خلف مكتبه و أخذ يلهو بالقلم بين أصابعه في عصبية واضحة، ثم أشار إلى الطبيبة التي كانت تقف إلى جانبي قبالة المكتب…
ـ أخبريني إذن، ما الذي حصل بالضبط؟؟

ابتلعت الطبيبة ريقها بصعوبة و قالت :
ـ جاءت المصابة في حالة يرثى لها، و قد كان من الواضح أن إصابتها في مستوى الرأس بليغة، لذلك طلبت من الطالبة تحت التمرين… مرام، أن تقوم بمعاينتها و جس نبضها… فأكدت لي أن ضغطها طبيعي و نبضها لا يصل إلى مستوى حرج…

اتسعت عيناي من الذهول…
ما الذي تقوله هذه المرأة؟؟
إنه الكذب عينه!!
هممت بأن أفتح فمي لأحتج، لأدافع عن نفسي…
صحيح أنني مبتدئة، لكنني أطبق ما أتعلمه و أبذل قصارى جهدي…
إنها أمانة يا ناس، أمانة يا عالم!! أرواح الناس أمانة بين أيدينا و ليست لعبة!!!

لكن الطبيبة قاطعتني ثانية لتقول :
ـ لا يمكن أن نحاسب طالبة في الصف الثاني على خطأ مماثل… لكن من الضروري أن نضع الطلبة من الآن فصاعدا تحت المراقبة الصارمة، لتجنب أخطاء فظيعة قد تودي بحياة البشر، فأرواح الناس ليست لعبة!!

تملكني إحساس فظيع بالضياع…
أحسست بأنني وحيدة، و مستضعفة، و مظلومة…
يا الله رحمتك!
استندت على الحائط حتى لا أسقط…

لم أسمع بقية ما قيل، بل استيقظت على صوت رئيس القسم الأجش يأمرني بالانصراف…

amrorg2020
06-02-2009, 09:58 PM
رائع مشاركاتك الفعالة لك الشكر والتقدير وفى انتظار المزيد

ساره الالفي
07-02-2009, 11:44 AM
رائع مشاركاتك الفعالة لك الشكر والتقدير وفى انتظار المزيد


جزاك الله خيرا لمرورك العطر

ساره الالفي
07-02-2009, 11:54 AM
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ






خرجت من القاعة و قد أوشكت أن يغمى علي...
كانت الجموع لا تزال في الخارج، ينتظرون خروج الشاة الذبيحة لتكتمل فرجتهم المسلية. لبثت عيونهم معلقة بي، و أنا لا أقوى على الحراك... يتهامسون و يتمتمون دون أن يوجه أحدهم لي الكلمة
ألم شديد في رأسي و صدري
رحمتك يا رب...

ثم سمعت صوت باب المكتب يفتح ثانية، ثم صوت الطبيبة بجفافها المعتاد :
ـ مرام، اتبعيني!
رفعت رأسي بصعوبة، ثم تبعتها بخطوات يائسة إلى مكتبها...

دخلت، فأغلقت الباب خلفي و دعتني لأستريح على كرسي...
تمنيت أن أتهالك على الكرسي، لكنني تجلدت و رفضت شفقتها، و هي التي اتهمتني زورا و بهتانا...
لم تعر رفضي للجلوس اهتماما بل أنشأت تقول :
ـ اسمعيني يا مرام، مثل هذه الحادثة كان من الممكن أن تودي بمستقبلي المهني... و لا أظنك ترضين لي ذلك... ثم أنت يا صغيرتي لازلت طالبة تحت التمرين، و لا تؤاخذين كثيرا بأخطائك، و لن تتحملي أية مسؤولية لأنك لست مؤهلة بعد للعب دور الطبيبة...

و أرواح الناس؟؟ من يتحمل مسؤوليتها أمام رب العالمين؟؟
لا أصدق أن الدناءة قد تصل بالإنسان تجاه أخيه الإنسان إلى هذه الدرجة...
كيف يسمحون لمثل هذه الوحوش القاسية بالقيام بدور ملائكة الرحمة!!
أين الضمير المهني؟؟
بل أين المشاعر الإنسانية؟؟
حسبي الله و نعم الوكيل...
يبدو أنها استشهدت منذ زمن في المستشفيات على أيدي عديمي الشفقة، فلم يبق لها أثر...

كانت هذه الخواطر تمر بذهني، دون أن أنطق فأنا أعلم أنه لا فائدة من كلامي...
فمن مات قلبه فلم يعد يتأثر بموت البشر أمامه، هل سيتأثر ببضع كلمات لوم و تأنيب؟؟
تابعت الطبيعة بعد استراحة صغيرة ريثما أستوعب كلماتها :
ـ أظنك متعبة من كل ما حصل اليوم، لذلك يمكنك المغادرة... و لا داعي للعودة في الغد... سأسعى لنقلك إلى مستشفى ثانية في أقرب فرصة حتى تنهي تمرينك دون أن تعكر ذكرى حادثة اليوم مشوارك...

نعم بالطبع، يجب أن أختفي فوجودي يهددها... إنها تخشى أن أحدث أحدا بحقيقة ما حصل...
مدت يدها لتصافحني في برود :
ـ شكرا لتفهمك، و بالتوفيق...

خرجت من مكتبها و أنا بالكاد أحافظ على هدوئي حتى لا أنفجر... عدت إلى قاعة الفحوصات حيث أخذت أجمع أوراقي و أدواتي بسرعة و عصبية... تطلعت إلى الخارج عبر النافذة. إنها تمطر بشدة، و البرق يمزق رداء السماء...
رحمتك يا رب...
لبست معطفي و خرجت... الحمد لله أنني جئت بسيارة أمي اليوم، و إلا لما تمكنت من العودة، فمحطة الحافلة على مسافة ليست بالقصيرة عن المستشفى، و مع الأمطار الغزيرة كنت سأصاب بنزلة برد حادة.
قطعت المسافة حتى الموقف راكضة تحت المطر... ركبت السيارة، أدرت المحرك و انطلقت.
كان المستشفى في منطقة شبه نائية، أقيم زمن الاستعمار. المحيط جبلي، و الطريق وعرة قبل الوصول إلى الطريق السيارة. ارتجفت و أنا أستمع إلى صوت الرعد الذي هز أرجاء المكان...
سبحان الذي يسبح الرعد بحمد و الملائكة من خيفته...

كانت الطريق خالية و مخيفة،
لمحت في المرآة العاكسة سيارة أخرى تسير خلفي... إنها قادمة من المستشفى أكيد... فلا يوجد أي مظهر من مظاهر الحياة في الاتجاه الذي أتيت منه. مع أن الدوام لم ينته بعد، من يكون غادر المستشفى في مثل هذا الوقت؟
تابعت سيري بسرعة منخفضة لأن الطريق أصبحت زلقة...
فجأة ارتفع صوت منبه السيارة التي تتبعني...
يبدو أنني أعطل حركة المرور... زدت في السرعة قليلا، لأصل بسرعة إلى الطريق السيارة... لكن السائق عاد ليرفع صوت منبهه ثانية
هل سرعتي لا تزال غير كافية؟؟
دست مجددا على مزود السرعة... فأحسست بأن السيارة تفقد توازنها... ضغطت على الفرامل قليلا... ثم فجأة أحسست بأن السيارة تغوص إلى الأسفل!! و المحرك يتوقف بعد أن ارتجت السيارة بي ارتجاجا شديدا...
لقد وقعت في حفرة!!!
حاولت إدارة المحرك من جديد، و ضغطت على مزود السرعة في محاولة يائسة للخروج من الحفرة، لكن بدون فائدة... كدت أن أنفجر باكية، لولا أنني في نفس اللحظة سمعت صوت طرق على باب السيارة!
كانت الرؤية قليلة الوضوح... لكنني تبينت ملامحه و قد تبلل شعره و تساقطت قطرات صغيرة على وجهه!
...

ساره الالفي
07-02-2009, 11:56 AM
ـــــــــ*×*ـــ((6))ـــ*×*ـــــــــ







إنه هو، نعم هو! دائما يظهر لست أدري من أين، ليخرجني من أشد المواقف صعوبة...

كان يطلب مني أن أفتح الباب... كنت في مأزق و لم أقدر إلا أن أنصاع إلى أومره...
فتحت الباب بعد تردد قصير، لم ينظر إلي لكنه أفسح لي المجال و هو يقول في حزم :
ـ انزلي!
أنزل؟؟ ماذا يريد مني؟؟
كنت أنظر إليه في دهشة دون أن أقوى على النطق، فوجدته يمدني بمفاتيح سيارة، و هو يشير إلى سيارته التي توقفت خلف سيارتي :
ـ خذي سيارتي و عودي إلى المستشفى!

آخذ سيارته؟ لم يبد عليه أنه يمزح... دائما بنفس الحزم و الجدية و العملية.

مددت يدي لألتقط المفاتيح، ثم نزلت من سيارتي و أنا أرتجف... كنت أنفذ أوامره بدون نقاش، كأنه ولي أمري!

ركضت إلى سيارته، فتحت الباب و جلست أمام المقود. كان لا يزال يتابعني بعينيه و أشار إلي بأن أنطلق عائدة إلى المستشفى.
أدرت المحرك و انطلقت بالفعل...
كان يجب أن أنتبه إلى الحفرة، فقد تفطنت إليها ساعة قدومي إلى المستشفى و تجنبتها... لكنني لم أكن مركزة جدا عند مغادرتي كما أن حالة الطقس جعلت الرؤية غير واضحة، فوجدت نفسي في قعر الحفرة تماما!
ماذا سيقول عني؟ أنني متهورة و قليلة الانتباه!

إحساس غريب انتابني. إنني أقود سيارته!!
ما الذي يحصل معي؟
كنت أجول بعيني داخل السيارة، كأنني في مكان عجيب...
إنها سيارة ككل السيارات، لكنها سيارته... و أنا أقودها!!
تنبهت إلى القلادة التي تدلى من المرآة الأمامية و عليها دعاء السفر فابتسمت...
سقطت عيناي على كتاب كان موضوعا قريبا من المقود : كيف تنمي روح المبادرة...
إنه يهتم بالتنمية البشرية أيضا!!
عدد من الأشرطة : كن إيجابيا للدكتور صلاح الراشد... يا إلهي، إنني أعشق هذه السلسلة!

وصلت إلى المستشفى بسرعة، لبثت في السيارة لبضع دقائق.
هل أدخل ثانية؟ ستراني الطبيبة و ستعنفني... ستحاصرني النظرات الفضولية...
لكن هل من المعقول أن أبقى في السيارة... في سيارته؟

وجدت الحل... نزلت من السيارة و ركضت إلى مدخل المستشفى. المكان مغطى بحيث يحميني من المطر، لكنني لن أضطر إلى مواجهة الأشخاص الذين في الداخل من جديد...
وقفت هنالك أتأمل السماء و الطبيعة المبتلة حولي، و المطر لا يتوقف...
مرت الدقائق ثقيلة على قلبي... خمس دقائق مرت، عشر دقائق، ربع ساعة...
و أنا أرقب الباب الخارجي للمستشفى... أنتظر عودته بفارغ الصبر
ترى هل السيارة بخير؟ أمي لن تكون جد مسرورة بحماقتي!
و ما أهمية السيارة الآن! أرجو أن يكون الشاب بخير... فقد تأخر!
انتابني قلق شديد...
مرت نصف ساعة، ثلاثة أرباع الساعة...

رحت أذرع الممشى جيئة و ذهابا...
و أخيرا، ظهرت سيارة أمي في مدخل موقف السيارات. ركضت إليها متلهفة... إلى السيارة طبعا، كي أطمئن على حالها!

كانت الأمطار قد خفت بعض الشيء. نزل من السيارة و سلمني المفاتيح مبتسما :
ـ لم أكن لأستطيع إخراجها بمفردي فقد غاصت العجلات في الوحل، فانتظرت مرور سيارة أخرى فيها بعض الشبان، فساعدوني... آسف إن كنت تأخرت عليك...

و يتأسف على التأخير أيضا! سلمته مفاتيحه بدوري...
ـ لست أدري كيف أشكرك على ما فعلته معي... الحمد لله أنك عدت سالما، فقد بدأت أقلق بالفعل...

مراااااام!! ما الذي تقولينه؟؟
لم أستطع السيطرة على لساني، يا ويلي!!!!
احمرت وجوهنا معا و لم يكن ينقصنا سوى موسيقى رومانسية لنرقص تحت المطر

ـ ستتبللين تحت المطر... و لا أريد تعطيلك أكثر من هذا... لكن كوني حذرة هذه المرة... سيري على مهل. المطر لم يعد غزيرا و ستكون الرؤية أمامك أوضح... أعلم أن وفاة السيدة أمامك أثرت فيك كثيرا... و حين رأيتك تخرجين على تلك الحالة، تذكرت مباشرة الحفرة و توقعت أن تسقطي فيها، فخرجت على إثرك لأنبهك، لكنك كنت تسرعين فلم ألحقك في الوقت المناسب...

اشتعل وجهي ثانية، من الخجل من نفسي ... هل يبدو علي أنني متهورة!؟
ـ أقسم أنها لم تكن غلطتي... لقد...

وجدته يهز رأسه مؤيدا، لم يلق علي باللوم! بل قاطعني مطمئنا :
ـ أعرف الدكتورة سعاد منذ مدة، و أعرف لامبالاتها و تكبرها... ليس غريبا أن تلقي عليك باللوم و تتهمك بأخطائها!

كنت في غاية السعادة... إنه لا يعتقد أنني المذنبة! الحمد لله...

ـ انتبهي إلى الطريق، و صحبتك السلامة...
صعدت إلى السيارة و ابتسامة تعلو شفتي،
ابتسامة مسحت عني كل آلام ذاك اليوم و مصائبه...

ساره الالفي
07-02-2009, 12:03 PM
الحــــــــلقة الرابـــــــــــــعة

ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ

اليوم انتقلت إلى المستشفى الجديدة...
ضاعت عليك الفرصة يا مرام!! لن تريه ثانية!!

هكذا أفضل، حتى أركز على التمرين، و لا شيء غيره...
من الغريب أنني لا أعرف اسمه إلى حد الآن! رغم أننا تحادثنا لبعض الوقت إن أننا لم نتعارف،


كنت في قاعة الفحوصات، أنظف جرح طفلة صغيرة في الذراع، سقطت من دراجتها، حين دخل رئيس القسم. لم أكن قد التقيته من قبل، لكن وقفته و نظرته المتسلطة توحي بأنه لن يكون إلا هو!
انشغلت بعملي و لم أعره اهتماما. وقف لبعض الوقت يلقي نظرة فاحصة على محتويات القاعة، ثم سمعته يوشوش لإحدى الممرضات :
ـ من هي تلك الفتاة، هناك... لم أرها من قبل...
كان يقصدني!!
أجابته الممرضة بكلمات لم أسمعها، فهمهم شاكرا، ثم لبث في مكانه بضع لحظات أخرى قبل أن يقرر الانصراف.
لم أكن قد ارتحت لنظراته التي تدل على عدم الحياء، فقد كان يتفحصني كأنني شاة يهم بشرائها...


سار اليوم بصفة عادية، دون مشاكل تذكر، فقد كنت بالفعل قد بدأت التعود على الجروح و الإصابات، لكنني أفعل ما بوسعي حتى لا أؤلم المصابين، و أخفف عنهم بكلمات رقيقة تدخل إلى قلوبهم الطمأنينة. و كنت قد ارتحت إلى إحدى الممرضات الشابات التي بدا عليها أنها لازالت تقدر المشاعر الإنسانية، فكنا نقضي أوقات الاستراحة معا نتبادل الأحاديث...

بينما كنا نتحدث، مر بنا رئيس القسم...
و كالعادة، توقف للحظات يتفحصنا... ثم انصرف!
نظرت إلى صديقتي الجديدة رنا في تساؤل و دهشة فهزت رأسها و قالت :
ـ احذري منه يا عزيزتي، فكلما انضمت ممرضة جديدة إلى الفريق لم تسلم من أذاه...
ـ كيف؟؟ لم أفهم؟
ـ حاولي فقط أن لا تتصدي له بقوة، و عامليه بمرونة حتى لا يستفزك و يتركك في سلام...
لم تضف حرفا على ما قالته بل انصرفت إلى عملها و تركتني في حيرتي...
رحمتك يا رب... فليمر هذا التمرين على خير...


كنت قد أنهيت عملي، ففترة التدريب تقتصر على النصف الأول من النهار، و كنت بصدد جمع حاجياتي، حين ظهر رئيس القسم ثانية في القاعة، و كان من الواضح هاته المرة أنه يقصدني دون غيري، فقد نظر إلي مباشرة و قال كمن يعرفني منذ فترة :
ـ آنسة مرام، هلا مررت على مكتبي قبل مغادرتك؟
لم ينتظر ردي، بل سبقني إلى مكتبه. تطلعت إلي رنا في رثاء بين و همست :
ـ كوني مرنة و لا تستفزيه!

تبعته إلى مكتبه و أنا لا أفهم قصدها. دخلت و وقفت بعيدة عن المكتب في انتظار أوامره. جلس خلف مكتبه ثم أشار إلي :
ـ أغلقي الباب و اجلسي...
أغلق الباب؟؟ ماذا يقصد؟؟ يريد أن يختلي بي؟؟ يا ويلي!!
تململت دون أن أتحرك، و تذكرت كلام رنا : كوني مرنة و لا تستفزيه...
طيب سأغلق الباب، لكنني سأكون متحفزة، لن أسمح له بتجاوز حدوده.
لا حظ ترددي فابتسم مشجعا و قال :
ـ لا تخافي...
أغلقت الباب و بقيت في مكاني، فوقف من وراء مكتبه و تقدم نحوي و أردف :
ـ إن كنت لا تريدين التقدم نحوي فسآتي إليك...

اقترب مني أكثر و مد يده ليصافحني!!
المعتوه!! ألا يرى أنني فتاة محجبة؟؟ يعني لا أصاااااافح!!
لا يجب أن أتنازل، و إلا فإنه سيطمع في أكثر من هذا! نظرت إليه في حزم و قلت :
ـ آسفة يا سيدي و لكنني لا أصافح!

تراجع كالمصدوم، ثم ما لبث أن رسم ابتسامة خبيثة على وجهه و قال :
ـ لا تضعي بيننا حاجزا من اليوم الأول، أنت تعلمين أنني المشرف على تمرينك...

هل يهددني؟ أعلم أنه المشرف على تمريني، و أنا في حاجة إلى شهادة منه على حسن سير التمرين من أجل التقييم العام في الكلية...
يا إلهي...


ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ







كان ينظر إلي في تفحص من جديد... نظراته تؤذيني، و أنا لا أملك أن أفعل شيئا.


كنت قد قررت أن لا أمد يدي، فتجاهلت عبارته الأخيرة و قلت :


ـ اعذرني يا سيدي، و لكن قد طلبتني إلى مكتبك و عندي درس في الكلية... فهل تريد مني شيئا قبل أن أنصرف؟



كان يعجب من جرأتي، لكنه لم يستسلم... و لم يرحمني...


فجأة وجدته يرفع يده ليحطها على كتفي كأننا أصدقاء قدامى و يقول في تودد مصطنع أثار تقززي :


ـ كنت أريد أن أطمئن عليك و على سير التمرين عندنا... هل ضايقك أحد...


بتر جملته حين تراجعت إلى الخلف في حركة شبه طبيعية إذ أنني أخذت محفظتي التي كنت قد وضعتها على الأرض و أجبته مبتسمة :


ـ شكرا جزيلا لك يا سيدي... أنا بخير، و الجميع هنا لطفاء...


ثم أخرجت من محفظتي مطبوعة التقييم، و مددتها إليه قائلة :


ـ كنت أريد توقيعك، في نهاية التمرين على مطبوعة التقييم...



استلم الورقة و رسم ابتسامته الغريبة من جديد و هو يقول :


ـ على العموم مكتبي مفتوح لك على الدوام، إن احتجت أية مساعدة... فلا تترددي


حاولت أن أبتسم، لكنني كنت في غاية الاشمئزاز، فارتسمت ابتسامة بلهاء على وجهي لا تعني شيئا و تمتمت :


ـ شكرا لك يا سيدي... إلى اللقاء...



و استدرت بسرعة لأفتح الباب و أركض إلى الخارج قبل أن يفكر في مد يده ثانية لمصافحتي...






وقفت في ساحة الكلية، أحدث راوية عن مغامرتي الجديدة في التمرين ثم تنهدت و أنا أقول :


ـ مرت بسلام اليوم... لكنني لا أضمن أن تمر في كل مرة، خاصة أنه يبدو من النوع الشرس الذي لا يستسلم بسهولة...




في تلك اللحظة مر بنا شخص لم أتوقع رؤيته هناك ... و في تلك اللحظة بالذات... من يكون يا ترى؟ ... من تراه غيره؟ نفس الشخص الذي يظهر أمامي في كل مكان و بدون سابق إنذار!



ألقى التحية سريعا و في عينيه ابتسامة، ثم غاب سريعا في الزحام... أما أنا فرددت التحية بصوت خفيض، و تضرج وجهي حياء فطأطأت رأسي ... حتى أنني نسيت وجود راوية التي لبثت تحدق في دهشة :


ـ تعالي هنا يا شقية!! و يبتسم لك أيضا!! إنها المرة الأولى التي أراه فيها يبتسم منذ خمس سنين! أخبريني الآن حالا كيف تعرفينه و ماذا بينكما؟؟



أوقفت بصعوبة سيل اتهاماتها، و أوضحت لها بأن قصصت عليها الحادثة التي حصلت معي في التمرين الأول، لكن متجنبة جميع المواقف المحرجة ... و أنهيت روايتي قائلة :


ـ أرأيت... ليس هنالك شيء يستحق الذكر!


فوجدتها تشهق بصوت عال و هي تعصرني :


ـ كل هذا و تقولين ليس هناك ما يستحق الذكر؟؟ أعرف عددا لا بأس به من البنات، سيكون من دواعي سرورهن الخلاص منك بأسرع ما يمكن!!



يا إلهي، مع أنني حذفت نصف الأحداث و لم أسهب في وصف ما حدث! ماذا لم أخبرتها بكل الحقيقة؟


ـ بنات؟؟ يتخلصن مني؟ لماذا؟ و من يكن؟


ـ لا تتظاهري بالبراءة! قلت لك أنه لا يتحدث مع البنات، فضلا عن الاهتمام بهن إلى درجة الخروج وراءهن لإنقاذهن وسط الأمطار الغزيرة...


كانت تصاحب عباراتها بحركات استعراضية مضحكة ثم هتفت ثانية :


ـ لو تسمع سهير بالأمر، ستنتحر المسكينة!


ـ سهير؟ تنتحر؟؟


ـ نعم يا حبيبتي، سهير طالبة الصف الرابع! إنها معه في نفس الصف، بل إنها زميلته من الثانوية... و علاقته بها لا تتعدى التحية الصباحية، و المحاضرات و الدروس فقط لا غير! و هي معجبة به جدا! و لا تفوت فرصة لا تمدحه فيها... حتى أنها صارت من المقربات لشقيقته الصغرى رغم فارق السن، حتى يتسنى لها زيارتهم في المنزل!



لم أصدق ما أسمع ... سهير من أول البنات اللاتي عرفتهن في الكلية، و هي مثال البنت الملتزمة الخلوقة و المرحة... مهذبة و رقيقة و غاية في الجمال أيضا... كما أنها صديقة أخته و تزورهم في البيت... يعني لا سبيل إلى المنافسة!!



أيقظتني راوية من أفكاري و هي تهزني ضاحكة :


ـ لكن يبدو أنك قطعت أشواطا في أيام قليلة!!


ـ أرجوك توقفي يا راوية، ستفضحيننا... ليس الأمر كما تتصورين، فأنا لا أعرف اسمه حتى!


ـ أين المشكلة؟ اسمه حسام! ها أنت عرفت اسمه، هل يغير في الموضوع شيئا؟



حسام!!


اسم جميل... حسام و مرام! ياااه، اسمه على نفس وزن اسمي!


يا مرام، استيقظي! عدت إلى أوهامك ثانية!


و ماذا يعني إن سمحت لك الظروف بالحديث إليه للحظات؟؟


تنهدت من جديد...



لكن راوية كانت ترسم ابتسامة عريضة... يا لها من متفائلة!

( لؤلؤة الإسلام )
07-02-2009, 01:39 PM
هو مش مفروض في جزء قبل ده ..ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ

عموما بجد حلقات جمييييييييييييييييييلة جدااااااااااااااااااااااا ...

ساره الالفي
07-02-2009, 02:11 PM
أيوه يا لؤلؤه معلش غلطه مني هظبطه دلوقتي على طوووووووووووول

H.H.KH
07-02-2009, 04:36 PM
ايه الجمال ده :av4056bb7jp3:....نفسى اعرف ايه نهايتها :redface:....يللا كملى يا جميل مستمرين معاكى
:av4056bb7jp3::av4056bb7jp3::av4056bb7jp3::av4056b b7jp3:

ساره الالفي
07-02-2009, 05:19 PM
من عنيا يا قمر

بس اصبري شويه

المسلمة الرقيقة
08-02-2009, 03:22 PM
أرجوكي كملي بسرعة احناخلااااااااااص ادمنا القصة

H.H.KH
08-02-2009, 03:41 PM
ايه ده فين حلقتين النهاردة بقى :angry2::(....لا مينفعش كدة :slap1qk6:.....

pharma girl
08-02-2009, 07:48 PM
جزاكى الله خيرا حلوة اوى
بس ايه رأيك لو تجطى الباقى كله
على شان انتى تعبتينا و ماشية واحدة واحدة و انا مش بحب استنى
هههه
بجد حلوة اوى

Dr.love ferdos paradise
08-02-2009, 09:27 PM
جزاكي الله خيرا قصه جميله

sweatfula
09-02-2009, 11:17 AM
شكرا ليكي قصة رووووووعة بس فين الباقي

ساره الالفي
09-02-2009, 11:34 AM
أرجوكي كملي بسرعة احناخلااااااااااص ادمنا القصة


ايه ده فين حلقتين النهاردة بقى :angry2::(....لا مينفعش كدة :slap1qk6:.....


معلش المواصلات كانت زحمة فأتأخرت شويه:022yb4::022yb4:
جزاكى الله خيرا حلوة اوى
بس ايه رأيك لو تجطى الباقى كله
على شان انتى تعبتينا و ماشية واحدة واحدة و انا مش بحب استنى
هههه
بجد حلوة اوى
جزاكي الله خيرا لمرورك
بس يبقى فين التشويق والإثاره لو عملنا كده
جزاكي الله خيرا قصه جميله

جزانا الله وإياكي أختي الغاليه

شكرا ليكي قصة رووووووعة بس فين الباقي


الباقي وصل شكرا لمرورك

ساره الالفي
09-02-2009, 11:40 AM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ

صرت أتحاشى رئيس القسم قدر الإمكان. حين أراه قادما أحاول الخروج من القاعة إن كان ذلك ممكنا أو أن أتحدث مع شخص ما أو أنهمك في العمل...
و هو يبتسم لي في كل مرة، ابتسامته الكريهة...
و إذا أفلح في محاصرتي ـ رغم كل المحاولات ـ فإنه يسألني عن سير العمل و يعرض مساعدته كالعادة... و هو ما كنت في غنى عنه تماااااما!!

مرت الأيام ثقيلة على قلبي... و أنا أتنهد مع كل نهاية دوام!
الحمد لله يوم آخر، و تنتهي معاناتي... لم يبق سوى يوم واحد و أغادر هذه المستشفى بلا رجعة... يا رب!
لم أكن أتوقع أن يكون التمرين قاسيا علي إلى هذه الدرجة...
العمل ممتع، و العلاقة مع المرضى تشعرني بالقرب من الله... تشعرني برسالتي في الحياة...
لكن الوحوش البشرية... تضيق علي الخناق، و تفسد علي متعتي...

انتهى يومي الأخير! قمت بجولة في القسم، أسلم على زملائي و على المرضى. جمعت أدواتي في محفظتي و هممت بالمغادرة...
لكن، كان لا بد أن أمر على مكتب رئيس القسم لأستلم مطبوعة التقييم ممضاة من طرفه. هذا ما تطلبه الكلية! و ليس لدي خيار...
استعددت ثانية لمواجهته... ستكون المواجهة الأخيرة بإذن الله، الحمد لله أنها لن تتكرر... استجمعي شجاعتك يا مرام، و اذهبي إليه الآن...

طرقت الباب بهدوء و انتظرت إذنه بالدخول... لم يلبث أن سمح لي. دخلت و تركت الباب مفتوحا... نظر إلي مطولا، لم يحاول أن يمد يده. الحمد لله...
لكنه ابتسم من جديد و قال :
ـ إنك يا مرام فتاة متميزة و مثال للانضباط و الأخلاق العالية و قد سررت حقا بعملك معنا هذه الفترة... و متأسف لمغادرتك بسرعة!

همهمت بكلمات شكر و امتنان لحسن معاملة الفريق لي...
وقف من مجلسه و تقدم ليقف أمام المكتب ثم دعاني إلى الجلوس برفقته في مقعدين متقابلين أمام المكتب. ترددت لكنه أردف بلهجة جادة :
ـ أريد أن أحدثك في موضوع هام... اجلسي أرجوك...

كان الباب ما يزال مفتوحا. طيب، سأجلس...
جلس قبالتي و عقد يديه أمام صدره و قال :
ـ أريدك أن تستمعي إلي جيدا، و أن تفكري في عرضي بجدية...

استر يا رب! أي عرض سيعرضه علي هذا الشيطان؟!

تنحنح و استوى في جلسته ثم مال إلى الأمام قليل و هو يقول :
ـ عزيزتي مرام، أنا معجب بك جدا... و قد لفتت انتباهي منذ أول يوم رأيتك فيه هنا. كما أنه يبدو عليك الحشمة و الخلق الحسن و هو شيء مفقود في بنات هذه الأيام. و أنا أقدر الفتاة التي تتمتع بخصالك...

طيب، و بعد... إلى أين يريد أن ينتهي؟!
ـ مرام، ما رأيك في أن تتزوجيني؟

صعقت من المفاجأة! كتمت صرخة كادت تفلت من حلقي...
ماذا يريد؟! أن أتزوجه؟! إنه في سن أبي!! ألا يخجل من نفسه؟!

واصل غير مبال بعلامات الدهشة التي ارتسمت على ملامحي :
ـ أنت طبعا تعلمين أن الفتاة التي سيكون من حظها أن تتزوجني ستتمكن من الحصول على التخصص الذي تريد، لأنني من أعضاء لجنة التوجيه... كما أنها ستعيش في منتهى الرفاهية و السعادة...

و اتسعت ابتسامته لتفتر عن أسنان بشعة، لم تزدني إلا نفورا.
تمالكت نفسي لأقول بصوت خرج مبحوحا :
ـ لكن يا سيدي، أنا أعتبرك في مقام والدي... فأنت ترى أن فارق السن بيننا ليس بالهين!

ـ عن أي فارق سن تتحدثين؟! ألا ترين أنني لازلت في عنفوان الشباب؟ ألعب الرياضة بانتظام، و أتبع نظاما غذائيا ممتازا... مما يجعلني وافر الطاقة و النشاط!

كدت أنفجر ضاحكة أمام هذا الشيخ المتصابي الذي وقف أمامي كاشفا عن عضلات عضده، في حركة استعراضية!
ـ نعم يا سيدي، و لكن الحقيقة... هي أنني... لا أفكر في الزواج في الوقت الحالي...
ابتسم ثانية و قال :
ـ نعم، بالطبع، من حقك أن تفكري... و تتعرفي علي أكثر حتى تقتنعي بي.
ثم مد يده ليقدم لي بطاقته الخاصة :
ـ تجدين هنا رقمي الخاص... يمكنك أن تتصلي بي في أي وقت شئت...

أخذت البطاقة و أنا أنوي وضعها في سلة المهملات حال خروجي و قلت :
ـ نعم، سأفكر في عرضك... هل لي أن أسترجع مطبوعة التقييم... أحتاجها للكلية.

فرد رده المتوقع و الذي لم أستغربه من نذل مثله :
ـ بالطبع يا عزيزتي... تستلمينها حين يأتيني ردك... و من الأفضل أن يكون بالإيجاب... أليس كذلك يا جميلتي؟ إنه الأفضل لكلينا...

ساره الالفي
09-02-2009, 11:41 AM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ




انفجرت راوية ضاحكة، بعد أن سمعت مني قصتي مع رئيس القسم...
ـ تضحكين؟؟ أنا في مأزق جديد و أنت تتسلين!؟
حاولت راوية جاهدة أن تسيطر على نوبة الضحك التي انتابتها و هي تقول :
ـ حكاياتك عجيبة... كل واحدة أعجب من الأخرى... لكن حظك السعيد رماك في هذه المستشفى... مبروك عليك العريس الهمام...
و أغرقت ثانية في الضحك.
أشحت بوجهي و تمتمت في استياء :
ـ نعم اضحكي يا حبيبتي... لست أدري كيف سأخرج من هذه المصيبة الجديدة!

أخيرا استطاعت راوية أن تستعيد جديتها ـ تقريبا ـ و قالت متفكرة :
ـ ألا ترين أنها فرصة حقيقية... تتزوجين رئيس قسم مرة واحدة! فتنتهي كل مشاكلك دفعة واحدة... لا تحملين هم النجاح من سنة إلى أخرى، ثم التخصص و التعيين... كله سيسير كأحسن ما يرام! عامل السن ليس عائقا... أعرف الكثيرات تزوجن رجالا يكبرنهن بعشرين أو ثلاثين سنة و حياتهم سعيدة، لا يعكر صفوها شيء... ثم رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم تزوج السيدة عائشة و عمرها تسع سنوات و فارق السن بينهما أكبر بكثير مما يحصل معك...

ضربتها على كتفها في غيظ :
ـ راوية هل جننت؟! أتقارنين هدا الفاجر الفاسق، عديم الأخلاق برسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم؟! ماذا دهاك يا عزيزتي؟ حتى لو شرب وصفة سحرية تعيدها 20 سنة إلى الوراء فمن المستحيل أن أقبل به! العيب في الشخص نفسه و ليس في سنه!

هزت راوية رأسها مؤيدة و قالت في دلال :
ـ نعم بالطبع... خاصة حين تقارنينه ببطلك المغوار حسام, فلا سبيل إلى المقارنة!

حسام؟ أين هو حسام؟ لم لا يظهر كالعادة لينقذني؟!
كفاك أوهاما يا مرام!
هل صدقت ترهات راوية!؟
تنهدت في حسرة

انتبهت على صوت راوية تهمس :
ـ خمني من القادم...
رفعت رأسي و نظرت إلى حيث أشارت... كانت فتاة تتقدم إلى حيث نقف و على شفتيها ابتسامة وديعة كأنها تحيينا فرددت الابتسامة و تساءلت هامسة :
ـ من تكون؟
ـ إنها شقيقة حسام...

اهتز قلبي فرحا... شقيقته؟
اقتربت منا و حيتنا في رقة... يا إلهي، إنها تشبهه حقا, بنفس هدوئه و وداعته.
التفتت إلى راوية و قالت :
ـ ألا تعرفينني بصديقتك؟
تعارفنا في جو مرح، و تحدثنا لبضع دقائق في مواضيع عامة ثم نظرت دالية أخت حسام إلى ساعتها و قالت :
ـ لقد تأخرت على أخي، إنه ينتظرني أمام المكتبة... إلى اللقاء يا بنات... فرصة سعيدة يا مرام...
ابتعدت خطوات قليلة ثم التفتت :
ـ نسيت أن أخبركما... أخي حسام عرض على إدارة الكلية فتح نادي جديد لتنمية المواهب في مجال الإدارة... ستكون هنالك دروس في التنمية البشرية من قبل مختصين و دورات ممتعة... أنتما مدعوتان لحفل الافتتاح بعد غد... لا تتأخرا

ثم لوحت بيدها و ابتعدت مسرعة...

نظرت إلي راوية و هتفت :
ـ يجب أن ترفضي رئيس القسم!

معقول؟!
هل هي محض صدفة؟! أم...

lamis11
09-02-2009, 03:16 PM
اليوميات شكلها مثيرة للاهتمام شكرا ومزيدا من التقدم

ساره الالفي
09-02-2009, 08:40 PM
جزاكِ الله خيرا أختي الغاليه

شكرا لمرورك

المسلمة الرقيقة
10-02-2009, 05:19 PM
ياااااااااااااااااااااا رب متتاخرش زي كل مرة واعراض الادمان تظهر!!!!!ههههههههههههههه جزاك الله خيرا يارب

ساره الالفي
10-02-2009, 10:28 PM
سلامتك من الادمان مسلمه

الحلقه وصلت

ساره الالفي
10-02-2009, 10:36 PM
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ

أمسكت بذراع راوية في شدة و أنا أرجوها :
ـ أرجوك يا راوية، أتوسل إليك يا حبيبتي تعالي معي إلى المستشفى! لا أريد أن أواجه ذاك المتوحش بمفردي!!
هزت كتفيها دهشة و قالت :
ـ و ما الذي يمكنني فعله من أجلك؟ أتكلم باسمك؟ اعذرها يا سيدي فقد فقدت القدرة على النطق من وقع الصدمة لما طلبتها للزواج!؟
قالت ذلك و انفجرت ضاحكة...

ـ أنا لا أمزح يا راوية، تدخلين إليه و تقولين أنك مبعوثة من طرفي... أحسن لو تقولين أنك من طرف الكلية و أن الطالبة مرام تأخرت في إرجاع مطبوعة التقييم... ما رأيك؟
تفكرت راوية قليلا ثم قالت :
ـ و هل تظنين من الصعب عليه أن يموه و يقول بأنه سيرسل المطبوعة لاحقا؟ أو يتصل أصلا بالمشرفين على التمارين في الكلية... فقد يكونون من أصدقائه فيتلاعب... لا لا يا مرام، يجب أن تواجهيه بنفسك و ننتهي من الحكاية مرة واحدة...

يا إلهي... ألهمني الصبر و الثبات...
تنهدت في تسليم، فأردفت راوية مداعبة :
ـ ما رأيك في تأجيل العملية إلى ما بعد حفل الافتتاح... ستكون نفسيتك قد تحسنت و قد اكتسبت مناعة جديدة لمواجهة الموقف...
حدجتها بنظرة صارمة...
إنها لا تتعب من مشاكستي...
خاصة أن الموضوع يروق لها...


و بالفعل ذهبنا إلى حفل الافتتاح أولا...
وصلنا مبكرتين كالعادة... و لم يكن الضيوف قد بدؤوا بالتوافد. لمحت عن بعد دالية تقف رفقة سهير. طبعا، فهي صديقتها المقربة! لكن ما إن رأتنا دالية حتى ركضت إلينا لتحيينا...
ـ كنت أعلم أنكما لن تضيعا الفرصة!
فأومأت راوية برأسها قائلة :
ـ نعم، أكيد فمرام من المهووسين بميدان التنمية البشرية و لديها مختلف الموسوعات قد التي تتصورينها... أشرطة و كتب و محاضرات... و جعلتني أدمن معها!
ثم انفجرت ضاحكة و ضحكت دالية، و قد احمر وجهي من الخجل! هداك الله يا راوية... تريد أن تجعل مني موضوع الحديث!
ـ لحظة سأعود إليكما...
جرت دالية إلى الجانب الآخر من القاعة، فتبعتها بعيني ثم لكزت راوية في بطنها :
ـ ما الذي تفعلينه؟
ـ أخدم مصالحك يا ابنتي! الشاب أرسل أخته لتتعرف عليك و تأتيه بمعلومات عنك... فيجب أن يكون الحديث ثريا بحيث يحصل على ما يريد في أقصر وقت ممكن!
ـ إنها افتراضاتك يا راوية!
أنت من يقول أنه أرسلها في حين أن الفتاة تتصرف بكل عفوية... فلا تحملي القصة أكثر مما تستحق!
ـ اسمعي كلامي و لن تندمي... حتى إن كانت تتصرف بعفوية، إذا أعجبت بك فسوف تتحدث عنك أمامه، فيحصل المراد على أية حال! دعيني أتصرف...


عادت دالية و عادت راوية تحدثها عن موهبتي في الكتابة، و عن الرياضات التي مارستها، و عن الكتب التي تحويها مكتبتي الشخصية... سرحت بعيدا عنهما للحظات، حين انتبهت من جديد سمعت راوية تقول ضاحكة :
ـ و أخيرا تقدم لها رئيس القسم الذي قامت فيه بتمرينها... و هي أكيد سترفض لأنه ليس الشخص المناسب لطموحاتها...
تحول لوني إلى الأحمر القاني، و قلت مقاطعة الحديث :
ـ متى يبدأ الحفل يا دالية فالقاعة بدأت تمتلئ...
ابتسمت و قالت :
ـ تركت حسام مع ضيوف الشرف، أكيد لن يتأخروا كثيرا، بضع دقائق فقط... سأنظر إن كان بإمكاني المساعدة بشيء ما...
ثم انطلقت من جديد. فأمسكت بخناق راوية و أنا أعنفها :
ـ ما الذي كنت تقولينه؟ هل كان من الضروري إثارة موضوع رئيس القسم؟!
ـ طبعا يا حبيبتي، ليعلم أنك مرغوب فيك و مطلوبة للزواج و ليس من طرف أي شخص، بل من طرف رئيس قسم!! فعليه أن يبادر سريعا و إلا فستضيعين من بين يديه!!
نظرت إليها مذهولة فاستطردت :
ـ ألم أقل لك دعي الموضوع علي و سيتم كل شيء كما تريدين...
في نفس تلك اللحظة حانت مني التفاتة، فلمحته يقف غير بعيد عنا!! التقيت عيوننا لبرهة، فابتسم ابتسامته المعهودة و حياني باقتضاب ثم... اختفى...


لم أره فيما بعد أثناء الحفل... فقد كان يشرف على التنظيم و يتنقل باستمرار في القاعة.
انقضى الحفل و انصرفت رفقة راوية... في اتجاه المستشفى!!
ـ أليس الوقت متأخرا؟ سأذهب غدا...
جرتني راوية بقوة و إصرار :
ـ بل ستذهبين الآن حالا و سننتهي من الحكاية برمتها... إنها الساعة الخامسة، سيكون في مكتبه...
تنهدت في ألم، لا أريد أن أراه ثانية!!!!


دخلنا القسم...
كانت هنالك حركة غريبة في الداخل... لمحت رنا فركضت إليها أسألها عم يحصل
ـ هناك زيارة خاصة للقسم من طرف وزير الصحة!!
ـ وزير الصحة هنا؟!
ـ نعم زيارة مفاجأة...

تطلعت ناحية المكتب... كان الباب مفتوحا. لمحت عددا من الأشخاص الذين يبدو عليهم الأهمية و الوقار... ممثلو الوزارة بكل تأكيد
إنها فرصتك يا مرام!!
تركت راوية واقفة عند رنا و انطلقت إلى المكتب...
ـ يا مجنونة... إلى أين تذهبين... انتظري...
تجاهلت نداء راوية و تقدمت إلى أن وصلت إلى الباب. طرقته بهدوء لأثير انتباه الحاضرين. التفت إلي الجميع و اشتعل وجه رئيس القسم و بادرني :
ـ أهلا بك آنسة مرام... ألا ترين أنني في اجتماع مع سيادة الوزير؟!
فأجبته في جدية و جرأة :
ـ آسفة سيدي على الازعاج، لكنني في حاجة إلى مطبوعة التقييم للكلية، فقد تأخرت في ردها... و المسألة لن تستحق سوى توقيعك سيدي...
نظر إليه الوزير و قال :
ـ لا بأس... و قع الورقة، فليس هدفنا تعطيل المصالح العامة هنا...

تناول رئيس القسم المطبوعة من الدرج حيث حفظها بعناية و وقعها على مضض... ثم سلمها لي في جفاء :
ـ تفضلي...
تناولتها و أنا لا أصدق عيني و وجدتني أبتسم شاكرة و أقول :
ـ شكرا لك سيدي الوزير... دمتم ذخرا للوطن...

ساره الالفي
10-02-2009, 10:42 PM
تعليق : اسمحوا لي أن أضع تعليق قبل اليومية الجديدة التالية ،وهي أنني لاحظت أن مرام كلما تقع في مشكلة ما ، سبحان الله أجد إن هذه المشكلة قد حلت من عند الله ، وأظن أن السبب في هذا هو قربها من الله وتوكلها الشديد عليه ، أأسف على المقاطعة ، ولكن هو تعليق صغير أحببت أن أضعه ، ونعود الآن إلى متابعة اليومية الجديدة من الحلقة الخامسة

ساره الالفي
10-02-2009, 10:48 PM
الحلــــــــقة الخـــــــــامسة

ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ







استيقظت اليوم و أنا أحس بألم شديد في منطقة البطن و أسفل البطن...

تمالكت نفسي بصعوبة و جلست في الفراش و أنا أتحسس موضع الألم ، و الألم يزداد...ما الذي يحصل معي؟

لا أتوقف عن التفكير... لشد ما أقلق من الاضطرابات الصحية!
أخذت حبة مسكن للألم و قررت أن أتجاهل الأمر.
لا عليك يا مرام، إنها حادثة بسيطة... بضع اضطرابات ثم سيسير كل شيء على ما يرام.


حاولت أن لا أعير المسألة اهتماما.
كنت أتابع محاضرة في نظام المناعة، حين فاجأتني الآلام من جديد... كانت أقوى هذه المرة. تركت الأوراق جانبا، و عضضت على أصابعي بشدة حتى لا أطلق صرخة وسط القاعة الملأى بالطلبة...

كانت راوية جالسة إلى جانبي، في تركيز تام مع الدكتور المحاضر...
التفتت إلي فجأة لتسألني :
ـ هل سمعت ملاحظته الأخيرة؟ لم...
ثم انتبهت إلى أنني لم أكن في وضع يسمح لي بإجابتها...
ـ مرام، حبيبتي... ما بك؟ هل أنت بخير؟!
أجبتها من بين أسناني و أنا أتلوى من الألم :
ـ بطني يا راوية، بطني... أحس ألما شديدا...

وقفت راوية فزعة و أخذت بذراعي لتقودني إلى خارج القاعة... و قد لحقتنا عيون كثيرة، لاحظت خروجنا المفاجئ قبل انتهاء المحاضرة.


شرحت لراوية المشكلة و أنا أغالب دموعي فقالت بحزم :
ـ يجب أن تذهبي إلى الطبيب... سأتصل بوالدتك لتأتي بالسيارة...

جلست لأستريح و أنا في غاية الإعياء، في حين سارعت راوية تتصل بأمي و تعلمها بحالتي الطارئة. ما لبثت أن رأيت سيارة أمي تظهر من باب الكلية، ثم تتوقف غير بعيد عنا في الساحة. نزلت أمي بسرعة و تركت السيارة مفتوحة... ركضت إلي في هلع شديد و احتضنتني قلقة :
ـ ما بال صغيرتي؟!
شرحت لها مجددا الأعراض فأخذتني من يدي و قالت :
ـ سآخذك فورا إلى الطبيبة ...


لست أدري كم لبثنا من الوقت جالستين في قاعة الانتظار، و أمي تمسح على رأسي في حنان و أنا قد استسلمت للآلام التي لم تتوقف...
جاء دورنا. استمعت الطبيبة إلى أمي تصف لها الأعراض ثم فحصتني قبل أن تحرر وصفة مكونة من عدد غير قليل من الأدوية ثم قالت :
ـ عليك المواظبة على هذا العلاج مدة شهرين... لا تقلقي... تجنبي حمل الأشياء الثقيلة و الوقوف مطولا... حاولي التمدد و الاسترخاء مرة كل 4 ساعات على الأقل لمدة ربع ساعة... و إن شاء الله تكون الحالة قد تحسنت حين نلتقي بعد انتهاء العلاج...

نظرت إليها مستفسرة :
ـ لكن ما الحالة يا دكتورة؟ أنا أدرس الطب و يمكنني أن أفهم...
هزت رأسها مبتسمة و قالت :
ـ جميل... لكنني لا أقدر أن أقول لك شيئا غير أن عمل المبيضين ليس منتظما حاليا... سنحاول من خلال العلاج أن نعيد النظام إلى طبيعته... ثم سننظر ما يمكننا فعله...

لم يكن كلام الطبيبة مطمئنا أبدا...
إنها تخفي عني حقيقة الوضع!
يا إلهي...
هل سأحرم من الإنجاب؟!

ساره الالفي
12-02-2009, 03:55 PM
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ

أمسكت راوية بيدي بين يديها و هي تبتسم في رقة :

ـ اطمئني يا حبيبتي، إنها مجرد اضطرابات و إن شاء الله مع العلاج سيكون كل شيء على ما يرام... أرني ابتسامتك الجميلة!

هززت رأسي في عناد و سحبت يدي من بين يديها و أنا أقول مغالبة دموعي :

ـ لا يا راوية... الطبيبة لم تشأ أن تخبرني بكل الحقيقة... أنت تعلمين مثلي أن مهنة الطبيب توجب عليه التخفيف عن المريض و عدم تهويل المسألة مهما كانت خطيرة... حفاظا على روحه المعنوية...
رمقتني راوية في أسى و قالت :
ـ لكن لا يبدو أن طبيبتنا قد أفلحت في الحفاظ على روحك المعنوية...


كانت الآلام قد خفت بعد أن بدأت أخذ الأدوية... و كان من الصعب علي حقا أن أتبع تعليمات الطبيبة، نظرا لكثرة الأدوية من جهة، و المحاضرات المتتابعة التي قد تتجاوز الساعات الخمس من جهة أخرى... لكن راوية كانت دائما إلى جانبي، تذكرني بموعد الدواء... و أمي توصلني بالسيارة كل صباح و أجدها في انتظاري آخر النهار... يا لهذا الدلال!


كنت واقفة مع راوية في فترة الاستراحة من عصر ذاك اليوم.
فجأة أخذت راوية تشدني من قميصي لتثير انتباهي و هي تهمس :
ـ مرااااام... انظري من القادم!!

التفتت لأراه على قيد خطوات مني... و ابتسامته المتألقة على شفتيه... كان من الواضح أنه يقصدنا!!
ألقى التحية، فرددنا ثم ساد صمت رهيب بيننا كأن على رؤوسنا الطير قبل أن يبادر حسام قائلا :
ـ آنسة مرام... كنت أريد أن أتحدث معك قليلا، لو سمحت... لن آخذ من وقتك الكثير...

وقفت لا أعي ما الذي يجب علي فعله، في حين ابتعدت راوية خطوات و هي تقول :
ـ تذكرت... علي أن أحضر حاجياتي... تركتها في قاعة المحاضرة... لن أتأخر عليك...

ما الذي تفعله هذه البنت؟؟
كيف تتركني بمفردي معه؟ سوف ترى مني عقابا صارما!!
احمر وجهي بشدة، و وقفت مطأطأة الرأس... رفعت عيني ببطء... كان وجهه يكاد ينفجر من الاحمرار...
يا إلهي!
رحمتك يا رب...

ـ آنسة مرام... اعذريني إن كنت أعرضك لموقف محرج... لكن كان يجب أن أتحدث إليك قبل أن أقدم على خطوة جدية... و أخشى أن تكون مشاعري أحادية الجانب... لذا أردت أن أعرف رأيك المبدئي...


يا إلهي... هذا ما كان ينقصني الآن...

يا إلهي... كم انتظرت هذه اللحظة، و كم تخيلت هذا الموقف في أحلام اليقظة...
كم عشتها بكل جوارحي و رأيت نفسي و أنا أهمس في خفر... أنا موافقة!
كم حلقت مع الطيور و سرحت بين الفراشات و الدنيا لا تسعني...
إنها السعادة التي تمنيتها
إنه الرجل الذي انتظرته...


لكن الآن... كل شيء تغير...
إنه لا يعلم أنني قد لا أكون قادرة على الإنجاب... قد لا أقدر على إسعاده!!
و لا يمكنني حتى أن أخبره...
و كيف أكاشف رجلا أجنبيا عني بمشاكلي الصحية، بل و بأخص خصوصياتي؟!
أي كلمات ستسعفني لأعبر؟
حبست دموعي التي بدأت تطل من نوافذ عيني... و ابتلعت ريقي الذي جف...

ـ مرام... أنا معجب بك منذ فترة... معجب بأخلاقك و تدينك و طريقة تفكيرك و ثقافتك... و أريد أن أطلب يدك من والدك... إن كنت موافقة على إنشاء علاقة جدية بيننا...

أي موقف يضعني فيه؟!
أي حيرة أعيشها؟!
أي ذنب جناه المسكين حتى أدخله دوامتي؟!
إنه ككل الرجال يطمع في بيت سعيد يملؤه الأطفال بضحكهم البريء...
يحلم بولد يملأ عليه حياته...
لكنني قد لا أحقق له أمانيه... بل أكون قد خنت ثقته و خدعته إن وافقت دون أن أكون صريحة معه... و هو ما لن يسامحني عليه في المستقبل... و لن أسامح نفسي عليه أبدا!
لا يجب أن أظل ساكتة، حتى لا يحسب أن السكوت علامة الرضا...


ـ مرام...
يبدو أن صمتي قد طال و قد أخذني حواري الداخلي مع نفسي...
و خرج صوتي أخيرا، مبحوحا مليئا بالألم :
ـ... أنا آسفة... و لكنني غير مستعدة حاليا...

أحسست بوقع الصدمة عليه...
أحسست بآماله تتبعثر... و أنا التي بعثرتها بكل قسوة...

و أحسست بقلبي يتحطم بين ضلوعي...

ساره الالفي
12-02-2009, 03:57 PM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ




لم تصدق راوية أذنيها حين رويت لها ما حصل بعد أن انصرف حسام مكسور الخاطر
ـ هل جننتي يا مرام؟؟ كيف تقابلينه بمثل هذه الطريقة؟ أليست هذه هي اللحظة التي انتظرتها طويلا و تمنيتها من كل قلبك؟؟ كيف تفرطين فيها بكل سهولة؟؟ و الشاب المسكين، صدمته بقسوة كأنك لا تبالين به!

ارتميت في حضن راوية و قد تدفقت دموعي غزيرة على خدي
ـ لا تلوميني يا راوية فإنني أتعذب أكثر...

ربتت على رأسي في أخوة صادقة و همست :
ـ أنت مجنونة... تعذبينه و تعذبين نفسك و المسألة لا تستحق!

رفعت رأسي و نظرت إليها بعينين تملؤهما الدموع :
ـ كيف تقولين أن المسألة لا تستحق؟! كل من يتقدم لخطبة فتاة يتوقعها الفتاة المثالية التي يتمناها... و ينتظر منها أن تكون صادقة معه في كل ما يخصهما معا، و خاصة إن كانت غير قادرة على الإنجاب...

تنهدت راوية ثانية و قالت :
ـ يا مرام، يا حبيبتي... من قال أنك ستكونين غير قادرة على الإنجاب؟؟ هذا من علم الغيب و الغيب لا يعلمه إلا الله...

ـ و لكن الاحتمال كبيرا نظرا للمرض الذي ألم بي...

ـ يا مرام اسمعيني... كم من الفتيات السليمات اللاتي لا يشكون شيئا وجدن أنفسهن عقيمات بعد الزواج بدون سابق إنذار... و كم من عقيم، شفيت بعد طول صبر و توكل على الله فأنجبت! كله بتقدير من الله عز و جل...

تنهدت في ألم و قلت في يأس :
ـ ما الذي كان بإمكاني فعله؟

ـ كان بإمكانك مصارحته بالحقيقة...

ـ كيف؟! لم أكن لأجد الكلمات المناسبة! الموضوع خاااااص جدا... لا يمكنني أن أتحدث فيه مع رجل، و أي رجل!! أين الحياء!؟

ـ كان بإمكانك تبليغه موافقتك، ثم تحدثين أخته بالتفاصيل...

ـ لكنني أخاف من ردة فعله... أخاف أن يشفق علي و يتغاضى عن الأمر بشهامة منه... كرامتي ستجرح، لا أحب أن يشفق علي يا راوية! أريد أن أكون أميرته التي يحلم بها كما أريده أن يكون فارسي... و أخاف أن يتغاضى الآن... ثم يفكر مليا، فيعدل و يختلق أسبابا أخرى للانفصال بعد أن أكون قد بنيت آمالا عريضة...

تناثرت دموعي من جديد و أنا أواصل :
ـ و أخاف إن رفض مباشرة... كم ستكون صدمتي عنيفة... في الرجل الذي أراه مثالا للشهامة و الأخلاق العالية... و أخاف أكثر، إن أوهم نفسه بأن مرضي لن يؤثر في قدرتي على الإنجاب... ثم يحصل ما لا نرجوه...

ارتفع نحيبي هذه المرة...

ـ إني خائفة يا راوية... قد أفقد الكثير في هذه التجربة... أفقد الأمل، أو احترامي حسام أو كرامتي... لذا آثرت الانسحاب...

هزت راوية رأسها في عدم موافقة :
ـ و ما حصل هو أنك اخترت خسارة حسام نفسه! هل هذا ما تعتبرينه أخف الأضرار!؟

لم أعد أدري ما الصواب و ما الخطأ...
يا إلهي رحمتك...

ـ اسمعي... يجب أن يفهم حسام الموضوع، هل يرضيك أن يعتقد أنك رفضته لعيب فيه؟! كرامته أيضا جريحة! خاصة أن فتيات كثيرات ينتظرن الفرصة... و من سوء حظك أنك ضيعتها، فقد تقتنصه في لحظات ضعفه و انكساره فتاة أخرى لا تستحقه... و تكونين قد ضيعته من يدك و ضيعت مستقبل الشاب المسكين في نفس الوقت!!

ـ لا يا راوية... حسام ليس بهذا الضعف!

ابتسمت راوية و هي تحتضنني :
ـ إن لم يكن حسام بهذا الضعف، فهو لن يبني حياته الزوجية و مستقبله على الشفقة... و لن يترك المجال لأي عاطفية متطفلة لكي تتحكم في قراره... اتركي له الخيار... أعطه الفرصة...

أعطيه الفرصة؟
آه يا قلبي...
صراع بين قلبي و عقلي...
قلبي يرجو أن يعطيه الفرصة و يرى الأحلام الوردية أمامه...
و عقلي يرفض بشدة، لا يفسح المجال للآمال و الافتراضات...

و تكلمت أخيرا :
ـ و لكنني رفضته يا راوية... كيف أفتح الموضوع ثانية؟!

ابتسمت راوية مطمئنة :
ـ دعي المسألة علي...


نعم، لقد انتصر القلب على العقل...

ساره الالفي
12-02-2009, 04:00 PM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ

توقفت السيارة أمام الكلية. فتحت الباب و قبلت أمي بسرعة ثم نزلت و هي تتابعني بتوصياتها :
ـ لا تنسي موعد دوائك... انتبهي لنفسك جيدا...

هززت رأسي موافقة و قطعت الشارع. على الرصيف كانت راوية في انتظاري رفقة... دالية... و على شفتيهما ابتسامتان غامضتان.
اقتربت بخطوات مترددة، و قد فهمت أن وجود دالية مع راوية في انتظاري يعني بالتأكيد أنها تحدثت إليها بشأني!

سارعت دالية بمعانقتي و هي تهمس :
ـ حسام يبلغك سلامه... و يطلب موعدا مع والدك في أقرب وقت...

كان لكلماتها وقع حلو في أذني، رافقه خفقان قلبي بشدة... من الفرحة!

حسام...!!!
يا لعناده! لقد وافق إذن! ترى ما الذي ما أبلغته به راوية؟!
لكنه يريدني رغم ما سمع... و رغم كل ما يجهل عني...
يا إلهي... أنت الرحيم بعبادك...
و لكن... هل أستحق...

نظرت إلي راوية في تمعن و قالت :
ـ مرام... ما بك واجمة؟ ننتظر ردك... ألست موافقة؟

اغرورقت عيناي بدموعي الحبيسة و أجبت بصوت خفيض :
ـ بلى... و لكن...

استفسرت دالية في قلق و قد غاضت ابتسامتها :
ـ و لكن ماذا؟

ـ ألا ينتظر حتى أنتهي من العلاج، ثم نتأكد...
ضحكت راوية في رقة ثم قالت لدالية :
ـ إنها تحتاج إلى رأي دكتور في الموضوع... و ليس أي دكتور!
ابتسمت دالية بدورها و تأبطت ذراعي و هي تقول :
ـ أخبريني أولا هل الموضوع الذي حدثتني به راوية هو السبب الوحيد لرفضك؟

طأطأت رأسي حياء و همست في خفر :
ـ نعم!

فابتهجت دالية قائلة :
ـ الحمد لله! نتكلم في المفيد إذن! أخي... الدكتور حسام... يخبرك يا آنستي بأن الأدوية التي تتناولينها ليست سوى مقويات و معدلات هرمونية ... و ما دام المبيضان ينتجان البويضات فأنت يا أختي سليمة معافاة! و أما عن الإنجاب فهو يقول لك... الذرية الصالحة نعمة من الله، يرزقها من يشاء و يحرمها من يشاء... و ما الأمراض إلا مسببات! كما أنه يقول أن الرسول صلى الله عليه و سلم يقول : (الدنيا متاع و خير متاع الدنيا الزوجة الصالحة) فإن كانت زوجته صالحة فذاك من رضا الله و كفى! و هو على كل حال قد استخار قبل أن يكلمك و كان مطمئنا لاستخارته. فما عليك إلا أن تستخيري أنت أيضا... و إن شاء الله كل شيء يتم على خير...

كانت كلماتها الرقيقة تمسح الهموم عن قلبي...
لو أن كلامه عن مرضي يكون صحيحا... يا رب!

يا الله! ما أحلى إيمانه بالاستخارة... و كم قلبه عامر بتقوى الله...
((و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب))
أحسست بالصغار أمامه... أين إيماني من إيمانه!؟
كيف أني اهتززت أمام أول ابتلاء ابتلاني به الله تعالى و يئست من الدنيا
و الله تعالى يقول في كتابه الحكيم : (( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون))
يا رب أعوذ بك أن أكون من القوم الكافرين... أعوذ بك من ينسيني ابتلاؤك رحمتك
يا رب إني وكلتك أمري كله... و من يتوكل على الله فهو حسبه
يا الله كم أنا في حاجة إلى مزيد من التقرب منك...
اللهم اكتب لي الخير حيث كان ثم رضني به...

انتبهت على صوت دالية تقول مداعبة :
ـ و طبعا إن كنت في حاجة إلى المزيد من التوضيحات، فالدكتور حسام ليس لديه مانع البتة في تقديم الشروح اللازمة في أي وقت شئت!

تضرج وجهي... فتابعت دالية في مرح :
ـ لو رأيت ما فعله بنا حسام في اليومين الماضيين! أمي كانت ستموت من القلق عليه... أغلق الغرفة على نفسه و رفض الطعام! و أخذ يتصرف كالأطفال، لا يرضيه شيء و لا أحد ينجح في رسم الابتسامة على شفتيه... لكن البارحة، انقلب وضعه كأنه كان يمثل علينا!! دخلت عليه بالدواء العجيب فقام كمن لا علة به، حملني بين ذراعيه و كاد يلقي بي من النافذة من شدة الفرح!! لم أر أخي بهذا الجنون من قبل!

أفلتت مني ضحكة صغيرة... يا لأسلوب دالية المميز!
فهتفت راوية في سعادة :
ـ نعم يا مرام... اضحكي! كفاك بكاء و دموعا...

ثم نظرت إلى دالية و هي تقول :
ـ لو كان حسام اكتفى بالوجوم فمرام أغرقتنا في بحر من الدموع!!

لكزت راوية بمرفقي لتصمت... و ضحكتا معا في مرح...
في تلك اللحظات كان هنالك شخص رابع يقترب من موقفنا، بخطوات بطيئة مترددة...
لم ألتفت... لكنني سمعت دالية تهتف و ابتسامتها تتألق :
ـ أهلا أهلا بالدكتور!

كأنه كان يراقبنا من مكان قريب، و حين اطمأن إلى استقرار الأوضاع قرر الالتحاق بنا!
تقدم منا أكثر حتى وقف بيني و بين أخته، و كل منا يتجنب نظرات الآخر. حيانا في هدوء و أدب... ثم بادرني و أن أحس بنظراته تستقر علي بوداعة :
ـ كيف حالك يا مرام؟

رفعت رأسي ببطء شديد، و ابتسامة خجلى ترتسم على شفتي :
ـ بخير... كيف حالك أنت؟
ـ يسرني أنك وافقت أخيرا...

كانت راوية تتأملنا كأننا لوحة زيتية أو المشهد الأخير من فلم رومانسي... تنتظر أن تكتب ((النهاية)) بخط عريض و على شفتيها ابتسامة حالمة!
قاطعتنا دالية بضحكتها الطفولية و هي تهتف :
ـ نسيت أن أقول لك يا مرام، أنني سأزوركم الليلة مع ماما... للتعارف و...

ثم غمزتنا في مرح... فاحمر وجهانا دفعة واحدة...

( لؤلؤة الإسلام )
12-02-2009, 05:44 PM
بجد القصة جامدة جدااااااااااااااااااااا ..
بليز كملي بسرعة !!

ساره الالفي
12-02-2009, 11:29 PM
ماشي لؤلؤه

من عنيا

نورتي الموضوع

ساره الالفي
12-02-2009, 11:32 PM
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ

اللهم إني أستخيرك بعلمك و أستقدرك بقدرتك، و أسألك بفضلك العظيم

فإنك تعلم و لا أعلم و تقدر و لا أقدر، و أنت علام الغيوب
اللهم إن كان في هذا الأمر خير لي في ديني و معاشي و عاقبة أمري
فاقدره لي و يسره لي ثم بارك لي فيه
و إن كان فيه شر لي في ديني و معاشي و عاقبة أمري، عاجله و آجله
فاصرفه عني و اصرفني عنه و اكتب لي الخير حيث كان ثم رضني به...

انتهيت من صلاة الاستخارة...
تناولت المصحف من على الرف و جلست على سجادتي أتلو بعض آيات من ذكر الله الحكيم... كنت أحس براحة و سكينة تتسللان إلى قلبي... اللهم إني فوضت أمري كله إليك، و أنت على كل شيء قدير...

سرحت لبضع لحظات... تذكرت زيارة دالية و أمها لنا منذ أيام قليلة مضت...
كانت الأمسية رائعة بالفعل... أم حسام كانت في غاية اللطف و الرقة...
و دالية أضفت على الجو طابعا مرحا و مسليا، يا لجمال روحها الطفولية!
و كم تحدثت أمه عنه بفخر! نعم، من حقها أن تفخر بابن مثله...
خفق قلبي في نشوة...
و من حقي أن أفخر بأنه سيكون لي...
تنهدت و خرجت آهة من صدري... يا رب!

غدا أذهب إلى الطبيبة من جديد...
لم أعد قلقة مثلما كنت في البداية، لكنني منقبضة بعض الشيء...
أتساءل لم اخترت أن أكون طبيبة و قلبي ينقبض عند التفكير في الذهاب إلى طبيب!
بل أن سيرة الأطباء لا تعني إلا الهموم و الأمراض و الابتلاءات الصحية و الأزمات النفسية ووو...
لكنها مهنة إنسانية... تتطلب الكثير من التضحيات و حسا عاليا بالمسؤولية.
ابتسمت و أنا أتخيل نفسي طبيبة تمارس مهنتها...
كان الله في عونك يا مرام، حتى تحافظي على ابتسامتك مع كل مريض، و تتحلي بالصبر و تواصلي إتقان عملك من الصباح إلى المساء...

عدت من الكلية مسرعة، كانت أمي ترتدي ملابسها فاستعجلتها
ـ هيا يا أمي... حان موعد الذهاب... هل أخرجت السيارة؟
جاءني صوتها من الغرفة الداخلية :
ـ حالا يا حبيبتي... لا تخافي سنكون في الموعد... ثم إننا كالعادة سنجد أصحاب المواعيد السابقة في قاعة الانتظار! كان الله في عون الدكتورة فكل مريض عندها يأخذ أكثر من وقته...

رن جرس الهاتف فرفعت السماعة :
ـ السلام عليكم و رحمة الله...
ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته... كيف حالك يا مرام؟

إنها دالية...
ـ الحمد لله... لدي موعد مع الطبيبة الآن... سنخرج بعد لحظات...
قالت مشجعة :
ـ سيكون كل شيء على ما يرام، لا شيء يستحق القلق...
تنهدت فقالت :
ـ على فكرة، هناك من يسأل عنك باستمرار... و يبلغك سلامه...
لم أره منذ أيام... لم يعد يأتي إلى الكلية كثيرا، فهو يقوم بتربص في الوقت الحالي.
ابتسمت و لم أعلق فواصلت...
ـ و هو يقول لك بأن تتحلي بالثقة في الله... (صمتت لبضع لحظات ثم واصلت كأن هنالك من يلقنها ما تقول!) و أن الله يبتلي من يحبه... فاثبتي و احتسبي كل لحظة ألم... اسمعي، سأمرره لك!

سمعت احتجاجا من الطرف الآخر من الخط و كلمات قليلة لم يصلني إلا صداها...
ابتسمت حين جاءني صوته أخيرا في أدب و حياء جمييييل :
ـ السلام عليكم و رحمة الله...
ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته...
ـ كيف أنت يا مرام؟
ـ الحمد لله بخير و عافية... كيف يسير تربصك؟
ـ بخير و الحمد لله... شكرا على سؤالك... كيف معنوياتك؟
ـ مرتفعة إن شاء الله...
ـ رائع... أردت فقط أن أسلم عليك... و أقول لك لا تنسي أن الله معك... و أنني لن أتخلى عنك...
ـ شكرا لك... يا حسام...

كانت المرة الأولى أنطق فيها باسمه... لو لم يكن على الهاتف لما قدرت أن أنطق بها... اسم أحس له بوقع خاص على لساني... و يحمر وجهي بمجرد النطق به، كأنه من لغة غريبة محرمة علي... و أتجاوز حدودي إن تكلمتها!
و أحسست بنفس وقع الكلمة على أذنيه... فقال بعد صمت قصير :
ـ انتبهي إلى نفسك... و إن شاء الله أسمع منك أخبارا سارة هذا المساء...
ـ إن شاء الله...
ـ السلام عليكم و رحمة الله...
ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته.

وضعت السماعة و تنفست في ارتياح. كانت أمي تنظر إلي و على شفتبها ابتسامة حانية :
ـ هيا بنا يا عزيزتي...

فحصتني الطبيبة كالعادة و ملامح وجهها خالية من أي تعبير يجيب عن تساؤلاتي ثم قالت طرحت علي بضع أسئلة حول تطور الأعراض في الفترة الماضية :
ـ ستقومين ببضع صور بالأشعة... ثم تعودين إلي...

خرجنا إلى مخبر الأشعة... و عدنا بعد زهاء الساعة إلى العيادة من جديد... كنت قد بدأت أقلق. ما لزوم صور الأشعة إن كان كل شيء على ما يرام؟ يا رب رحمتك! لم أكن متأكدة من قدرتي على قراءة صور الأشعة لكنني أخرجت الصور و رحت أقلبها باحثة عن أي علامة تطمئنني... أو تؤيد مخاوفي... لكن دون فائدة... و أمي تنظر إلي ضاحكة :
ـ هااا... إلى ماذا توصلت طبيبتنا الصغيرة؟
أعدت الصور إلى مكانها و أنا أزفر في قلق :
ـ لا شيء...

أخيرا دخلنا ثانية على الطبيبة... تناولت الصور و تابعتها بعيون متيقظة و هي تتأمل الصور واحدة إثر الأخرى باهتمام, ثم نظرت إلي و قد ارتسمت على وجهها ابتسامة... أخيرا!
ـ الحمد لله على سلامتك... إن شاء الله تكونين قد شفيت تماما! لم أتوقع أن يؤتي العلاج مفعوله بهذه السرعة... لكن جميع الأعراض اختفت فأردت أن أتأكد بالصور... و الحمد لله، كل شيء على ما يرام...

تنهدت في ارتياح... و أردت أن أقول لها :



ليس العلاج يا عزيزتي ما يمنح الشفاء... إنما هو من الأخذ بالأسباب... لكن الصحة نعمة من الله تعالى يمنحها من يشاء و يحرمها من يشاء...





تمت الحلقة الخامسة بحمد الله

ساره الالفي
12-02-2009, 11:34 PM
تعليق : جميلة أوي مرام ، جميلة بأدبها ، بحياءها ، بتوكلها على الله ، بمناجاتها لله ، بروحها الطيبة المرحة ، بجد جميلة جدا ، وبحبها جدا جدا ، ولا أخفيكم سرا إنها أثرت في جدا وفي شخصيتي.
وفي انتظار تعليقاتكم إخوتي على اليوميه ،،،
أترككم في رعاية الله

pharma girl
13-02-2009, 08:45 PM
جزاكى الله خيرا يا سارة على اليوميات
بس انا كنت نفسى تخلصيها قبل الكلية لانى للاسف ايام الدراسة مش هعرف اكمل

ساره الالفي
14-02-2009, 11:40 AM
جزاكى الله خيرا يا سارة على اليوميات
بس انا كنت نفسى تخلصيها قبل الكلية لانى للاسف ايام الدراسة مش هعرف اكمل


جزانا الله وإياكي أختي الغاليه
بس الحقيقه والله صعب جدا إنها تكمل الوقتي لإن لسه ليها حلقات كتير

بس هحاول انزل كذا حلقه

ساره الالفي
14-02-2009, 11:51 AM
الحلــــــــــقة الســــــــــــــادسة

ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ





ما أن انفردت بي راوية بعد المحاضرة حتى بادرتني و ابتسامة خبيثة على شفتيها :
ـ هاااا... كيف تسير الأمور؟

نظرت إليها في استغراب و أنا أتصنع عدم الفهم :
ـ مادا تقصدين؟ عن أية أمور تتحدثين؟

رفعت حاجبيها دهشة و هتفت :
ـ مرااااام!!! هل ستخفين عني أخبارك مع حسام؟! و أنا صديقتك المقربة منذ زمن بعيد!؟

ابتسمت و قلت :
ـ كان يجب أن توضحي سؤالك منذ البداية... ما أدراني أنك تتكلمين عن حسام!... على أية حال... لا شيء جدير بالذكر...

سكتت للحظات قصيرة ثم أردفت :
ـ غير أنه... تم تحديد موعد مع والدي...

هتفت راوية في استنكار :
ـ و تقولين لا شيء جدير بالذكر؟!! ألف مبروك يا حبيبتي!!

في تلك اللحظة رن هاتفي الجوال... تناولته، و نظرت إلى الرقم الغريب الذي ظهر على الشاشة
ـ من يكون يا ترى؟

ـ أجيبي و ستعرفين...

أجبت في هدوء :
ـ السلام عليكم و رحمة الله...

فوجئت حين أجابني صوت رجل من الطرف الآخر هاتفا :
ـ هاااي مرام! كيف حالك؟

ارتسمت علامات الحيرة و الجفول على وجهي، فتطلعت إلي راوية متسائلة فقلت في تشكك :
ـ عذرا... من المتحدث؟

ـ أوووو مرام! ألم تعرفيني؟ أنا طارق!

لم يبد لي للوهلة الأولى أن الاسم مألوف لدي ... ثم تذكرت أن لي ابن عمة اسمه طارق... سافرت عائلته إلى أمريكا منذ سنوات، و انقطعت علاقتي به تقريبا إلا من مكالمات قصيرة مع عمتي في الأعياد و المناسبات...
ـ طارق؟!... طارق ابن عمتي سهام؟؟

جاءتني ضحكته عالية مستهترة :
ـ نعم... هو بعينه! جيد أنك تذكرتني أخيرا! اتصلت بمنزلكم و أخذت رقمك من والدتك... ما رأيك في هذه المفاجأة؟!

ابتسمت على مضض و قلت :
ـ جميل منك أن تفكر في مكالمتي...

ثم انتبهت إلى نقطة أثارت استغرابي فاستطردت :
ـ لكن الرقم الذي تتصل منه ليس من أمريكا!

ارتفعت ضحكته في أذني بصفة منفرة و هو يقول :
ـ ذاك النصف الثاني من المفاجأة... فقد عدت لقضاء بضعة أيام في البلد... وصلت اليوم صباحا... سأكون عندكم هذا المساء...

ـ هل عمتي سهام و بقية العائلة معك؟

ـ لا لا! جئت بمفردي و سأقضي بضعة أيام عندكم... إن قبلتم استضافتي بالطبع!

و انفجر ضاحكا مرة أخرى!
ـ اشتقت إليك كثيرا يا عزيزتي... أراك هذا المساء... و لك عندي نصيب آخر من المفاجآت ... باي!!!

أغلقت الخط و على وجهي علامات دهشة و استنكار واضحة، فاستفسرت راوية :
ـ ما الأمر؟ ما بك منزعجة؟

تنهدت و أنا أقول :

ـ إنه ابن عمتي... كنا صديقين حميمين قبل سنوات، قبل التزامي يعني... و هو يكبرني بثلاث سنوات... سافر مع عائلته إلى أمريكا، و لم نتكلم منذ زمن طويل، و هو الآن قادم لقضاء بضعة أيام عندنا... يبدو أن كلانا تغير... لكن في اتجاهات متعاكسة!

ساره الالفي
14-02-2009, 11:54 AM
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ






دخلت من الباب الحديقة... فتناهت إلي أصوات صاخبة، ميزت من بينها صوت أخي ماهر. قطعت الممشى في خطى وئيدة ثم ارتقيت الدرج و قد أخذت الأصوات تتضح أكثر... يبدو أن طارق قد وصل!

اقتربت من غرفة الجلوس...
ـ السلام عليكم و رحمة الله...

ألقيت التحية فالتفت إلي الحضور. كان طارق يجلس مع كل من أمي و أخي الصغير ماهر الذي يبلغ من العمر 18 سنة... وقف طارق و نظر إلي مطولا :
ـ مرام؟! واااو... ما الذي فعلته بنفسك؟! لقد تغيرت فعلا...

كان ينظر إلى تنّورتي الواسعة و سترتي الفضفاضة و حجابي الذي يغطي كتفي في شيء كبير من العجب... تأملت بدوري قميصه المزركش و سرواله الجينز "المرقّع" و قصّة شعره العجيبة و قلت :
ـ أنت أيضا تغيرت كثيرا!

كان قد قطع منتصف المسافة التي تفصلنا عندما سمع صوتي أبادر بالتحية، لكنه توقف حائرا ثم قال :
ـ أتوقع أنك أصبحت لا تصافحين مثل أمك خالتي زينب...

ابتسمت و هززت رأسي موافقة و لوحت له من بعيد... الحمد لله أنه استوعب الدرس دون متاعب! كنا نتفق كثيرا في فترة الطفولة و بداية الشباب، و نفهم بعضنا جيدا... يبدو أنه حافظ على البعض من قدرته على فهم ما يدور برأسي!

عاد إلى أريكته و هو لايزال يهز رأسه و يمط شفتيه متعجبا :
ـ لم أتوقع أن تتحجبي بهذه السرعة! فأنت مازالت في بداية شبابك و أمامك الفرصة للانطلاق و التمتع بجمالك... شعرك جميل جدا و طويل على ما أذكر...

طأطأت رأسي في خجل... فقد كنت أتباهى كثيرا بجمال شعري و طوله خاصة في المناسبات العائلية... اللهم اغفر لي...

بادرته أمي قائلة :
ـ ألا تحدثنا عن أحوالكم هناك... كيف أمك و أخواتك؟
ـ بخير و الحمد لله... شكرا على سؤالك يا خالتي... سناء خطبت الشهر الماضي. تقدم لها شاب من زملائها في الشركة، أمريكي من أصل سويدي... شاب وسيم و عائلته غنية، كما أنه مهندس ممتاز...

تبادلت نظرات طويلة مع أمي التي سارعت بسؤاله :
ـ و هل هو مسلم؟

تكدرت ملامحه لكنه تظاهر بعدم الاهتمام و هو يقول في حرج، متحاشيا نظراتنا :
ـ الحقيقة لا أعرف شيئا عن ديانته... تعرفين في أمريكا المجتمع لا يضع اعتبارا لمثل هذه الأمور! ما داما متفقين و منسجمين فذاك هو المهم... أما المعتقد فتلك حرية شخصية...

اتسعت عيوننا دهشة ... لم أملك أن أعلق، لكن أمي التي بدأ وجهها يحمر سألته ثانية :
ـ و ما رأي سهام و محمود في الأمر؟

ـ أمي و أبي؟ عارضا قليلا في البداية... لكن سناء تأثرت كثيرا برفضهما، فتدهورت حالتها الصحية و أضربت عن الطعام ثم حاولت الانتحار... حتى وافقا أخيرا...

لم أكن أصدق ما أسمع... سناء؟! إنها تكبر أخاها بسنة واحدة... لم تكن قد ختمت تعليمها الثانوي حين سافرت عائلتها إلى أمريكا بسبب حصول عمي محمود على عقد عمل مغري هناك... كانت فتاة غاية في الجمال... مشاكسة و منطلقة. و أذكر أن مراهقتها لم تمر بهدوء حين كانت في البلد... لكن يبدو أن حالتها ازدادت تعقيدا هناك! فقد انقطعت عن الدراسة بعد أن أتمت بصعوبة بالغة دراستها الثانوية، و التحقت بالعمل كسكرتيرة في شركة مهمة هناك...
سألته أنا هاته المرة :
ـ و كيف حال سارة؟

ـ سارة... إنها متعبة حقا! بعد كل هذه السنين ترفض التأقلم مع الجو في أمريكا، فهي انطوائية و منعزلة عن أقرانها... و قد لبست الحجاب مؤخرا! مثلك... العيش في أمريكا يستوجب الكثير من المرونة للاندماج في المجتمع و بدء حياة جديدة... و إلا فمشاكل كثيرة ستكون في الانتظار!

تنفست الصعداء... الحمد لله أن سارة لم تتغير و حافظت على دينها هناك! فهي أيضا كانت صديقة مقربة لي. يا حبيبتي يا سارة... لم تستطع أن تتعود على نمط العيش الذي لم يناسب طبعها الرقيق و الخجول...

التفت إلي ثانية و قال :
ـ كنت قد أحضرت لك بعض الهدايا... انظري...
جذب حقيبته و أخرج مغلفا خاصا و مدني به. فتحته و العيون تتابعني... كان يحتوي عددا من القمصان الضيقة بدون أكمام ذات الألوان الصاخبة، و سروالا ذا شكل عجيب لا يمت إلى ما أعتبره "الذوق السليم" بصلة! و عددا آخرا من الإكسسوارات... أقراط و أدوات لتزيين الشعر... نظرت إليه مبتسمة، فبادرني قائلا :
ـ أردت أن أفاجئك بآخر التقليعات الأمريكية في عالم الأزياء... لكن يبدو أنك لا تريدينها، أو بالأحرى لا أظنها مناسبة "للوكك" الجديد...

أعدت إليه المغلف فتسلمه متضاحكا و قال :
ـ لا بأس... يبدو أنه ليس من نصيبك!

كان يبدو عليه الحزن و الأسف لأن مفاجأته لم ترق لي فقلت مغيرة الموضوع :
ـ المهم، طمنا عنك... كيف تسير الأمور معك؟

انشرحت أساريره و هو يقول :
ـ لقد تخرجت منذ سنة تقريبا من كلية التجارة... و قد فتحت مؤخرا مكتبا مع بعض أصدقائي للاستيراد و التصدير... و الأمور تسير بشكل مرض و الحمد لله...


مرت السهرة في أحاديث عائلية ممتعة و قد استعدنا الكثير من الذكريات المشتركة التي تضحكنا و تسلينا... لكن قلبي كان منقبضا جراء ما وصلت إليه حال أبناء عمتي من أثر التغرب و محاولة الاندماج في مجتمع قيمه مختلفة و أسلوب حياته مختلف...

في الصباح استيقظت كالعادة، و استعددت للذهاب إلى الكلية... ظننت أنني كنت أولى المستيقظين، لكن حين دخلت إلى المطبخ وجدت طارق يتناول إفطاره و أمي تقوم بتحضير إفطاري... رفعت حاجبي دهشة و أنا أحييهما فقال :
ـ تعودت على الاستيقاظ باكرا مذ بدأت العمل... فعلي اغتنام كل لحظة فيما ينفع!

نظرت إليه في إعجاب، ثم تناولت إفطاري على عجل و قمت مغادرة فلحقني قائلا :
ـ انتظريني سآتي معك...

التفتت إليه مستغربة فقال :
ـ أعلم أنك ذاهبة إلى الكلية، سأوصلك ثم أتمشى قليلا في المدينة...

نظرت إلى أمي التي هزت رأسها مشجعة و قالت :
ـ يوما سعيدا لكما...

يا إلهي... كيف سأخرج معه وحدنا و هو ليس من محارمي؟!!

ساره الالفي
14-02-2009, 12:00 PM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ


خرجت من المنزل في خطوات واسعة و عريضة... أحث السير و أنا لا ألوي على شيء و طارق على إثري يحاول اللحاق بي في سباقي :
ـ مرام... على مهلك... انتظريني...

قلت دون أن ألتفت :
ـ لدي موعد مع صديقتي أمام الكلية... أخاف أن أتأخر عليها... إن كنت تريد التنزه فلا بأس، أراك لاحقا...

لحق بي بسرعة و هو يقول :
ـ لا، لا... يمكنني أن أتنزه فيما بعد... لكن ظننت أنه يمكننا أن نتحدث على الطريق قليلا...

ما الذي يريد أن يحدثني به؟ ألم نتحدث طوال السهرة في الليلة الماضية؟
أم لديه مفاجآت جديدة؟؟

كان يسير إلى جانبي و هو يقول :
ـ ربما تغيّر كل منا في شكله... لكننا في الداخل لم نتغيّر... أليس كذلك؟

تطلع إلي و هو يبتسم... تنهدت و أنا أنظر إلى شكله الذي يثير حيرتي :
ـ آمل ذلك... فإن لم تكن قد تغيّرت إلى الأفضل فمن أخف الأضرار أن لا تكون قد تغيرت...

ضحك بصوت عال و هو يقول :
ـ يبدو أنك حكمت علي بأنني لا يمكن أن أكون قد تحسنّت أو نضجت!!

ثم أخذ يحدثني عن الشهادات التي تحصل عليها، و عن التربصات التطبيقية التي قام بها في شركات كبرى و كيف أنه اكتسب خبرة يحسد عليها في فترة وجيزة بفضل حبه لعمله و إتقانه له بل إبداعه فيه...

كان يتحدث بكل حماسة كأنه يعرض علي مشروعا و أنا سأقوم بتمويله... أو كأنني رئيسته في العمل و هو يحاول إقناعي بجدواه و أهميته!!!... كنت أهز رأسي بين الفينة و الأخرى... لكنني كنت أفكر في طريقة أتخلص بها من رفقته قبل الوصول إلى الكلية!

وصلت إلى محطة الحافلات فقاطعته دون أن أدري، لأنني أصلا لم أكن أصغي بانتباه تام لأحاديثه :
ـ أظن أنك ستمتطي الحافلة المتجهة إلى مركز المدينة... أما أنا فكليتي في الاتجاه الآخر. لذا أظننا سنفترق هنا...

ـ لا يهم... سأوصلك إلى الكلية ثم أعود، فعلى أية حال لا أظن المحلات تفتح قبل ساعة من الآن...

جاءت الحافلة فصعدنا. ظل صامتا للحظات كأنه يفكر في العودة إلى حديثه عن مستقبله المهني الواعد و شركته الخاصة... لكنه عدل أخيرا عن رأيه و نظر إلي و هو يقول :
ـ مرام... أنت متغيرة من ناحيتي!

نظرت إليه مستنكرة :
ـ أنا؟ متغيرة من ناحيتك؟؟ لم تقول هذا؟ صحيح أننا لم نلتق منذ سنوات طويلة... لذا من الطبيعي أن يكون كل منا تغير في طريقة تفكيره و نمط عيشه... أنا مثلا حياتي كلها تغيرت منذ ثلاث سنوات... انطلاقتي مع الكلية و الحجاب كانت انطلاقة جديدة... اهتماماتي لا أقول أنها شهدت انقلابا جذريا، لكنني تعمقت أكثر في الثقافة الدينية و تطوير المهارات الذاتية... من الطبيعي أنني لم أعد تلك البنت المشاغبة و التلقائية... لم تعد الروايات البوليسية تشغل كل أوقات فراغي و لا الألعاب الرياضية... و قد يكون مفاجئا أن لا يتغير الإنسان خلال أكثر من 5 سنوات... خاصة في هذه الفترة من العمر، و هي فترة النضج الفكري و العاطفي... فترة حساسة و هامة في حياة كل فرد... و من المهم أن يخرج منها و هو واع بما يريد صنعه في المستقبل... و قد حدد طريقه و أهدافه من الحياة...

كان يستمع إلي في اهتمام ثم ابتسم و هو يقول في حنين :
ـ كنت دائما بالنسبة إلي مرام الصغيرة التي تشاركني الدعابات و المقالب... و التي أستمتع بالحديث إليها لساعات طويلة... و كنت أتمنى أن أراك بنفس الروح... لكن يبدو أنني أخطأت التقدير...

ابتسمت بدوري و أنا أقول :
ـ و أنت كنت لي الأخ الأكبر الذي يفهم في كل شيء و يدهشني بأفكاره المبدعة... لكن الزمن لا يتوقف عند اللحظات التي نحبها... و إلا لما كانت الذكريات! يكفي أننا عشنا طفولة مرحة و مسلية و بقيت لنا منها ذكريات جميلة...

نزلنا أمام الكلية... تلفتت باحثة عن راوية، لكن لم يكن لها أثر...
ـ يبدو أن صديقتك لم تأت بعد... لا يزال أمامنا بعض الوقت حتى تبدأ المحاضرات، ما رأيك في نأخذ كأسين من القهوة في الكافيتيريا؟

هززت رأسي معارضة و أنا أدور بعيني في أنحاء الساحة علني ألمح إحدى الفتيات :
ـ شكرا لك... لكن صديقتي قد تأتي في أية لحظة...

هز كتفيه مستسلما :
ـ كما تشائين...

لم يطل صمته قبل أن يقول :
ـ أتدرين... كنت طوال الوقت في الطائرة خلال رحلتي من أمريكا أحاول تخيل ملامحك أمامي... كيف تراك تصبحين بعد كل هذه السنين...

ابتسمت و أنا أسأله :
ـ و كيف كانت النتيجة؟

مال فجأة على أذني و همس :
ـ أجمل بكثير مما توقعت...

تراجعت في حركة غريزية لأبتعد عنه لكنني لم أعلق على عبارته تلك... رغم أنها لم تكن مناسبة جدا لما أعتبره "علاقة عادية بين أبناء العم"، لأنني حين استدرت لأؤنبه لمحت شخصا ما على قيد خطوات منا...

لم أتوقع أن أرى حسام ذاك الصباح في الكلية ... لكن لسوء حظي كان هو من يقف على الرصيف على الجانب الآخر من الشارع... كان ينظر إلى طارق و قد عقد حاجبيه في قلق واضح... لست أدري كم مضى من الوقت على وقوفه هناك... يا إلهي ما الذي يدور برأسه في هذه اللحظات؟!

انتظرت أن يقترب منا... أن يستوضح... لكنه أشاح بوجهه و ابتعد في خطوات سريعة...
بات واضحا أنه لاحظ معاملة طارق الخاصة لي و التي تدل على قدر من الحميمية بيننا!!

ساره الالفي
14-02-2009, 12:06 PM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ

أخيرا ظهرت راوية!
نظرت إلي من بعيد و هي تتساءل في سرها عن الشاب الذي يقف معي و هو لم يتوقف عن الحديث مذ وصلنا و أنا مشغولة عنه بالمصيبة التي حلّت بي بعد أن رآنا حسام و انصرف غاضبا...

انتظرت أن تأتي إلي راوية على الفور، لكنها لعجبي الشديد، غيرت وجهتها و مضت نحو باب الكلية!!
ماذا دهاها؟ ألم ترني؟!
لكنها نظرت ناحيتي! مستحيل...

ـ انتظرني لحظة...
انطلقت إثرها دون أن أنتبه إلى أنني قاطعت طارق مرة أخرى خلال حديثه المشوق عن مغامراته في أمريكا...

ـ راوية... راوية... انتظري...

توقفت لتلقي التحية و أنا ألهث :
ـ كنت أنتظرك... ألم تريني؟

ـ بلى و لكنك لم تكوني بمفردك فلم أشأ التدخل...

ـ أنا في انتظارك كي تخلصيني من صحبته و أنت لا تريدين التدخل!!!

ضحكت راوية و هي تستمع إلى قصتي مع ابن عمتي الذي أصر على مرافقتي...
ـ و المصيبة أن حسام رآنا معا... و لم يشأ حتى أن يسلم علي بل انصرف غاضبا!

ـ طبعا... كيف كنت ستتصرفين إن كنت لمحته رفقة فتاة أخرى بمفردهما؟

تنهدت و قلت :
ـ المصيبة الأكبر هي أن طارق يعتبرني مثل أخته الصغيرة و يعاملني دون تحفظ!

نظرت إلي راوية متشككة :
ـ مثل أخته الصغيرة؟ هل أنت متأكدة؟!

هززت رأسي بشدة و أنا أؤكد :
ـ نعم يا راوية... أنت لا تصدقين؟ لقد كان طوال الطريق يحدثني عن طفولتنا و ذكرياتنا المشتركة... و كيف أنه حاول أن يتخيل كيف تغيرت...

بدا على راوية عدم الاقتناع :
ـ هذا لا يعني شيئا... أنت لا تعرفين شيئا عن نواياه و خبايا نفسه...

ثم قالت بصوت مكتوم و هي تنظر ورائي :
ـ يا أهلا و سهلا...

التفتت فوجدت طارق قد اقترب منا و بادرني في عتاب :
ـ أين ذهبت يا مرام؟... ثم ألا تعرفينني بصديقتك؟

عرفتهما بسرعة ثم تظاهرت بالحديث مع راوية حول أحد المراجع الذي يجب أن أمر لاستلامه من المكتبة. التفتت إلى طارق معتذرة و قلت :
ـ آسفة يا طارق... أظنني سأدخل إلى المكتبة الآن... أراك لاحقا...

ابتسم في تفهم :
ـ حسناً... حظا موفقا... و انتبهي إلى نفسك... أراك على الغداء...

هزت راوية حاجبيها و هي تقول في ثقة :
ـ مرام... أنت في مأزق... نظراته إليك ليست بريئة البتة!!!


التقينا دالية في ساحة الكلية فركضت نحوها لأخبرها بما حصل مع حسام. و ختمت روايتي بقولي :
ـ لم أتوقع أبدا أن أرى حسام هنا اليوم... أليس يتابع تربّصه في المستشفى المركزية؟

ابتسمت دالية في أسف و قالت :
ـ نعم... لكنه جاء خصيصا اليوم ليراك قبل الذهاب إلى المستشفى! يا لأخي المسكين! كان عازما على الاتصال بوالدك هذا المساء لتحديد الموعد...

أحسست بالأسى للألم الذي سببته لحسام...
لقد أفسدت كل شيء! هل يغير رأيه بشأن لقاء والدي في نهاية الأسبوع؟

ـ أقسم لك يا راوية أنني لم أقصد إيلامه! لا ذنب لي فيما حصل... لم أرده أصلا أن يرافقني خارج المنزل... لكنه أصر و لم أجد وسيلة للخلاص منه...

أيدتني راوية قائلة :
ـ أفهمي حسام أنه ابن عمتها و لم يرها منذ أكثر من خمس سنوات لذا فهو يتصرف ببعض الغرابة و ليس في قاموسه حدود شرعية للعلاقة بين الأقارب من الجنسين خاصة أنهما أصدقاء طفولة...


عدت إلى المنزل بعد يوم متعب نفسيا و جسديا من المحاضرات و من التفكير في وضع حد لطارق حتى لا تتكرر حادثة اليوم في مستقبل الأيام...
دخلت إلى المطبخ مباشرة حيث وجدت أمي تعد طعام العشاء
ـ هل عاد طارق؟

ـ نعم... إنه مع ماهر في غرفته يجربان لعبة الفيديو التي أحضرها له من أمريكا... هل تريدين الانضمام إليهما؟

هززت رأسي نافية و أنا أقول :
ـ لا أبدا... أمي، هناك مشكلة! لا أريد أن يخرج معي طارق بعد الآن!

نظرت إلي أمي متعجبة :
ـ لكنه ابن عمتك و هو في ضيافتنا... كما أنكما صديقان منذ طفولتكما!

ـ نعم يا أمي... كناااا أصدقاء طفولة... لكننا كبرنا الآن... و كلمة صداقة لم يعد لها معنى في هذا السن بين الشاب و الفتاة... كيف يبدو شكلي و أنا أمشي في الشارع مع شاب؟! هل يجب أن أسرد على كل من يمر بي قصة حياتي و أردد : إنه صديق طفولة و لا شيء بيننا!! كما أنه تسبب في مشكلة مع حسام...

ـ هل تكلما؟

ـ لا أبدا... حسام انصرف غاضبا لأنه رأى طارق يوشوش في أذني...

قلت ذلك و انفجرت باكية... هرعت إلي أمي لتخفف عني فاستطردت و دموعي تسيل على خدي :
ـ ما الذي يقوله عني الآن و ماذا يظن بي؟ بل ربما يغير رأيه في مسألة الارتباط برمتها!

في تلك اللحظة دخل طارق إلى المطبخ و ما إن رآني باكية حتى جرى إلي و أمسك بيدي و هو يهتف :
ـ مرام... حبيبتي... ما بك تبكين؟!

سحبت يدي في حدة و صرخت :
ـ أرجوك... ابتعد عني!

مروه
19-02-2009, 10:08 AM
عاوزه كذا حلقة عشان التأخير ده
بليز كملي بسرعة http://ehabtawfiqstar.com/upload/uploads/images/ets-a7c6d2da1a.gif

ساره الالفي
19-02-2009, 02:30 PM
حاضر يا مروه من عنيا

أنا اسفه ع التأخير بس معلش الكليه هي السبب

ساره الالفي
19-02-2009, 02:38 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكم الله خيرا لمروركم العطر الذي أنار موضوعي

أسأل الله النفع والفائده للجميع

ساره الالفي
19-02-2009, 02:41 PM
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ



تراجع طارق إلى الخلف و على وجهه علامات الذهول، و تسمّر في مكانه لا يبدي حراكا... غطيت وجهي بكفي و أجهشت بالبكاء من جديد و أنا أتمتم في أسف :
ـ آسفة يا طارق... لم أقصد إهانتك... لكنني في ورطة، و أنت تضعني في مواقف محرجة!

نظر إلي غير مصدق :
ـ أنا أضعك في مواقف محرجة؟! كيف؟! صدقيني لم أقصدك إيذاءك أبدا!

ربتت أمي على كتفي مهدئة ثم قالت وهي تهم بمغادرة المطبخ :
ـ أترككما لتحلا سوء التفاهم الذي بينكما في هدوء...

ثم ابتعدت في خطوات رشيقة...

قلت دون أن أرفع رأسي إليه :
ـ طارق... أنت أحرجتني... الآن حين أمسكت يدي... و في الصباح حين خرجت معي من المنزل... و أمام الكلية حين انحنيت لتوشوش في أذني... طارق نحن لم نعد أطفالا... و لم يعد بإمكاننا أن نتعامل مثل الإخوة لأننا كبرنا... و التزامي يمنعني من الخروج مع شاب أو الحديث معه على انفراد... حتى و لو كان ابن عمتي و صديق طفولتي... فالحدود الشرعية هي الحدود الشرعية و لا تقبل الاستثناءات...

كانت علامات الدهشة قد اختفت و راح ينصت إلي في انتباه و تفهّم، ثم اقترب مني مجددا و همس مواسيا :
ـ أفهمك يا مرام... أفهمك... و آسف حقا لأنني لم أراع مبادئك... صدقيني أنا أقدر تماما ردة فعلك... لكن لماذا لم تصارحيني بانزعاجك في الإبان؟! ظننت أننا اتفقنا على الصراحة بيننا...

ابتسمت و أنا أتذكر عهودنا الطفولية...
لكننا تغيرنا يا طارق و الدنيا من حولنا تغيرت...
الذكريات عفا عنها الزمن و لم تعد تعني شيئا كثيرا في الوقت الحاضر... عدا كونها ذكريات! نبتسم حين نتذكرها ثم نعود إلى الحاضر...
لكنك يا صديقي تتوقع أن يتجمد العالم في غيابك، فتجده كما تركته رغم مرور السنين...
ربما كانت تلك أحلى سنوات حياتك فتألمت لفقدها لذلك تحاول استعادتها بأية وسيلة حتى و أنت تعلم أن ذلك من ضرب المستحيل!

جلس طارق على الكرسي المجاور و هو يردف دون أن يدرك فحوى ابتسامتي التي صاحبت حواري الداخلي :
ـ أنت تعلمين أنني لا يمكن أن أسبب لك أدنى أذى عن قصد... لأنك...

ثم مستجمعا شجاعته :
ـ لأنك... غالية على قلبي... حتى أنني كنت أنتظر اللحظة المناسبة... لأحدثك في أمر ما...

أحسست بمصيبة قادمة، تحث الخطو نحوي!!!
و لم أكن مستعدة لمواجهتها فقررت الدفاع فورا... و بما أن الهجوم خير وسيلة للدفاع فقد ألقيت عليه قنبلتي... دون رحمة...

قاطعته قبل أن يسترسل في كلامه :
ـ هنالك شيء آخر يجب أن تعلمه يا طارق...

تطلع إلي مستفسرا فواصلت و أنا أتجنب نظراته :
ـ هناك شاب تقدم لخطبتي... و قد وافقت عليه مبدئيا... و من المقرر أن يقابل أبي في نهاية الأسبوع...

تجلت الصدمة في ملامحه و ابتلع ريقه بصعوبة و هو ينظر إلي محاولا التماسك. لكنني واصلت متجاهلة صدمته...

نعم لقد أدركت ما كان ينوي قوله... أدركت أن راوية كانت على حق حين شككت في نواياه تجاهي... و يؤلمني حقا أن أصده بهذه الطريقة... لكنني لم أضع حدا في اللحظة المناسبة، فصارت الردود الرقيقة غير مجدية لأنها تبقى غير حاسمة و قابلة للتأويل... فلأكن واضحة و صريحة... ألم نكن قد اتفقنا على الصراحة؟
فليكن!
كما أنها أسهل الطرق و أسلمها لي و له... حتى يتجنب كلانا الحرج الناتج عن المصارحة... و الرفض...
لذا كان يجب أن أوقفه قبل أن ينطق و أن أتفادى قدر الإمكان لحظة المواجهة...

و استرسلت في الكلام دون أن أواجهه لأعطيه مهلة استيعاب الأمر و تجاوز مفعول الصدمة :
ـ ... لكن رؤيته لك معي هذا الصباح أثارت تحفظه... و أخشى أن يغير رأيه... أنت تفهمني يا طارق... و لأنني أعتبرك أخي الأكبر و أعلم أنك تخاف على مصلحتي فقد صارحتك بقلقي... حتى لا يتكرر الموقف و سوء الفهم...


فجأة ارتفع رنين الهاتف، فوقفت بسرعة و اتجهت إلى البهو لأرد على المتصل...
إنها دالية...

ـ مرحبا دالية... كيف حالك؟

أجابت دالية بجدية و اهتمام :
ـ اسمعي مرام... لقد تكلمت مع حسام، و هو متضايق جدا من وجود ابن عمتك معكم في البيت! إنه يقول أن أباك مخطئ بالسماح لشاب أعزب أجنبي عنكم بالإقامة عندكم!

ـ لكنه ابن عمتي يا دالية... و هو ضيف عندنا و قد جاء من أمريكا لزيارتنا، فلا نملك أن نطرده!

ـ نعم... أعلم، لكن الوضع غير مقبول!!!

تنهدت في ضيق و هممت بأن أرد على دالية حين سمعت ضوضاء و وقع أقدام في الممر... تطلعت إلى المدخل الذي يمكنني أن أراه من حيث أقف...
سمعت صوت أمي أولا :
ـ و لكن يا طارق يا بني، كيف تغادرنا هكذا؟! انتظر حتى يعود خالك... ثم ألا تتناول العشاء معنا؟!

ـ شكرا يا خالتي... و لكنني قد اتصلت بأيمن ابن خالتي هيام و هو ينتظرني في محطة الحافلات... يجب أن ألحق به... شكرا على ضيافتكم، قضيت معكم وقتا ممتعا...

ـ أنت لست غاضبا من مرام؟!

ـ لا لا أبدا يا خالتي... كان مجرد اختلاف و قد حلت المشكلة و الحمد لله... لست متضايقا منها أبدا... و آمل أن لا أكون قد ضايقتكم بزيارتي المفاجئة...

ـ على الرحب و السعة... عد لزيارتنا قبل سفرك...

ـ إن شاء الله يا خالتي...
ثم حانت منه التفاتة إلى البهو... رآني فابتسم ابتسامة تجلت مرارتها... و حياني بيده قبل أن ينصرف و يغلق الباب خلفه...

كانت علامات الحزن بادية في صوتي و أنا أقول مخاطبة دالية :
ـ ها قد انصرف طارق من بيتنا... لم يعد هنالك داع للقلق...



تمت الحلقة السادسة بحمد الله

ساره الالفي
19-02-2009, 02:44 PM
الحلــــــــــقة الســـــــــــــابعة

ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ


استيقظت مبكرة اليوم على غير العادة... جهزت نفسي بسرعة ثم جلست إلى المكتب أقوم بمراجعة أخيرة للدروس التي استغرقت أياما و ليالي طويلة لفهمها و حفظها. ليس بإمكاني أن أراجع كل شيء فوقتي الضيق لا يسمح إطلاقا بالعودة إلى المراجع الكثيرة المكومة على مكتبي... لكنني رحت أقرأ في بضع وريقات دونت عليها ما تعسر علي استيعابه...

لكنني لم أستطع التركيز، فقد راح بصري ينتقل بصفة دورية بين الورقة و ساعة الحائط التي تعلن مرور الدقائق سريعا، مما يزيد من توتري...
رفعت رأسي و تنهدت
اللهم إني أسألك فهم النبيين و حفظ الملائكة المقربين

و عدت ألتهم الأسطر التهاما...
لم يبق الكثير من الوقت...
يجب أن أذهب الآن...
طويت وريقاتي و وضعتها في محفظتي. ربما تمكنت من المراجعة لاحقا إذا توفرت لدي بضع دقائق قبل دخول قاعة الامتحان.


وصلت إلى الكلية فوجدت راوية صحبة بعض الزميلات يراجعن معا نظام عمل الخلية. استمعت إليهن قليلا... جيد، يمكنني الإجابة بسهولة على هذا الجزء من الدرس. فلأعد إلى أوراقي...

أخرجت دفتري و أبحرت فيه قبل أن يوقظني صوت راوية و هي تنظر في الورقة التي بين يدي :
ـ اممم... يبدو أنك قد راجعت جيدا... فأنا لم أملك الوقت حتى لأتم الأجزاء الأكثر أهمية من الدرس... فما بالك بالحالات الاستثنائية و التفاصيل الثانوية!!!

ابتسمت و أن أهز رأسي :
ـ الحمد لله، لقد بدأت المراجعة باكرا... لكن حجم المادة الدراسية ضخم للغاية و لا يمكن الإلمام به مهما حاولت!! فكما ترين، أجد صعوبة مع الكثير من النظريات...

وقلبت الأوراق أمامها ثم هززت كتفي في لامبالاة و استطردت :
ـ على أية حال، كل منا سيدخل الامتحان بما استقر في رأسه... كثر أم قلّ... و لا سبيل إلى التحسر الآن!

نظرت إلي راوية في تمعن ثم ابتسمت قائلة :
ـ مرام... هل تجلسين إلى جانبي؟

قلت في غير اكتراث :
ـ طيب...

فقالت مستفسرة :
ـ ماذا راجعت أيضا؟ كي أعلم في أي الأجزاء يمكنني أن أعتمد عليك...

نظرت إليها مستغربة ثم ابتسمت و قد أدركت أنها تمزح :
ـ قولي أنت أولا! فيم يمكنك مساعدتي... فأنا لا أقدم الخدمات دون مقابل!!

قالت في حركة مسرحية :
ـ كل معلوماتي تحت أمرك و ملك يدك... يكفي أن ترضي عنا يا آنستي!

ثم أردفت ضاحكة :
ـ و تعاونوا على البر و التقوى!

شاركتها الضحك، ثم دخلنا القاعة سوية.

جلسنا في مقعدين متقاربين و أخذنا نستعد... أخرجت الورق و القلم و حفظت الدفتر في الحقيبة.
بعد لحظات دخل المشرفون على الامتحان و شرعوا في توزيع أسئلة الامتحان. أغمضت عيني و رحت أستذكر أدعية الامتحان
اللهم أدخلني مدخل صدق و أخرجني مخرج صدق و اجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا
اللهم اشرح لي صدري و يسر لي أمري
بسم الله توكلت على الله لا حول و لا قوة إلا بالله...

تنفست بعمق ثم نظرت إلي راوية التي بادلتني ابتسامة واثقة و همست كل منا للأخرى :
ـ وفقك الله...

ثم تناولت الورقة و بدأت العمل...

مرت الدقائق تلو الدقائق و أنا لا أكاد أرفع رأسي عن الورقة. الاختبار طويل و الوقت ضيق و كل دقيقة ضائعة تحسب عليّ!
توقفت عند سؤال استعصى علي... اللهم علمني ما جهلت و ذكرني ما نسيت...

كنت أحاول التركيز قدر الإمكان و استرجاع الدرس في ذاكرتي رويدا رويدا علني أعثر على النقطة التي تدلني على الحل...

فجأة تناهى إلي همس خافت... رفعت رأسي فوجدت راوية تناديني! التفتت إليها مستغربة. كانت تمد إلي ورقتها مشيرة إلى السؤال الذي أعياني البحث فيه. لم أفهم قصدها في البداية... لكنها كانت تعرض علي المساعدة!

أشرت إليها بأن ترجع ورقتها قبل أن يتفطن المراقب و يمسكها متلبسة!
هزت كتفيها و كأنها تقول : كما تشائين...

عدت إلى ورقتي من جديد و قد بدأت الرؤية تتضح أمامي و لم ألبث أن وجدت الحل فكتبته في سرعة و على شفتي ابسامة جذلى و انتقلت إلى السؤال الموالي.

لم ألبث أن سمعت همسا من جديد... إنها راوية ثانية!
كانت تشير إلى سؤال تعسر عليها الإجابة عنها... و لكن... هل تتوقع مني أن أمرر إليها ورقتي لتنقل منها الأجابة؟!
إنها بالفعل تطلب الورقة!

ـ لا تقلقي سألقي نظرة و أعيدها قريبا...

تلفتت فإذا المراقب في ركن بعيد لا يمكنه رؤيتنا منه...
يا إلهي ماذا أفعل؟!!!

ساره الالفي
19-02-2009, 03:01 PM
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ


كانت راوية تنتظر ردي أو أن أمد إليها ورقتي...
لا يمكن أن أفعل هذا مهما حصل! حتى لو كان المراقب بعيدا عنا فعين الله ترقبنا!
صحيح أنني لست من يحاول الغش، لكنني أكون قد ساعدت على الغش!
يجب أن أفهم راوية الأمر حتى لا تتكرر الحادثة...
لكن الآن... ما العمل؟!
ستغضب مني إن تجاهلتها أو رفضته... كما أنه ليس الوقت و لا المكان المناسب لتقديم المواعظ...

عقدت حاجبي و نظرت إلى راوية مستفسرة و قد بدا على وجهي علامات عدم فهم قصدها... استمرت تحاول التفسير مشيرة إلى الورقة و محاولة توضيح رقم السؤال بأصابعها... هززت رأسي و كأنني أقول : لا أفهم شيئا من إشاراتك!!!
ثم أشحت بوجهي و عدت إلى ورقتي حين لمحت المراقب يقترب...

بعد بضع دقائق عادت همسات راوية...
لكنني كنت قد قررت تجاهلها تماما، كأنني لم أسمع شيئا... لكنني في نفس الوقت لم أستطع التركيز على الأسئلة التي أمامي، فقد كنت أشفق على راوية التي لم تستطع مراجعة كل الدروس بسبب زفاف أختها...
لكن ما حيلتي!

اقترب وقت الاختبار على الانتهاء و كانت راوية قد يئست مني و توقفت عن مناداتي منذ زمن...
أعلن المراقب انتهاء الاختبار فوقفت لتسليم و رقتي. كانت راوية لا تزال تعصر أفكارها محاولة الإجابة على الأسئلة المتبقية. سلمت ورقتي و خرجت من القاعة و كان عدد من قليل من الطلبة لم يغادر القاعة بعد في محاولات أخيرة يائسة لإيجاد الحل الدي عجز عنه في ساعات في ثواني!! مع تصاعد التوتر من نداء المراقب و تهديده بمغادرة القاعة و حركة المجيئة و الذهاب من طرف الطلبة الذين يسلمون أوراقهم و يجمعون أدواتهم و يتحدثون بصوت عال...

وقفت خارج القاعة في انتظار راوية...
و أخيرا رأيتها مقبلة و هي تزفر في قلق. توجهت نحوها مبتسمة :
ـ و أخيرا خرجت... ألم...

بترت عبارتي حين وجدتها تشيح بوجهها تبتعد عني في خطوات سريعة!!
تسمرت في مكاني من الدهشة... ما الذي حل بها؟!
لحقت بها و أنا أناديها :
ـ راوية... راوية... انتظري!

لكنها تجاهلتني و بات من الواضح أنها غاضبة مني فعلا!
أسرعت و أنا على وشك الركض في الساحة و أمسكت بذراعها لأوقفها :
ـ ماذا دهاك؟! توقفي و كلميني!

التفتت إلي و قد بدت عيناها محمرتان و هي على وشك البكاء :
ـ اتركيني الآن... لست مستعدة للكلام مع أحد!

أفلتت ذراعها و قلت بعد تردد قصير :
ـ راوية... أنا آسفة بالنسبة للامتحان... لم يكن بإمكاني أن...

قاطعتني في شبه صراخ :
ـ قلت لا أريد أن أسمع شيئا!

كانت تتنفس بسرعة و عصبية... استطردت بعد لحظات :
ـ أنت تجاهلتني... و رفضت مساعدتي، مع أنك تعلمين أنني في أمس الحاجة إلى تقدير هذه المادة... هل هذه هي الصداقة في نظرك؟!

أمسكت يدها في توسل و شفقة :
ـ و لكن يا راوية هذا اسمه غش...

هتفت غاضبة :
ـ الضرورات تبيح المحظورات!!!

ثم ركضت مبتعدة... لم أملك أن ألحق بها ثانية... فلأتركها لتهدأ، ثم سنتحدث باتزان...
لمحت دالية أمام الكلية، حييتها بيدي من بعيد فاقتربت مني مبتسمة و هتفت :
ـ كنت أبحث عنك... كيف سار الامتحان اليوم؟

ـ الحمد لله... بخير إن شاء الله

ـ الحمد لله... أنا أيضا متفائلة بما قدمت... المهم... أنا هنا في مهمة!

ثم غمزتني ضاحكة... فتسارعت دقات قلبي...
ـ احم احم... الدكتور حسام سيزوركم مساء الغد على الساعة السادسة... و قد كلفني بالقيام ببعض التحريات...

ـ تحريات؟!

ـ نعم... فهو يريد أن يعرف إن كان والدك على علم بكل التفاصيل، و إن كان يعتبر هذه الزيارة لمجرد التعارف أم أنه ينتظر منه الحديث في موضوع الخطبة مباشرة؟

سكتت قليلا مفكرة :
ـ المفروض أن أمي أعلمت أبي بكل التفاصيل... تقريبا... لكن لا أدري إن كان يريد الدخول في لب الموضوع مباشرة قبل أن يتعرف على حسام و يسأل عنه...

ضحكت دالية و هي تقول :
ـ المشكلة أنه يجهل تماما ما يجب فعله و قوله في مثل هذه المناسبات!!

ـ فليسأل والدك!

ـ أنت تعلمين أن العادات تتغير من جيل إلى آخر... كما أن والدي مسافر هذه الأيام

ـ أليس له صديق خطب مؤخرا؟ قولي له أن يحضر معه أحد أصدقائه أو أقاربه حتى لا يحس بالحرج بمفرده

ـ لا أظن... هو لا يريد أن يعرف أحد بالقصة قبل أن تتم الخطبة رسميا... فقد قرر أن يذهب بمفرده! لكن عنده سؤال آخر... هل قاعة الجلوس عندكم مفتوحة أم منفصلة عن بقية الغرف؟

نظرت إليها في دهشة ثم انفجرت ضاحكة :
ـ هل يخشى أن ينصت إلى حديثه أحد ما؟!

ـ بل قولي يتمنى أن يأتي لنجدته أحد ما إن لم يستطع السيطرة على الموقف!!

ضحكنا في مرح و قلت :
ـ قولي له أن قاعة الجلوس منفصلة... لكن من يرغب في استراق السمع يمكنه الوقوف في الحديقة أمام إحدى النوافذ أو في الممر...

ـ سؤال أخير... هل سيكون هنالك أحد آخر غير والدك في استقباله؟

ـ امم... لست أدري إن كان أخي ماهر سيقحم نفسه في الموضوع... لكن ربما حضر عمي... لست متأكدة...

ـ إذن لا يمكنك المساعدة في شيء!! جميع الإجابات لا أدري!! سيقول عني أنني متحرية فاشلة!!

ضحكنا من جديد ثم افترقنا قريبا من بيتنا...

كنت أفكر في راوية... كيف سأسترضيها؟
دخلت غرفتي و استلقيت على ظهري و غفوت قليلا...
اسيقظت بعد فترة وجيزة منتفضة بعد أن رأيت كابوسا مزعجا!! كيف أنام مرتاحة البال و صديقتي المقربة غاضبة مني؟!

وقفت بسرعة و طلبت رقمها على الهاتف الجوال... انتظرت لحظات قبل أن يفاجئني صوت أمها!!
ـ مرحبا مرام... كيف حالك و كيف حال والدتك؟ راوية متعبة قليلا و قد طلبت مني أن أجيب على الهاتف...

ـ سلامتها... هل هي بخير؟

ـ لا تقلقي... مجرد تعب سيزول قريبا...

وضعت السماعة في أسف...
راوية لا تريد أن تكلمني!!

المسلمة الرقيقة
19-02-2009, 03:27 PM
بسسسررررررررررررررررعة متتأخرييش

ساره الالفي
19-02-2009, 07:14 PM
من عنيا مش هتأخر إن شاء الله

ساره الالفي
19-02-2009, 07:23 PM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ







كان مساءا حزينا ثقيلا على نفسي... لم أنقطع عن التفكير في الأحداث المحيطة بي...



تألمت لبعد راوية عني في هذه اللحظات الحاسمة في تاريخ حياتي... فغدا يتقرر مصير علاقتي بحسام

لم أتخيل أن يمر حدث كهذا دون أن أتبادل أحاديث طويلة مع راوية حوله في قلق و ترقب و أمل... فنضع جميع التوقعات و نتناقش حولها... فتخفف عني و تطمئنني و تدخل الراحة على قلبي بأسلوبها الهادئ الرصين...



إنها صديقتي المقربة منذ سنوات طويلة و هي أكثر من يفهمني و ينصحني و يكون إلى جانبي في وقت الشدة...

هي من أستشير في كل أمر، إضافة إلى أمي...

و هي من يخرجني من المآزق الحرجة بأفكارها المبدعة و اقتراحاتها المتميزة

و هي من يحس بي حين أتضايق، و يسهر على راحتي حين أمرض...



كنت في قلق شديد... من قدوم حسام إلى بيتنا مساء الغد...

و من غضب راوية مني و هي التي لم تغضبني يوما!



جلست في غرفتي متفكرة، و وجهي بين كفي... كيف أتصرف؟! إنها لا تريد الاستماع إلي و لا تجيب على الهاتف...



دخلت أمي فوجدتني على تلك الحال. نادتني قائلة :

ـ ألا تنضمين إلينا للعشاء؟ والدك ينتظر...



رفعت رأسي دون أن يبدو علي الحماس للفكرة :

ـ شكرا لك يا أمي... و لكنني لست جائعة...



ابتسمت و قالت مداعبة :

ـ لست جائعة أم... هناك ما يشغلك...؟



لم أجب و تنهدت في حزن فاستطردت في حنان و هي تقترب لتجلس على حافة الفراش :

ـ ما بال صغيرتي قلقة؟ دعي الأمر على الله... فإن كان هنالك نصيب فكل شيء سيسير على أحسن ما يرام... ألم تستخيري؟ إذن لا تشغلي بالك...



هززت رأسي مؤكدة :

ـ نعم يا أمي فالاستخارة حولت قلقي إلى راحة و أنا متوكلة تماما على الله... لكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التطلع إلى ما سيحصل بين أبي و بين حسام غدا...



صمتت قليلا ثم أردفت :

ـ لكن ليس هذا كل شيء...



و قصصت عليها مشكلتي مع راوية...



ابتسمت أمي و قالت :

ـ من العادي أن تحدث خلافات بين الأصدقاء لتغيير رتابة العلاقة... لكن المهم أن لا يأخذ الأمر أكثر مما يستحق من الاهتمام... و أعلم أنك لا تستغنين عن راوية... و راوية لا تستغني عنك, لذلك أنا واثقة من أن الحكاية ستنتهي قريبا على خير...

جلست على ركبتي و أنا أقول في حماس و اهتمام :


ـ أمي... ألا يمكنك التدخل؟ لم لا تتصلين براوية و تحاولين إقناعها بأن الغش في الامتحان لا يجوز... و أنني لم أقصد ازعاجها أو التخلي عنها... بل أردت مصلحتها... إنها تحترمك و تسمع منك...



هزت أمي رأسها علامة عدم الموافقة :

ـ لا يا حبيبتي لا... المشكلة بينك و بينها و لا يجب أن تتدخل فيها أطراف أخرى مهما كانت قريبة منكما... حتى تحس راوية بخصوصية علاقتكما و مشاكلكما... و لا تجرح إن انتشرت القصة عن خطئها... خاصة أنني واثقة أنها ما إن تهدأ و تفكر بهدوء ستدرك خطأها. لذا أعطها الفرصة لتراجع نفسها...



ـ يعني لا أحاول معاودة الاتصال بها؟



ـ ليس الآن... اتركيها إلى الغد... ستكون قد حصلت على الوقت الكافي للتفكير... كما تكون حالتها النفسية تحسنت من جراء الامتحان الذي تعثرت فيه...



ابتسمت و قد بدا لي كلام أمي مقنعا و مطمئن
ا

أمسكت أمي بيدي و هي تقول :

ـ و الآن تعالي لتناول طعام العشاء... أكيد أن شهيتك قد تحسنت!

وقفت و ابتسامة صغيرة تعلو شفتي... نعم الصديقة أنت يا أمي...




لم يثر أبي الموضوع على العشاء إطلاقا و لم يسألني شيئا عن علاقتي بحسام. أما أخي ماهر فقد كان يزعجني بملاحظاته و تعليقاته السمجة!! كأنه وجد الفرصة ليحرجني و يضايقني...



ـ كيف يبدو شكله؟ طويل أم قصير؟ سمين أم نحيف؟ أتصوره نحيفا و قصير القامة... يرتدي نظارات سميكة... مثل أغلب طلبة الطب!!



ثم ينفجر ضاحكا فألمزه بمرفقي ليهدأ. و حين يضبطه أبي في شقاوته يتظاهر بأنه يأكل و يكتم ضحكه بصعوبة...




استيقظت مبكرة في الغد... و الحقيقة أنني لم أنم كثيرا! مع أنني أعلم أنه لا داعي للقلق... كأنني سأمر بامتحان عسير... لكن حسام هو من سيمر بالامتحان...

امتحان أبي!!

فأبي لم يكن متحمسا لمسألة الخطوبة في مثل هذا الوقت... و هذه السن. خاصة أن كلانا لم ينه دراسته بعد. حسام بقيت أمامه سنة واحدة لينهي الجزء النظري من الدراسة، ثم يبدأ التدريب المتواصل في المستشفى...

و لولا أن أمي أقنعت أبي بأنه شاب متميز و أن عليه أن يلتقيه قبل إعلان رفضه لما أعطى الأمر أهمية أبدا بل لكان أنهى القصة منذ البداية مثلما فعل مع عدد من الخاطبين في السابق متعللا بصغر سني...

و الحقيقة أنني لا ألومه، فأنا في السنوات الماضية لم أكن أفكر في مسألة الارتباط أصلا، بل كنت مقتنعة إلى أنني في مرحلة تطور فكري و قد أغير رأيي...

كما أن أبي لم يكن ليرفض شابا يراه صالحا لي... بل أظنه كان يتعلل بمسألة السن حتى لا يجرح الشاب و لا يفتح الباب للخاطبين في نفس الوقت...




الهاتف يرن...
إنها دالية :

ـ كيف حالك اليوم؟ هل أنت مستعدة؟



قلت متضاحكة :

ـ بل أسأل عن حال الدكتور! هل جهز خطابه جيدا؟ فالاختبار الذي سيجتازه اليوم ليس ككل الاختبارات!



ضحكت دالية بدورها و هي تقول :

ـ يعني كأنك لست معنية بالاختبار! أراهن على أن راوية عندك ترفع لك المعنويات!!



سكتت و قد تلاشت ابتسامتي

ـ راوية؟! إنها لم تأت بعد سأتصل بها بعد حين...

وضعت السماعة و سارعت للاتصال براوية. فلنر كيف ستستقبلني...

ساره الالفي
19-02-2009, 07:27 PM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ




استمعت إلى رنين الهاتف من الطرف الآخر في قلق و انتظار... ترى هل ستكون راوية من يرفع السماعة... أم ستولي أمها المهمة مرة ثانية؟!


ما لبثت أن سمعت صوتا مبحوحا مترددا يقول :
ـ السلام عليكم و رحمة الله...


إنه صوت راوية!!
ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته... راوية ما بال صوتك؟ هل أنت بخير؟


تنحنحت قليلا و هي تقول في بساطة :
ـ لا، لا تقلقي... إنها نزلة برد خفيفة...


ران صمت ثقيل بيننا قبل أن أهتف دون سابق إنذار :
ـ راوية... أنا منفعلة و قلقة جدا... حسام سيقابل أبي اليوم!!


هتفت بدورها في حماس :
ـ حقا؟! نعم... لقد نسيت الحكاية!


ـ أرجوك راوية... هل يمكنك أن تأتي؟


أجابت دون تردد :
ـ أنا قادمة حالا!


وضعت السماعة و أنا لا أصدق ما حصل... لم أكن أظن أن المشكلة ستنتهي بهذه البساطة... كانت ابتسامتي العريضة تزين وجهي حين دخلت أمي فتطلعت إلي باسمة و غمزت كأنها تقول لي :
ـ ألم أقل لك أن بعض الوقت سيحل الإشكال!



وصلت راوية بعد حوالي نصف ساعة. سلمت على أمي ثم دخلنا إلى غرفتي كالعادة. نظرت إليها محاولة أن أستطلع ما تفكر فيه...
وقفت في منتصف الغرفة مطأطأة الرأس و قالت في خجل :
ـ أنا آسفة يا مرام على ردة فعلي العصبية البارحة... أظن أنني بالغت قليلا!


عانقتها في فرح و قد أوشكت عيناي أن تدمعا :
ـ لا بأس يا حبيبتي المهم أنك فهمت قصدي في النهاية و أنني لا أريد لك إلا الخير...


عانقتني في حنان لبرهة... لكنها تراجعت فجأة و نظرت إلي في تحفز كأنها تذكرت أمرا ما :
ـ لكن هذا لا يمنع أنه كان بإمكانك إعطائي الجواب ثم شرح الأمر لي!! يعني في تلك الظروف، و مع الاختبار الذي حبس أنفاسي، هل تظنين أنني من الممكن أن أستوعب شيئا من مواعظك؟!


ـ و لكن يا راوية يا حبيبتي... الخطأ يبقى خطأ! هل سنعود إلى نفس الجدال الآن؟!


ـ طيب... لن نتناقش في المسألة ثانية...


جلسنا على الفراش... و فجأة ارتفعت الوسادة في خفة لتصيب رأسي مباشرة في ضربة موفقة من طرف راوية :
ـ و بعد كل هذا تنتظرين إلى اليوم لتصالحيني؟! كنت أنتظر مكالمتك طوال الليل!


نظرت إليها في دهشة :
ـ لكنك رفضت التحدث إلي حين اتصلت البارحة!


أشاحت بوجهها و عقدت ذراعيها أمام صدرها :
ـ كان يجب أن أتدلل قليلا، لأعرف معزّتي عندك...


ثم التفتت إلي في حدة و هي تقول :
ـ لكنك تجاهلتني ليلة كاملة!


أغرقت في الضحك و أنا أقول :
ـ أردت إعطاءك الوقت الكافي لتفكري و تستعيدي هدوءك... لمَ لم تقولي أنك كنت تنتظرين مكالمتي بفارغ الصبر؟! و أنه أصابك السهاد و أنت تفكرين في؟! كنت طرت إليك يا عزيزتي! رنة واحدة على الهاتف الجوال كانت تكون كافية لأفهم!


انقضت إلي تهوي على رأسي بالوسادة :
ـ و تسخرين مني أيضا!! طيب... أنا المخطئة! كان يجب أن أعذبك حتى أرضى!


ثم ارتفع ضحكنا في مرح طفولي عذب...



طرق الباب طرقات خفيفة... كان قد مر على قدوم راوية بضع ساعات لم ينقطع حديثنا خلالها... ارتفع صوتي لأسمح للطارق بالدخول
أطل وجه أخي ماهر و قال في مشاكسة :
ـ أنا ذاهب الآن لاستقبال الدكتور حسام في المحطة و إحضاره إلى هنا... هل تريدين أن أبلغه شيئا ما قبل دخوله الاختبار؟!


احمر وجهي فجأة... لكنني تمالكت نفسي بسرعة نظرت إليه في حدة وقلت في لامبالاة :
ـ شكرا على مبادرتك اللطيفة... يمكنك الانصراف الآن!


وقفت لأغلق الباب خلفه... تناهى إلي صوت حديث قادم من الرواق... كان أبي يتحدث إلى أمي في ضيق :
ـ لمَ هو مستعجل إلى هذه الدرجة؟ لا زال أمامهما الكثير من الوقت ليتما دراستهما ثم ليجد عملا مناسبا و يكون قادرا على فتح بيت و إعالة زوجة و أبناء!


همست أمي في رجاء :
ـ الشاب قادم بعد حين... اسمع منه قبل أن تحكم عليه...


ـ لن يغير ذلك في الأمر شيئا... لا يمكن أن أوافق على طالب لم يضمن مستقبله بعد! هل تريدين أن أسلمه مستقبل ابنتي بهذه السهولة؟!


ثم استطرد في حزم :
ـ ما كان يجب أن يكلف نفسه عناء القدوم... الرفض أمر محتم!


أغلقت الباب و عدت إلى راوية و قد اصفر وجهي... بادرتني في قلق :
ـ ما بك يا مرام؟ ما بال لونك قد تغير؟


جلست مطرق و قلت :
ـ أسأل الله أن يمر لقاء اليوم على خير

المسلمة الرقيقة
21-02-2009, 11:38 AM
جميييييييييييييييييييييييييييييييييييل

المسلمة الرقيقة
23-02-2009, 12:46 AM
بسرعة متتاخريش علينا كدة عشان احنا متشوقين نعرف الباقي بسررررررررررررعة

المسلمة الرقيقة
04-03-2009, 12:14 AM
انت فيييييييييييين؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ساره الالفي
04-03-2009, 09:18 PM
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ




وصل عمي مراد قبل دقائق من وصول حسام...
كنت قد حرضت أمي على إقناع أبي بدعوة أحد أعمامي إلى الجلسة حتى لا يرتبك حسام إدا كان اللقاء تحقيقا صارما وجها لوجه مع أبي! فقام أبي بدعوته لأنه أكثر إخوته قربا منه و أعمقهم صلة بكل ما يحدث في عائلتنا المصغرة... و كنت قد ارتحت نوعا ما لأن عمي تزوج صغيرا في السن بعد تخرجه مباشرة و قد ساعده إخوته كثيرا و أقام مع أهل زوجته لأنه ظروفه المادية حينها لم تكن تسمح له بالحصول على سكن مستقل... و هو الآن سعيد مع زوجته، كما أنني أجدها قريبة مني أكثر من أي واحدة من أزواج أعمامي أو حتى عماتي... كما أن عمي مراد يحبني كثيرا...

كل هذه المعطيات جعلتني أطمئن إلى حضوره، فهو أكثر من قد يتفهم وضعيتنا...


كنت قد رتبت غرفة الجلوس جيدا و زينتها بالزهور و مسحت الغبار في كل ركن، بل أمعنت النظر من كل زاوية لأتحقق من لمعان الأرضية، و من وضعية الوسادات المتربعة على الأرائك، و من شكل الستائر النصف مسدلة... و من صفاء بلور النوافذ... كان عملا مضنيا حقا! حتى أن أمي أعلنت أن غرفة الجلوس لم تكن يوما بمثل هذا الجمال و الترتيب!!
طبعا... فمناسبة اليوم لا تتكرر كثيرا! إنها أول مرة يدخل فيها حسام إلى بيتنا!

دخل عمي مراد إلى الغرفة لكنه ما لبث أن هتف :
ـ الجو خانق هنا! الطقس حار جدا اليوم!!!!!!

هز أبي رأسه موافقا :
ـ نعم... لا يمكن أن ندخل الضيف إلى هنا... سنجلس في الحديقة...
سارعت أمي بتنظيف المقاعد في الحديقة الأمامية و فرشت غطاء مشرقا الألوان على الطاولة...

أما أنا فقد أحسست بخيبة لجهدي الضائع دون طائل!!
رن هاتفي الجوال... إنه ماهر...
ـ ما الأمر؟

ـ لم أجد العريس!!!

ـ لم تجده؟ كيف ذلك؟ قال أنه سيقف عند مدخل المحطة و سيرتدي سترة سوداء...

ـ لا يوجد أحد بهذه المواصفات هنا... هل تراه غير رأيه و عدل عن القدوم؟

ـ ما الذي تقوله؟! لا يمكن! انتظر قليلا ربما تأخر...

ـ لا يا أختي الحبيبة... ليس لدي وقت أضيعه معك و مع خطيبك الذي لا يحترم مواعيده! لدي مهام كثيرة متعلقة يجب أن أنصرف إليها!

ـ انتظر! لن تنصرف هكذا!!!!

لكنه أغلق الخط في وجهي!!!! جن جنوني... يا إلهي! ما جنتيه حتى تبتليني بأخ كهذا!!!

في تلك اللحظة فتح باب الحديقة الأمامية و سمعت صوت أخي ماهر يتحدث إلى أبي و عمي و بدا أن الجميع يرحبون بضيف ما!!!
هكذا إذن! يلعب بأعصابي و يغيظني! سوف يرى!!!
ما إن دخل إلى المنزل حتى سارعت أمسك بخناقه و أهزه بشدة :
ـ تسخر مني؟! طيب! خذ هذه و هذه...

ارتفع ضحكه و هو يتلقى مني اللكمات و الركلات
ـ أردت أن أختبر ردة فعلك... حتى حسام كان مغرقا في الضحك!!

سارعت راوية للوقوف وراء النافذة المطلة على الحديقة التي كانت نصف مغلقة. كان من الصعب أن ترى بوضوح وجوه الجالسين في الحديقة لأن زاوية النظر حادة لكن الأصوات كانت تصل نوعا ما... لحقت بها ثم تبعتنا أمي و تطاولت أعناقنا في محاولة للإنصات إلى الحديث الذي يدور في الخارج...

كان يبدو أنهم يتعارفون في ود و هدوء كأي أشخاص مسالمين وديعين ليست لديهم أفكار مسبقة و لا نوايا خفية... و اتضح بسرعة أن أبي و حسام كانا يتحدثان بتلقائية في مواضيع سياسية و فكرية و اجتماعية عامة... في حين جلس عمي مطرقا و قد غاص في كرسيه المريح... يغمس البسكويت في كأس العصير ببطء... كمحقق ينصت إلى ما يدور حوله باهتمام، متظاهرا باللامبالاة حتى لا يلاحظه أحد!

فجأة ساد صمت ثقيل على الجلوس... فحبسنا أنفاسنا خلف النافذة حتى لا يحسوا بوجودنا... و أخيرا بادر أبي قائلا :
ـ إذن يا بني... كيف تعرفت على مرام؟!

أحسست بتوتر شديد و لم أستطع الإنصات أكثر... فها قد بدأ التحقيق!
غادرت القاعة مسرعة و أغلقت على نفسي غرفتي و لبثت أذرعها جيئة و ذهابا في قلق...

بعد دقائق قليلة لحقت بي راوية و احتضنتني و هي تهتف في حماس :
ـ إنه حقا متحدث بارع!

نظرت إليها في لهفة :
ـ حقا؟! كيف ذلك؟

ـ عمي لم يقدر على تعجيزه! كلما سأله سؤالا أقام حجاجا متينا و مقنعا... لا بل أنه كان يخمن في كل مرة الجواب الذي ينتظره والدك و يرد عليه و يفسر وجهة نظره في لباقة... حتى أنه لم يتردد و لم يتلعثم... ثقته في نفسه عالية! كما أن ثقافته الدينية و الفكرية لا يختلف فيها اثنان...

تنهدت في ارتياح و اتسعت ابتسامتي

ـ تعالي يبدو أن الحوار يزداد تشويقا... تركتهما يتناقشان حول معاملة الزوج للزوجة و احترام كل منهما لحقوق الآخر!

تبعتها في خطوات سريعة و اتخذنا موقعنا كالعادة... كان حسام يتحدث عن تخطيطه لمستقبله و مشاريعه المهنية و أبي ينصت في اهتمام... ثم قاطعه قائلا :
ـ إنها مشاريع طموحة يا بني... أتمنى لك تحقيقها... لكنها تبقى مجرد مشاريع وهمية لا يمكن بناء أسرة على أساسها، فلا شيء منها مضمون...

ـ و لكن يا عمي... الأحلام لا تتحقق بين ليلة و ضحاها و يلزمها الكثير من الصبر و العزيمة ((و إن تعلقت همة المرء بما وراء العرش لناله))... كما أنني لا أتصور أنك يا عمي قد بنيت هذا البيت و وفرت كل المرفقات التي فيه قبل الزواج... فالرجل يحتاج إلى زوجة عاقلة إلى جانبه، تشاركه طموحه و تبني معه أحلامه خطوة بخطوة... و بذلك تكتمل سعادتهما... أم أنك ترى من الأفضل أن أعتمد على والدي في توفير السكن و العيادة؟ و لكنني لا أرضى لنفسي أن أعيش عالة على والدي... فهو حقق نجاحه بنفسه و أنا أيضا قادر بإذن الله على تحقيق نجاحي بنفسي... و ماذا إن كان والدي غير قادر على مساعدتي؟

أطرق أبي في اهتمام دون أن يجيب، في حين لم يترك عمي وضعيته المريحة لكنه اكتفى برفع رأسه ليتفحص ملامح الشاب الذي يجلس إلى جانبه، و التي كانت تنطق بمعاني التحدي و الثقة...

أما راوية فقد شدت على يدي في حماس و سعادة و هي تهمس :
ـ لقد كان رائعا!!!

كان قلبي يخفق بشدة... هل سينجح في تغيير وجهة نظر أبي الذي كان عازما على الرفض منذ البداية؟!

استمر الحوار طويلا... أكثر مما كان متوقعا، بالنسبة لمن كان يعزم على الرفض!
و كان حوارا ممتعا حقا لكل من تابعه... فقد بدا أن التلميذ النجيب نجح في حل أسئلة الاختبار القاسي الذي تعرض له!!!

كان الوقت قد تأخر و أوشكت الشمس على التواري وراء الأفق حين أنهيت الجلسة دون التوصل إلى عقد اتفاق يرضي الطرفين! فحسام كان يحاول جاهدا استخراج كلمة موافقة مبدئية من أبي الذي كان مصرا على المحافظة على الغموض...

جريت لأختفي في غرفتي رفقة راوية حتى لا أواجه أبي بعد انصراف حسام... و لبثنا ننتظر في قلق النطق بالحكم النهائي... و يبدو أن المفاوضات قد استمرت في قاعة الجلوس بين أعضاء هيئة القضاء الذين انضمت إليهم أمي...

مضت أكثر من ساعة قبل أن تدخل علينا أمي فتطلعنا إليها في لهفة و تشوق فقالت مبتسمة :
ـ يبدو أنه قد حاز على إعجاب والدك و عمك فكلاهما أعجب به... لكن...

اختفت علامات الفرح من وجهي و ارتسم عليه القلق :
ـ و لكن ماذا؟

ـ و لكن من الصعب إعطاء موافقة رسمية الآن لأنه لا يزال طالبا... فليتم دراسته أولا، ثم لنا حديث آخر...

ـ و لا حتى موافقة مبدئية؟؟

ـ و لا حتى موافقة مبدئية! لا موافقة و لا رفض!

ـ و ما رأي عمي في الموضوع؟

ـ في الحقيقة هو من اقترح الهدنة لمدة سنة حتى تتضح الأمور أكثر...

طأطأت رأسي في خيبة... فربتت راوية على وجنتي مطمئنة :
ـ الحمد لله أنه لم يرفض! ألم يكن ينوي رفضه دون نقاش؟! إذن فهذه علامة طيبة... و قد يغير رأيه في الأيام المقبلة... لا داعي للحزن!

ـ نعم معك حق... لم أكن أوقع نتيجة خيرا من هذه على أية حال...

ـ هيا اتصلي بدالية أخبريها... لا شك أن حسام ينتظر الجواب على أحر من الجمر...

اتصلت براوية و شرحت لها موقف أبي و عمي فابتسمت قائلة :
ـ على أية حال هو لم يرفض، مع أن حسام كان يريد خطبة رسمية حتى يمكن من زيارتكم و يتحدث إليك أكثر... لكن لابأس...

و قبل أن تغلق الخط هتفت ضاحكة :
ـ على فكرة... يبدو أن بعض الفضوليين كانوا يسترقون السمع من وراء النافذة!!

ساره الالفي
05-03-2009, 10:33 AM
أختي الغاليه المسلمه الرقيقه نورتي

وبصراحه أنا بعتذر لكِ إني مش بدخل كتير

واليوميات وصلت هنزل حبه كتار عشان التأخير

الجويرية
05-03-2009, 12:12 PM
موضوع جميل جدااا
جعله الله فى ميزان حسناتك
منتظرين التكملة وان شاء الله ممتابعين

المسلمة الرقيقة
19-04-2009, 03:18 PM
ليه المفارقة الطويييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي يييييييييييييييلة دي!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

koka 330
19-04-2009, 08:33 PM
ياااااه شكلى جيت متأخرا بجد جميله أوى الحلقات
وأنا أن شاء الله هبقى من أصدقاء البرنامج
مستنيا الحلقه الجايه

Dr.love ferdos paradise
17-07-2009, 10:25 AM
حلقات جميله اووووي
ومنتظرينك ترجعي تكملي باقي الحلقات
ان شاء الله

d00ry
18-07-2009, 08:02 PM
القصة روعة
فيييييييييييييييييييييييييييين الباقى يا اخت سارة

كلنا منتظرين

ساره الالفي
29-07-2009, 12:17 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

معلش يا جماعه أنا عارفه إني إتأخرت عليكم أوووووي بس معلش الكليه شغلتني الفتره اللي فاتت ولما خلصت حصلت ظروف كده كتيره ومعرفتش أدخل

إن شاء الله هكمل اليوميات وتابعوها معايا

ساره الالفي
29-07-2009, 12:25 PM
الحــــلقة الثـــــــــــامنة

ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ



مرت الأيام التي تلت زيارة حسام لبيتنا بصفة عادية جدا في بيتنا... أبي لم يفتح الموضوع معي إطلاقا، و أنا حاولت قدر الإمكان أن أكون تلقائية و أن لا يبدو علي أدنى تأثر من موقفه تجاه الارتباط...

لكنني لاحظت أن أبي صار يطيل النظر إلي كثيرا، و يسرح أثناء الطعام و هو يتابع حركاتي... كأنه يقول في سره : ابنتي كبرت و أنا لا أدري!

أكيد أنه صار ينظر إلي بشكل مختلف... لأنه اكتشف أن هناك من ينظر إلي بطريقة مختلفة... و أنني من الممكن أن أكون مرام أخرى غير مرام الابنة المطيعة، الطالبة المجتهدة و الأخت الكبرى... اكتشف أنني قد يكون لي أدوار أخرى في الحياة غير الذهاب إلى الجامعة، و قراءة الكتب و مشاغبة ماهر و التسوق مع أمي... و طبعا ممارسة الطب في المستقبل...

و بالطبع كان يتساءل عن طبيعة علاقتي بحسام و عن مقدار تعلقي به...
فهو كان يعلم أن حسام جاء إلى منزلنا برضا مني، لكنه كان محتارا لأنني لم أبد أية ردة فعل أمام موقفه الغامض...

و لكنني كنت حزينة في داخلي... هل أنا مخطوبة أم لا؟؟؟
هل يمكن لحسام أن يتصل بي على الهاتف أم لا؟؟؟
هل يمكنه زيارتنا في المنزل؟ هل أستطيع محادثته في الجامعة؟
إنه شيء محير فعلا...

رغم أنه قد مضى على تعارفنا بضعة أشهر إلا أننا لم نتحدث مباشرة إلا مرات معدودات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة... و كل لقاء لا يتعدى بضع جمل مبتورة، و كلمات مبعثرة... لكنها راسخة في ذاكرتي... تدغدغ قلبي في رقة...

لم أره منذ لمحته خلسة من وراء النافذة المواربة... و كنت أهفو إلى سماع أخباره.
لكنه لم يعد يأتي إلى الكلية... حتى دالية لا أراها كثيرا، لأننا ندرس في أقسام مختلفة... فلم أعد على اتصال بعالمه...



كنت أغادر قاعة المحاضرات حين اقتربت مني سهير مبتسمة و ربتت على كتفي قائلة :
ـ كيف حالك يا عروسة؟ و ما أحوال العريس؟!

تضرج وجهي في حرج... عروسة؟؟ عريس؟؟ يا ليتنا كنا مخطوبين فقط!!

ضحكت و أنا أقول :
ـ بعد عمر طويل إن شاء الله!

نظرت إلي في دهشة و هي تقول :
ـ ما بك يا مرام؟ لماذا هذا الكلام؟

ثم عدلت نظاراتها على أنفها و هي تقول في خبث :
ـ لا تقولي أنك مستعجلة على الزواج؟!!!!

لوحت بكفي نافية و هتفت :
ـ و لم العجلة؟ أمامنا الوقت الكافي...

أمسكت بذراعي و هي تقول في فضول ممزوج بلهفة :
ـ هااا... حدثيني... كيف تسير علاقتكما؟

تنهدت و هززت كتفي و قلت :
ـ لا شيء يذكر... لم أره منذ جاء إلى بيتنا الأسبوع الماضي...

ـ أسبوع كامل و لم تتصلا؟!! لا لا لا... حسام مقصر ناحيتك! لم لا يتصل بك على الهاتف إن كان لا يمكنه المجيء إلى الجامعة أو زيارتك في منزلكم؟؟

ـ يتصل بي على الهاتف؟! و لكن يا سهير... نحن لسنا مخطوبين بعد!!

سارعت تقول في إلحاح :
ـ و لكن والديك على علم بعلاقتكما... و أبوك معجب به أيضا... يعني ليس هنالك اعتراض على علاقتكما في حد ذاتها... المسألة برمتها مسألة وقت حتى يتخرج حسام...

سكتت و قد اتضح التردد على وجهي فاستطردت :
ـ اطلبي منه أن يتصل على رقم البيت... هكذا الرقابة موجودة... ما رأيك؟

ـ لكنه لم يقترح علي الأمر... فهل من المعقول أن أكون أنا المبادرة؟؟

ـ أراهن على أنه راغب في الأمر أكثر منك... فهو أيضا يريد أن يتعرف عليك أكثر... لكن الأكيد أنه يخشى إحراجك و يتوقع أن لا توافقي... لذا لم يبادر بالاقتراح، لكن أنت بإمكانك أن تسهلي عليه الأمر...

أجبت متفكرة :
ـ سأنظر في الأمر...


عدت إلى المنزل و الفكرة تلح على ذهني... نعم، لم لا يتصل بي على رقم المنزل؟ لن أكون بمفردي في المنزل... فلا يمكن أن تكون خلوة... كما أن أبي و أمي يعرفان أخلاقه و تدينه... فلا يمكن أن نتجاوز الحدود الشرعية في حديثنا...
كما أنها الطريقة الوحيدة لنتعرف على بعضنا أكثر... فهل سنقطع اتصالنا ببعضنا البعض طيلة السنوات المقبلة، حتى نتمكن من الزواج؟؟ غير معقول! حتى أننا قد ننسى بعضنا البعض بطول المدة...

سارعت باستشارة أمي فوافقت على اتصاله شريطة أن لا نطيل الحديث... كما أنها ستكون في الغرفة المجاورة...

قفزت من الفرحة و سارعت أتصل بدالية :
ـ أين أنت يا فتاة، لم أرك منذ فترة كأننا لسنا في نفس الكلية!!

أجبت ضاحكة :
ـ ممرات الكلية طوييييلة كالسراديب... نتوه فيها بسهولة!

صمتت قليلا فبادرت دالية مداعبة :
ـ أكيد أن مكالمتك ليست لي!! بل تريدين أن تسألي أن أحوال الدكتور!!

قلت متصنعة الغضب :
ـ يعني كأنه هو يهتم بشأني أو يسأل عني كي أسأل عنه!!

ـ اعذريه يا مرام... فهو متعب جدا في التمرين و أمامه امتحانات كثيرة... لكنني أؤكد لك أنك لا تغيبين عن باله لحظة واحدة... فجل الحديث بيننا يدور حولك...

ابتسمت في سعادة و قلت مدارية سروري :
ـ و لكن أخباري لا تصله حتى... و لا يعلم إن كنت مت أو لازلت بين الأحياء!!

ضحكت دالية و قالت :
ـ حاااضر... سأبلغه غضبك منه و غيظك من لامبالاته! و لكن ماذا يمكنه أن يفعل أمام موقف والدك؟؟

ترددت قليلا قبل أن أقول في صوت خافت :
ـ يمكنه أن يتصل بي على رقم المنزل إن شاء... استشرت أمي و هي موافقة...

ـ حسن... سأبلغه ذلك يا حبيبتي...


انتظرت على الجمر مكالمة دالية الموالية، و ما إن رن الهاتف حتى ركضت لأجيب :

ـ يقول أنه سيتصل بك على الساعة السابعة من مساء الغد... هل الوقت مناسب لك؟

ـ نعم... لا بأس...

وضعت السماعة و قد أخذ قلبي يدق في شدة...

ساره الالفي
29-07-2009, 12:27 PM
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ



استيقظت مبكرة على غير العادة بعد ليلة طويلة مليئة بالأحلام السعيدة...

تطلعت إلى المنبه الذي لم يرن بعد... إنها الساعة الرابعة!!!
ما الذي جعلني أستيقظ في هذا الوقت؟؟ عدت إلى النوم، لكنني لم أستطع أن أغفو ثانية... لبثت تحت الغطاء و الدقائق تمر بطيئة...

لم كل هذا القلق يا مرام؟؟

كان قلبي يخفق بشدة في كل مرة أتذكر فيها المكالمة الموعودة...
كيف سيكون صوته في الهاتف؟ و كيف سأتحدث معه؟
حتى و إن كانت أمي قريبة و دالية إلى جانبه... فإنني أحس أن خط الهاتف الذي يصل كلماته بأذني، يفصلنا عن كل ما حولنا... بل أنه للمرة الأولى سيكون بيننا حوار خاص!!!
فيم سنتحدث يا ترى؟؟
و كيف سأتصرف؟؟
علي أن أكون تلقائية... لكن في نفس الوقت أن أتجنب الضحك و التفكه...
و أن أخفض من صوتي... ليس مثلما أتكلم مع راوية أو دالية!!
هل سأجد الكلمات المناسبة؟ ماذا إن وجدني ثقيلة الظل؟؟ أو خفيفة طائشة؟؟

يا عزيزتي يا مرام... كوني طبيعية... كوني مرام و كفى... فعليه أن يقبلك كما أنت... و إن لم تعجبه شخصيتك فمن الأفضل أن تقف العلاقة في بدايتها...

تنفست بعمق و قد ازداد ارتياحي، ثم قمت فتوضأت و صليت بضع ركعات في ظلمة الليل و جلست أنتظر صلاة الفجر...

يا رب... اكتب لي الخير حيث كان ثم رضني به...

صار ذاك هو دعائي المفضل مذ عرفت دعاء الاستخارة...


كان يوما طويلا علي في الكلية، و كنت أتطلع بين الفينة و الأخرى إلى الساعة... متى تحين الساعة السابعة!!!

كانت المحاضرات تنتهي عند الساعة الخامسة، ثم يبقى لدي الوقت لأعود إلى البيت و أستريح قليلا قبل أن يأتي الموعد...

كنت أهم بمغادرة الكلية صحبة راوية حين اقتربت منا دالية و هي تلهث :
ـ الحمد لله لحقت بك قبل أن تنصرفي... كنت أبحث عنك...

نظرت إليها في قلق في حين هتفت راوية في لهفة :
ـ أكيد لديك رسالة من حسام؟! قولي قولي... هل أنا مخطئة؟

ابتسمت و هي تقول :
ـ نعم بالفعل... فقد اتصل بي ساعة الغداء و طلب مني أن أبلغك شيئا ما...

تطلعنا إليها في ترقب و قالت :
ـ الحقيقة أنه يعتذر لك... لأنه لن يتمكن من الاتصال بك هذا المساء...

خيم علينا الوجوم للحظات قبل أن تسترد دالية أنفاسها و تستطرد قائلة :
ـ لم يذكر السبب، لكنه طلب مني عنوان بريدك الالكتروني... قال أنه سيفسر لك بدقة لأنه لا يستطيع أن يمل علي ما يريد تبليغه لك...

بادرتها في قلق :
ـ دالية... طمئنيني... هل هو بخير؟

ـ لا تقلقي... ليس أمرا متعلقا بصحته أبدا... هو بخير و قد ذهب إلى المستشفى اليوم...

ثم تداركت ضاحكة :
ـ من أجل التمرين و ليس من أجل العلاج طبعا... لكنه لم يملك الوقت الكافي ليشرح لي على الهاتف لذلك قال بأنه سيرسل إليك... لا داعي للقلق!!


عدت إلى البيت مسرعة... و قد صار موعد الساعة السابعة بلا قيمة... و لكن هنالك رسالته منه تنتظرني!!!
دخلت إلى غرفتي على عجل و فتحت الحاسوب، و بدا لي أنه استغرق وقتا أطول من العادة ليفتح!! و أخطأت مرتين و أنا أدخل كلمة السر لحسابي الالكتروني...
و أخيرا فتحت الرسالة...
قرأتها مرتين و أنا مبهورة الأنفاس...

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

آسف لأنني اضطررت إلى إخلاف و عدي الأول لك بخصوص المكالمة الهاتفية... و لكنك إن قرأت رسالتي هذه إلى النهاية ستلتمسين لي العذر و تتفهمين موقفي، بل إنني واثق أنك ستؤيدينه...

بعد أن وافقت البارحة على الاتصال بك، لبثت قلقا لسبب أجهله... ربما لأنني لم أضع المكالمات الهاتفية في حسابي للمرحلة الحالية... لكنني للوهلة الأولى لم أر مانعا طالما أن والدتك موافقة و هي ستكون قريبة منك...
لكن رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم علمنا الاستخارة في كل أمور حياتنا، خاصة تلك التي تبعث القلق في نفوسنا... لذا فقد قررت أن أستخير قبل أن أتخذ أية خطوة...

استخرت البارحة قبل النوم، لكنني لم أر في نومي أية علامة... فتوكلت على الله و قد قررت أن أتصل بك... لكن اليوم حين وصلت إلى المكتب و فتحت الحاسوب، ظهرت أمامي فجأة نافذة من موقع إسلامي فيها تحذير من الحديث بين الشاب و الفتاة على الهاتف و المسنجر... لست أدري لم اقشعر جسمي حين قرأته، مع أنه يتحدث عن كلام الغزل الذي يحدث بين الشباب الطائش و العلاقات التي تبنى دون معرفة الوالدين، لكنني أحسست أنه رسالة إلي من رب العالمين، بل أنه يحمل الجواب على استخارتي!!

مرام أرجو أن تفهميني... ربما ليس حديثنا في حد ذاته من المحرمات، و ربما كنا نجتهد و نجاهد أنفسنا للابتعاد عن المعاصي و نتقصى رضاء الوالدين في كل خطوة... فربما كانت والدتك موافقة لأن الأم بطبعها حنونة و تتجاوز و تخضع لرغبات أبنائها... لكنني لست واثقا من أن والدك سيكون له نفس الموقف!!

كما أننا نرجو من علاقتنا هذه أن تكون طريقنا إلى فراديس الجنان و نبتغي أن تكون في سبيل الله و وسيلة لزيادة طاعته... أملنا أن نبني نهضة الأمة من خلال تكوين بيت مسلم، يبارك لنا الله فيه من أول لحظة، يبارك لنا حتى في نوايانا و في دخائل نفوسنا...
فهل يليق بمن يحمل مثل هدفنا أن ينصاع إلى رغباته و أحاديث نفسه؟ حتى إن كانت لا تتجاوز الحدود الشرعية، فهي مدخل من مداخل الشيطان... و قد تقودنا إلى رغبات أخرى أكبر منها، مثل المكالمات الخاصة دون علم الأهل لأننا ضمننا موافقتهم و من ثم اللقاء...

ألا ترين أن نقنع الآن و نفرح فيما بعد... يوم يباهي بنا الله عباده و ملائكته... و يقول انظرا إلى هذين... كانا يتحريان مرضاتي في كل حركة و سكون... و هل في الدنيا فرحة تساوي فرحة ذاك اليوم؟
لذا فإنني أرى ـ و أظنك توافقينني ـ أن نتجنب كل ما يضعف نفوسنا، خاصة أن للصوت فتنة...

على أمل أن يعجل والدك بالموافقة على الخطبة الرسمية... أتركك في أمان الله

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...


كانت ابتسامة سعيدة ترتسم على شفتي... و أنا أعيد قراءة الرسالة للمرة الثالثة... و قد سكنت في عيني نظرة حالمة...
رغم أنني لم أحصل على المكالمة الموعودة، إلا أنني أحسست بأن ما حصلت عليه هو أحلى بكثيييير...
كنت أحس بالصغار أمامه... فأين تفكيري من تفكيره!! أين انسياقي وراء رغباتي من حسن تدبيره؟! أين تسرعي من حكمته؟!

بارك الله لي فيك يا حسام... و حفظك لي من كل سوء... و جمعني بك قريبا على خير...

كان شعور عميق بالاطمئنان يتدفق إلى قلبي في دفء...
سأكون في أيد أمينة معك... إن شاء الله

ساره الالفي
29-07-2009, 12:30 PM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ


كان الباب قد أغلق تماما أمام التفكير في المكالمات الهاتفية، فقد كان القرار حاسما حتى أنني لمت نفسي طويلا على جرأتي لتقديمي مثل ذاك الاقتراح... و دعوت الله أن لا يكون حسام قد وجد شيئا في نفسه من تهاوني بالمسألة... أو يكون قد ظن بي الظنون...


لكن تلك الرسالة التي تلقيتها من حسام كانت مفتاحا لطريقة جديدة للتواصل... طريقة عرفت معها متعة كبيرة... هي أرقى و أحلى و أبلغ من كلمات الغزل و الهيام...

فبعد بضعة أيام وجدت رسالة جديدة منه... كانت تبدو في ظاهرها خاطرة إيمانية عامة... لكنني أحسست بأنه يخاطبني بكل كلمة منها... ربما لأنني أحسست أنه كتبها من أجلي و ليذكرنا أن ما يجمعنا ماهو إلا سعينا لإرضاء الله... و أنه لا يجب أن تخالط نيتنا تلك أية نية أخرى تفقدها إشعاعها في قلوبنا

ثم صار يرسل لي يوميا خاطرة إيمانية يتناول فيها مواضيع شتى تلمس شغاف قلبي و تروي ظمأ روحي... فقد اكتشفت أنه ليس فقط ذا ثقافة دينية واسعة بل أنه كاتب متميز أيضا... تصلني أفكاره في أسلوب سلس و بسيط و لكنه ذو معاني عميقة في آن واحد، ما يسمى بالسهل الممتنع!

يحدثني عن الحياء فأجد وجنتي قد أشرقتا بحمرة محببة...
يصف أخلاق الصحابيات و أمهات المسلمين فتهفو نفسي شوقا للاقتداء بهن...
يذكرني بفضل صلاة الضحى فأقوم من فوري إلى سجادتي...
يحثني على قيام الليل و قرآن الفجر... فأتلذذ بمناجاة خالقي في الثلث الأخير من الليل...


صارت أحلى ساعات نهاري تلك التي أجلس فيها أمام الشاشة أقرأ خاطرته ثم أرد عليها بخاطرة أخرى من بنات أفكاري...
و أحلى ساعات ليلي تلك التي أوقظه فيها برنة على هاتفه لندعو الله معا أن يبارك لنا في علاقتنا قبل الزواج و بعده و يجمعنا على الخير و تقوى الله...


صرت أراقب نفسي أكثر و أفكر في كل تصرفاتي بطريقة مختلفة...
أريد أن أماريه في تحريه للحلال و الحرام قبل كل خطوة، أن أكون ندا له... أن أستحق زوجا مثله... و لا أخيب أمله لأنه اختارني من بين كل البنات اللاتي عرفهن... و من بين كل البنات اللاتي يتطلعن إليه...

و أجمل ما في الأمر أنه كان يذكرني في كل مرة بأنه ليس إلا شخصا عاديا له عيوب و مميزات و أنني لا يجب أن أتوقعه كاملا أو إنسانا مثاليا، فيزداد إعجابي به...
و يذكرني بتجديد نيتي في كل مرة لتكون خالصة لله وحده... و يؤكد علي بأن أنسى و أنا في مناجاتي وجوده لأنه لن ينفعني بشيء إن أنا خالطت نيتي أية مشاعر أخرى تفقدها صفاءها... فتتناثر دموعي خاشعة أسأل الله أن يرزقني الإخلاص فيتلاشى خيال حسام من أمام عيني لتبقى خشيتي لله و رجائي استجابته وحدها في قلبي...


و أخيرا قررت أن أبادر!! فقد كنت أتعلم منه طوال الفترة الماضية...
قررت أن أضع برنامجا مشتركا لعباداتنا معا...
فوضعت العبادات التالية و ظننت أنني أحطت بكل شيء و أنه لن يضيف عليها شيئا :
ذكر الله تعالى 500 مرة في اليوم
صلاة الضحى
المواظبة على السنن الرواتب قدر الإمكان
المحافظة على سنة الأحد عشرة ركعة في كل ليلة، بتقسيمها بين فترتي ما بعد العشاء و ما قبل الفجر على أن يكون معظمها في الثلث الأخير من الليل
قراءة جزء من القرآن يوميا لختم القرآن كل شهر
صيام الاثنين و الخميس من كل أسبوع
إخراج صدقة مرة في الأسبوع...

لم أكن قد تعودت على معظم هاته العبادات... لكنني نويت أن ألتزم و أجاهد نفسي قدر الإمكان

و لكنه كالعادة كانت له إضافة إلى البرنامج... إضافة متميزة و غاية في الرومانسية!
فقد اقترح أن
يواظب كل منا على ذكر معين، يذكره كلما خطر الآخر على باله!
فنصنع عبادة حتى من تفكيرنا في بعضنا البعض! و يظل يذكرها حتى ينشغل بأمر آخر!!!

يا الله... كم خفق قلبي و أنا أقرأ رسالته تلك... و يا لها من فكرة مبدعة لنمنع نفوسنا من الإمعان في خيالاتها و مجاراة رغباتها... فنعوضها بذكر الله!


و كلما رأتني أمي أجلس خلف الشاشة، اقتربت مني و على شفتيها ابتسامة فضولية :
ـ هااا... ما الأخبار...
فيتضرج وجهي في حرج و أفسح لها المجال لتقرأ كتاباته... فتهز رأسها في كل مرة إعجابا و تربت على كتفي مداعبة و هي تقول :
ـ يبدو أن السباق الأدبي بينكما متواصل! من سيفوز يا ترى؟!

و الحقيقة أنني كنت جد مسرورة لأنني وجدت شخصا يوافقني ميولاتي و ينافسني في مهاراتي التي كنت أتميز بها بين صديقاتي...
و كان كل شيء بيننا خاضعا لمنطق المنافسة : و في ذلك فليتنافس المتنافسون...

حتى أنه اقترح أن يكون لكل منا دفتر يحاسب فيه نفسه على تقصيره في جدول العبادات... على أن نتحاسب في أول يوم من زواجنا... فيقدم الخاسر هدية للفائز... أو على حد تعبيره : تقدم الخاسرة هدية للفائز!
فقد كانت ثقته في نفس عالية... و قد نجح في تمرير روح التحدي إلي... مع أنه لم يكن يزعجني البتة أن أكون خاسرة أمامه... مادامت المنافسة بيني و بين زوجي المستقبلي... و لا شيء يسعدني أكثر من ارتباطي بشخص يتفوق علي في كل شيء فأكون قد سلمت مفاتيح قلبي لزوج يجيد الحفاظ عليها...


لكنني وجدت نفسي أعيش نوعا من الإدمان! نعم... إدمان على خواطر حسام...
أنتظر كل يوم رسالته بفارغ الصبر... أفتح الحاسوب مرات عديدة في اليوم...
و كلما سنحت الفرصة في الكلية انزويت في ركن ما أخط الخاطرة التي سأرسلها إليه... حتى أن راوية صارت تتنهد في غيظ كلما رأتني أتوجه إلى المكتبة وقت الغداء لأنفرد بخواطري...

أما في البيت فجلوسي على الحاسوب صار أطول من العادة... فكل خاطرة من خواطره تتطلب مني أن أقرأها مرة و اثنتين و ثلاثة... و قد أعود إليها فيما بعد لأستشف معانيها أكثر و أكثر...
و أقلق كثييييرا حين يمر يوم دون أن تصلني منه رسالة على بريدي الالكتروني... فأسارع للاتصال بدالية!!

كنت أعيش أياما سعيدة و أوقاتا ممتعة، أحسست فيها أن إيمانياتي ترتفع... أحسست بأنني أزداد قربا من الله و طاعة له...
لكن في داخلي... كنت أحس ببعض القلق... إحساس غريب كان يعكر علي صفو الاطمئنان الذي كنت أجده في البداية...

إلى أن جاء يوم....

ساره الالفي
29-07-2009, 12:31 PM
كفايه كده النهارده ونكمل الباقي بكرررره إن شاء الله

Dr.love ferdos paradise
01-08-2009, 03:21 AM
تم تثبيت الموضوع
لمتابعة الحلقات


حلقات جميله اووووي
ومستنين الباقي
اوعي تغيببي عننا تاني
في رعاية الله

المسلمة الرقيقة
05-08-2009, 02:19 AM
بجد تحففففففففففففففففففففففففففففففففففففة
جزاك الله خيرا عليها
واتمني ان غيابك ميطولش زي زمان
بالتوفيق باذن الله:d:d:d:d

Eng : Heba
06-08-2009, 11:09 PM
اعذريني قرأت اول تلات حلقات
وايه الجمال ده
بجد رووووووووووووووووووعه
معلش مشغوله حاحول اقرأ الباقي
تحياتي

Eng : Heba
08-08-2009, 01:41 PM
الحمد لله خلصتهم
بجد روووووووووووووووعه
ايه الجمال ده
كملي ياغاليه الباقي
وربنا يجعل كل البنات مرام
والشباب حسام

زهراء محمد السيد
09-08-2009, 11:33 AM
جزاك الله كل خير فييييييييييييييييييييييييييييين الباقى

Dr\heba
09-08-2009, 06:09 PM
انا مش قادره اعبر بالكلمات من جمال القصه مفيش كلمات توصف شعورى وانا بقراها من جمالها وحلاوتها بل وفيه عبارات قريتها اكتلر من مره بجد شكراااااااااااااا جزيلا لكى لو فىلا خلاص ملوش لازمه الكلمتين اللى حقولهم

asma22
10-08-2009, 08:51 AM
:):):):):)

asma22
10-08-2009, 09:05 AM
بجد يا سارة قصة جميلة جدااااااااااا حسستنى انى اد ايه صغيره ادام ايمان الناس دول وثقافتهم العالية فى دينهم نفسى لما اروح الكلية ان شاء الله الاقى صحبه صالحه كده ويكون عندى الهمه العالية لنصرة هذاومساعده اخواتنا المسلمات بجد نفسى اوى اكون مرام فى كل حاجة فى تعاملها مع الناس فى دينها فى ثقافتها نفسى اتغير بجد ان شاء الله تكون الكلية هى بوابه التغيير للاحسن والافضل نفسى ألاقى الصحبه الصالحه ان شاء الله اللى تساعدنى على هذا التغيير كان نفسى ادخل طب عشان حتى اساعد الناس وربنا يعلم ان امنيتى وانا فى الثانوية انى ادخل طب بس عشان اساعد الناس مش لحاجة تانية حاسة انى جايز معرفش اعمل ده من صيدلة يلا ربنا يستعملنا جميعا فى طاعته وعبادته يارب نبقى كلنا مرام وربنا يرزقنا ان شاء الله بحد زى حسام بجد لو ده حصل يبقى الواحد مش ناقصه حاجة شخصية قوية متدينة عارفة ازاى تقدر تخدم دينها وزوج صالح ان شتء الله يعينها على هذه الطاعه ربنا يجزيكى كل خير يا سارة يارب انك حسستنينى انى لازم اثبت واقوى عزيمتى انى ابقى زى مرام ان شاء الله

بس انتى مكلمتناش يا سارة مرام كانت عايشة ازاى بتقضى يومها ازاى عباداتها كانت ازاى عشان نقدر نبقى زيها معلش طولت بس الموضوع يستاهل

ساره الالفي
10-08-2009, 12:14 PM
ذجزاكم الله خيرا يا غاليين أسعدني مروركم كتير

ومعاكي حق يا أسماء أنا بردوا حبيت شخصية مرام أوووي ويتمنى أكون زيها وبتمنى كمان الاقي واحد زي حسام ده لإن قلما تلاقي شباب زيه ف قوة إيمانه وحبه لدينهة وغيرته عليه

المهم هكمل دلوقتي ومنتظره تعليقاتكم

asma22
10-08-2009, 12:17 PM
بسرعه بقى يا سارة عشان انا متشوقة جااااااااااااااامد

ساره الالفي
10-08-2009, 12:18 PM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ



كنت سعيدة للغاية بعلاقتي مع حسام... سعيدة لأنني وجدت فيه الإنسان الذي يحثني على الطاعات و يدفعني بعيدا عن المعاصي...
سعيدة بخصوصية علاقتنا حيث أنها بخلاف كل العلاقات بين الجنسين لا تؤدي بنا إلى فتنة... أو هذا ما ظننته لمدة ليست بقصيرة...

ثم... بدأ شعور بعدم الارتياح يتسلل إلي، و أخذت أتساءل : هل نحن فعلا على صواب؟ هل يجوز لنا حقا أن نتبادل الرسائل بكل حرية؟

كنت أرى أنها رسائل سليمة من كل ما يغضب الله... فهي في معظمها خواطر إيمانية... لكن تتخللها أحيانا سؤال عن أحوال العائلة و الدراسة... و قد يحدثني عن بعض المشاكل التي تعترضه في المستشفى... أو أسأله عن ما يتعسر علي من مواد دراسية... لكنها تبقى أحاديث في حدود الشرع، تراعي الحياء و الخلق الكريم... و لا تتناول المشاعر و الأحاسيس بتصريح أو تلميح...

لكن روحه المرحة كانت تعانق الكلمات و تطل من بين الأسطر و ترسم الابتسامة على شفتي في كل مرة...
و كلما جاء على ذكر علاقتنا المستقبلية، أسسها و شروطها و ما يجب أن تكون عليه... يزداد خفقان قلبي من المعاني الراقية التي أقرؤها...
لكنني في نفس الوقت أحس بوخزة في ضميري... هل تلك الأوقات الحلوة من حقنا؟ فقد كانت متعة حقيقية، و كنت أخشى أننا نأخذ الكثير و نفتح أبوابا جديدة سيكون من العسير إغلاقها أو التراجع دون الولوج منها...

و كان ارتباطي به يزيد يوما عن يوم... فلم يعد لي غنى عن رنته على هاتفي الجوال لتذكيري بالذكر اليومي و لا عن خواطره التي أنتظرها بفارغ الصبر... كما أنني أقضي الكثير من أوقات فراغي أكتب له... و قد أجد نفسي مقصرة في حق صديقاتي علي و أحيانا أتأخر في السهر لأن لدي دروس الطب أيضا لأراجعها! و إن تأخرت عنه في كتابة خاطرتي فإنه يعاتبني عتابا رقيقا، على أن لا أعيد الكرة... فقد بات هو بدوره يعيش نفس الإدمان!

و رويدا رويدا، صرت أعتبر رسائله من "خصوصياتي" فلم أعد أسمح لوالدتي بأن تقرأها كلها... فتقرأ بعضها أو أكتفي بأن أحدثها بنفسي عما ورد فيها... و هي لم تكن تصر على الاطلاع عليها واحدة واحدة لأنها كانت تثق في و باتت أيضا تثق في حسام بعد أن تابعت مراسلاتنا لفترة ليست بالقصيرة...

أما أبي فقد كان على علم بوجود اتصال بيننا... و لم يبد عليه الارتياح لذلك, لكنه لم يعلق يوما و لم يصرح بعدم موافقته... ربما لأنه "يقدّر" نوعا ما "التنازلات" التي أقدمنا عليها مقارنة بشباب عصرنا!!!

لكنني كنت أراوغ... أراوغ نفسي و ضميري و أبعد عنه هاته الأفكار...
كنت أقنع نفسي بأننا لسنا في خلوة و أحاديثنا بعيدة عن الشبهات... بل هي تقربنا من الله تعالى... كما أنها وسيلتنا الوحيدة للتواصل و التعرف على بعضنا دون المرور بقنوات الاتصال المباشرة التي تعتريها الشبهات...
فأغلق باب الهواجس و تعود حياتي إلى سيرها الاعتيادي كأن شيئا لم يكن...

إلى أن كان يوم...


كانت راوية قد بدأت تستاء مني منذ فترة لأنني اعتذرت مرات عديدة عن مرافقتها إلى بعض المتاجر في الوسط المدينة، لأنني بالكاد أملك الوقت الكافي للقيام بالتزاماتي! و الحقيقة فإن وقتي يمر بين قراءة و كتابة و تفكير... فإن لم أكن أقرأ رسالة حسام فأنا أكتب له... و إن لم أكن أكتب إليه فأنا أفكر في ما قاله أو فيما سأقوله في رسالتي المقبلة!!!

نظرت إلي راوية في يأس و هي تقول :
ـ من غير المجدي أن أسألك إن كنت تستطيعين مرافقتي إلى محل الحلويات!

نظرت إليها في اهتمام و خطرت على بالي فكرة :
ـ هل هو المحل الذي يقع قرب مسجد مركز المدينة؟

نظرت إلي غير مصدقة :
ـ نعم هو بعينه... هل ستأتين؟

ابتسمت و أنا أهز رأسي موافقة :
ـ نعم سآتي!

اقتربت مني هامسة :
ـ مرام... هل حصل شيء؟ هل اختلفت مع حسام على شيء ما؟

ضحكت في مرح و أنا أقول :
ـ أبدا يا راوية... ما من خلاف... لكنني تذكرت أن لدي بعض الأعمال في المدينة... ثم نمر للصلاة في المسجد قبل العودة... ما رأيك؟

هتفت راوية و هي تعانقني :
ـ أكيييييد موافقة!

كنت أفكر بشيء ما خطر على بالي فجأة... فرحت أراجع في ذهني كلماتي و أصوغ عباراتي و أستعد للحظة المواجهة... فقد كنت اتخذت قرارا و علي التنفيذ بسرعة قبل أن أتراجع...

نظرت إلى راوية مداعبة :
ـ لم تقولي لي... لم تذهبين إلى محل الحلويات؟ هل من مناسبة سعيدة؟

تضرج وجها فجأة و همست :
ـ سأخبرك فيما بعد...

تملكتني الدهشة للحظات... راوية تخفي شيئا ما!!! لم أر وجهها يحمر هكذا من قبل... و صوتها الذي خفت فجأة... أكيد أن هناك أمرا ما!
لكنني لم أصر على معرفة الخبر و اكتفيت بتسويفها على أن تخبرني فيما بعد، لأنني كنت أصلا منشغلة بموضوع آخر احتل كل تفكيري...


انتهت جولتنا بسرعة و اشترت كل منا ما يلزمها من المتاجر ثم توجهنا إلى المسجد لأداء صلاة العصر...
فرغنا من الصلاة ثم خرجنا مع جملة المصلين... توقفت أمام الباب الخارجي و قلت لراوية و أنا أعود أدراجي :
ـ انتظريني هنا... سأعود حالا!

هتفت في تساؤل و هي ترقبني أبتعد مسرعة :
ـ هل نسيت شيئا ما؟

لكنني لم ألتفت و دخلت باحة المسجد من جديد... لكنني توجهت إلى مكان صلاة الرجال! كانت القاعة قد خلت تقريبا إلا من الإمام و بعض المصلين المتأخرين. وقفت مترددة أمام الباب فاقترب مني شيخ كان يقوم بجمع المسابح و تنظيم المصاحف في أماكنها، و سألني :
ـ هل تبحثين عن شيء يا ابنتي؟

تورد وجهي في خجل و أنا أهمس :
ـ شكرا لك يا أبتي... كنت أريد الحديث مع إمام المسجد... هل يمكن أن...

ابتسم قبل أن أتم عبارتي و هو يقول :
ـ حسن... انتظري قليلا، سأعلمه بوجودك...

كان الإمام شيخا معروفا بوقاره و عمق درايته العلمية و الفقهية، يقصده أهل المدينة للسؤال عن الفتاوى الإيمانية و الشرعية و مختلف الأحكام الفقهية...
وقفت أنتظر و قد سرت في جسمي قشعريرة... يا إلهي كيف سيكون جوابه؟
و أخيرا رأيته يقترب في خطى وئيدة وقورة و ابتسامة حانية تعلو شفتيه... بعد السلام شرحت له على عجل قصتي مع حسام... كيف تقدم إلي و موقف والدي من مسألة الارتباط... ثم عزوفه عن المكالمات الهاتفية و اللجوء إلى البريد الاكتروني... و شرحت له أيضا حجم التغيير النفسي و الديني الذي صاحب ارتباطنا العاطفي و مساندتنا لبعض البعض في العبادات و الطاعات... و ختمت بقولي :

ـ لكننا نريد أن نرضي الله في كل خطوة... و قد لجأنا إلى البريد الالكتروني و نحن لسنا واثقين بعد إن كان خيرا أم شرا مع أن كلامنا يبقى ضمن الحدود الشرعية...

استمع إلي في اهتمام ثم تنحنح قبل أن يجيبني في ترو :
ـ يا ابنتي... بارك الله فيك و في هذا الشاب لحفاظكما على دينكما في زمن قد تحرر فيه الشباب من قيود الشريعة و صارت كل القيود التي يخشونها هي عيون المجتمع و عينه على هفواتهم في حين يغفلون عن عين الله التي ترقب الحركات و السكنات... و الله إن كلامك قد سرني كثيرا... فالأمة لازالت بخير إن كان فيها شباب مثلكما يتقي الله في نفسه و عرضه... و لكن...

حبست أنفاسي و قد شقت علي كلمة "و لكن" بعد أن كانت السكينة قد عادت إلى قلبي!
أطرق الشيخ للحظات ثم عاد ليستطرد :
ـ و لكن ليس من المفروض أن يكون بينكما قناة اتصال خاصة بكما غير خاضعة لرقابة الولي... لأنها تترك للشيطان مدخلا قد يتسلل منه و يتلاعب بالنوايا...

قاطعته معترضة :
ـ و لكن والدتي على علم بكل ما يقال بيننا!

هز رأسه و هو يقول :
ـ ذلك غير كاف! فوجود مساحة من الحرية هو الخلل الذي قد يؤثر على سير العلاقة... أنا لا أقول يا ابنتي أن تقطعي علاقتك بهذا الشاب تماما، فمن الواضح أن فيه خيرا كثيرا... لكن من الأفضل أن تمر الرسائل ببريد العائلة مثلا... كما يجب أن تكون متباعدة نوعا ما بحيث لا تشغلكما عن الدراسة أو غيرها من الواجبات تجاه النفس و العائلة... فكثرتها تجعل السيطرة على النفس و رغباتها أمرا صعبا، فتتسلل بعض المشاعر ضمن الكلمات دونما أن يستشعر كاتبها تجاوزاته... فإن كنت تريدين أن يبارك الله في هاته العلاقة في كل مراحلها فالأحرى الابتعاد عن الشبهات قدر الإمكان! فلا تكونان ممن خلط عملا صالحا و آخر سيئا...

تنهدت و أنا أقوم شاكرة...
فأردف الشيخ دون أن ينظر إلي :
ـ إن كنت تكبدت عناء السؤال... فالأولى أن تعملي بما علمت... حتى لا يكون حجة عليك يوم القيامة و العياذ بالله! فإن كنت تجدين في نفسك ضعفا و نفورا مما تسألين عنه فالأولى أن لا تسألي!!!

تسارعت دقات قلبي و أنا أغادر القاعة... فقد كان لكلماته الأخيرة وقع غريب...

خرجت لأجد راوية تنتظرني في قلق :
ـ لم تأخرت؟ هل وجدت ما كنت تبحثين عنه؟

هززت رأسي علامة الإيجاب و لم أنبس ببنت كلمة... كنت ساهمة متفكرة في كلام الشيخ... كنت قلقة قبل أن أذهب إليه، و غادرته في قلق أكبر! كنت أنتظر منه أن يطمئنني إلى سلامة تصرفاتنا... فقد صرت متعلقة بمراسلاتنا إلى درجة لا أتخيل معها انقطاعها فجأة تحت أي ظرف من الظروف!
و لكن ما العمل الآن؟! كيف أتصرف؟!
يا إلهي ألهمني الصواب...

نظرت إلى راوية من طرف خفي... كانت هي الأخرى منشغلة عني بحلوياتها التي كانت تمسكها في رفق و اهتمام... و تبادر إلى دهني تساؤل ملحّ... هل يمكن أن...؟؟؟

ساره الالفي
10-08-2009, 12:26 PM
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ



لم أكن مستعدة بعد للانقطاع عن الخواطر التي صارت محور حياتي... لكن كان يجب أن أفعل شيئا، قبل أن تغلبني نفسي الضعيفة أمام رغباتها و تقنعني بكتمان الأمر! فقد أيد الشيخ إحساسي بالقلق حيال ما نقوم به. لذلك سارعت بالكتابة إلى حسام أخبره بتفاصيل ما حصل معي... حتى نتخذ قرارنا سوية... فهو بالتأكيد سيقويني و يشجعني و يثبتني...

شرحت له كلام الشيخ دون أن أخفي عنه شيئا مما قال... حتى عبارته الأخيرة التي جعلت قلبي يغيض في صدري... سيكون كلامه حجة علي يوم القيامة!!!

و لبثت أنتظر رده...

كان يومي في الكلية قلقا فلم أستطع التركيز مع المحاضرات كثيرا... كانت أعصابي مشدودة و أنا أفكر فيما سنفعله...
و في أوقات الضعف كانت نفسي تحدثني بسؤال شيخ آخر... فالفتاوى تختلف من شيخ لآخر! فمنهم الميسر و منهم المتشدد... نعم، فقد بدأت نفسي تضعف أمام القرار الذي أنا بصدده و قد شق علي كثيرا... لكن الشيخ الذي سألته من المعروف عنه أنه من العلماء المعتدلين!

و لكن كيف سيصبح اتصالي بحسام؟ هل نكتفي برسالة في الأسبوع؟ رسالة في الشهر؟ أم هل ننقطع تماما؟ لا! و لماذا ننقطع؟ الشيخ لم يقل هذا! بل نصح بالمباعدة بين الرسالة و الأخرى و أن تكون الرسائل خاضعة لمراقبة الأسرة... و هذا شيء يسير! إذن لا داعي للقلق...


كانت راوية تجلس إلى جانبي طوال اليوم، لكنني لاحظت شرودها هي الأخرى... فقد كانت كل واحدة منا منشغلة عن الأخرى بأفكارها... لكن راوية ما الذي يشغلها يا ترى؟ هل تخفي عني أمرا ما؟

التفتت إليها و همست مداعبة :
ـ ما الذي يشغل بالك إلى هذه الدرجة يا عزيزتي؟ أنت غائبة عن العالم تمااااما!

التفتت إلي و قد فوجئت بملاحظتي و احمر وجهها مرة أخرى و همست :
ـ انتبهي إلى المحاضرة الآن... سأخبرك لاحقا!

ما خطبها يا ترى؟ في كل مرة تقول لاحقا! سنرى إلى أين ستأخذنا هذه الراوية!!!

ما إن خرجنا من قاعة المحاضرات حتى تأبطت ذراعها و سحبتها جانبا و أنا أقول :
ـ و الآن... أخبريني بكل شيء دون تسويف...

تنحنحت راوية و أطرقت للحظات و هي تقول في صوت خافت :
ـ الحقيقة... القصة طويلة نوعا ما... و تستوجب شرحا مطولا... فهل لديك الوقت الكافي؟

نظرت إلى ساعتي و أنا أقول :
ـ يمكنك أن تحدثيني بكل شيء و نحن على الطريق إلى المنزل و إن لم يكفنا الوقت سأرافقك إلى بيتكم و تكملين القصة... ما رأيك؟

ابتسمت راوية في خجل و هي تقول :
ـ شكرا على اهتمامك يا مرام... لكن يجب ان أمر على مكتب البريد أولا... يجب أن أرسل هذا...

ثم أشارت إلى صندوق كانت تحمله بعناية. جذبتها لنعبر معا الساحة و أنا أقول في مرح :
ـ حسن... سنذهب أين تشائين... لكن هيا... هيا... ابدئي قصتك، فقد شوقتني! هل في الحكاية شاب ما!

ترددت راوية قبل أن تهمس ثانية :
ـ لست أدري من أين أبدأ... فالمسألة معقدة نوعا ما...

ربتت على كتفها و أنا أهتف مشجعة :
ـ ابدئي من البداية! ثم ستتواصل القصة بكل تلقائية! هاااا... ماذا قلت؟

اشتد احمرار وجه راوية بشكل ملفت نظرا و همت بأن تقول شيئا... لكن في تلك اللحظة اقتربت منا دالية و هي تهتف :
ـ مرااااام... انتظريني!

تذكرت فجأة حسام، و رسالتي الأخيرة إليه... هل تحمل لي دالية خبرا ما؟
نظرت إليها في اهتمام و هي تقول :
ـ الحمد لله أنني لحقت بك قبل أن تغادري...

سألتها في قلق :
ـ هل تحملين رسالة من حسام؟

ضحكت دالية مداعبة و هي تقول :
ـ بل أحمل إليك حسام نفسه!


تضرج وجهي فجأة و نظرت إليها في عدم تصديق، ثم أخذت أتلفت حولي باحثة عنه و أنا أهمس في حذر : أين هو؟

ضحكت دالية مجددا و قالت و هي تأخذ بيدي :
ـ تعالي إنه ينتظر أمام المكتبة... مكانه المفضل في الكلية!

مضت مدة طويلة مذ رأيته آخر مرة... فمنذ بدأنا تراسلنا لم يأت إلى الكلية سوى مرة واحدة رأيته فيها عن بعد... لمحت ابتسامته المحببة إلى قلبي لكنه لم يحدثني بكلمة...

مشيت بخطى متعثرة و أنا أتساءل عما دعاه إلى القدوم اليوم؟ هل تراه قرأ رسالتي؟ لكن الأكيد هو أنني كنت في غاية السعادة لرؤيته بعد غياب دام قرابة الشهرين...

كان يقف أمام المكتبة و رأسه منكس إلى الأرض و قد بدا عليه التفكير... رفع عينيه فجأة، فالتقت عيوننا للحظة... استرد على إثرها كل منا نظرته في حياء... كان يبدو في عينيه الإجهاد و الأرق... و لوهلة وددت لو أقترب منه و أمسح على رأسه في حنان، كأم تمسح على رأس صغيرها و أسأله عما يرهقه...
لكنني نفضت عني تلك التخيلات بسرعة ثم اقتربت بخطى متمهلة حتى وقفت غير بعيد عنه... و وقفت كل من دالية و راوية على مقربة منا...

نظر إلي و هو يقول في هدوء و ابتسامة صغيرة تعلو شفتيه :
ـ وصلتني رسالتك...

تسارعت دقات قلبي و أنا أرفع عيني لأواجهه و قلت بصوت كالهمس :
ـ و ما رأيك؟

اتسعت ابتسامته، ابتسامة لم أر مثلها على شفتيه و هو يهتف :
ـ أبشري يا مرام... أبشري...

هزتني كلماته هزا، و انتفض قلبي في صدري و قد تبدت الحيرة على ملامحي : أبشر؟! لكنه تابع في صوت هادئ عميق :
ـ لقد استجاب الله لدعائنا... ألم نكن ندعو الله أن يبارك في علاقتنا قبل الزواج و بعده، بأن يهدينا سبل طاعته و ييسر لنا أمرنا؟ إنها أولى البشائر يا مرام! و إلا فبما تفسرين قلقنا المتزامن من تراسلنا عبر البريد الالكتروني؟ فأنا أيضا بدأ القلق يتسلل إلي منذ مدة ليست بالقصيرة... لكنني كنت أقنع نفسي بأننا لا نتجاوز الشرع في شيء... و أنها وسيلتنا الوحيدة للتواصل... فأسكت الصوت الذي يشدني من أعماقي و يلومني...

أحسست بعينيه تستقران علي و هي يضيف :
ـ لكنك كنت أشجع مني... و كنت قادرة على اتخاذ الخطوة المناسبة، لقد كنت أقدر مني على جهاد نفسك... فليس هنالك ما يحسم ترددنا غير رأي العلماء... ثم نستفتي قلوبنا...

تجمعت الدموع في مقلتي فأمسكتها بصعوبة كي لا تنساب على وجنتي. آه لو تعلم! فأنا أضعف مما تتصور! لكنني تحركت في حين غفلة من نفسي الخبيثة و أعتمد عليك كي تثبتني و تساندني! كانت تلك الأفكار تتزاحم في رأسي و قد أطرقت مصغية إليه :
ـ لكن قلوبنا هي التي نبهتنا إلى الشبهة التي وقعنا فيها... لذا، فلم يعد هنالك سبيل للتردد...

صمت للحظات بدت كالدهر... و قطعت دالية و راوية حديثهما بعد أن كانتا منشغلتين عنا... و تركزت عيوننا جميعا عليه في ترقب فنطق بعد صمت قصير :
ـ مرام... أرى أنه من الأفضل أن تنقطع اتصالاتنا تماما في الفترة المقبلة...

اتسعت عيناي دهشة... تنقطع تماما!؟ لماذا؟! كانت نظراتي تنطق بالفزع... و الرجاء... لكنه قبل أن أنبس ببنت شفة كان يردف في حزم و هو يتجنب عيني :
ـ لا مكالمات و لا لقاءات و لا رسائل! علينا أن نغلق كل السبل التي يمكنها أن تضعف نفوسنا...

تباطأ ريثما استوعبت كلماته قبل أن يعقب و هو يضع يده على كتف أخته :
ـ دالية ستكون الوسيط بيننا... و ستحمل إليك أخباري دائما...

ابتسمت دالية و هي تقول :
ـ طبعا... اعتمدا علي!

سكتت و أنا لا أدري ما أقول... لم أكن أعتقد أننا قد نقطع اتصالنا بتلك السهولة... ظننت أننا قد نحدّ من عدد الرسائل، بحيث لا تعطلنا كثيرا عن الدراسة و العمل... فقد كنت أقلق إن تأخرت رسالته يوما فكيف سيكون حالي إن انقطعت أخباره؟!

و كأنه قرأ أفكاري و عرف ما يدور في ذهني فاستطرد مبتسما :
ـ ربما سيكون ذلك صعبا علينا في الفترة الأولى... لكننا سنتعود بسهولة... لأننا نحتسب الأجر عند الله... و ننتظر أن تصلنا بقية البشائر سريعا... فربما يوافق والدك قريبا على الخطبة و تحل مشاكلنا جملة واحدة... فنحن نثق في رحمة الله و نحسن الظن به... أليس كذلك؟

كانت كلماته تتدفق إلى قلبي مباشرة و تمسح عني كل القلق و الخوف... نعم إنه كذلك و الله! وجدت ابتسامتي تتسع على شفتي في انشراح لم أعرف له مثيلا إلا و أنا أقرأ رسالته الأولى منذ بضعة أسابيع... و وجدت ارتياحا غريبا يحل في نفسي محل الانقباض... نعم، فلنتوكل على الله فهو حسبنا... و لنحتسب أجرنا عند الله... و وجدتني أهمس دون وعي مني :
ـ من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه...

أحسست بنبرة الفرح في صوته و هو يجيبني مؤمّنا على قولي :
ـ نعم يا مرام... أحسنت...

ثم ابتسم في مرح :
ـ هدا الخبر سيسعد والدك! أكيد!

ابتسمت لدعابته و أنا أتخيل وجه أبي حين يعلم بقطعنا لكل اتصال... نعم، فداك سيريحه كثيرا من التفكير في مصير علاقتنا...

نظر حسام إلى ساعته و هو يقول :
ـ آسف إن كنت أخذت من وقتك... لكنني أردت أن أودعك... فقد يطول الأمد...

هممت بأن أسأله في دهشة : تودعني؟! هل أنت مسافر؟! لكنني تذكرت ما كنا نقوله منذ لحظات... فأطرقت في صمت في حين واصل هو قائلا :
ـ أوصيك يا مرام بالحياء... الحياء... الحياء... و حسن الخلق... فهو كنزك الذي أريد أن أجده لديك محفوظا لم تصل إليه يد بسوء...

تطلعت إليه في دهشة و قد تضرجت وجنتاي فواصل قائلا :
ـ و أسألك الدعاء لي كثيرا... حتى يوفقني الله قريبا لإتمام دراستي... و أكون أهلا لك... و قادرا على إسعادك...

تمالكت نفسي بصعوبة فخرج صوتي محملا بكل مشاعري الحبيسة... كتنهيدة حرى :
ـ سأكون في انتظارك...

تمت الحلقة الثامنة بحمد الله

asma22
10-08-2009, 12:38 PM
اين البقية يا سارة لازم عنصر التشويق يعنى

Dr\heba
10-08-2009, 12:54 PM
القصه رااااااااااااااااااااااااائعه امنى ان احنا كلنا نبقى زيهم مع خطيبنا المستقبلى ان شاء الله فى ادبهم وتمسكهم بدينهم ومراعاتهم لله
ولكن انستطيع؟وسط هذا المجتمع وهؤلاء الناس

ساره الالفي
10-08-2009, 12:57 PM
اين البقية يا سارة لازم عنصر التشويق يعنى


طبعا طبعا وبعدين هي إسمها يوميات يعني لازم تبقى كل يوم حلقه بس أنا بنزل 2 أو 3
شوفتي أنا كريمه إزاااااااي

ساره الالفي
10-08-2009, 12:59 PM
القصه رااااااااااااااااااااااااائعه امنى ان احنا كلنا نبقى زيهم مع خطيبنا المستقبلى ان شاء الله فى ادبهم وتمسكهم بدينهم ومراعاتهم لله
ولكن انستطيع؟وسط هذا المجتمع وهؤلاء الناس


إن شاء الله نكون كده عشان نرفع الإسلام لفووق ونكون قدوه لكل إتنين مخطوبين وعشان ربنا يرضى عنا ويسعدنا في دنيتنا وأخرتنا
أسعدني مروركم

asma22
10-08-2009, 01:23 PM
مين بقى اللى هيستنى تانى لبكره جايز العمر مبقاش فيه بقية يا سارة يلا يا عسل حطى كمان حلقتين عشان يبقى حطيتى اربعه وبس انا عارفة انك كريمه مش سارة

Dr.love ferdos paradise
10-08-2009, 07:23 PM
ياريت تنزلي حلقات تاني بقى ياساره
بجد
بجد
ومتتاخريش علينا تاني

بنت دمنهور
10-08-2009, 08:41 PM
يجد الحلقات حلوة اوي

جزاكي الله عنها كل خير

ومتتاخريش برضه

Eng : Heba
10-08-2009, 10:34 PM
روووووووووووووووووووعه ياساره ياريت
بلاش تأخير
وجزاكي الله خيرا

asma22
11-08-2009, 04:47 AM
بصى يا سارة عندى اقتراح كل يوم تنزلى 10 حلقات بس جايز اليوم عندهم طويل

ساره الالفي
11-08-2009, 11:29 AM
هههههههههههههههههههههه

ماشي حاضر النهارده هنزل عدد كبير من الحلقاااات عشان محدش يزعل

ساره الالفي
11-08-2009, 11:37 AM
الحـــــــــلقة التــــــــاسعة

ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ




سرت في طريق المنزل رفقة راوية بعد أن افترقنا عن حسام و دالية أمام باب الكلية.
كنت أمشي ساهمة متفكرة... نعم، لن تصلني بعد الآن رسالة من حسام، و لن أقضي جل وقتي في الكتابة إليه! أي فراغ سأحس به؟! أي انتظار سأعيش؟!
أملي أن يقتنع أبي بين لحظة و أخرى و يوافق على الخطبة!
و لكن ما الذي تغير في المعطيات حتى يغير رأيه؟!
لا مفر من الانتظار إلى نهاية السنة... لكن كيف ستمر علي بقية السنة؟!

تنهدت بحرارة... ثم حانت مني التفاتة إلى راوية، فوجدتها مطرقة إلى الأرض لا تنظر إلي... تذكرت فجأة الموضوع الذي كانت ستحدثني عنه قبل أن تقبل علينا دالية فقلت في أسف :
ـ آسفة يا حبيبتي... لقد انشغلت عن موضوعك! و لكن ما بك؟ لم كل هذا الحزن في عينيك؟

رفعت رأسها في بطء فرأيت عينيها مغرورقتين بالدموع!
ـ راوية ما بك؟ هل من خطب ما؟

و كأنها كانت تنتظر إشارة مني، فقد أخذت دموعها تنساب بغزارة على وجنتيها و هي تردد في أسى :
ـ يبدو أنني أسير في الطريق الخطأ... أسير في الطريق الخطأ...

لم أفهم شيئا للوهلة الأولى... فقد كنا نسير في الطريق إلى منزلها مرورا بمكتب البريد حيث ينبغي أن ترسل الطرد الذي تحمله بين يديها في حرص...
لكنني تنبهت إلى أنها لا تتحدث عن تلك الطريق! إنما عن طريق أخرى بدا لي أنني لا أعلم عنها شيئا!

أحطت كتفيها بذراعي في حنان و أنا أقول :
ـ عن أية طريق تتحدثين يا حبيبتي؟ أخبريني فربما أفيدك...

مسحت دموعها في محاولة لاسترجاع هدوئها و قالت في صوت حازم :
ـ حسام على حق...

يبدو أن حبيبتي راوية تصر على الكلام بالألغاز اليوم! فما علاقة حسام بالأمر الذي كانت تريد أن تخبرني به؟! تنفست بعمق و قلت في هدوء :
ـ راوية... حبيبتي... تكلمي بوضوح و أفصحي هداك الله! ما علاقة حسام بالأمر؟

التفتت إلي بكليتها و هتفت و قد عادت عبراتها إلى الانهمار :
ـ كان حسام مصيبا حين قرر أن يقطع أية وسيلة للتواصل بينكما... و علي أن أفعل نفس الشيء...

نظرت إليها غير مصدقة و قد أصابتني بلاهة غريبة :
ـ تفعلين نفس الشيء؟ تقطعين علاقتك بي؟!؟

لم تتمالك راوية نفسها فانفجرت ضاحكة و ربتت على كتفي قائلة :
ـ سامحك الله يا مرام! أضحكتني!

ابتسمت و قد تفطنت إلى غبائي و أنا أقول :
ـ إذن بمن ستقطعين علاقتك؟ هناك شاب ما أليس كذلك؟

تضرج وجهها خجلا و أطرقت مبتسمة و لم تجب فهتفت بها و قد بدأ صبري ينفد :
ـ اسمعي، لن نستمر هكذا إلى ما لانهاية! انطقي الآن قبل أن أفقد أعصابي!

كنا قد وصلنا قرب مكتب البريد فهمست :
ـ انتظري... سأرسل الطرد ثم نتحدث...

دخلنا إلى مكتب البريد... فنظرت إلى الطرد مستغربة... كان العنوان المكتوب بحروف لاتينية، فهو مرسل إلى إحدى الدول الأجنبية... لم أكن أن لراوية أقرباء خارج البلاد. همست متسائلة و هي تدفع ثمن الشحن و النقل للموظف :
ـ قولي... هل للطرد علاقة بالأمر؟

ابتسمت راوية و قالت في هدوء محير :
ـ صبرا يا مرام... سأخبرك بكل شيء بعد دقائق قليلة...

هتفت حينها :
ـ أمسكتك متلبسة! هناك علاقة أكيدة إذن! و أنا التي كنت أتساءل عن سر حرصك الغريب على الصندوق! أخبريني الآن! الآن، الآن!

ضحكت راوية ضحكة قصيرة، و ما إن أنهت معاملتها حتى سحبتها من ذراعها و أنا أقول في إصرار :
ـ و تخفين عني كل هاته الأسرار؟! طيب يا راوية!

نظرت إلي في عتاب و قال و في صوتها نبرة حزن :
ـ و هل كانت لديك دقائق من وقتك الثمين لتمنحيني إياها؟! فقد كنت مشغولة طوال الوقت في الأشهر الماضية!

أطرقت و قد أدركت مقدار بعدي عن راوية في فترة مراسلاتي مع حسام! نعم، لقد كنت مقصرة في حق صديقتي المقربة و أختي التي وقفت معي في مواقفي العصيبة و ساندتني على الدوام...
ـ أنا آسفة يا راوية آسفة جدا... نعم، كان حسام على حق... كان يجب أن نبتعد عن بعضنا البعض حتى لا يعطل كل منا سير حياة الآخر... فقد صرنا في فترة قصيرة متعلقين ببعضنا كثيرا و لم نكن ندرك عمق الخطأ الذي وقعنا فيه... و الحقيقة أنه لو لم يكن خطأ لما كان أثر على علاقاتنا الاجتماعية و العائلية، و مهامنا و واجباتنا! علينا أن لا نستعجل و أن لا نحاول الاستمتاع بما ليس من حقنا في الوقت الحالي... فالخطبة هي الفترة الطبيعية للتعارف...

انتبهت إلى أنني قد انسقت من جديد إلى الحديث عن علاقتي بحسام مع أن الهدف كان الاعتذار من راوية ومواساتها! فالتفتت إليها من جديد :
ـ و الآن... كفانا تضييعا للوقت! قولي و لا تتأخري!

تنفست راوية بعمق و قالت هامسة :
ـ استعدي للمفاجأة...

ـ مفاجأة؟!

ـ هل تذكرين الشاب المسيحي الذي شارك في المناظرة مع حسام في لقاء الحوار بين الأديان؟

نظرت إليها و أنا لا أفهم العلاقة بينه و بين موضوعنا :
ـ نعم أذكره... و كيف أنساه و هو الذي كان السبب في معرفتي بحسام! ما به؟!

ابتسمت راوية وقالت :
ـ إنه هو الشاب المعني...

كانت حقا مفاجأة و مفاجأة قوية جدا بالنسبة إلي فقد لبثت أتفرس في وجهها باحثة عن علامات المزاح حتى أنفجر ضاحكة من الدعابة... لكنها كانت تتطلع إلي في جدية تامة... فقلت مترددة :
ـ راوية... أنت تمزحين أليس كذلك؟

ابتسمت كأنها تتجاهل سؤالي و قالت :
ـ هل تذكرين حين طلب منك أقراصا للمبشر المسيحي الذي أسلم ثم أصبح داعية للدين الإسلامي؟

ـ نعم...

ـ بعد بضعة أيام التقيته في المكتبة... فسألني عنك، لكنك لم تأت إلى الكلية يومها. فهمت أنه يريد أن يسألك عن الأقراص، فاقترحت عليه أن أمده بها، لأنني أملك نسخة أخذتها منك سابقا...

تذكرت حينها أنني ظللت أحمل الأقراص في حقيبتي عدة أيام دون أن ألتقي الشاب في الكلية، و أنني لم أعطه إياها في النهاية!

ـ بعد أن استمع إليها، التقينا مرة أخرى صدفة في المكتبة أيضا، و كانت لديه الكثير من التساؤلات التي لم يجد لها جوابا شافيا في الأقراص، فطلبت منه أن يدون أسئلته على ورقة و أنا سأحاول أن أبحث له عن الأسئلة من مصادر موثوقة... لكنه حين أحس بأنني متحرجة من الوقوف معه طويلا للنقاش بمفردنا فقد اقترح أن يأخذ عنوان بريدي الالكتروني حتى يكون التواصل أكثر سهولة... ترددت قليلا و لكنني وجدتها بالفعل الطريقة الأسلم... كما أنني سأتمكن من مده بعناوين بعض المواقع المفيدة حول الموضوع...

توقفت راوية قليلا لتتنهد في عمق ثم استطردت :
ـ و ذاك ما حدث... ظللنا طوال الفترة الماضية نتواصل و نتناقش حول الموضوع... و كنت بين الفينة و الأخرى أفكر بأنه من الأفضل أن أضعه على اتصال بأحد الشباب الملتزمين من كليتنا، فإنني لم أكن مرتاحة لحديثي المتواصل مع الشاب... خاصة أنه طلب مني أن نتحدث مباشرة عبر الشات لفعالية أكثر... لكنني في نفس الوقت كنت مستمتعة بحديثنا، و قد لمست منه اهتماما كبيرا و تعطشا لمعرفة الدين الإسلامي... فلم يكن من الهين علي أن أترك ثواب هدايته لغيري! مع أنك أنت وحسام قمتما بالخطوات الأولى الأساسية... فوافقت على الحديث معه عبر المسنجر... خاصة بعد أن انتهى السنة الماضية من سنوات الطب الداخلية و سافر لمتابعة السنوات التطبيقية في فرنسا...

تألقت عيناها ببريق جميل و هي تهمس في سرور ظاهر :
ـ و قد أسلم منذ شهر تقريبا...

عانقتها في سعادة و أنا أهتف :
ـ مبروك... ألف مبروك عليه و علينا... أنت رائعة حقا! فقد مضيت إلى نهاية المطاف!

تناثرت دموع راوية مجددا و تلاشت ابتسامتها فجأة و هي تردف :
ـ ليست تلك كل الحكاية...

ساره الالفي
11-08-2009, 11:41 AM
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ




تنهدت راوية تنهيدة طويلة و لبثت صامتة للحظات كأنها تستجمع شتات أفكارها. لم أشأ مقاطعتها هاته المرة و انتظرت إلى أن رفعت رأسها ثانية و استطردت :

ـ كانت أحاديثنا أحيانا تتجاوز موضوع الأديان و المعتقدات فنتطرق إلى بعض المسائل العامة و أحيانا الشخصية... و قد كان كثيرا ما يحدثني عن صديقته... صديقته مسيحية أيضا... و هي طالبة في كليتنا... و كانا قد اتفقا على الزواج من قبل... و عندما بدأ يهتم بالدين الإسلامي كثرت الخلافات بينهما، لأنها لم تستحسن رغبته في التعرف على هدا الدين المخالف لعقيدتها... و لأنها كانت من المتعصبين للمسيحية فقد كانت تهدده بتركه إن هو أصر على المضي في طريق تراه خطرا على إيمانه!

كانت راوية قد سيطرت على انفعالاتها تماما و مسحت دموعها و هي تواصل القصة:
ـ لكنه كان في كل مرة يتهرب و يراوغ حتى لا يصدمها و يفقدها نهائيا... كنت أحس الحزن في كلماته كلما تحدث عنها... فقد كان واضحا أن علاقة متينة تجمعهما... خاصة حين كان في الكلية قبل سفره إلى فرنسا... فقد كانت هي الأخرى تقوم بحملات التبشير بين طالبات الكلية... فقد اجتمعا على نفس المبادئ و كانا يحلمان بعالم يسوده الإيمان و السلام و الأخوة كما تنص عليه رسالة سيدنا عيسى!!

ابتسمت و أنا أتمتم :
ـ الحمد لله أنه عرف معنى السلام و الإيمان و الأخوة الحق في ظل الدين الحق!

هزت راوية رأسها موافقة و هي تتابع :
ـ لكن صديقته ظلت على عنادها... حتى أنه اضطر إلى إخفاء إسلامه عنها في مرحلة أولى... فقد كانت جد متأثرة إثر سفره إلى فرنسا، و متخوفة من تغيره تجاهها نظرا للبعد الجغرافي بعد أنا كانا في نفس الكلية يلتقيان يوميا...

ابتسمت في سري و قد خطرت على بالي رسائل حسام اليومية التي سأفتقدها... لكنني لست متخوفة من أن يتغير تجاهي أو ينسى عهدنا... لأننا لم نجتمع على هوى يبلى... و لكن على حب الله تعالى و هدف سام...

واصلت راوية حديثها قائلة :
ـ و في النهاية لم يملك أن يخفي عنها الحقيقة... لأنه كما يقول لا يمكنه الارتباط بفتاة غير مسلمة بعد أن عرف الطريق الصواب، بل يريد فتاة معتزة بالدين الإسلامي و تلتزم به لتسانده في مشواره... و هو يطمع في أن يتمكن من هدايتها و إقناعها بخطئها. و قد حاول إرسال بعض الأقراص إليها و الكتب التي تتحدث عن المقارنات بين الإسلام و المسيحية علها تقرؤها و تفكر بالمنطق... لكنها كانت تتلفها أو ترميها في القمامة دون اهتمام... و في المرة الأخيرة أخبرته بألا يتصل بها ثانية و أن علاقتهما انتهت لأنه لم يصن العهد الذي بينهما! فقد تعاهدا على خدمة دينهما، المسيحية، و أن يكون زواجهما وسيلة للتعاون و التساند من أجل خدمة القضية!

تذكرت حينها الآيات القرآنية : ((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)) ((الكهف))

فتلك الفتاة تعتقد صادقة أنها على حق! و أنها تعبد خالقها... و لا تستمع إلى من يحاول ثنيها عن اعتقادها! فلا حول و لا قوة إلا بالله! كم من البشر هم في مثل حالتها! و كم هي خسارة البشرية فادحة بأمثالها! فهم من النوع المتمكن من أساليب الحوار و الإقناع... و يضل على يديه العشرات بل المئات، و هو يعتقد أنه يهديهم سواء السبيل!

انتبهت إلى راوية و هي تقول :
ـ منذ أسبوعين تقريبا كان قد أصابه اليأس من إقناعها... و قد قال لي بكل ألم بأنه لا يستطيع التوقف الآن و التركيز على تغيير رأيها، لأنها مجروحة منه و كبرياؤها تمنعها من الاستماع إليه... لدا فإن الأولوية الآن بالنسبة إليه هي أن يثقف نفسه دينيا حتى يستطيع الرد على كل من يعترض سبيله و يعارض وجهته...

تطلعت إلى راوية و أنا لا أفهم بعد سر النظرة الحزينة في عينيها. فأردفت :
ـ و لكنني لم أفهم بعد سبب بكائك المتواصل!

أطرقت راوية للحظات ثم هتفت :
ـ إنه الآن يطلب مني أن أحاول إقناع صديقته بالإسلام! أن أتقرب منها و أعرفها على ديننا بالتدرج...

ابتسمت في تشجيع و أنا أقول :
ـ و مادا في دلك؟! إنها فرصة طيبة لتنالي قدرا أكبر من الثواب في سبيل الدعوة! إنها فرصة مميزة! أم أن لك رأيا آخر؟!

نظرت إلى راوية التي لم يبد عليها الحماس الشديد... بل أنها كانت أقرب إلى الفتور! كنا قد اقتربنا من مفترق الطرق بين المسالك المؤدية إلى منزلنا فتوقفنا قليلا و همست راوية مترددة :
ـ نعم، إنها مهمة جليلة... و إنه لثواب عظيم أن يهدي الله بك عبدا... لكنني...

صمتت قليلا و قد بدا الأسى على ملامحها :
ـ لكنني لست واثقة... لست مطمئنة إلى سلامة نيتي...

لم أفهم ما تقصده فانتظرت أن توضح و قد بدت علامات التساؤل على وجهي. فتابعت :
ـ هنا تأتي المشكلة الحقيقية!

ـ مشكلة؟!!

ـ نعم يا مرام! مشكلة لم أتوقع أن أقع فيها يوما! و كان يجب أن أقطع علاقتي به قبل أن أقع فيها... بل حين أحسست بوادرها... لكنني هونتها على نفسي و تابعت المسير في الطريق الخطأ... و النتيجة أجدني في طريق مسدودة!!!

هتفت بها و قد نفد صبري :
ـ أفصحي يا راوية!ّ ما الأمر؟

رفعت عينيها لتواجهني فدهشت من النظرة الحالمة التي تبدت في مقلتيها و هي تقول :
ـ مرام... إنه شاب رائع! لم أر شخصا مثله في التزامه و عزيمته! يسخر نفسه و كل قواه لخدمة القضية التي يحملها... حين كان مسيحيا كان كل همه نشر دينه... و بعد أن أسلم صار يريد التكفير عن ذنوبه القديمة بأية طريقة! مع أنه يعلم أن الإسلام يجبّ ما قبله... إلا أنه يريد أن يعوض عما فاته... بل أن يكون من الدعاة منذ اللحظة الأولى لإسلامه! قال أنه أضل الكثيرين حين أقنعهم بالمسيحية... و الآن عليه أن يهدي أضعاف أضعافهم كي تهدأ روحه و ترتاح! تصوري أنه ينوي الاتصال بكل من تنصّر على يديه في أي مكان كان حتى يعتذر و يشرح موقفه الجديد!

لبثت أتفرس في وجهها مبهوتة و لم أملك إلا أن أهمس في حيرة :
ـ راوية؟! هل....؟

ابتسمت و هي تهز رأسها في مرارة :
ـ ألم أقل لك أنها مشكلة حقيقية؟!

لم أستطع أن أرفع عيني عنها و قد تجلت كل معاني الدهشة في نظرتي لكنها تابعت غير مبالية :
ـ لم أكن أتصور أنني قد أصل إلى هاته المرحلة بسهولة... فقد حاولت مرات عديدة أن أقطع العلاقة... خاصة بعد أن أسلم... لأنني كنت أرى مهمتي معه قد انتهت... لكنه كان في كل مرة يجد موضوعا جديدا يشدني به! في البداية كان يسأل عن الكتب التي تساعده على تعميق ثقافته الدينية... ثم صار يريد التعرف على المجتمع المسلم بنظرة جديدة، و يقول بأنني من يمكنه مساعدته لأنه لا يعرف الكثيرين في فرنسا ممن يمكنه الاعتماد عليهم... و آخر مرة طلب مني التقرب من صديقته و محاولة إقناعها!! كلما حاولت الفرار و الإفلات من مشاعري كان يجد العذر المناسب حتى لا ينقطع اتصالنا!

التمعت في عيني نظرة ظافرة و أنا أهتف :
ـ راوية... ألا يكون هو أيضا...؟ ألم يقل بأنه يريد الارتباط بفتاة مسلمة تساعده على حسن التدين و الالتزام؟!

بترت عبارتي حين أشاحت راوية بوجهها و هي تلوح بكفيها في يأس :
ـ لا أريد أن أبني أحلاما من الأوهام و لا أن أتعلق بسراب... المهم أنني أعلم الآن أنه يجب أن أقطع علاقتي به في أقرب فرصة حتى أستعيد هدوئي و حياتي الطبيعية! لكن يجب علي أولا أن أفي بوعدي، و أحاول الحديث مع صديقته المسيحية...

ثم نظرت إلي في رجاء :
ـ مرام... هل تذهبين معي للقائها؟ لا أريد أن أحدثها بمفردي... لست أدري كيف ستقابلني...

ربتت على كتفها مطمئنة :
ـ طبعا... سآتي معك! لا تقلقي...

تذكرت فجأة شيئا ما فهتفت متسائلة :
ـ و ما علاقة الطرد الذي أرسلته منذ قليل؟؟

احمر وجهها تماما و هي تمتم في حرج :
ـ أردت أن أرسل إليه هدية صغيرة بمناسبة إسلامه...

ثم بصوت أكثر خفوتا :
ـ ربما كانت هدية الوداع أيضا...

ساره الالفي
11-08-2009, 11:44 AM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ




كانت قصة راوية غريبة نوعا ما... لكنها كانت تشعرني بالإثارة!

شاب مسيحي يسلم و يريد منها إقناع صديقته بالإسلام... ثم تنامي مشاعرها نحوه... و تمسكه هو ببقاء علاقتهما... لست أدري، لكن إحساسا يراودني بأن المسألة لن تنتهي بتلك البساطة!


كانت بضعة أيام قد مضت على مصارحة راوية لي بحقيقة قصتها... و استمرت نقاشاتنا طويلا... و كانت النتيجة التي نخرج بها في كل مرة هي ضرورة قطعها العلاقة مع الشاب في أقرب فرصة ممكنة. لكنه استمر يتصل بها يوميا لمناقشة الكثير من المواضيع حول الإسلام... ثم مكنّها من بريد صديقته الالكتروني حتى تتفقا على موعد للقاء.


وصلت إلى الكلية باكرة اليوم، كما طلبت مني راوية. و جدتها تقف في انتظار و علامات القلق واضحة على وجهها. سارعت إلي و هي تهتف :
ـ سألتقي بصديقته اليوم!

ابتسمت و أنا أخفف عنها قائلة :
ـ و لم كل هدا القلق؟ سنتحدث إليها في هدوء و سنرى كيف ستستقبلنا!

صمتت راوية للحظات ثم قالت في حزن :
ـ حاولت البارحة أن أخبره بأنني لن أستطيع محادثته ثانية بعد اليوم... قلت بأنني سأكون مشغولة جدا الفترة المقبلة و لن يتسنى لي أن أدخل على شبكة الإنترنت... فطلب مني رقم هاتفي حتى يطمئن علي بين الحين و الآخر!!! إنه لا يفهم!

هززت رأسي علامة عدم الموافقة :
ـ عليك أن تحدثيه مباشرة! فهو الآن مسلم و عليه أن يعرف خلق الإسلام! يجب أن يعلم أن الفتاة المسلمة لا تتحدث مع الشباب الأجانب عنها بكل حرية... و أن مهمتك معه انتهت!

ابتسمت راوية و قالت مؤكدة :
ـ نعم علي أن أكون أكثر صراحة و أخبره مباشرة... على أية حال هو طلب مني أن نتحدث بعد لقائي مع صديقته كي أوافيه بردة فعلها... إن شاء الله ستكون المحادثة الأخيرة!

بعد المحاضرات، توجهنا إلى المكتبة مباشرة... فقد كان موعد راوية مع الفتاة المسيحية سارة هنالك. إنها تكبرنا بسنة واحدة، لدا فإن محاضراتها تكون في المبنى المقابل للمكتبة... انتظرنا لبضع دقائق، و راوية تتململ في قلق و ما لبثنا أن لمحنا فتاة تقترب من مبنى المكتبة في خطوات بطيئة. نظرت إلينا في تردد ثم وقفت غير بعيد عنا... نظرنا إليها بدورنا و همست إلى راوية :
ـ أليست هي؟

هزت راوية كتفيها قائلة :
ـ ممكن! لم أرها سابقا... و لا حتى صورتها... فقد راسلتها على البريد الالكتروني و حسب...

كانت فتاة رشيقة، طويلة القامة، أقل ما يقال عنها أنها جميلة... خاصة و شعرها الطويل السبط المسترسل يغطي كتفيها و ظهرها. كانت تتلفت حولها في قلق، و في كل مرة يصل بصرها إلينا تصرفه بسرعة.

جذبت راوية من ذراعها و توجهنا نحوها. ظهرت على ملامحها الدهشة حين اقتربنا منها مبتسمتين و بادرتها قائلة :
ـ أنت الآنسة سارة من الصف الرابع... أليس كذلك؟

هزت رأسها موافقة و هي تنظر في حيرة إلى الفتاتين المحجبتين اللتين و قفتا إزائها... كأنها تقول في نفسها : ماذا تريدان مني؟

لم تكن راوية قد أخبرتها حين راسلتها بأنها مبعوثة من طرف جاد صديقها الذي أسلم، فقد خشيت أن ترفض لقاءها مباشرة إن هي علمت، لأنها كانت رافضة للحوار في مسألة الدين!

ابتسمت راوية في هدوء و هي تقول :
ـ أكيد أنك تستغربين و تتساءلين عن سر هاته المقابلة... و الحقيقة هي أن جاد طلب مني أن أتحدث معك...

أشاحت بوجهها في حدة و قد فهمت كل شيء في لحظة واحدة. لكن راوية سارعت تتدارك الموقف و هي تهتف :
ـ أرجو أن لا تستعجلي بالحكم علي، فأنا لست هنا لمحاولة إقناعك بتغيير دينك... و لكنني أدعوك إلى فتح باب الحوار... و إن لم يعجبك قولي فأنت حرة في اتخاذ القرار الذي ترينه مناسبا...

نظرت إليها فجأة و قد اغرورقت عيناها بالدموع و هتفت :
ـ لماذا لا تتركوننا بسلام؟ هل أنت سعيدة الآن بعد أن نجحت في إقناع جاد بدينك؟؟

كانت تشير إلى راوية بإصبعها كأنها تتهمها! تراجعت راوية خطوة إلى الوراء أمام الرد العنيف الذي وجدته من سارة و لوحت بكفيها في اعتراض :
ـ لا تنسي أن جاد هو من طلب التعرف على الدين الإسلامي... و ما فعلته هو أنني مكنته من المواد اللازمة للبحث و المقارنة... و قد اتخذ قراره بملء إرادته لأنه اقتنع بأن الإسلام هو الدين الحق! لكن هذا لا ينفي أنني سعيدة بإسلامه... فنحن نفرح لكل من يهتدي...

لم تنخفض الحدة في صوت سارة و هي تقول مجددا في تهكم واضح :
ـ و ماهي خطوتك الموالية؟ أين وصلت تطورات علاقتكما؟!

احمر وجه راوية من الانفعال و هتفت :
ـ ما الذي تقولينه يا هذه؟! أنا لم أساعده طمعا فيه و لم يكن في نيتي أن أفرق بينكما... و اطمئني إلى أنني سأقطع اتصالي به اليوم، بل حال أن أبلغه ردك! و ليكن في علمك يا عزيزتي أن الفتيات المسلمات لا يتهافتن على الرجال و لا يخطفنهم من غيرهن! فذاك ليس من خلق الإسلام!!!

كانت سارة قد هدأت قليلا و أطرقت إلى الأرض لبضع لحظات قبل أن تنفجر باكية فجأة، مثل طفلة فقدت لعبتها و هي تهمهم من بين دموعها :
ـ إذن هنت عليك يا جاد... فتركتني! نسيت كل ما كان بيننا بسهولة... ما الذي فعلته حتى أستحق منك عقابا كهذا؟!

أجابتها راوية في تأكيد و هي تقول :
ـ جاد لم ينسك! أبدا! بل هو يريد أن تجتمعا على الحق... بعد أن عرف أنه قد ضل الطريق في السابق... و هو لا يريد لك أن تضلي أكثر من هذا... لذا فهو يدعوك إلى الاطلاع على ما غير حياته... و هو بالتأكيد سيغير حياتك أنت أيضا! المهم هو أن تفتحي قلبك و عقلك و...

قاطعتها سارة فجأة و قد مسحت دموعها و استعادت رباطة جأشها :
ـ اسمعي... أخبريه بأنني قادرة على شق حياتي بدونه... و أنني لن أتنازل على أهدافي في الحياة لمجرد أنه تنازل! من الآن فصاعدا كل منا سيسلك الطريق المناسب له... و لا أريد منه أن يحاول الاتصال بي ثانية و لا أن يرسل إلي أيا كان...

أردفت راوية في محاول يائسة لتهدئتها :
ـ خذي وقتك لتفكري... و...

قاطعتها ثانية في لهجة صارمة و قد أحست بأنها أرتنا من ضعفها الكثير :
ـ لا مجال للنقاش! هذه هي مبادئي و هذه هي حياتي! و لن أغفر له أبدا إن عاد يعظ أصابع الندم بعد حين!

تنهدت راوية في يأس ثم انصرفنا و قد منيت مهمتنا بفشل ذريع...

سرت مع راوية إلى منزلها... فقد طلبت مني أن أكون إلى جانبها حتى أشجعها و لا تتراجع عن إخبار جاد بضرورة قطع العلاقة... خاصة أنه كان ينتظر اتصالها حال رجوعها من المقابلة مع سارة...
و ما إن دخلنا غرفتها و فتحت الحاسوب حتى وجدت رسائل عديدة منه يسأل عنها و يستعجل اتصالها حال وصولها. تبادلنا نظرات طويلة في حيرة. فهما كانا قد اتفقا على موعد محدد و هي لم تتأخر عنه!

كان جاد على الخط، فسارعت بإلقاء السلام عليه...
اقتربت من الشاشة لأقرأ ما يكتبانه :

ـ أخيرا وصلت... كنت في انتظارك
ـ ألم نتفق على الساعة السادسة؟
ـ نعم، نعم، لكنني أردت أن أشكرك...
ـ لقد تحدثت مع سارة اليوم
ـ لم أقصد سارة
ـ إذن ماذا؟
ـ وصلني طرد منك اليوم... و أنا الآن أتناول تلك الحلويات اللذيذة!

تضرج وجه راوية و أنا أوجه إليها نظرات فاحصة :
ـ حلويات يا راوية؟ أمسكتك متلبسة! إذن فالحلويات التي اشتريناها تلك المرة كانت من أجله!!!

ابتسمت راوية في خجل و قالت :
ـ ألم أقل لك أنني أرسلت إليه هدية إسلامه؟ كانت مكونة من مصحف و بعض الكتب الأخرى... إضافة إلى الحلويات...

انتبهت إلى أنه كان لا يزال يتحدث إليها :
ـ و أشكرك جزيل الشكر على الكتب... فقد اخترت حقا ما أنا في حاجة إليه الآن!
ـ الحمد لله أنها أعجبتك...

كانت الحيرة بادية على راوية... كيف ستتطرق إلى الموضوع؟!

ـ تحدثت إلى سارة منذ قليل
ـ أخبريني أولا، كيف تسير الدراسة معك؟ آمل أن لا أكون آخذ من وقتك الكثير. فقد قلت البارحة بأنك مشغولة...
ـ لا بأس، الدراسة بخير
ـ الحمد لله... الحقيقة كنت أود محادثتك في موضوع مهم
ـ ألا تريد أن تعلم ما قالته سارة أولا؟
ـ أعلم أنها لن تقتنع من المحادثة الأولى. لكن أرجوك واصلي المحاولة معها. سأترك لك المهمة تماما. أخبريني حين تتوصلين إلى نتيجة ما...

نظرت إلي راوية و قد تبدت علامات الحيرة و الدهشة في عينيها، لكنني لم أكن أقل دهشة منها فكتبت بسرعة :
ـ لكنها أرسلت إليك ملاحظة شخصية... و كان من الواضح أنها متأثرة لأنك تركتها

بدا أنه تردد طويلا قبل أن يكتب عبارته الموالية
ـ راوية... سارة لم تعد تعني لي الكثير... و إن كنت حريصا على إسلامها فلأنني أرى فيها خيرا كثيرا من الممكن أن يسخّر في خدمة الحق بدل أن يذهب هباءا منثورا


التفتت إلي راوية و هي لا تدري إلى أين ستسير هاته المحادثة... لكن وجهها كان قد اكتسى اصفرار... و كنت أكاد أسمع دقات قلبها المتسارعة...

ساره الالفي
11-08-2009, 11:46 AM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ




كانت التردد باديا على وجه راوية... لكنني لم أملك أن أتدخل في تلك اللحظة بالذات، فقد كان يجب عليها أن تتصرف بنفسها... أن تحكم عقلها و قلبها و تختار طريقها! لم يكن أصلا من حقي أن أتدخل في قرارها... ربما أنصحها و أشير عليها إن استشارتني... لكن في مثل داك الموقف، لا أحد من حقه أن يتصرف غيرها...

لبثت راوية متفكرة للحظات و قد ظهر الشرود في عينيها... لكنها حسمت أمرها بسرعة و سارعت لتكتب إجابتها قبل أن يتمادى جاد في حديثه :

ـ سارة اليوم اتهمتني بأنني حاولت أن أفرق بينكما و أنني السبب في ابتعادك عنها... و أنا لا يمكنني أن أتقبل تهمة مماثلة! و لا أظن أنه بإمكاني أن أواصل الحوار معها و هي تملك عني تلك الفكرة المسبقة... لذا أرى من الأفضل أن تطلب من شخص أكثر قربا منها، أو على الأقل ليست لديها شكوك في نواياه أن يحاول إقناعها...

أرسلت ردها و انتظرت لبضع ثوان حتى يقرأ كلماتها و يستوعبها ثم أضافت على عجل :
ـ كما أظن أنك لم تعد في حاجة إلي الآن... لذا فمن الأفضل أن نوقف اتصالاتنا... و إن احتجت إلى أية مساعدة في المستقبل، فإنه يمكنني أن أعرفك على أحد الشباب الملتزمين من الثقات حتى يواصل معك المشوار...

ألقت عليها قنبلتها... ثم تنهدت كمن أزاح عن كاهله حملا ثقيلا، لكن الحزن كان باديا في ملامحها... فلم تكن الخطوة سهلة بالنسبة إليها خاصة أنها علمت أخيرا أنه لم يعد يحمل أية مشاعره لصديقته المسيحية...

لبثت عيوننا متعلقة بالشاشة في انتظار إجابة جاد الذي بدا أن نوعا من الشلل أصابه لبضع لحظات، بعد الانفجار الذي أحدثته القنبلة طبعا، قبل أن يقرر إرسال جوابه إلى راوية :

ـ أنا آسف حقا لأنني وضعتك في موقف محرج و اضطررتك إلى سماع كلمات جارحة من سارة... أنا آسف جدا جدا... و مستعد لفعل أي شيء لأنسيك تلك اللحظات، مع أنني أعلم أنني لن أقدر على إيفائك حقك مهما فعلت...

كانت راوية تتطلع إلى الكلمات التي ظهرت أمامها و قد التمعت عيناها بدمعة تنذر بالنزول، و بدا عليها التأثر... همت بأن تكتب شيئا ما لكنه كان قد سبقها :

ـ راوية... أنا في حاجة إليك أكثر من أي وقت مضى، و لست مستعدا لفقدانك مهما حصل، خاصة في هذا الوقت بالذات...

تراجعت أصابعها عن لوحة المفاتيح كمن أصابته صعقة كهربائية و تجمدت ملامحها فجأة... لكن عينيها ظلتا مركزتين على الشاشة، فقد بدا أنه لم ينته بعد :

ـ ربما يفاجئك كلامي... و ربما لا أكون اخترت التوقيت المناسب... و ربما أكون قد تسرعت، فأنا لا أعلم شيئا عن حياتك الخاصة... لكنني أخشى إن تباطأت أن أفقدك، لذا اعذريني...

لم تلتفت راوية إلي، بل أنني أظنها نسيت وجودي في الغرفة و حلقت بعيدا مع كلمات جاد التي كانت تتمناها و تخشاها في نفس الوقت. كانت تتمناها ككل فتاة نشأت في قلبها مشاعر بريئة و ترجو أن يبادلها فارسها المشاعر لتعيش أحلى المغامرات و تدخل عالم الحكايات الرومانسية... و تخشاها ككل فتاة ملتزمة طاهرة القلب سليمة الطوية، ترقب الله في أعمالها و تخشى الزلل إن هي استسلمت للتيار الذي يسحبها إليه مخاطبها...

ـ راوية... أنت كنت نقطة تحول في حياتي... و كنت من ساعدني لاتخاذ أجمل قرار من الممكن أن يتخذه إنسان! و لست أبالغ إن قلت أنني عدت إلى الحياة من جديد و عرفت أجمل المعاني بفضلك... كنت أول من استقبلني على الضفة بعد طول مصارعتي للأمواج... و أتمنى أن تضلي إلى جانبي... إلى الأبد...

كانت مقاومة راوية تضعف أكثر فأكثر و رأيت عباراتها تنساب على وجنتيها في هدوء، و النظرة الحالمة المنكسرة لا تفارق عينيها. اقتربت منها و أحطت كتفيها بذراعي... فارتجفت و هي تضع رأسها على كتفي و تستسلم لدموعها و هي تهتف في حيرة:
ـ ماذا أفعل يا مرام؟؟

ابتسمت و أنا أربت على رأسها في حنان :
ـ لماذا البكاء يا حبيبتي؟ كنت تشكين في مشاعره تجاهك... و ها قد تأكدت! بقي عليك أن تحسمي أمرك بعد مهلة من التفكير، و تخبريه في الأثناء بحدود العلاقة في المستقبل... ليس في الأمر أية معضلة!

لم يبد على راوية الاقتناع فقد كان هنالك أمر آخر يؤرقها :
ـ و لكن سارة... إنها لازالت متعلقة به... هل نسيها فعلا؟ هل تغير من ناحيتها فجأة؟ و ماذا لو أسلمت؟ ثم هو تعلق بي لأنني ساعدته على التعرف على الإسلام حتى أسلم... ما يدريني أنه يريدني أنا بالذات و ليس أي فتاة أخرى قد تقوم معه بنفس الشيء؟!

اتسعت ابتسامتي و أنا أقول :
ـ طيب... و ماذا إن كانت أي فتاة أخرى هي من سمعته من قبل في المكتبة يتحدث عن المسيحية و ذهبت لتناقشه... و ماذا إن كان شاب آخر غير حسام هو من تفطن لحوارنا و تدخل؟ لما كنت تعرفت على حسام و لا كان تقدم لخطبتي!!! تلك أسباب من عند الله يسخرها لعباده! فلا تفترضي المستحيل... ما حصل قد حصل! أما بقية الأسئلة فلست أنا من يمكنني الإجابة عنها! عليك أن تكوني واضحة معه و تضعي أمامه كل تساؤلاتك و شكوك... ثم استخيري الله...

مسحت راوية دموعها بظاهر كفها و ابتسمت في تردد. فدفعتها في رفق و أنا أقول :
ـ و الآن هيا... أجيبيه بسرعة... قبل أن ينفد صبره!

التفتت إلى الشاشة فتفطنا إلى أنه لم يتوقف عن الكلام! و قد غطت رسائله الصفحة :
ـ راوية... ربما يبدو لك كلامي غير منطقي، أو أنني أحس عاطفة عابرة أو عرفانا بالجميل، أو رغبة مني لرد معروفك... و لكن لا كل هذا غير صحيح! فأنا فكرت كثيرا في الموضوع منذ نشأ في نفسي ذاك الإحساس... و قد وجدت أنك بالفعل الإنسانة التي أبحث عنها... إضافة إلى تدينها و التزامها، واعية و رقيقة، مرهفة الإحساس، و تهتم لآلام الآخرين و همومهم...
...
ـ أعلم أنك قد تتساءلين : و سارة، ماذا كانت بالنسبة إليك؟ و من حقك أن تتساءلي... و من واجبي أن أجيبك... سارة هي رفيقة درب، شاركتني طموحاتي في مرحلة معينة... ربما لم تكن الإنسانة التي أريد، و ربما لم أكن أوافقها في الكثير من تصرفاتها، لكنها كانت لي خير عون في مرحلة صعبة حال مجيئي إلى بلدكم... و كانت هي ضمن مجموعة من الأصدقاء الذين خففوا عني كثيرا، و بحكم وحدة الدين فإننا تقربنا من بعضنا بسرعة... ثم حدثتني عن الارتباط حتى لا تضيع طموحاتنا... كانت فتاة جريئة... و أنا لم أمانع في البداية... لكن يوما بعد يوم، صرت أتحفظ على تصرفاتها و طريقة فهمها للالتزام و تعاملها مع الدين... و أظن أن انفصالنا كان النهاية الطبيعية للعلاقة بعد أن اكتشفت أننا نشترك في المبادئ ظاهريا فقط... أما المعاني العميقة فكانت في غاية الاختلاف... لأن الإيمان ليس له نفس الطعم في كل القلوب...
...
ـ راوية أنا آسف إن كنت أمعنت في التحدث عن نفسي و أنا حتى لم أسألك إن كنت مرتبطة بشخص آخر...
...
ـ راوية... هل تصلك رسائلي؟
...
ـ راوية، أنت هنا؟
...
ـ إن كنت هنا أرجوك أجيبي...
...
ـ أعلم أن الموضوع محرج بالنسبة إليك...
...
ـ لكن إن كنت أخطأت بعملي هذا فأخبريني بالله عليك!
...
ـ إن كان جوابك الرفض فلا بأس... فقط كوني صريحة معي!
...
ـ راوية؟
...
ـ هل أفهم من هذا أنك لا تريدين حتى الرد علي؟
...
ـ طيب... كما تشائين
...
ـ آسف إن كنت تجاوزت و حدودي و طمعت في عطفك و سعة صدرك...
...
ـ شكرا على كل ما فعلته من أجلي
...
ـ وفقك الله في مسيرتك المستقبلية
...
ـ سررت جدا بالتعرف عليك... و يؤسفني حقا أن تنتهي علاقتنا بهاته الطريقة
...
ـ الوداع...

كنت قد انتهيت من قراءة الرسائل التي كتبها أثناء حديثي مع راوية في نفس الوقت الذي ارتمت فيه راوية على لوحة المفاتيح في لهفة :
ـ جاد... أنت هنا؟؟

تنهدت حين جاءتها رسالته بسرعة و قد عادت إليه الروح من جديد :
ـ راوية؟ أين كنت؟ ألم تصلك رسائلي؟

ـ بلى وصلت... لكنني كنت أفكر...

لم يرد جاد و لبث في انتظار أن تخبره بنتيجة تفكيرها... لكنها تلكأت قليلا و التفتت إلي مبتسمة و هي تهمس :
ـ ماذا أقول؟

ـ اطلبي مهلة للتفكير!

ابتسمت و عادت لتخبره بأن يمهلها كي تمعن التفكير في الموضوع...
سرحت قليلا و تخيلت راوية و قد ارتبطت بجاد... و لم أتمالك نفسي أن أطلقت ضحكة قصيرة... لم أتخيل أبدا حدثا كهذا حين رأيت جاد للمرة الأولى في المكتبة! معقول؟ هل تكون تلك النهاية حقا؟

فجأة خطرت ببالي بضع التساؤلات فالتفتت إلى راوية و هتفت :
ـ هل تعلم عائلته بإسلامه؟ كيف يتقبلون الأمر يا ترى؟ و كيف سيتقبلونك أنت؟

تمهلت قليلا متفكرة ثم استطردت :
ـ ثم لا تنسي أن جاد جاء لبلدنا للدراسة و حسب... و في نهاية الأمر، أظنه سيعود إلى بلده ليستقر هناك! كيف ستتصرفين؟ و كيف ستكون حياتك في بلد آخر و مجتمع مختلف؟ فلا أخفي عليك أنني سمعت عن كثير من الزيجات بين أشخاص من جنسيات مختلفة منيت بالفشل...

نظرت إلي راوية كالمبهوتة... فقد كان من الواضح أنها لم تفكر في الأمر إطلاقا...

ساره الالفي
11-08-2009, 11:48 AM
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ




كان وجه راوية شاحبا حين التقيت بها بعد يومين أمام الكلية و قد بدا عليها أنها لم تنم جيدا الليلة الماضية... كان بإمكاني أن أتوقع السبب! فهي كانت أخبرتني عن عزمها مفاتحة والدتها في موضوع جاد و هي لا تتوقع أن تمر الحكاية بسهولة... و موقف والدها سيكون أصعب بالتأكيد!

ركضت نحوها في لهفة و بادرتها هاتفة :
ـ طمئنيني... كيف سارت الأمور؟

ابتسمت ابتسامة شاحبة و همست :
ـ و كيف تتوقعين أن تسير! أمي تحدثت معي بهدوء و تفهم لكنها طلبت مني أن أعيد النظر في الموضوع و أن أضع في اعتباري كل الصعوبات التي في طريقنا... كما أنها ليست واثقة من الشخص... فكونه أسلم حديثا يجعلها تعتقد بأنه ربما يكون أسلم من أجلي ظاهريا فقط... و أن الفرق سيظهر فيما بعد!

ربتت على كتفها مواسية و قلت :
ـ لكنك تعلمين أن جاد كان مهتما من البداية بالدين الإسلامي و أنت لم تكوني سوى واسطة! فرغبته في التعرف على الدين هي التي أدت به إلى التعرف عليك و ليس العكس! لمَ لم تخبريها؟

هزت راوية رأسها نافية :
ـ بلى أخبرتها! لكنها طبعا ترى أن موقفي لن يكون محايدا و أنني أتصرف وفق عاطفتي و ليس بإمكاني بالتالي أن أحكم جيدا على نواياه من وراء الإسلام!

تنهدت في أسى ثم استطردت :
ـ و ليست تلك المشكلة الوحيدة فهي أخذت تسألني عن عائلته إن كانت مسلمة... و كيف يمكن أن يتقبلوني... و حين أخبرتها بأن عائلته ليست موافقة على إسلامه أصلا و أن أباه دو مركز مرموق بين رجال الدين في بلده، أوقفت الحوار فورا و قالت بأن الموضوع منته! كنت أريد منها أن تفهم حساسية موقفه و الصعوبة التي يواجهها للعيش بدينه الجديد... لكنها بدل أن تشجعني على مساعدته على التأقلم بسرعة و تثبيته على عقيدته تدعوني إلى التخلي عنه! فكيف سيجد من يحتويه و يسانده إن كان كل المسلمين سيتصرفون إزاءه بنفور و حذر؟

أمسكت بيد راوية التي راحت ترتجف من الانفعال و قلت في هدوء :
ـ لا تستغربي ردها يا راوية! فهو رد كل أم تخاف على مستقبل ابنتها و لا تريد أن تلقي بها إلى المجهول! فجاد يبقى "المجهول" بالنسبة إليها نظرا لظروفه الغامضة و وضعيته الخاصة جدا! لا تتوقعي منها موافقة و ترحيبا و فوريا... ثم موقفها لا يعني أنها ضد اندماج المسلمين الجدد و تأطيرهم! بالعكس... لكنها لا تتصور أن ابنتها ستكون معنية بالأمر... فكل ما يحدث حولنا جميل... بشرط أن لا يمسنا و لا يؤثر في حياتنا! و هو منطق كثير من الأولياء إن لم نقل جميعهم حين يرون خطرا ممكنا يقترب من فلذات أكبادهم! لذا لا ترتعبي و تيأسي... على جاد الآن أن يقنعهم بنفسه... و بأهليته لك!

رفعت عينيها لتنظر إلي قائلة :
ـ و أين هو جاد؟! دراسته الآن في فرنسا... و الإجازات من المؤكد أن يقضيها في بلده... فلم يعد لديه سبب للمجيء إلى بلدنا الآن! إلا إذا...

تابعت مكانها قائلة :
ـ إلا إذا جاء ليتقدم لخطبتك... أليس كذلك؟ لا أظنه سيعجز عن إيجاد الفرصة المناسبة... إن كان يريد الارتباط بك حقا!

هتفت راوية محتجة :
ـ لكن حتى يتجشم عناء السفر إلى هنا فإنه في حاجة إلى موافقة مبدئية... أو على الأقل تشجيع مني و تمهيد!

ثم أردفت في صوت أكثر خفوتا و قد بدت عليها الحيرة :
ـ لكنني لا أعلم بعد كيف يمكن أن تسير الأمور... فأنا نفسي في حيرة من أمري! أحيانا أقول بأنني قادرة على التضحية، و أنني سأكون في مستوى ثقته و أكمل معه المشوار... و أحيانا أخرى أرى ما ينتظرني صعبا، بل شديد الصعوبة... و أخاف أن لا أصمد و يكون مصير علاقتنا الفشل!

نظرت إلى راوية في استغراب :
ـ لكن يجب أن تكوني أولا واثقة من قرارك و مما ترغبين فيه! فكيف ستقنعين والديك إذا كنت أنت نفسك مترددة و محتارة؟! ثم لا يجب أن تطيلي الأمد حتى تقرري فلا يطمئن الشاب و يعتقد بموافقتك، ثم تحصل له صدمة عنيفة إن رفضت...

غطت راوية وجهها بكفيها و هي تهتف :
ـ لا تصعبي المسألة علي أكثر! فإنني لم أنم البارحة من فرط التفكير! صليت الاستخارة... لكنني لم أستطع النوم... لبثت أحدق في السقف و أتخيل التطورات الممكنة للعلاقة... ثم أغفو في كل مرة لأرى صورا ضبابية و أسمع أصواتا متقطعة في نومي المتقلب... و قمت هذا الصباح و قد تعاظم قلقي... المسألة ليست سهلة! لو أنني تركت لقلبي زمام الأمور لوافقت منذ الوهلة الأولى... و لكن...

أطرقت راوية للحظات و هي تردف في صوت حزين :
ـ و لكن... الحياة ليست وردية دائما... و القصص التي تبدو لنا مثيرة و مسلية، لا تكون غالبا كذلك حين نعيشها!

لم أتمالك نفسي أن صرخت فيها في تأنيب :
ـ ما بك يا فتاة؟! ما هذا التشاؤم الذي حل بك فجأة؟! كأني بك تسدين كل السبل و تهولين الأمر؟! كأني بك تستعدين للرفض و تهونينه على نفسك بهذه المقدمات؟! لم تكوني هكذا منذ يومين!!! كان الأمل في عينيك و كنت واثقة من صدق جاد و ثباته! كنت أرى فيك إعجابا واضحا به و اقتناعا بشخصيته... فما الذي تغير حتى غيرت رأيك و صرت ترين الألوان القاتمة فقط؟!!! ألم تكوني أنت من شجعني على مصارحة حسام بمخاوفي و أن أثق في رجاحة عقله و حسن تفكيره؟ لم لا تفعلين نفس الشيء مع جاد؟! لم لا تتركين له فرصة إقناع والديك بنفسه؟

نظرت إلي راوية و قد بدت عليها علامات التردد :
ـ و لكن يا مرام... المسألة مختلفة هنا!

قاطعتها في عناد و قلت :
ـ ليست مختلفة إلا في ظاهرها! لكنها نفس المشكلة! مشكلة الثقة في الطرف الآخر! لكن يبدو أن جاد وثق فيك... فهو صارحك برغبته في الارتباط بك رغم أنه يعلم أن ظروفه صعبة نوعا ما... لكنه اعتقد أنك أكثر من سيقدر وضعه، لأنك ـ كما قال ـ كنت أول من استقبله على بر الأمان بعد صراع عنيف مع أمواج نفسه و مجتمعه!

كانت عيناي راوية قد تعلقتا بي و قد شحب وجهها و لم تعلق بكلمة فاستطردت قائلة :
ـ لكن في نفس الوقت لا تعتبري أن من واجبك القبول لمجرد أنه وثق بك و يعلق عليك آمالا كبيرة! يجب أن تكوني مقتنعة تماما بالشخص... بأخلاقه و دينه... و بشخصيته... فإن لم تكن لديك مؤاخذات من تلك الناحية في الوقت الحالي... فالأحرى أن تتركي له الفرصة كي يتقدم إليك و يكون له حديث مع والدك... أما أنت فواصلي استخارتك... و الله لن يخيبك!

هزت راوية رأسها في تفهم... و بدا عليها التفكر، ثم رفعت رأسها لتقول باقتضاب :
ـ حسن... سأفكر في الأمر...


تواصل سرحان راوية طيلة اليوم في الكلية... كانت مستغرقة في التفكير. كأنها أخذت نصيحتي بعدم التأخير بمعناها الحرفي! هل ستخرج بقرار سريع؟ اليوم؟!

تركتها في المفترق المعتاد حيث تنفصل طرقنا... و أوصيتها بأن لا ترهق نفسها كثيرا بالتفكير و أن تتوكل على الله... لكنها لم تكن مركزة معي! لقد سيطر الموضوع على عقلها و لم تعد ترى شيئا سواه...

لبثت أفكر في مشكلة راوية طوال السهرة... رغم أنني لم أكن معنية بالأمر إلا أنني لم أكن أستطيع الوصول إلى قرار عقلاني سليم! فكيف براوية المسكينة!

كنت أهم بالخلود إلى النوم حين وصلتني رسالة قصيرة على هاتفي الجوال. إنها من راوية! سارعت بقراءتها في لهفة ثم ارتسمت على شفتي ابتسامة مشفقة و أنا أعيد قراءة الرسالة :
(( لقد أرسلت إليه ردي... بالرفض... إقناع والدي شبه مستحيل! لا فائدة من تجشيمه العناء و بعث أمل كاذب في نفسه))

كنت أحس في داخلي بأنها تسرعت... ربما لم أتصور أن تنتهي القصة بتلك البساطة بعد أن رأيت صعوبات كثيرة تتهاوى... بداية من اهتمامه بالإسلام، ثم إسلامه ثم قطعه العلاقة مع خطيبته السابقة...

ربما كان عليها أن تعطي نفسها الفرصة... و تعطي جاد الفرصة حتى يثبت وجوده و استحقاقه لثقتها...
لكنني لم أملك أن أتهم راوية بالانهزامية أو السلبية لأنني واثقة من أن القرار كان صعبا عليها هي الأخرى...



انتهت الحلقة التاسعة بحمد الله

asma22
11-08-2009, 01:39 PM
فعلا مسكينة راوية نفذت اللى عقلها قالها عليه
لما نشوف بقى ايه اللى هيحصلها

asma22
11-08-2009, 01:42 PM
معتش فى النهاردة ولا ايه يا سارة
انتى قلتى هتحطى حلقات كتير يلا بقى يا عسل كملى

Dr\heba
11-08-2009, 02:08 PM
رااااااااااااااااااائع قصه رومانسيه دينيه رائعه فهى رومانسيه فى المقام الاول و ممتزجه بالدين
يلا بقى كملى متتاخريش علينا

ساره الالفي
11-08-2009, 04:29 PM
فعلا مسكينة راوية نفذت اللى عقلها قالها عليه
لما نشوف بقى ايه اللى هيحصلها

اه هي فعلا مسكينه يا أسماء وربنا يعينها ويصبرها ع القرار اللي أخدته بس على فكره في مفاجأااااات كتييييييييييييييييييره لسه هتقابلها

معتش فى النهاردة ولا ايه يا سارة
انتى قلتى هتحطى حلقات كتير يلا بقى يا عسل كملى

إيه يا سمسم إنتي عاوزه أكتر من كده منا نزلت خمسسسسسه أهووووو

ربنا يسهل


رااااااااااااااااااائع قصه رومانسيه دينيه رائعه فهى رومانسيه فى المقام الاول و ممتزجه بالدين
يلا بقى كملى متتاخريش علينا

مشكوووووووره يا عسل لمرورك هي فعلا مزيج بين قصه إحتماعيه دينيه ورومانسيه

ساره الالفي
11-08-2009, 04:36 PM
الـحـــــــــلقة الـعــــــــــاشرة

ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ




كانت راوية مكتئبة حزينة طوال الأسبوع... كنت أعلم السبب، لكنني لم أستطع مواساتها. فقد كان قرارها و عليها الآن أن تتحمل مسؤوليته كاملة و ترمي بالماضي وراء ظهرها...

كانت المحاضرة على وشك البدء، و كنت أتخذ مكاني على المدرج. انتبهت إلى فتاتين جلستا أمامنا و قد راحتا في ضحك خافت متواصل، ثم سمعت إحداهما تهمس في لهفة :
ـ ها... و ماذا حصل فيما بعد؟

فردت الأخرى و هي تسيطر على ضحكها بصعوبة :
ـ و ماذا تظنين؟ بالطبع تركته بعد أن جعلته يتعلق بها... فتلك كانت خطتها من البداية! و لا أشك أن رهانا ما كان بينها و بين صديقتها على الإيقاع به!

شهقت الأخرى و هي تهتف :
ـ اللئيمة! بعد كل التنازلات التي أقدم عليها من أجل إرضائها؟! الحقيقة لقد دهشت حين علمت أنه بالفعل نفذ كل طلباتها الغريبة تلك...

هتفت راوية في ضيق :
ـ لم أعد أتحمل... يجب أن أخرج!

جمعت أدواتها بسرعة و حملتها على ذراعها ثم خرجت على عجل من القاعة!

ترددت نظراتي بين المحاضر الذي دخل القاعة للتو و بين راوية التي خرجت دون سابق إنذار، و لم أدر ما يتوجب علي فعله...
لكن حيرتي لم تدم كثيرا، إذ اقترب مني شاب وصل متأخرا و استأذن في الجلوس إلى جانبي... فأفسحت له الطريق و خرجت بسرعة على إثر راوية...


تلفتت حولي للحظات حين وجدت نفسي في الساحة التي أقفرت تقريبا إلا من عدد قليل من الطلبة المتخلفين عن محاضراتهم. كنت أبحث عن راوية التي خرجت كالسهم فلم أتمكن من اللحاق بها في الحين. ظللت أجيل بصري لبعض الوقت و لا أثر لراوية! ركضت نحو المشرب العام، المكتبة العمومية... ثم ناحية دورات المياه... لا فائدة!
عدت إلى الساحة و أنا أعقد حاجبي تساؤلا و دهشة... أين تكون قد اختفت تلك الفتاة؟؟ لم يبق إلا موقف السيارات لم أبحث فيه بعد... و رغم أنني أعلم جيدا أن راوية ليس لديها سيارة إلا أنني توجهت إلى هنالك كحل أخير ليس بعد حل إلا أن تكون غادرت الكلية تماما... مع أننا لا نزال في أول النهار!

و لشد ما دهشت حين لمحت راوية عن بعد تجلس على مقعد حجري في آخر الموقف و قد أسندت رأسها إلى الجدار الخلفي، مغمضة العينين في إعياء واضح... اقتربت منها في هدوء و جلست إلى جانبها.
انتبهت إلى حفيف ثوبي فقالت دون أن تفتح عينيها :
ـ آه... وجدتني إذن...

ابتسمت و قلت مداعبة :
ـ يا سلام... و هل تظنين بأنك قادرة على الاختفاء و الهرب مني؟؟

ابتسمت بدورها و هي تعتدل في جلستها و تلتفت إلي :
ـ طبعا طبعا... و كيف لي أن أهرب منك... و أنت تلازمينني كظلي!

دفعتها دفعة خفيفة متصنعة الغيظ و قلت :
ـ و الآن... ها قد حرمتني من المحاضرة... هلا أخبرتني ما الذي يضايقك؟

لم أجد منها إلا صمتا و إطراقا فتابعت :
ـ أعلم أن حديث تينك الفتاتين أثار في نفسك أشياء و أشياء... هل أنا مخطئة؟

ردت متجاهلة كلامي :
ـ كنت في حاجة إلى بعض الهدوء و حسب...

لكنني واصلت في تأكيد :
ـ ربما ظننت ما تقولانه ينطبق عليك... لكنك يا راوية لم تفعلي مع جاد شيئا مما كانتا تتحدثان عنه! فأنت لم تلق بشبابك نحوه و لم تحاولي شده إليك... و قرارك بالرفض كان عن اقتناع بأنه لا أمل في نجاح علاقتكما... أليس كذلك؟ إنه لم يكن من باب اللهو بمشاعره أو التلاعب به...

فجأة قاطعتني راوية و هي تهتف :
ـ لماذا لم يعاود المحاولة يا مرام؟ لماذا؟؟ لو كان متعلقا بي حقا ما كان لييأس من المحاولة الأولى و يتخلى عني بسهولة!

تطلعت إليها في دهشة و قلت في حيرة :
ـ راوية... أنت رفضته يا راوية! و ابتعاده النهائي و توقفه عن مراسلتك ما هو إلا احترام لقرارك... فهو لا يريد أن يفرض عليك نفسه و لا أن يسيء إليك بعد أن مددت إليه يد المساعدة!

أشاحت بوجهها و همست في خجل و تردد :
ـ لكنني كنت أتوقع أن يفهم أسبابي... و يحاول إقناعي بأنه الشخص المناسب... و أنه قادر على تحمل مسؤولية الوضع و إيجاد الحل المناسب له...

قاطعتها و أنا أتمالك نفسي حتى لا أحتد في وجهها :
ـ راوية! أنت أظهرت له بأنك لا تثقين فيه! بل لم تعطه فرصة أصلا و لم تصارحيه بمخاوفك! هل تذكرين... حين طليت مني أن أعطي فرصة لحسام و أن لا أرفض بناء على مخاوفي الشخصية و حسب؟ أين ذاك الكلام الآن؟

تأففت راوية و هي تهتف في يأس :
ـ مرام... قلت لك مائة مرة الأمر مختلف هنا...

قاطعتها مجددا و أنا أقول في هدوء أكبر :
ـ ليس مختلفا يا عزيزتي... لكن كلا منا يملك النصائح المناسبة ليقدمها لغيره. لكن حين تصبح المشكلة خاصة به فإن وضعه دائما مختلف، و مشكلته نادرة الوجود و المعوقات أمامه لا حدود لها، و ما من أحد يمكنه أن يفهم ما يمر به، و كل الأبواب مغلقة في وجهه، و العالم كله لا يستوعب درجة عذابه و...

قاطعتني راوية هاته المرة و هي تمسك بذراعي التي كنت أحركها في حركة مسرحية شارحة مدى تفرد المشكلة الشخصية في نظر صاحبها...
ـ كفى، كفى... فهمت...

ابتسمت و أنا أقول :
ـ لا تقلقي... كلنا هكذا... أنا أيضا حين رفضت حسام في المرة الأولى كنت أرى المسألة من نفس الزاوية... لكنك كنت تملكين رؤية أوضح من رؤيتي...

التقت عيوننا لبرهة قصيرة فتابعت شارحة :
ـ لكنني لم أملك رؤية واضحة لعلاقتك مع جاد... لأن ثقتك كانت مهتزة، ليس في قدرة جاد على إقناع العالم بمسألة ارتباطكما... بل ثقتك في جاد نفسه، في ملاءمته لك، أو ربما في طاقة تحملك أنت من أجل إنجاح العلاقة كانت مهتزة! و لما وجدت أنك غير متأكدة من موقفك لم أستطع أن أوضح أمامك الرؤية لأنك لم تتركي لي بصيصا أهتدي به...

كان الشرود باديا في عيني راوية، و أخيرا انفرجت شفتاها عن تنهيدة طويلة و هي تقول في أسى :
ـ هل تراه عاد إليها؟

ربتت على كتفها في عتاب و أنا أقول :
ـ هل ترين كيف تسيئين الظن به من جديد؟! أنت تعلمين أنه لم يتركها من أجلك... بل من أجل الإسلام، و من أجل أن يجد نفسه بعيدا عنها... و أنه لن يعود إليها لمجرد أنك رفضته... إلا إن كانت أسلمت و غيرت طريقة تفكيرها في الفترة القصيرة الماضية... و الله يهدي من يشاء! لكنك تستمرين في النظر إلى المسألة كأنها مشكلة المشكلات التي ليس لها حل... بل أن المخرج الوحيد هو أن يتراجع جاد عن موقفه أو أن يخيب ظنك فيه حتى يجد ضميرك الحجة المقنعة للتسليم! تريدين رأيي؟

نظرت إلي في لهفة و هتفت :
ـ طبعا أريد رأيك! ماذا تنتظرين؟!

ابتسمت و أنا أواصل :
ـ كنت أنتظر أن تطلبيه! فالتردد الذي أنت فيه يثبت أنك لم تنسي الموضوع... و لن تنسيه بسهولة... لأنك غير مقتنعة أصلا بالقرار الذي اتخذته! أو ربما لم تحسي بالراحة بعد الاستخارة من جديد...

هزت رأسها موافقة و هي تقول :
ـ صدقيني، رغم أنني أنهيت الموضوع، فإنني واظبت على الاستخارة و أنا أدعو الله أن يهديني إلى سبيل إصلاح خطئي إن كنت اتخذت القرار الخطأ...

ـ طيب... و الآن ما يمكنه فعله هو الدعاء و الاستخارة بعمق و خشوع... حتى تخرجي من الحيرة التي أنت فيها. حين تصبحين متأكدة من موقفك تجاه جاد سيكون بيننا حديث آخر!

ترددت راوية للحظات قبل أن تهتف :
ـ أصبحت متأكدة من موقفي!

اتسعت عيناي دهشة و أن أرسل ضحكة قصيرة :
ـ بهاته السرعة!

ـ مرام، أنا جادة... لقد ندمت على تسرعي، لكنني لا أدري كيف أتصرف!

ثم مالت نحوي في تساؤل :
ـ ألا يزال على اتصال مع حسام؟

هززت كتفي و رفعت كفي أمامها كالمتهم ينفي إدانته :
ـ و كيف لي أن أعلم يا حبيبتي! فقد أعطيت عنوانه لدالية حتى تسلمه له كما طلبت مني، و شرحت لها دون إسهاب بأنه أسلم مؤخرا و في حاجة إلى من يقف إلى جانبه... و فقط! و من يومها لم أعد لسؤالها حتى لا تشك في الأمر!

بدا على راوية التفكير العميق و هي تتمتم في خفوت :
ـ هل تراه يفضي إلى حسام بشيء ما عن علاقتنا؟

نهرتها بشدة هاته المرة :
ـ راوية! ثقي فيه و لو لمرة واحدة! كيف له أن يتحدث عن علاقتكما مع شخص غريب و هو يعلم أنه يسيء إليك و إلى سمعته بذلك؟! إن كان يعتقد في أن لحسام تأثيرا ما عليك أو قدرة على إقناعك فكيف له أن يثق فيك بعد ذلك؟

ردت راوية في خجل :
ـ ربما يطمع في مساعدته... أو ربما يعلم أنني صديقة أخته...

ـ يا راوية يا حبيبتي... طلبه كان واضحا و رفضك كان أوضح... و المسألة لا تحتاج إلى المراجعة!

نظرت إلي في قلق و هي تهمس :
ـ و ما العمل إذن؟

وضعت يدي على خدي و أنا أهمس في تفكر :
ـ لا بد من وجود حل ما...

ساره الالفي
11-08-2009, 04:54 PM
الـحـــــــــلقة الـعــــــــــاشرة

ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ




كانت راوية مكتئبة حزينة طوال الأسبوع... كنت أعلم السبب، لكنني لم أستطع مواساتها. فقد كان قرارها و عليها الآن أن تتحمل مسؤوليته كاملة و ترمي بالماضي وراء ظهرها...

كانت المحاضرة على وشك البدء، و كنت أتخذ مكاني على المدرج. انتبهت إلى فتاتين جلستا أمامنا و قد راحتا في ضحك خافت متواصل، ثم سمعت إحداهما تهمس في لهفة :
ـ ها... و ماذا حصل فيما بعد؟

فردت الأخرى و هي تسيطر على ضحكها بصعوبة :
ـ و ماذا تظنين؟ بالطبع تركته بعد أن جعلته يتعلق بها... فتلك كانت خطتها من البداية! و لا أشك أن رهانا ما كان بينها و بين صديقتها على الإيقاع به!

شهقت الأخرى و هي تهتف :
ـ اللئيمة! بعد كل التنازلات التي أقدم عليها من أجل إرضائها؟! الحقيقة لقد دهشت حين علمت أنه بالفعل نفذ كل طلباتها الغريبة تلك...

هتفت راوية في ضيق :
ـ لم أعد أتحمل... يجب أن أخرج!

جمعت أدواتها بسرعة و حملتها على ذراعها ثم خرجت على عجل من القاعة!

ترددت نظراتي بين المحاضر الذي دخل القاعة للتو و بين راوية التي خرجت دون سابق إنذار، و لم أدر ما يتوجب علي فعله...
لكن حيرتي لم تدم كثيرا، إذ اقترب مني شاب وصل متأخرا و استأذن في الجلوس إلى جانبي... فأفسحت له الطريق و خرجت بسرعة على إثر راوية...


تلفتت حولي للحظات حين وجدت نفسي في الساحة التي أقفرت تقريبا إلا من عدد قليل من الطلبة المتخلفين عن محاضراتهم. كنت أبحث عن راوية التي خرجت كالسهم فلم أتمكن من اللحاق بها في الحين. ظللت أجيل بصري لبعض الوقت و لا أثر لراوية! ركضت نحو المشرب العام، المكتبة العمومية... ثم ناحية دورات المياه... لا فائدة!
عدت إلى الساحة و أنا أعقد حاجبي تساؤلا و دهشة... أين تكون قد اختفت تلك الفتاة؟؟ لم يبق إلا موقف السيارات لم أبحث فيه بعد... و رغم أنني أعلم جيدا أن راوية ليس لديها سيارة إلا أنني توجهت إلى هنالك كحل أخير ليس بعد حل إلا أن تكون غادرت الكلية تماما... مع أننا لا نزال في أول النهار!

و لشد ما دهشت حين لمحت راوية عن بعد تجلس على مقعد حجري في آخر الموقف و قد أسندت رأسها إلى الجدار الخلفي، مغمضة العينين في إعياء واضح... اقتربت منها في هدوء و جلست إلى جانبها.
انتبهت إلى حفيف ثوبي فقالت دون أن تفتح عينيها :
ـ آه... وجدتني إذن...

ابتسمت و قلت مداعبة :
ـ يا سلام... و هل تظنين بأنك قادرة على الاختفاء و الهرب مني؟؟

ابتسمت بدورها و هي تعتدل في جلستها و تلتفت إلي :
ـ طبعا طبعا... و كيف لي أن أهرب منك... و أنت تلازمينني كظلي!

دفعتها دفعة خفيفة متصنعة الغيظ و قلت :
ـ و الآن... ها قد حرمتني من المحاضرة... هلا أخبرتني ما الذي يضايقك؟

لم أجد منها إلا صمتا و إطراقا فتابعت :
ـ أعلم أن حديث تينك الفتاتين أثار في نفسك أشياء و أشياء... هل أنا مخطئة؟

ردت متجاهلة كلامي :
ـ كنت في حاجة إلى بعض الهدوء و حسب...

لكنني واصلت في تأكيد :
ـ ربما ظننت ما تقولانه ينطبق عليك... لكنك يا راوية لم تفعلي مع جاد شيئا مما كانتا تتحدثان عنه! فأنت لم تلق بشبابك نحوه و لم تحاولي شده إليك... و قرارك بالرفض كان عن اقتناع بأنه لا أمل في نجاح علاقتكما... أليس كذلك؟ إنه لم يكن من باب اللهو بمشاعره أو التلاعب به...

فجأة قاطعتني راوية و هي تهتف :
ـ لماذا لم يعاود المحاولة يا مرام؟ لماذا؟؟ لو كان متعلقا بي حقا ما كان لييأس من المحاولة الأولى و يتخلى عني بسهولة!

تطلعت إليها في دهشة و قلت في حيرة :
ـ راوية... أنت رفضته يا راوية! و ابتعاده النهائي و توقفه عن مراسلتك ما هو إلا احترام لقرارك... فهو لا يريد أن يفرض عليك نفسه و لا أن يسيء إليك بعد أن مددت إليه يد المساعدة!

أشاحت بوجهها و همست في خجل و تردد :
ـ لكنني كنت أتوقع أن يفهم أسبابي... و يحاول إقناعي بأنه الشخص المناسب... و أنه قادر على تحمل مسؤولية الوضع و إيجاد الحل المناسب له...

قاطعتها و أنا أتمالك نفسي حتى لا أحتد في وجهها :
ـ راوية! أنت أظهرت له بأنك لا تثقين فيه! بل لم تعطه فرصة أصلا و لم تصارحيه بمخاوفك! هل تذكرين... حين طليت مني أن أعطي فرصة لحسام و أن لا أرفض بناء على مخاوفي الشخصية و حسب؟ أين ذاك الكلام الآن؟

تأففت راوية و هي تهتف في يأس :
ـ مرام... قلت لك مائة مرة الأمر مختلف هنا...

قاطعتها مجددا و أنا أقول في هدوء أكبر :
ـ ليس مختلفا يا عزيزتي... لكن كلا منا يملك النصائح المناسبة ليقدمها لغيره. لكن حين تصبح المشكلة خاصة به فإن وضعه دائما مختلف، و مشكلته نادرة الوجود و المعوقات أمامه لا حدود لها، و ما من أحد يمكنه أن يفهم ما يمر به، و كل الأبواب مغلقة في وجهه، و العالم كله لا يستوعب درجة عذابه و...

قاطعتني راوية هاته المرة و هي تمسك بذراعي التي كنت أحركها في حركة مسرحية شارحة مدى تفرد المشكلة الشخصية في نظر صاحبها...
ـ كفى، كفى... فهمت...

ابتسمت و أنا أقول :
ـ لا تقلقي... كلنا هكذا... أنا أيضا حين رفضت حسام في المرة الأولى كنت أرى المسألة من نفس الزاوية... لكنك كنت تملكين رؤية أوضح من رؤيتي...

التقت عيوننا لبرهة قصيرة فتابعت شارحة :
ـ لكنني لم أملك رؤية واضحة لعلاقتك مع جاد... لأن ثقتك كانت مهتزة، ليس في قدرة جاد على إقناع العالم بمسألة ارتباطكما... بل ثقتك في جاد نفسه، في ملاءمته لك، أو ربما في طاقة تحملك أنت من أجل إنجاح العلاقة كانت مهتزة! و لما وجدت أنك غير متأكدة من موقفك لم أستطع أن أوضح أمامك الرؤية لأنك لم تتركي لي بصيصا أهتدي به...

كان الشرود باديا في عيني راوية، و أخيرا انفرجت شفتاها عن تنهيدة طويلة و هي تقول في أسى :
ـ هل تراه عاد إليها؟

ربتت على كتفها في عتاب و أنا أقول :
ـ هل ترين كيف تسيئين الظن به من جديد؟! أنت تعلمين أنه لم يتركها من أجلك... بل من أجل الإسلام، و من أجل أن يجد نفسه بعيدا عنها... و أنه لن يعود إليها لمجرد أنك رفضته... إلا إن كانت أسلمت و غيرت طريقة تفكيرها في الفترة القصيرة الماضية... و الله يهدي من يشاء! لكنك تستمرين في النظر إلى المسألة كأنها مشكلة المشكلات التي ليس لها حل... بل أن المخرج الوحيد هو أن يتراجع جاد عن موقفه أو أن يخيب ظنك فيه حتى يجد ضميرك الحجة المقنعة للتسليم! تريدين رأيي؟

نظرت إلي في لهفة و هتفت :
ـ طبعا أريد رأيك! ماذا تنتظرين؟!

ابتسمت و أنا أواصل :
ـ كنت أنتظر أن تطلبيه! فالتردد الذي أنت فيه يثبت أنك لم تنسي الموضوع... و لن تنسيه بسهولة... لأنك غير مقتنعة أصلا بالقرار الذي اتخذته! أو ربما لم تحسي بالراحة بعد الاستخارة من جديد...

هزت رأسها موافقة و هي تقول :
ـ صدقيني، رغم أنني أنهيت الموضوع، فإنني واظبت على الاستخارة و أنا أدعو الله أن يهديني إلى سبيل إصلاح خطئي إن كنت اتخذت القرار الخطأ...

ـ طيب... و الآن ما يمكنه فعله هو الدعاء و الاستخارة بعمق و خشوع... حتى تخرجي من الحيرة التي أنت فيها. حين تصبحين متأكدة من موقفك تجاه جاد سيكون بيننا حديث آخر!

ترددت راوية للحظات قبل أن تهتف :
ـ أصبحت متأكدة من موقفي!

اتسعت عيناي دهشة و أن أرسل ضحكة قصيرة :
ـ بهاته السرعة!

ـ مرام، أنا جادة... لقد ندمت على تسرعي، لكنني لا أدري كيف أتصرف!

ثم مالت نحوي في تساؤل :
ـ ألا يزال على اتصال مع حسام؟

هززت كتفي و رفعت كفي أمامها كالمتهم ينفي إدانته :
ـ و كيف لي أن أعلم يا حبيبتي! فقد أعطيت عنوانه لدالية حتى تسلمه له كما طلبت مني، و شرحت لها دون إسهاب بأنه أسلم مؤخرا و في حاجة إلى من يقف إلى جانبه... و فقط! و من يومها لم أعد لسؤالها حتى لا تشك في الأمر!

بدا على راوية التفكير العميق و هي تتمتم في خفوت :
ـ هل تراه يفضي إلى حسام بشيء ما عن علاقتنا؟

نهرتها بشدة هاته المرة :
ـ راوية! ثقي فيه و لو لمرة واحدة! كيف له أن يتحدث عن علاقتكما مع شخص غريب و هو يعلم أنه يسيء إليك و إلى سمعته بذلك؟! إن كان يعتقد في أن لحسام تأثيرا ما عليك أو قدرة على إقناعك فكيف له أن يثق فيك بعد ذلك؟

ردت راوية في خجل :
ـ ربما يطمع في مساعدته... أو ربما يعلم أنني صديقة أخته...

ـ يا راوية يا حبيبتي... طلبه كان واضحا و رفضك كان أوضح... و المسألة لا تحتاج إلى المراجعة!

نظرت إلي في قلق و هي تهمس :
ـ و ما العمل إذن؟

وضعت يدي على خدي و أنا أهمس في تفكر :
ـ لا بد من وجود حل ما...

ساره الالفي
11-08-2009, 05:05 PM
الـحـــــــــلقة الـعــــــــــاشرة

ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ



كانت راوية مكتئبة حزينة طوال الأسبوع... كنت أعلم السبب، لكنني لم أستطع مواساتها. فقد كان قرارها و عليها الآن أن تتحمل مسؤوليته كاملة و ترمي بالماضي وراء ظهرها...

كانت المحاضرة على وشك البدء، و كنت أتخذ مكاني على المدرج. انتبهت إلى فتاتين جلستا أمامنا و قد راحتا في ضحك خافت متواصل، ثم سمعت إحداهما تهمس في لهفة :
ـ ها... و ماذا حصل فيما بعد؟

فردت الأخرى و هي تسيطر على ضحكها بصعوبة :
ـ و ماذا تظنين؟ بالطبع تركته بعد أن جعلته يتعلق بها... فتلك كانت خطتها من البداية! و لا أشك أن رهانا ما كان بينها و بين صديقتها على الإيقاع به!

شهقت الأخرى و هي تهتف :
ـ اللئيمة! بعد كل التنازلات التي أقدم عليها من أجل إرضائها؟! الحقيقة لقد دهشت حين علمت أنه بالفعل نفذ كل طلباتها الغريبة تلك...

هتفت راوية في ضيق :
ـ لم أعد أتحمل... يجب أن أخرج!

جمعت أدواتها بسرعة و حملتها على ذراعها ثم خرجت على عجل من القاعة!

ترددت نظراتي بين المحاضر الذي دخل القاعة للتو و بين راوية التي خرجت دون سابق إنذار، و لم أدر ما يتوجب علي فعله...
لكن حيرتي لم تدم كثيرا، إذ اقترب مني شاب وصل متأخرا و استأذن في الجلوس إلى جانبي... فأفسحت له الطريق و خرجت بسرعة على إثر راوية...


تلفتت حولي للحظات حين وجدت نفسي في الساحة التي أقفرت تقريبا إلا من عدد قليل من الطلبة المتخلفين عن محاضراتهم. كنت أبحث عن راوية التي خرجت كالسهم فلم أتمكن من اللحاق بها في الحين. ظللت أجيل بصري لبعض الوقت و لا أثر لراوية! ركضت نحو المشرب العام، المكتبة العمومية... ثم ناحية دورات المياه... لا فائدة!
عدت إلى الساحة و أنا أعقد حاجبي تساؤلا و دهشة... أين تكون قد اختفت تلك الفتاة؟؟ لم يبق إلا موقف السيارات لم أبحث فيه بعد... و رغم أنني أعلم جيدا أن راوية ليس لديها سيارة إلا أنني توجهت إلى هنالك كحل أخير ليس بعد حل إلا أن تكون غادرت الكلية تماما... مع أننا لا نزال في أول النهار!

و لشد ما دهشت حين لمحت راوية عن بعد تجلس على مقعد حجري في آخر الموقف و قد أسندت رأسها إلى الجدار الخلفي، مغمضة العينين في إعياء واضح... اقتربت منها في هدوء و جلست إلى جانبها.
انتبهت إلى حفيف ثوبي فقالت دون أن تفتح عينيها :
ـ آه... وجدتني إذن...

ابتسمت و قلت مداعبة :
ـ يا سلام... و هل تظنين بأنك قادرة على الاختفاء و الهرب مني؟؟

ابتسمت بدورها و هي تعتدل في جلستها و تلتفت إلي :
ـ طبعا طبعا... و كيف لي أن أهرب منك... و أنت تلازمينني كظلي!

دفعتها دفعة خفيفة متصنعة الغيظ و قلت :
ـ و الآن... ها قد حرمتني من المحاضرة... هلا أخبرتني ما الذي يضايقك؟

لم أجد منها إلا صمتا و إطراقا فتابعت :
ـ أعلم أن حديث تينك الفتاتين أثار في نفسك أشياء و أشياء... هل أنا مخطئة؟

ردت متجاهلة كلامي :
ـ كنت في حاجة إلى بعض الهدوء و حسب...

لكنني واصلت في تأكيد :
ـ ربما ظننت ما تقولانه ينطبق عليك... لكنك يا راوية لم تفعلي مع جاد شيئا مما كانتا تتحدثان عنه! فأنت لم تلق بشبابك نحوه و لم تحاولي شده إليك... و قرارك بالرفض كان عن اقتناع بأنه لا أمل في نجاح علاقتكما... أليس كذلك؟ إنه لم يكن من باب اللهو بمشاعره أو التلاعب به...

فجأة قاطعتني راوية و هي تهتف :
ـ لماذا لم يعاود المحاولة يا مرام؟ لماذا؟؟ لو كان متعلقا بي حقا ما كان لييأس من المحاولة الأولى و يتخلى عني بسهولة!

تطلعت إليها في دهشة و قلت في حيرة :
ـ راوية... أنت رفضته يا راوية! و ابتعاده النهائي و توقفه عن مراسلتك ما هو إلا احترام لقرارك... فهو لا يريد أن يفرض عليك نفسه و لا أن يسيء إليك بعد أن مددت إليه يد المساعدة!

أشاحت بوجهها و همست في خجل و تردد :
ـ لكنني كنت أتوقع أن يفهم أسبابي... و يحاول إقناعي بأنه الشخص المناسب... و أنه قادر على تحمل مسؤولية الوضع و إيجاد الحل المناسب له...

قاطعتها و أنا أتمالك نفسي حتى لا أحتد في وجهها :
ـ راوية! أنت أظهرت له بأنك لا تثقين فيه! بل لم تعطه فرصة أصلا و لم تصارحيه بمخاوفك! هل تذكرين... حين طليت مني أن أعطي فرصة لحسام و أن لا أرفض بناء على مخاوفي الشخصية و حسب؟ أين ذاك الكلام الآن؟

تأففت راوية و هي تهتف في يأس :
ـ مرام... قلت لك مائة مرة الأمر مختلف هنا...

قاطعتها مجددا و أنا أقول في هدوء أكبر :
ـ ليس مختلفا يا عزيزتي... لكن كلا منا يملك النصائح المناسبة ليقدمها لغيره. لكن حين تصبح المشكلة خاصة به فإن وضعه دائما مختلف، و مشكلته نادرة الوجود و المعوقات أمامه لا حدود لها، و ما من أحد يمكنه أن يفهم ما يمر به، و كل الأبواب مغلقة في وجهه، و العالم كله لا يستوعب درجة عذابه و...

قاطعتني راوية هاته المرة و هي تمسك بذراعي التي كنت أحركها في حركة مسرحية شارحة مدى تفرد المشكلة الشخصية في نظر صاحبها...
ـ كفى، كفى... فهمت...

ابتسمت و أنا أقول :
ـ لا تقلقي... كلنا هكذا... أنا أيضا حين رفضت حسام في المرة الأولى كنت أرى المسألة من نفس الزاوية... لكنك كنت تملكين رؤية أوضح من رؤيتي...

التقت عيوننا لبرهة قصيرة فتابعت شارحة :
ـ لكنني لم أملك رؤية واضحة لعلاقتك مع جاد... لأن ثقتك كانت مهتزة، ليس في قدرة جاد على إقناع العالم بمسألة ارتباطكما... بل ثقتك في جاد نفسه، في ملاءمته لك، أو ربما في طاقة تحملك أنت من أجل إنجاح العلاقة كانت مهتزة! و لما وجدت أنك غير متأكدة من موقفك لم أستطع أن أوضح أمامك الرؤية لأنك لم تتركي لي بصيصا أهتدي به...

كان الشرود باديا في عيني راوية، و أخيرا انفرجت شفتاها عن تنهيدة طويلة و هي تقول في أسى :
ـ هل تراه عاد إليها؟

ربتت على كتفها في عتاب و أنا أقول :
ـ هل ترين كيف تسيئين الظن به من جديد؟! أنت تعلمين أنه لم يتركها من أجلك... بل من أجل الإسلام، و من أجل أن يجد نفسه بعيدا عنها... و أنه لن يعود إليها لمجرد أنك رفضته... إلا إن كانت أسلمت و غيرت طريقة تفكيرها في الفترة القصيرة الماضية... و الله يهدي من يشاء! لكنك تستمرين في النظر إلى المسألة كأنها مشكلة المشكلات التي ليس لها حل... بل أن المخرج الوحيد هو أن يتراجع جاد عن موقفه أو أن يخيب ظنك فيه حتى يجد ضميرك الحجة المقنعة للتسليم! تريدين رأيي؟

نظرت إلي في لهفة و هتفت :
ـ طبعا أريد رأيك! ماذا تنتظرين؟!

ابتسمت و أنا أواصل :
ـ كنت أنتظر أن تطلبيه! فالتردد الذي أنت فيه يثبت أنك لم تنسي الموضوع... و لن تنسيه بسهولة... لأنك غير مقتنعة أصلا بالقرار الذي اتخذته! أو ربما لم تحسي بالراحة بعد الاستخارة من جديد...

هزت رأسها موافقة و هي تقول :
ـ صدقيني، رغم أنني أنهيت الموضوع، فإنني واظبت على الاستخارة و أنا أدعو الله أن يهديني إلى سبيل إصلاح خطئي إن كنت اتخذت القرار الخطأ...

ـ طيب... و الآن ما يمكنه فعله هو الدعاء و الاستخارة بعمق و خشوع... حتى تخرجي من الحيرة التي أنت فيها. حين تصبحين متأكدة من موقفك تجاه جاد سيكون بيننا حديث آخر!

ترددت راوية للحظات قبل أن تهتف :
ـ أصبحت متأكدة من موقفي!

اتسعت عيناي دهشة و أن أرسل ضحكة قصيرة :
ـ بهاته السرعة!

ـ مرام، أنا جادة... لقد ندمت على تسرعي، لكنني لا أدري كيف أتصرف!

ثم مالت نحوي في تساؤل :
ـ ألا يزال على اتصال مع حسام؟

هززت كتفي و رفعت كفي أمامها كالمتهم ينفي إدانته :
ـ و كيف لي أن أعلم يا حبيبتي! فقد أعطيت عنوانه لدالية حتى تسلمه له كما طلبت مني، و شرحت لها دون إسهاب بأنه أسلم مؤخرا و في حاجة إلى من يقف إلى جانبه... و فقط! و من يومها لم أعد لسؤالها حتى لا تشك في الأمر!

بدا على راوية التفكير العميق و هي تتمتم في خفوت :
ـ هل تراه يفضي إلى حسام بشيء ما عن علاقتنا؟

نهرتها بشدة هاته المرة :
ـ راوية! ثقي فيه و لو لمرة واحدة! كيف له أن يتحدث عن علاقتكما مع شخص غريب و هو يعلم أنه يسيء إليك و إلى سمعته بذلك؟! إن كان يعتقد في أن لحسام تأثيرا ما عليك أو قدرة على إقناعك فكيف له أن يثق فيك بعد ذلك؟

ردت راوية في خجل :
ـ ربما يطمع في مساعدته... أو ربما يعلم أنني صديقة أخته...

ـ يا راوية يا حبيبتي... طلبه كان واضحا و رفضك كان أوضح... و المسألة لا تحتاج إلى المراجعة!

نظرت إلي في قلق و هي تهمس :
ـ و ما العمل إذن؟

وضعت يدي على خدي و أنا أهمس في تفكر :
ـ لا بد من وجود حل ما...

توكلت على ربي
11-08-2009, 06:32 PM
إن استطاع أحد التعبير عن البراعة فهو تحد كبير
بل إن التحدي الحقيقي هو المرور دون الدعاء لك بالخير الوفير
فلندعوا الله لك باخير والتوفيق

بنت دمنهور
11-08-2009, 06:43 PM
رائع منتظرين المفاجات

وفقكي الله

asma22
11-08-2009, 07:40 PM
خلاص انتى كده كريمة جداااااااااااااااااا
المرة الجاية بقى ان شاء الله تنزلى 15 ماشى
الا بالمناسبة هى كام حلقة ؟

ساره الالفي
12-08-2009, 12:59 PM
الـحـــــــــلقة الـعــــــــــاشرة






ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ








كانت راوية مكتئبة حزينة طوال الأسبوع... كنت أعلم السبب، لكنني لم أستطع مواساتها. فقد كان قرارها و عليها الآن أن تتحمل مسؤوليته كاملة و ترمي بالماضي وراء ظهرها...






كانت المحاضرة على وشك البدء، و كنت أتخذ مكاني على المدرج. انتبهت إلى فتاتين جلستا أمامنا و قد راحتا في ضحك خافت متواصل، ثم سمعت إحداهما تهمس في لهفة :



ـ ها... و ماذا حصل فيما بعد؟






فردت الأخرى و هي تسيطر على ضحكها بصعوبة :



ـ و ماذا تظنين؟ بالطبع تركته بعد أن جعلته يتعلق بها... فتلك كانت خطتها من البداية! و لا أشك أن رهانا ما كان بينها و بين صديقتها على الإيقاع به!






شهقت الأخرى و هي تهتف :



ـ اللئيمة! بعد كل التنازلات التي أقدم عليها من أجل إرضائها؟! الحقيقة لقد دهشت حين علمت أنه بالفعل نفذ كل طلباتها الغريبة تلك...






هتفت راوية في ضيق :



ـ لم أعد أتحمل... يجب أن أخرج!






جمعت أدواتها بسرعة و حملتها على ذراعها ثم خرجت على عجل من القاعة!






ترددت نظراتي بين المحاضر الذي دخل القاعة للتو و بين راوية التي خرجت دون سابق إنذار، و لم أدر ما يتوجب علي فعله...



لكن حيرتي لم تدم كثيرا، إذ اقترب مني شاب وصل متأخرا و استأذن في الجلوس إلى جانبي... فأفسحت له الطريق و خرجت بسرعة على إثر راوية...







تلفتت حولي للحظات حين وجدت نفسي في الساحة التي أقفرت تقريبا إلا من عدد قليل من الطلبة المتخلفين عن محاضراتهم. كنت أبحث عن راوية التي خرجت كالسهم فلم أتمكن من اللحاق بها في الحين. ظللت أجيل بصري لبعض الوقت و لا أثر لراوية! ركضت نحو المشرب العام، المكتبة العمومية... ثم ناحية دورات المياه... لا فائدة!



عدت إلى الساحة و أنا أعقد حاجبي تساؤلا و دهشة... أين تكون قد اختفت تلك الفتاة؟؟ لم يبق إلا موقف السيارات لم أبحث فيه بعد... و رغم أنني أعلم جيدا أن راوية ليس لديها سيارة إلا أنني توجهت إلى هنالك كحل أخير ليس بعد حل إلا أن تكون غادرت الكلية تماما... مع أننا لا نزال في أول النهار!






و لشد ما دهشت حين لمحت راوية عن بعد تجلس على مقعد حجري في آخر الموقف و قد أسندت رأسها إلى الجدار الخلفي، مغمضة العينين في إعياء واضح... اقتربت منها في هدوء و جلست إلى جانبها.
انتبهت إلى حفيف ثوبي فقالت دون أن تفتح عينيها :




ـ آه... وجدتني إذن...






ابتسمت و قلت مداعبة :



ـ يا سلام... و هل تظنين بأنك قادرة على الاختفاء و الهرب مني؟؟






ابتسمت بدورها و هي تعتدل في جلستها و تلتفت إلي :



ـ طبعا طبعا... و كيف لي أن أهرب منك... و أنت تلازمينني كظلي!






دفعتها دفعة خفيفة متصنعة الغيظ و قلت :



ـ و الآن... ها قد حرمتني من المحاضرة... هلا أخبرتني ما الذي يضايقك؟






لم أجد منها إلا صمتا و إطراقا فتابعت :



ـ أعلم أن حديث تينك الفتاتين أثار في نفسك أشياء و أشياء... هل أنا مخطئة؟






ردت متجاهلة كلامي :



ـ كنت في حاجة إلى بعض الهدوء و حسب...






لكنني واصلت في تأكيد :



ـ ربما ظننت ما تقولانه ينطبق عليك... لكنك يا راوية لم تفعلي مع جاد شيئا مما كانتا تتحدثان عنه! فأنت لم تلق بشبابك نحوه و لم تحاولي شده إليك... و قرارك بالرفض كان عن اقتناع بأنه لا أمل في نجاح علاقتكما... أليس كذلك؟ إنه لم يكن من باب اللهو بمشاعره أو التلاعب به...






فجأة قاطعتني راوية و هي تهتف :



ـ لماذا لم يعاود المحاولة يا مرام؟ لماذا؟؟ لو كان متعلقا بي حقا ما كان لييأس من المحاولة الأولى و يتخلى عني بسهولة!






تطلعت إليها في دهشة و قلت في حيرة :



ـ راوية... أنت رفضته يا راوية! و ابتعاده النهائي و توقفه عن مراسلتك ما هو إلا احترام لقرارك... فهو لا يريد أن يفرض عليك نفسه و لا أن يسيء إليك بعد أن مددت إليه يد المساعدة!






أشاحت بوجهها و همست في خجل و تردد :



ـ لكنني كنت أتوقع أن يفهم أسبابي... و يحاول إقناعي بأنه الشخص المناسب... و أنه قادر على تحمل مسؤولية الوضع و إيجاد الحل المناسب له...






قاطعتها و أنا أتمالك نفسي حتى لا أحتد في وجهها :



ـ راوية! أنت أظهرت له بأنك لا تثقين فيه! بل لم تعطه فرصة أصلا و لم تصارحيه بمخاوفك! هل تذكرين... حين طليت مني أن أعطي فرصة لحسام و أن لا أرفض بناء على مخاوفي الشخصية و حسب؟ أين ذاك الكلام الآن؟






تأففت راوية و هي تهتف في يأس :



ـ مرام... قلت لك مائة مرة الأمر مختلف هنا...






قاطعتها مجددا و أنا أقول في هدوء أكبر :



ـ ليس مختلفا يا عزيزتي... لكن كلا منا يملك النصائح المناسبة ليقدمها لغيره. لكن حين تصبح المشكلة خاصة به فإن وضعه دائما مختلف، و مشكلته نادرة الوجود و المعوقات أمامه لا حدود لها، و ما من أحد يمكنه أن يفهم ما يمر به، و كل الأبواب مغلقة في وجهه، و العالم كله لا يستوعب درجة عذابه و...






قاطعتني راوية هاته المرة و هي تمسك بذراعي التي كنت أحركها في حركة مسرحية شارحة مدى تفرد المشكلة الشخصية في نظر صاحبها...



ـ كفى، كفى... فهمت...






ابتسمت و أنا أقول :



ـ لا تقلقي... كلنا هكذا... أنا أيضا حين رفضت حسام في المرة الأولى كنت أرى المسألة من نفس الزاوية... لكنك كنت تملكين رؤية أوضح من رؤيتي...






التقت عيوننا لبرهة قصيرة فتابعت شارحة :



ـ لكنني لم أملك رؤية واضحة لعلاقتك مع جاد... لأن ثقتك كانت مهتزة، ليس في قدرة جاد على إقناع العالم بمسألة ارتباطكما... بل ثقتك في جاد نفسه، في ملاءمته لك، أو ربما في طاقة تحملك أنت من أجل إنجاح العلاقة كانت مهتزة! و لما وجدت أنك غير متأكدة من موقفك لم أستطع أن أوضح أمامك الرؤية لأنك لم تتركي لي بصيصا أهتدي به...






كان الشرود باديا في عيني راوية، و أخيرا انفرجت شفتاها عن تنهيدة طويلة و هي تقول في أسى :



ـ هل تراه عاد إليها؟






ربتت على كتفها في عتاب و أنا أقول :



ـ هل ترين كيف تسيئين الظن به من جديد؟! أنت تعلمين أنه لم يتركها من أجلك... بل من أجل الإسلام، و من أجل أن يجد نفسه بعيدا عنها... و أنه لن يعود إليها لمجرد أنك رفضته... إلا إن كانت أسلمت و غيرت طريقة تفكيرها في الفترة القصيرة الماضية... و الله يهدي من يشاء! لكنك تستمرين في النظر إلى المسألة كأنها مشكلة المشكلات التي ليس لها حل... بل أن المخرج الوحيد هو أن يتراجع جاد عن موقفه أو أن يخيب ظنك فيه حتى يجد ضميرك الحجة المقنعة للتسليم! تريدين رأيي؟






نظرت إلي في لهفة و هتفت :



ـ طبعا أريد رأيك! ماذا تنتظرين؟!






ابتسمت و أنا أواصل :



ـ كنت أنتظر أن تطلبيه! فالتردد الذي أنت فيه يثبت أنك لم تنسي الموضوع... و لن تنسيه بسهولة... لأنك غير مقتنعة أصلا بالقرار الذي اتخذته! أو ربما لم تحسي بالراحة بعد الاستخارة من جديد...






هزت رأسها موافقة و هي تقول :



ـ صدقيني، رغم أنني أنهيت الموضوع، فإنني واظبت على الاستخارة و أنا أدعو الله أن يهديني إلى سبيل إصلاح خطئي إن كنت اتخذت القرار الخطأ...






ـ طيب... و الآن ما يمكنه فعله هو الدعاء و الاستخارة بعمق و خشوع... حتى تخرجي من الحيرة التي أنت فيها. حين تصبحين متأكدة من موقفك تجاه جاد سيكون بيننا حديث آخر!






ترددت راوية للحظات قبل أن تهتف :



ـ أصبحت متأكدة من موقفي!






اتسعت عيناي دهشة و أن أرسل ضحكة قصيرة :



ـ بهاته السرعة!






ـ مرام، أنا جادة... لقد ندمت على تسرعي، لكنني لا أدري كيف أتصرف!






ثم مالت نحوي في تساؤل :



ـ ألا يزال على اتصال مع حسام؟






هززت كتفي و رفعت كفي أمامها كالمتهم ينفي إدانته :



ـ و كيف لي أن أعلم يا حبيبتي! فقد أعطيت عنوانه لدالية حتى تسلمه له كما طلبت مني، و شرحت لها دون إسهاب بأنه أسلم مؤخرا و في حاجة إلى من يقف إلى جانبه... و فقط! و من يومها لم أعد لسؤالها حتى لا تشك في الأمر!






بدا على راوية التفكير العميق و هي تتمتم في خفوت :



ـ هل تراه يفضي إلى حسام بشيء ما عن علاقتنا؟






نهرتها بشدة هاته المرة :



ـ راوية! ثقي فيه و لو لمرة واحدة! كيف له أن يتحدث عن علاقتكما مع شخص غريب و هو يعلم أنه يسيء إليك و إلى سمعته بذلك؟! إن كان يعتقد في أن لحسام تأثيرا ما عليك أو قدرة على إقناعك فكيف له أن يثق فيك بعد ذلك؟






ردت راوية في خجل :



ـ ربما يطمع في مساعدته... أو ربما يعلم أنني صديقة أخته...






ـ يا راوية يا حبيبتي... طلبه كان واضحا و رفضك كان أوضح... و المسألة لا تحتاج إلى المراجعة!






نظرت إلي في قلق و هي تهمس :



ـ و ما العمل إذن؟






وضعت يدي على خدي و أنا أهمس في تفكر :



ـ لا بد من وجود حل ما...

ساره الالفي
12-08-2009, 01:00 PM
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ








عدت إلى البيت بعد يوم دراسي مرهق، و بعد أن نجحت بصعوبة بالغة في إقناع راوية بأن تترك الموضوع لي و تحاول التركيز على المحاضرات، مع أنني لا أملك حلا محددا...






تناهى إلى سمعي أصوات مختلفة و ضحكات مرتفعة قادمة من قاعة الجلوس... عندنا ضيوف إذن! من يكون تذكرنا في هذا اليوم يا ترى؟



عبرت الممشى بخطوات رشيقة فأخذت الأصوات تتضح أكثر فأكثر... بدت لي الأصوات مألوفة لكنني لم أستوعب الأمر جيدا... الصوت يشبه صوت عمتي سهام! لكن عمتي سهام، إنها في أمريكا... هل تكون عادت فجأة؟؟ غير معقول! بدون أن تعلمنا!






سارعت الخطو و ارتقيت الدرج إلى المنزل، ثم دخلت القاعة بعد أن طرقت الباب طرقات خفيفة لأنبههم إلى وصولي... التفت الحاضرون إلي و تبادلنا نظرات طويلة مليئة بالمعاني، ثم قامت عمتي سهام بسرعة لتحتضنني قبل أن أصل إليها و هي تقول في إعجاب واضح :




ـ مرام، يا حبيبتي لقد كبرت! بسم الله ما شاء الله... بسم الله ما شاء الله!




ثم استلمتني سارة صديقة طفولتي، لتبادلني قبلات حارة و على شفتيها ابتسامة واسعة تنطق بالسرور و السعادة...






ـ يا الله... لقد تغيرت أنت أيضا يا سارة! مبارك عليك الحجاب!




كنت أنظر إلى حجابها بإعجاب... فقد تطلب منها شجاعة كبيرة و مواجهة لمجتمعها الجديد، الذي لا يقتنع بمبادئها...




ـ مبارك عليك أنت أيضا يا مرام! أم تظنين أنك أنت فقط تكبرين يا حبيبتي!




تبادلنا ضحكات مرحة، ثم جلست إلى جانبها و انخرطنا في حديث ودي... لكن السنوات الماضية صنعت حاجزا بيننا، و غطت ثلوج الشمال المسافة بين قلبينا... فكان من الواجب أولا أن نذيب الجليد... أن تعرف كل واحدة منا ما جد في حياة صاحبتها و ما حل بها في السنوات الأولى للشباب... فانتحينا ركنا من المجلس و انسجمنا في حوارنا و نسينا أمي و عمتي اللتين كانتا جالستين غير بعيد عنا تتبادلان أطراف الحديث.




انتبهت على صوت عمتي و هي تتساءل حادجة إياي بنظرة ذات معنى :



ـ قال لي طارق أن هنالك من تقدم لطلب يد مرام... فهل تراكم زوجتموها دون علمنا؟




ثم استرسلت ضاحكة! احمر وجهي فجأة على ذكر تلك الحادثة... ما تراه قال لعمتي بالضبط ذاك الفتى؟!



وجدت أمي تجيب بسرعة دافعة عنها كل الاتهامات :



ـ ما هذا الكلام يا سهام! مرام حتى مازالت صغيرة... و والدها لم يرض بالارتباط أصلا... (ثم بصوت أكثر ثباتا) ولكن أنت من زوّج سناء دون علمنا... و من أمريكي أيضا!






بدا أن صفو الحديث بدأ يتعكر، و تحول لون عمتي إلى الأحمر ثم الأصفر... تطلعت إلى سارة، فوجدت وجهها قد امتقع... كان من الواضح أن تلك الزيجة أثرت في العائلة كلها... و تذكرت ملامح طارق حين تحدث عنها في تلك المرة... لا حول و لا قوة إلا بالله...




نطقت عمتي أخيرا بعد أن بدأت ملامح أمي تلين و تتحول إلى العطف و الاشفاق :



ـ ما حصل لم يكن بيدي... لكن يكفي أنها سعيدة...




بادرت لأغير الموضوع :



ـ و لكن أين سناء؟ ألم تأت معكم؟




ـ بلى... لقد جاءت معنا... فقد أراد زوجها أن يزور البلد و يتعرف على مسقط رأس زوجته... و قد أخذهما طارق إلى منزلنا مباشرة... فمايكل كان متعبا... لم يتعود على السفر لمسافات طويلة، كما أن الرحلة من أمريكا إلى هنا مرهقة... لكنني و سارة كنا مشتاقتين لرؤيتكم فأتينا مباشرة!




هزت سارة رأسها موافقة و هي تؤمّن على قولها :



ـ قررنا أن نأتي إلى هنا قبل أي مكان آخر... فلا تدرين كم اشتقت إلى رؤيتك يا مرام! و أنت أيضا يا خالتي...




أمسكت بكف سارة بين كفي و ابتسمت في حنان... يبدو أنها لاتزال تعيش غربة صعبة رغم مضي كل تلك السنين!



استطرت أمي قائلة :



ـ سرّنا كثيرا أن طارق خصنا بالزيارة في المرة الماضية... و يسرنا أكثر أن يكون منزلنا أول مكان تدخلانه بعد المطار!




تبادلنا ضحكات مرحة قبل أن تقول عمتي و هي تتطلع إلي بنفس النظرة الغريبة :



ـ أنت تعلمين أن أخي سالم هو أقرب إخوتي إلى قلبي... و أن مرام و ماهر هما أحب أبناء إخوتي إلي... بل أنني أحبهما كما أحب أبنائي تماما...




ابتسمت مجاملة عمتي، و أنا أتوجس خيفة من هاته المقدمات التي بدت لي غير سليمة! استعذت بالله من الشيطان الرجيم… إن بعض الظن إثم! عمتي تحبني… و ماذا في دلك؟




لكن عمتي استرسلت مخاطبة والدتي :



ـ طارق كان سعيدا جدا بزيارتكم... و قد ساعدته الرحلة إلى هنا على تغيير الأجواء و استنشاق هواء الوطن... لكنه أصيب بوعكة حال عودته!




تذكرت بسرعة الحال التي غادرنا عليها طارق... يا ربي... هل أنا السبب؟!



انتبهت إلى عمتي و هي تتابع :



ـ ... لم يعد يطيق المنزل... بل أنه يرغب في العودة النهائية إلى الوطن رغم أنه بدأ مشروعه منذ فترة يسيرة! يا الله... مضت فترة طويلة مذ رحلنا عن الأهل و الأحباب... الغربة صعبة يا أختي... لكن لست أدري أن أفرح أم أحزن لقرار طارق!




ثم التفتت إلي متسائلة :



ـ ما رأيك يا مرام؟




اكتسى وجهي بحمرة خفيفة و أنا أرد في اضطراب :



ـ رأيي أنا؟ فيم؟




استطرت عمتي تشرح الموقف :



ـ طارق يا ابنتي يريد العودة إلى الوطن في أقرب فرصة و بدأ مشواره من هنا... فقد كان لزيارته الأخيرة أثر بالغ في نفسه...




ثم أضافت باسمة :



ـ و أظنكما تحدثتما كثيرا في المرة الماضية كعهدكما منذ سنوات خلت...




لم أدر بما يمكنني أن أجيبها... فأطرقت صامتة. لكن أمي أنقذتني من الموقف بقولها :



ـ يا سهام... الصغار يكبرون، ينضجون و طباعهم تتغير... طارق ما شاء الله أتم دراسته و يدير مشروعه الخاص، و مرام كبرت هي الأخرى و إن شاء الله تتخرج طبيبة بعد سنوات قليلة...




قاطعتها عمتي في لهجة تأكيد :



ـ و إن شاء الله نفرح بهما قريبا!




ثم التفتت إلى والدتي في اهتمام و هي تقول :



ـ قلت أن خطبة مرام لم تتم؟ عسى أن يكون في ذلك خير...




بدأت شكوكي تتوثق من نوايا عمتي العزيزة... لكن هل طارق على علم بما تخطط له؟ من المفروض أنه فهم الموضوع جيدا في المرة الماضية و لا سبيل إلا معاودة المحاولة! أم أن عدم حصول الخطبة إلى حد الآن من الممكن أن يعطيه آمالا جديدة؟!




قاطع خيط أفكاري رنين الهاتف على الطاولة المجاورة لمقعدي...



ـ مرام... هلا رددت؟




ـ حاضر يا أمي...




إحساس غريب راودني و أنا أمد يدي لأرفع السماعة من موضعها :



ـ السلام عليكم و رحمة الله...




كان الصوت متوقعا لكن العبارة بدت في غير محلها! أو ربما غير منتظرة من ذاك الشخص بالذات!



ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته... طارق؟!




ـ نعم... كيف حالك يا مرام... و كيف حال خالي و الوالدة؟




ـ بخير... شكرا لك... عمتي سهام عندنا...




ـ نعم... اتصلت لأسألها متى تود أن آتي لاصطحابها إلى المنزل هي و سارة...




وجدتني أسأل في ود :



ـ ألن تأتي لقضاء السهرة عندنا؟




ـ إن شاء الله في فرصة قادمة... شكرا لك يا ابنة خالي... لكن الجميع متعبون من السفر و لا يمكنني السهر كثيرا... في فرصة قادمة إن شاء الله...




لست أدري لم كان قلبي منشرحا بعد أن بلغت طارق بالموعد الذي قررته عمتي و وضعت السماعة... رغم أنه رفض دعوتي بكل لطف و ربما كان لا يزال مستاء مني و من الموقف المحرج الذي وجد نفسه فيه في لقائنا الأخير... لكن التغيير كان واضحا في لهجته، في عباراته، في طريقته و في صوته...

ساره الالفي
12-08-2009, 01:02 PM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ





رن جرس الباب الخارجي، فالتفتت عمتي إلي و هي تقول :

ـ إنه طارق... هلا فتحت له يا ابنتي؟



تبادلت و أمي نظرة ذات معنى و تلكأت في الوقوف من جلستي فأردفت أمي :

ـ ماهر سيفتح الباب... لا تقلقي...



ارتفع رنين الجرس للمرة الثانية، ثم لم تمض لحظات حتى سمعنا خطوات ماهر في الرواق و هو يهتف في شكوى :

ـ ألم يفتح أحد الباب؟!



ابتسمت أمي و هي تقول لعمتي :

ـ سررنا جدا بزيارتكما و إن شاء الله نرد الزيارة قريبا...



وضعت عمتي كفها على كف أمي في تودد و هي تجيب في تأكيد و قد اتسعت ابتسامتها :

ـ نعم، نعم يا حبيبتي... آمل أن نراك كثيرا في فترة مكوثنا هنا... فأنتم أهلنا، و نعم الأهل!



تناهى إلى أسماعنا أصوات رجالية في الخارج و بدا أن ماهر يقنع طارق بالدخول في حين كان هذا الأخير متحرجا! و في الأخير ظهر الإثنان أمام باب قاعة الجلوس و ماهر يقول مرحبا :

ـ تفضل... تفضل، لا أحد غريب... أمي و أختي و أمك و أختك!



ابتسم طارق في حرج و هو يلقي التحية في صوت خفيض :

ـ السلام عليكم و رحمة الله...



لست أدري لم اشتد وجيب قلبي و أنا أرد التحية...

هل هو طارق فعلا؟ طارق الذي زارنا منذ بضعة شهور خلت؟!

لفت انتباهي هندامه المتناسق الذي كان في منتهى الذوق و الأناقة... هل هو نفسه الذي كان يتبع آخر تقليعات الموضة الشبابية؟! حتى تسريحة شعرها استبدلها بأخرى هادئة تنم عن رزانة و نضج...

اختفت تلك النظرات الوقحة الجريئة... و إذا به يغض بصره و يتحدث في حياء و اتزان!



بادرته عمتي هاتفة :

ـ ما بك تقف هناك؟ ألن تسلم على ابنة خالك و زوجة خالك؟



احمرت وجوهنا جميعا في حين بدا الارتباك على طارق و هو يجيب :

ـ أظنني سلمت يا أمي!



همت عمتي بأن تعنفه على "بروده تجاه أفراد عائلته الأعزاء" الذين لم يرهم منذ مدة طويلة!!! فقاطعتها أمي و هي تقول موجهة كلامها لطارق و على شفتيها ابتسامة واسعة :

ـ بارك الله في أخلاقك و رزقك زينة العقل يا بني...



ثم التفتت إلى عمتي و قالت مؤنبة :

ـ ابنك ما شاء الله عليه، يعرف محارمه من غيرهم... فلا تحرجيه و تجريه إلى الشبهات يا سهام!



لطمت عمتي صدرها و هي تصدر شهقة استهجان :

ـ ما الذي تقولينه يا أختي؟! زوجة خاله و ابنة خاله... فأين المشكلة؟! كلنا من دم واحد! عائلة واحدة يا حبيبتي!



ارتفع صوت طارق هاته المرة في ضيق :

ـ هيا بنا يا أمي...و سأشرح لك كل شيء في الطريق!



التفتت إليه أمي في حنان و هي تردف :

ـ ما بك مستعجل يا بني؟ ألن تجلس معنا قليلا حتى يأتي خالك؟



عاجلته عمتي مؤيدة :

ـ طبعاااا سيجلس معنا! فأنا لم أكتف منكم بعد... و الجلسة حلوة بوجود الأحباب... أليس كذلك يا مرام؟



ابتسمت في حرج و ضيق حين التفتت إلي عمتي بكليتها تطلب تأييدي :

ـ طبعا يا عمتي... طبعا...



أحسست بنظرات طارق المترددة تقع علي، ثم جاء صوته كأنه يخرج من بئر عميقة :

ـ كيف حالك يا مرام؟



ـ بخير... الحمد لله... شكرا لك...



ثم استطرد مخاطبا أمي :

ـ أنا آسف يا خالتي... لا يمكنني البقاء أكثر... إن شاء الله في فرصة قادمة...



لكن بدا أن عمتي لا ترغب في أن تتزحزح من مكانها و هتفت زاجرة :

ـ قلت بأنني سأنتظر خالك! هل يعقل أن أغادر دون أن أسلم على أخي؟!!!



بدا الارتباك على طارق فأردفت أمي :

ـ معك حق يا سهام... اجلس يا بني قليلا... خالك لن يتأخر...



تردد طارق لوهلة و هي يتمتم :

ـ و لكن...



جذبه ماهر من ذراعه ليجلسه على الأريكة القريبة :

ـ ليس هناك ولكن!



ـ لكن... هناك من ينتظرني في السيارة... سناء و زوجها ينتظران في الخارج!



تبادلنا نظرات واجمة في حين وقفت عمتي و هي تكاد تصرخ من فرط الانفعال :

ـ سناء في الخارج و لا تنزل لتسلم على أهلها؟؟



كانت قد قطعت نصف المسافة في اتجاه الباب حين أوقفتها أمي محاولة تهدئتها :

ـ اهدئي يا سهام... ربما كانت متعبة أو في حال لا تسمح لها بلقائنا... لا تغضبي منها...



ـ أية حال هذه التي تجعلها تقف خارج المنزل و لا تنزل من السيارة لمجرد إلقاء التحية! طارق... أحضر أختك إلى هنا حالا!!!



وقف طارق على مضض و هو يتمتم بكلمات غير مفهومة، في حين سيطر جو من التوتر على القاعة...

بعد لحظات ظهرت سناء تسبقها ضربات حذائها ذي الكعب العالي على الجليز... و لوهلة ظننت نفسي أمام نجمة من نجوم السينما الأمريكية و ليس أمام ابنة عمتي... فقد كانت تلف قامتها الممشوقة في معطف من الفراء، تطل من تحته تنورة قصيرة يكاد طولها يخفيها تحت المعطف... أما وجهها فكان لوحة زيتية قد يجدها عديمو الذوق "صرخة عصرية في عالم الماكياج"!!!



لم أصدق عيني... و أنا أراها ترفع خصلة من شعرها الملون لتعيدها إلى مكانها حتى لا تفسد تسريحتها... و قد بدا بالفعل أنها قادمة للتو من عند مصفف الشعر... و ربما كانت تقصد سهرة ما رفقة زوجها... فهما بطبيعة الحال قد جاءا للسياحة و الفرجة على جمال البلاد... و لا شيء يهمهما من العباد!



كانت تلك الأفكار تتوارد على ذهني و هي تقترب مني في خطواتها الرشيقة لتطبع قبلات على خدي في حركة مدروسة... و فلنقل لتلقي بقبلاتها في الهواء حتى لا تختفي طبقات أحمر الشفاه الكثيفة التي كلفت نفسها عناء شديدا لتكون كما هي عليه!!!



أحسست بأن التوتر قد تفاقم و ترددت النظرات الحيرى و هي تتصفح الوجوه... و فجأة ارتفع صوت رجالي غريب يهتف في مرح :

ـ هاااي...



انتبهنا إلى دخول الرجل إثر سناء... بالطبع، من عساه يكون غير مايكل!

سارعت سناء للتأبط ذراعه و هي تقول في سعادة واضحة :

ـ دعوني أعرفكم على مايك... مايكل زوجي... إنه لا يفهم العربية جيدا... لكنه يتقن بعض الجمل الخفيفة...



فأردف مايكل مؤيدا قولها :

ـ كيف حالكم جميعا؟



كان ماهر متحمسا و هي يجيبه بأنجليزية ركيكة مبديا حماسه :

ـ فاااين... أند يوووو...



ثم ارتفعت ضحكاتهما الصاخبة تحت نظرات أمي و عمتي المنزعجتين...



لم يطل مكوثهم فقد استأذنت سناء و هي تقول بأنها و زوجها مدعوان للسهرة عند بعض الأصدقاء... و عمتي مضطرة إلى المغادرة باكرا لأنهما سيحتاجان السيارة لبقية السهرة!!!



لكنني تمكنت من إقناع عمتي لتبقى سارة عندنا بضعة أيام، فقد لمحت في عيني المسكينة كلاما كثيرا... و علامات الانكسار و الضعف و هي ترى تصرفات أختها الغريبة أمامنا...



رافقت عمتي إلى باب الحديقة فالتفتت إلي قبل أن تفتح باب السيارة و قالت و في عينيها نظرة ذات معنى :

ـ سأرسل طارق إليكما غدا بالسيارة... فربما أردتما الخروج للنزهة بعد الظهر...

ساره الالفي
12-08-2009, 01:03 PM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ







جلست سارة على طرف السرير و هي ترسم على شفتيها ابتسامة حزينة... جلست إلى جانبها وربتت في لطف على ركبتيها و أنا أقول :



ـ و الآن... حدثيني بكل ما حصل معك في السنوات الماضية! كيف الحياة هناك و كيف الدراسة...






أطرقت سارة في خجل و هي تقول في تردد :



ـ الحمد لله...






أدركت أنها تخفي عني أشياء... أو أنها تخشى أن تصارحني بمشاعرها و إحساسها بحياتها... فمن الصعب أن نكشف خفايا حياتنا فجأة أمام عينين غريبتين... و من غير الهين أن نتبع الصراحة مع شخص تفصلنا عنه هوة عميقة حفرتها السنوات و الأيام الماضية...



أحسست بأنها لا يمكن أن تتحدث إن لم أشجعها، إن لم أبدأ أنا بمصارحتها بتطورات حياتي و بكل ما جد فيها






ـ تعلمين أنني دخلت كلية الطب كما أردت دائما... و الحمد لله فأنا الآن في الصف الثالث و أنا أستمتع جيدا بكل لحظة في دراستي... عالم الطب مميز جدا، فأنا أعيش مغامرة جديدة كل يوم، و أتعلم شيئا جديدا... فسبحان الله كيف خلقنا فأحسن تصويرنا...






هزت رأسها موافقة و قالت أخيرا :



ـ أنت محظوظة حقا يا مرام... فقد حققت ما أردته و درست الاختصاص الذي تمنيته. فقد كنت تتخيلين نفسك دائما طبيبة جراحة!






ابتسمت و أنا أتذكر تلك الأيام البريئة حيث كنا نلعب الطبيبة و مريضتها... ثم المدرسّة و تلميذتها... فقد كانت سارة تحلم بأن تصبح أساتذة علوم لأنها كانت تعشق معلمتها في المدرسة الإعدادية.




سألتها في اهتمام :



ـ و أنت هل تدرسين لتصبحي معلمة كما رغبت دائما؟






هزت رأسها علامة الإيجاب و هي تقول :



ـ الحمد لله أن الحصول على الأستاذية لا يتطلب مجموعا كبيرا أو تفوقا في الدراسة الثانوية...






ثم أضافت في حرج و هي تبتسم مطرقة :



ـ فأنت تعلمين أنني لا أملك نفسا طويلا مثلك... و لا يمكنني الصبر على سنوات الطب الطويلة، و مجموع الطب الكبير...






صمتت للحظات ثم استطردت :



ـ تعلمين... ربما علمتني الحياة في أمريكا أن أكون قنوعة... فمن المؤكد أنني لن أجد مركزا مناسبا لطموح كبير مثل طموحك، في ظل العنصرية، و إقصاء المحجبات من الوظائف الرفيعة...






نظرت إليها في دهشة :



ـ ما الذي تقولينه يا سارة؟ أليست أمريكا بلد الحرية و تساوي الفرص؟






ـ ربما كانت كذلك... لكنها بالنسبة إليّ سجن كبير... ففي أية وظيفة مرموقة ينظرون إلى الشكل كثيرا و يهمهم أن تتعامل المرأة مع الرجال بصفة يومية... و عليها طبعا أن تكون منطلقة و مبتسمة، و خفيفة الظل، فتبادلهم النكات و لا تمانع إن ربت أحدهم على كتفها أو عانقها في "أخوة" و براءة! أو ما يعبرون عنه بالانفتاح و الزمالة و ما إلى ذلك!!!






ـ و لكنك لست مضطرة إلى مجاراتهم فيما يفعلونه! بإمكانك أن تكوني منشرحة و منطلقة و مبتسمة... و لكن على طريقتك! على طريقة الفتاة المسلمة الحيية التي تفرض احترامها! فالوحدة و الانعزال عن العالم ليسا الحل!






عقدت سارة حاجبيها في استياء و هي تقول :



ـ لا يبدو أنني سأنجح في مهنة التدريس إلا إن انضممت إلى مدرسة إسلامية للبنات...






ـ لا يا سارة... أنت قادرة على النجاح في أي مكان تكونين فيه، عليك فقط أنت تتحلي بقدر عال من الثقة في قدراتك... و أن تضعي نصب عينيك أنك تلعبين دورا هاما في التعريف بديننا هنالك! فالمرأة المسلمة ليست ممنوعة من الخروج و المشاركة في الحياة العلمية و الاجتماعية، بل أنها تلعب دورا هاما في وقتنا الحاضر، و المستقبل سيكون مشرقا بإذن الله...






ابتسمت سارة في أسى :



ـ مرام، أنت تعلمين أنني لست من ذاك النوع من الفتيات... كنت انطوائية منذ الصغر... و قد تعمق ذلك في طبعي في السنوات الأخيرة... و ربما لست مستعدة لأي تغيير...






أطرقت للحظات ثم أردفت :



ـ منتهى طموحي الآن أن أتم دراستي ثم أتزوج و أتفرغ لتربية أبنائي... لست أريد من الحياة شيئا آخر...






نظرت إليها في دهشة و حيرة :



ـ لم أكن أتوقع أن الحياة في أمريكا ستؤثر عليك بهذا الشكل! ظننت أنك ستزدادين انفتاحا على الحضارة الغربية... ليس إلى درجة سناء... و لكن أن تدخلي عالما جديدا، أن تتسع آفاقك و تكبر طموحاتك مع اتساع محيطك و نمو معارفك... لكن يبدو أن التأثير كان عكسيا تماما!




حدقّت في سارة و قد تجمعت العبرات في مقلتيها ثم هتفت باكية و هي ترتمي على الفراش :



ـ أريد العودة إلى الوطن... سئمت من حياتي هناك! طارق محظوظ لأنه يملك تقرير مصيره و يقدر على اتخاذ قراره بمفرده... لكن أنا...




ربتت على كتفها و في عيني نظرة متفكرة :



ـ سأتحدث مع عمتي في الأمر... ما رأيك بالإقامة عندنا؟






رفعت رأسها في لهفة ما لبثت أن خبت في عينيها و هي تهمس :



ـ أبي لن يوافق أبدا!






ـ عمي محمود؟ لماذا؟!






ـ طارق لا يزال في صراع معه من أجل العودة النهائية... فهو يرى المستقبل واعدا له هنالك... وطارق لم يعد يطيق البقاء! تعرفين... بعد زيارته الأخيرة للبلد، طارق تغير كثيرا... ربما كان في حاجة إلى فترة استراحة من حياة الغربة كي يوقن بأنه لم يحسن اختيار سبيله في البداية... أنا سعيدة جدا من أجله... لكنني لا أملك نفس شجاعته و قدرته على صنع التغيير في نفسه و في نفوس من حوله... لا أستطيع أن أتحمل مسؤولية قرار... لا أستطيع...






التمعت في عيني فكرة و أنا اهتف :



ـ دعي الأمر لي...






في تلك اللحظة رن هاتفي الجوال. إنه شخص آخر وعدته بإيجاد حل لمشكلته و ها أنا لا أزال عالقة!



ـ حبيبتي راوية... كيف أنت الآن؟






كان صوتها متعبا و هي ترد :



ـ لا شيء جديد... كيف تسير الأمور معك؟






ـ اسمعي... ما رأيك في الخروج معنا غدا؟ سيكون من الممتع أن نقوم بنزهة في الغابة المجاورة...






ـ"معكم"؟ من أنتم؟






ـ آآ... لم أخبرك أن ابنة عمتي سارة عندنا هاته الأيام...






ـ آه... طيب... لا أريد أن أزعج لقائكم العائلي... إن شاء الله في فرصة قادمة...






ـ لا تقولي هذا يا راوية... ليس هنالك من إزعاج أبدا... ستحبين سارة جدا... إنها في مثل عمرنا، و هي أيضا مشتاقة إلى التعرف عليك... أليس كذلك يا سارة؟






هزت سارة رأسها موافقة، و أجابت راوية في تردد :



ـ حسن... سأحاول...






ـ لا، لا... أنت ستأتين معنا لا محالة... سأنتظرك صباح الغد... نريد أن نستمتع بيومنا!






ربما لم أكن قد وجدت الحل المناسب لكليهما، لكن النزهة ستساعد على إزالة حالة التوتر و تغيير الجو لبعض الوقت... و ربما تفرج فيما بعد!






انتبهت على صوت سارة و هي تسألني على استحياء :



ـ كيف يمكن للفتاة أن تكون منطلقة و متفتحة، و تحافظ على دينها و أخلاقها الإسلامية في آن واحد؟






نظرت إليها في دهشة... فلم أكن أمتلك وصفة سحرية أعطيها إياها، لكنها قناعة لدي بأن الإسلام ليس حاجزا بين المرأة و بين طموحاتها، بل هو السبيل إلى أن تحفظ كرامتها و حشمتها و تحقق ذاتها في نفس الوقت...



ـ يا حبيبتي يا سارة... المرأة في الإسلام كانت العالمة و الطبيبة و السياسية و هنالك نماذج كثيرة عرفناها على مر التاريخ...






بدا لي أن كلامي مبهم و مغرق في المثالية و العمومية فاستدرك بسرعة :



ـ ربما يبدو الاستشهاد بالأمثلة التاريخية نوعا ما بعيدا عن واقعنا المعيش... فالظروف تغيرت بالتأكيد... لكن الدين يبقى قابلا للتطبيق في كل زمان و مكان...






قاطعتني سارة في حيرة و نفاذ صبر :



ـ هلا أعطيتني أمثلة تطبيقية؟






هرشت مقدمة رأسي في تفكّر ثم قلت :



ـ حسن... في حالتك أنت مثلا... في كليتك تقام بالتأكيد لقاءات ثقافية و تظاهرات عامة، هل فكرت مرة في حضورها؟






بدا على عليها الارتباك و هي تهمهم :



ـ في الحقيقة... لا أهتم بمثل تلك الأشياء... في الكلية أكتفي بحضور الدروس و حسب!






هززت رأسي و أنا أقول :



ـ يا عزيزتي... إن أول خطوة لتجاوز العزلة و الانطواء هي أن تحاولي المشاركة في مثل تلك التظاهرات، حيث لا يلاحظك أحد و يمكنك أن تراقبي الناس و هو يتكلمون و يتناقشون! تتعلمين منهم في صمت... حاولي أيضا أن تنضمي إلى بعض النوادي الجامعية، حتى تنمي مهاراتك في التواصل و المشاركة في الأعمال الجماعية... إن المشاركة أمر ضروري جدا، لأنك في حياتك المهنية ستجدين نفسك في مواقف حيث التعاون عامل لا يمكن تجاوزه... كما أن عليك أن تتعلمي كيفية مواجهة العالم دون خوف، و كيفية اتخاذ قراراتك الشخصية دون توجيه أو إملاء من أحد! فالمرأة كيان مستقل و لا يمكن أن تظل تابعة لكيان الرجل إلى ابد، سواء كان أبا أم أخا أم زوجا! فلا تظني بأنك بزواجك ستتخلصين من سلطة والدك و تتحررين، لأنك ستركنين إلى سلطة جديدة هي سلطة الزوج، و إن لم تتمكني من ترسيخ معنى وجودك من الآن، فلن يتغير الوضع أبدا... بل ربما يصبح أسوأ إن وقعت على زوج لا يخشى الله فيك!






رأيت القلق و الجزع في عينيها و هي تهتف في توسل :



ـ ولكن كيف أتغير يا مرام...كيف؟!






أمسكت بكفها بين كفي في حنان و أنا أقول :


ـ يجب أن تأتي للعيش معنا...

ساره الالفي
12-08-2009, 03:43 PM
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ







ارتفع صوت منبه السيارة في الخارج، فالتفتت إليّ سارة مبتسمة :

ـ يبدو أن طارق قد وصل!



تبادلت و راوية نظرة ذات معنا، ثم قمنا ثلاثتنا لجمع حاجياتنا. همست راوية في قلق:

ـ هل سيرافقنا طوال النزهة؟



ـ لا تخافي... سيوصلنا و ينصرف... ثم ستتصل به سارة ليأتي لأخذنا بعد بضع ساعات. لقد تغير يا راوية، إنه مختلف جدا عن الشاب الذي رأيته معي أمام الكلية السنة الماضية



غمزتني راوية في دعابة و هي تهمس :

ـ إذن فهو يروق لك... أليس كذلك؟



دفعتها دفعة صغيرة في غيظ و قد احمر وجهي بعض الشيء و هممت بأن أزجرها حين التفتت إلي سارة متسائلة :

ـ هل هنالك شيء ما؟



لوحت بكفي في نفي و أنا أهتف :

ـ لا شيء يا عزيزتي... راوية فقط تحاول إغاظتي...



ـ إذن تعالين نصعد إلى السيارة... طارق ينتظر!



جلست سارة على المقعد المجاور للسائق، في حين جلست في راوية في المقاعد الخلفية. حيانا طارق في أدب جم، ثم أدار محرك السيارة و انطلق و الصمت يخيم علينا. بعد بضع دقائق همست راوية في أذني بصوت خفيض :

ـ يبدو رزينا جدا هاته المرة!



ابتسمت و أنا أهز رأسي موافقة. في تلك اللحظة التفت طارق إلينا مبتسما و هو يقول :

ـ يسعدني أن سارة وجدت أخيرا من يقنعها بالخروج و الاستمتاع بوقتها... فهي قليلة الخروج، و ترفض بطبيعة الحال أن تخرج معي حتى لا يظن الناس أنني صديقها!



ابتسمنا جميعا في حين احمر وجه سارة و همست :

ـ ليس هنالك ما يدعوني في الخروج هناك... فما إن يرى الناس الشمس حتى يلقوا عنهم ملابسهم بلا خجل...



هز طارق رأسه و هو يقول :

ـ نعم... لا حول و لا قوة إلا بالله...



بادرته مسرعة :

ـ بما أنك تنوي الاستقرار في البلد، فلم لا تقنع عمي محمود بعودة سارة معك؟ ستكون بأفضل حال هنا!



ابتسم طارق دون أن يلتفت و أجاب :

ـ كنت أفكر في الأمر نفسه... فهي في حاجة إلى حياة اجتماعية سليمة... و إلى صحبة صالحة تساندها، بدل أن تعيش غربة مضاعفة...



لم أتمالك نفسي أن صفقت في فرح و أنا أقول :

ـ سأحاول أيضا أن أتحدث إلى عمتي... ما رأيك يا سارة؟



بدا الفرح على محيا سارة، لكنها ابتسمت في قلق و هي تقول :

ـ آمل أن يوافقا...




وصلنا إلى المنتزه فقفزنا من السيارة في فرح حاملات سلة اللّمجات و المفرش و زجاجات المياه، في حين انصرف طارق على أن يعود لاصطحابنا بعد ساعات ثلاث... كانت سارة أكثرنا انطلاقا فقد أخذت تركض هنا وهناك على الأرض المعشوشبة تطارد الفراشات الملونة كأنها طفلة صغيرة تخرج للحقول للمرة الأولى، ثم استلقت في إعياء تحت شجرة ضخمة و راحت تتأمل السماء الصافية في انشراح واضح و أشعة الشمس تداعب بشرتها السمراء و تدفئ ملامحها الشرقية التي جمدتها قسوة الشتاء الأمريكي... رأيت على شفتيها ابتسامة عذبة ذكرتني بأيام الطفولة الخالية.



وقفت راوية و هي تقول :

ـ سأشتري بعض الحلويات من المحل المقابل و أعود حالا...



هتفت و أنا أراها تبتعد :

ـ لا تتأخري و إلا فلن تجدي لمجتك!



ضحكت سارة و هي تلتفت إليّ :

ـ أنت محظوظة بصديقة مثل راوية!



ابتسمت في ود و أنا أقول :

ـ نعم... بالفعل... إنها أفضل صديقاتي و ألزمهن لي منذ الدراسة الثانوية... و ستكون صديقتك أيضا! خاصة إن بقيت للإقامة معنا! سنستمتع معا كثيرا، أنا واثقة!



لبثت وسارة نلهو في مرح ونتراشق بوريقات الشجر التي تساقطت عند الجدع... و مرت الدقائق سريعة.
انتبهت إلى أن راوية لم تعد بعد... محل الحلويات ليس بعيدا أبدا... فقد لمحته ونحن ننزل من السيارة.
حاولت أن أتصل بها على هاتفها الجوال، لكنني لم أتلق أي جواب...
كان القلق قد بدأ يتسلل إلى قلبي، و بدأت سارة تلاحظ انقباضي :

ـ راوية تأخرت!



ـ هل نذهب للبحث عنها؟؟



ما إن وصلنا إلى الباب الأمامي للمنتزه حتى فاجأنا مشهد غير متوقع... كان من الواضح أن معركة ما وقعت منذ لحظات قليلة! و أغرب ما في الأمر هم الأشخاص الذين دارت بينهم المعركة، فقد كان طارق يقف قبالتنا و هو يلوي ذراع شاب آخر و يثبته و وجهه إلى الحائط! في حين كان الشاب يتلوى من الألم و يئن طالبا الصفح!



و غير بعيد عنهما كانت تقف راوية و هي تضم ذراعيها إلى صدرها و جسدها يرتعش في ذعر...ركضنا نحوهما في جزع.
كانت عينا راوية مغرورقتين بالدموع، أمسكت بذراعها في قلق و أنا أهتف :

ـ ما الذي يحصل؟



انفجرت راوية باكية و لم تنبس ببنت شفة. التفتت إلى طارق الذي كان وجهه متجهما و حاجباه معقودين و الغضب باد في عينيه، فقال في حزم :

ـ ستصل الشرطة بعد لحظات... من الأفضل أن تذهبن إلى السيارة!



ثم رمى إلي بالمفاتيح دون أن يعلق...



كان صاحب محل الحلويات يطل من وراء طاولته في فضول. و حين لمح علامات الحيرة على وجوهنا هتف مخاطبا إياي :

ـ ذاك الصعلوك و صديقه كانا يحاولان الاعتداء على الآنسة... لكن الآخر هرب حين وصل هذا الشاب الشهم... بارك الله فيك يا بني...



نظر إليه طارق نظرة ذات معنى و هو يقول :

ـ لكنك لن تشهد بهذا أمام الشرطة... أليس كذلك؟



التفتنا إليه جميعا في دهشة فواصل في حزم :

ـ لا فائدة من جر الآنسة إلى التحقيقات... ستقول بأنهما حاولا سرقة محفظتي... ما رأيك؟



هز الرجل الطيب رأسه موافقا بلا تردد و هو يهتف من جديد رافعا صوته بالدعاء لطارق و مثنيا على أخلاقه و شهامته...



جلسنا في السيارة ننتظر في حين لم تكف راوية عن البكاء و الارتجاف...

ـ أخبريني ما الذي حصل بالضبط؟



أجابت راوية في إعياء :

ـ حين خرجت من المنتزه أحسست بأن شخصا ما يتبعني... تظاهرت باللامبالاة و أسرعت الخطو... لكن فجأة أحسست بيد تجذبني من ذراعي و ظهر أحدهما أمامي دون سابق إنذار و هو يتفوه بكلمات معاكسة بذيئة... ذعرت و هممت بالصراخ، لكن الثاني كان يكمم فمي و يحاول حملي من خصري إلى داخل المنتزه حيث الأشجار كثيفة مما يمنع رؤية ما يحصل في الظل... أحسست بهلع شديد و أخذت أتململ بقوة محاولة الإفلات... و بالفعل نجحت في التخلص من قبضته و جريت لخطوات قليلة، لكن أحدهما لحق بي قبل أن أتخطى البوابة الرئيسية و شدني بشدة إلى أن مزق سترتي...



و هنا أزاحت ذراعيها الذين كانا ملتصقين بصدرها لتخفي القطعة التي تمزقت من ثوبها... ثم واصلت قائلة :

ـ ثم لطمني على وجهي في قسوة كادت تفقدني وعيي، و أحسست بقواي تخور حتى لم أقدر على المقاومة... لست أدري ما الذي حصل بعد ذلك، فقد وجدته يفلتني فجأة مثلما هاجمني... كان أحدهما يركض مذعورا و الآخر يقع على الأرض صريعا... ثم رأيت وجه طارق أمامي يسألني إن كنت بخير...



كانت سارة تستمع إليها في انفعال واضح و تهتف في سرور باد من شجاعة أخيها و قوته... أما أنا فقد كنت أحس بفخر حقيقي بابن عمتي و موقفه الشهم...

لكنني لم أستوعب شيئا واحدا : كيف ظهر في الوقت المناسب؟ و ما الذي جعله يعود أدراجه بعد أن تركنا في المنتزه؟؟

ساره الالفي
12-08-2009, 03:44 PM
ـــــــــ*×*ـــ((6))ـــ*×*ـــــــــ





انتظر طارق وصول سيارة الشرطة، و قص عليهم الحادثة حسب روايته المختلقة، و شهد صاحب المحل كما أراد. لم يتجرأ الشاب المعتدي على النفي أو الاعتراض لأن عقوبة الاعتداء بالتأكيد ستكون أكبر من مجرد الشروع في السرقة!



استأذن طارق من العون المشرف على التحقيق ليوصلنا إلى المنزل على أن يتصل فيما بعد بمركز الشرطة ليدلي بشهادته...



التفتت سارة في انفعال إلى أخيها و هو يتخذ مقعده في مكان السائق في سرعة و يدير محرك السيارة في عصبية :

ـ كنت رائعا يا طارق! لقد فاجأتني بتصرفك السريع و المدهش!


لبث طارق صامتا للحظات و قد بدا عليه التوتر ثم قال في شبه همهمة :

ـ لم يعد هناك أمان في البلد...



ران علينا الصمت من جديد و تبادلت و راوية نظرات قلقة. استطرد طارق :

ـ لو لم أعد في اللحظة المناسبة، لكان حصل ما لا تحمد عقباه... كنت أحس بقلق غريب من هذه النزهة منذ البداية و لم أشأ أن أترك ثلاث فتيات بمفردهن في تلك المنطقة الخالية، لكنني في نفس الوقت لم أرد تقييد حريتكن... فانصرفت بالفعل، لكن ما إن ابتعدت عن المنتزه بضعة كيلومترات حتى سمعت رنين هاتف جوال في السيارة... كان هاتف الآنسة راوية قد وقع منها تحت الكرسي... فوجدت الفرصة مواتية حتى أعود و أتفقد المكان... و الحمد لله أن كان سببا في عودتي سريعا...



استعادت راوية هاتفها و هي تمتم بكلمات الشكر و الامتنان...



وصلنا إلى المنزل و نزلت راوية معنا حتى تتمالك أنفاسها و تغير ملابسها... فوالدة راوية ستقلق كثيرا إن رأت ابنتها في تلك الهيئة، أضف إلى ذلك أنها قد تمنعها من الخروج و تفرض عليها حصارا إن علمت بأنها تعرضت إلى محاولة اعتداء في نزهتها معنا...

ظل طارق في السيارة و رفض الدخول إلى المنزل. كان يبدو على وجهه علامات التفكير العميق كأن موضوعا جللا يشغل باله...



خرجت سارة لتقدم له كأسا من الماء و هو لا يزال في السيارة، ثم عادت بعد لحظات لتدخل علي في غرفتي، حيث جلست إلى راوية أحاول التخفيف عنها وقع الصدمة. اقتربت مني سارة في هدوء و همست في أذني كأنها تخشى إزعاج راوية و هي في حالتها تلك :

ـ طارق يريد أن يتحدث إليك...



نظرت إليها في دهشة :

ـ إلي أنا؟


ـ نعم، إنه ينتظرك في الحديقة...


ـ ألم يقل لك ماذا يريد؟


هزت كتفيها و مطت شفتيها علامة جهلها بما أسأل عنه، فهمست و أنا أقوم من مجلسي :

ـ ابقي إلى جانب راوية حتى أنظر ما يريد...


خرجت إلى الحديقة و أنا أسترجع عبارات عمتي الغريبة في لقائنا الماضي و تلميحاتها التي تقترب من التصريحات... هل يكون الأمر كذلك؟؟


كان طارق يقف قرب الباب الخارجي و قد أطرق إلى الأرض في اهتمام واضح. ما إن سمع وقع خطواتي على الممشى حتى رفع رأسه و رسم على شفتيه ابتسامة أقرب إلى الحزن منها إلى السرور و قال في صوت هادئ رصين :

ـ آسف على إزعاجك في مثل هاته الظروف...


أجبت في صوت خفيض :

ـ لا بأس...


سألني في اهتمام :

ـ كيف حال راوية الآن؟


ـ إنها أحسن حالا... هدأت بعض الشيء، لكن تأثير الصدمة لم يكن هينا...


هز رأسه في تفهم، فأردفت قائلة :

ـ بارك الله فيك... فقد كان تدخلك رائعا...


اكستى وجهه حمرة خفيفة و هو يتمتم في خجل :

ـ لم أقم إلا بالواجب، و هو ما كان سيقوم به أي شخص آخر شهد الحادثة...


ثم أضاف في صوت بدا فيه الغضب :

ـ لكن من المؤسف أن الشاب الثاني أفلت من قبضتي...


ابتسمت و أنا أقول مطمئنة :

ـ الشرطة ستقوم بالواجب... كما أنني لا أظن شريكه سيتستر عليه طويلا...


ران علينا الصمت من جديد قبل أن يرفع طارق رأسه من جديد قائلا :

ـ مرام... هنالك موضوع ما أود أن أحدثك عنه...


تسارعت دقات قلبي و أنا أرد في حذر :

ـ خيرا إن شاء الله...


تابع في لهجة مطمئنة :

ـ كل الخير إن شاء الله... أنت تعلمين يا مرام أن حياتي تغيرت كثيرا في الشهور القليلة الماضية... و لا أنكر أن التغيير الذي طرأ في نفسي هو بفضلك بعد فضل الله تعالى... فقد فتحت عيني على حقائق كثيرة لم أكن أعيرها اهتماما، و قد وعيتها في زيارتي الأخيرة إلى بيتكم بعد أن رأيت تغيرك أنت...


قاطعته قائلة :

ـ أرجوك يا طارق... لا تنسب إلي أي فضل، فأنا لم أفعل شيئا على الإطلاق... لكن فطرتك السليمة و وعيك بالخطأ الذي كنت عليه هو ما دفعك إلى مراجعة نفسك و إعادة النظر في سير حياتك... و زيارتك لنا لم تكن إلا سببا من الأسباب، و الله يسوق لك السبب المناسب، حتى لو كنت بقيت في أمريكا، فربما كان حدث آخر سيصنع التغيير...


ابتسم و هو يصغي إلى كلماتي و أردف بعد لحظات من الصمت :

ـ الحمد لله على كل حال... الحمد لله مجري السحاب و مسبب الأسباب... المهم الآن... أنت تعلمين أنني عزمت على العودة إلى أرض الوطن للاستقرار بصفة نهائية...


هززت رأسي علامة الإيجاب و أنا أنتظر بقية كلامه في وجل فواصل قائلا :

ـ و أعني بالاستقرار، الاستقرار المهني... و العائلي أيضا...


بدا عليه التردد للحظات و قد تعلق بصره بالأرض :

ـ فأنا في حاجة إلى أن أبدأ مشواري هنا على أسس سليمة و... ربما كنت في حاجة أكثر إلى شريكة حياة تساندني و تقف إلى جانبي لتحقيق طموحاتي... فالاستقرار النفسي و العاطفي، كما تعلمين، مهم جدا لتحقيق النجاح على جميع الأصعدة...


يا إلهي... إنه يتحدث عن موضوع الزواج بالفعل! لم يعد بالإمكان تغيير الموضوع بعد الدخول في صلبه! ولكن إلى أين سيأخذنا هذا الحديث يا ترى؟!


بدا على طارق الإحراج و هو يتابع :

ـ ربما بدا لك الوقت غير مناسب... لكن الأمر لا يتحمل التأجيل بالنسبة إلي، و ربما لا تحين فرصة أخرى في الأيام القادمة... لذا غامرت بمفاتحتك في الموضوع حتى تكون خطواتي المستقبلية على بيّنة... فأنا أبحث في الوقت الحالي عن موقع مناسب لفتح مكتبي الجديد... ثم سأقوم بتهيئة الطابق الثاني من منزل العائلة حتى يكون عشا للزوجية... لذا فمن الضروري أن تكون زوجتي المستقبلية على علم أيضا حتى تستعد هي الأخرى...


صمت طارق، فسكتت بدوري و أنا أتساءل في سري : أي جواب ينتظره مني؟!

ما هذه الورطة التي وضعني فيها؟ كيف سأصده هاته المرة دون أن أجرح مشاعره؟

ظننته استوعب الدرس في المرة الماضية، فإذا به يعود... و بجرأة أكبر هاته المرة!

صحيح أنه تغير... و ربما يظن أن علاقتي بحسام لم تثمر، خاصة بعد أن صرحت أمي بأنني في حل من أية علاقة...

ما العمل إذن؟؟


مضت ثواني قليلة قبل أن يتمالك طارق نفسه و يستعيد رباطة جأشه ليقول في صمت كالهمس :

ـ مرام... هلا فاتحت صديقتك راوية برغبتي في الارتباط بها...


للحظات لم أصدق أذني... راوية؟! غير معقول!!!http://forum.amrkhaled.net/images/smilies/marsa138.gifhttp://forum.amrkhaled.net/images/smilies/marsa138.gifhttp://forum.amrkhaled.net/images/smilies/marsa138.gif

انفرجت شفتاي و هممت بقول شيء ما لكن الدهشة كانت قد عقدت لساني و لم أملك التعليق بكلمة... هل هو جاد فعل؟! إذن فهو لم يفكر فيّ أنا بل في صديقتي راوية!! لكن منذ متى؟ و كيف؟ لكن عمتي... هل تعلم بما يزمع القيام به؟!


لاحظ طارق الدهشة التي اكتست ملامحي، و فمي الذي ظل مفتوحا في بلاهة دون أن أنبس ببنت شفة فأردف موضحا :

ـ ربما تقولين بأنني لا أعرف راوية جيدا و لم أرها كثيرا، فكيف قررت خطبتها... لكنني رأيتها بضع مرات... المرة الأولى كانت في زيارتي السابقة، أمام كليتك... و قد لاحظت حياءها و حسن تعاملها... لكنني في الحقيقة أعتمد أكثر على كونها صديقتك المقربة! لذا أعتقد أنها ستكون في مثل خلقك و التزامك...


تضرجت وجنتاي و أطرقت هامسة :

ـ حسن... سأفاتحها في الموضوع قريبا... لكن ربما كان وضعها غير مناسب اليوم...


هز رأسها موافقا و قال :

ـ أعتمد عليك في تحيّن الفرصة المناسبة...


انصرف طارق و لبثت واقفة مكاني بالحديقة، متفكرة... هل من الممكن أن تنسى راوية قصة جاد بسهولة و توافق على طلب طارق؟!

هل من الممكن أن توافق لمجرد العرفان بالجميل بعد أن أنقذها من محاولة الاعتداء؟

كما أن طارق مستعجل على الزواج... و راوية لا تزال في السنة الثالثة من دراستها الجامعية. فهل سيكون الزواج في مثل هاته المرحلة خيارا مناسبا بالنسبة إلى دراستها و مستقبلها المهني؟

على أية حال... الأمر لها قبل كل شيء... فلم أشغل بالي قبل مشاورتها!




تمت الحلقة العاشرة بحمد الله

ساره الالفي
12-08-2009, 03:49 PM
إن استطاع أحد التعبير عن البراعة فهو تحد كبير
بل إن التحدي الحقيقي هو المرور دون الدعاء لك بالخير الوفير
فلندعوا الله لك باخير والتوفيق


جزاكي الله خيرا على تلك الكلمات الجميله
واتمنى أن تباعي معنا باقي الحلقات


رائع منتظرين المفاجات

وفقكي الله


وفقنا الله وإياكي أختي في الله
مشكوووره لمرورك العطر


خلاص انتى كده كريمة جداااااااااااااااااا
المرة الجاية بقى ان شاء الله تنزلى 15 ماشى
الا بالمناسبة هى كام حلقة ؟

هههههههههههه
كده كتير اووووي يا أسماء

هي 14 حلقه

asma22
13-08-2009, 09:41 AM
ايون كده يا سارة متشوقين لمعرفة باقى الاحداث
حاسة ان طارق ده بقى غريب جدااااااا وخصوصا طلبه للارتباط براوية
لما نستنى نشوف اللى هيحصل ان شاء الله بس برده جاد احسن من طارق

بنت دمنهور
13-08-2009, 04:14 PM
ايه ده الحكاية اتعقدت معقول هيترفض للمرة التانية

لما نشوف

منتظرين الياقي

المسلمة الرقيقة
13-08-2009, 09:18 PM
بجد الاحداث اتغيرت 360 درجة
الجمااااااااال ده:028ja7::028ja7::022yb4::022yb4::022yb4::022yb4:
بس ماتتأخريش تاني لان الحلقات بات بجد مدهشة
وفقك الله;);) وجزاك الله خيرا

ساره الالفي
14-08-2009, 12:56 AM
ايون كده يا سارة متشوقين لمعرفة باقى الاحداث
حاسة ان طارق ده بقى غريب جدااااااا وخصوصا طلبه للارتباط براوية
لما نستنى نشوف اللى هيحصل ان شاء الله بس برده جاد احسن من طارق


اه فعلا معاكي حق يا أسماء انا عن نفسي بحس إنه عاوز يثبت نفسه لمرام خصوصا بعد تغيره المفاجيء ده

وفعلا انا بحس إن جاد أفضل بس متنسيش إن في مشاااااااااااااااااكل كتير أووووي هتحصل لو راويه وافقت على جاد خصوصا إن مامتها مش موافقه وباباها كمان

تعالي نشوف إيه المفاجأااات اللي جايه :bosyht9:


ايه ده الحكاية اتعقدت معقول هيترفض للمرة التانية

لما نشوف

منتظرين الياقي

الله أعلم هل روايه هترفضه ولا لاء
بس أعتقد لما تشوفي الحلقه الجايه الإجابه هتوضح:friendsxs3:


بجد الاحداث اتغيرت 360 درجة
الجمااااااااال ده:028ja7::028ja7::022yb4::022yb4::022yb4::022yb4:
بس ماتتأخريش تاني لان الحلقات بات بجد مدهشة
وفقك الله;);) وجزاك الله خيرا


اهلا أهلا بالمسلمه الرقيقه نورتي اليوميات
فغلا الأحداث إتغيرت كتير بس 180 درجه بس بعد الحلقه الجايه ممكن تبقى 360 :p
من عيوني إن شاء الله مفيش تأخير تاني وتابعينا

ساره الالفي
14-08-2009, 01:01 AM
الحلقة الحادية عشر


ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ




موافقة...

لم أصدق أذنيّ و أنا أسمع تلك الكلمة، و اتسعت عيناي عن آخرهما و أنا أحملق في الفراغ، و قد ارتخت يدي عن سماعة الهاتف التي كانت في يميني... هتفت في تنبيه :
ـ راوية، هل فكّرت جيدا في قرارك؟ لا تتسرعي... إنه زواج و ليس لعبة!

جاءني صوتها و قد شابه بعض التردد :
ـ إنها موافقة مبدئية يا مرام... ثم فترة الخطبة ستمكن كلينا من اتخاذ القرار النهائي... أليس كذلك؟

قلت في قلق :
ـ و جاد؟ ماذا عنه؟

أجابت راوية في استغراب :
ـ ماذا عنه؟

هتفت من جديد و الدهشة تغمرني :
ـ هل نسيته بسرعة؟ ألم تكوني تعيشين في أرق و سهاد متواصل لأنك ظننتك أنك تسرعتِ في رفضه؟

تنهدت راوية تنهيدة قصيرة و قالت :
ـ حين فكرت في الأمر أكثر، وجدت أنني قد أغامر طويلا و أحارب عائلتي و أهلي و أهله إلى أجل غير مسمى من أجل هدف غير مضمون... و قد أرفض خطابا كثيرين في انتظاره، ثم لا يكون هنالك نصيب! لذا فقد استخرت الله و قررت الموافقة على طارق... و إن لم نكن متوافقين فسيظهر ذلك جليا في فترة الخطوبة. ما رأيك؟

تنهدت في تسليم... لم أكن أستطيع أن أقول أية كلمة أخرى! راوية لم تكن تعلم عن مشاعر طارق السابقة ناحيتي... و لم أملك أن أخبرها عن شيء منها حتى لا تساورها شكوك في نواياه... لكنني في نفس الوقت كنت متخوفة منه.

و خطرت على بالي كلماته الأخيرة في الحديقة... حياني و ابتعد باتجاه الباب الخارجي، لكن قبل أن يختفي تماما، التفت نصف التفاتة و همس مبتسما، نفس الابتسامة المرة التي لمحتها على شفتيه حين مغادرته منزلنا منذ بضعة أشهر :
ـ وفقك الله مع حبيبك...

ثم انصرف دون أن ينتظر تعليقي... أما أنا فقد وقفت مشدوهة، لا أدري ما علي عمله أو قوله!

أخرجني نداء أمي القادم من خارج الغرفة من تخيلاتي فقلت لراوية :
ـ حسن، أتركك الآن... نداء عاجل من والدتي... أراك لاحقا... السلام عليكم و رحمة الله...

وضعت السماعة في نفس اللحظة التي أدارت فيها أمي مقبض الباب و هي تقول مبتسمة :
ـ عندك ضيوف...

ثم ظهرت من خلفها دالية و على شفتيها ابتسامة واسعة. قفزت من مكاني و سارعت إلى معانقتها في فرح :
ـ ما هذه المفاجأة الرائعة! و أخيرا ظهرت!!

جلست إلى جانبي على السرير و هي تقول :
ـ لا تعلمين يا مرام كم كنت مشغولة في الفترة الماضية...

هززت رأسي في عتاب و قلت :
ـ طبعا مشغولة عن كل الناس... فتختفين بكل بساطة، و إن اتصلت بك تقول أمك بأنك خرجت إلى مكان ما... و لا تكلفين نفسك عناء الاتصال فيما بعد! حتى في الكلية لا تظهرين بتاتا... ما الأمر يا دالية؟ أنت تخفين شيئا ما!

احمر وجه دالية و هي تطرق في خفر و قد علت شفتيها ابتسامة جذلة...
حملقت فيها في دهشة :
ـ انطقي بسرعة، فقلبي يحدثني بأمر جلل!

ضحكت دالية ضحكة قصيرة وقالت :
ـ في الحقيقة... كنت أجهز... لزفافي...

ظهرت علي علامات عدم التصديق و قلت في بلاهة غير مقصودة :
ـ زفاف من؟!

ضحكت من جديد و قالت معتذرة :
ـ حدث كل شيء بسرعة شديدة، و لم تكن لدي فرصة لأخبرك... أنا آسفة حقا لأنني لم أخبرك في الإبان...

عانقتها في فرح حقيقي و أنا أقول مهنئة :
ـ ألف مبروك يا حبيبتي... مع أنني أعتب عليك كثيرا! لكن اشرحي لي بالتفصيل، من هو و كيف حصل ذلك... ولماذا و متى ووو...

اعتدلت في جلستها و قالت :
ـ حسن... في الحقيقة هو أحد أقربائنا... لكنه سافر للدراسة ثم العمل في كندا، و لم أكن قد رأيته منذ فترة طويلة... لكن أمه تزورنا باستمرار و هي من صديقات أمي المقربات... و قد طلب منها مؤخرا بأن تبحث له عن زوجة مناسبة، فوقع اختيارها علي! فسأل أبي عن العريس عن طريق أحد معارفنا في كندا... ثم تمت الموافقة!

نظرت إليها في دهشة و هتفت :
ـ و أنت ما رأيك في العريس؟

اكتسى وجهها حمرة من جديد :
ـ يقولون بأنه على قدر من التدين و الأخلاق... و مستواه الاجتماعي جيد... يعمل مهندسا في شركة مرموقة في كندا... وسيم و أنيق...

عاجلتها بسؤال ثان :
ـ هل رأيته؟
ـ كنت أعرفه في الصغر... ثم رأيته في الصور... ثم التقينا منذ أسبوع حين جاء للقاء أبي...

ـ هل تحدثت إليه؟

ـ قليلا... كان مستعجلا نوعا ما... و عليه الاهتمام بالكثير من الترتيبات قبل السفر... فهو سيبقى هنا ثلاثة أسابيع فقط، سيتم خلالها عقد القران... على أن يقام الزفاف في أجازته المقبلة...

هتفت في استغراب شديد :
ـ أية معاملات من الممكن أن تكون أكثر أهمية من الجلوس إلى زوجته المستقبلية و التعرف عليها عن كثب؟!

خطر على بالي سؤال آخر بدا لي ملحا :
ـ كم عمر العريس؟

بدا عليها الارتباك و هي تقول :
ـ فارق السن ليس مهما... فكلما كان الرجل أكبر، كلما كان أكثر نضجا و كلما كانت حنكته في الحياة و خبرته المهنية كافية ليتحمل مسؤولية بيت و زوجة، خاصة في الغربة...

قاطعتها في إصرار :
ـ دالية، كم عمره؟

ـ 38 سنة...

شهقت في فزع و هتفت في استنكار :
ـ دالية! أنت لم تبلغي الثانية و العشرين بعد! كيف ترتبطين برجل يكبرك بأكثر من 15 عاما؟!

ابتسمت دالية و هي تقول في حرج :
ـ لماذا ترين المسألة على أنها كارثة؟

هتفت من جديد و أنا أقول :
ـ طبعا كارثة، أن تنقطعي عن دراستك و ترتبطي بشخص يكبرك بعدد لا يستهان به من السنوات، لا تعرفينه، و لا يهتم هو بأن يتعرف عليك، ثم تسافرين و تبتعدين عن أهلك لتلاقي حياة مجهولة المعالم في الغربة! و ما رأي حسام في الأمر؟

أطرقت دالية للحظات و هي تقول :
ـ حسام لم يكن موافقا في البداية... و قد قال نفس كلامك... لكن وليد تحدث إليه و أقنعه بأنني لن أنقطع عن دراستي بل سأواصلها هناك، كما أنه وعده بأن يسهل له الانضمام إلى كلية الطب في كندا، حتى يسافر معنا...

أحسست بدوار عنيف، و مادت الأرض تحت قدمي و لم أنطق بكلمة... حسام؟! هل تبيع أختك بسهولة من أجل مستقبلك المهني؟ كيف تفكر بهاته الطريقة؟

لاحظت دالية علامات الذهول في عيني فقالت مطمئنة :
ـ لا تسيئي الظن بحسام، فهو لم يوافق من أجل دراسته و مستقبله... بل لأنها طريقة تمكنه من البقاء إلى جانبي حتى لا أحس بالغربة وحدي و حتى يتأكد من سلامة نوايا وليد و معاملته الحسنة لي! ثم هو لم يوافق إلا لأن أمي و أبي كانا موافقين على وليد و لم يملك أن يغير رأيهما فوافق على اقتراحه... ثم ألا تجدين أن اقتراح وليد يدل على إخلاصه و صدقه؟

كنت قد هدأت بعض الشيء... و سرحت قليلا أفكر في سفر حسام إلى كندا، فانتابني قلق مفاجئ... هل كل من يسافر إلى الغرب يتغير؟ و ما أدراني بأنه يعود مثلما سافر، حسام الذي عرفته و أعجبت به؟

التفتت إلى دالية مجددا و أنا أقول :
ـ و لكن يا دالية... أنت حتى لم تحضي بفترة خطبة تدرسين فيها شخصية زوجك المستقبلي لتعرفي مدى ملائمة طباعه لطبعك! ألا تحسين بالغيظ لأنه اهتم بكل التفاصيل إلا الجلوس إليك و محادثتك عن مشاريعه و اهتماماته؟

ـ في الحقيقة هو جلس إلى أبي و حسام... حتى حسام كان مقتنعا بشخصيته، لكن جل ما يقلقه هو فارق السن...

ساد الصمت للحظات قبل أن تهتف دالية :
ـ كدت أنسى سبب زيارتي لك...

تطلعت إليها في اهتمام فقالت مبتسمة :
ـ حسام يقرئك السلام... و يطلب موعدا مع والدك قبل سفره...

ثم اقتربت مني و همست :
ـ كما أنه يريد أن يراك... غدا... في المكتبة...

ساره الالفي
14-08-2009, 01:04 AM
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ



جلست إلى طاولة غير بعيدة عن المدخل، حتى تسهل رؤيتي للداخل إلى المكتبة، ثم أخرجت كتبي و كراساتي و وضعتها أمامي، مبعثرة على الطاولة، و أكببت عليها كأية طالبة مجتهدة منسجمة مع مراجعتها غير عابئة بما يدور حولها... غير أنني كنت أرفع رأسي بين الفينة و الأخرى لألقي نظرة على المدخل كلما سمعت صرير الباب و هو يفتح...

كانت راوية تجلس إلى جانبي و هي تكتم ضحكتها بصعوبة :
ـ من يراك لا يمكن أن يشك بأنك على موعد!

حدجتها بنظرة تنمّ عن التحدي و تفصح عن الغضب الذي يعتمل في صدري :
ـ و من قال بأنني أهتم لموعده؟! أنا هنا مثل العادة، أراجع دروسي...

أطلقت راوية ضحكة قصيرة و هي تقول :
ـ إذن توقفي عن مراقبة الباب! فإن عيونك تفضحك...

أشحت بوجهي في عصبية و هتفت :
ـ هل تتصورين يا راوية... يفكر و يقرر و لا يهتم حتى برأيي! كأنني طرف ثانوي في حياته... ثم يطلب موعدا لتوديعي!! ما الداعي يا ترى؟ ألم يكن من الأفضل أن يرسل إلي بطاقة معايدة من كندا بعد بضعة شهور؟!

قالت راوية مهدئة :
ـ أنت تعلمين أن كل شيء حصل بسرعة و دون سابق تخطيط... فهو اضطر إلى السفر حتى يكون إلى جانب أخته...

ـ نعم، ذكرتني... و قصة دالية أيضا... ألم بإمكانه أن يتخذ موقفا ليمنعها من الارتباط بذاك الشخص الذي في سن والدها؟

ـ يا مرام، يا حبيبتي... إن كانت دالية موافقة و والداها موافقان، فهل سيعني رفضه شيئا؟!!!

تنهدت في حسرة و ألم ثم هتفت في مرارة :
ـ و لكن ذلك لا يمنع أنني مغتاظة منه... جدا!!!

لم تعلق راوية على كلماتي... بل أنها لم تملك الوقت لتعلق، لأنه في تلك اللحظة تناهى إلى مسامعنا صوت مألوف ألقى علينا السلام :
ـ السلام عليكم و رحمة الله...

رفعت رأسي مذعورة لأجده أمامي مباشرة... يا إلهي، لقد غفلت عن مراقبة الباب و انهمكت في الحديث مع راوية!
منذ متى و هو هنا يا ترى؟ هل سمع ما قلته؟ على أية حال لا يهم، بل من الأفضل أن يعلم موقفي منه...

اكتسى وجهي بعض الحمرة و أنا أرد بصوت لا يكاد يسمع :
ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته...

جذب حسام الكرسي المقابل و جلس إلى الطاولة في هدوء و على شفتيه تلك الابتسامة الأزلية التي لا تكاد تفارقهما...

كم اشتقت إليه، و كم اشتقت إلى حديثه، إلى صوته و ضحكته... لكنني كنت مغتاظة، تتصارع في داخلي رغبتي في الابتسام و السؤال عن حاله بعد غياب دام بضعة شهور، و حاجتي إلى التنفيس عن غضبي و معاقبته على تجاهله لي...

ـ كيف حالك يا مرام... و كيف أحوال الدراسة؟

انتصرت الابتسامة على التكشيرة فرفعت رأسي لأقول في استسلام :
ـ الحمد لله... كل شيء على ما يرام...

ثم التفت إلى راوية و قال :
ـ راوية، قولي الحقيقة... هل تأكل جيدا، و تهتم بصحتها؟

ابتسمت راوية و قالت :
ـ كما ترى... وجهها شاحب يحاكي شحوب الأموات... لكنني لست واثقة إن كان في الأمر مرض ما... أم أنها عوامل نفسية... الامتحانات و ما شابهها...

و ما إن أنهت عبارتها تلك حتى وقفت و هي تقول :
ـ أحتاج بعض الكتب... سأعود بعد قليل...

ثم ابتعدت و اختفت بين الرفوف...

خيم علينا الصمت للحظات قبل أن يبادر حسام :
ـ أعلم أنك مستاءة مني... لأنني لم أسأل عنك منذ فترة... و لكن أتذكرين ما اتفقنا عليه... أن نجاهد أنفسنا... و قد حدثتني نفسي كثيرا بالقدوم إلى الكلية، و رؤيتك حتى من بعيد... و لكنني أعلم أنني إن أذعنت لرغباتي مرة فلن أقدر على مقاومتها مرات، لذلك آثرت أن نضل بعيدين عن بعضنا البعض... حتى أنتهي من الدراسة النظرية. لم يتبق الكثير... بضعة شهور فقط... ثم...

رفعت رأسي و قاطعته قائلة :
ـ ثم تسافر إلى كندا!!!

زمّ شفتيه و تنهد قائلا :
ـ كنت أعلم أن هذا ما يزعجك...

عقدت ذراعي أمام صدري و قلت دون أن أنظر إليه :
ـ ماذا كنت تتوقع مني؟ أن أهنئك على قرارك السليم الذي جاء في الوقت المناسب؟ كنت أنتظر نهاية السنة بفارغ الصبر حتى يوافق والدي على إعلان الخطبة رسميا... لكن الآن...

نظر إلي في قلق و لهفة :
ـ الآن ماذا يا مرام؟ هل ستغيرين رأيك؟

اغرورقت عيناي بدميعات منعتها من التدحرج على خدي و أشحت بوجهي حتى لا يتفطن إليها و أنا أهمهم :
ـ سفرك إلى كندا لم يكن في الحسبان و أنت حتى لم تسألني عن رأيي! ثم ما مصير علاقتنا برأيك بعد سفرك؟ و كم سيدوم هذا السفر؟

بدا عليه الارتباك و هو يقول في توسل :
ـ أعلم أنني وعدتك بأن نتزوج في أقرب فرصة ممكنة... و لن أخلف بوعدي... إلا أن بعض الظروف تغيرت... إن سافرت إلى كندا فإنني سأتم هنالك الدراسة التطبيقية و التخصص... يعني خمس أو ست سنوات... و بالطبع يمكننا أن نتزوج في الأثناء و تسافرين معي...

رفعت رأسي وقلت في حدة :
ـ و من قال لك بأنني أرغب في العيش في كندا؟ حين عرفتك ووافقت عليك لم يكن هذا مشروعك... ألا ترى أنه من حقي أن أغير رأيي بعد أن تغيرت المعطيات؟

اكتسى وجهه مسحة من الوجوم، ولبث ساكتا للحظات، ثم قال و قد تغيرت نبرة صوته لتصبح أكثر عمقا... و حزنا :
ـ مرام، أنت تعلمين أنني أفعل ذلك من أجل أختي... دالية... و مسألة السفر لم تكن لتخطر على بالي في يوم من الأيام... و لو كان أمامي أي حل آخر لما ترددت... لكن للضرورة أحكام... صحيح، لست أنت المسؤولة عما يحدث مع دالية، بل أمي و أبي و دالية نفسها... لكن ألا ينبغي أن يكون أحدنا عاقلا ويفعل شيئا ما لحمايتها؟ كنت أنتظر منك قدرا أكبر من التفهم...

اختفت الحدة من صوتي و أنا أقول في لين أكبر :
ـ و لكنك فاجأتني يا حسام! وضعتي في موقف لا أحسد عليه! أليس من المفروض أن نخطط لحياتنا معا... نفكر معا و نقرر معا... ثم حتى إن وافقت أنا، فمن قال بأن أبي سيوافق؟ إن ما يلاحظه من تغييرات في حياة أبناء عمتي سيجعله يقلق علي، و أكيد لن يعجبه الوضع!

عادت الابتسامة لتزين وجهه الوسيم و هو يقول :
ـ من أجل ذلك طلبت موعدا معه... حتى أوضح له خططي المستقبلية و أشرح له التغييرات التي طرأت... المهم أن تكوني أنت موافقة...

ترددت للحظات قبل أن أقول :
ـ و إن لم أوافق... كيف ستتصرف؟

ألقيت بسؤالي كالمقاتل الذي يلقي قنبلته في ساحة المعركة ثم ينبطح وراء كثبان الرمال... لكنني لم أجد كثبانا قريبة أختفي خلفها فنظرت إليه مترقبة ردة فعله...

لكنه أجاب في هدوء حزين :
ـ مرام... أنت أعقل من تضعيني في خيار بينك و بين أختي...

أطرقت في خجل... فتابع :
ـ لكن... إن عارض والدك، فعليك مساعدتي لإيجاد حل مناسب...

وقف من مجلسه و هو يهمس :
ـ مرام... أنا آسف حقا لأنني وضعتك في موقف كهذا... لم أرد أن يكون لقاؤنا بعد شهور طويلة من الفراق كئيبا هكذا... لكنني في حاجة إلى مساندتك حقا... اعتبريها إحدى التضحيات الكثيرة التي ستقابلنا في مشوارنا معا...

كنت لا أزال مطرقة و في عيني ألم و خوف و قلق... فقال و هو يهم بالانصراف :
ـ فكري جيدا... و أنا في انتظار ردك... السلام عليكم و رحمة الله...

رفعت رأسي و هممت بأن أقول شيئا ما، لكنه كان قد ابتعد في خطوات واسعة سريعة... فظلت عيناي معلقتين بطيفه الذي توارى خلف الباب و تمتمت شفتاي بصوت مهموس كان من المستحيل إلى أن يصل إلى مسامعه :
ـ وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته...

هزت راوية كتفي في رفق و هي تهتف :
ـ مرام، ما بك؟ هل انصرف حسام؟

ثم التقطت شيئا كان موضوعا على الطاولة أمامي :
ـ و ما هذا؟ هدية؟

انتبهت ونظرت إلى المغلف الظريف الذي كان بين يديها، ثم اختطفته من بين يديها و قلبته في حرص... لقد أحضر لي هدية! إنها المرة الأولى التي تصلني فيها هدية منه! كنت لا أزال أمسك بالمغلف دون أن أفتحه، فهتفت راوية :
ـ هيا... هيا... افتحيها و دعينا نرى!

هززت كتفي في عناد و أخفيت العلبة في حقيبتي و أخذت أجمع أدواتي في عجلة... ثم التفتت إلى راوية و في عيني نظرة غريبة :
ـ راوية... يجب أن نقنع دالية برفض العريس!

ساره الالفي
14-08-2009, 01:21 AM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ




أمسكت راوية بذراعي في صرامة، بينما كنت أحث الخطى إلى قاعة المحاضرات و هي تقول :
ـ إن كنت تريدين حقا مصلحة دالية فانسي تماما مسألة سفر حسام! مرام، أنا معك في أن راوية ربما تكون تسرعت في موافقتها على هذا الزواج... و ربما تكون مبهورة بالسفر، و اكتشاف عالم جديد... لكن علينا أن نستمع إليها و نفهمها قبل أن نحكم على قرارها بأنه خاطئ... و أن نكون لها صديقتين، تنصحانها و تخافان عليها... دون أن نترك لمصالحنا الشخصية الفرصة للتشويش على حكمنا...

قاطعتها في انفعال قائلة :
ـ لكن قرارها لا يلمسها وحدها! زواجها سيغير مستقبل حسام و مخططاته تماما! و أنا أيضا... قرارها يمسني بشكل غير مباشر...

هزت راوية رأسها علامة عدم التأييد :
ـ حسام اختار أن يسافر مع أخته... و زواجها لا يلزمه بالسفر معها... إطلاقا... كان عرضا من الخاطب، و حسام وافق... يعني لا سبيل إلى إلقاء اللوم على دالية و لا على زواجها...

توقفت فجأة و تنهدت بعمق، قبل أن أواصل السير من جديد، بخطوات أكثر بطأ. تابعت راوية نسقي و هي تتطلع إلي متسائلة :
ـ ماذا الآن؟

التفت إليها و أنا أحاول الابتسام :
ـ حسن... ربما تستطيع دالية إقناع حسام بالبقاء...

نظرت إلي راوية في دهشة، بينما تابعت سيري إلى قاعة المحاضرات... و أنا أقول :
ـ بالتأكيد، هنالك حل لهذه الورطة... و سأجده بإذن الله...

لحقت بي راوية و هي تلهث و هتفت :
ـ هل ستقابلين دالية اليوم؟

ابتسمت في هدوء قائلة :
ـ لا تخافي, سأحاول قدر الإمكان أن أنصحها بإخلاص... و سأفصل الموضوعين تماما... ثم أنت ستكونين معي لتنبيهي... أليس كذلك؟

ابتسمت راوية موافقة و هي تتمتم :
ـ أرجو أن تنتهي هاته القصة على خير!


ما إن انتهت المحاضرات حتى تركت راوية و طرت بسرعة إلى المنزل... بالطبع، فأنا منذ مغادرة حسام لقاعة المكتبة أنتظر الفرصة المناسبة حتى أختلي بنفسي... و أفتح الهدية! كانت العلبة في شكل متوازي أضلاع... تشبه شكل الكتاب... لكن ارتفاعها يوحي بأنها لا يمكن أن تكون كتابا... ربما كتاب ضخم؟! أو كتابان؟ أو كتاب و شيء آخر له نفس الشكل؟ أعياني التفكير في محتوى العلبة!

دخلت المنزل مسرعة بعد أن ألقيت السلام و توجهت مباشرة إلى غرفتي...
لكن... سارة كانت في الغرفة... تجلس أمام حاسوبي...
اممم... حسن... أريد أن أكون بمفردي حين أفتحها... لكن لا بأس... سأفتحها أمام سارة... فهي ليست غريبة، و سترى الهدية عاجلا أم آجلا...

ألقيت السلام على سارة و جلست على الفراش و أنا أخفي ابتسامتي... ردت سارة السلام دون أن تلتفت إلي، فقد كانت منهمكة في إحدى الألعاب الجديدة التي يدمن أخي ماهر اقتناءها... أخرجت العلبة من حقيبتي في هدوء و أنا ألحظ سارة بطرف خفي. هل ستنتبه إلي؟ لكن كان يبدو عليها الانسجام التام مع لعبتها، فأخذت أنزع الغلاف في هدوء تام حتى لا أثير انتباهها...

لكن يبدو أن خشخشة ورق التغليف المميزة جعلتها تلتفت إلي في فضول... و ما إن لمحت العلبة بين يدي حتى أهملت الحاسوب و لعبة الحاسوب و قفزت لتجلس إلى جانبي و على شفتيها ابتسامة مميزة :
ـ ممن الهدية إذن؟

ابتسمت و قد احمر وجهي في خفر :
ـ من حسام...

قفزت سارة في حماس في مكانها، و هي تهتف :
ـ ماذا تنتظرين... هيا افتحيها...

امتدت أصابعي في حذر لتزيل ما تبقى من ورق التغليف... ثم وقعت عيناي على الهدية المكونة من جزئين... كان الجزء الأول علبة أقراص مضغوطة... فتحتها و قد اتسعت ابتسامتي سرورا... فأنا أثق في ذوق حسام، و أنه بالتأكيد قد اختار عددا من الدروس الدينية و التنموية المتميزة التي يعرف مدى شغفي بها... و بالفعل، لم أكن مخطئة في تقديري...

لبثت أقلب كنزي الثمين بين يدي و الابتسامة لا تفارق شفتي... كم أنت رائع يا حسام! فقد عرفت كيف تسترضيني و تطيب خاطري...

انتبهت على صوت سارة و هي تهتف مداعبة :
ـ مرام... ألن تفتحي هذه؟

التفتت لأجدها تمسك بين يديها الجزء الثاني من الهدية، الذي غفلت عنه في غمرة سروري بالجزء الأول... مددت يدي بسرعة لآخذ منها علبة الشكولاطة التي كادت تشرع في فتحها... و فجأة تقلصت الابتسامة على شفتي لتختفي تماما... و حلت في عيني نظرة دهشة و استغراب... و حزن...

تطلعت إلي سارة في دهشة بدورها و هي تلحظ التغيير المفاجئ الذي طرأ علي :
ـ مرام... هل هنالك ما يزعجك؟ ما الأمر؟

كانت علبة شكولاطة فاخرة و شهية... تنم عن ذوق رفيع... و قد كنت من محبي الشكولاطة... إلى هنا ليس هنالك أية مشكلة...

لكن... حين قرأت اسم الشركة المصنعة على العلبة تملكني حزن مفاجئ...
نعم، إنها شركة تساند العدوان الصهيوني على إخواننا الفلسطينيين... شركة من أول الشركات الموضوعة على لائحة المقاطعة الإسلامية! و لكن حسام لا يدرك كل هذا؟! كيف يمكنني أن أفرح بهديته؟!

و سارة هي الأخرى، لم تفهم سبب انزعاجي... هذا يعني أن الاسم لا يعني لها شيئا... بل ربما كانت ثقافة المقاطعة نفسها لا تعني لها شيئا! و لكن، كيف لي أن ألومها و هي قد عاشت سنوات طويلة في المجتمع الأمريكي حيث تختلف القيم و المبادئ... بل ربما لم تكن تعي شيئا من التغيرات و التحولات التي يعيشها عالمنا العربي...

نظرت إليها في و أنا أقول في مرارة :
ـ إنها شركة يجب مقاطعة منتجاتها... لأنها تساند العدوان الإسرائيلي و الأمريكي على إخواننا في فلسطين... من المفروض أن لا يقتني منتجاتها، فضلا على أن يهديني منها!

رأيت علامات الدهشة في عيني سارة... و بعد تردد قصير قالت :
ـ و هل تؤمنين أنت بأهمية المقاطعة؟!

اتسعت عيناي دهشة و أنا أتفحص ملامحها اللامبالية :
ـ طبعا!!! و هل في الأمر شك؟ هل من المفترض أن نساعد اقتصاديا من يسعى إلى أخذ القدس منا؟ من هدفه سلب أراضي المسلمين و تشريد أبنائهم؟!

عقدت حاجبيها في غير اقتناع و هي تقول :
ـ و هل تظنين أن مقاطعتك أنت و حسب... بل فلنقل مقاطعة عدد من المسلمين لهاته المنتجات سيؤثر كثيرا على اقتصادها و مرابيحها؟ هل تظنين أنهم سيتأثرون بفقدان عدد قليل من الزبائن؟ إن هذه الشركات ذات رؤوس أموال ضخمة... و مبيعاتها في العالم تتسع كل يوم... إضافة إلى أن منتجاتها ذات جودة عالية مقارنة بما يوجد في الأسواق... فلم نحرم أنفسنا من منتوج متميز، سعيا وراء تحقيق هدف شبه مستحيل؟! كما أن هاته الشركات الأجنبية تساهم في الرقي باقتصادنا... و تشارك في عملية التشغيل...

لم أستطع السيطرة على انفعالاتي و أنا أهتف في اعتراض :
ـ ألا تعلمين أن هاته الشركات التي تحظى بتمويل من رؤوس أموال صهيونية تسعى إلى القضاء على منتجاتنا المحلية و إغراق السوق بمنتجاتها حتى تضمن استمرار التبعية الاقتصادية العربية إلى كل ما هو أمريكي و صهيوني،حيث يتم تقديمها بأقل الأسعار و مدعومة بحملة إعلانية مميزة تتسبب في انهيار المنتج الوطني والانفراد بالسوق، ثم يرتفع السعر تدريجيًّا لتعويض خسارته، إضافة إلى أن المشروعات الأمريكية والصهيونية التي تقام في بلدنا هدفها الربح فقط دون مساهمة في دعم البنية الاقتصادية الوطنية مثل مشكلة البطالة... حيث إنَّ كل فرصة عمل لديهم تؤدي إلى ضياع ثلاثة فرص لدى الشركات الوطنية ناهيك عن أنها وظائف دنيا لا تكسب خبرة أو كفاءة يستفيد منها المجتمع...

رفعت سارة حاجبيها في عدم تصديق، فواصلت في اصرار :
ـ ثم من قال أن المقاطعة لا تحدث أضرارا لدى هاته الشركات؟ بالعكس... فقد أثبتت المقطعة فاعليتها على امتداد السنوات القليلة الماضية... فقد ساهمت في إلحاق خسائر بالولايات المتحدة وتراجع صادرتها من 22 مليار سنة 98 حتى وصلت إلى 16 مليار دولار سنة 2003... لدا فإن علينا أن نواصل الطريق و نستمر في دعم المنتج المحلي و مقاطعة كل الشركات التي تساند عدونا...

ثم تابعت في شيء من الفتور :
ـ و يؤسفني أن حسام لا يؤمن بضرورة المقاطعة...

بدا الأسف في صوت سارة التي بدأت تقتنع بموقفي :
ـ ربما لم يكن يعلم أن هاته الشركة بالدات هي من الشركات التي تجب مقاطعتها... فلا تلوميه و تعنفيه... فعلى أية حال، نواياه كانت حسنة... و لم يرد إلا أن يسعدك بهديتك، لا أن يعكر مزاجك...

ابتسمت و قد راقني تحليلها... نعم، ربما لم يكن يعلم... لكن يبدو أن هنالك الكثير من النقاط التي يجب وضعها على الحروف قريبا... في لقائي المقبل مع دالية...

ساره الالفي
14-08-2009, 01:26 AM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ



جلست دالية بيني و بين راوية و قد ارتسمت على شفاهنا ابتسامات ودودة... ابتسمت دالية بدورها ابتسامتها البريئة التي توحي إلي بأنها لا تزال طفلة غرة و من غير الممكن أن تكون مقبلة على زواج قريب!

التفتت دالية إلي و قالت في مرح :
ـ ما الجديد يا فتيات؟ أراكما منشرحتين...

ضحكت و أنا أربت بكفي على كتفها :
ـ و هل تركت لنا فرصة معك! فأنت في كل يوم لك جديد متجدد و أخبارك متسارعة كأنك تسابقين الزمن... هااااا... ماذا بعد الخطبة؟ هل قررتما متى يكون عقد القران؟

احمر وجه دالية و هي تقول :
ـ لازلت غاضبة لأنني لم أدعك للخطبة! كان غصبا عني يا حبيبتي فقد تم كل شيء بسرعة فائقة و بحضور عدد قليل من المقربين...

قاطعتها و أنا أهز رأسي مؤيدة :
ـ طبعا... و وليد كان جد مستعجل و لديه الكثير من المعاملات التي عليه إنهاؤها قبل السفر... على أية حال، يجب أن ألوم حسام لأنه لم يفكر في دعوتي!

ضحكنا معا في مرح، ثم التفتت إلى دالية متصنعة الغضب و قلت في حزم :
ـ على فكرة... أنا غاضبة من حسام...

ابتسمت دالية مداعبة :
ـ من أجل السفر؟ أعلم أنه لم يكن في الحسبان... و لكن لمَ لم تتحدثي إليه في الموضوع؟

قاطعتها شارحة :
ـ طبعا أنا منزعجة من سفره... لكن تلك نقطة أخرى سنعود إليها بعد قليل... لكنني أتحدث عن شيء آخر...

ثم أخرجت من حقيبتي علبة الشكولاطة الأجنبية التي أهداها إلي حسام.

تناولتها دالية من بين يدي و هتفت بعد أن تعرفت عليها بسهولة :
ـ أليست الشكولاطة التي أهداها إليك حسام؟ إن لم تعجبك فالذنب ليس ذنبه! في الحقيقة هو طلب مني أن أشتري لك شيئا ما على ذوقي... لأنه لا يعرف ما يمكنه أن يهديه إليك... غير الكتب و الأقراص... فذاك عالم أخي المحدود...

ضحكت دالية ثانية في حين اتسعت عيناي دهشة و أنا أقول :
ـ هكذا إذن! أنت من اشترى هاته العلبة يا شقية!

سارعت دالية تقول في اعتذار :
ـ أنا آسفة حقا... إن كنت وجدت في مكوناتها شيئا من الكحول فأنا آسفة حقا، فهي شوكلاطة أجنبية و الحقيقة أنني كنت مستعجلة و لم أملك الوقت الكثير لأتحقق مما كتب على العلبة... آسفة حقا يا مرام!

حدقت فيها في استغراب :
ـ كحول في مكوناتها؟؟ و هل يسوقون في بلدنا شوكلاطة فيها نسبة من الكحول؟! يا إلهي... ألا يستحون! غير معقول؟! هذا آخر ما كنت أتوقعه!!

قاطعتني دالية و قد احمر وجهها خجلا :
ـ في الحقيقة الشكولاطة ليست مصنعة في بلدنا و هذا ما جعلني أشك في مكوناتها... فحين طلب مني حسام أن أساعده بخصوص الهدية كنت مشغولة للغاية و لم أستطع الخروج في الوقت المناسب... فكان الحل أن وضعت في المغلف علبة من العلب التي أحضرها وليد من كندا... و لم أتمعن كثيرا فيها، بل أعجبني شكلها و بدت لي من النوع الفاخر... لذا آسفة جدا إن لم تعجبك... فهو ليس خطأ حسام بل خطئي...

هززت رأسي في تفهم و أنا أرد :
ـ بل هو خطأ وليد على ما يبدو!

نظرت إلي دالية في دهشة فواصلت قائلة :
ـ الشركة صاحبة المنتج هي من الشركات التي تجب مقاطعتها يا عزيزتي...

تطلعت إلي دالية في دهشة ثم أمعنت النظر في العلبة و قالت في حرج :
ـ آنا آسفة حقا يا مرام لم أتفطن للأمر...

ثم أضافت و هي تحك ذقنها في تفكر :
ـ يجب أن أنظر في الهدايا التي أحضرها وليد جيدا...

بادرتها راوية التي ظلت صامتة إلى تلك اللحظة قائلة :
ـ لم تخبرينا... أي نوع من الشباب... أقصد الرجال، هو وليد؟ كيف هي طريقة تفكيره و ماهي نظرته إلى الحياة؟

ابتسمت دالية في خجل و هي تقول :
ـ إنه يبدو لي من النوع العملي... عملي في كل شيء... في حياته الخاصة كما في حياته المهنية... يكره إضاعة الوقت و يحب أن يكون كل شيء في مكانه المحدد... لا يقدم على أية خطوة قبل أن يدرس نتائجها جيدا و يدرك جدواها...

ضحكت راوية و هي تعلق قائلة :
ـ لذا فقد استمر في دراسة جدوى الزواج قرابة الخمسة عشر عاما!

بدا الضيق على دالية فعاجلتها راوية على الفور :
ـ ألم تسأليه لمَ لم يتزوج إلي الآن؟

أطرقت دالية قائلة :
ـ بلى... سأله حسام عن ذلك... فقال بأنه كان يبني مستقبله المهني حتى يكون قادرا على تحمل مسؤولية زوجة و أطفال و يضمن لهم أفضل الظروف...

ضحكت راوية من جديد و هي تقول مداعبة :
ـ حسام المسكين! لا بد أن نظرية وليد حطمت معنوياته تماما! كم عليك أن تنتظري يا مرام!!!

حدجتها بنظرة صارمة اعتراضا على دعابتها الثقيلة، فتنحنحت و قالت مستعيدة جديتها و هي تقول مخاطبة دالية :
ـ و لكن، كيف يمكنك أن تعرفي أنه لم تكن لديه علاقات مع فتيات قبلك... خاصة أنه عاش زمنا غير قصير في كندا... فهل من المعقول أنه لم يعجب بأية فتاة منذ فترة الدراسة؟ و العلاقات غير المشروعة ممكنة جدا هنالك...

كانت كلمات راوية صريحة جدا... و قاسية نوعا ما على دالية التي بدت في حيرة من أمرها، و لم يخف علينا أنها كانت ربما تطرح على نفسها نفس التساؤلات دون أن تجد جوابا شافيا. التقت عيناي بعيني راوية فأشرت إليها بأن تتوقف... لكن بدا الاحتجاج في عينيها و هي تهز كتفيها في عدم اقتناع... و تواصل الحوار بيني و بين راوية عبر الإشارات و الإيماءات، و لم نتفطن إلى دالية التي كانت تجلس بيننا مطرقة في حيرة... و لم ننتبه إلا على صوتها الذي بللته الدموع و هي تقول في مرارة ظاهرة :

ـ مرام... راوية... أنتما أختاي أليس كذلك؟

نظرنا إليها في دهشة و قلق و أسرعت أقول و أنا أمسك بكفها بين كفي :
ـ طبعا يا حبيبتي... و هل في ذلك شك؟ ما الأمر يا حبيبتي قولي...

رفعت رأسها إلي و هي تمسح عينيها بكمها و قالت :
ـ أريد أن أفضي إليكما بشيء ما...

اقتربت راوية أكثر و قالت في اهتمام :
ـ طبعا يا عزيزتي... كلنا آذان صاغية...

بدا على دالية نوع من التردد، لكنها حسمت أمرها بسرعة و قالت :
ـ إنه بخصوص وليد... كل شيء بدا مطمئنا في البداية... فهو من أقاربنا... والده المتوفي كان من المقربين إلى أبي و له عليه فضل كبير... حيث ساعده في بداية حياته المهنية و استقراره الزوجي و كان أبي يلجأ إليه في كل الصعوبات... و يبدو أن حب والده جعل أبي يحب وليد كثيرا... و كان يقص علينا كيف كان يحمله على كتفيه عندما كان صغيرا و يأخذه معه إلى المسجد و يلهو معه بشتى لعب الأطفال... قبل أن يتزوج أبي و ينجب حسام... و استمرت العلاقة بينهما بعد وفاة والد وليد، كأنه شقيقه الأكبر... لكنها انقطعت نوعا ما بعد سفره إلى كندا، حيث لم يكن يتصل كثيرا... لكن والدته كانت تزورنا باستمرار، فقد كانت تربطها علاقة طيبة بأمي... كما أنها بقيت وحيدة بعد سفر وليد و أبي كان يريدها أن تتقرب أكثر من العائلة و فاء لذكرى المرحوم... ثم حين رغب وليد في الزواج، لم تتردد والدته في مفاتحة والدتي في الأمر... و قد سر أبي كثيرا لأنه يحب وليد... و لم يعط أهمية تذكر لفارق السن بيننا، لأنه كان واثقا من تربية المرحوم و يعتقد بأن ابنه لا بد أن يكون على نفس الخصال...

بادرتها معترضة و أنا أقول :
ـ لكنه لم يضع في اعتباره أن الغربة الطويلة من الممكن أن تغير طباعه... كما أنه لم يعد ذاك الولد الصغير البريء الذي كان يلهو معه في السابق!

تنهدت دالية و هي تواصل :
ـ المهم... أبي وافق بدون تردد... و أمي لم تعترض كثيرا، لأنها تقدّر والديه و تحترمهما... و مسألة فارق السن لم تبد لها مزعجة جدا... لأنها تصغر والدي بأحد عشرة سنة... و هو فارق يبدو عاديا جدا في عائلة أبي... حيث الفارق بين عمي الأكبر و زوجته يقارب الثلاثة عشرة سنة... و عمي الأصغر أيضا زوجته تصغره بعشر سنوات... و كلاهما يعيش سعيدا مع زوجته... بل لعل فارق السن الهام يبدو مستحسنا عندهم لأنه يعني نضج الرجل و استعداده المادي و النفسي لتحمل مسؤولية ثقيلة... و لا أحدثك عن السخرية التي لقيها حسام من طرف أعمامي حين أبدى رغبته في الزواج و هو لم ينته من دراسته بعد...

احمر وجهي دون أن أشعر حين أتت على ذكر ارتباطي بحسام، و ابتسمت في خجل. واصلت دالية حديثها قائلة :
ـ كان حسام الوحيد المعترض... فهو يرى وليد كهلا في حين لازلت في بداية الشباب. و نظرية حسام تقول : كلما كان الزوجان متقاربين في السن، كلما كانت فرصهما للتفاهم و التواصل أكبر... و هي نظرية تعارض بالطبع كل ما أسمعه من أمي و خالاتي عن سرعة نضج الفتاة و تأخر نضج الرجل، و أهمية الفارق بين الزوجين لأن المرأة تظهر عليها علامات الهرم بسرعة أكبر من الرجل... خاصة بعد الحمل و الولادة... كما أن الرجل الناضج يكون أكبر قدرة على الاستقرار من الشاب... فهو يكون قد خبر الدنيا و تعلم الكثير و يقدر الحياة الزوجية... و بالطبع لن يبحث عن مغامرات الشباب...

قاطعتها راوية في دهشة :
ـ هل هذا ما تعلمك إياه أمك و خالاتك؟ أن يكون الرجل قد جرب و خبر كل أصناف البنات قبل أن يختار شريكة حياته؟ طبعا! و بذلك يكون أكيدا بأنها الصنف الذي يريد... و كيف يمكنه أن يختار إن لم يملك المعرفة الكافية بتلك السلعة التي تسمى المرأة!!!

تنهدت دالية في حزن و هي تقول :
ـ كنت أعلم في قرارة نفسي بأن ما يقلنه مخالف للشريعة الإسلامية... و أن الرجل الشريف الملتزم لا يمكن أن يعيش شتى أنواع المغامرات حتى يقرر في النهاية أن يتزوج... بل هو يتزوج ليعف نفسه و يصون زوجته. لكنني كنت أتساءل : كيف يمكنني أن أضمن في الزوج الذي سيتقدم إلي أنه شخص ملتزم لم تكن له مغامرات سابقة؟ ثم اقتنعت بأن أهم ما في الأمر أن يكون قد تاب بعد مغامراته توبة نصوحا... و هدفه من الزواج هو بناء أسرة مسلمة... و عزمت في نفسي أن أنفذ إلى قرار وليد و أعرف نواياه و أهدافه...

تطلعت إليها في فضول و أنا أقول :
ـ هاااا... و ما هي نواياه و أهدافه؟

ـ حسن... لست متأكدة بعد... لكن من خلال أحاديثنا القليلة و القصيرة عرفت أنه شخص جريء و قوي الشخصية... ثقته بنفسه ليست لها حدود. ربما بدا كذلك أمامي، لأنني صغيرة و قليلة التجربة بالنسبة إليه... و طوال لقاءاتنا كان يحدثني عن حياته في كندا... عن منزله الكبير الفخم المحاط بحديقة جميلة... به بركة سباحة في الطابق تحت الأرضي... حدثني كذلك عن الأثاث الذي أولى أهمية كبرى لاقتنائه و تنسيقه... حدثني عن عمله و عن انجازاته المهنية... لكن ما أقلقني هو أنه لم يقل شيئا عن نفسه! و حين سألته عن هواياته، ضحك بقوة كأنني رويت طرفة على مسمعه و قال كأنه يحدث طفلة صغيرة : الهوايات يتسلى بها الشباب المتفرغ في مثل سنك... أما رجال الأعمال أمثالي فلا يملكون الوقت لإضاعته، بل لاستثماره فيما يدر الربح الوفير! ربما لا أدرك بالفعل أهمية وقته لأنني لازالت في بداية الشباب و لا أعرف أهمية العمل... لكنني بدأت أتساءل : هل سيجد الوقت بعد زواجنا ليجلس إلي و نتحدث، أما أن ذلك سيكون مضيعة لوقته الثمين أيضا؟ حسن... لكنني وافقت عليه، لأن أبي كان متحمسا و مسرورا بهاته المصاهرة... و لأنني كنت أتطلع إلى حياة الرفاهية في كندا و خيالي المحدود يعجز عن تصور ماهية العيش هنالك... ثم وليد لم يكن فيه عيب يجعلني أنفر منه... إلا عمليته المفرطة! لكنني حدثت نفسي بأنه سيكون من السهل علي فيما بعد أن أتعود على نمط حياته... و لكن...

أطرقت دالية من جديد في انزعاج، فبادرتها راوية مشجعة :
ـ و لكن ماذا؟

تنهدت دالية و هي تقول :
ـ و لكن لقاءنا الأخير جعلني في حيرة من أمري... تذكرين حين جئت إليك يا مرام، و استغربت من قلة اهتمامه بالحديث إلي و التعرف على زوجته المستقبلية... ظل سؤالك يرن في أذني حين عدت إلى البيت... و حين جاء في المساء مع والدته لزيارتنا قررت أن أفعل شيئا. و كانت والدته من فتح لي الباب حيث بادرته قائلة : لم لا تجلس قليلا مع خطيبتك بينما نعد العشاء... ثم قامت هي أمي إلى المطبخ، و لم يكن حسام و لا والدي في البيت... و الحقيقة أنه جاء ليناقش مع والدي مسألة ما، فكان مضطرا لانتظار قدومه... لذا فقد جلسنا سوية في قاعة الجلوس المفتوحة على المطبخ. فسألته بكل جرأة : ما الذي تنتظره من زوجة المستقبل... و تصوري بم أجابني؟ قال بكل برود أنه يريد زوجة جميلة و شابة تمنحه المتعة حين يريد و تلبي رغباته و تسهر على راحته!!! كنت في غاية الذهول... ربما كنت أدرك أنها الحاجة الطبيعية لكل الأزواج لكنني لم أتصور أن يكون صريحا إلى تلك الدرجة... ثم وضعه يده على كفي التي كانت مستقرة على ركبتي و قال ضاحكا : فهل ستكونين لي تلك الزوجة؟ سحبت كفي بسرعة و عاجلته و أنا في حيرة من أمري : ألا تهمك أخلاقها، تدينها، شخصيتها، طموحاتها؟ فارتفعت ضحكته ثانية و هو يقول : إلى أين تريدين الوصول بهاته الأسئلة؟ فأجبته بإصرار : أريد أن أعرف رأيك حقيقة! فتغيرت ملامح وجهه و هي يقول في جدية : أنت لازلت صغيرة و لا تعرفين الكثير عن العالم، لذا لا يمكن أن تكوني مكتملة بناء الشخصية... و أنا سأساعدك على تنمية شخصيتك كما يجب حين نكون هناك. أما الدين و الخلق فهو أمر مفروغ منه بما أن اختيار أمي الحبيبة وقع عليك... لذا لا يجب أن أقلق من تلك الناحية... في تلك اللحظة دخل والدي، فانسحبت بهدوء إلى غرفتي و أفسحت لهما المجال كي يناقشا موضوعهما المهم... دخلت إلى غرفتي و جلست إلى أفكاري و قد أدركت شيئا ما بكل مرارة : إنه لا يتهم بالتعرف إلي، لأنني لا أعني له شيئا... بل أنه يعتبرني لعبة سيقوم هو بتقويمها و تعديلها كيفما يشاء... و فهمت حينها لمَ وقع اختياره على فتاة صغيرة لم تختبر الحياة بعد : حتى يسهل عليه التحكم فيها، و بناء شخصيتها على طريقته!

تبادلت و راوية نظرات حائرة و قلقة ثم قلت في جزع :
ـ و علام استقر رأيك بعد كلامه ذاك؟

هزت دالية رأسها في استسلام :
ـ لست أدري... فأنا في نهاية الأمر لا أزال غرة و خبرتي لا تقارن بخبرته... كما أن الغربة تساعد كثيرا على تنمية الشخصية... فأقول أحيانا بأن التجربة تستحق المحاولة، و هي ستشكل إثراءا كبيرا لحياتي... لكنني في نفس الوقت أشعر بقلق لا أدري مصدره...

قاطعتها راوية في حدة :
ـ كل هذا و لا تدرين مصدره؟ أنا أحدثك عن مصدره! مصدره هو هذا الرجل الأناني الذي يظن أنه يشتري بنات الناس بثروته و وجاهته الاجتماعية و يقمع شخصيتهن و يتحكمن فيهن كيفما يشاء كأنهن لم يكن شيئا قبله! إنها عقدة التفوق! يظن أنه اكتسب كل خبرة العالم و بناء على ذلك فتصرفاته سليمة مائة بالمائة و ما أنت إلا تحفة صغيرة و جميلة يضيفها إلى مجموعة تحفه... طبعا فهو أنفق الكثير من المال على الأثاث و الرياش و تلزمه تحفة أنيقة أخيرة ليزين بها كل ذلك! و هو طبعا إن أعجبه منظر التحفة فلن يفكر كثيرا في داخلها لأنه من السهل عليه أن يلمعها و يصقلها جيدا على طريقته حتى تناسب ذوقه في جميع الأوقات!!! يا حبيبتي يا دالية، ما الذي يجبرك على المضي في هاته التجربة التي لا تضمن لك أدنى فرص تحقيق ذاتك؟ ثم هو لم يذكر صفة مثقفة في تعريفه للمرأة المناسبة التي يبحث عنها... فما أدراك بأنه سيسمح لك بعد الارتباط بأن تواصلي تعليمك؟ ثم هو يريدك دائما جاهزة لخدمته و متعته... فهل سيقبل أن تنشغلي عنه بعمل ما يا ترى؟؟ عليك أن تفكري جيدا في كل هذه النقاط فالمسألة ليست هينة يا حبيبتي!! إنها رحلة عمر...

تنهدت دالية من جديدة و هي تقول :
ـ ربما كنت على حق... ربما علي أن أفكر جيدا في الأمر...

ثم نظرت إلي مبتسمة و قالت :
ـ قبل أن يدخل حسام في دوامة التأشيرة و معاملات السفر...

ضحكنا معا ضحكات شابها بعض التوتر و القلق، قبل أن تستدرك دالية كأنها تذكرت شيئا مهما :
ـ مرام... هل تذكرين ذاك الشاب المسيحي الذي أسلم... جاد... الذي طلبت من حسام أن يتصل به و يساعده على التعرف أكثر على الإسلام؟

فوجئت بسؤالها و نظرت إلى راوية مباشرة دون وعي مني... فوجدت وجهها قد شحب فجأة... فعاجلت دالية قائلة :
ـ نعم... ما شأنه؟

ـ أنا آسفة لأنني تأخرت في إخبارك... فقد مضى على الحادثة حوالي أسبوعين... لكنني كنت مشغولة كما تعلمين. و حين حدثني حسام، فكرت بأنني سأتصل بك قريبا و أخبرك... لكنني سهوت عن ذلك لفترة و لم أذكر الأمر إلا البارحة...

قاطعتها بنفاد صبر :
ـ و لكن ما الأمر؟ قولي...

ـ حسن... لقد أخبر حسام بأنه قد تعلق بالفتاة التي ساعدته على دخول الإسلام... و هو واثق من أنها تعلقت به هي الأخرى رغم أنها رفضت طلبه حين تقدم إليها... و طلب من حسام النصح و المشورة... فأخبره حسام بأنه يتفهم موقف الفتاة و خوفها من ارتباط مماثل قد يسبب لها توترات و مشاكل هي في غنى عنها... و لكن بإمكانه أن يطلب منهامنحه فرصة إضافية ليقنعها بأنه الشخص المناسب لها و أنه مستعد لفعل أي شيء لإسعادها... فحسم جاد أمره و هو عازم على القدوم إلى بلدنا في أجازته المقبلة... أوه يا إلهي... قال أن الأجازة تبدأ بعد أسبوعين! يعني أنها بدأت بالفعل... و قد يكون وصل! لقد تأخرت كثيرا... أرجوك يا مرام، أخبري تلك الفتاة بأنه سيتصل بها قريبا ليطلب موعدا مع والدها... و عبري لها عن أسفي الشديد لأنني تأخرت في إيصال الخبر، مع أنني لا أعرفها... هل أعرفها؟

ابتسمت في هدوء و أنا أرى راوية تشير إلي من وراء دالية بأن أجيب بالنفي... فقلت :
ـ حسن سأبلغها... لا تقلقي...

لم أجب على سؤالها الأخير... و الحمد لله أنها لم تصر. فقد التفتت إلى راوية كأنها تذكرت شيئا من جملة الأشياء الكثيرة التي نسيتها في الفترة الماضية :
ـ و أنت يا حبيبتي... ما أخبارك؟ هل من جديد؟

فبادرتها هاتفة :
ـ ألم تصلك الأخبار بعد؟ ابن عمتي طارق تقدم لخطبتها... و هي وافقت!

احتضنت دالية راوية في سعادة مهنئة... في حين ارتسمت ابتسامة بلهاء على شفتي راوية، و احمرت وجنتاها... و بدت في عينيها نظرة ساهمة، تشي بالدوامة التي وجدت نفسها فيها...

ساره الالفي
14-08-2009, 01:28 AM
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ




دفعت باب الحديقة في هدوء و أنا ألقي نظرة على السيارة المتوقفة أمام المستودع... طارق عندنا اليوم... خيرا إن شاء الله...
قبل أن أتجاوز الباب الرئيسي تناهت إلي، كالعادة ضحكات أخي ماهر... ألا يكبر هذا الشقي و ينضج قليلا!! ضحكه العالي يصل إلى مسامع الجيران...

كانت عمتي سهام و سارة تجلسان في قاعة الاستقبال رفقة أمي، في حين كان طارق يبادل ماهر الدعابات في غرفة هدا الأخير. ألقيت التحية و جلست في قاعة الاستقبال... و مند الوهلة الأولى لاحظت النظرة الغريبة التي طالعتني بها عمتي. صحيح أنها نظراتها كلها غريبة مذ جاءت إلى بيتنا أول مرة... لكنها نظرات مختلفة، نظرات عتاب... أو انزعاج... على أية حال، كنت أتوقع خيبة أملها من رغبة طارق في خطبة راوية، فقد تبعثرت أحلامها في لم شمل الأسرة من جديد عبر المصاهرة!

لكنني تجاهلت تماما نظراتها تلك و اقتربت من سارة هامسة :
ـ هل اتفق طارق مع عمتي على موعد زيارة والدي راوية؟

أشارت إلي سارة أن أغير الموضوع و هي تقول في صوت خفيض :
ـ يبدو أنهما تجادلا في السيارة في طريق قدومهما... سأحدثك لاحقا بما حصل...

رفعت رأسي لأجد عمتي تحدجني بنظرات فاحصة، فابتسمت بسرعة و أنا أقوم من مجلسي قائلة :
ـ آسفة يا جماعة... لدي الكثير من الدراسة هاته الأيام، فالامتحانات على وشك أن تبدأ... لذا سأذهب إلى غرفتي...

غادرت الصالة تتبعني دعوات أمي و عمتي بالنجاح و التوفيق. و ما إن أغلقت باب الغرفة خلفي حتى طرق أحدهم الباب. عقدت حاجبي في تساؤل و استغراب ثم فتحت الباب من جديد. كان طارق الذي سمع صوتي و وقع أقدامي في الرواق فتبعني!
ـ آسف على الإزعاج... كنت فقط أريد أن أتحدث إليك في أمر ما، بعجالة... لن آخذ من وقتك الكثير...

ـ طبعا... تفضل...

بدا عليه بعض التردد ثم قال :
ـ أمي ليست موافقة على ارتباطي براوية... لكنني وعدتها بأن أتقدم في أقرب وقت ممكن. و لا أريد بأي حال من الأحوال أن تشك في جديتي في مسألة الارتباط... لذلك، سأضطر إلى لقاء والدها و أمي غير راضية... على أمل أن تقتنع فيما بعد... لذا هلا أخبرتها بأنني سأزورهم في نهاية الأسبوع؟

نظرت إليه في دهشة... لكنني سرعان ما أومأت برأسي قائلة :
ـ طبعا... سأخبرها...

ـ شكرا جزيلا لك يا مرام...

عاد طارق أدراجه إلى غرفة ماهر... و ماهي إلا لحظات قليلة حتى لحقت بي سارة إلى غرفتي. ارتمت على الفراش و هتفت في إعياء :
ـ طارق المسكين... أبي يضيق عليه من أجل مسألة العودة النهائية إلى الوطن... و أمي تعكر عليه مسألة الزواج!

جلست إلى جانبها و أنا أقول في اهتمام :
ـ أخبريني... ما الذي حصل بين طارق و عمتي؟

اعتدلت سارة في جلستها مستعدة لحديث طويل، ثم تنحنحت و هي تقول :
ـ حسن... أنت تعلمين كم أمي متعلقة بطارق، خاصة أنه ولدها الذكر الوحيد... و هي تخاف عليه كأنه لا يزال طفلا صغيرا، و عندما أعرب عن رغبته في الاستقرار في البلد شجعته على الزواج حتى تطمئن عليه بسرعة... لكنها كانت تفكر في ارتباطه بإحدى فتيات العائلة... يعني أنت أو حنان ابنة خالتي هيام...

امتقع لوني مع جملتها الأخيرة، و واصلت سارة قائلة و هي تلاحظ تغير سحنتي :
ـ لكن طارق أخبرها بأنك مرتبطة بحسام... و بما أن الخبر لم ينتشر بعد في العائلة و الخطبة لم تعلن رسميا، فهي كانت تميل إلى عدم تصديق ذلك... و أصرت على المحاولة، لكن طارق كان يمنعها بشدة في كل مرة تجنبا للإحراج... ثم حين أخبرها بأنه عزم على خطبة راوية، صديقتك، جن جنونها... و قالت بأنه إن لم يتزوجك أنت فالأولى أن يتزوج حنان... و هي ذهبت البارحة بالفعل لزيارة خالتي هيام، و حاولت جس النبض... و لعلها وجدت ترحيبا من خالتي و حنان نفسها فأصرت على رفضها لراوية... لكن كما ترين، طارق مصر على موقفه... و هي أكثر منه إصرارا، و لست أدري ما الذي سيحصل بينهما!!

سرحت للحظات في مشكلة طارق، و مشكلة راوية... فطارق ممزق بين رغبته التي لا أدري ما دافعها، هل هو حب صادق أم تحد أم خداع لنفسه و للعالم... و بين رغبة والدته في لم شمل الأسرة من جديد. و راوية هي الأخرى ممزقة بين حبها القديم لجاد... و بين رغبتها في الخلاص من الدوامة التي تكاد تغرقها بتفكيرها المستمر في الصعوبات و العراقيل التي تعيق ارتباطهما...

ماذا لو كان طارق غير واثق من مشاعره تجاه راوية... فهو حينها سيظلمها بإبعادها عن جاد و يظلم نفسه معها بزواج لم يكن مقتنعا به يوما! يا إلهي... يجب أن أعرف سبب تعلق طارق براوية و دوافعه الحقيقية من الارتباط بها... لكن كيف؟!

التفتت إلى سارة التي كانت تتأملي ملامحي القلقة المتفكرة و على شفتيها ابتسامة غامضة، فقلت في اهتمام :
ـ سارة... هناك مشكلة كبيرة...

ترددت للحظات... لا يمكنني أن أخبرها عن مشاعر راوية السابقة نحو جاد، فقد يزل لسانها أمام طارق و يفسد كل شيء...
ـ سارة، هل حدثك طارق عن ارتباطه براوية؟

نظرت إلي في استغراب و هي تقول في تساؤل :
ـ ماذا تقصدين؟

قلت موضحة :
ـ هل قال مثلا أنه يحب راوية، أو معجب بها... هل ذكر أسباب رغبته في الارتباط بها؟

رفعت سارة عينيها نحو السقف و عقدت حاجبيها في تفكير ثم قالت في بطء :
ـ لست أدري... ربما... لكنه لم يفصح تماما... و لكنني أظنها تعجبه و إلا لما فكر في الارتباط بها... أليس ذلك منطقيا؟!

تنهدت في يأس و أنا أقول في نفسي : لو كانت تصرفات البشر دائما منطقية، لانتشر السلام في أرجاء المعمورة... و لكن هيهات... فقد تعمي بعض المشاعر الطفيلية بصيرة الإنسان و تدفعه إلى تصرفات حمقاء لا يدرك نتائجها إلا بعد فوات الأوان! فكيف تفكر يا طارق؟ هل تحاول مجرد نسيان القصة القديمة... أم أنك شفيت منها و تبحث عن استقرار حقيقي؟!

انتبهت إلى سارة التي لازالت تتأملني و نفس الابتسامة الغريبة على شفتيها و قلت :
ـ و حنان؟ ماهو موقفه منها؟!

هزت رأسها و هي تقول :
ـ لقد رفض الذهاب إلى منزل خالتي هيام حين عرف عن رغبة أمي تلك في تزويجه من حنان... و هو إلى الآن لم يزرهم! أيمن جاء لزيارتنا... لكن حنان لم تأت... أليس الأمر غريبا؟

انتبهت إلى اتساع ابتسامة سارة و هي تطرح سؤالها الأخير و ترمقني بنظرة عميقة. ظهرت علامات الدهشة على وجهي و أنا أنظر إلى عيني سارة التي صارت تتصرف بغرابة. فقلت :
ـ ما الغريب في الأمر؟

ـ أن طارق يزوركم باستمرار... في حين أنه لم يزر خالتي هيام أبدا!

تملكتني الدهشة و أنا أقول في حيرة :
ـ ربما كان يشعر بالحرج بما أنه يعلم أن عمتي تريد تزويجه من حنان!

قاطعتني سارة :
ـ لكنها كانت تريد منه الارتباط بك أنت قبل حنان... فلم لا يشعر بالحرج من لقائك؟

ـ سارة ماذا تقصدين؟ طارق يعلم أنني مرتبطة بحسام، و الأمر منته!

هزت سارة كتفيها في لامبالاة و هي تقول :
ـ لكن والدتك أكدت بأنك غير مرتبطة... و أنت لم تتحدثي معه عن حسام مجددا منذ قدومنا... كما أنك غاضبة من حسام مؤخرا، أليس كذلك؟

اتسعت عيناي دهشة و أنا أقول في حيرة متزايدة :
ـ و ما علاقة كل هذا بموضوعنا؟ ثم كيف سيعلم طارق بغضبي من حسام...

توقفت الكلمات على لساني و نظرت إليها في عدم تصديق :
ـ أنت؟!

هزت سارة رأسها موافقة و هي تقول :
ـ طارق كان يسألني باستمرار عن علاقتك بحسام... و أخبرته البارحة بأنك غاضبة منه للغاية و أنه سيسافر و يتركك...

ـ و لكن لماذا؟! لماذا يسأل طارق عن علاقتي بحسام؟ و كيف تخبرينه أنت بكل التفاصيل؟ كيف؟!

تجاهلت سارة سؤالي و هي تقول :
ـ مرام... هل أنت منزعجة من ارتباط طارق براوية؟!

أحسست بجمود ملامحي، فقد استفرغت كل دهشتي و لم يعد لدي طاقة لأعبر أكثر عما اعتراني من الذهول أمام نظرات سارة الغريبة و عباراتها الأغرب... لكنني نطقت بعد فترة من الصمت العجيب :
ـ و ما الذي يجعلك تعتقدين ذلك؟

وقفت سارة و هزت كتفيها و هي تقول :
ـ لست أدري... إحساس خامرني... كما أنك تتساءلين عن مشاعر طارق نحو راوية... فهل لديك تفسير آخر؟

وقفت بدوري في عصبية و أنا أهتف :
ـ كنت أتساءل لأنني أتمنى لصديقتي كل الخير و أخشى أن يطلبها طارق دون اقتناع منه بما يفعل فيظلمها و يظلم نفسه!

حاصرتني نظرات سارة و هي تتساءل :
ـ و لم يطلبها دون اقتناع؟ ما الذي يدفعه إلى ذلك؟!

حارت الكلمات على شفتي و لم أدر كيف يجب أن أتصرف. لكن سؤال سارة الموالي فاجأني للغاية :
ـ هل تصالحت مع حسام؟

ـ و هل تشاجرنا لنتصالح؟!

ـ و مسألة السفر... و المقاطعة؟!

ـ حتى هذه أخبرت بها طارق؟! لماذا يا سارة؟ و أنا التي ظننتك تكتمين أسراري و تحافظين على كل ما يقال بيننا؟ و لكن ما يجنني هو ما الذي ينويه طارق و لماذا يتتبع تفاصيل علاقتي بحسام؟

ترددت سارة ثم قالت و هي تتوجه ناحية باب الغرفة :
ـ ابحثي عن الجواب في نظراته... فهي تقول الكثير لمن يهتم بفهمها...

ثم فتحت الباب و اختفت وراءه تاركة إياي في منتهى الدهشة... و الأسى...
أيقظني من ذهول رنين هاتفي الجوال... إنها راوية! أحسست بالألم يعتصر قلبي... ما الذي سأقوله لها؟ ابن عمتي لا يزال يحبني و لم يطلب الارتباط بك إلا ليبقى قريبا مني؟!

أجبت بعد تردد قصير فجاءني صوت راوية الحزين... تذكرت المشكلة الأخرى التي تتربص بها : زيارة جاد غير المتوقعة!

ـ كيف حالك اليوم؟ هل اتصل جاد؟

ـ لا... ليس بعد...

ساد صمت قصير قبل أن أقول و أنا أحاول إخفاء انفعالي :
ـ طارق عندنا اليوم... لقد أخبري مند قليل بأنه ينوي زيارتكم في نهاية الأسبوع للقاء والدك... هل يناسبك الموعد؟

أجابت راوية بدون تردد... بل ربما بدا عليها الحماس، مما جعل قلبي ينقبض بشدة :
ـ طبعا... لا بأس! سأخبر أمي حالا!

لست أدري لم استوقفتها و أنا أقول في صوت ضعيف :
ـ راوية... هل أنت مقتنعة بطارق؟

أحسست بدهشة راوية التي لم تجب على الفور، لكنها عاجلتني بسؤال آخر :
ـ مرام... هل أنت مقتنعة بحسام؟

تملكتني الدهشة و أنا أجيب باعتراض :
ـ ما هذا السؤال يا راوية؟ طبعا مقتنعة به! و إلا لما قبلت بالارتباط به!

قاطعتني راوية و هي تقول :
ـ لكنك لا تعرفينه! بل جل ما تعرفين عنه هي مواقف قليلة أثارت إعجابك...

تمهلت قبل أن أرد عليها و أنا أفكر فيما قالت. لكنها واصلت قائلة :
ـ مرام لا يمكنني الجزم الآن إن كنت مقتنعة بطارق أم لا، لأنني لا أعرفه جيدا... لكنني أدين له بإنقاذ حياتي و سمعتي... كما أنه شخص ملتزم و أخلاقه عالية، و إضافة إلى ذلك فهو يرغب في الاقتران بي... فأقل ما يمكنني فعله هو أن أمنحه فرصة إقناعي بنفسه... و لا يمكن أن يحدث ذلك إلا في فترة الخطوبة...

استمعت إلى راوية بانتباه و لم أملك إلا أن أجيب :
ـ نعم... أنت محقة!

وضعت الهاتف، ثم ارتميت على الفراش في إعياء شديد... قلبي متعب، عقلي متعب، روحي متعبة... ما الذي أملك فعله من أجل حبيبتي راوية؟ سأكون مذنبة إن تركتها ترتبط بطارق دون أن أحذرها. أو ربما يمكنني أن أتحدث إلى طارق و أجعله يعدل عن قراره... أو إلى عمتي و أجعلها تصر أكثر على رفضها لزواجه من راوية... أو حتى عمي محمود، فأشجعه على رفض استقرار طارق هنا...

كيف يمكنني أن أمنع مأساة من الوقوع دون أن يتحطم قلب ما؟ كيف؟ يا إلهي ألهمني الصواب... يا رب!

فتحت سارة الباب فجأة فانتفضت في مكاني و انتصبت جالسة. نظرت سارة طويلا إلى الدموع التي تجمعت في مقلتي منذرة بالنزول... ثم قالت في صوت خال من التعابير :
ـ لدينا ضيوف... خالتي هيام و حنان... و أيمن...

غادرت سارة الغرفة بسرعة، مثلما ظهرت. سارعت بالوقوف و تعديل حجابي أمام المرآة و أنا أفكر... علاقتنا بعائلة عمتي هيام ليس جد مميزة, فهي على خلاف متواصل مع أبي حول مواضيع قديمة بخصوص الميراث و ما إليه، على خلاف عمتي سهام التي تحبنا كثيرا... أما حنان فهي من النوع المنطوي... و المغرور! صحيح أن سارة خجولة أيضا، لكننا كبرنا معنا و كنا مقربتين لزمن طويل. أما أيمن و حنان فلم أكن أراهما إلا في المناسبات و الأعياد... فما المناسبة التي دعتهم إلى زيارتنا هاته المرة؟!

خرجت من غرفتي باتجاه قاعة الجلوس... فالتقيت في الرواق بطارق الذي خرج لتوه من غرفة ماهر. توقفت فجأة و التقت عيناي بعيني طارق... تذكرت في تلك اللحظة عبارة سارة : "ابحثي في عينيه عن الجواب" فغضضت بصري بسرعة و واصلت سيري بعد أن أفسح لي الطريق و تبعني في خطوات بطيئة... كنت أشعر بالاضطراب و أنا أحس بعينيه تتبعان حركاتي من ورائي...

كانت عمتاي سهام و هيام تتبادلان الأحاديث رفقة أمي... في حين جلست حنان على الأريكة المقابلة في صمت و نظراتها مركزة على الباب. أيمن لم يكن هنالك.

سارعت لأسلم على عمتي التي لم أرها منذ زمن بعيد، و جلست إلى جوار حنان التي لم تفارق عيناها المدخل. فجأة التفتت إلي وقالت :
ـ أليس طارق هنا؟

التفتت إليها في دهشة... و لكنني لم أملك الجواب، فقد كان يسير خلفي و ظننته قادما لإلقاء التحية لكنه لم يظهر! تمالكت نفسي و ابتسمت قائلة :
ـ إنه مع ماهر في الداخل...

ثم سألتها بدوري :
ـ سارة قالت بأن أيمن جاء معكم... ألم يدخل؟

ـ نعم... لكنه فضل البقاء في الحديقة... فهو خجول و لا يحب جلسات النساء...

سكتت للحظات قبل أن تعاجلني في اهتمام :
ـ لم لا تدعين طارق و ماهر و سارة و ننضم جميعا إلى أيمن في الحديقة؟

ثم أضافت ضاحكة :
ـ و نترك العجائز يتبادلن أحاديثهن و ذكرياتهن المملة...

تطلعت إليها في ذهول. كانت عيناها الخضراوان الجذابتان تلتمعان في سرور ظاهر، و هي تسوي خصلات شعرها الكستنائي في رفق و حرص. حنان تكبرني بسنة واحدة، لكن الناظر إلينا يجد فرقا شاسعا بيننا... فهي كانت تبدو باهتمامها المتواصل بمظهرها و هندامها سيدة مكتملة النضج... في حين تفضح ملابسي الفضفاضة و أظافري المقلمة قلة خبرتي في مجال الزينة و الأزياء...

وقفت بناء على طلبها و توجهت إلى الداخل باحثة عن سارة. فتحت باب المطبخ فجأة فالتفت إلي طارق و سارة بحركة واحدة و قد توقفا عن الكلام... تلعثمت و أنا أقول في حرج :
ـ هل تريدان الانضمام إلينا في الحديقة؟ حنان و أيمن يريدان الجلوس إليكما...

أحنى طارق رأسه موافقا... في حين ابتسمت سارة نفس الابتسامة الغامضة التي باتت تثير اشمئزازي... و لست أدري كيف تمالكت نفسي بصعوبة حتى لا أصرخ في وجهها و أنا أعلم أنها كانت تقص على طارق تفاصيل الحوار الذي دار بيننا منذ قليل!!

لماذا تفعلين هذا يا سارة؟ أعلم أنه أخوك... لكن يجب عليك أن توقفيه بدل أن تشجعيه و تساعديه! فالموضوع منته بالنسبة إلي... و لست أدري ما الذي تضمره يا طارق و ما الذي تخفيه من مفاجآت لي... و لراوية المسكينة!

تحلقنا حول المائدة الصغيرة في طرف الحديقة. وضعت طبق الحلويات و العصير و أنا أرسم ابتسامة على شفتي أردتها أن تكون تلقائية قدر الإمكان و قلت :
ـ تفضلوا... ما أجمله من لقاء بين أبناء العم...

تناول أيمن كأسه و هو يقول في صوت مهذب و دافئ دون أن يرفع رأسه عن الأرض :
ـ سلمت يداك...

أما حنان فإنها أطلقت ضحكتها العذبة و هي تناول طارق كأسه، ثم تتناول كأسها بدورها و ترفع ساقها اليمنى فوق اليسرى ثم هتفت في حماس مخاطبة طارق :
ـ ألا تحدثنا عن حياتك في أمريكا يا ابن الخالة؟ و الله إني عجبت حين عملت من أيمن أنك تنوي العودة النهائية قبل أن تقطف ثمار مشروعك الذي بدأته هناك...

قاطعتها سارة في برود و هي تقول :
ـ أخبرينا أنت أولا يا ابنة خالتي العزيزة... ماذا فعلت بدراستك؟ فقد سمعت أنك تخليت عنها قبل أن تقطفي ثمار شهادة ختم التعليم الثانوي...

فوجئت بهجوم سارة غير المتوقع، و رأيت علامات الغيظ على وجه حنان الجميل و قد تشنجت أعصابها و همت بالدفاع عن نفسها أو ربما رد الهجوم و الثأر لكرامتها... لكنها توقفت فجأة. فقد كانت قبضة أيمن تطبق على ذراعها في شدة، و نظراته العميقة الحازمة جعلتها تهدأ بسرعة و تخفض رأسها في استسلام... كانت اللحظات الموالية أقل توترا... و استلم أيمن دفة الحديث و تبادل و طارق الحوار في مواضيع شتى... في حين تبادلت سارة و حنان نظرات حاقدة أراها للمرة الأولى في عيني كل منهما... ما الذي يحصل هنا؟ أي نوايا يخفيها كل منهم؟!

كنت أتابع حوار أيمن و طارق في اهتمام حول التحولات الاقتصادية في البلاد، و أيمن يسدي النصائح إلى طارق بخصوص مشروعه الجديد... فأيمن هو أكبرنا، و قد اقترب من الثامنة و العشرين من عمره...

فجأة خطر ببالي خاطر غريب جعلني أراقب حركات كل منهما... بدا لي أن طارق كان يقلد حركات أيمن! فطارق الذي أمامي مختلف عن طارق الذي زارنا منذ شهور... لكنه صار يشبه أيمن كثيرا، في نظراته الحيية إلى الأرض و في طريقة حديثه الهادئة المتزنة... و فجأة تذكرت أن طارق حين غادرنا بعد خيبة الأمل التي مني بها منذ بضعة شهور، قضى بقية فترة إقامته في البلد عند عمتي هيام، و لا شك أنه كان يلازم أيمن و قد تأثر بتصرفاته... ابتسمت و أنا أصل إلى ذاك الاستنتاج،

و انتبهت فجأة إلى عيني سارة التي لاتزال تراقبني و تلحظ تصرفاتي... فيم تفكر يا ترى؟!

رن الهاتف، فوقفت بسرعة لأجيب فارة من نظرات سارة التي صارت تشعرني بالحرج و القلق و الغضب! كانت دالية...
ـ كيف سارت الأمور؟

أجابت دالية و علامات السرور تقفز بين كلماتها :
ـ لقد رفضت وليد يا مرام!

وجدتني أهتف في فرح كأنني أهنئها بإنجاز هام :
ـ ألف مبروك يا دالية... أنت تستحقين من هو خير منه بألف مرة...

وقعت عيناي فجأة على أيمن و طارق المنسجمين في حديثهما،
فابتسمت دون أن أشعر... و تمنيت أمنية في سري. انتبهت لصوت دالية و هي تقول :
ـ اطمئني الآن... حسام لن يسافر...

اتسعت ابتسامتي و أنا أسألها :
ـ و كيف قابل والدك الأمر؟

ـ لا تذكريني... أنا الآن محبوسة في غرفتي، لأن أبي غاضب من تصرفي و يراه طيش شباب... لأنه كان قد اتفق على مشروع مع وليد... كما أنه كان قد شرع في معاملات السفر... لكنني سعيدة، و حسام سعيد... و أمي أعطتني الحرية الكاملة لاتخاذ قراري... و لا داعي للقلق من ناحية أبي، فهو سيتقبل الأمر عاجلا أم آجلا... أعلم أنه لا يقدر على إجباري... و سعادتي بالنسبة له أهم من كل المشاريع...

ابتسمت في جذل و أنا أتمتم :
ـ الحمد لله...




تمت الحلقة الحادية عشر بحمد الله

asma22
14-08-2009, 08:40 AM
الحمدلله ان دالية رفضت
دالية عاوزة واحد يكون نفس شخصيتها مش بالمواصفات دى
وجاد جه كمان ايه الحاجات الجديدة دى ان شاءالله جاد اللى هينتصر بس مش عارفة ازاى فيه مشاكل كتير جدااااااااااا

ساره الالفي
14-08-2009, 07:20 PM
الحمدلله ان دالية رفضت
دالية عاوزة واحد يكون نفس شخصيتها مش بالمواصفات دى
وجاد جه كمان ايه الحاجات الجديدة دى ان شاءالله جاد اللى هينتصر بس مش عارفة ازاى فيه مشاكل كتير جدااااااااااا

معاكي حق يا أسماء فعلا داليه تستحق واحد احسن من ده 1000 مره

وراويه كمان صعبانه عليا أوووووووووي
وجاد الله اعلم إيه اللي هيحصل معاه قصاد طارق

طب تفتكري هل فعلا طارق إتغير ولا شكليات بس؟؟؟:excl:

بنت دمنهور
14-08-2009, 08:25 PM
انا طارق ده مش مستريحة له خلاص

انا عندي احساس انه رواية هتتخطب لجاد والله اعلم

مستنين نشوف الباقي ان شاء الله

ساره الالفي
14-08-2009, 09:08 PM
انا طارق ده مش مستريحة له خلاص

انا عندي احساس انه رواية هتتخطب لجاد والله اعلم

مستنين نشوف الباقي ان شاء الله

أختي الغاليه

انا كمان مش بستريح لطارق وبحس إنه مش إتغير عشان يرضي ربنا هو إتغير عشان حاجه تانيه هو عايز يوصلها

والله أعلم إحساسك صح ولا غلط من ناحيه موضوع راويه وجاد " ربنا يكرمهم "

تعالي نكمل بقية الأحداث :av4056bb7jp3:

ساره الالفي
14-08-2009, 09:19 PM
الحلقة الثانية عشر


ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ



تربعت على السرير و قد احتضنت الكتاب الضخم في محاولة عابثة للتركيز على الدرس و الاستعداد لامتحان الغد الذي لم ينل مني نصيبا يذكر من المراجعة... لكن ذهني كان يذهب بعيدا في كل مرة... يسرح في المشاكل التي صارت تؤرقني مؤخرا...

وقعت عيناي على سارة التي كانت تجلس إلى حاسوبي منسجمة في لعبتها الجديدة. لم أتحدث معها كثيرا منذ مساء الأمس بعد أن انصرفت خالتي هيام و أبناؤه. ادعيت أنني أعاني من أوجاع في رأسي و أغلقت الغرفة على نفسي...

فجأة خطرت ببالي فكرة... فقلت بصوت منخفض قليلا، أردته أن يصل إلى مسامع سارة، و أنا أتنهد بعمق :
ـ آه... كم اشتقت إليك يا حسام...

ابتسمت و أنا ألاحظ أصابع سارة التي توقفت عن الضغط على أزرار لوحة المفاتيح دون أن تلتفت إلي... لكنني كنت متيقنة من أنها سمعتني.
عدت إلى كتابي من جديد و تظاهرت بالتركيز الشديد... لم أرفع رأسي إلا حين بادرتني سارة بقولها و هي تدير إلي كرسيها :
ـ مرام... هل سافر حسام إلى كندا؟

هززت رأسي في عنف نافية و أنا أقول :
ـ يسافر؟ لا يمكنه أن يسافر و يتركني! لقد جعلته يعدل عن قراره... و إن شاء الله سيتقدم لي ثانية عند نهاية السنة الدراسية... و هاته المرة ستكون خطبة رسمية حتى لا يبقى لأحد شك في جدية علاقتنا...

رمقتني سارة بنظرة فاحصة... لكنني ابتسمت و أنا أستطرد مداعبة :
ـ و إن شاء الله نفرح بك قريبا أنت أيضا!

ابتسمت سارة بدورها و أطرقت في خجل, فواصلت و أنا أتظاهر بالتفكير العميق، و أنا أعلم يقينا أن كل كلمة نقولها ستصل إلى طارق إن عاجلا أم آجلا :
ـ أليست حنان مناسبة لطارق؟ ما رأيك؟ يبدو أنها معجبة به... كما أن عمتي تروقها الفكرة كثيرا...

قاطعتني سارة في حدة :
ـ ما الذي تقولينه؟ حنان؟! أبدا!! لن أسمح لها بالزواج من أخي...

نظرت إليها في استغراب و قلت :
ـ و لم كل هذا التحامل على حنان؟ إنها ابنة خالتك... كما أنك لم تريها منذ زمن طويل... فمتى نشأت هاته العداوة بينكما؟! فقد لاحظت أنكما كنتما تتبادلان نظرات حادة مساء البارحة...

أطرقت سارة في تردد... ثم رفعت رأسها بعد صمت قصير :
ـ أكرهها... و لا أريدها أن تتزوج طارق!

اقتربت منها و قلت في هدوء :
ـ و لكن لمَ تكرهينها؟ ما الذي حصل بينكما؟!

هزت سارة كتفيها في لامبالاة :
ـ لم يحصل بيننا شيء... فأنا رأيتها للمرة الأولى منذ 5 سنوات، مساء البارحة...

ازداد استغرابي و أنا أتطلع إلى سارة التي تبدلت ملامحها و هي تقول :
ـ لكن طارق حدثني عن أفعالها...

ـ طارق؟!

ـ نعم، حين زارهم في رحلته السابقة... كانت تصرفاتها سيئة... بل فظيعة!

لم يبد علي أنني استوعبت أو فهمت الكثير مما تشير إليها، فصرخت سارة في انفعال و قد تعبت من بلادة ذهني الغريبة :
ـ كانت تحاول إغراءه و التقرب إليه!

حدقت فيها في عدم تصديق... فنهرتني في عنف :
ـ لا تنظري إلي هكذا ! أنت تعلمين أن جدي رحمه الله كان يقول دائما حين كنا أطفالا بأن سناء لأيمن و حنان لطارق... و أنه خصص جزءا من الميراث لأربعتهم إن هم ارتبطوا... لكن أيمن لم يكن يريد سناء... و الحقيقة أنهما ليسا من الصنف نفسه... و قد حصل الخلاف بين أمي و أخوالي حول الميراث منذ زمن... و لازالت الخلافات تطفو على السطح في كل مناسبة... و هو ما سبب شبه القطيعة بين خالتي هيام و أخوالي الذكور... حين طالبت بنصيب أيمن في الميراث، في حين رأى خالي مراد بأن يقسم بين الإخوة بالعدل بما أن أيمن و سناء لا يعتزمان الارتباط... و ها قد تزوجت سناء مايكل و انتهى الأمر... أمي لم تطالب بنصيب سناء و لا طارق، لأنها لم تكن مهتمة بالميراث أصلا... و هاهي خالتي هيام تثير الموضوع من جديد... و تحرض أمي على تزويج حنان من طارق... لكن حنان مستعدة لفعل أي شيء من أجل الميراث... حتى أنها حاولت إغراءه بأساليبها القذرة...

كنت أنظر إلى سارة التي تلهث من فرط الانفعال و قد اتسعت عيناي دهشة :
ـ حنان؟! مستحيل!

هزت سارة رأسها و هي تردد :
ـ بلى... بلى... صدقي يا عزيزتي... فهي شخص طماع، لا تحكمها أخلاق و لا مبادئ... كل همها المال و الجاه و الثراء... ألا ترين كيف تتبرج و تتزين؟!

ـ هل من المعقول أن يحدث الميراث كل هاته البلبلة بين الإخوة و أبناء العم؟

ثم أضفت ضاحكة :
ـ كان يجب أن نحتج أنا و أنت لأن جدي لم يذكرنا في وصيته! لكن الحمد لله أنه لم يربطني بأحد من العائلة... لا أتمنى أن أكون في موقف سناء و لا حنان ! الأولى تجد نفسها غير مرغوب فيها... و الثانية تطارد الميراث بكل إصرار!!!


وقفت فجأة و قد خطرت ببالي فكرة ما و خرجت من الغرفة و عيون سارة تتبعني في استغراب. بحثت عن أمي في أرجاء المنزل، ثم وجدتها أخيرا في المطبخ... تطهو حساءها المميز...

دفعت الباب في هدوء و استنشقت الرائحة الذكية التي تنبعث من آنية الحساء و هتفت :
ـ الله... سلمت يداك يا أمي الحبيبة...

ثم اقتربت منها و عانقتها في حنان. ربتت على ظهري و ابتسامة حانية على شفتيها. ثم نظرت إلي نظرة فاحصة و قالت :
ـ ما الذي جعلك تتركين دراستك؟ هل أنهيت المراجعة؟

هززت رأسي في نفي و قلت في ضجر :
ـ المراجعة لا تنتهي مهما قضيت فيها من الوقت... لذا يجب أن أروح عن نفسي بين الفينة و الأخرى ((فإن القلوب إن هي كلت عميت)) و أنا لا أريد لقلبي أن يصيبه العمى... و لا حتى قصر نظر!

ضحكنا معا للدعابة... ثم سكتت لبرهة قبل أن أستطرد في اهتمام :
ـ أمي... ماهي قيمة الميراث الذي أوصى به جدي لحنان و طارق؟
تطلعت إلي أمي و قد اتسعت ابتسامتها :
ـ هل يشغل بالك هذا الموضوع؟ هيام و سهام لم تتحدثا إلا عن هذا مساء البارحة!

ثم اقتربت من الطاولة التي أجلس إليها و هي تقول :
ـ جدك يا حبيبتي خصص لأيمن و سناء منزل المزرعة بكل محتوياته... و خصص لطارق و سناء الإسطبل و الزرائب... وقيمتها لا تقل كثيرا عن قيمة المنزل...

اتسعت عيناي دهشة :
ـ المنزل و الإسطبل! ليس بالشيء الهين فعلا! و لكن لماذا لم يخصص نصيبا لبقية أحفاده أيضا؟

جذبت أمي الكرسي المجاور و جلست و هي تقول :
ـ جدك كانت له دوافعه... فأنت تعلمين أن النصيب الشرعي لبناته هيام و سهام هو نصف نصيب أبنائه من الذكور... لكن البنات و هبنه الأحفاد قبل الأولاد، فأحب أيمن و سناء و طارق و حنان كثيرا... لأنهم ملؤوا عليه البيت في وحدته حين تقدم في السن... ففكر حينها بأن يضمن مستقبلهم و ييسر لهم الزواج لوعيه بارتفاع الأسعار و صعوبة الزواج للأجيال القادمة...

قلبت شفتي في حيرة و أنا أقول :
ـ تفكير جميل ... و لكن إن كان يريد مساعدتهم فلم يضع شروطا؟ ألم يفكر بأنهم قد لا يتوافقون في الطباع و الميولات و قد لا يرغب أحدهم في الآخر؟ و الدليل هو زواج سناء من أمريكي... و خطبة طارق لراوية... يعني لا أمل!

قاطعتني أمي قائلة :
ـ لكن رغبته في مساعدتهم كانت مرتبطة برغبته في لم شمل الأسرة من ناحية... و عدم تقسيم الميراث و ضياعه من جهة أخرى... فوضع شرطا لهبته أن يرتبط أبناء الخالات ببعضهم لبعض! و الآن الجدال لا ينتهي حول كيفية التصرف في المنزل لأن ارتباط سناء بأيمن لم يعد واردا

تنهدت في حزن و أنا أهمس :
ـ مشاكل جديدة... نحن في غنى تام عنها...

ساره الالفي
14-08-2009, 09:36 PM
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ



فتحت عيني بصعوبة و أنا أسمع صوتا مألوفا لدي يتردد في أذني... يبدو أنني قد غفوت فوق الكتاب! فركت عيني في تكاسل في حين لم ينقطع الصوت الحاد... ما هذا؟ تلفتت حولي و أنا لم أتخلص بعد تماما من آثار النوم... نظرت صوب المكتب... سارة لم تعد جالسة عند الحاسوب... الصوت لا يتوقف... إنه رنين هاتفي الجوال! أين هو؟ أين اختفى؟ قلبت الوسادة باحثة تحتها، ثم أبعد المرجع عن ركبتي... أوه... يبدو أنه هناك عند المكتب... وقفت بصعوبة... آه وجدته أخيرا!

ضغطت على زر الإجابة قبل أن أتأكد من المتصل و قلت بصوت مبحوح :
ـ السلام عليكم...

جاءني صوت راوية صارخا من الطرف الآخر :
ـ مرام! أين كنت؟! اتصلت بك عدة مرات و أنت لا تردين! هل كل شيء على ما يرام؟ وماذا به صوتك؟ هل أنت مريضة؟

تنحنحت لأطرد البحة عن صوتي وقلت مبتسمة :
ـ كنت نائمة فقط... لكن يبدو أن نومي كان ثقيلا جدا...

سارعت راوية تقول :
ـ الحمد لله... كنت أريدك في أمر هاااام...

عقدت حاجبي في اهتمام و قلت :
ـ خيرا

ـ أريدك أن تكوني معي مساء الغد!

قلت متسائلة :
ـ لم؟ ما الأمر؟

بدا نفاد الصبر في لهجة راوية و هي تهتف :
ـ مرااام... هل فقدت الذاكرة؟ ألست أنت من أخبرني بأن طارق سيأتي للقاء والدي؟!

ـ نعم، نعم... طبعا... آسفة... فقد استيقظت للتو و لم أسترجع كامل قدراتي على التركيز... حسن، سأحاول...

صرخت راوية في استنكار هاته المرة :
ـ تحاولين؟!!!! و هل قلت لك بأنني سأحاول حين طلبت مني أن أكون إلى جانبك حين قدوم حسام؟ هنت عليك يا مرام!!! طيــــــــــــــــــب...

ابتسمت للهجة راوية المهددة التي تمثل الانكسار و الحزن و قلت :
ـ ألا يكفي أن الخاطب هو ابن عمتي؟ أم تريدين أن تجمعي العائلة عندك؟!

و الحقيقة أنني لم أكن متحمسة جدا... خاصة بعد الأحداث الأخيرة في بيتنا... و مواقف طارق المتناقضة... حتى أنني ظنته سيعدل عن خطبته لراوية في آخر لحظة.

تنهدت أخيرا و أنا أستمع إلى سيمفونية إلحاح و إصرار من طرف راوية و قلت أخيرا :
ـ طيب... أكون عندك غدا على الساعة الخامسة... أليس الموعد على السادسة؟

تنهدت راوية في ارتياح و هي تقول :
ـ جميل... و لكن هنالك أمر آخر...

ـ خيرا إن شاء الله...

ـ جاد...

ارتميت على السرير إلى جانبي و قلت في دهشة :
ـ ما به؟

تغير صوت راوية و هي تقول :
ـ لقد اتصل...

حاولت أن تظهر اللامبالاة في صوتي و أنا أتساءل :
ـ و ماذا يريد؟

ـ يريد لقاء والدي!

قلت في انتباه و تركيز شديدين محاولة سبر أغوار حبيبتي راوية :
ـ و بم أجبته؟

تنهدت راوية و قد بدا الانفعال في صوتها :
ـ طبعا رفضت... فموعد طارق قد تحدد و انتهى الأمر...

ـ و كيف كانت ردة فعله؟

سكتت راوية للحظات ثم قالت في تردد كأنها في شك مما ستقوله :
ـ غريب... لقد بدا هادئا... لم يلح و لم يسألني لماذا!

انتقلت الدهشة إلي... نعم غريب، فهو جاء إلى البلد خصيصا للقاء راوية و إقناعها بالارتباط... فهل غير رأيه بسهولة؟ هل استسلم هكذا دون محاولة جادة؟

ظلت تلك الأفكار تحوم في رأسي إضافة إلى مشكلة الميراث طوال المساء...
ما الذي يخفيه الغد يا ترى؟


جهزت نفسي بسرعة... فقد نسيت نفسي و انغمست في المراجعة... لدي امتحانات هامة الأسبوع المقبل و طارق لم يختر إلا هذا الأسبوع ليقرر التقدم لراوية! الله أعلم بحال راوية الآن... أشك في أنها وجدت ذرة من التركيز لتراجع لامتحان بعد غد... مسكينة يا راوية!
وقفت عن الباب مستعدة للخروج و هتفت :
ـ أمي... أنا ذاهبة إلى منزل راوية... هل تريدين شيئا من البقالة في طريق عودتي؟

جاءني صوت أمي من الغرفة الداخلية :
ـ سلامتك يا حبيبتي... بلغي سلامي إلى راوية و والدتها...

ـ طيب... السلام عليكم...


وصلت إلى الشارع الذي يقع فيه منزل راوية... و فجأة تذكرت أن منزل حسام يقع في نفس الشارع... و لكنني بطبيعة الحال لا أعرف أيها هو! لأنني منعت نفسي من زيارة راوية منذ اتفقت مع حسام على قطع اتصالنا!

وصلت إلى منزل راوية فقرعت الجرس... ثم تلفتت حولي في محاولة أخيرة لتمييز منزل حسام... فجأة توقف بصري عند أحد المنازل على الجهة الأخرى من الشارع... لم يكن في المنزل شيء ملفت للنظر يدعوني إلى الاعتقاد بأنه المنزل المقصود... لكنني لمحت شخصا أعرفه يقف أمام الباب، و يقرع الجرس... شخص لم يكن سوى سهير زميلة حسام في الدراسة، و صديقة دالية منذ زمن! للحظات أحسست بحرارتي ترتفع و قد تركزت عيناي على تلك الفتاة التي انتابتني نحوها مشاعر غريبة لم أعرفها من قبل... مشاعر يطلق عليها البعض اسم... الغيرة!

انتبهت على صوت والدة راوية التي فتحت الباب و هي تدعوني إلى الدخول فابتسمت في ارتباك و همهمت بكلمات غير مفهومة و تبعتها إلى الداخل...

سارعت راوية إلى لتعانقني، ثم أخذت بيدي و دخلنا غرفتها لنسترسل في أحاديثنا التي لا تنتهي... مرت الدقائق سريعة، و فجأة سمعنا رنين جرس الباب يرتفع... تطلعت إلى ساعتي في دهشة و أنا أقول :
ـ إنها الخامسة و النصف... هل جاء طارق متقدما على موعده؟

في تلك اللحظة دخلت علينا منال، أخت راوية الصغرى و التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها و هي تهتف في فرح :
ـ جاء العريس... جاء العريس...

جذبتها راوية في سرعة و أغلقت فمها بكفها حتى تهدأ ثم سألتها في لهفة :
ـ كيف وجدت العريس؟ هل يبدو وسيما؟

ضحكت منال في براءة و هي تقول :
ـ إنه طويل القامة... و جميل... و قد ابتسم لي و مسح على شعري... كما أحضر معه هدايا...

ابتسمت راوية في سعادة و هي تهمس لمنال :
ـ هيا عودي إلى هناك و أخبريني عما يقال في الصالة أولا بأول...

هزت منال رأسها موافقة و نطت خارج الغرفة فورا...

نظرت إليها في دهشة و قلت متضاحكة :
ـ طارق طويل؟ لم ألاحظ أن طوله يجلب الانتباه!

ابتسمت راوية قائلة :
ـ لكنه بالطبع سيبدو طويلا بالنسبة إلى منال!

كان التوتر باديا على راوية... ابتسمت و أنا أتذكر نفسي يوم لقاء حسام مع والدي... نعم من حقها أن تتوتر... جلست إليها محاولة تخفيف حدة توترها بتبادل الأحاديث المختلفة... ثم فجأة ظهرت أمامنا منال ضاحكة و هي تقول :
ـ أبي يبدو معجبا جدا بالعريس... و هو يسأله عن مشاريعه في المستقبل... لكن لهجته غريبة نوعا ما...

نظرت إلي راوية في تساؤل، فقلت :
ـ ربما تأثرت لهجة طارق بطول إقامته في أمريكا... لكنني وجدت أن التغيير بسيط و لا يثير الانتباه... يبدو أن منال دقيقة الملاحظة!

سارعت منال بالتوضيح :
ـ لست أنا من لاحظ ذلك، لكن أبي سأله... فقال بأنه قضى فترة طويلة نسبيا في البلد و هو يحاول أن يجيد اللهجة كما يجب...

قاطعتها راوية في تشكك :
ـ تقصدين فترة طويلة في أمريكا!

عقدت منال حاجبيها في تشكك قبل أن تقول في تسليم :
ـ ربما... لست أذكر!

ثم قفزت من جديد لتختفي من أمامنا...

عادت بعد لحظات و هي تقول :
ـ العريس يقول بأنه يريد إقامة عيادة خاصة للاستقرار هنا، بعد أن ينتهي من دراسة التخصص...

التفتت راوية إلي محاولة ترجمة كلمات منال :
ـ ربما يقصد بأنه يريد أن يقيم عيادة لي بعد أن أنهي تخصصي! رائع يا مرام رائع!

قاطعتها منال في استغراب :
ـ لكنه قال بأنه هو من سيشرف على العيادة!

نظرت إليها راوية في تشكك و قالت :
ـ أنت لا تجيدين نقل جملة واحدة صحيحة! طارق لم يدرس الطب حتى تكون له عيادة! بل تخصصه هو التجارة!

تطلعت إليها منال في لامبالاة و هي تقول :
ـ لكنه يبدو مناسبا كطبيب!

ثم ركضت إلى الخارج من جديد...

اقتربت مني راوية و هي تقول :
ـ ما رأيك في أن نلقي نظرة... أريد أن أرى كيف يبدو!

ابتسمت و أنا أقول :
ـ و لكننا سنجلب الانتباه... كيف يمكننا الاقتراب من الصالة دون أن يشعروا بنا؟

جذبتني راوية من ذراعي و هي تقول :
ـ هناك ركن في المطبخ يمكننا من خلاله رؤيتهم دون أن يحسوا بنا أو يرونا... تعالي...

جذبتني من ذراعي و تقدمنا نحو المطبخ... في تلك اللحظة رن جرس الباب من جديد. اقتربت راوية من النافذة و هي تتمتم :
ـ من تراه يأتي الآن؟

فتحت والدة راوية الباب... و فجأة ظهر شخص أمامنا و هو يقول في اعتذار :
ـ آسف يا خالة لأنني تأخرت عن الموعد... لقد تعطلت السيارة في الطريق و اضطررت إلى أخذها إلى مستودع التصليح قبل أن أستقل سيارة أجرة و آتي إلى هنا...

كانت الدهشة بادية في عيوننا جميعا... أنا و راوية و والدتها في حين وقف طارق و قد بدا عليه الارتباك أمام الباب المفتوح... مستغربا من الاستقبال الجاف الذي لقيته به والدة راوية...

لكن السؤال الذي كان يتردد في أذهاننا جميعا في تلك اللحظة : من يكون الشاب الذي وصل قبل ساعة و يجلس إلى والد راوية في الصالة؟

اقتربت راوية من ركنها الخفي في المطبخ، و مدت عنقها متطلعة إلى الصالة، ثم شهقت شهقة كتمتها بكفها في سرعة و همست لي و قد اتسعت عيناها دهشة :
ـ جـــــــــــاد!!!

ساره الالفي
14-08-2009, 09:39 PM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ




كنت أقف إلى جانب راوية و قد اشرئب عنقي لأنظر إلى ما يحصل على بعد أمتار منا، عند مدخل الصالة، حيث كان يجلس والد راوية مع جاد، ثم انضم إليهما والدتها و طارق الذي وصل للتو... كان الجميع يتبادلون نظرات متسائلة... لكن الأكيد هو أن الذهول كان قد سيطر على الجميع... إلى أن بادر والد راوية إلى الشابين الواقفين قبالته و سألهما :
ـ من منكما ابن عمة مرام، صديقة راوية؟

هنا تكلم طارق بكل ثقة :
ـ أنا يا عمي!

عندئذ التفت والد راوية إلى الشاب الذي ظل يحاوره لأكثر من ساعة و قال :
ـ و أنت... من تكون يا بني؟

ابتسم جاد و قال :
ـ ظننت أنني حدثتك عن كل شيء يخصني يا عمي!

بدا الحرج على والد راوية و هو يقول متداركا :
ـ نعم... لم أقصد ذلك يا بني... لكن كيف جئت إلى هنا... و كيف تعرف راوية؟ و هل هي على علم بقدومك اليوم لتطلب يدها؟

اتسعت ابتسامة جاد و هو يجيب :
ـ كنت أنتظر أن تطرح علي ذاك السؤال منذ البداية... لأن الآنسة راوية لا تعلم بقدومي اليوم... و لذلك استغربت حفاوة ترحيبكم بي، فقد بدا أنكم على علم مسبق!

قاطعه طارق في حدة :
ـ كانوا على علم بقدومي أنا... لكن سيارتي تعطلت في الطريق مما تسبب في تأخيري ساعة كاملة عن الموعد!

ثم التفت إلى والد راوية و هو يقول في ود :
ـ أنا آسف حقا يا عمي... أعتذر ثانية عن التأخير، فما حصل كان خارجا عن طاقتي...

هز الوالد رأسه متفهما و عاد إلى جاد قائلا :
ـ أكمل يا بني...

نظر جاد مبتسما إلى طارق كأنه يأخذ إذنه لمواصلة حديثه بعد أن قاطعه هذا الأخير... فاحمر وجه طارقا حرجا!
ـ في الحقيقة، يا عمي... أنا لست من بلدكم، لكنني أقمت هنا لعدة سنوات من أجل الدراسة... و حين جئت إلى هنا كنت مسيحيا...

توقف للحظات ليلمح علامات الدهشة في عيون المحدقين به التي اتسعت عن آخرها... ثم استطرد قائلا :
ـ لكنني أسلمت و الحمد لله... و الفضل يعود لله، ثم للآنسة راوية...

هنا تكلمت والدة راوية و هي تعقد حاجبيها و مركزة نظراتها على جاد :
ـ نعم... تذكرت! إذن أنت هو!

التفت إليها زوجها و هو يقول في استغراب متزايد :
ـ هو من؟

ـ لقد فاتح راوية في الموضوع منذ بضعة شهور... فحدثتني بالأمر... لكنني...

ألقت نظرة جانبية على جاد و هي تواصل :
ـ لكنني رأيت أنه لا فائدة من مفاتحتك في الأمر... لأنني وجدت المسألة شديدة التعقيد...

بدت علامات السعادة في عيني جاد و صوته و هو يقول في عتاب :
ـ سامحك الله يا خالة... لم ترينها بمثل هذا التعقيد؟

نظرت إلى راوية التي كانت تقف ملتصقة بي، نظرا لضيق المكان، فرأيت وجنتيها قد احمرتا... نعم، ها قد تأكد جاد أخيرا بأنه لم ترفضه لأنها لا تريده، بل لأن والدتها كانت تجد المسألة معقدة! و راوية المسكينة لم تستطع إخباره بالحقيقة...
ابتسمت و أنا و أقرص وجنتها مداعبة لتحمر أكثر و أكثر...

هنا تعالى صوت طارق و هو يقول في حزم :
ـ أنا آسف يا أستاذ... و لكنني هنا بعلم راوية و موافقتها... و بما أن طلبك قد تم رفضه منذ عدة أشهر، فأظن من حق راوية أن ترتبط بمن أعطته موافقتها، و ظروفه مناسبة و مرضية لعائلتها!

قاطعه جاد في انفعال :
ـ أنا واثق من أن الآنسة راوية إن أعطيت حرية الاختيار فإنها كانت ستوافق علي حتما... لكن ظروفي بدت معقدة نوعا ما بالنسبة إلى والدتها... و أنا مستعد لمناقشة ما يريدون، و ليس من المستعصي أن نصل إلى اتفاق!

وقف طارق و قد اشتعل وجهه :
ـ عن أي اتفاق تتحدث؟! يبدو أنك لم تفهم الوضع جيدا! حكايتك مع راوية انتهت قبل أن تبدأ... لأنها بصدد الارتباط بشخص آخر! لذا أرجوك قف جانبا و لا تثر أعصابي أكثر من هذا!

تذكرت فجأة مشهد طارق و هو يمسك بالشاب الذي حاول الاعتداء على راوية في المنتزه بعد أن كال إليه عددا من اللكمات... هل تراه يدخل في عراك مع جاد؟! صحيح أن جاد أطول قائمة من طارق، لكن طارق أكثر امتلاءا و قبضته قوية!

وقف والد راوية و ربت على كتف طارق مهدئا و هو يقول :
ـ على رسلك يا بني... سنحل كل شيء بهدوء و روية... اجلس أرجوك...

التفت إليه طارق و هو يهتف :
ـ ألا ترى يا عمي أي موقف وضعت فيه؟ أصل متأخرا بساعة واحدة... لسبب خارج عن نطاقي... فأجد من يريد أن يأخذ مني الفتاة التي أريد خطبتها! لو كنت أعلم، لكنت تركت السيارة في عرض الطريق و جئت ركضا!

تبادل والد راوية و والدتها نظرة طويلة و قد انتابتهما الحيرة و القلق. لكن جاد قطع حبل الصمت قائلا :
ـ أنا آسف حقا بسبب البلبلة التي حصلت... فلم أكن أعلم أن الآنسة راوية كانت على وشك الارتباط بشخص آخر... و إلا لما كنت تدخلت و أفسدت الخطبة...

تألقت عينا طارق بنظرة الانتصار... لكن جاد واصل حديثه في جدية :
ـ لكنني أحس بأن ما حصل كان مقدرا، و أن لله حكمة في ذلك! فوصولي قبل الأستاذ طارق، و العطل الذي أصاب سيارته و هو في طريق إلى هنا... كلها علامات تؤكد بأن لله حكمة ما...

وقف طارق من جديد و قد تحولت نظرته إلى الغضب :
ـ ما الذي تقصده؟

نظر إليه جاد مباشرة و في عينيه نظرة رزينة هادئة :
ـ لا أقصد شيئا... و لكن وصولي قبلك، يعني أنه من حق الآنسة راوية و عائلتها إعادة النظر في طلبي... و من حقهم اختيار الأفضل لابنتهم!

جلس طارق أخيرا و هو يشد على أسنانه في حنق ظاهر، لكن والد راوية تكلم أخيرا ليقول :
ـ أظن أنك على حق يا بني... يجب أن نعيد النظر في الموضوع... سأتحدث إلى راوية أولا... ثم أوافيكم بقراري المبدئي...

بدت علامات الاعتراض على وجه طارق و هو يقول :
ـ و لكن... و لكن يا عمي...

ربت والد راوية على كتفه من جديد قائلا :
ـ لا تقلق يا بني... أنت تؤمن بالقضاء و القدر، أليس كذلك؟ إذن لا داعي للقلق!

انصرف الشابان الواحد تلو الآخر و هما يتبادلان نظرات لا توحي بحسن العلاقة بينهما! تسللنا من مخبئنا أنا و راوية، لنعود إلى غرفتها و نحن نلهث من شدة الانفعال... و فجأة تملكت راوية نوبة ضحك هستيري... لم تستطع التوقف عنها حتى و أنا أهددها بإفراغ كأس ماء فوق رأسها... ثم تمالكت أنفاسها أخيرا و هدأت قليلا... ثم... احمرت عيناها، منذرة بقرب تهاطل الدموع!

افتربت منها و احتضنتها في قلق :
ـ راوية حبيبتي... ما بك؟ هل جننت؟ تمالكي نفسك أرجوك!

تسللت الدموع من عينيها و هي تقول :
ـ مرام... لا يمكنني أن أرفض طارق هكذا... ما ذنبه! كما أنني لا أدري إن كان والدي سيوافق على جاد حين يحيط علما بحقيقة ظروفه كاملة! أخاف أن أخسر الاثنين في لحظات!

ابتسمت و أنا أهمس في رفق :
ـ توكلي على الله يا أخية... توكلي على الله... أرأيت ثقة جاد و ثباته؟ أنا مؤمنة معه بأن لله حكمة ما في كل ما حصل! من كان يصدق أن كل شيء ينقلب رأسا على عقب في اللحظات الأخيرة؟!

رفعت رأسها إليها متسائلة في حذر:
ـ يعني أنك لن تستائي مني إن رفضت طارق؟

هتفت بسرعة مطمئنة :
ـ بالعكس!

ثم بدا لي أنني بالغت في حماسي بعض الشيء فأردفت :
ـ المهم هو أن اختيارك مبنيا على اقتناع و ارتياح نفسي... لا تدعي لأية ظغوطات خارجية المجال لتؤثر على قرارك...

ابتسمت راوية و هزت رأسها مؤيدة...
في تلك اللحظة، تناهى إلى أسماعنا طرق خفيف على الباب ثم دخلت والدة راوية و وجهها خال من التعابير تقريبا! ثم نظرت إلى راوية مؤنبة :
ـ أرجو أن لا يكون الضيوف قد تفطنوا إلى اختبائك قرب باب المطبخ للتصنت إلى ما يقال في الصالة! ليس من طباع البنت المحترمة أن تتصرف بطريقة غير لائقة و خاصة في حضور الخاطبين... فكأنها متلهفة على الزواج!

ثم خرجت من فورها بعد أن ألقت نظرة حادة على راوية و صفعت الباب بقوة، كأن الصفعة كانت على وجوهنا...
أما راوية فقد أجهشت بالبكاء...

ساره الالفي
14-08-2009, 09:45 PM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ



كان يوميا غير عادي بالنسبة إلي بكل المقاييس... يوم أحسست فيه بأن الأرض تدور بسرعة، لتعيدنا إلى نقطة ظننا أننا تجاوزناها منذ فترة... أو أن الأرض بالفعل توقفت عن الدوران... فهذا اليوم ذكرني بأيام سابقة عشتها... و أنا أشعر الآن بأنني أعيشها من جديد...

صباح اليوم وجدت راوية تنتظرني في لهفة واضحة أمام الكلية بعد أن اتصلت بي قبل أن أخرج من المنزل لتستعجلني... لأنها على حد قولها تحمل لي أخبارا جديدة... و بطبيعة الحال، توقعت أن تكون تلك الأخبار متعلقة بقرار والديها بخصوص الخاطبين الذين تقدما إليها مؤخرا بطريقة مميزة و غير متوقعة البتة...

ما إن لمحتني أقترب من باب الكلية حتى ركضت إلي و ابتسامة هادئة رزينة تعلو شفتيها... بادلتها الابتسامة و أنا أبادرها بالسلام، ثم قلت في مرح :
ـ تبدين سعيدة اليوم! ما الجديد؟

أحسست بابتسامتها تنقبض رغم أنها كانت لا تزال مرتسمة على شفتيها... بل أنها اتسعت و هي تقول :
ـ نعم يا مرام... لقد وافقت... على طارق!

لم أستطع منع نفسي من التحديق فيها بعينين متسعتين من الذهول و الدهشة و العجب و الاستنكار... فبعد تلك الأمسية، جزمت بما ليس فيه داع للشك بأن راوية لا تزال تحب جاد و هو أيضا يبادلها مشاعر عميقة كان معها قادرا على مواجهة كل العالم من أجلها... و الآن، هاهي تخبرني بكل هدوء بأنها فضلت عليه طارق، ابن عمتي!

وجدتني أهتف لا إراديا :
ـ لمـــــــــــــاذا؟!!!

رفعت راوية إلي عينيها الباسمتين في هدوء ليس له مثيل... ذاك الهدوء الذي نلمحه في عيون عرائس الشمع التي لا تحمل ملامحها أية مشاعر... ثم قالت في صوت واثق و حازم :
ـ إنه قراري يا مرام... اخترت طارق، لأنه الأنسب إلي!

أحست أن كلماتها لم تطفئ نظراتي المليئة بالفزع و اللوم و العتاب، فأردفت بسرعة قائلة :
ـ مرام... لقد فكرت مليا، و استشرت والدي، و فكرنا معا و وجدت أنه الخيار الأمثل... ألا توافقينني الرأي؟

ثم أضافت بمرح ثقيل على قلبي :
ـ ثم نحن سنصبح عائلة واحدة... بعد أن أتزوج ابن عمتك!

ابتسمت ابتسامة حزينة، لم أظن أنني سأقابل بها يوما خبر خطبة صديقتي الحبيبة راوية. لكنني كنت أحس بألم كبير، تجاه راوية و جاد... و طارق أيضا...

انتبهت إلى صوت راوية و هي تقول و نفس الابتسامة الغريبة تعلو شفتيها :
ـ هلا أبلغت طارق و أهله بأن عائلتي قد وافقت على إتمام الخطبة... و نحن في انتظار زيارة رسمية منهم قريبا...

هززت رأسي علامة الموافقة، ثم توجهنا معا إلى قاعة المحاضرات، و أنا أرقب بطرف خفي ملامح راوية... و خاصة ابتسامتها التي تجتهد لتبقيها مرتسمة بكل لباقة على شفتيها المتعبتين، من تكلف الابتسام!

عدت إلى المنزل متعبة مساء ذاك اليوم، متعبة من المحاضرات الطويلة... و من قلقي على راوية من المستقبل الذي ينتظره بعد أن اتخذت قرارها... لمحت سيارة طارق تقف أمام منزلنا، فوجدتني أقرر بسرعة أن أفاتح طارق في الموضوع و أن أعرف حقيقة نواياه مهما كان الثمن!

دلفت من الباب الرئيسي و في عيني نظرة صارمة حازمة، تنطق بالتحدي، و قد تمكن مني ذاك القرار بما لا رجعة فيه...
و لكن ما إن دخلت إلى الصالة حتى رأيت طارق يجلس في الصالة و ذراعه ملفوفة في رباط أبيض قد وصلت إلى رقبته برباط آخر، لتمنع تحركها... عقدت حاجبي في دهشة و تساؤل، فابتسم طارق في مرح و هو يقول :
ـ لا تقلقي... إنها إصابة خفيفة...

هتفت سارة التي كانت تجلس إلى جواره في مرح :
ـ إنه شجار كالعادة... لكن أخي يخرج دائما منتصرا!

حدجها طارق بنظرة صارمة، كأنه تضايق من كلامها و قال مطمئنا :
ـ لم يكن شيئا يستحق الذكر...

لكنني جلست قبالتهما و قد تملكني الفضول و قلت في تساؤل :
ـ شجار؟ متى كان ذلك؟!

بدا الارتباك على طارق و هو بالكلام... لكن سارة كانت قد سبقته و هي تهتف من جديد :
ـ منذ يومين... عندما ذهب إلى منزل راوية... لكن شابا ما...

قاطعها طارق و هو يصرخ غاضبا، و قد خرج عن طوره :
ـ ألا يمكنك أن تصمتي قليلا؟!! من الذي وجه الكلام إليك؟!!!

تملكني الفزع و أنا أتخيل بقية القصة فهتفت بطارق في حزم بالغ :
ـ ما الذي حصل للشاب الآخر؟

التفت إلي طارق و لبث يحدق في مترددا لبرهة قبل أن يقول :
ـ لست أدري... ربما أخذوه إلى المستشفى...

وقفت بسرعة و أنا أهتف كأنني أصرخ :
ـ أية مستشفى؟!!

تفاقم ارتباك طارق و هو يتأمل ملامحي الغاضبة و قال :
ـ لقد طلبت الإسعاف ثم انصرفت بسرعة... أظنهم أخذوه إلى المستشفى الواقعة في مركز المدينة...

خرجت من الغرفة بسرعة و اتجهت نحو الهاتف لأتصل بدالية بسرعة، فلم يكن أمامي حل آخر، غير الاستنجاد بحسام! فالشاب المسكين غريب في المدينة، و يبدو أن حالته كانت سيئة مما دعا طارق إلى طلب الإسعاف! و إن لم يذهب أحد إلى المستشفى لإخراجه و دفع مصاريف العلاج فقد تحصل له مشاكل!

أنهيت مكالمتي مع دالية بسرعة، ثم وقفت أمام الهاتف مترددة... لكنني حسمت أمري في النهاية و كونت رقم راوية... انتظرت للحظات قبل أن تجيب من الطرف الآخر، و ما إن سمعت صوتها حتى قلت في هدوء :
ـ قبل أن أبلغ طارق بقرارك... أظن أنه عليك التأكد مما وقع بين جاد و طارق بعد مغادرتهما لمنزلكم!

بعد نصف ساعة من تلك المكالمة، تلقيت اتصالا من دالية تخبرني فيه بأن جاد لا يزال في المستشفى بالفعل، و أنه تعرض إلى إصابة في الرأس تستوجب بقاءه تحت العناية الطبية لبضع الوقت... و أن حسام لا يزال عنده، للاطمئنان عليه... و أنه سيشرف على علاجه بنفسه بما أن تدريبه في نفس القسم الذي يرقد فيه جاد.

لم أضيع الوقت، و عاودت الاتصال براوية التي بدا صوتها مرتجفا من البكاء، و هتفت بي دون أدنى تردد :
ـ أريد أن أزوره في المستشفى... هل تأتين معي؟

بعد أقل من ساعة واحدة، كنت رفقة راوية و أخي ماهر الذي رافقنا مضطرا، بعد أن تعبت في إقناعه بترك ألعاب الحاسوب برهة من الزمن، نركض بين أروقة المستشفى بحثا عن جاد الذي لم نكن نعلم في أي قسم يرقد... فجأة لمحنا حسام يقف غير بعيد عنا، و قد ارتدى مئزر الأطباء الأبيض، الذي لم أره به منذ لقائنا في تربصي السنة الماضية...

اقترب منا في هدوء و قال و هو يسبقنا إلى إحدى الغرف :
ـ تفضلوا... من هنا!

كانت راوية تضغط على ذراعي بشدة و هي تعظ على شفتها السفلى في قلق. ربتت على كفها التي غاصت أصابعها في ذراعي مطمئنة... و تقدمنا إلى داخل القاعة في وجل... ثم تبعنا حسام إلى سرير المريض... فهالنا في البداية الكم الهائل من الضمادات التي كانت تحيط برأسه و صدره، و هالنا أكثر ابتسامته الصغيرة التي تنم عن الرضا و السعادة!!!

وجدتني أقف عند طرف السرير و أشير إلى راوية أن تتقدم حتى تصل على مقربة من رأس المريض. كانت عيناها مبللتين بالدموع و هي تسأله في همس :
ـ هل أنت بخير؟

هز جاد رأسه بصعوبة علامة الموافقة و الابتسامة الصغيرة الواهنة لا تفارق شفتيه. مضت لحظات من الصمت أحسست فيها أن العيون تخاطبت بلغة هي أبلغ من لغة الشفاه... بين عيني راوية الباكيتين و عيني جاد المليئتين بالأمل!

في الأثناء التفتت إلى حسام لأسأله في صوت خافت :
ـ هل سيكون بخير؟

لكن بدا أن حسام فوجئ بسؤالي، فقد باغتته و هو ينظر إلي من طرف خفي! فاحمرت وجنتاه و هو يقول في ارتباك :
ـ لقد أصيب بشيء حاد في رأسه... كأنه حجر من الحجم الكبير... مما سبب في فقدانه الوعي... لكن لا ضرر على الدماغ و الوظائف الحيوية... أما إصابة الصدر فهي بسبب السقوط على أرضية غير ممهدة... لكنها إصابة سطحية أيضا و الحمد لله...

خفضت عيني و أنا أستمع إليه في هدوء بعد أن أحسست بارتباكه، ثم رفعت رأسي إليه بعد حين متسائلة في قلق :
ـ متى يخرج من المستشفى؟ و حين يخرج من سيهتم به؟ فمن الواضح أن حالته متدهورة... مع أنه يحافظ على الابتسامة!

حانت مني التفاتة إلى السرير، فسمعت المريض يقول بصوت خافت متعب، لكن تشوبه مسحة من المرح الذي لم يتخل عنه حتى و هو في تلك الحالة من الضعف :
ـ أظن أمله سيخيب في الخلاص مني... فحتى إن اضطررت إلى المشي على عكازتين فإنني سأطرق بابكم مرة ثانية و ثالثة... إلى أن يقبل بي والداك...

لكن راوية لم تستطع أن تبتسم لدعابته... فقد آلمها أن تكون قاسية عليه بذاك الشكل، و هو الذي لم يفقد الأمل رغم رفضها المتكرر... هل تراه قرأ في قلبها ما عجزت هي عن الإفصاح عنه؟

و تمنيت لو أنني أرتمي على راوية في تلك اللحظة و أرجوها باكية و أتوسل إليها بكل ما وسع قاموسي من كلمات : اقبلي بجاد... أرجوك... ارحميه و ارحمي نفسك... و ارحميني أنا أيضا من عذاب الضمير!

لكنني ظللت واقفة مكاني أتأملهما بنظرة حانية، و أنا أتمنى أن ينتهي الشريط عند تلك اللحظة... و تظهر كلمة النهاية كخلفية على المشهد المؤثر الذي يجمع الحبيبين قبل أن تنتهي اللحظة...

ساره الالفي
14-08-2009, 10:08 PM
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ




كانت أيام ثلاثة قد مرت على زيارتنا لجاد في المستشفى، لم تعد بعدها راوية لزيارته، لكنها كانت تسألني عن حاله باستمرار فأتولى مهمة الاتصال بدالية حتى تسأل حسام عن تطورات صحته... و بدا أنه تماثل إلى الشفاء بسرعة، كما أنه كان يستعجل مغادرة المستشفى!
التقيت راوية أمام الكلية... فبادرتني كالعادة في لهفة :
ـ كيف حاله اليوم؟

ابتسمت و أنا أجيبها مشيرة إلى دالية التي كانت تقترب منا مبتسمة :
ـ ها قد وصلت دالية و ستخبرنا بالتفاصيل!

حيتنا دالية في مرح ثم التفتت إلي و قالت :
ـ الدكتور حسام يطمئنك على حال المريض... يبدو أنه سيخرج اليوم من المستشفى، فجراحه التأمت، و لا خوف عليه بعد الآن!

تنهدت راوية في ارتياح و هي تتمتم :
ـ الحمد لله...

تبادلنا بعض الأحاديث قبل أن ألمح سهير، زميلة حسام و صديقة دالية على بعد خطوات منا. حيتنا بابتسامة صغيرة، ثم تجاوزتنا في خطوات سريعة. التفتت إلى دالية مستغربة و قلت :
ـ ما الذي جاء بسهير إلى الكلية؟ أليس طلاب الصف الخامس في التمرين الآن؟

ـ نعم، نعم... لكن سهير رسبت في مادة أو اثنتين... و هي تأتي إلى المكتبة لتراجع قليلا منذ بضعة أيام...

تذكرت فجأة أنني رأيت سهير منذ أقل من أسبوع أمام منزل حسام، حين ذهبت لزيارة راوية فهتفت بسرعة :
ـ أظنني رأيتها منذ أيام تقرع جرس منزلكم، حين كنت في طريقي إلى منزل راوية... هل جاءت لزيارتك؟

ابتسمت دالية و هي تقول :
ـ في الحقيقة، هي جاءت لتستعير بعض الدروس من حسام...

ثم نظرت إلي بطرف عينها و قالت مداعبة :
ـ كما أنها طلبت منه أن يساعدها في فهم بعض المحاضرات التي تغيبت عنها...

عقدت حاجبي في استنكار واضح وقلت :
ـ ألم تجد شخصا آخر غير حسام ليفسر لها الدروس؟ لماذا لم تلجأ إلى إحدى صديقاتها؟!!

انفجرت دالية ضاحكة و هي تبادل راوية نظرة ذات معنى... ثم اقتربت مني لتنقر أنفي بطرف سبابتها و هي تقول في صوت منخفض كالهمس :
ـ أنت تغارين يا مرام!

ثم ارتفع ضحكها ثانية، و شاركتها راوية الضحك هاته المرة، حتى هتفت بهما :
ـ ألن تهدآ قليلا أنتما! ثم... ممن أغار يا ترى؟ من سهير؟!

رفعت دالية سبابتها ثانية نافية... ثم قرصت وجنتي في ود و هي تقول :
ـ لم أقصد أنك تغارين من شخص ما... لكنك تغارين على شخص ما... و بالتحديد، تغارين على الدكتور حسام!

احمر وجهي فجأة و قد أدركت ما ترمي إليها لكنها تابعت :
ـ لا تخافي لن أفضحك... مع أنني واثقة من أن الخبر سيسره! خسارة!

ثم ابتعدت ضاحكة و هي تقول :
ـ حسن... أراكما لاحقا يا بنات... السلام عليكم...

شيعنا دالية بنظراتنا الباسمة، فقالت راوية :
ـ تلك الفتاة... كم هي مرحة و روحها عذبة و رقيقة!

ابتسمت بدوري و هززت رأسي موافقة... ثم تذكرت شيئا ما فتطلعت إلى راوية في فضول و قلت :
ـ هـــــــا... ماذا قررت؟

التفتت إلي في ارتباك و قالت متظاهرة باللامبالاة :
ـ في ماذا؟

عقدت ذراعي أمام صدري ثم ملت عليها قائلة في حزم و نفاد صبر :
ـ راويــــــــــــة! لا تسخري مني! أنت تعلمين عما أتحدث! مـــــــــاذا قررت؟!!!

تراجعت راوية و قد تزايد ارتباكها، ثم قالت أخيرا متظاهرة بالفهم :
ـ آآآآه... أنت تقصدين طارق! نعم... طلبت منك منذ بضعة أيام أن تبلغيه موافقتي... لكن كما ترين... يبدو أنه لم يعد الجواب المناسب! لكنني في نفس الوقت أتفهم موقفه. فهو لم يهاجم جاد إلا دفاعا عن كرامته التي أهينت حين صدم بتقدمه لي في نفس الوقت... و لكونه لم يجد الفرصة المناسبة لتقديم نفسه لوالدي و...

تفطنت راوية إلى النظرات الغريبة التي كنت أحدجها بها، فبترت عبارتها للحظة ثم تداركت بسرعة قائلة :
ـ لا تفهميني بصورة خاطئة يا مرام... أنا لا أدافع عنه... لأن العنف لم يكن يوما الحل... لكنني أشفق عليه، لأنه يعتبرها اللغة الأولى للتعامل... صحيح أنها كانت اللغة المناسبة حين دافع عني في الحديقة، يوم النزهة... هل تذكرين؟ لكن العنف لم يكن مبررا في تعامله مع جاد...

هززت رأسي علامة التأييد، و أنا أحثها على مواصلة حديثها، فقالت بعد تردد قصير :
ـ ... و بما أنني لا أضمن مصيري مع رجل يتكلم لغة العنف... فـ... لا مفر من... تفهمينني أليس كذلك؟

هززت رأسي من جديد و أنا أنتظر بقية عبارتها، فقالت :
ـ لا مفر من تمديد فترة التفكير... حتى أتأكد من استعداده لتغيير أسلوبه و...

قاطعتها و أنا أصرخ في حدة :
ـ تفكير؟!!! راوية... إنه حتى لم يفكر في الاعتذار عما بدر منه!!!

قالت في حيرة بادية :
ـ ربما كان خجلا من نفسه و من تصرفه... فآثر الاختفاء لفترة...

حدقت فيها في عدم تصديق لمدى حسن ظنها و سعة صدرها، ثم هتفت :
ـ و ماذا عن جاد؟!!!

تطلعت إلي في توتر و هي تهمس في صوت خافت :
ـ ماذا عنه؟

ارتفع صوتي أكثر و أنا أشدها من ذراعها :
ـ راوية لا تتحامقي! أنت و جاد تحبان بعضكما البعض... إلى متى ستتجاهلين هاته الحقيقة و تواصلين السير في الطريق الخطأ؟

التمعت عيناها و قد تجمعت الدموع في مقلتيها... لكنها قالت في تمالك واضح :
ـ أنا لم أقل بأنني أحبه! تعلقت به لفترة... لكنني عرفت أن الطريق مسدودة... و عدت إلى صوابي...

ـ راوية... إلى متى ستخدعين نفسك؟ إن كنت يائسة من موافقة والديك على جاد، فأنت لست مضطرة إلى الارتباط بطارق! لقد ظللت صامتة إلى حد الآن و أنا أنتظر أن تستيقظي و تدركي أنك الزواج ليس لعبة... و ليس المهم هو الفرار من المشاعر القديمة... و بناء مشاعر جديدة لوهبها لشخص قد يكون لا يستحق!

رفعت راوية عينيها إلي و هي تقول بصوت مرتعش :
ـ مشاعري لا تعني شيئا لأحد... يجب أن أتعلم العيش بلا مشاعر حتى لا أصدم مرات و مرات...

كانت نبرتها تنذر بغيث من الدمع يوشك على الانهمار، فسحبتها من ذراعها و انتحينا ركنا قصيا من الساحة، حيث أجلستها في هدوء... انتظرت ريثما هدأت ثم قلت :
ـ راوية، الآن أخبريني الحقيقة كاملة... أنت متعلقة بجاد أليس كذلك؟

هزت رأسها موافقة و لم تنطق بكلمة، فأردفت :
ـ و والدتك تعارض ارتباطك به بشدة؟

هزت رأسها من جديد، ثم تمتمت بصوت مخنوق :
ـ لم تقبل مناقشة الموضوع أصلا... حتى أن أبي كان معجبا به و مستعدا لاستقباله ثانية لتوضيح بعض النقاط... لكنها عارضت و بشدة... و أقسمت بأنها لن ترضى عني إن ارتبطت به! حتى أبي استسلم أمام إصرارها...

ربتت على كتفها في حنان ثم استطردت :
ـ ثم ماذا حصل؟ هل علم والداك بما حصل بين جاد و طارق؟

هزت رأسها نافية هذه المرة و همست :
ـ آثرت أن أخفي عنهما القصة، حتى أنظر كيف سيتصرف طارق، و بم سيبرر تصرفه... فأبي إن علم عنه طبيعته العنيفة فإنه سيرفض دون تفكير!

أمسكت بكفها و نظرت مباشرة في عينيها محاولة أن أدخل إلى أعماق نفسها :
ـ و أنت... لم تريدين الحفاظ على طارق؟

خفضت عينيها فجأة، و سحبت كفها و بدا عليها التردد... ابتسمت مشجعة فقالت بعد برهة قصيرة من التفكير :
ـ لأنه ليس شخصا سيئا... و هو يحاول الالتزام... كما رأيت مقدار عزيمته و قوة شخصيته لأنه نجح في تغيير نفسه في غضون بضعة شهور... كما أنه شخص شهم، فقد دافع عني حين كنت في موقف لا أحسد عليه... و هو جميل لن أنساه ما حييت... كما أنه متمسك بي، و قادر على حمايتي...

توقفت فجأة، و بدا كأن كلمات لا تزال عالقة في طرف لسانها... فبادرتها :
ـ هل هذا كل شيء؟

و كأنها كانت تنتظر إشارتي لتنفجر مفصحة عن سرها الدفين الذي أخفته عني كل تلك المدة... السر الذي يسبب عذابها و معاناتها :
ـ كما أنه سينقذني من سجن أمي و تحكمها في!!!!

تجلت علامات الصدمة في ملامحي، لكنني لم أنبس ببنت شفة، فاسترسلت راوية التي لم يعد لديها ما تخفيه :
ـ أحيانا أحس بأنها تحقد علي لسبب أجهله... لم أعرف معها سوى الأمر و النهي... كأنها ليست أمي كما هي أم لمنال و راقية... لكن راقية تزوجت و سافرت بعيدا، بعد أن كانت هي من يخفف عني آلامي في كل مرة تفاجئني فيها أمي بنوبة من الصراخ و التأنيب، بسبب و بدون سبب... و كلما وقف أبي في صفي، اتهمته بالإفراط في تدليلي و إفسادي بتساهله معي... أحيانا أشك في غيرتها من علاقتي المميزة بأبي... فهو يحبني كثيرا و يشجعني لأنني حققت حلمه بدخولي كلية الطب... و لأنني كنت أكثر إخوتي تفوقا... حتى أنها تمنعني من المراجعة في فترة امتحانات منال، حتى أهتم بها و أراجع لها... لأنني أنانية على حد قولها، و لا يهمني إن رسبت منال، و أختها في كلية الطب! حتى في فترة زواج راقية، في السنة الماضية... حددوا الموعد في فترة مراجعتي، مع أن أمي كانت تعلم بأهمية تلك الامتحانات بالنسبة إلي... حسن لا بأس، فأهل العريس أيضا كان لهم دور في اختيار الموعد، و لن أحملها المسؤولية... لكنني كنت أحاول بكل جهدي أن أراجع و أدرس باجتهاد كلما سنحت الفرصة... لكنها كانت تطاردني في كل غرف المنزل : هنا سنضع الجهاز و نرتبه... هنا سنعد الحلويات... يجب أن تبقى هاته الغرفة خالية لاستقبال الضيوف و راحتهم... هنا ستعد راقية زينتها!! حتى أنني كنت أراجع أحيانا جالسة على الدرج! و بالتأكيد، لا يمكنني أن أستوعب شيئا بتلك الحالة... لكنها ما إن تنتهي من طردي، حتى تناديني من جديد : راوية نحتاجك في غسل الأواني... راوية اترك ما بين يديك و تعالي نظفي الأرضية، ابن خالتك سكب العصير عند المدخل... لكن لا بأس، أعيدي مسح الغرفة كاملة... راوية، كفاك تكاسلا و تعالي قشري الخضر! و هكذا... طوال فترة المراجعة، كان شغلها الشاغل أن تشغل راوية بعمل ما و تمنعها بأية طريقة من الدراسة!!

تنهدت راوية و مسحت دموعها، ثم واصلت :
ـ و الآن... هاهي تريد الخلاص مني... فهي متحمسة جدا لطارق، رغم أنها لم تتحدث إليه طويلا... و ما رأته منه لا يشجعها على قبوله... لكنها تريد منعي بأية طريقة كانت من الارتباط بمن أريد! و تخشى إن أنا رفضت طارق أن يواصل جاد محاولاته و يقتنع أبي أخيرا... لذا فهي تسعى بكل جهدها لإتمام خطبتي من طارق... لذلك فإنني سأحقق لها أمنيتها، و أريحها مني نهائيا... لذلك وافقت على طارق، و لازلت موافقة... لكنني أريد أن ألقنه درسا أولا، حتى يتخلى عن سياسة العنف...

تملكتني الحيرة و لم أجد الكلمات المناسبة لأخفف عن راوية معاناتها... فقد كشفت لي مصارحتها عن أسرار مواقف كثيرة كنت أستغرب منها في السابق... فلم أكن أتخيل للحظة واحدة أن تكون علاقة راوية بوالدتها بذاك الشكل! كم أشفق على راوية المسكينة التي لم تشك لي يوما من قسوة أمها عليها... مع أنني صديقتها المقربة... فلم أحس يوما في عباراتها ما يشير إلى تشوه مشاعرها تجاهها، و لا تمردها على رغباتها... و أذكر حقا الامتحانات التي تلت زفاف راقية شقيقة راوية، و ردة فعل راوية العنيفة حين رفضت مساعدتها... الآن فقط أحسست بسبب غضبها المفاجئ... فقد وجدت المنفذ لتنفجر، لتبكي و تصرخ... لم يكن بوسعي إلا أن أحتضنها في حنان... و تركتها تبكي على كتفي... في سلام...



كنت أجلس في غرفتي عصر ذاك اليوم و قد احتضنت من جديد أحد مجلداتي العزيزة، حين فتح الباب و ظهرت سارة باسمة. كانت قد غادرت منزلنا مع طارق مساء ذاك اليوم الذي اكتشفنا فيه إصابة جاد و رقاده في المستشفى... يبدو أن طارق خشي أن تبوح بتفاصيل أكثر، فأبعدها قليلا ريثما يلقنها ما يمكنها قوله و ما يجب أن تخفيه! لكنها اليوم تبدو في كامل لياقتها و انشراحها... و هي حالة لم أر سارة عليها منذ عادت من أمريكا في هاته الأجازة!


دخلت و أغلقت الباب خلفها ثم اقتربت لتجلس غير بعيد عني و الابتسامة لا تفارق شفتيها. بادلتها الابتسامة و ظللت أتطلع إليها منتظرة ما تحمله من أخبار سعيدة... و لكنها فاجأتني حين فتحت شفتيها أخيرا و قالت :
ـ مرام... سنعود إلى أمريكا الأسبوع المقبل!

نظرت إليها متشككة، فلم أكن واثقة من أن الخبر سعيد في حد ذاته، و بادرتها مستفسرة :
ـ ألن تبقي معنا؟

هزت رأسها نافية و قالت :
ـ أنا آسفة يا مرام... يجب أن أعود مع عائلتي...

عاجلتها بسؤال ثان :
ـ و ماذا عن طارق؟ هل سيبقى بمفرده؟

هزت رأسها نافية للمرة الثانية و تابعت :
ـ طارق لن يبقى هنا هو الآخر... جميعنا سنعود إلى أمريكا... أبي أقنعه بأن مستقبله هناك... و أنه سيلقى متاعب شتى في عمله في البلد!

عقدت حاجبي في حيرة و تركت الكتاب الذي كان بين يدي و قلت و أنا أقترب منها أكثر :
ـ و هل طارق مقتنع حقا بالعودة؟ و ماذا عن خطبته لراوية؟ هل تخلى عن الأمر؟

نظرت إلي في استغراب و هي تقول :
ـ لست أدري عما تتحدثين، لكن طارق أخبر أمي بأن صديقتك لم توافق و أنها متعلقة بشاب آخر...

كنت في غاية الحيرة... و الدهشة! ما الذي حصل بين جاد و طارق حتى يستسلم طارق بتلك السهولة، و يبقى جاد متشبثا براوية إلى تلك الدرجة؟

كنت أحس بالحزن من أجل طارق الذي تخلى عن جميع أحلامه فجأة و أذعن لرغبة والده بالبقاء في أمريكا مع بقية العائلة. هل تراه يبقى على التزامه، أم يجرفه التيار من جديد؟

و كأن سارة قد قرأت التساؤلات التي دارت في خلدي في تلك اللحظة فقد وجدتها تقف فجأة و هي تقول، مع ابتسامة كبيرة على شفتيها، و احمرار خفيف يغزو وجنتيها :
ـ بالمناسبة... أيمن ابن خالتي هيام، سيلتحق بنا بعد بضعة أسابيع... أبي عرض عليه وظيفة جيدة و قد كان متحمسا لها... هو بصدد تحضير أوراقه و تأشيرة السفر... عمله الجديد سيمكنه من فتح مشروعه الخاص حين عودته بعد عدة سنوات... فعمله الحالي لا يوافق طموحاته أبدا...

ابتسمت بدوري و أنا أتأمل وجهها الطفولي المرح... الآن فقط فهمت سر سعادة سارة!

تمت الحلقة الثانية عشر بحمد الله

asma22
14-08-2009, 10:32 PM
ايه المفاجأت دى حلوة اوى هى ترفض وهو ييجى وميهتمش لرايها
عارف انه مش برغبتها
وطارق ده عمل كده ليه انا الوقتى اتأكدت انه متغيرش ولا حاجة احسن برده انه هيرجع امريكا
بس والدة راوية دى قاسية اوووووووى

ومازال التشوييييييييييق مستمر ويزداد أكثر واكثر
ومازالت سارة تنتهى بنا عند نقاط اكثر تشويقا
لسة حلقتين اكيد بقى مرام تتخطب لحسام وراوية تتخطب لجاد
ونشوف اللى بعد ده بقى

hermiony
15-08-2009, 01:44 AM
ما اجمل تلك القصه وما اجمل مرام وما اجمل خلقها وادبها وما اجمل الايجابيه فى حياتنا وما اجمل العلم والعمل والعباده

ماشاء الله حقا قصه جميله ومفييده وفى غايه الاهميه

حقا شكرا لكى بعرض تلك القصه علينا

جزاكى الله خيرا ووفقك ونفع بك

مع تحياتى

ساره الالفي
15-08-2009, 12:16 PM
ايه المفاجأت دى حلوة اوى هى ترفض وهو ييجى وميهتمش لرايها
عارف انه مش برغبتها
وطارق ده عمل كده ليه انا الوقتى اتأكدت انه متغيرش ولا حاجة احسن برده انه هيرجع امريكا
بس والدة راوية دى قاسية اوووووووى

ومازال التشوييييييييييق مستمر ويزداد أكثر واكثر
ومازالت سارة تنتهى بنا عند نقاط اكثر تشويقا
لسة حلقتين اكيد بقى مرام تتخطب لحسام وراوية تتخطب لجاد
ونشوف اللى بعد ده بقى


حلوه أووووي ومازال التشويق مستمر دي :022yb4:

عارفه أكتر واحده صعبانه عليا في القصه دي هي راويه ومع ذلك أنا بحسدها على صديقتها مرام لإنها دايما بتكون جمبها وبتنصحها وهتشوفي كمان المفاجأاااااات اللي ف الحلقه الجايه:av4056bb7jp3:

ساره الالفي
15-08-2009, 12:18 PM
ما اجمل تلك القصه وما اجمل مرام وما اجمل خلقها وادبها وما اجمل الايجابيه فى حياتنا وما اجمل العلم والعمل والعباده

ماشاء الله حقا قصه جميله ومفييده وفى غايه الاهميه

حقا شكرا لكى بعرض تلك القصه علينا

جزاكى الله خيرا ووفقك ونفع بك

مع تحياتى


أختي الغاليه hermiony أسعدني كثيرا مرورك وأسعدني أكثر كلماتك


جزانا الله وإياكي خيرا أختي في الله

اللؤلؤة الصغيرة
15-08-2009, 01:03 PM
جمييييييييييييييييييلة:av4056bb7jp3::av4056bb7jp3:
انا قراتها من اولها وهكمل معاكو ان شاء الله
وجزاك الله خيرا:022yb4:

Dr. R KH
15-08-2009, 04:45 PM
فعلا قصة جميلة أوي تتناول شباب محترم مش زي قصص تانية كتير و أجمل مافيها ان مرام و راوية أصحاب بجد ياريت يكون في منهم كتير دلوقت
مستنيين باقي الحلقات
:blush:متتأخريش

sweet heart
15-08-2009, 08:24 PM
جزاكى الله خيرا اختى سارة
بجد القصة جميلة اوى ونتمنى اننا نكون زى مرام فى أخلاقها وأدبها وتدينها

ساره الالفي
16-08-2009, 10:06 AM
جمييييييييييييييييييلة:av4056bb7jp3::av4056bb7jp3:
انا قراتها من اولها وهكمل معاكو ان شاء الله
وجزاك الله خيرا:022yb4:


حبيبتي اللؤلؤه الصغيره نورتي اليوميات
تابعي معانا باقي الحلقات يا عسل :d

ساره الالفي
16-08-2009, 10:10 AM
فعلا قصة جميلة أوي تتناول شباب محترم مش زي قصص تانية كتير و أجمل مافيها ان مرام و راوية أصحاب بجد ياريت يكون في منهم كتير دلوقت
مستنيين باقي الحلقات
:blush:متتأخريش


نعم معك حق Dr. R KH ياريت يكون كل الاصدقاء زي مرام وراويه كده أصدقاء بجد مع بعض بالنصيحه ومش بيسيبوا بعض أبدا

ساره الالفي
16-08-2009, 10:11 AM
جزاكى الله خيرا اختى سارة
بجد القصة جميلة اوى ونتمنى اننا نكون زى مرام فى أخلاقها وأدبها وتدينها



جزانا الله وإياكي يا حبيبتي

ياريت بجد كل بنات المسلمين دلوقتي يبقوا زي مرام مكنش ده هيكون حالنا

ساره الالفي
16-08-2009, 10:16 AM
الحلقة الثالثةعشر

ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ



سافرت عائلة عمتي الأسبوع الماضي إلى مقر إقامتهم في أمريكا... ظلت صورة سارة المبتسمة و المنطلقة و هي تلوح لي مبتعدة نحو قاعة الركاب عالقة في ذاكرتي. صورة مختلفة عن سارة التي رأيتها منذ بضعة أسابيع حين زارتنا للمرة الأولى... لكن صورة طارق بخطاه المتثاقلة و نظرته الخابية كانت تؤرقني و تشغل بالي لأيام عدة...

رغم الصدمة، بدت راوية متماسكة و هي تتلقى خبر سفر طارق المفاجئ و عدوله عن مسألة الخطبة و الارتباط برمّتها، دون سابق إنذار... ارتسمت على شفتيها ابتسامة حزينة، ما لبثت أن اتسعت تاركة إياي في دهشة و حيرة!
لم تكن تلك نهاية مفاجآت الأسبوع المنصرم، فقد أسرّت عمتي هيام إلى أمي، في زيارتها الأخيرة منذ يومين فقط، بأن رجلا ثريا تقدم لحنان... و حنان تميل إلى الموافقة! فجأة لم يعد موضوع الميراث يشغل بال عمتي، و لا بال حنان... و أخلت سبيل طارق بعد أن وجدت في العريس الجديد ضالتها! أيمن يستعد للسفر و الالتحاق بعمي محمود الذي وعده بوظيفة مرموقة تناسب طموحاته... لذلك فإن عمتي هيام تتعجل إتمام مراسم الخطبة قبل مغادرته. و هي جاءت تطلب من أبي الحضور هذا المساء للقاء العريس مع زوجها و ابنها، فهي رغم كل شيء، و رغم الخلافات المتكررة، لاتزال تحرص على استشارة أبي في كل ما يخصها و أبناءها، و تعتبره أقرب إخوتها إليها...

كنت أتمشى رفقة راوية في ساحة الكلية، ساعة الاستراحة المسائية، حين رن هاتف راوية فجأة. سارعت لتخرجه من محفظتها، ثم التمعت في عينيها نظرة مشرقة تنطق بالسرور و هي ترد على المتصل في لهفة. لم تدم المكالمة سوى بضع ثوان، لكن كان لها مفعول السحر على راوية التي التفتت إلي في فرح حقيقي و هي تمسك بذراعي بقوة :
ـ إنها راقية... ستأتي لزيارتنا رفقة زوجها مساء اليوم... و ستقضي عندنا بضعة أيام!

راقية هي شقيقة راوية الكبرى التي تزوجت منذ بضعة شهور و سافرت رفقة زوجها الذي يعمل في مدينة تبعد مئات الكليومترات عن مدينتنا... لا شك أن مجيئها سيخفف عن راوية الكثير من إحساسها بالوحدة في بيتها!

ـ سأذهب لاشتراء بعض الحلويات من المركز التجاري وسط المدينة... هل تأتين؟

كنت سعيدة من أجل راوية التي أصابها الفتور و البرود الشديد في الفترة الماضية، فلم يسعني إلا أن أرحب بالفكرة و أرافقها...
كنا نتجول في المركز التجاري، نتوقف من حين إلى آخر أمام أحد المحلات، نتأمل المعروضات على الواجهات، نتبادل بعض التعليقات ثم نواصل طريقنا في مرح افتقدته كثيرا في راوية... و أخيرا وصلنا إلى محل كبير في الطابق الثاني من المركز، و هو محل معروف يصنع أفخر الحلويات الخاصة بالمناسبات المميزة. نظرت إلى راوية في شك و نظراتي تقول : هل أنت متأكدة من أنك تقصدين هذا المحل بعينه؟!
لكنها سحبتني من ذراعي مبتسمة و هي تهتف :
ـ سأشتري لعزيزتي راقية أجمل كعكة فأنا أعلم كم تحب الكعك المحلى... و هذا المحل يصنع أفضل الأنواع في المدينة على الإطلاق!

تبعتها في تسليم و أنا أتأمل مختلف الأصناف التي رصفت على الجانبين بشكل يجلب الأنظار و يوقظ عصافير البطن... ثم رحت أتساءل عن ثمن الكعكة التي ستشتريها راوية و قد هالني ارتفاع الأسعار المعلقة هنا و هناك!

فجأة انتبهت على صوت ضحكة أعرفها حق المعرفة... ضحكة مميزة، و صاخبة و مستهترة... التفتت في فزع إلى مصدرها، فوجدت أن ظني كان في محله!

كانت حنان ابنة عمتي هيام تقف على بعد خطوات مني و هي تتأبط ذراع رجل، بدا لي أقرب إلى الكهولة منه إلى الشباب، و تمسك في يدها الثانية طبقا صغيرا يحوي قطعة من الحلويات الشهية. لبثت أتأملها في دهشة، حتى التفتت إلي بدورها و كأنها أحست بنظراتي... تلاشت ضحكتها لبضع ثوان، لكنها ما لبثت أن استأذنت من مرافقها و اقتربت مني في خطوات رشيقة و ابتسامة صغيرة تعلو شفتيها :
ـ أهلا بك يا مرام... ما الذي تفعلينه هنا؟

رفعت حاجبي في استغراب، فقد كنت أهم بأن أطرح عليها نفس السؤال، لكنني ابتسمت و أشرت إلى راوية التي دخلت في حوار مع أحد الباعة و قلت :
ـ جئت رفقة صديقتي راوية لشراء كعكة...

ثم أشرت إلى مرافقها الذي كان منشغلا بتذوق بعض الحلويات و استطردت :
ـ يبدو أنك لست بمفردك أيضا!

اتسعت ابتسامتها و هي تقول في دلال :
ـ تعلمين أن نبيل تقدم لخطبتي منذ فترة وجيزة... و قد كنا بصدد اختيار كعكة مناسبة للخطوبة...

تزايدت دهشتي و أن أحدق في الرجل الذي التفت إلينا ليستعجل حنان، و همست في نفسي في قلق : ظننته والد إحدى صديقاتها! إنه يبدو كهلا...

رمقتني بطرف عينها و هي تهمس :
ـ إنه ناضج حقا... لكنه في مقتبل الشباب... و يكفيه فخرا أنه كوّن مستقبله بنفسه في فترة وجيزة و حقق نجاحا في أعماله... كما أنه من النوع المناسب لي، فأنا لا أحبذ الشباب الطائش الذي لا يدري كيف يشق طريقه بعد...

لم أرد أن أشير إلى حكاية طارق حينها، خشية أن تسمعنا راوية... لكنني نظرت إليها قائلة :
ـ يبدو أن الأمور تسير بينكما بشكل جيد... رغم أنكما تعرفتما منذ فترة وجيزة... أم تراني مخطئة؟

بدا الاستياء على ملامح حنان، لكنها قالت في هدوء :
ـ لم أكن أظن أن الحظ سيبتسم لي بهاته السرعة... فحين تقدمت إلى وظيفة السكرتيرة في شركته، كنت أشك في فرصي في النجاح... لكنني وفقت إلى أكثر من ذلك! ففي لقائنا الثاني للاتفاق على مبادئ العمل، فاجأني بطلب فاق كل توقعاتي... الحياة فرص يا عزيزتي... و كان علي أن أحسن اقتناص فرصتي...

تذكرت شيئا ما فجأة فبادرتها متسائلة :
ـ أليس من المفترض أنه سيلتقي رجال العائلة مساء اليوم لمناقشة موضوع الخطبة؟ أعني أن موضوع الكعكة سابق لأوانه بعض الشيء... أليس كذلك؟

ابتسمت حنان في مرح و هي تسوي خصلة نافرة من خصلات شعرها و هي تهمس :
ـ لا تقلقي يا عزيزتي... لا يمكن أن يرفض والدي نبيل! أنا واثقة!

أشار إليها خطيبها المستقبلي في صوت هادئ رزين :
ـ حنان... عزيزتي... تعالي تذوقي هاته الكعكة... أظنها ستعجبك...

التفتت إلي حنان بعد أن ابتسمت له ابتسامة عريضة و هي تقول :
ـ عن إذنك مرام... يجب أن أختار كعكتي... أراك لاحقا...

ثم ابتعدت بنفس الخطوات الرشيقة الموزونة لتستقر من جديد إلى جانب رجلها الذي مد إليها الشوكة مع قطعة الحلوى، فالتقطتها بين شفتيها في رقة و نعومة، ثم أطلقت ضحكة من ضحكاتها و هي تهتف في غنج :
ـ إنها حقا الكعكة التي أريد... لقد أصبحت خبيرا في ذوقي بالفعل!

اقتربت راوية، في حين كنت لا أزال أراقب حنان و أنا في حالة من العجب و الذهول. بادرتني راوية قائلة :
ـ من تكون تلك الفتاة؟

أجبتها في شيء من الحرج :
ـ ابنة عمتي... و خطيبها...

لم تعلق راوية على الموقف، بل سارعت لتريني كعكتها الصغيرة المحلاة بالكريما البيضاء و هي تهتف :
ـ أليست جميلة؟ ستعجب راقية حتما!

ابتسمت و أنا أرافقها مغادرتين المحل، و قد شغل بالي موضوع خطبة حنان...

أخفيت عن الجميع لقائي بحنان في محل الحلويات، و انتظرت إلى أن عاد أبي من السهرة في منزل عمتي. كان يبدو عليه الانشراح، و هو يخلع سترته الجلدية و يجلس على الأريكة في استرخاء... بادرته أمي متسائلة :
ـ كيف كانت السهرة عند هيام؟ و كيف كان العريس؟

تنهد أبي و هو يتناول جهاز التحكم عن بعد و يضيء التلفاز و يقول :
ـ يبدو أن هيام ستطمئن على مستقبل ابنتها أخيرا...

اقتربت في فضول و قد تملكتني الدهشة... و تابع أبي قائلا :
ـ إنه رجل رصين... على خلق... مركزه الاجتماعي مرموق... و يبدو عليه النضج و الاستقامة... أرجو أن تبيض حنان وجوهنا أمامه...

ابتسمت أمي و هي تجلس إلى جانبه :
ـ يبدو أنها محظوظة حقا... الحمد لله أن نال إعجابكم... و ماذا عن محمود، و أيمن؟

كان أبي قد شرع في تغيير القنوات الفضائية و السفر بين مختلف المحطات... لكنه أجاب في قليل من التركيز :
ـ محمود يبدو مرتاحا، فالرجل متحدث لبق، كما أن كرمه و دماثته جليان للعيان... لكن أيمن يراه كبيرا في السن، نظرا للشيب الذي وخط شعره... مع أنه لم يتجاوز الخامسة و الثلاثين... و الحقيقة أن حنان أيضا تبدو أكبر من سنها... و فارق عشر سنوات أو حتى اثنتي عشرة سنة ليس بالفارق الكبير... كما أن جميع الأطراف يبدون في رضا تام... خاصة هيام، فهي سعيدة لسعادة ابنتها... فهي سترتاح من هم البحث عن عريس لها، بعد أن تركت الدراسة و قلت فرصها في إيجاد عمل محترم...

قال ذلك و أطلق ضحكة قصيرة، استغرق بعدها في متابعة الأخبار... تاركا إياي في حيرة من أمري... هل أفرح لابنة عمتي التي ظفرت بالعريس الذي تتمناه، أم أشفق على الرجل المسكين الذي لم أفهم بعد ما الذي دفعه إلى الارتباط بها بهذه السرعة، و هو الذي انتظر كل هذا الوقت لتكوين شركته و تحقيق نجاحه... و هو على هذا القدر من الوجاهة و الرصانة!

ساره الالفي
16-08-2009, 10:19 AM
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ




كانت راوية في غاية النشاط و الحيوية حين التقيتها صباح اليوم...
ـ كانت سهرة ممتعة حقا...

هتفت راوية و هي تتمطى في تكاسل، و نحن نتخذ مقاعدنا في المدرج الذي كان لا يزال شبه خال من الطلبة.
ـ هل نالت الكعكة إعجاب راقية؟

هزت راوية رأسها موافقة في حماس و سرور :
ـ نعم، كانت لذيذة حقا... حتى أنها أعجبت أمي التي لا يعجبها شيء مني!

ثم أطلقت ضحكة قصيرة، تداري بها ألمها... ثم أردفت بسرعة :
ـ ثم أخذتنا راقية في نزهة صغيرة بالسيارة... أنا و هي و أمي و منال... و تركنا أبي و زوج راقية في الشرفة يحتسيان الشاي... كانت فسحة جميلة... توقفنا عند البحيرة القريبة، و تمشينا لبعض الوقت قرب الماء، و كانت السماء صافية و الجو ساكنا... كنا جميعا في غاية المرح... لم أر أمي بذاك المرح منذ شهور طويلة... حتى أنها توقفت عن مضايقتي!

لم تعد راوية تخفي عني المواقف اليومية التي تحدث بينها و بين والدتها بعد أن كشفت لي سرها، و لم تعد تجد حرجا في الإفضاء إلي بآلامها و معاناتها...

ابتسمت و أنا أربت على كتفها قائلة :
ـ يبدو أن زواج راقية لم يؤثر فيك أنت وحدك! بل يبدو أن أمك أيضا كانت تفتقدها...

هزت راوية رأسها موافقة و بدا عليها التفكر... لكنني سارعت لأستطرد قائلة :
ـ بل ربما تكون عصبيتها الزائدة في الفترة الماضية بسبب زواج راقية... فأنت تقولين بأنها كانت مقربة جدا إليها... خاصة أنها ابنتها البكر... فمن الطبيعي أن يكون لها مكانة خاصة في نفسها... و لم يكن بوسعها أن تنفس عن انفعالاتها إلا من خلالك!

نظرت إلي راوية برهة، ثم هزت رأسها من جديد نافية هذه المرة :
ـ المشكلة أعمق من ذلك بكثير... فأمي تعاملني بجفاء منذ فترة طويلة... و لا علاقة لزواج راقية بالأمر!

ـ نعم، نعم... أفهمك... لكنك قلت بأن تصرفاتها ازدادت حدة خلال فترة الزفاف و بعده... بمعنى أن له دورا في تطور علاقتكما... و عوض أن تتحسن العلاقة، لكونك ابنتها الثانية، و التي من المفترض أن تحتل جل اهتمامها بعد سفر راقية، فإنها سارت إلى الأسوأ! راقية كانت صديقة مقربة لكليكما... و حين فقدتماها أنتما الاثنتين في وقت واحد، كان متوقعا أن تقتربا أكثر من بعضكما البعض، لكن ما حصل هو اتساع الهوة... لأنكما أنتما الاثنتين لم تحاولا الاقتراب من بعضكما، و لم تبحثا عن سد الفراغ الذي تركته راقية، بل زدتماه عمقا... هل ترين ما أقصد؟

حدقت راوية فيّ في دهشة و همست في شك :
ـ ربما أنت على حق...

شددت على يدها في حماس :
ـ بلى، أنا متأكدة من ذلك! ألم تلاحظي بنفسك كيف اختفت الخلافات فجأة حين عادت راقية بينكما؟ لكن هل ستظلان هكذا دائما؟ و هل ستنتظران من راقية أن تحل مشاكلكما في كل مرة؟

كانت تستمع إلي في انتباه، فنظرت إلي في اهتمام و هي تقول :
ـ ماذا تقصدين؟

ـ أقصد أنك يجب أن تتقربي أكثر من والدتك و تكسبي صداقتها... حاولي أن تكوني لها مثلما كانت راقية... و اعتبريها أنت أيضا صديقتك مثلما كانت لك راقية! كلاكما في حاجة إلى صديقة، و يمكنها أن تجد عند الأخرى ما تبحث عنه...

شردت راوية للحظات، ثم قالت بعد صمت قصير :
ـ و لكن يا مرام... المسألة ليست بمثل تلك السهولة... كيف أكون لها مثل راقية؟ راقية شخصية مرحة و حنونة، و تجيد تسلية غيرها و دفعهم إلى الإفضاء إليها بأسرارهم و مكنونات صدورهم...

ـ أين المشكلة؟ أنت أيضا شخصية مرحة و حنونة... كما أنك صديقتي المقربة التي أحب أن أحدثها بكل ما يقلقني... و دوما أستفيد بأفكارك النيرة و نصائحك الثمينة!

ابتسمت راوية في امتنان :
ـ شكرا لك يا مرام... لكن الأمر مختلف هنا... كيف أبدأ معها؟

فكرت للحظات ثم هتفت :
ـ تكلمي مع راقية في الأمر... فهي أكيد ستساعدك... صارحيها بما يشغلك، و هي أكيد ستكون مهتمة...

هزت راوية رأسها مبتسمة و همست :
ـ حسن... إن شاء الله سأفعل...

في تلك اللحظات، كان شخص ثالث يقترب في تردد من مجلسنا... التفتنا في وقت واحد حين جاءنا صوت أنثوي مألوف يبادر بالتحية :
ـ صباح الخير...

كانت سارة... سارة صديقة جاد السابقة... الفتاة المسيحية التي كان لنا معها حوار غير ودي على الإطلاق في مناسبة سابقة. كان شعرها الطويل منسدلا على كتفيها كالعادة، لكن نظرتها بدت أكثر وداعة من ذي قبل و هي تقول في أدب جم :
ـ آسفة على الإزعاج... لكنني في حاجة إلى بعض المساعدة...

بدا على راوية الاهتمام و هي تقول بسرعة :
ـ طبعا، طبعا... فيم يمكننا مساعدتك؟

خفضت الفتاة بصرها في حرج و هي تتمتم :
ـ في البداية أود الاعتذار عما بدر مني في المرة السابقة من كلام جارح... و ردة فعل عصبية... أنا آسفة حقا...

هزت راوية رأسها مبتسمة و هي تجيب في ود :
ـ لا بأس... أتفهم جيدا ردة فعلك...

ابتسمت الفتاة بدورها، ثم قالت في جدية :
ـ كنت أريد أن أسألك عن أحوال جاد...

بوغتت راوية بالسؤال، في حين واصلت الفتاة حديثها :
ـ علمت أنه وصل إلى البلد منذ فترة تزيد عن الأسبوع... و أنه قد أصيب في حادث ما و قضى بعض الوقت في المستشفى... لكن يبدو أنني علمت بذلك متأخرة، فحين ذهبت البارحة لزيارته في المستشفى وجدت أنه قد غادرها، و لم يترك عنوانا للاتصال به... فأردت أن أعرف منك أين يقيم في الوقت الحالي... و كيف هي صحته؟

نظرت إليها راوية في اضطراب و هي تقول :
ـ أنا آسفة حقا... و لكنني لا أعلم عن حاله أكثر مما تعلمين... فنحن لم نعد على اتصال كما كنا في السابق... و إن كنت على علم بحادثته إلا أنني لم أكن على علم بمغادرته للمستشفى... و لست أدري أين يمكن أن يقيم حاليا... بل أنني ظننته قد سافر إلى فرنسا مجددا...

أطرقت سارة مجددا ثم قالت في تفكر :
ـ لا أظنه سافر إلى فرنسا، فهو قد أصيب بعد فترة وجيزة من قدومه، و قضى وقتا طويلا في المستشفى... لذا لا أظنه تمكن من القيام بما جاء من أجله إلى هنا... و من منطلق معرفتي بجاد، يمكنني الجزم بأنه لن يسافر قبل أن ينهي مهمته...

حدقت فيها راوية في دهشة و هي تقول :
ـ أية مهمة تقصدين؟

ابتسمت سارة و هي تقول في مرح :
ـ لست أدري ما الذي جاء به... لكنني أتوقع أنه جاء لسبب ما... أليس كذلك؟ كما أنه لم يلتق بعد أيا من أصدقائه القدامى... و لا شك في أنه سيمر بهم قبل سفره! لذا أظنه في فترة نقاهة، في نزل ما...

التفتت إلى راوية في رجاء قبل أن تبتعد في خطوات واسعة :
ـ أرجو أن تعلميني إن وصلتك عنه أية أخبار... أكون جد شاكرة لك...

هزت راوية رأسها في بطء علامة الموافقة، و شيعنا بنظرات شاردة الفتاة و هي تختفي من خلال باب القاعة... ثم التفتت إلى راوية متسائلة في حيرة :
ـ هل تظنينه لا يزال هنا؟

لكن راوية لم تجب، بل بدت غارقة في تفكير عميق...

Eng : Heba
16-08-2009, 11:14 AM
أكيد جاد لسا موجود ومش هيسافر غير بموافقه راويه علي الزواج منه
يلا ياساره كملي بلاش تشويق
قصتك عسل متابعه معاكي حلقه بحلقه
وجزاكي الله خيرا

Dr\heba
16-08-2009, 02:07 PM
قصه روووووووووووووووعه يلا كملى بقى حاجه تلخبط الواحد مش عارف لو مكانهم حيعمل ايه خصوصا راويه بس بصراحه كلهم شباب زى الفل ربنا يرزقنا بحد زيهم يصونا ماعمد طارق ده انا حاسه انه اتغير عشان خاطر مرام مش زى جاد اللى اسلم وبعدين اتعرف على راويه لكن طارق العكس تحسى انه التزم بعد ماتعرف على مرام ودلوقتى اليوميات كلها حوالين راويه بالمناسبه انا حاسه ان مامته راويه مش مامتها لكن زوجة ابوها والله اعلم حنشوف بس انا حاسه بل متاكده ان جاد لسه موجود وحيخطب راويه ان شاء الله يلا كمللى بقلى

hermiony
16-08-2009, 05:07 PM
ماشاء الله الحلقات فى غاية التشويق

اكملى فانا متابعه حقا تلك القصه

الله أعلم
16-08-2009, 06:14 PM
يلا احنا مستنين الحلقات مميزة جدا وغاية فى المتعه اثابك الله عليها خيرا

ساره الالفي
16-08-2009, 06:28 PM
أكيد جاد لسا موجود ومش هيسافر غير بموافقه راويه علي الزواج منه
يلا ياساره كملي بلاش تشويق
قصتك عسل متابعه معاكي حلقه بحلقه
وجزاكي الله خيرا


هو أكيد لسه مسافرش يا هبه زي ما ساره قالت
بس الله اعلم إذا كانت راويه هتوافق ولا لاء

إنتي اللي عسل يا هبه ربنا يكرمك تابعي معانا باقي الحلقات:039uw8:

ساره الالفي
16-08-2009, 06:31 PM
قصه روووووووووووووووعه يلا كملى بقى حاجه تلخبط الواحد مش عارف لو مكانهم حيعمل ايه خصوصا راويه بس بصراحه كلهم شباب زى الفل ربنا يرزقنا بحد زيهم يصونا ماعمد طارق ده انا حاسه انه اتغير عشان خاطر مرام مش زى جاد اللى اسلم وبعدين اتعرف على راويه لكن طارق العكس تحسى انه التزم بعد ماتعرف على مرام ودلوقتى اليوميات كلها حوالين راويه بالمناسبه انا حاسه ان مامته راويه مش مامتها لكن زوجة ابوها والله اعلم حنشوف بس انا حاسه بل متاكده ان جاد لسه موجود وحيخطب راويه ان شاء الله يلا كمللى بقلى


فعلا يا hapyhopa هي حاجه تلخبط خصوصا إنهم بيتحطوا ف مواقف صعبه جدا جدا


بس موضوع مامة راويه ده :confused: معتقدش إنه صح
عموما تابعي مانا وإنتي تعرفي كل حاجه

ساره الالفي
16-08-2009, 06:34 PM
ماشاء الله الحلقات فى غاية التشويق

اكملى فانا متابعه حقا تلك القصه


حبيبتي hermiony منوووووره اليوميات

ساره الالفي
16-08-2009, 06:35 PM
يلا احنا مستنين الحلقات مميزة جدا وغاية فى المتعه اثابك الله عليها خيرا


جزانا الله وإياك أخي الفاضل

المسلمة الرقيقة
16-08-2009, 10:48 PM
معلش اتاخرت عليكي في الرد
بس الموضوع بقي متلخبط علي الاخر وبذات موقف مامت رواية
ياريت تبقي سريعة كدة علطول :d:dومتشوقيناش
هههههههههههههههههههههههه
بس بجد القصة اصبحت اكثر تشووووووووووووووووووووووويقا

الفتاة العربية
17-08-2009, 01:47 AM
يلا احنا مستنين دايما اخر اخبار مرام رواية وطارق وجاد وكل الاشخاص الموجودين يلا
متشوئيناش كتيييييييييير كده انا كل يوم على المنتدى علشان خاطر اعرف باقى القصة

مع خالص تحياتى
الفتاة العربية

Dr\heba
17-08-2009, 01:54 PM
يلا بقى كملى شوقتينا

asma22
17-08-2009, 02:07 PM
أين ذهبتى يا سارة
وكالعادة تركتينا عند نقاط فاصلة ومشوقة ومازال البحث عن سارة والحلقات مستمر لحين ظهورها

ساره الالفي
17-08-2009, 04:24 PM
معلش اتاخرت عليكي في الرد
بس الموضوع بقي متلخبط علي الاخر وبذات موقف مامت رواية
ياريت تبقي سريعة كدة علطول :d:dومتشوقيناش
هههههههههههههههههههههههه
بس بجد القصة اصبحت اكثر تشووووووووووووووووووووووويقا

أهلا أهلا بالمسلمة الرقيقه
مامة راويه الحمدلله خلاص بقت صاحبتها زي راقيه أختها يعني الحمدلله مشكلتها إنتهت
ومعاكي حق القصه أصبحت أكثر تشويقا لإنها قاربت على الإنتهااااااء:frown:

ساره الالفي
17-08-2009, 04:27 PM
يلا احنا مستنين دايما اخر اخبار مرام رواية وطارق وجاد وكل الاشخاص الموجودين يلا
متشوئيناش كتيييييييييير كده انا كل يوم على المنتدى علشان خاطر اعرف باقى القصة

مع خالص تحياتى
الفتاة العربية

أهلا بالفتاه العربيه نورتي اليوميات

وإن شاء الله تعرفي باقي القصه وتعجبك بإذن الله وتستفادي من إيجابية مرام وراويه:redface:

ساره الالفي
17-08-2009, 04:29 PM
يلا بقى كملى شوقتينا


حاضر من عنيا والله هكمل أهووووووووووووو:d

ساره الالفي
17-08-2009, 04:30 PM
أين ذهبتى يا سارة
وكالعادة تركتينا عند نقاط فاصلة ومشوقة ومازال البحث عن سارة والحلقات مستمر لحين ظهورها


موجووووووده والله يا أسماء :blush::blush:

ساره الالفي
17-08-2009, 04:32 PM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ





استيقظت هذا الصباح و على شفتي ابتسامة واسعة تنبض سعادة و إشراقا... تمططت في تكاسل ثم مسحت وجهي بكفي و تمتمت : الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا و إليه النشور... ثم قفزت من الفراش و سارعت إلى إعداد نفسي، فيوم حافل ينتظرني! نعم، إنه يوم انتظرته منذ زمن طويل

فاليوم يقدم طلاب السنة الخامسة عرضا مميزا طوال النهار استعدادا لتوديع الكلية بعد زمن قصير... صحيح لم تنته السنة الدراسية بعد، لكن النهاية باتت وشيكة. و في هذا اليوم يملأ الطلبة ساحة الكلية بعدد من الفضاءات المخصصة لعروض صغيرة ينظمونها رفقة الدكاترة و الأساتذة المشرفين، و تتناول في معظمها شروحات طبية لبعض الأمراض أو تجسيمات صنعت يدويا لبعض مناطق الجسم مع تبيين لكيفية عمله بصفة طبيعية... و مثل هاته العروض تكون فرصة لطلبة للتنفيس عن مواهبهم الخفية، سواء في الرسم و التشكيل، حيث يصنع كل طالب مجسمه بمفرده أو في مجموعات، أو في العرض و الإلقاء... و هاته العروض موجهة أساسا لطلبة السنوات الأولى و إلى الأولياء أيضا و تفتح لعموم المشاهدين في محاولة لتقريب المفاهيم الطبية المعقدة من عقول عامة الناس من غير المختصين في الميدان...




كانت دالية قد أسرت إلي منذ بضعة أيام بأن حسام يعد مفاجأة لهذا اليوم، حيث عمل طويلا على صنع مجسمه الخاص، خاصة في الأيام الأخيرة مع اقتراب الموعد... لكن اللئيمة رفضت أن تدلي إلي بأية تفاصيل إضافية و اكتفت بغمزة من عينها و ابتسامة و هي تقول : ستكتشفين بنفسك حين يحين الوقت!
و ها قد حان الوقت أخيرا!


دخلت المطبخ فوجدت الفطور جاهزا على المائدة، ابتسمت ثم وضعت لقمة في فمي و هتفت بفم مملوء :
ـ أمي... هل أنت جاهزة؟


سترافقني أمي اليوم... فأبي دائم الانشغال و لم يرافقني يوما منذ صغري إلى أية تظاهرة في المدرسة أو المعهد، ناهيك عن الكلية! حتى حين كنت أتسلم جوائز و شهادات تقديرية، فإنه كان دائما مشغولا و مرتبطا بمواعيد مهمة!! كان الله في عونه


رمت أمي إلي بمفاتيح السيارة :
ـ أخرجي السيارة من المرآب... سأكون جاهزة خلال ثوان!


التقطت المفاتيح و سارعت بتنفيذ الأوامر... ضغطت على المنبه بضع مرات، فخرجت أمي من المنزل مهرولة و على شفتيها ابتسامة اعتذار :
ـ هيا انزلي و اركبي من الجانب الآخر...


عقدت حاجبي في دهشة :
ـ و لم؟ سأقود أنا إلى الكلية!


ـ انزلي و كفاك عنادا... أنا أمك، و أنا آخذك إلى الكلية... يعني أنا من يجب أن يقود!


تنهدت في انزعاج و فتحت الباب في تذمر... أردت أن يراني حسام و أنا أقود السيارة... أردت أن أثبت له بأنني تحسنت و صارت قيادتي جيدة في الفترة الأخيرة... فالصورة التي ظلت في مخيلته عني ليست مطمئنة بالمرة!


وصلنا إلى باب الكلية الذي كان مفتوحا على مصراعيه لاستقبال الزائرين في هذا اليوم المميز من السنة و كانت الجموع تتوافد زرافات و وحدانا و تتفرق في الساحة و تندمج مع العروض القائمة... قفزت من السيارة فرأيت غير بعيد عني راوية تقف مع والدتها و أختها الصغرى منال فلوحت لها من بعيد، ثم التفتت إلى أمي التي كانت لاتزال تحاول تعديل وضعية السيارة في وضعية الوقوف. قلت مستعجلة :
ـ هيا يا أمي... ستفوتنا العروض!


نظرت إلي و هي تبتسم :
ـ انتظري... ألا ترين أن المكان ضيق و أنني بالكاد استطعت ركن السيارة! ثم لا تقلقي لن يفوتك شيء، فالعروض تعاد على امتداد اليوم و يمكنك حضور عرضك المميز أكثر من مرة إن شئت!


طبعا... فأمري مكشوف أمام والدتي العزيزة التي حضرت معي سابقا عروض هذا اليوم في السنوات الماضية، و لم تر مني من قبل مثل هاته اللهفة و الشوق لحضور العروض!!
اقتربت من راوية التي اتسعت ابتسامتها عند رؤيتي و هي تهمس :
ـ هل وصلت دالية؟


همست إليها بدوري :
ـ لست أدري... لم تصلني منها رسالة هذا الصباح... كما أنني لم أرها منذ أيام!


سلمت على والدة راوية ثم نظرت إلى أمي و قلت :
ـ سآخذ راوية قليلا... و نترككما على راحتكما... تمتعا بالعروض!


ابتسمت والدة راوية و هي تقول :
ـ بل الأحرى أن تقولي : اتركانا على راحتنا حتى نستمتع بيومنا!


احمر وجهي قليلا و تشاركنا الضحك في مرح. في حين اقتربت مني منال و هي تقول في رجاء :
ـ خذاني معكما!


نهرتها راوية في ضيق :
ـ منال... ابقي مع أمي، فأنا لا يمكنني أن أهتم بك... سنلتقي بأصدقاء كثيرين و سيكون شكلك مضحكا بيننا!


لكن منال تمسكت بكفي في عناد و هي تقول :
ـ أرجوك مرام... اتركاني معكما... و أعد بأن لا أضايقكما في شيء... سأظل هادئة طوال اليوم... أرجوكما!


ابتسمت و أنا أتبادل مع راوية نظرة صامتة التي بدت متضايقة :
ـ حسن... فلنأخذها معنا يا راوية... فهي وعدت بأن تكون فتاة هادئة و عاقلة!


تمتمت منال مؤكدة و هي تشد راوية من ثوبها :
ـ نعم، أعدكما...


زفرت راوية في استسلام و هي تقول :
ـ حسن... أمري إلى الله... تعالي... أمي نراكما لاحقا!


قفزت منال في سعادة و هي تقف بيننا و تمسك بكف كلا منا و تقدمنا نحو الساحة معا...


كان قلبي يدق بشدة و أنا أتلفت في أرجاء الساحة علني ألمح وجها مألوفا... وجها لم أره منذ أسبوع مضى، و هي فترة كافية لأشتاق إلى رؤيته جدا!


انتبهت على صوت راوية و هي تقول مبتسمة :
ـ ألا تباركين لي؟


التفتت إليها في استغراب و أنا أقول :
ـ مبارك إن شاء الله... و لكن علام؟


ضربتني على كتفي ضربة خفيفة و لكنها موجعة و هي تهتف :
ـ يا لقلة انتباهك يا فتاة! فيم أنت سرحانة؟!


أمسكت بكفها بسرعة مستطلعة، ثم أطلقتها و أنا أتنهد ثم هتفت :
ـ أفزعتني! ظننت أنك خطبت دون علمي! لكن إن لم يكن هنالك خاتم، فإلام تريدين مني أن أنتبه؟


عقدت راوية ذراعيها أمام صدرها و هي تقول :
ـ يا ذكية... عودي بذاكرتك سنة كاملة... في مثل هذا اليوم من السنة الماضية... ألا تلاحظين الفرق؟


عقدت حاجبي في تفكر و أنا أحاول أن أسترجع ما حصل السنة الماضية، لكنني بعد برهة قصيرة هتفت في ضيق :
ـ هل تنتظرين مني أن أتذكر كل تفاصيل هذا اليوم السنة الماضية؟! حرام عليك يا راوية! أفصحي و لا تجعلي صبري ينفد!


تنهدت راوية في يأس و هي تقول :
ـ لم أطلب منك أن تتذكري كل تفاصيل اليوم، بل أن تتذكري شيئا يخصني!


و لما لاحظت أنني لا أتقدم في اتجاه الحل المطلوب جذبت منال من كفها و وضعتها أمامي و هي تقول مبتسمة :
ـ و الآن... إليك هذا التلميح!


تطلعت إليها في استغراب :
ـ تلميح؟؟ هل منال تلميح؟!!


هزت رأسها علامة الإيجاب فتملكتني الحيرة و أخذت أفكر بصوت عال :
ـ منال... طفلة... أمراض الأطفال؟ هل لذلك علاقة؟ و لكنني لا أفهم!
زمجرت راوية في غضب و يأس من فهمي البطيء ثم قالت متمالكة نفسها :
ـ هل كانت منال معي السنة الماضية؟


فكرت للحظة ثم قلت في هدوء :
ـ لا!


ابتسمت راوية و هي تقول مواصلة :
ـ جيد... بدأت تستوعبين! هل كان معي شخص آخر؟


رفعت عيني إلى السماء و أنا أحاول تخيل من كان معنا في ذاك اليوم، لكن راوية لم تمهلني بل صرخت في نفاد صبر :
ـ يا غبية! ألا تلاحظين أن أمي تأتي معي إلى الكلية للمرة الأولــــــــــــــــــــى!!!


آه... نعم... صحيح... ارتسمت ابتسامة بلهاء على شفتي و قد تذكرت مشكلة راوية مع والدتها... كيف فاتني الأمر؟؟! والدة راوية لم تصحبها و لا مرة إلى الكلية... والدها كان يرافقها أحيانا... لكن والدتها أبدا!


عانقت راوية بسرعة و أنا أهتف :
ـ مبارك عليك يا حبيبتي... ألف مبروك! و أخيرا تصالحت مع أمك... إنه لتقدم ملحوظ! أخبريني بسرعة كيف حصل هذا بمثل هاته السرعة؟؟


ابتسمت راوية في هدوء و قد اختفت التكشيرة التي كانت تملأ و جهها المسالم منذ لحظات بسبب غياب ذكائي في الفترة الماضية! و هو ما يحصل معي حين أكون مشغولة البال، فلا أنتبه إلى ما يدور حولي، ما عدا الأمر الذي يشغلني!


ـ حصل كل شيء بسرعة... كان ذلك منذ ثلاثة أيام فقط، حين غادرتنا راقية...


انتبهت حينها إلى منال التي كانت ترفع رأسها إلى راوية في فضول و تستمع إلى ما تقوله باهتمام... فانحنت نحوها و أعطتها قطعة و نقدية و هي تقول :
ـ منال... اذهبي و اشتري لي علبة عصير...


ثم أشارت إلي المشرب على بعد خمسين مترا من موقفنا... بدا على منال الاستياء و التأفف، و كأنها تريد الاستماع إلى باقي القصة... لكنها أخذت النقود من يد أختها و انطلقت في خفة... ابتسمت راوية و هي تواصل حديثها :
ـ قلت لك أن وجود راقية خفف كثيرا من أجواء البيت المتوترة... لكن يوم سفرها، أحسست بغيوم الحزن عادت تظللنا، و عادت أمي إلى سالف عهدها من العصبية و نفاد الصبر! لكنني حينها كنت قد قررت أن هذا الحال لا يجب أن يستمر، و لم أرض بأن تتواصل التعاسة أكثر...


قلت مشجعة :
ـ هااااا... و ماذا فعلت؟


اتسعت ابتسامة راوية و هي تقول في براءة :
ـ تصدقين... لم أفعل شيئا ذا بال... كانت أمي تجلس في غرفتها وحيدة و قد بدا عليها الضيق... دخلت عليها ففوجئت و سألتني عما أريد... و لم أحس بنفسي إلا و قد ارتميت في أحضانها و أنا أعدها بأنني سأعوض عنها غياب راقية، و أنني أنا أيضا ابنتها التي يمكنها الاعتماد عليها... أحسست بدهشتها في البداية، لكنها سرعان ما ضمتني إليها، و بكينا روحا من الزمن... ثم كانت بداية جديدة!


عانقت راوية من جديد في سعادة بالغة... لم تكن المشكلة تحتاج سوى خطوة إيجابية واحدة من كلا الطرفين... كانت منال قد عادت تحمل علبة العصير و جرت إلى أختها تمدها إليها... ربتت راوية على رأسها في حنان و هي تقول :
ـ إنها لك يا حبيبتي... اشربي بالهناء و الشفاء...


لم تصدق منال عينيها لوهلة، لكنها سرعان ما استعادت العلبة في سرور و أخذت تمشي في بطء خلفنا كأنها تخشى أن تطلب إحدانا مشاركتها!


أما أنا فقد كانت عيناي لا تتوقفان عن الدوران في أرجاء المعرض، و لا تستقران على شيء... و قد بدا لي أننا جبنا الساحة كلها و لم تقع عيناي على الشخص المفقود...
لاحظت راوية شرودي و قلقي، و كانت هي الأخرى تشاركني بحثي في صمت... و لما بدا لها أنه لا فائدة من مواصلة البحث، نظرت إلي و هي تقول :
ـ هل اتصلت بدالية؟


ـ سأتصل بها فورا...


تناولت هاتفي الجوال و طلبت رقم دالية في سرعة. جاءني صوتها بعد بضع رنات و فيه نبرة من الحزن لم تخف علي. عاجلتها في قلق :
ـ دالية... أين أنت؟ أبحث عنك منذ نصف ساعة!


ردت دالية في هدوء :
ـ في البيت...


اتسعت عيناي دهشة :
ـ في البيت؟ و ماذا تفعلين في البيت؟ ألا تأتين إلى المعرض؟


كنت أريد أن أسألها عن مكان حسام، لكنني تريثت. أجابت :
ـ لا أريد...


ازدادت شكوكي و مخاوفي فهتفت في لهفة :
ـ دالية... هل حصل شيء في البيت؟


ترددت دالية للحظات ثم قالت :
ـ حسام لن يأتي إلى المعرض...


ـ لماذا؟ و ماذا عن تصميمه؟


ـ التصميم تحطم... و حسام في حالة سيئة منذ البارحة، أغلق على نفسه الغرفة و لا يكلم أحدا


عقدت الدهشة لساني :
ـ تحطم؟ كيف؟ ما الذي حصل؟


أحسست بتوتر دالية من الطرف الآخر من الخط، لكنها همست :
ـ أحادثك لاحقا مرام... يجب أن أذهب الآن...


أغلقت الخط و قد أحسست فجأة برغبة ملحة في البكاء... و بمغادرة المعرض قبل كل شيء... نظرت إلي راوية في استفسار :
ـ هل أنت على ما يرام؟ ماذا قالت لك دالية؟


لكنني لم أجب سوى بعبارة واحدة :
ـ راوية... أريد أن أذهب من هنا!

ساره الالفي
17-08-2009, 04:36 PM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ





جلست في غرفتي و قد بلغ مني القلق مبلغه و أنا أنتظر اتصال دالية... وعدتني بأن تفسر لي كل ما حصل البارحة... لكنني كنت قلقة، إحساسي يخبرني بأن القصة ليست مجرد تصميم تحطم، بل أن الحكاية أكبر بكثير!

كنت أطالع هاتفي في انتظار و ملل حين سمعت دقات على باب غرفتي... فتحت الباب في ضيق، و للمفاجأة كان وجه دالية يطل من الفتحة! عانقتها و أخذتها من يدها لنجلس على السرير. كانت علامات الحزن و القلق جلية على وجه دالية هي الأخرى... بادرتها في لهفة :
ـ أخبريني دالية... هل حصل شيء مع حسام؟ كيف تحطم التصميم؟!

ابتسمت في حزن و هي تهمس :
ـ لن تصدقي إن قلت لك أن... حسام حطمه بنفسه!

اتسعت عيناي دهشة و قلت في غير تصديق :
ـ كيف و لماذا؟؟ ألم يقضي أياما طويلة في صنعه؟ فلم فعل ذلك؟ ما المشكلة يا دالية؟؟

تنهدت دالية و هي تقول :
ـ كان في حالة نفسية سيئة... فأفرغ جام غضبه على التصميم!

شهقت في ارتياع :
ـ قولي ما به؟ ما بها حالته النفسية؟

لوحت دالية بكفها في ضيق :
ـ تشاجر مع أبي و كانت بينهما مشادة كلامية... فخرج حسام من عنده و أعصابه متعبة... و كان لتصميم هو أول ما وقعت عليه عيناه فقذفه إلى الحائط في عنف!

بدت على ملامحي علامات الحيرة و الاستغراب : تحسم تحصل له مشادة كلامية مع والده؟؟ لا أصدق! فهو شاب هادئ و رصين, لا أصدق أنه يتشاجر مع أي كان، فضلا عن والده!!

كانت نظراتي تحث دالية على المواصلة و التوضيح... ما الذي جعل حسام ينفعل إلى تلك الدرجة؟ لكن دالية لبثت مطرقة و قد بدا التردد في عينيها...

ـ دالية تكلمي... ما الذي حصل بالضبط؟!!

و بصوت كالهمس نطقت دالية :
ـ حسام فاتح والدي من جديد بخصوص موضوعكما...

اشتد وجيب قلبي و أنا أنصت إليها في اهتمام
ـ كان يريد أن يتقدم بصفة رسمية مباشرة بعد الانتهاء من امتحانات آخر السنة... و قد أراد أن يضع أبي في الإطار حتى لا يعارضه في اللحظات الأخيرة... لكن ما حصل هو أن المعارضة كانت منذ البداية!

كنت أشعر بالخيبة، و أنا أتابع كلامها في وجوم...

ـ أبي يعتقد بأن حسام لا يزال صغيرا بعد... و كما تعلمين فإن أبي كان مسافرا حين التقى حسام بوالدك في المرة الماضية... و أبي لم يكن مؤيدا للارتباط الفوري، و إن كان استحسن أن يكون والدك على علم بوجود علاقة ما بينكما حتى لا يعتقد والداك بأنه يلهو، و كان مسرورا من جدية حسام... لكنه في نفس الوقت لم يكن موافقا على ارتباط رسمي بهاته السرعة، أو بالأحرى في هاته السن!!

عاجلتها في دهشة :
ـ و لكنه كان موافقا على ارتباطك بوليد و أنت في هاته السن!! فلم يعارض ارتباطي بحسام؟؟

تنهدت داليه و هي تقول :
ـ بالنسبة إلى والدي وضعية البنت مختلفة عن وضعية الولد... فهو كان موافقا على وليد لأنه يراه ناضجا و عاقلا و ذا تجربة غنية في الحياة لتغربه و سفره المتواصل ثم عمله و استقلاليته المادية و المعنوية من عائلته... أما حسام فهو يراه قليل التجارب... لم يتم دراسته بعد، و أمامه طريق طويل حتى ينهي تخصصه و يشرع في العمل الفعلي... لذلك فهو يرى أن الارتباط الآن مستعجل جدا... و قد يكون سببا في تعطيل سير دراسته!

ـ تعطيل سير دراسته؟؟

ابتسمت دالية و هي تقول :
ـ نعم... أنت تعلمين أن المخطوبين ينشغلان كثيرا بالمكالمات و اللقاءات و الترتيبات و النقاشات و ما إليها... و أبي يرى أن كل تلك التفاصيل الجديدة ستربك مسار حسام الدراسي... و هو يضع كل أمله في تفوق حسام و تميزه... و لا يريد لأي شيء كان... أو أي شخص كان... أن يفسد عليه ذلك!!

كنت أحس بضيق شديد... كيف يمكن أن يفكر بأنني قد أكون سببا في تعطيل حسام عن دراسته و تراجع نتائجه؟؟ فقد كانت علاقتي بحسام في الفترة الأخيرة حافزا للعمل و الاجتهاد... لأنني أريده أن يكون فخورا بي و أريد أن أدخل السعادة على قلبه حين يعلم بأنني تميزت في دراستي... و هو أيضا كان كذلك... ينقل إلي أخبار دراسته في حماس... بل أن تشوقه لانتهاء السنة الدراسية كان كبيرا، لأن والدي اشترط عليه أن ينهي الدراسة النظرية قبل أن يتحدثا في أمر الخطبة الرسمية! فكيف تكون علاقتنا عامل تعطيل؟!!

ربتت دالية على كفي في مواساة و كأنها أحست بما يختلج في صدري من مشاعر، و هي تقول :
ـ هوني عليك... لازال هنالك بعض الوقت لانتهاء السنة الدراسية... و أعلم أن حسام لن ييأس و سيحاول التحدث إلى والدي من جديد... لذا لا تقلقي...

تنهدت في أسى... مسكين حسام... حتى أنه ضيع تعبه في إنجاز التصميم... و ضيع فرحته بهذا اليوم المميز... تمتمت أخيرا في قلق :
ـ و كيف حال حسام الآن؟

ـ أعصابه مشدودة... يصرخ لأتفه الأسباب... و لا يتحدث إلى أبي منذ البارحة...


انصرفت دالية، فسارعت بالاتصال براوية لأخبرها بما حصل معي...
ـ مرام... لا تشغلي بالك كثيرا... الوقت لا يزال مبكرا على الحديث في هذا الموضوع... و إن شاء الله سيلين قلب والد حسام و يوافق...

تنهدت للمرة الألف في هذا اليوم و أن أهمس :
ـ أرجو ذلك من كل قلبي... و لكنني قلقة على حسام...

همست راوية في خبث :
ـ طبعا... المشاركة الوجدانية!

هتفت في ضيق :
ـ راوية لست أمزح! أخاف أن تهتز معنوياته و لا يركز كما ينبغي على امتحانات آخر السنة!

قالت راوية مطمئنة :
ـ لا تخشي شيئا... حسام عاقل و واع تماما... لن يدع مثل هاته التفاصيل تؤثر على مردوده الدراسي... كما أن تراجع نتائجه ستكون حجة ضده أمام والده... و سيتهمه بأن انشغل بالتفكير في الارتباط و لم يعط دراسته حقها... و حسام أذكى من أن يترك لوالده مجالا لاتهامه من جديد...

تنهدت من جديد :
ـ معك حق... لكنني لا أتحمل أن تحصل له مشاكل مع والده بسببي!

ـ لا تلومي نفسك... فكل ما حصل ليس بسببك... لأن حسام طرف في الموضوع مثلك تماما... و لا تنسي أنه هو الطرف الفاعل، أي أنه من فاتحك و تقدم إليك و طلب لقاء والدك... يعني أنك لم تفعلي شيئا و لم تدفعيه إلى التسريع بالارتباط...

قاطعتها في ضيق :
ـ و هل ترينه أخطأ حين أراد أن يكون كل شيء بيننا واضحا و على بينة؟؟

ـ لا أبدا... لم أقصد ذلك... و لكن، ربما كان عليه أن يتحدث إلى والده من البداية، حتى لا يصطدم بمعارضته في مرحلة لاحقة! و لكن المسكين، كان خائفا من أن تضيعي من بين يديه ! فلم يتردد لحظة واحدة و لم ينتظر مشاورة أحد!

احمر وجهي خجلا و لم أنطق بكلمة، فانفجرت دالية ضاحكة و هي تتخيل الشكل الذي آل إليه وجهي ثم قالت :
ـ مرام حبيبتي... أنت في حاجة إلى تغيير الجو... ما رأيك في نزهة صغيرة، بعد أن ضيعت علينا متعة الفرجة على المعرض!

ابتسمت في حرج و أنا أذكر حالة راوية التي تركت أمها و أختها الصغرى منال في الكلية و أوصلتني إلى المنزل بعد أن استبد بي القلق... و بينما كنت في انتظار اتصال دالية، عادت أمي إلى المنزل. لم تدم فرجتها على المعرض طويلا، فهي كانت ذاهبة بالأساس لاصطحابي... لكن منال كانت تريد المكوث أكثر، فبقيت معها كل من أمي و والدة راوية للتتسليا بالأحاديث في انتظار أن تمل منال من المعرض الذي لم تكن تعي شيئا مما يدور فيه، عدا الأشكال و الألوان بطبيعة الحال!


تمشينا سوية عبر الشوارع في مركز المدينة و نحن نجول بأبصارنا حول واجهات المحلات... ثم تناولنا كأسي عصير في أحد المطاعم الصغيرة، و قفلنا راجعتين... لكن راوية أصرت على اصطحابي إلى منزلها!
فأطعتها على مضض...

وصلنا إلى منزل راوية... فحانت مني التفاتة إلى المنزل القريب الذي رأيت سهير واقفة عنده منذ أكثر من أسبوعين... و لوهلة، هيئ إلي بأنني ألمح خيالا طويلا يقف خلف ستارة النافذة المطلة على الشارع! تسارعت دقات قلبي، و تبعت راوية إلى الداخل و أنا أشعر بالارتباك و التوتر...

و ما إن دخلنا إلى غرفة راوية و أغلقنا خلفنا الباب، حتى فتح من جديد بقوة في حركة مفاجئة، استدرنا في دهشة فطالعنا وجه منال البريء و هي تلهث من الانفعال و هتفت بين أنفاسها المتلاحقة :
ـ العريس هنا!

تبادلت و راوية نظرات صامتة و قد بدا علينا عدم الاستيعاب، فقد مررنا على قاعة الجلوس و لم يكن هنالك أحد... فتابعت منال في حماس :
ـ لقد وصل منذ أكثر من ساعة و هو يجلس إلى والدي في الحديقة الخلفية!

تزاحمت الأفكار في رأسي... طارق؟ هل يكون فعلها و عاد من جديد؟!! أم أن جاد لم ييأس بعد؟؟ أم تراه عريسا جديدا لا علمي لي به؟؟

و قبل أن تتحول الأفكار إلى كلمات، كانت منال قد اختفت في سرعة مثلما ظهرت...

ساره الالفي
17-08-2009, 04:38 PM
ـــــــــ*×*ـــ((5))ـــ*×*ـــــــــ




كان الحدث أكبر من أن يسكت عنه أو يمر مر الكرام
كان يجب أن نحتفل... و راوية دعتنا إلى مطعم في وسط المدينة حتى نحتفل معا، و نشاركها فرحتها بهذا اليوم المميز الذي لم نظنه سيأتي! و لكنها لعبة القدر... يضعنا دائما في مواقف لا نتوقعها...

همست دالية في سعادة و هي تطالع قائمة الأطعمة الموضوعة على الطاولة :
ـ أنبهك إلى أنني سآكل اليوم كما لم آكل من قبل!

ضحكنا في مرح و أجابت راوية في لامبالاة :
ـ لا عليك يا عزيزتي... بالهناء و الشفاء...

ثم أضافت متظاهرة بالقلق :
ـ لكنني أخاف أن يزداد وزنك بصفة ملحوظة و تخسري المجهودات الجبارة التي بذلتها طوال الشهور الطويــــــــــلة الماضية، للحفاظ على رشاقتك و جمال قامتك...

حدجتها دالية بنظرة ثابتة عنيدة :
ـ قولي ما يحلو لك... لكن ذلك لن يمنعني من طلب كل ما أشتهيه... طالما أنه على حسابك... كما أنك ستدفعين الثمن غاليا... لأنك أخفيت عني كل هاته القصص و المغامرات كل هذه المدة!

ثم قرصتني في ذراعي في حدة و هي تهتف :
ـ و أنت أيضا يا مرام... تخفين عني كل هذا... و تتآمران من ورائي! طيـــــــــب، سأريك يا خطيبة أخي المستقبلية... لن تمر المسألة دون حساب...

رفعت يدي أمامها في استسلام و أنا أشير بعيني إلى راوية : هي المسؤولة!

فاستمرتا في عراك و تناوش إلى أن هتفت موقفة حوراهما الطفولي :
ـ ألن تتوقفا الآن؟ أريد أن أعرف كل التفاصيل...

ثم التفتت إلى راوية التي أشرق وجهها بابتسامة غاية في الرقة و الجمال :
ـ بسرعة... هات ما عندك...

هزت راوية كتفيها و هي تعيد الجملة التي سمعتها منها ذاك اليوم طوال فترة المحاضرات الصباحية... عشرات، بل مئات المرات :
ـ والدي وافق على خطبتي لجاد...

أشرت لها بعيني أن واصلي، ثم هتفت :
ـ كيف؟

لم أكن أتوقع أن جاد سيعيد المحاولة و سيتقدم لخطبة راوية من جديد، بعد تلك المواقف المحرجة التي حصلت، و بعد رفض والديها القاطع، و العراك مع طارق... و خاصة بعد غيابه الذي طال، مما لم يدع مجالا للشك بأنه قد سافر إلى فرنسا و استسلم إلى أن حكايته مع راوية يجب أن تصبح طي النسيان!

ابتسمت راوية ابتسامة حالمة و هي تقول :
ـ جاد عاد لزيارتنا مرة أخرى... البارحة... دون أن يعلمني كالعادة بما عزم عليه... تحدث إلى والدي طويلا... و أجاب باستفاضة عن كل تساؤلاتهما... و الحقيقة هي أن أكثر ما أثار إعجاب والدتي في شخصيته هي صراحته و استقامته... لم يخف عنهما أن والديه معارضان لارتباطه بفتاة من بلد آخر... و مسلمة أيضا... لكنه لم يعد يبالي، لأن إسلامه صار أهم شيء في حياته، و إن كان يرجو الهداية لعائلته، و يحاول أن يحافظ على برهما مهما عارضاه، إلا أن مسألة ارتباطه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخضعها لرغباتهما...

تنهدت دالية في شفقة :
ـ كان الله في عونك يا جاد!

ربتت على كتفها لأسكتها و هتفت في راوية في نفاد صبر :
ـ أفصحي... هات المفيد!

لكزتني دالية بمرفقها و هي تقول في احتجاج :
ـ دعيها تتكلم براحتها... و لدينا وقت الغداء كاملا لتتحدث بكل التفاصيل... لا تخافي... لن تقوم من هنا حتى تشرح كل شيء...

ضحكت راوية ضحكتها الرقيقة التي افتقدتها في الأسابيع الماضية... و لكن الحمد لله، باب السعادة فتح أمامها من جديد... و على مصراعيه! حدثان في يوم واحد... رضاء أمها عنها... و خطبتها لجاد! أمر لا يصدق...

ـ حسن... جاد كان قد ذهب منذ أيام للقاء والدي في مكتبه... و قد أقنعه بأن يمنحه فرصة جديدة لإقناعه بأنه الشخص المناسب... لي...

احمرت وجنتا راوية في حياء و هي تهمس بتلك الكلمات...

ـ و بدا أن والدي تأثر بكلامه و بتمسكه بموقفه، فحدد له موعدا، في البيت... و كان ذاك الموعد هو مساء البارحة... و في الأثناء، طلب من بعض أصدقائه السؤال عنه في الكلية و بعض المعارف، حيث كان يقيم قبل سفره... و رغم أنه كان مسيحيا حينها، إلا أن كل من عرفه أثنى على أخلاقه... و كانت مفاجأة بالنسبة للكثيرين ممن لم يعلموا بإسلامه حين عرفوا بالخبر!... لم أتوقع أن أمي ستتقبله بصورة مختلفة عن المرة الماضية... فأنا أعلم أن والدي لم يكن معترضا على الشخص في حد ذاته، بل على ظروفه... لكن أمي كانت معارضة تماما و رافضة للحوار معه... و لكن سبحان الله! فقد استقبلته البارحة بحفاوة و تحدثت معه بتفهم... و في النهاية أبلغوه بأنهما لا يعترضان على إتمام الخطبة... حتى يزورنا، و نتعرف عليه أكثر...

سكتت راوية فجأة حين وصلتها رسالة على هاتفها الجوال، فابتسمت في سرور واضح و هي تقرأها بعينين نديتين، ثم تنهدت في ارتياح. رفعت عينيها إلينا لتجد زوجين من العيون يرمقانها في فضول! فأعادت الهاتف إلى حقيبتها و هي تقول :
ـ جاد... وصلت طائرته إلى باريس...

رفعت دالية حاجبيها دهشة و هتفت :
ـ كأنه كان ينتظر الانتهاء من هاته المهمة ليسافر مباشرة!

ضحكت راوية و هي تقول مدافعة :
ـ لقد تأخر كثيرا عن دروسه... فالعطلة انتهت منذ زمن... لكن إصابته ووو...

لوحت بكفها دون أن تكمل الجملة ثم أردفت :
ـ ... كل ذلك أخره... و كان يجب أن يسافر...

انحنت دالية نحوها في خبث و هي تهمس :
ـ و ماهو شعورك الآن... بعد أن سافر حبيب القلب؟

ثم رفعت عينيها إلى السقف و هي تضم كفيها إلى صدرها في حركة مسرحية مؤثرة، ثم أخذت تهمس في صوت حزين :
ـ آه... جاد... لماذا تركتني وحيدة؟!... هنت عليك يا جاد... تتركني بعد أن استقرت حالنا أخيرا!... أحتاجك إلى جانبي!

أمسكت بطني و أنا أضع جبيني على الطاولة لأكتم ضحكة قوية كادت تفلت مني... في حين أخذت راوية القصاصة التي كتبت عليها قائمة الطعام و راحت تكيل الضربات لدالية في غيظ!

هتفت حين تذكرت شيئا شغل تفكيري لفترة من الزمن :
ـ راوية... ألم تسألي جاد عما حصل بينه و بين طارق في تلك المرة؟

بدا على راوية الضيق حين ذكرت اسم طارق... طارق الذي انسحب من حياتها كأنه لم يكن يوما يريد الارتباط بها... سافر دون أن يعلمها بقراره و دون أن يسألها عن رأيها... ببساطة، كأنه لم يتقدم لخطبتها...

لكنها عقدت حاجبيها بسرعة و هي تقول :
ـ لم يخطر ببالي أن أفتح معه الموضوع من جديد... لكن إن شئت سأسأله حين تسمح الفرصة...

رن هاتفي الجوال... طالعت الرقم ثم أجبت في برود :
ـ أهلا حنان... كيف حالك؟

جاءني صوت حنان رقيقا دافئا :
ـ أنا بخيـــــــــــر... كيف حالك أنت يا عزيزتي!

رفعت حاجبي دهشة... ما بالها حنان تحدثني بهاته الطريقة الغريبة؟!
استطردت بسرعة قبل أن أعلق و هي تقول :
ـ أردت أن تكوني أول من أدعوه لحفل خطبتي الأسبوع المقبل... بما أنك... سبق و تعرفت على نبيل!

تذكرت تلك الحادثة حين رأيتها في محل الحلويات... فهمهمت مباركة لها و شاكرة على التميز الذي منحتني إياه بأن أكون أول من يعلم! ثم قلت مستغربة :
ـ لكن... يبدو أنه مستعجل للغاية!

ضحكت في مرح و هي تقول :
ـ أنت لا تفهمين... إنه يحبني... يحبني جدا... و لا يطيق فراقي! لا تستغربي إن كان زواجنا بعد أشهر قليلة!

ثم أضافت قبل أن تنهي المكالمة :
ـ كما أنك تعلمين أن أيمن يسافر قريبا... و أريد أن يحضر أخي العزيز حفل خطوبتي!

أغلقت الهاتف و ابتسمت و أنا أرمق راوية و دالية في مرح :
ـ حنان ابنة عمتي تحتفل بخطوبتها الأسبوع المقبل! يبدو أن موسم الأفراح بدأ!

ثم غمزت راوية مداعبة... فربتت دالية على كفي و في عينيها نظرة ذات معنى :
ـ و أنت أيضا يا مرام... إن شاء الله نفرح بك قريبا... أنت و حسام...
دق قلبي في عنف... و أنا أفكر في حسام... ترى كيف حاله الآن؟




تمت الحلقة الثالثة عشر بحمد الله

asma22
17-08-2009, 05:08 PM
الحمدلله ان والدة راوية بقت كويسة معاها بجد كانت صعبانه عليا جداااااااااا
حنان دى مش مستلطفاها نهائى
وان شاء الله جاد يرجع وتتم خطوبة راوية
وان شاء الله مشكله مرام وحسام تتحل بقى
فى انتظار الباقى يا صرصور

الله أعلم
17-08-2009, 07:31 PM
يا ساره انا بنت والله بس مكتوب عضو الصراحه مش راضيه أغيرها (الله اعلم)

بنت دمنهور
17-08-2009, 09:22 PM
فرحت اوي علشان رواية اتصالحت مع مامتها

ان شاء الحلقات الجاية تبقى كدة كلها فرح في فرح

Dr\heba
17-08-2009, 11:51 PM
يلا بقى يا سوسو هاتى باقى الحلقات خلينا نفرح

hermiony
18-08-2009, 06:35 AM
المقاجئات لا تتوقف والحلقات المشوقه زادت تشويقا:022yb4::022yb4:

ومازلت متابعه معكى ساره

اختك فى الله:friendsxs3:

maryam.s
18-08-2009, 11:30 AM
موش المفروض بقى ان النهاردة ال14 يعنى الاخيرة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
طيب يا ريت بسرعة يعنى خففى التشويق شوية يا ستى
ده انا بحمد ربنا انى لسة واخدة بالى من القصة من يومين كده اصل انا موش كنت هستحمل كل الفترة اللى فاتت ديه صبري قليل من يومى
يالا يا رب الاحداث اللى جاية تكون فعلا فرح فى فرح

ساره الالفي
18-08-2009, 01:15 PM
الحمدلله ان والدة راوية بقت كويسة معاها بجد كانت صعبانه عليا جداااااااااا
حنان دى مش مستلطفاها نهائى
وان شاء الله جاد يرجع وتتم خطوبة راوية
وان شاء الله مشكله مرام وحسام تتحل بقى
فى انتظار الباقى يا صرصور

اه والله معاكي حق يا أسماء هي كانت صعبانه علينا كلنا

ربنا يخليلها مراااام:friendsxs3:

ساره الالفي
18-08-2009, 01:24 PM
يا ساره انا بنت والله بس مكتوب عضو الصراحه مش راضيه أغيرها (الله اعلم)


ماشي حبيبتي أنا أسفه كتيرررررررررررررررررررررر


نورتي كتير يا قمر وتابعي معانا

ساره الالفي
18-08-2009, 01:27 PM
فرحت اوي علشان رواية اتصالحت مع مامتها

ان شاء الحلقات الجاية تبقى كدة كلها فرح في فرح




إن شاء الله يا قمر يبقى فيها أفرااااااااح
أصلها الأخيره

ساره الالفي
18-08-2009, 01:29 PM
يلا بقى يا سوسو هاتى باقى الحلقات خلينا نفرح


من عيووووووووووووووووووني

الله أعلم
18-08-2009, 01:30 PM
يلا يا ساره احنا مستنين

ساره الالفي
18-08-2009, 01:31 PM
المقاجئات لا تتوقف والحلقات المشوقه زادت تشويقا:022yb4::022yb4:

ومازلت متابعه معكى ساره

اختك فى الله:friendsxs3:


منووووووووووووره يا سكررر

ساره الالفي
18-08-2009, 01:32 PM
موش المفروض بقى ان النهاردة ال14 يعنى الاخيرة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
طيب يا ريت بسرعة يعنى خففى التشويق شوية يا ستى
ده انا بحمد ربنا انى لسة واخدة بالى من القصة من يومين كده اصل انا موش كنت هستحمل كل الفترة اللى فاتت ديه صبري قليل من يومى
يالا يا رب الاحداث اللى جاية تكون فعلا فرح فى فرح


نورتينا يا مريم ف اليومين اللي فاتوا دول وحاضر مش هشوق أكتر من كده والحلقهع ال 14 ووووووووووووووصلت

ساره الالفي
18-08-2009, 01:44 PM
الحلقة الرابعة عشر

ـــــــــ*×*ـــ((1))ـــ*×*ـــــــــ




إنها إشراقة يوم جديد... تثاءبت في تكاسل و أنا أفتح عيني محاولة أن أطرد النعاس منها في صعوبة... نمت متأخرة البارحة، مثل الليالي الفارطة. فامتحانات نهاية السنة قد اقتربت و لم يعد هنالك مجال للتواكل! يجب أن أحرز النتيجة التي ترضي طموحي و تمكنني من الحصول على إجازة مميزة... تسللت الابتسامة إلى شفتي و أنا أتذكر وعد أبي العزيز بأخذنا في رحلة بحرية عقب الحصول على النتائج. و لكن الرحلة بالطبع لا تعتمد على نتيجتي وحدي، بل على نتيجة ماهر أيضا! عكر هذا الخاطر مزاجي. ذاك الولد، متى يهتم بدراسته و يريحني من هم التفكير في مصير الرحلة التي أنتظرها!

نهضت في تثاقل إلى الحمام. راوية ستأتي لندرس معا اليوم... طبعا ذاك النوع من المراجعة الذي تتخلله فترات استراحة مطولة للنقاش حول حفل خطبتها القريب و الاستعدادات له! اتفق جاد مع والدها على أن تكون حفلة صغيرة مباشرة بعد انتهاء الاختبارات. المسكينة تكاد تطير من الفرحة، لم تكن تتوقع أن تسير الأمور بتلك السهولة بعد أن كادت تجزم باستحالة ارتباطها به... لكن الله على كل شيء قدير.

لم أكن قد انتهيت من إفطاري حين دخلت راوية تحمل ابتسامتها الواسعة و وجهها ينطق بالسعادة، تلك السعادة التي دخلت حياتها على حين غرة لتمسح عنها كل الألم الذي عاشته في الفترة الأخيرة. ابتسمت و دعوتها إلى الجلوس إلى جانبي و أنا أقول في نفسي : تستحقين يا راوية كل خير... أدام الله فرحتك يا حبيبتي!

شاركتني الإفطار و هي تهتف بي بين اللقمة و اللقمة بعبارات الاستعجال، و كنت أضحك منها و أغيظها و أنا أترشف قهوتي على مهل...

و بعد دقائق قليلة كنا نجلس إلى المكتب في غرفتي و أكوام الكتب تتربع أمامنا في شموخ و ترقب. عقدت حاجبي في حيرة ثم التفتت إلى راوية و قلت :
ـ من أين نبدأ؟

أخرجت راوية مفكرتها و هتفت ضاحكة :
ـ عزيزتي... أنا أكثر منك نظاما... أعددت قائمة للمواد التي أحتاج أن أركز عليها قبل غيرها، فإن شئت اتبعنا التخطيط الذي أعددته!


رفعت حاجبي و أنا أطالعها في تردد، ثم قلت لأغيظها :
ـ فلنر إن كان تخطيطك سينفعك... أم نسيت أنني أسبقك دائما في المراجعة يا عزيزتي... و لكنني أحذرك هاته المرة، لا تطلبي عوني في قاعة الامتحان و تحملي مسؤوليتك كاملة!

تعكر مزاج راوية لذكر تلك الحادثة التي مرت عليها سنة تقريبا... لكنها قالت في لامبالاة :
ـ من يسمعك يظن بأنك ساعدتني أو تفضلت علي بشيء! الحمد لله نجحت رغم الداء و الأعداء... و كله بفضل الله أولا و أخيرا...

ثم حركت حاجبيها في حركة متكررة و في عينيها نظرة متشفية!

انفجرت ضاحكة و أنا أخطف مفكرتها من بين يديها و أقول مغيرة الموضوع :
ـ دعينا نر ماذا أعددت لنا...

انهمكت في مطالعة التخطيط، لكن راوية قاطعتني و هي تهتف في حماس :
ـ تذكرت!

رفعت رأسي إليها في استفسار فتابعت في هدوء و هي ترمقني بنظرة ذات معنى
ـ كم تدفعين لتعرفي ما الذي حصل بين جاد و طارق في تلك الليلة؟

نظرت إليها في دهشة و قلت :
ـ هل سألت جاد؟ و ماذا قال؟

ضحكت في دلال و هي تقول :
ـ لن تصدقي!

سرحت لثوان و أنا أتخيل المبارزة الدامية التي دارت بينهما في سبيل الحصول على الأميرة راوية! أبعدت عني التخيلات و طالعتها في اهتمام :
ـ قولي!

استرخت راوية في كرسيها و استندت إلى ظهره و هي تقول و على شفتيها ابتسامة حالمة :
ـ حين خرجا من المنزل كان كل منهما يحقد على الآخر بدرجة كبيرة، لكن جاد لم يكن يريد أن يدخل معه في جدال عقيم و رضي بما سيقرره والدي بعد النظر في المسألة بترو و طلب رأيي في الشابين المتقدمين... لكن طارق كان قد أخذ الموضوع على أنه حكاية كرامة، و ثقة جاد الواضحة جعلته يشتعل غضبا. فلحقه قبل أن يبتعد عن البيت. تبادلا الكلام الجارح و الاتهامات و كل منهما يهدد الآخر بالندم إن لم يبتعد عن طريقه... و في النهاية عرض طارق تحديا...

اتسعت عيناي دهشة و انفعالا و أنا أتابع كلماتها في لهفة... يبدو أن الحقيقة لا تبتعد كثيرا عن المبارزة التي تخيلتها، ففي المسألة تحد ما!

واصلت راوية مبتسمة :
ـ لم يكن جاد يريد أن يتورط معه في أي عمل متهور، لكن إصرار طارق و عناده جعلاه يقبل بالتحدي حتى لا يعتقد بأنه يتنازل عني بسهولة...

لاحظت احمرار راوية المفاجئ و هي تنطق بعبارتها الأخيرة في خفوت... أطلقت ضحكة قصيرة و أنا أربت على كتفها مازحة :
ـ طبعا... يا لحظك! شابان يتقاتلان من أجلك... و أحدهما ابن عمتي... من مثلك!

عقدت حاجبيها و هي تقول في تهكم :
ـ فهمت كل شيء، إلا الملاحظة الأخيرة... ما معنى أن يكون أحدهما ابن عمتك؟؟!

ـ يعني أن لك الشرف بأن يكون ابن عمتي مهتما بك! فدم العائلة الملكية يسري في جسده يا حبيتي!

ضحكت في لامبالاة و استطردت في استفزاز :
ـ إن كان كذلك، فلم لا تتزوجين من خارج العائلة الملكية! حرام أن تناسبي من هم أقل منك شأنا و تخلطي دمك الملكي بدم... لا يناسب مستواك!

رميتها بأقرب وسادة امتدت يدي إليها، لكنها تلافت الإصابة في خفة و ضحكت في مرح و هي تخفي رأسها وراء كومة الكتب التي استقرت بيننا على سطح المكتب...

استعجلتها في نفاد صبر و أنا أهتف :
ـ اتركي عنك الترهات الآن و أخبريني ما الذي حصل بالتفصيل؟!

تنحنحت و هي تستعيد هدوءها و رفعت عينيها كأنها تحاول استجماع أفكارها :
ـ نعم... إذن، قبل التحدي... فذهبا إلى الساحل الحجري القريبة... كان التحدي المقترح هو أن يتسابقا سباحة حتى يصلا إلى الصخور التي تتوسط البحر على بعد بضعة كيلومترات! لم تكن المسافة قصيرة... و الطقس كان باردا نوعا ما... لكن روح المغامرة و الانفعال سيطرا

عليهما...

هتفت في حماس قائلة :
ـ طارق سباح ممتاز! أذكر حين كنا أطفالا كان يغيظنا حين يبتعد عن الشاطئ و يأخذ معه الكرة حيث لا يمكننا أن نصل إليه أنا و سارة! فإذا كان منذ طفولته يتمتع بتلك اللياقة البدنية، فإنني أتصور أنه غدا منافسا خطرا يصعب تجاوزه... و أشك في أن جاد يتغلب عليه بسهولة!

رمقتني بنظرة أكدت شكوكي، لكنها هزت رأسها و قالت :
ـ طيب، طيب... ابن عمتك سباح ماهر، لكن تلك ليست كل الحكاية! كما أنه تحد سخيف... كيف يقترح مثل ذاك الاقتراح و هو يعلم تفوقه! كما أن الرجولة لا تقاس بمثل هاته المعايير...

ضحكت و أنا أقول :
ـ مسكين ابن عمتي... كان يحس بالقهر من جاد، و أراد أن يثبت تفوقه بأية طريقة! حتى إن بدت في نظرك سخيفة، فهي بالنسبة إليه تفوق على غريمه!

لم يعجب راوية كلامي، كأنني أهين جاد و أشكك في قدراته، فأردفت مغيرة الموضوع :
ـ لكنني لا أفهم... التحدي كان في السباحة، فكيف نتجت الجروح و الكسور و الإصابات؟؟

ـ طالما أنت تقاطعينني باستمرار فلن أنتهي من القصة إلا مع وقت الغداء!

ثم سكتت بمتظاهرة بالتركيز و استطردت :
ـ كما توقعت، طارق ربح التحدي و وصل إلى الصخور قبل جاد، فوقف عليها و أخذ يطالعه بنظرات شامتة و هو يقترب منه... وصل جاد و هو يتنفس بصعوبة بعد الرحلة الشاقة، و ما إن وصل إلى الصخرة و توقف ليستريح حتى قفز طارق في الماء من جديد لينقض عليه! جاد فوجئ بالحركة و تراجع في اللحظة المناسبة... سقط طارق في الماء، لكن المنطقة كانت بها صخور كثيرة على عمق غير كبير، فارتطمت ذراعه بصخرة ما بقوة، مما سبب له خدرا في جسمه إثر إصابته بكسر... حين لاحظ جاد أنه لم يكن يتحرك و فقط السيطرة، تقدم نحوه و رفعه في صعوبة ليخرجه من الماء... و بعد جهد جهيد تمكن من مساعدته على التمدد على الصخرة الكبيرة... لكن طارق الذي لم استفاق أخيرا من ذهوله بعد إصابته، تفطن أخيرا إلى أن من يساعده كان غريمه الذي يحقد عليه أكثر من أي شخص آخر... و بدون وعي منه تخلص من ذراعه التي كانت تسنده و دفعه في قسوة... كانت آخر كلمات سمعها جاد قبل أن تزل قدمه من وقع الدفعة : ابتعد عني... لست في حاجة إلى شفقتك!
ثم ترنح في قوة و سقط من على الصخرة ليصطدم رأسه بالصخور التي احتك عليها صدره في عنف!

شهقت في فزع حين وصلت إلى ذاك الحد من القصة و تابعت راوية التي ابتسمت في ألم و هي تداري دموعها التي أوشكت على النزول :
ـ و البقية تعرفينها!

ابتسمت أخيرا و أنا أقول مخففة من وقع الموقف :
ـ الحمد لله أن الإصابة كانت خفيفة و هاهو قد استعاد عافيته كاملة...

ثم سرحت بعيدا و أنا أهمس في قلق :

ـ صحيح أن طارق يتحول إلى شخص آخر... مفترس... حين يعميه الغضب!

ساره الالفي
18-08-2009, 01:47 PM
ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ





مرت فترة المراجعة بسرعة عجيبة... و هي عادة الأيام، تسرع حين نتمنى تباطؤها! و ها قد بدأت فترة الاختبارات العصيبة... الأعصاب مشدودة كل صباح، و القلوب ترجو النجاح و تتمناه بوجيب عال ودقات متدافعة... لكنني وجدت تسلية مختلفة عن كل مرة، تسلية أنغمس فيها يوميا بعد الخروج من قاعة الامتحان... بفضل حبيبتي راوية!

نعم، فهي تقوم بالتحضيرات لحفل خطبتها الذي لم يعد يفصلنا عنه سوى أسبوع واحد. صحيح أن الحفل صغير و عائلي، خاصة أن أحدا من عائلة جاد لن يحضر... لكنها فرحتها الأولى، و الخاصة... و يجب أن تكون مميزة! أختها راقية تقيم في منزل والدها في الفترة الحالية حتى تساعد والدتها في إعداد الحلويات المنزلية اللذيذة و تغيير الديكور و التجهيز للحفلة...

كانت راوية تعيش في حالة عجيبة من الذهول... تتقاذفها الأفكار... بين السرور للأحداث الجميلة التي تمر بها... و بين الخوف من المستقبل و القلق على مصير حياتها مع جاد...

لكن مكالماتها شبه اليومية مع جاد كان تشعرها بالراحة و الطمأنينة... فقد كانت لديه موهبة عجيبة في بعث الثقة في نفسها... ثقة تنبع من ثقته في رحمة الله و توكله العظيم عليه... فتخجل من نفسها أمام إيمانه الذي لا يدع مجالا للشك في عمق تمكن الإسلام من قلبه و حياته... فيشدها إليه أكثر و أكثر...

أما أنا فكنت أتابع عن كثب نقطة تحول حلوة في حياة رفقتي راوية... و أمني نفسي بأن تكون نقطة تحول مشابهة في حياتي تقترب في الأفق!

و أخيرا أصبح فستان راوية جاهزا... كانت قد قاسته مرتين في الأسبوعين الماضيين، لكن الخياطة أصرت على أن لا تريها إياه إلا بعد أن يأخذ شكله النهائي، حتى تكون مفاجأة حقيقية، على حد قولها!
كانت راوية جد متشوقة لاكتشاف الفستان... و أنا أكثر منها...

وصلنا إلى المحل بخطوات سريعة و نحن نضحك و نتبادل النكات في سعادة و استبشار... استقبلتنا الحائكة بابتسامة عريضة كأنها واثقة من عملها و من إبداعها فيه. جلست في غرفة الانتظار في حين دخلت راوية إلى غرفة تبديل الملابس لتجرب فستانها للمرة الأولى.

بعد دقائق قليلة، سمعت صرخة مكتومة تنبعث من الداخل... إنها راوية!
وقفت في سرعة و دخلت إلى حيث كانت في جزع. كانت راوية تقف أمام المرآة و قد ارتدت فستانها. كان تصميم الفستان غاية في الروعة... لونه الوردي الهادئ و نقوشه الفضية الدقيقة أعطى راوية شكل أميرة خيالية... أو ربما سندريلا... كان الفستان يتسع ابتداءا من الخصر و ينزل في رفق إلى أن يصل إلى الأرض... تأملت راوية في إعجاب و هي تقف مولية إياي ظهرها. كانت عيناها مسمرتين على صورتها في المرآة...

لم يكن شكل الفستان الأمامي واضحا من حيث أقف، لكنني كنت متأكدة بأنه أروع من الشكل الخلفي، و هو ما جعل راوية المسكينة تصرخ من الفرحة، و من الإعجاب بفستانها...

أمسكتها من كتفيها و أدرتها إلي و على شفتي ابتسامة واسعة... لكن ابتسامني غاضت بسرعة حين اكتشفت التكشيرة على وجه راوية، و دموعها التي تنذر بالنزول! نظرت إليها في دهشة... هل هي متأثرة إلى هاته الدرجة؟!

كانت تقف أمامي و قد عقدت ذراعيها أمام صدرها. حين لمحت نظرتي المستنكرة أزاحت ذراعيها في بطء و هي تقول في غيظ :
ـ انظري ماذا فعلت تلك الغبية بفستاني!

نظرت إلى المنطقة التي كانت تخفيها راوية بذراعيها... كانت فتحة الصدر واسعة بشكل مبالغ فيه، كما أن الفستان كان ملتصقا بجسدها و يصف أدق تفاصيل صدرها. و قد اجتهدت الحائكة في تطريز تلك المنطقة بطريقة تصف شكل الصدر أكثر و أكثر... تصميم ذكرني بفساتين عارضات الأزياء الفاضحة! وقفت غير مصدقة، في حين صرخت راوية :
ـ هل هذا فستان فتاة محجبة؟!

لم أجد كلمة أعلق بها... فراوية دفعت الكثير لشراء هذا القماش الغالي، و دفعت أكثر للحائكة حتى تهتم بالتطريز و التزويق... فإذا بها تفسده بذاك الشكل...

في تلك اللحظة دخلت علينا الحائكة و ابتسامتها العريضة لم تفارق محياها. نظرت إلى راوية في دهشة و هي تقول :
ـ ما بال عروستنا منزعجة؟ ألم يعجبك الفستان؟

رمتها راوية بنظرة ذات معنى و هتفت في ضيق :
ـ هل طلبت منك أن تفعلي هذا بصدر الفستان؟!

سارعت المرأة بالتقاط كتيب كان على منضدة قريبة و بعد أن تصفحته للحظات أشارت إلى صورة تظهر فيه و هي تقول في ثقة :
ـ يا حبيبتي... إنه نفس تصميم فستان الفنانة العالمية "فلانة"... موضة جديدة غاية في الروعة... كما أنه يليق عليك بشكل لا يصدق...

ثم غمزت لراوية و هي تقول في خبث :
ـ سيطير عقل العريس حين يراه عليك!

هنا صرخت راوية في انفعال :
ـ إنه ليس زوجي... بل خطيبي! خطيبي فقط!! ألا تفهمين؟!

فوجئت المرأة بهجوم راوية المباغت... خاصة أنها تبدو وديعة و هادئة. لكنها سرعان ما تمالكت نفسها و قالت في هدوء و هي تربت على كتف راوية في محاولة لإقناعها :
ـ و ماذا في ذلك؟ خطيبك سيصبح زوجك... و ليس هنالك من إشكال إن رآك جميلة و متأنقة... كما أن الصدر ليس مكشوفا بصفة مبالغ فيها...

اصطدمت بنظراتنا النارية التي حدقت فيها في ذهول فاستدركت و هي تقول :
ـ حسن... يمكننا أن نضيق فتحة الصدر قليلا حتى تصبح مقبولة...

زفرت راوية في يأس و هي تقول :
ـ نعم... تضيقين فتحة الصدر حتى يضيق الفستان أكثر و أكثر... أليس كذلك؟

تغير لون الحائكة و هي تختبئ من نظرات راوية الساخطة ثم قالت في ابتسامة مترددة :
ـ سنجد الحل... لا داعي للقلق!

خرجت مع راوية و قد سيطر عليها الحزن...
لم ترد أن تأخذ الفستان، لكنني استلمته من الحائكة... فلم يعد هنالك ما يمكن فعله بما أنها دفعت المصاريف مقدما و لم يبق سوى مبلغ بسيط أقسمت راوية على أن لا تدفعه لها بعد أن أفسدت فستانها... و لم تجد الحائكة من مفر إلا أن ترضى بما تم دفعه و تنازلت عن المبلغ المتبقي بعد أن رأت عيني راوية الحمراوين!


أوصلتها إلى منزلها حتى لا تفعل شيئا بنفسها و هي في تلك الحالة من الغضب.
استقبلتنا راقية في الحديقة، و بعد أن قصصت عليها تفاصيل ما حصل.
هتفت راوية باكية... فهي لم تعد قادرة على مقاومة دموع القهر :
ـ و الآن... يجب أن أجد حلا... لم يعد هنالك الكثير من الوقت... ثلاثة أيام فقط على الحفلة... ماذا أفعل؟ سأضطر إلى شراء فستان جديد!

ابتسمت راقية و هي تقول :
ـ بل سترتدين فستانك هذا... و لا داعي لشراء فستان آخر!

صرخت راوية في غضب :
ـ لن أرتديه مهما حصل... مستحيل!

احتضنتها راقية و هي تقول :
ـ اهدئي و دعيني أشرح لك...

تطلعت إليها راوية في يأس... فتابعت راقية :
ـ اشتريت لك وشاحا منذ مدة... كنت أود أن أقدمه لك هدية بعد خطوبتك... لكن يبدو أنك في حاجة إليه الآن... لونه قريب جدا من لون الفستان... كما أنه عريض و يمكنه أن يخفي فتحة الصدر تماما...

ثم جذبت راوية من ذراعها و هي تهتف :
ـ تعاليا... سنجرب الفستان حالا...

تبعناها إلى الداخل و دخلت راوية غرفتها بخطى متثاقلة لتجرب الوشاح مع الفستان. لبثنا ننتظرها في ترقب، و بعد لحظات خرجت إلينا و في عينيها نظرة انتصار... كانت قد وضعت الوشاح العريض على رأسها و لفته إلى الأمام بشكل دائري، حتى غطى ليس فتحة الصدر و حسب، بل كل الزينة و النقوش على صدر الفستان و أخفى الجزء العلوي منه إلى حدود الخصر تقريبا! نظرنا إليها في دهشة... لكنها كانت سعيدة بإنجازها...
و الحقيقة أن لون الوشاح القريب من لون الفستان جعل شكلها العام متناسقا...
و تنهدنا جميعا في ارتياح...



عدت إلى البيت بعد أن تركت راوية في حال أحسن بكثير... و ما إن وصلت حتى جلست إلى أمي أقص عليها ما حصل مع راوية ذاك اليوم...
أثناء حديثي كنت ألاحظ ابتسامتها الغريبة و هي تطالعني في اهتمام... و ما إن أتممت حكايتي حتى هتفت بها :
ـ و الآن أخبريني... ماهو سر هاته الابتسامة و هاته النظرة؟

اتسعت ابتسامتها و هي تربت على رأسي في حنان و همست :
ـ اتصلت بي اليوم والدة حسام...

خفضت عيني خجلا و احمرت وجنتاي و لم أجرؤ على سؤالها عن سبب الاتصال...
فمجرد ذكر حسام يكفي لبعثرة جميع أفكاري...

ساره الالفي
18-08-2009, 01:48 PM
ـــــــــ*×*ـــ((3))ـــ*×*ـــــــــ




اليوم هو حفل خطوبة راوية!
أمر لا يصدق... كم مرت الأيام القليلة الماضية بسرعة فائقة. كل الترتيبات تمت في الوقت المناسب و غدا كل شيء جاهزا للحدث المرتقب.
أما أنا فقد كنت أعاني مشاعر متداخلة تعتمل في نفسي. أحس بأنني سأفتقد راوية بعد أن يصير في حياتها شخص أقرب إليها مني! و لكنني في نفس الوقت في غاية السعادة من أجلها، فسعادتها تسعدني... و يكفي أنها عانت الكثير من أجل هاته العلاقة الشائكة التي كتب لها أن ترى النور أخيرا... و من ناحية أخرى، فأنا أيضا أرتقب اليوم الموعود الذي أرتبط فيه رسميا بحسام...

والدة حسام اتصلت بوالدتي منذ ثلاثة أيام و طلبت موعدا رسميا هاته المرة لتخطبني لولدها... خبر سار، أليس كذلك؟
لكنني أحس بضيق غريب يستغربه كل من حولي. فوالدة حسام كانت موافقة منذ البداية على ارتباطنا، و العقبة الحقيقية كانت والده... فهل يعني طلبها الموعد انحلال العقدة نهائيا و موافقة الجميع؟ أم أنها قامت بذلك من أجل حسام فقط؟
حالته في الفترة الماضية لم تكن على أحسن ما يرام... أجرى امتحانات السنة النهائية و لازالت النتائج مجهولة... أرجو له التوفيق من كل قلبي...


لكنني اليوم مشغولة جدا مع راوية... ألازمها كظلها... أخذت استراحة بساعة واحدة حتى أعود إلى بيتنا و أجهز ملابسي، ثم عدت إليها على جناح السرعة...

طرقت الباب في هدوء و دخلت على راوية غرفتها. وقفت بسرعة و هبت إلي في لهفة، كأنني تركتها منذ شهر!
ـ تأخرت!

تأملت ملامحها القلقة في إشفاق ثم أجلستها على السرير و جلست إلى جانبها و قلت في مرح :
ـ هي ساعة واحدة... هل اشتقت إلي بهاته السرعة؟ لكنني ستنسينني قريبا!

ابتسمت ابتسامة باهتة و لم تعلق. فبادرتها :
ـ و الآن مابك؟ ما الذي يقلقك؟

بدا عليها التردد، و همست أخيرا :
ـ خائفة!

ـ خائفة؟! خائفة ممن؟ أم من ماذا؟

خفضت عينيها في إحراج و هي تهمس :
ـ أحس بخوف شديد من المستقبل... من المجهول... فمنذ اليوم ستتغير أشياء كثيرة في حياتي... سأدخل مغامرة حقيقية... امتحان حقيقي لصبري و قوة احتمالي... امتحان أصعب من كل امتحانات الكلية... فهل سأكون في المستوى؟ هل سيكون مصير علاقتنا النجاح... أم الفشل الذريع؟

أمسكت بها من كتفيها في قوة و هتفت في حزم :
ـ راوية... أنت لم تدخلي الاختبار اليوم... أنت بدأته منذ وافقت على جاد و خطوت الخطوات الأولى نحو الارتباط به... و كنت مستخيرة... مقتنعة... متوكلة على الله، مفوضة أمرك إليه...

هزت رأسها موافقة في حركة سريعة و همست و هي تطرد دموعها :
ـ إذن لا داعي للقلق... أليس كذلك؟

ابتسمت ابتسامة حانية و أنا أربت على كتفها :
ـ نعم... و هو كذلك...

لبثت معها أكثر من ساعة، أبادلها الأحاديث محاولة تغيير الموضوع و إعادة الهدوء إليها...
فجأة، دخلت علينا منال و هي تصرخ مبتهجة :
ـ جاء الضيوف! جــــــــاؤوا... عمتي فاطمة و بناتها... خالي سامي و زوجته... جارتنا سمية و أختها و ابنتها...

و أخذت تعد على أصابعها عدد الحاضرين و تحك رأسها بين الفينة و الأخرى متفكرة لتتأكد من أنها لم تنس أحدا...
ارتسمت الابتسامة أخيرا على شفتي راوية و بدا أن مزاجها قد تعدل و زال عنها الهم و القلق. بعد قليل دخلت راقية و البسمة تملأ وجهها... و ما إن رأتنا جالستين نتسامر، حتى صرخت في راوية :
ـ ألم تستعدي بعد؟! الضيوف ينتظرون في الصالة و أنت هنا تجلسين؟ الخاطب قد يصل في أية لحظة... بسرعة تحركي!

هبت راوية واقفة و قد أعادتها كلمات راوية إلى واقعها... جاد قادم بعد قليل!
و لم تمض دقائق إلا و كانت على أهبة الاستعداد.
ابتسمت و أنا أتقدمها إلى باب الغرفة و أنادي راقية. في تلك اللحظة، فتح الباب و دخلت أم راوية التي كانت مشغولة مع الضيوف إلى تلك الآونة. و ما إن رأت شكل راوية حتى شهقت في فزع و هتفت :
ـ هل ستخرجين هكذا؟!!

نظرت راوية إلى هندامها في استغراب و قالت :
ـ ما الأمر؟ الوشاح يغطي الرقبة و الصدر... لم يعد هنالك مشكلة!

ـ بل تلك هي المشكلة عينها!

حدقنا فيها دون استعياب... فاقتربت من راوية و هي تجذب وشاحها محاولة انتزاعه :
ـ هل هناك فتاة تخرج بهذا الشكل في حفل خطبتها؟ كيف تخفين جمالك في مثل هذا اليوم؟ هل تريدين أن تبدو بنات عماتك أجمل منك و أنت المحتفى بها؟ انزعي هذا الوشاح بسرعة!

هتفت راوية في اعتراض و هي تفلت الحجاب من قبضتها بصعوبة :
ـ لكن صدره مكشوف جدا... و إن ارتديت وشاحا أقل عرضا فإنه لن يغطي كل شيء... كما أن الحائكة أفسدت صدر الفستان...

رفعت والدتها الوشاح لتلقي نظرة ثم هتفت :
ـ ما به صدر الفستان؟ غاية في الجمال و الأناقة... و هو لائق عليك تماما!

ثم رفعت عينيها إلى راوية المذهولة :
ـ ثم من قال بأنك ستضعين وشاحا من الأساس؟ لن يكون هنالك في القاعة غير المساء فلا داعي للتحجب... ثم تعالي هنا... لمَ لم تضعي مساحيق على وجهك؟ يلزمك بعض الألوان ليبدو وجهك مشرقا!

هتفت راوية محتجة :
ـ و ماذا عن جاد؟

ـ إنه خطيبك! لم يعد غريبا عنك!

كانت دموع راوية تنذر بالنزول على وجنتيها و هي تهتف بصوت مختنق :
ـ مستحيل!

زمجرت والدتها و هي تفتح الباب لتخرج :
ـ لا أريد أن أسمع كلمة واحدة... كوني جاهزة خلال خمس دقائق!

ثم التفتت إلي مبتسمة و قالت :
ـ مرام... ساعديها من فضلك!

ثم صفقت الباب وراءها و تركتنا في قمة الحيرة و الذهول!
ارتمت راوية على السرير و أجهشت ببكاء مرير...

مرت الدقائق عصيبة و أنا أراقب راوية المنهارة في ارتباك...فموقف والدتها لم يكن متوقعا أبدا، كيف يمكنني أن أواسيها و أخفف عنها؟
دخلت راقية الغرفة لتستعجل راوية في الخروج، لكنها صدمت حين وجدتها تئن في فراشها... شرحت لها بكلمات مبعثرة ما حصل منذ دقائق. وقفت عاقدة حاجبيها للحظات ثم خرجت مسرعة دون أن تعلق بكلمة...
راقية لم تلق نفس الإشكال في زواجها لأنها تحجبت بعد الزواج مباشرة...

حاولت تهدئة راوية بكل ما أسعفني به تفكيري نصف المشلول في تلك الآونة من كلمات و أنا أسأل الله في سري أن ترجع راقية بالحل سريعا.

كانت الدقائق تمضي ثقيلة على قلبي... و أخيرا ظهرت راقية من جديد و على شفتيها ابتسامة رضا، و قالت مخاطبة راوية :
ـ هيا اجهزي بسرعة... امسحي دموعك و اغسلي وجهك... حاولي إخفاء آثار الدموع... ماذا سيقول عنا المدعوون!

غمغمت راوية بصوت متقطع تملؤه الدموع و الشهقات :
ـ و لكن... أمي... لا تريد...

ـ تأخرنا كثيرا على الضيوف... و الخاطب قد يصل في أية لحظة!

التفتنا جميعا إلى باب الغرفة حيث ظهرت والدة راوية... واصلت قائلة :
ـ ارتدي ما ترينه صالحا... إنها حفلتك في نهاية الأمر!

ثم خرجت بسرعة كما دخلت تاركة إيانا في ذهول كالعادة... لكن راقية أخرجتنا من ذهولنا و هي تهتف مستعجلة :
ـ تحركن هيا! مرام... ساعديها على تعديل وشاحها... و إخفاء آثار الدموع...

و أخيرا خرجت راوية إلى القاعة، حيث استقبلتها النسوة بالزغاريد... و أخيرا رأيت ابتسامتها الخجلة تطل على شفتيها معلنة عن فرحتها الحقيقية...

لم تمض دقائق قليلة على اتخاذها مقعدها في صدر المجلس، حتى دخلت علينا منال راكضة و هي ترفع ثوبها الطويل المطرز... توجهت مباشرة إلى راوية و اقتربت منها لتوشوش في أذنها بصوت أرادته هامسا و لكنه مع انفعالها الواضح وصل إلى مسامع الحاضرات المحيطات براوية :
ـ وصل العريس!

و دون انتظار، بادرت عمة راوية بالزغردة، فتعالت زغاريد النسوة متتابعة بشكل متواصل. و ظلت العيون معلقة بالمدخل في انتظار أن تدخل النسوة من عائلة الخاطب إلى حيث العروس... لكن دقائق طويلة مرت و لم يدخل علينا أحد... سرت الهمهمات بين الحاضرات و عبرت النظرات عما أشفقت الألسن من الإفصاح به... أما راوية فقد طأطأت رأسها و عضت على شفتها السفلى في حسرة...

خرجت منال من جديد وعادت إلينا بعد لحظات و هي تقفز في جذل، حاملة إلينا المزيد من الأخبار :
ـ هنالك سيارات كثيرة!

تبادلت و راوية نظرات دهشة... من يكون جاء معه؟ هل من المعقول أن تكون عائلته؟
كانت راقية قد وضعت بعض الأشرطة الموسيقية لاستقبال الخاطب و إضفاء بعض الأجواء الاحتفالية... فتعالت الأغاني بصوت مرتفع و اشتد اللغط و اختلطت الأحاديث في القاعة... في حين كان الرجال يجلسون في فناء المنزل...

دخلت منال التي ظلت تروح و تجيء بين القاعة و الفناء و هي تسحب فستانها وراءها، لكنها توجهت مباشرة إلى المسجل و أوقفته تحت نظرات الحاضرات المستنكرة... لكنها هزت كتفيها في استهانة و هي تقول :
ـ العريس طلب مني ذلك!

تبادل الجميع نظرات... فيها الحائر و فيها المتسائل... و فيها المستهجن...
و لم تمض لحظات حتى ارتفعت أصوات رجالية في الفناء منشدة بألحان عذبة تهز القلوب... و عم الصمت على الحضور و اختفى الهرج و المرج... و لم يعد سوى صوت النشيد الشجي... و سرعان ما تعزز الإنشاد بدقات الدف التي رافقته... و تفاعل الحاضرون مع النشيد و الدف بتصفيق موقع منسجم بين الداخل و الخارج... و ارتسمت ابتسامات مستحسنة على الوجوه التي كانت مستنكرة للتو...


و أخيرا، دخل جاد القاعة مع والد راوية و قد بدا عليها التوافق و الانسجام. و حين اقتربا من صدر المجلس هتف والد راوية مازحا :
ـ ها قد أوصلتك إليها... فلا حاجة إلي بعد الآن!

أجابه جاد بابتسامته المعهودة :
ـ كيف يا عمي... أنت الخير و البركة!

أما راوية فإنها لم تنبس ببنت شفة، فقد كانت في غاية الإحراج من وجود جاد بالقرب منها... كانت تضم كفيها في حجرها في توتر ملحوظ و نظراتها ملتصقة بالأرض. جلس جاد على الكرسي المجاور لها و رنا إليها باسما :
ـ كيف حالك... راوية؟

رفعت عينيها إليه في تردد و همست بصوت مبحوح :
ـ بخير...

ـ أولا تسألين عن حالي؟

كفتاة صغيرة بريئة تنفذ ما يطلب منها، همست راوية من جديد :
ـ كيف حالك؟

اتسعت ابتسامته و هو يقول :
ـ في غاية السعادة!

احمرت وجنتا راوية خجلا أكثر و أكثر أمام إجابته الجريئة... و غير المتوقعة. لكنها بعد لحظات تمالكت نفسها و سألته في اهتمام :
ـ من جاء معك؟

ابتسم و هو يقول في اعتزاز :
ـ عائلتي!

و حين رأى علامات الدهشة على ملامحها واصل موضحا :
ـ عائلتي الحقيقية... هم من وقف إلى جانبي حين كنت غريبا و وحيدا و في أمس الحاجة إلى من يواسيني و يخفف عني... حين خرجت من المستشفى لم أعلم إلى أين أتوجه، فقصدت المسجد... و هناك أكرمني الله بالتعرف على بعض الشباب الملتزمين... شباب من خيرة الناس... استضافوني و أكرموني إلى أن شفيت تماما... و نشأت بيننا علاقة و لا أقوى... ثم حين وصلهم خبر خطبتي أصروا على مشاركتي فرحتي، خاصة أنهم يعلمون أنني وحيد هنا و عائلتي... لا تؤيد إسلامي... جميلهم علي لا يمكن أن أنساه ما حييت...

ثم واصل هامسا :
ـ كما أنني لا أنسى جميلك أنت علي... فأنا مدين لك بحياتي... حياتي التي لم تكن تعني شيئا قبل الإسلام!

خفضت راوية رأسها في خجل و على شفتيها ابتسامة سعادة... لكن أمها قاطعتهما فجأة حين اقتربت منهما و هي تقول :
ـ هيا... ألن تلبسها الخاتم؟

ارتبك جاد و أخرج من جيبه علبة فاخرة من المخمل الأحمر و مدها إلى راوية قائلا :
ـ راوية... أرجو أن تقبلي مني هذا الخاتم... كان بودي أن أشتري لك أجمل مضوغ الدنيا... لكن ظروفي الحالية لا تسمح كما تعلمين... و سأعوضك حين تفرج إن شاء الله...

أخذت راوية منه العلبة في خجل... في حين نظرت إليهما والدتها في استهجان :
ـ ألن تلبسها إياه؟

ابتسم جاد في إحراج و فتح العلبة التي لا تزال بين يدي راوية... أخذ الخاتم في تردد و مدت راوية كفها إليه ليدخل الخاتم في بنصرها الأيسر... لكن يده ارتجفت و سقط الخاتم! فازداد ارتباك جاد و همس حتى لا تصل كلماته إلى الآذان الفضولية القريبة :

ـ خالتي... هلا ألبستها أنت الخاتم؟ لا يمكنني أن أضعه في إصبعها دون أن ألمس يدها... و أنت تعلمين... أنه لا يجوز... و هي ليست زوجتي بعد...

انتقل اللون الأحمر إلى وجه والدة راوية التي تناولت الخاتم بالفعل و وضعته في إصبع راوية أمام العيون المحملقة... ثم قبلت ابنتها مهنئة، فارتفعت الزغاريد من جديد... و تدافعت الحاضرات للتهنئة... و هنا اغتنم جاد الفرصة فهمس لرواية :
ـ أكلمك لاحقا!

ثم انسحب خارجا ليستقبله الرجال بالأحضان مهنئين...

بنت دمنهور
18-08-2009, 02:47 PM
ياااااااه اخيرا رواية اتخطبت

عقبال ميرام ان شاء الله

منتظرين الباقي

Dr\heba
18-08-2009, 02:48 PM
ايه ده بس كده فين الباقى يلا بقى

اظن ان جاد دعى حسام اكيد ولا ايه؟

ساره الالفي
18-08-2009, 05:03 PM
ياااااااه اخيرا رواية اتخطبت

عقبال ميرام ان شاء الله

منتظرين الباقي

ايه ده بس كده فين الباقى يلا بقى

اظن ان جاد دعى حسام اكيد ولا ايه؟



مشكورين يا بنوتاااااااااااااااااااااات

إنتظروا أخر الحلقه ال 14 :022yb4::022yb4:

asma22
18-08-2009, 06:25 PM
بجد راوية دى جمييييييييييييييلة جدااااااااااااااااا
مشوفتش بجد جد زيها خالص الحمدلله انها اتخطبت وان شاء الله مرام اللى عليها الدور بقى

hermiony
18-08-2009, 06:44 PM
حقيقى ماشاء الله مع ان جاد لسه داخل فى الاسلام الا انه طبقه احسن تطبيق

واحسن اسلامه

ربنا يكرمها راويه هيا وجاد الاتنين يستحقوا بعض

انا متابعه معاكى بس ليا سؤال هيا القصه ديه حقيقه


مع تحياتى


اختك فى الله:friendsxs3:

الله أعلم
18-08-2009, 06:53 PM
ياساره شوقتينى أكثر

maryam.s
18-08-2009, 07:59 PM
ايه يا سارة ده ؟؟؟؟؟؟
احنا ما اتفقناش على كده فين التكملة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

زهراء محمد السيد
18-08-2009, 10:17 PM
فين الباقى

توكلت على ربي
19-08-2009, 04:51 PM
جزاك الله خيرا أختي سارة
ولكن هل توقف الموضوع
نرجو وضع باقي الحلقات بسرعة اليوم و الان
لقد شوقتينا

توكلت على ربي
19-08-2009, 04:53 PM
نرجو من سارة دخول الموضوع
ووضع باقي الحلقات
جزاك الله خيرا

ساره الالفي
19-08-2009, 04:54 PM
أنا آسفه كتيرررررررررررر ع التأخير يا جماعه



الفصل الأخير وصل



وبشكر كل اللي ردوا وتابعوا معانا الحلقات اللي فاتت

توكلت على ربي
19-08-2009, 05:04 PM
ok ok ok
يلا يلا بسسسسسسسسرعة احنا منتظريين على أحر من الجمر

توكلت على ربي
19-08-2009, 05:43 PM
جزاك الله خيرا

توكلت على ربي
19-08-2009, 05:46 PM
لإيه اللي حصل
احنا منتظرين وانتي مش موجوده
رحتي فين
لك كل التقدير

ساره الالفي
19-08-2009, 11:21 PM
ـــــــــ*×*ـــ((4))ـــ*×*ـــــــــ



ألقيت نظرة على هندامي في المرآة ثم ابتسمت في رضا... الفستان العسلي الذي اشتريته من صديقة أمي التي عادت مؤخرا من رحلتها التجارية عبر بعض البلدان الصديقة و الشقيقة، لم يحتج سوى بعض التعديلات حتى يصبح مناسبا للحفل الصغير المقام في بيتنا هذا المساء، بسيط مع لمسات إبداعية لا تخلو من الأناقة...

سرحت بخيالي إلى الأيام القليلة الماضية... كل شيء سار بسرعة كبيرة، زيارة والدة حسام منذ نحو شهر، ثم قدوم حسام و والده للاتفاق على موعد الخطبة و الاستعدادات اللازمة
سبحان الله كيف غير كل من والد حسام و والدي رأييهما في موضوع الارتباط و اقتنعا أخيرا بعد طول ممانعة... هل هو مفعول الدعاء و الاستخارة الذين داومت عليهما في الفترة الأخيرة؟ أم اقتناعهما بجدارة حسام و حسن تحمله للمسؤولية بعد أن تميز في امتحانات نهاية السنة و حصوله على منحة للقيام بتربصه في اليابان؟

حمدت الله في سري و قد اتسعت ابتسامتي مع ذكرى يوم إعلان نتائج الاختبارات النهائية. لشد ما قلقت و جزعت من أجل حسام الذي في كان في حالة نفسية سيئة بعد خلافه الأخير مع والده بسبب موضوعنا... لكن يبدو أن ذلك لم يمنعه من استجماع قواه و العمل بجدية و تحد لتحقيق النجاح و التفوق... أذكر كيف كنت و دالية نشرئب بأعناقنا في تطلع و قلق أمام لوح النتائج الذي تجمع حوله الطلاب في تدافع شديد. فيوم نتائج طلبة السنة النهائية من الأيام المشهودة في الكلية، حيث يدفع الفضول طلاب السنوات الأخرى إلى لوحات الإعلان كأنهم المعنيون بالأمر، و ينتظر الجميع الإعلان عن أسماء الطلبة المتفوقين و الحائزين على المنح...

لكن حسام نفسه لم يكن حاضرا في الكلية ذاك اليوم... كان قلقا للغاية و متخوفا من النتيجة المرتقبة. حين عرف أن النتائج قد وقع تعليقها في بهو الكلية، أغلق على نفسه الغرفة رافضا الذهاب إلى الكلية و متهربا من المواجهة... فاتصلت بي دالية حتى نذهب معا و نعود بالخبر اليقين...

لم نستطع الوصول إلى لوحة الإعلانات نظرا لكثافة الحضور، لكن تناهى إلى مسامعي حديث بعض الفتيات في الصفوف الأولى، كن يتهامسن عن الطلبة المتفوقين، بدا لي الصوت مألوفا... إنها سهير، مر وقت طويل على آخر لقاء لنا... و فجأة رأيتها تهتف في سعادة باسم حسام، تعلقت عيناي بها، و قد ملئ قلبي أملا، كنت أعلم أن الخبر سار لا محالة فجذبت دالية لأنبهها إلى موقع سهير، فنادتها من بعيد فما لبثت سهير أن خرجت من الزحام و الابتسامة تملأ وجهها و عانقت دالية مهنئة و في لحظات كنا جميعا نقفز فرحا بالخبر السعيد...


عدت إلى الحاضر حين تعالت الطرقات على باب غرفتي، التفتت مذعورة و سويت وشاحي، قبل أن أهتف : ادخل...

فتح الباب و أطل علي وجه راوية المبتسم، اقتربت مني بخطوات بطيئة و وضعت يديها على كتفي في ود و همست :
ـ هل أنت جاهزة؟ سيصل الضيوف في أية لحظة...

تبعتها إلى الخارج دون أن أنبس بكلمة، فقد كانت دقات قلبي متسارعة و أعصابي مشدودة بعض الشيء... لكنني كنت أحدث نفسي بأنه لا داعي للقلق، فكل شيء يسير حسب ما أردنا، و ها قد اقترب الموعد المرتقب و لم يعد من سبيل إلى التراجع

اقتربنا من نافذة المطبخ، المطلة على الحديقة، في ترقب، كان أبي يقف رفقة أخي ماهر أمام باب الحديقة الخارجي يستقبلان المدعوين من العائلة، فقد حرصنا على أن يبقى الحفل عائليا مضيقا بدون زينة مبالغ فيها... و توافد الضيوف على المنزل حيث تفرق الرجال بين الحديقة و الصالة، في حين تجمعت نساء العائلة في قاعة الجلوس الداخلية

مضت بضع دقائق قبل أن ألمح سيارات غريبة تقف أمام المنزل. تصاعد الدم إلى وجهي و قد تعرفت إلى سيارة والد حسام، و بعد لحظات قصيرة كانت الركاب قد ترجلوا و تقدموا نحو باب الحديقة حيث كان أبي في انتظارهم. لمحت حسام يصافح والدي و قد علا وجهه الاستبشار، دائما نفس الابتسامة المعهودة، ابتسمت ابتسامة خجلة:blush: و أنا أملأ من وجهه عيني... هذا هو رجلي، هذا هو فارس أحلامي،
ثم لمحت باقة الورود الحمراء التي يحملها في عناية فائقة، باقة غاية في الجمال و الروعة... لكنه ما لبث أن غاب عن ناظري حين تقدم نحو باب الصالة يتبعه والده و عدد من الرجال الذين رافقوه

انتابتني مشاعر متداخلة، لكن الأكيد هو أنها كانت مشاعر مريحة و مطمئنة. لكن راوية لم تمهلني حتى أعيش تلك اللحظات مع مشاعري الوليدة، بل شدتني من جديد و هي تهتف :
ـ أمه ستدخل الآن، يجب أن تكوني في استقبالها في قاعة الجلوس...

و ما إن خرجنا من المطبخ حتى اصطدمنا بقافلة النساء اللاتي وصلن للتو. وقفت في ارتباك و تصفحت وجوههن في تردد، لكن دالية أنقذتني من الموقف حيث تقدمت مني و عانقتني في سرور ثم أفسحت المجال لوالدتها، والدة حسام، حتى تعانقني بدورها مهنئة، ثم مدت إلي الباقة، باقة الورود الحمراء التي رأيتها منذ لحظات بين يدي حسام. تسلمتها منها في حياء شديد و ابتسمت شاكرة...

لم يطل وقوفنا أمام المطبخ إذ سرعان ما حولت أمي وجهة المجموعة إلى المجلس المعد لها
جلست في استحياء على الأريكة تحيط بي كل من صديقتي الغاليتين راوية و دالية، في حين جلست والدة حسام غير بعيد عنا و هي ترمقني بنظرات فاحصة تنم عن الرضا...

مالت دالية على أذني و هي تهمس :
ـ خسارة... كنت أحلم بمشهد أكثر رومانسية... أن يصعد حسام السلم، فيجدك في انتظاره عند الشرفة، فيقدم إليك الباقة... يا إلهي... كم كان سيكون مشهدا رائعا...

ابتسمت و أنا أهزها من كتفها :
ـ دالية، عزيزتي، استيقظي من أحلامك... أظن أن على أخيك أن يتجاوز بعض الحواجز الشائكة قبل أن يصل إلي...

نظرت إلي في تساؤل، فهمست متضاحكة :
ـ جدار الصد العتيد... أبي و أخي مع مساندة نخبة من شباب العائلة الصناديد...

ضحكت بدورها و هي تهمس :
ـ أليس من شباب عائلتك الصناديد صنديد واحد يناسبني؟

لكزتها محذرة و أنا أقول :
ـ ألا تستحين يا فتاة؟

لكنها لم ترد علي، إذ اقتربت منا في ذاك الحين عمتي هيام. لم أكن قد التقيتها منذ حفل خطبة حنان الذي لم أمكث فيه أكثر من نصف ساعة للتهنئة و المباركة... فقد عافت نفسي مظاهر التبرج و الفجور التي رأيتها في منزل عمتي حتى آثرت الانصراف في بداية السهرة. كان أملي أن يقف أيمن في وجه أمه و أخته للمحافظة على قدر أدنى من الاحترام، لكن معاملات التأشيرة العسيرة و اضطراره إلى السفر بصفة سريعة منعاه من الإشراف على التحضيرات, فتمكنت حنان من اقتناء الفستان الأكثر إغراءا كما أرادت و أقامت حفلا ساهرا جمع كل صديقاتها ذوات المستوى المادي الرفيع و المبالغات في الاهتمام بزينتهن و أناقتهن... مما جعل شباب الحي يتجمعون غير بعيد عن المنزل لمراقبة الغادي و الرائح و معاكسات ذوات القوام الرشيق... و لا حول و لا قوة إلا بالله...

عانقتني عمتي و هي لا تحاول إخفاء عجبها من بساطة الحفل و الزينة فقالت في رثاء مصطنع :
ـ أعلم أن خطيبك لا يزال طالبا في الكلية و إمكانياته لا تسمح له بتقديم هدايا نفيسة لك... و معه الحق والدك في عدم إقامة حفل كبير... حتى لا يخجل أصهاره... أنت تعلمين أن خطيب حنان رجل مرموق و مرهوب الجانب، اسمه معروف في عالم التجارة و الأعمال... لذلك أتفهم الفرق الواضح بين مستوى حفلك و حفل حنان...

رمقتها دالية في اشمئزاز و تمالكت نفسها بصعوبة حتى لا ترد عليها بعصبية و عنف... لكن عمتي هيام واصلت قائلة :
ـ سترين كيف سيكون حفل خطبة ابني أيمن... انتظرت هاته المناسبة طويلا، و سيكون مستوى الحفل من مستوى طول انتظاري و مقام العائلة...

ابتسمت على مضض و أنا أقول مجاملة :
ـ مبارك إن شاء الله... لم أعلم بأنك خطبت لأيمن...

ابتسمت عمتي و هي تقول :
ـ العروس ليست غريبة عنك... بل تعرفينها كل المعرفة... إنها سارة ابنة أختي سهام...

رفعت حاجبي في دهشة. كنت قد لاحظت ميل سارة إلى أيمن و لم يخف علي سرورها بسفره إلى أمريكا للعمل مع والدها، لكنني لم أتوقع أن يتفاعل أيمن بهاته السرعة و يتقدم إلى خطبتها...

واصلت عمتي هيام كأنها تجيب على تساؤلاتي :
ـ أيمن سافر منذ أسابيع قليلة إلى أمريكا... و أنت تعلمين أن مغريات الحياة هناك كثيرة... و النساء الأمريكيات ذوات إغراء كبير... و الحقيقة أنني خفت على ابني الوحيد من الفتنة، و لا أريد له أن يتزوج بأمريكية فينسانا و يبقى هناك... لذلك سعيت لتزويجه، و ابنة خالته أفضل من الغريبات... كما أن سارة توافق مزاج أيمن... متدينة و محتشمة... لذلك لم يعترض...

تنهدت و هي تضيف :
ـ كما أن خطبته لها ستخفف عنه الحرج من الإقامة عند خالته حتى يجد مسكنا مناسبا... فالحياة باهظة هناك...

هززت رأسي موافقة و أنا أتخيل سعادة سارة بالخطبة و قررت أن أتصل بها في أقرب فرصة حتى أهنئها و أستمد منها التفاصيل...
ابتعدت عمتي هيام فهمهمت دالية في حنق :
ـ عمتك هذه لم أطقها إطلاقا...

حدجتها بنظرة صارمة و قلت متصنعة الغضب :
ـ انتبهي إلى كلامك... لا تنسي أنها عمتي و ما يمسها يمسني...

تراجعت دالية في دهشة من ردة فعلي، فابتسمت مداعبة و همست :
ـ هدانا الله و إياها...

لم يكن من مظاهر للفرح في بيتنا إلا مسجل وضع في قاعة الجلوس تصدح منه الأناشيد و الأذكار بصوت شبه مرتفع، حتى لا يمنع الجالسين من الحديث و التواصل، فإن أكثر ما أحبه في المناسبات العائلية هو لم الشمل و اجتماع الأقارب الذين قد تشغلهم عن بعضهم البعض هموم الحياة فتلهيهم عن صلة الرحم... فتكون مثل هاته الاجتماعات فرصة لأخذ أخبار بعضهم البعض و تدارك جسور التواصل قبل أن تتهاوى... أما الرقص و المجون، فلا أظن أن الطامع فيهما قد يجد ضالته في بيتنا...

مرت الدقائق سراعا، و ما لبثت الزغاريد أن ارتفعت عن أمي و خالتي حين بلغهما أن الرجال في الصالة قد قرؤوا الفاتحة و أعلنوا الخطبة الرسمية
تجمعت العبرات في عيني فجأة من التأثر... لم أكن أعلم ما معنى أن أكون مخطوبة، أن يرتبط اسمي باسم رجل ما و يعلن أمام الملأ أننا سنكون لبعضنا البعض... لم أكن أدرك ذلك إلى تلك اللحظة، حين تدافعت النسوة للمعانقة و التهنئة...
ثم اقتربت مني والدة حسام بابتسامتها الواسعة التي ذكرتني في تلك اللحظة بابتسامة حسام نفسه، فعانقتني و قبلتني مثل الجميع، ثم أخرجت من حقيبتها علبة الخاتم.

التمعت عيناي ببريق عجيب و مرت بخاطري فكرة غريبة... كنت أعلم أن خاتم الخطوبة هو تقليد فرعوني قديم، حيث أنه عند الخطبة توضع يد الفتى في يد الفتاة و يضمهما قيد حديدي عند خروجهما من بيت أبيها، ثم يركب هو جواده و هي سائرة خلفه ماشية، مع هذا الرباط حتى يصلا إلى البيت الزوجية... ثم تحول القيد الحديدي إلى حلقة أو خاتم توضع في إصبع المخطوبة...

تخيلت نفسي و أنا أسير في تلك الوضعية خلف حسام و هو على جواده، و قد تورمت قدماي من المشي و هو يحث الحصان على التقدم دون هوادة... صحيح أنها صورة مختلفة جدا عن صورة فارس الأحلام و الحصان الأبيض، حتى أنني أوشكت على الانفجار ضاحكة أمام جمع النساء اللاتي تحلقن حولي و أم حسام تضع الخاتم في إصبعي... تغلبت على تلك الرغبة بصعوبة، لكن الصورة لم تشأ أن تفارق مخيلتي... راسمة ابتسامة عجيبة على شفتي بين الفينة و الأخرى...

فيا ترى كيف سيكون المشوار؟

فجأة، ارتفعت زغاريد النسوة من حولي، و لم أفق من تخيلاتي إلا و أنا ألمح ابتسامة حسام الدافئة، فاختفى العالم كله من حولي و لم أعد أرى إلا طيفه و هو يتقدم نحوي... يسبح في فضاء الغرفة، مثل الحلم... ثم تناهى إلي صوته المفعم بالحنان :
ـ مبروك يا مرام...


انتهت اليوميات بحمد الله
إلى اللقاء في إنتاج جديد... تابعونا

ساره الالفي
19-08-2009, 11:22 PM
لإيه اللي حصل
احنا منتظرين وانتي مش موجوده
رحتي فين
لك كل التقدير


معلش يا أميره أنا أسفه حصلت ظروف واضطريت أقفل الجهاز قبل ما أنزل الحلقه بس والله كانت غصب عني

ياريت تقبلي عذري :bosyht9:

sweet heart
20-08-2009, 08:25 AM
جزاكى الله خيرا أختى سارة
القصة فى غاية الجمال
هيا القصة حقيقية ولا لأ؟

Eng : Heba
20-08-2009, 08:34 AM
اعذريني اختي ساره
من جمال القصه تقريبا من الحلقه 11
بحثت عنها وكملتها من غيركوا
انتي شوقتينا اكتر من اللزوم
وخصوصا في الحلقات الاخيرة بتكون لوحدها
بس طبعا انت اللي خلتينا ناخد بالنا ونقرأها
مشكوووووووووووووووووووووره ياساره
وجزاكي الله خيرا ان شاء الله

asma22
20-08-2009, 08:39 AM
كده خلصت يعنى مش كل شوية هقولك متشوقناش يا سارة :mellow::angry2::mellow:
بس نهاية جميلة الحمدلله مل حاجة كنا بنتمناها حصلت فعلا الصبر جميل
يلا بقى يا سارة جهزى يوميات تانية اصل احنا مش هنسيبك وراكى وراكى فى اى يومية تجيبيها

Dr\heba
20-08-2009, 11:08 AM
خلصت يا خساره كانت جميله

عقبالنا كلنا يا بنات

يلا يا ساره بقى هاتى يوميات جديده عشان نتابع معاكى يا عسل

ان شاء الله حتبقلى كل قصصك حلوه

بنت دمنهور
20-08-2009, 02:57 PM
حلوة النهاية والله

جزاكي الله خيرا يا سارة

لو عندك يوميات تانية جبيها

hermiony
20-08-2009, 04:22 PM
جمييل جمييل يا ساره نهايه سعيده

وقصه جميله

وجزاكى الله خيرا :wub:

اختك فى الله:friendsxs3:

ساره الالفي
20-08-2009, 10:49 PM
جزاكى الله خيرا أختى سارة
القصة فى غاية الجمال
هيا القصة حقيقية ولا لأ؟

حبيبتي ف الله sweet heart هي القصه مكتوبه بس هي كوكتيل من مواقف بنمر بيها ف حياتنا اليوميه يعني مش كلها حقيقه بس فيها نسبه كبيره جدا من الحقيقه

اعذريني اختي ساره
من جمال القصه تقريبا من الحلقه 11
بحثت عنها وكملتها من غيركوا
انتي شوقتينا اكتر من اللزوم
وخصوصا في الحلقات الاخيرة بتكون لوحدها
بس طبعا انت اللي خلتينا ناخد بالنا ونقرأها
مشكوووووووووووووووووووووره ياساره
وجزاكي الله خيرا ان شاء الله

حبيبتي ف الله هبه كده بتطلعي بره :( عموما عذرك مقبووووول عشان رمضان بس :) جزانا الله وإياكي حبيبتي ربنا يتقبل إن شاء الله

كده خلصت يعنى مش كل شوية هقولك متشوقناش يا سارة :mellow::angry2::mellow:
بس نهاية جميلة الحمدلله مل حاجة كنا بنتمناها حصلت فعلا الصبر جميل
يلا بقى يا سارة جهزى يوميات تانية اصل احنا مش هنسيبك وراكى وراكى فى اى يومية تجيبيها

حبيبتي ف الله اسماء من عنيا والله انا ناويه بإذن الله بس أكيد بعد رمضان إن شاء الله
وهتوحشني كتير متشوقيناش يا ساره :d:d

خلصت يا خساره كانت جميله

عقبالنا كلنا يا بنات

يلا يا ساره بقى هاتى يوميات جديده عشان نتابع معاكى يا عسل

ان شاء الله حتبقلى كل قصصك حلوه

حبيبتي ف الله hapyhopa هي دي سنة الحياه مواقف بنمر بيها وبتخلص بس المهم نستفاد منها ونستوعب الدرس كويس أووي ولو غلطنا منقعش ف نفس الغلط تاني :friendsxs3:

حلوة النهاية والله

جزاكي الله خيرا يا سارة

لو عندك يوميات تانية جبيها

حبيبتي ف الله بنوته من دمنهور إنتي أحلى يا قمر وجزانا الله ولإياكي وإن شاء الله زي ما قلت لأسماء بعد رمضان بإذن الله انتظروا اليوميات الجديده إن شاء الله:d:d

جمييل جمييل يا ساره نهايه سعيده

وقصه جميله

وجزاكى الله خيرا :wub:

اختك فى الله:friendsxs3:
حبيبتي ف اللهhermiony إنتي أجمل جزانا الله وإياكي ياغاليه :):)

أحبكم جميعا ف الله وأشهد الله على ذلك واتمنى أن أكون افادتكم ولو بالقليل ولا تنسونا من صالح دعائكم بظهر الغيب عند الإفطار
وأوصيكم ونفسي بتقوى الله

المسلمة الرقيقة
27-08-2009, 05:29 PM
بجد مبرووووووووووك لمرام اخيرا تحقق حلمها
بس انا مش مصدقة ان دي النهاية!!!!!
مش ممكن بالسرعة الدي!!!!!!
ده انا كل يوم بفتح النت مخصووووص عشان اقراها
لازم تجبلنا حاجات تانية
ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
جزاك الله خيرا ووفققك الي مايحبة ويرضاه:022yb4::022yb4::022yb4:

ساره الالفي
29-08-2009, 02:13 PM
بجد مبرووووووووووك لمرام اخيرا تحقق حلمها
بس انا مش مصدقة ان دي النهاية!!!!!
مش ممكن بالسرعة الدي!!!!!!
ده انا كل يوم بفتح النت مخصووووص عشان اقراها
لازم تجبلنا حاجات تانية
ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
جزاك الله خيرا ووفققك الي مايحبة ويرضاه:022yb4::022yb4::022yb4:



الله يبارك فيكي:p:p

من عنيا يا حبيبتي إن شاء الله هجيبلكوا يوميات تانيه

جزانا الله وإياكي يا غاليه

احب الصالحين
12-01-2010, 03:38 PM
ما شاء الله

سلمت يداك اختى سارة

"أم طلحة"
17-01-2010, 09:00 PM
جزاكى الله كل خير

والله اثرت فى كثير ا "اللهم انّ نسالك الثبات حتى الممات"

hend hh
21-01-2010, 04:53 PM
جزاك الله خيرااااااااااااااا