Abram33
24-03-2009, 02:29 AM
التواصل اللغوي والتعليم
د/ فتحى على يونس يناير 2009 م
مقدمة : تؤدي اللغة دورا هاما في الحياة الإنسانية وفي التواصل الاجتماعي لا يدانيها في ذلك أية وسيلة أخرى من وسائل التواصل الإنساني كالرموز، والإشارات، والصور والرسوم.... إلخ؛ ولذلك يعرف الإنسان بأنه حيوان رمزي؛ أي: يستخدم اللغة.وقد ربط علماء الاجتماع بين الحياة البشرية واللغة، فقال أحدهم: إن الحياة الإنسانية مرتبطة بعاملين مهمين هما: اللغة والعمل. لقد كرم الله البشر باللغة، فقال –عز من قائل -: ( الرحمن علم القران خلق الإنسان علمه البيان )
وللغة أدوار مهمة في الحياة الإنسانية لعل من أهمها:
1 - تنمية التواصل الاجتماعي. 2 - تنمية الفكر. 3 - المؤانسة والإمتاع. 4 - تنمية القدرات التعليمية الدراسية.
5 - توثيق الفكر الإنساني. 6 - تبادل الفكر والرأي.
ولكي تؤدي اللغة هذه المهام، تقوم المدرسة بدور مهم في تعليم اللغة، ويخصص لتعليم اللغة وقت مناسب يتفق مع المطالب المشار إليها من قبل. وإذا لم تتحقق القدرة اللغوية لدى التلاميذ في السنوات الأولى؛ فإن جانبا كبي را من التلاميذ يتسربون من المدرسة، علاوة على شيوع الإحباط لدى المتعلمين، وعجزهم عن مواصلة الدراسة، بالإضافة إلى ذلك العجز عن بناء مواطن قادر على التفاعل مع أبناء وطنه. ويناط بالمدرسة الابتدائية، وبمدرسيها القيام بهذه المهمة، مهمة تعليم اللغة القومية وتنمية قدراتها لدى التلاميذ، ويتعلق هذا بأمرين مهمين، هما:
1 - فنون اللغة الأربعة: الاستماع، والكلام، والقراءة، والكتابة. 2 - وعلوم اللغة؛ النحو، والصرف، والبلاغة.
ويعتبر كل معلم في المدرسة الابتدائية مدرسا للغة، ولا نبالغ إذا قلنا: إن وظيفة المدرسة الابتدائية، ترتبط أسا سا بتعليم اللغة القومية، وتنمية مهاراتها وعلومها.
ونقدم في هذا المجال عدة موضوعات:
1. اللغة والحياة الإنسانية. 2. اللغة العربية ودورها في التعليم.
3. ظاهرة الإعراب في اللغة العربية. 4. علم الصرف، واستخدام المعاجم.
5. القراءة ومهاراتها، والوسائل المساعدة في تعلمها.
وفي النهاية، نرجو الله العلي القدير أن يجعل علمنا هذا خالصا لوجهه لكريم، إنه نعم المولى ونعم النصير
أولا - اللغة والحياة الإنسانية.
تعد اللغة من أهم الظواهر الاجتماعية التي أنتجها التطور البشري، وهي مركب معقد، وترتبط ارتباطا عضويا بجميع المعارف الإنسانية. وتلعب اللغة دورا مهما في تحقيق المنزلة العليا للإنسان بين الكائنات الأخرى،وهي على خلاف الأشكال الأخرى للحياة الإنسانية، قد تطورت بسرعة في فترات متلاحقة، وهي –في تطورها- تزود الأجيال الإنسانية بالأدوات الفعالة للتقدم والتطور.ومن هنا نستطيع أن نقول: إن اللغة أدت للإنسانية خدمات جليلة؛ بل إن الوجود الإنساني مرتبط باللغة، إذ لا يوجد شخص عادي دون الاستعداد لتعلم اللغة، وأكثر من هذا، فإن الكائنات الأخرى ليس لديها هذا الاستعداد الفسيولوجي لاستقبال اللغة وإنتاجها، ،Babbling البشري وحده بنعمة النغاء أو المناغاة Infant وقد أنعم الله على الحضين وقد حاول الكثير من العلماء إنطاق القرد بعض الكلمات، لكنهم فشلوا في ذلك فشًلا ذريعا، وما ذلك إلاَّ لأن هذه القرود ليس لديها الاستعداد الفطري لتعلم اللغة. أي لديه القدرة على استقبال Symbolic وقد عرف الإنسان بأنه حيوان رمزي الرمز اللغوي، وإنتاجه واستخدامه، كما عرف المناطقة الإنسان بأنه حيوان ناطق، وهم يقصدون بذلك أنه قادر على استعمال لغة صوتية ذات مقاطع، وكلمات، وجمل للتفاهم مع غيره من بني جنسه. ويرى علماء الاجتماع وغيرهم أن لغة الحيوان غريزية، وهي مجموعة من الأصوات والحركات والإشارات المحدودة، التي يعبر بها الحيوان عن حاجاته الضرورية وانفعالاته. وعلى الرغم من عدم وجود لغة ذات مقاطع عند الحيوانات، فإنها تستطيع التفاهم بما تصدره من أصوات ذات معان خاصة، وإشارات ذات مغزى خاص. من كل ما سبق نرى أن الله –سبحانه وتعالى- قد من على البشر بنعمة البيان أو اللغة، فقال –عز من قائل-: 0 ( الرحمن علم القران خلق الإنسان علمه البيان )
وفي تفسير الآية الأخيرة، قال الشيخ حسنين مخلوف في تفسيره "صفوة البيان لمعاني القرآن" (ص 687 ): "م ّ كن الله الإنسان بالبيان من التعبير عما في نفسه بالمنطق الفصيح، ومن فهم بيان غيره، فتميز بذلك عن الحيوان، واستعد لتلقي العلوم والخلافة في الأرض، وهذه نعم عظمى توجب الشكر والتعظيم لله تعالى. من المخ، Cortex وتقع مراكز اللغة في النصف الأيسر من الطبقة السنجابية وهذه المراكز أربعة، وتتصل بصلة مباشرة باللغة المنطوقة والمكتوبة، وفيما يلي بيانها:
1 - مركز التكلم، وهو مصدر الرسائل التي تذهب إلى جهاز النطق للتحرك والكلام.
2 - مركز الكتابة، ومنه تصدر الرسائل التي تذهب إلى عضلات الكتابة.
3 - مركز الكلمات المسموعة، وهو الذي يستقبل الكلمات المسموعة ويفهمها، وهو مركز الأفكار المسموعة.
4 - مركز الكلمات المرئية، وفيه تدرك الكلمات المكتوبة أو المطبوعة، ويفهم معناها.
وهناك من يرى أن تقسيم الطبقة السنجابية إلى مناطق ذات وظائف مختلفة أمر لا يمكن الجزم به، فالغالب هو أن الطبقة السنجابية تؤدي وظيفتها باعتبارها وحدة متكاملة، لكن الذي لا يمكن إنكاره هو أن بالمخ مناطق خاصة إذا أصابها التلف كانت نتيجة هذه الإصابة تعطي ً لا في عملية إنتاج اللغة أو استقبالها. ومنذ أن علم الله آدم الأسماء كلها، بدأ دور اللغة في حياة البشرية، على مدى مئات الملايين من السنين نشأت اللغات واللهجات المتباينة نتيجة مجموعة من العوامل التي حددتها -في الغالب- الظروف الاجتماعية والجغرافية لبني الإنسان، فوجدت اللغات الآرامية والسامية والحامية، كذلك فإن اللغة الإنسانية ظلت مئات الملايين من السنين على المستوى الشفوي، أي تستخدم –فقط - في التواصل الشفوي في الحياة إلى أن اخترع المصريون الكتابة الهيروغليفية منذ سبع آلاف سنة تقريبا. لقد تجسدت عبقرية المصريين في التعبير عن اللغة الشفوية بالصور، ثم بالرموز، وانتقلت رموز الكتابة المصرية إلى جميع لغات العالم عن طريق الحضارة اليونانية ذات الصلة المباشرة بحضارة البحر المتوسط. وقد اهتم باللغة –علاوة على اللغويين- علماء الاجتماع والفلاسفة والمناطقة، وغيرهم من المهتمين بالقضايا الإنسانية، كعلماء النفس والاقتصاد... إلخ. وما ذلك إلا لأن اللغة تمثل سدى ولحمة المجتمعات الإنسانية وتميزها عن غيرها من سائر وهي مرآة ،Socialization الكائنات، فاللغة هي الوسيلة الإنسانية للتطبيع الاجتماعي أي مجتمع تتمثل فيها حضارته وقيمه، وموقعه من السلم الإنساني. وقد حلل علماء اللغة البنية اللغوية ودرسوها دراسة مستفيضة، واشترك معهم علماء الاجتماع، وعلماء النفس والفلسفة، ونشأت في ظل هذا التحليل مجموعة من العلوم،نوضحها فيما يلي:
والمورفيمات ،Phonemes تتكون اللغة أساسا من الفونيمات، أو الأصوات
ومن الكلمات، والجمل، والدلالات، أما الفونيمات فهي الأصوات،Morphemes
المختلفة التي تتكون منها اللغة، ففي اللغة العربية مثلا ثمانية وعشرون صوًتا ساكًنا،وستة أصوات متحركة، وتتميز اللغة العربية بأن أصوات حروفها لا تتغير بتغير موقعها في الكلمة في البداية أو في الوسط أو في النهاية، وهناك علوم تدرس أصوات اللغة تسمى علوم الأصوات. Prefixes أما المورفيمات فهي أصغر الوحدات اللغوية ذات المعنى مثل السوابق علاوة على الكلمات، والعلم الذي يدرس suffixes واللواحق Infixes والحواشي والعلم الذي يدرس الطريقة التي ،Morphology كيفية تكوين الكلمات يسمى الصرف
ويكون الصرف والنحو معا ما ،Syntax تجمع بها الكلمات في جمل يسمى النحو ويسمى العلم الذي يدرس اللغة من جميع جوانبها ،Grammar يسمى بقواعد اللغة أو فقه اللغة Linguistics الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية والمعنوية علم اللغة على حد تعبير كثير من الباحثين العرب. وكما ذكرنا، اهتم بدارسة اللغة كثير من العلماء والباحثين، اهتم بها الفلاسفة والمناطقة، وعلماء الاجتماع، وأخيرا اهتم بها علماء النفس، وظهر ما يسمى بعلم النفس ومما يذكر أن فلاسفة اليونان وحكماءهم قد دعوا إلى Psycholinguistics اللغوي الأخذ بأساليب معينة وطرق خاصة للهيمنة على التفكير الإنساني، والسيطرة على ما يدور في الأذهان، وقد جعلوا تلك الأساليب والطرق في صورة بديهيات لا تقبل النقاش، ولا يصح أن تكون موضع جدل أو نزاع، ثم اتخذوا من تلك البديهيات مقدمات لقضايا عقلية ينتهون منها إلى حكم خاص لا يتردد العقل في قبوله، وكان من نتيجة هذا المنهج العقلي في الأحكام أن ابتدعوا لنا علما سموه المنطق.
ما اللغة؟
لقد عرفت اللغة تعريفات مختلفة، عرفها أحد العلماء بأنها مجموعة منظمة من
العادات الصوتية التي يتفاعل بواسطتها أفراد المجتمع الإنساني، ويستخدمونها في أمور حياتهم، وعرفها آخر بقوله: إن اللغة طريقة إنسانية خالصة للتواصل التي يتم بواسطة نظام الرمز التي تنتج طواعية، فاللغة عنده نظام، ولا يستطيع المتكلم أن يغير تتابع الكلمات إذا أراد الإفهام. وعلى وجه العموم يشير كثيرون إلى أن اللغة هي القدرة على استخدام الرمز اللفظي بانتظام، وهي تحقق إنسانية الإنسان، ومعنى هذا أن اكتساب النظام الرمزي خصيصة إنسانية، كذلك يمكن القول إن اللغة هي الإنتاج الأكثر غموضا للعقل الإنساني، والأعظم خطورة -في نفس الوقت- وما بين الإنسان والحيوان من فرق يعود أساسا إلى استخدام الإنسان للغة، وفي الكلمة يرقد السر الأعظم للتقدم الإنساني، وبدون اللغة لا يستطيع الفرد أن يكون أفكارا أو يعبر عنها. ويمكن للإنسان أن يتصل بالأشياء -مثله في ذلك مثل الحيوانات الأخرى- بالتذوق، أو اللمس، أو الشم، أو الرؤية ... إلخ، لكن الإنسان علاوة على ذلك يمكنه أن يتصل بهذه الأشياء باللغة، وهو وحده الذي لديه القدرة على تسمية مفاهيمه.
مما سبق يمكن أن نميز الخصائص التالية للغة:
1 - اللغة سمة إنسانية، أي خاصة بالإنسان وحده، وهي على هذا يجب أن تكون دائما في خدمة أهدافه وأغراضه الحقيقية، وأنها ترتبط بنموه اجتماعيا، واقتصاديا، وفكريا، فرقى الفرد مرتبط إلى حد كبير بنمو لغته ونهضتها.
2 - اللغة صوتية، وهذه الخاصية تعني أن الطبيعة الصوتية للغة هي الأساس، بينما يجيء الشكل المكتوب لها في المرتبة التالية من حيث الوجود، وعلى هذا فتعليم اللغة يبدأ بالشكل الشفوي الأذني، وهذا ما يحدث بالنسبة للطفل، وما يحدث في المدارس الحديثة في تعليم اللغات، إذ تبنت هذه المدارس ما يسمى بالمدخل الأذني الشفوي، ولو أن هناك جد ً لا حول هذا المدخل في السنوات الأخيرة.
3 - واللغة تحمل معنى، ومعنى هذه الخصيصة أن اللغة تتكون من رموز لها معاٍن، وهذه الرموز يعرفها كل من المتكلم والسامع والكاتب والقارئ، وبدون هذه المعرفة الثابتة للمعاني يصبح التواصل صعبا -إن لم يكن مستحيًلا- وينبغي أن يكون واضحا أن الصلة بين الرمز والشيء الذي يعنيه صلة عرفية، أي ليست طبيعية.
4 - واللغة ذات نظام خاص، وتعني هذه الخصيصة أن أية لغة تتكون من وحدات خاصة، وهذه الوحدات تحدث في أنماط ثابتة، فالكلمات في العربية –مثلا- تشتق بطريقة خاصة، وترتب في الجمل ترتيبا مرتبًطا بنظام العربية وحدها، ومن هنا تحرص كل لغة أن تضع لنفسها قواعد معينة تساعد على ضبط استخدامها، وتساعد بالتالي على استمرارها، وذلك بدلا من أن يكون لكل فرد الحرية في أن يفعل بلغته ما يشاء.
5 - واللغة سلوك مكتسب، ومعنى هذا أن العادات اللغوية المختلفة يكتسبها الفرد من المجتمع الذي يعيش فيه، فالطفل يولد دون أية معرفة باللغة، لكن لديه - فقط- الاستعداد لتعلمها. ومن هنا تأتي أهمية البيئة الاجتماعية، والتربية المنظمة في اكتساب الفرد للغة، وفي ترقية عادات استخدامها، كذلك علينا أن نعي أن الكلمات رموز للمعاني، وليست المعاني المتصلة بالكلمات فيها نفسها؛ بل في عقولنا نحن، وبالاستخدام الطويل لهذه الكلمات اتفق على ربط معان معينة بكلمات خاصة، ويحصل الفرد هذه المعاني من الخبرات المختلفة التي يمر بها، ومن محاولته المستمرة للتعبير عن أفكاره بالكلمات.
6 - اللغة نامية، أي أن اللغة في حالة تغير دائم، ويمكن ملاحظة هذا التغير في أنظمة الأصوات، والقواعد والمفردات من جيل إلى جيل، ومن إقليم إلى آخر؛ وذلك لأن الناس ينمون النماذج اللغوية التي تؤدي حاجاتهم بفاعلية، ومن أظهر ميادين التغير في اللغة الكلمة. وإذا تتبعنا تاريخ الكلمة في أية لغة فسنرى شيئًا عجيبا، فمعاني الكلمة تتغير دائما، وتنتقل من ميدان إلى آخر، فهناك معنى عام وآخر خاص، وهناك معان حقيقية وأخرى مجازية،وقد يكون للكلمة أكثر من معنى، وقد تؤدي عدة كلمات معًنى واحدا... إلخ.
وظائف اللغة:
اختلف العلماء وتباينت آراؤهم فيما يتعلق بوظيفة اللغة، والأغراض التي تؤديها وسوف نعرف فيما يلي أهم هذه الآراء:
-1 اللغة وظيفتها التعبير عن الأفكار والعواطف والانفعالات:
ينظر بعض اللغويين إلى اللغة كما لو كانت تابعة لميادين الفلسفة والمنطق والعواطف والانفعالات، وتعرف هذه المدرسة بالمدرسة الفلسفية، أو النفسية، أو المنطقية في الدراسات اللغوية، وقد يشار إليها أحياًنا بالمدرسة العقلية.
2 - اللغة وظيفتها تصريف شئون المجتمع الإنساني:
وتقابل المدرسة السابقة مدرسة فكرية أخرى يعني أصحابها عناية بالغة بالجانب الاجتماعي للغة، إذ هم يعتبرونها حقيقة اجتماعية ونتيجة للتواصل الاجتماعي، وهي – في الوقت نفسه - مدينة في تطورها ونموها إلى وجود الجماعات. والوظيفة الأساسية للغة عند هؤلاء تسيير دفة الأمور، وتصريف شئون المجتمع الإنساني. ومن أنصار هذه المدرسة العالم الأنثروبولوجي مالينوفسكي الذي يؤكد في كتاباته على العنصر الاجتماعي للغة، ويرى أنها وسيلة لتنفيذ الأعمال، وقضاء حاجات الإنسان ويتضح هذا من قوله في هذا المجال: إنما تستعمل الكلمة في أداء الأعمال وإنجازها، لوصف الأشياء، أو ترجمة الأفكار. فالكلمة –إذن- لها قوتها الخاصة، وهي وسيلة لتنفيذ الأعمال، وقضاء الأشياء، وليست تعريًفا لهذه الأشياء.
ومن أنصار هذه المدرسة كذلك العالم اللغوي يسبرسن، الذي يؤكد أن كلمات اللغة لا تستعمل في أكثر الأحايين لتنقل أفكارا، أو لتوضح أشياء من هذا القبيل، ولكنها تستعمل لتشبع الاشتياق إلى النزعة الاجتماعية والمصاحبة التي يهواها الإنسان
ويعشقها، وهذا كله يمثل رأي المدرسة التي يطلق عليها أحياًنا المدرسة الاجتماعية في البحوث اللغوية. مما تقدم يتبين أن هناك نظرتين مختلفتين بالنسبة لوظائف اللغة، فالنظرة الأولى تركز على الجانب العقلي من اللغة، والثانية تركز على الجانب الاجتماعي منها، ولكن نظرة فاحصة إلى هذين الجانبين ترينا أنهما متكاملان، فكما أن الفرد يستخدم اللغة أحياًنا لكي يعبر عن نفسه، ومشاعره وأفكاره، فهو يستخدمها في الوقت نفسه بهدف التواصل مع غيره من أفراد مجتمعه، ويعني هذا أن للغة مغزى فرديا، ومغزى اجتماعيا، فحين يتحدث الفرد إلى نفسه يتخيل أشخاصا يخاطبهم، ويناقشهم، يغلبهم أحياًنا، ويغلبونه أحياًنا أخرى، يسر منهم ويغضب، يقرب منهم وينأى عنهم. ومن هنا وجدنا البعض يفصل الوظيفتين السابقتين للغة فيما يلي من وظائف:
1 - تنسيق الأنشطة بين أعضاء المجتمع. 2 - تثبيت الفكر والتعبير عنه.
3 - إيصال الأفكار والمشاعر. 4 - إمتاع النفس وتقليل الاضطراب.
وعن الوظيفة الرابعة، يقول يسبرسن: بالخبز وحده لا يعيش الإنسان، فاللغة لها وظائف أخرى، -علاوة على كونها أداة للتواصل- وهي لا تستخدم –فقط- في الكلام؛ بل في الغناء أيضا، والحديث لا هدف له –في الغالب- إلا مجرد اللعب بالأصوات
ليمتع الفرد نفسه، ويمتع الآخرين، فليست الحياة اليومية جدا كلها، بل هناك فرص ينبغي ألا نفكر فيها، وذلك حينما نترك العمل جانبا، وفي مثل هذه الظروف لا تؤدي اللغة وظيفة حل المشكلات، بل لها في هذه الأوقات وظائف أخرى، فهي وسيلة من
وسائل الراحة، وتقليل الاضطراب، وكسر حواجز الغربة بين الفرد ومن يشاركونه الحديث، وإقامة علاقات بينهم، تنأى عن التقليدية. معنى ما سبق أن للغة وظائف متعددة، اجتماعية وفكرية ونفسية، وهي بهذا تمثل الأداة الأساسية لتواصل البشر سواء في المجتمع الواحد أو في المجتمعات المختلفة. لكن نظرة فاحصة إلى الوظائف التي أشير إليها ترينا أن هناك وظيفة أغفلت على الرغم من أهميتها، هذه الوظيفة هي التوثيق، أي تسجيل الأحداث والتاريخ، والحقائق، والمعارف ... إلخ، التي مرت بالإنسان، وتمر به، أو سيواجهها في المستقبل. إن الإنسانية مدينة للتوثيق اللغوي بكل ما لديها من معارف، وكل ما تعرف من أحداث الماضي وأحواله، لقد ذكر علماء الآثار أن التاريخ الحقيقي للإنسانية بدأ منذ اخترعت الكتابة، أي منذ أن اخترع المصريون الكتابة، ولقد ظل التاريخ الفرعوني كله غامضا إلى أن اكتشفت الحملة الفرنسية حجر رشيد وفك رموز لغته "شمبليون". إن الذاكرة الإنسانية لا تستطيع أن تفي جميع الأحداث والمعارف، ومن هنا كانت وظيفة اللغة، ووظيفة الكتابة. وقد أشار القرآن الكريم في أكثر من موضع إلى أهمية القلم، وإلى أهمية كتابة الدين. فقال -عز من قال -: (ن والَْقَلم و ما يسُطرون ( 1)) : (يا أَيها الّذين آمُنوا إِ َ ذا َتداينُتم ِبدين إَِلى أَجل مسمى َفاكُْتبوه) أي: أن الكتابة ذاكرة الفرد والأمة، وهي سجل لكل جوانب حياته، وهي منبع لا يغيض لكل المعارف والعلوم، وحياتنا كلها مرتبطة ارتباطا مباشرا أو غير مباشر بهذا التوثيق اللغوي. لقد كان التاريخ قبل اختراع الكتابة مجرد مجموعة من الظنون، المعتمدة على الحدس والتخمين، والتحليل الذي يرتبط بقدرة من يقوم به، ولا يعتمد على منهج يقيني. انظر حولك تر الكتب، والجرائد، والصحف، والإعلانات، والأسماء، والوثائق المختلفة، والعناوين ... إلخ، وهي كلها تعتمد على الكلمة المكتوبة، وهي كلها وثائق بصورة أو بأخرى. لكل هذا نال فن الكتابة عناية بالغة في مناهج تعليم اللغة؛ بل إن بعض المناهج تعتبر الكتابة ودقتها ووضوحها من أهم أهداف تعليم اللغة، وبصفة خاصة في المرحلة الثانوية. بقي لنا هنا ونحن نتحدث عن وظائف اللغة أن نشير إلى وظيفة مهمة للغة وهي تنمية الفكر، إن هذه الوظيفة لم تنل حظها من الدراسة والعناية فيما سبق؛ ولذا وجب أن نتناولها بشيء من التفصيل. لقد ذكر علماء النفس أن اللغة هي الوسيلة التي يمكن بواسطتها تحليل أية صورة أو فكرة ذهنية إلى أجزائها أو خصائصها، وتركيب هذه الصورة مرة أخرى في أذهاننا أو أذهان غيرنا بواسطة تأليف كلمات ووضعها في ترتيب خاص، وعلى هذا، فالطفل الذي يردد الكلمات التي يسمعها ممن يحيطون به لا يتكلم اللغة حقا إلا إذا كان مدركا لما ينطق به، ولا يطلق على الكلام لغة بالمعنى العلمي إلا إذا أدى هذا الكلام وظيفته النفسية، وهي التحليل التصوري والتركيبي. ومعنى هذا أن عملية التصور ضرورية قبل أن تصدر اللغة، كما أن معرفة اللغة ضرورية للمتلقي قبل أن تتم عملية التصور عنده. وعلى هذا، فلا يكفي أن يقال: إن اللغة وسيلة للتعبير، كما لا يكفي أن يقال: إنها وسيلة لنقل أفكار المتكلم إلى السامع، بل هناك إلى جانب هذا شيء آخر مقصود هو استجابة السامع، وتلبيته لأثر ما أدركه من كلام، فإذا لم تحدث اللغة استجابة من السامع فقدت وظيفتها. وتطابق الصورة الذهنية مع الحدث اللغوي لدى كل من المتكلم والسامع يؤدي إلى تمام التواصل اللغوي، أما عدم تطابق الصورة الذهنية مع الحدث اللغوي لدى المتكلم والسامع فيؤدي إلى نقص في التواصل أو يؤدي إلى عدم التواصل –في بعض الأحوال-. ويعزي تفوق الإنسان الذهني –لدرجة كبيرة- إلى قدرته على استعمال اللغة الراقية، فهي الوسيلة التي تمكنه من استخدام ما عنده من قدرة على التفكير، فكل كلمة تحمل بين ثناياها كمية عظيمة من الخبرات البشرية. ويقدر ما لدى الفرد من ثروة لغوية تكون قدرته على التواصل الشفوي أو الكتابي، بل إن هناك علاقة في كثير من المجتمعات الحديثة بين القدرة اللغوية للفرد والمركز الاجتماعي الذي يتبوءه هذا الفرد وتقاس الأمم حضاريا بقدرة أبنائها على استخدام اللغة، لا على المستوى الشفوي وحده، إنما على المستوى الكتابي بالدرجة الأولى، هذا المستوى المرتبط بفني القراءة والكتابة، وبالطبع تتأثر قدرة الفرد على الفهم حين يسمع، وعلى انطلاقه حيث يتحدث بقدرته على القراءة والكتابة.
ما العلاقة بين اللغة والتفكير؟
يمكن تلخيص ما سبق في أن اللغة تؤدي وظائف عدة هي:
1 - إقامة علاقات اجتماعية. 2 - تبادل الأفكار والمعلومات. 3 - تبادل الإحساسات والمشاعر، والتعبير عنها.
4 - التسجيل والتوثيق، وحفظ تراث الإنسان وتاريخه.
وتؤدي اللغة هذه الوظائف في موقفي التواصل الشفوي والكتابي، وبتحليل الحدث اللغوي تتضح هذه الصورة التي أشرنا إليها، كما تتضح علاقة اللغة بالفكر لإنساني، بل تتضح علاقة اللغة بإعطاء الإنسان إنسانيته.
تحليل الحدث اللغوي الشفوي
file:///F:/DOCUME%7E1/ph/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image002.gif
من الشكل السابق يتضح ما يلي:
1 - أن الجانب الفكري من اللغة يأخذ تقريبا ثلثي الحدث اللغوي، سواء عند المرسل أو عند المستقبل، بينما يمثل النشاط اللغوي ثلث الحدث، فعند المرسل:
أ- النية أو الاتجاه.
ب- الاختيار (اختيار الرموز التي يستخدمها).
ج- الكلام أو الحديث.
وعند المستقبل:
أ- الاستماع.
ب- الفهم.
ج- التفسير، والتفسير أعلى درجة من الفهم، حيث إنه يضيف إلى المعنى المغزى أو الدليل.
2 - التكامل بين فني الكلام والاستماع، بمعنى أن الكلام يحتوي على العناصر التي في فن الاستماع، وهي: اللفظ والمعنى، والدليل على ذلك فهم المستمع -عادة - لما يقوله المتكلم.
وأما عن تحليل الحدث اللغوي في التواصل الكتابي فيبينه الشكل التالي:
تحليل الحدث اللغوي الكتابي
file:///F:/DOCUME%7E1/ph/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image004.gif
وبالنظر في الشكل السابق نرى ما يلي:
1 - أن الحدث اللغوي الكتابي يحتوي على فئتين، هما: الكتابة، والقراءة.
2 - أن الجانب الفكري من الحدث اللغوي يمثل ثلثي الحدث اللغوي، وأن النشاط الظاهر يمثل ثلث الحدث.
3 - أن هناك علاقة بين الكتابة والقراءة تظهر في أن العنصرين المكونين للكتابة، وهما اللفظ والمعنى، أو الأسلوب والمحتوى هما نفساهما عند القارئ وإلا ما استطاع أن يفهم ما يقرأ.
وتبدو علاقة اللغة بالتفكير فيما يلي:
عملية التفكير وتنميتها هدف أساسي من أهداف التربية، كذلك فالقدرات اللغوية أساسية في عملية التربية، وقد أشار المفكرون في أكثر من موضع إلى أن هناك علاقة متبادلة بين التفكير والنشاط اللغوي، وبين النمو اللغوي والنمو العقلي، وإذا كان الأمر كذلك فمن المفيد أن نعرض لصلة عملية التفكير باللغة فيما يلي:
1 - صلة عملية التفكير باللغة: أ- اللغة أساس عملية التفكير:
هناك ارتباط كبير بين نمو الكلام، ونمو التفكير، إذ إن المعاني التي تمثلها الكلمات هي المادة الخام التي يستخدمها العقل في عملية التفكير بصورها المختلفة،ولذلك نرى الأصم -مثلا- وهو من فقد القدرة على سماع اللغة والتحدث بها لا يرتقي فكره إلى المستوى المجرد من التفكير، ولا يرى في الأمور إلا ما هو حسي منها.ويميل الكبار دائما لأن يقولوا للصغار، اسكتوا، كونوا هادئين.. إلخ، ولكن –لحسن الحظ - لا ينجح الكبار في إسكات الصغار، إذ يستمرون دائما في تنقيط الكلام كالحنفية
التالفة، فهي تنقط الماء، وترشه باستمرار، وما يفعله الصغار ليس تمردا محضا -
بالطبع - كما يبدو من أول نظرة، فتفكيرهم وتصورهم العقلي مرتبطان أشد ارتباط
بالتعبير الصوتي الذي يجدون من الصعب عليهم أن يبعدوا عنه، فالطفل يتحدث لنفسه حينما يحاول أن يفهم تركيب لعبة الطائرة التي أمامه، والبنت الصغيرة تبقى في محادثة حقيقية مع لعبتها عدة دقائق، وحين يفكر الكبار في شيء ما دون التعبير عنه يفكر فيه الأطفال ويعبرون عنه.
ب- اللغة تصاحب عملية التفكير:
تتشابه اللغة والتفكير في أنهما يتطلبان نفس العمليات الأساسية التي يعتمدان عليها فالقدرة على التجريد، والتصوير، وتكوين الأنواع مطلوبة في استخدام اللغة والتفكير في مستوييهما العاليين، وفي الحقيقة يمكن القول: إن اللغة والتفكير عملية واحدة، لقد كتب "كانت" الفيلسوف الألماني: التفكير هو الكلام للنفس، وأشار "والجسون" إلى أن التفكير استخدام غير صوتي للغة.
ويبدو أن الكلام الخفي يصاحب التفكير كما في القراءة الصامتة، وأن هناك قدرا معيًنا من السلوك اللفظي، وحركات الشفة واللسان تصاحب كثيرا من عمليات التفكير، فالتفكير الحقيقي أكثر من عملية داخلية بسيطة.
ج- اللغة تعبر عن التفكير:
منذ الطفولة المبكرة تنمي الكائنات الإنسانية العمليات الداخلية التي تتمثل في الإحساسات والإدراكات، وتختزنها في الذاكرة وتستدعيها فيما بعد، حتى في حالة عدم وجود المثير الذي أدى أصلا إلى هذه الإحساسات والإدراكات. وينمو الطفل عادة في بيئة اجتماعية تستخدم فيها لغة معينة وتظهر هذه اللغة العمليات الداخلية لمستخدمي اللغة في تعاملهم مع بيئتهم. وفي المرحلة المبكرة من تعلم اللغة تتوقف العمليات غير اللفظية للطفل على الرموز التي يستخدمها الآخرون في بيئتهم، وحينما يتمثل الطفل تركيب لغة تصير العمليات الداخلية لديه أكثر شبها بعمليات الكبار في مجتمعه أو -على الأقل- أكثر شبها بهذه العمليات الداخلية التي تمثلت في لغته. ورموز اللغة، أو العمليات الداخلية التي توجد في رموز اللغة لدى الفرد يمكن –باستمرار- أن تشكل التفكير وتحدد اتجاهه، وهي تمثل تنظيمات العمليات الداخلية المحصلة عن طريق التعلم أو الخبرات الماضية. ويروي فيجوتسكي عن "مانداستام" في قصيدة له قوله: حين نسيت الكلمة التي أردت أن أقولها، عاد فكري إلى دائرة الظلال. معنى ما سبق أن اللغة تسهل عملية التفكير، وتسمح له بأن يكون أكثر تعقيدا وكفاءة ودقة، وأنها بتركيبها الخاص تحدد مجرى التفكير ونوعه، وهذا يؤدي إلى أن يفكر مستخدمو اللغة بكفاءة أكثر أو أقل مما لو كانوا يستخدمون لغة أخرى.
ثانيا- اللغة العربية ودورها في التعليم.
الركن الأساسي في بناء الأمة العربية هو اللغة العربية الفصحى التي تمتاز من بين لغات العالم الكبرى بتاريخها الطويل المتصل، وثروتها الفكرية والأدبية، وحضارتها التي وصلت قديم الإنسانية بحديثها، ورابطتها التي لا تنفصم بكتاب مقدس، ودين يزيد معتنقوه عن خمس سكان العالم. وهذه الحقيقة يؤيدها التاريخ تأييدا قاطعا، فإن حياة الأمة العربية منذ نشأتها في شبه الجزيرة حتى إحياء دعوة القومية العربية في المرحلة الحاضرة من نهضتها، قد ارتبطت باللغة العربية الفصحى ارتباطا وثيًقا في كل أدوار تاريخها الطويل، فاستندت إليها في مهدها، واعتصمت بها في فترات انكماشها، واستمدت منها القوة، والإلهام في يقظتها الحديثة. لقد ظل عرب شبه الجزيرة زمًنا في جاهليتهم قبائل متفرقة، لكل منها لهجتها
وخصائص لسانها، ثم أخذت تلك اللهجات تتقارب وتعمل فيها عوامل الامتزاج والتنقيح والاختيار حتى برزت من بينها لغة موحدة اصطنعها كبار الشعراء في المواسم والأسواق العامة، وتناقل الرواة أجود الشعر بها في سائر أنحاء الجزيرة، وأصبح ذلك الأدب الموحد اللسان ديواًنا للعرب في معارفهم وفي نماذج أخلاقهم ومثلهم الفردية والاجتماعية، وكان ذلك إيذاًنا بمولد الشخصية العربية، وإرساء للحجر الأساسي في بنائها، وتمهيدا ضروريا للانطلاقة الكبرى التي حققها العرب تحت راية الإسلام، فقد ظهر فيهم في أوائل القرن السابع الميلادي رسول منهم، حررهم من الأوضاع الدينية والاجتماعية والسياسية الفاسدة، وجمعهم على عقيدة التوحيد، وجاءت آيته الدالة على صدق رسالته في صورة كتاب عربي مبين، معجز في نظمه، بالغ في روعته وتأثيره، جامع لما تتطلبه الحياة الفاضلة والدعوة المرشدة من أصول الإيمان، ومبادئ التشريع، وقواعد السلوك، وأخبار الأمم الماضية، وقصص الأنبياء والرسل، فوجد العرب في هذا الكتاب صورة مثالية عن عبقرية لغتهم الموحدة تحدث بها النماذج العليا للفصاحة والبلاغة في بيئاتهم، وضمن بها الانتشار والخلود لهذه اللغة، التي أصبحت لسان الرسالة السامية، وحاملة شعلها إلى جميع الألسنة والأجناس. وقد حرص صاحب الدعوة على أن يعطي العروبة في هذا المجتمع المثالي مفهوما جديدا، فنبه -فيما روى عنه- إلى أنها عروبة لسان لا عروبة سلالة، أو عصبية، فمن رضي العربية لساًنا فهو من العرب، وإن كان في حساب السلالات حبشيا أو فارسيا. وبهذا تحققت الخطوة الأساسية في نمو الشخصية العربية، واتساع كيانها، وأعد المسرح لظهور أمة مؤمنة موحدة المشاعر واللسان، وتحررت الطاقات الروحية والعقلية للعرب -تحت راية التطور الجديد - فانطلقوا ينشرون دعوة التوحيد، ويحررون شعوب الأرض من سلطان العقائد الفاسدة، ويبيعون أرواحهم بين السماح في سبيل الدفاع عن الدين الحق، ويسجلون أروع ما عرفت البشرية من صفات البطولة والنبل والمروءة والتسامح والإخاء والعدالة بين الناس، وأقبلوا وأقبلت الشعوب المستظلة بظل حكمهم على كتاب هذا الدين يدرسونه ويستنبطون منه ما شاءت لهم طاقاتهم أن يستنبطوا من دراسات، وعلى لغة الفصحى ينهضون بفنونها وعلومها، ويسجلون بها روائع الفكر والأدب، وشهد العالم نشأة حضارة عالمية شاملة، تفسح صدرها لجميع الثقافات، وتوفر حرية الضمير والاعتقاد لكل مواطن، وتتخذ من لغتها الفصحى رابطة إنسانية مكينة، توحد بين شعبها في الفكر والحياة، وتسهم في رقي البشرية في كل ميدان من ميادين المعارف والفنون.
بعض خصائص العربية:
من أهم خصائص اللغة العربية أنها لغة اشتقاقية، وهذا الاشتقاق أكسبها مرونة ومناعة في وقت واحد، فسمح لها بخلق ألفاظ جديدة، وحافظ على ثروتها وحماها من الزيغ والشطط. والاشتقاق باب واسع تستطيع به اللغة أن تؤدي معاني الحضارة الحديثة على اختلافها، والاشتقاق في العربية يقوم بدور لا يستهان به في تنويع المعنى الأصلي، إذ يكسبه نواحي مختلفة بين طبع، وتطبع، ومبالغة، وتعدية، ومطاوعة، ومشاركة، ومبادلة.. إلخ. ولا نزاع في أن منهج اللغة العربية الفريد في الاشتقاق قد زودها بذخيرة من المعاني. والواقع أن تركيب الكلمات في العربية أكثر تعقيدا، وليس من السهل وضع الصيغ المختلفة للأصل اللغوي تحت معنى واحد، فلكل صيغة معناها الخاص بها، فمثلا صيغة (فعلان) تدل على الاضطراب والحركة، مثل طيران، وصيغة (فعلان) تدل على الأدواء مثل صداع، وصيغة (مفعال) تدل على الأغلب على عادات الاستكثار مثل مطعام. وصيغ الأفعال وأوزانها في العربية عامل من العوامل التي تثري اللغة، والتي تمكنها من الدلالة على فروق وظلال تضاف إلى المعنى الأصلي، فما الزيادة في المبنى إلا زيادة في المعنى. كذلك من خصائص لغتنا أنها في بنيتها وتركيبها لا تحتاج الجمل الخبرية فيها إلى To be إثبات ما يسمى في اللغات الأوربية "فعل الكينونة" وهو في الإنجليزية مثلا فنحن نقول في العربية على سبيل الإخبار "فلان شجاع" دون حاجة إلى أن نقول "فلان هو شجاع" أو "فلان كائن شجاعا" ونقول "كل إنسان فان" دون حاجة إلى أن نقول "كل إنسان يكون فانيا" أو "كل إنسان يوجد فانيا" أو "كل إنسان كائن فانيا". معنى هذا أن الإسناد في اللغة العربية يكفي فيه إنشاء علاقة ذهنية بين "موضوع ومحمول" أو "مسند ومسند إليه" دون حاجة إلى التصريح بهذه العلاقة نطًقا أو كتابة، في حين أن هذا الإسناد الذهني لا يكفي في اللغات الهند أوربية، إلا بوجود لفظ صريح مسموع أو مقروء يشير إلى هذه العلاقة في كل مرة، وهو فعل الكينونة في اصطلاحهم.
تعليم اللغة العربية:
هذه اللغة العربية لم نتلقها التلقي المباشر المشافه، بل تلقيناها تلقيا غير مباشر، ولا مشافه، وسبب هذا الذي وصفنا أن هذه اللغة قد عاشت في مهدها في الجزيرة العربية ما عاشت من الزمن في عزة من أهلها، حتى كانت الهجرة بعيدة المدى التي
دفعهم إليها الإسلام، فخرجت اللغة مع آلاف من أهلها، فتفرقت معهم اللغة أوزاعا، وجعلت هذه العربية تتفاعل مع ما خالطت من لغات، فلا تعطي فقط، بل كانت تأخذ كذلك، سنة الحياة في اللغات والحضارات الغالبة والمغلوبة، وظل الإسلام يساندها بقوته المعنوية دهرا طويًلا في كل مكان حتى اليوم؛ لأنها لغة كتابه، ولسان ثقافته، والسبيل الوحيد لمعرفته. ولم يغفل العرب منذ أول الأمر أثر اللغات الأخرى في تركيب العربية وصوغها وبيانها، وهبوا يحاولون أن يحفظوا على العربية تماسكها، عناية بعقيدتهم وقوميتهم. خرجوا إلى البادية حيث البقية الباقية من خالص العربية، أو استقدموا إلى حواضرهم من أهلها من استقدموا ليلقوهم ما عندهم وليتلقوا منهم بالممارسة والمشافهة التي هي طبيعة الأمر في تلقين اللغات، وأقرب الطرق وأسلمها في كسب اللغة الحية. وما كان التلقي بالممارسة ليدوم أجيالا طوالا، فما لبث الباقون بالبادية أن تغير حالهم، وما لبث القادمون إلى الحاضرة أن لان جلدهم. ولما عزت الممارسة اللغوية، والتلقي المباشر عن مشافهة، فزعوا إلى الطريقة الثانية، وهي المدرسة، وكسب اللغة بالتعليم، وهي طريقة تحتاج إلى القواعد والأصول والضوابط والأسس التي يراض بها متعلم اللغة. وقامت المدارس، والمراكز الإسلامية، المنبثة في جميع البلاد العربية بدور مهم في الحفاظ على اللغة الفصحى التي تؤدي دورها الضروري في الحفاظ على التراث العربي الإسلامي، وفي تعهد الشعور بالعروبة في صدور أبنائها. لكن حين دهم العالم العربي بالأتراك، عمد هؤلاء إلى وأد اللغة العربية في دواوين الحكومة الرئيسة، وقد تأثرت اللغة العربية في هذا العصر بخصائص اللغة التركية تأثرا عظيما، فعربت الكثير من الألفاظ الدخيلة التي استعملها الحكام الأتراك، واستعيرت بعض قواعد اللغة التركية في تصريف الألفاظ أحياًنا كثيرة. أما الأسلوب العربي فكان ركيكا عاميا، وقد لجأ متأدبو ذلك العصر إلى السجع طويل الفقرات،وبالغوا في استعمال المحسنات البديعية من جناس وتورية في عبارة سقيمة عقيمة الأخيلة والأفكار، فمسخوا البلاغة العربية، مما ذهب برونقها، وبلبابها مبني ومعنى، وعكفوا على ستر ضعفهم بعبارات وأساليب اختلسوها من بطون كتب الأدب القديمة اختلاسا بينا. كذلك حاول المستعمر الإنجليزي القضاء على اللغة العربية بجعل لغته لغة التعليم فترة من الزمن، وقصر الحصول على فرص التعليم في أبناء الطبقة الأرستقراطية. لقد تعرضت اللغة في عهد الاحتلال لأزمات كادت تعصف بها لولا يقظة جمهرة كبيرة من الكتاب والمفكرين نذروا أنفسهم للدفاع عنها، ومقاومة جهود الاحتلال الخبيثة في إزاحتها وإحلال اللغة الإنجليزية محلها كلغة تعلم بها سائر المواد بحجة عجز اللغة العربية عن مسايرة التطور العلمي الحديث، وبحجة عدم وجود المراجع والكتب العلمية باللغة العربية حتى يستطيع كل من المعلم والتلميذ أن يتدارسها. وفي الجزائر –مثلا- كانت لغة التعليم الرسمية اللغة الفرنسية، كذلك البرامج لم يظهر فيها أثر للجزائر سوى لمحات في التاريخ والجغرافية نتيجة الخضوع لنظام السياسة الاستعمارية، أما حظ اللغة العربية فكان حظ اللغة الأجنبية، فما كان يخصص لها في بعض المدارس الابتدائية سوى ساعات محدودة لتعليم الحروف الهجائية، وفي المدارس الثانوية كانت العامية تزاحم الفصحى، وتدرس العربية بالفرنسية، وفي الواقع كانت إرادة النظام الاستعماري وضع اللغة الفرنسية فوق اللغة العربية واعتبارها (الفرنسية) لغة رسمية وحيدة في التعليم والإدارة قاصدا محو اللغة العربية من القطر الجزائري. معنى ما سبق أن المستعمر انجليزيا كان أو فرنسيا، حاول أن يطمس معالم اللغة العربية، ويحل لغته محلها، لما يرتبط بذلك من فرض أفكاره، وسيطرته الثقافية على أبناء الوطن المستعمر، ولعلمه أن اللغة العربية وما تحمله من ثقافة أصيلة كفيلة بأن تبعث في وجدان أبنائها الحمية، والدفاع عن أوطانهم ضد الغزاة المتسلطين، وقد سبق أن ذكرنا أن اللغة العربية حافظت على وحدة الوطن العربي برغم الهزات العنيفة التي مر بها، كذلك حافظت على تقاليده العريقة الأصيلة، وحملت كل ما تحمله اللغات الحديثة من علم وفن وأدب. وعلى أية حال، فهناك شعور عام في أرجاء الوطن العربي بأهمية العناية باللغة القومية، وتعليمها سواء على المستويات الرسمية أو الشعبية؛ ولذا هب كثير من الباحثين في اللغة العربية يتعرفون أجدى الوسائل في تعليمها، وفي غرس الميل إليها في نفوس أبنائها، ويتعرفون كذلك أسباب الإخفاق في تدريسها، ويعالجون ذلك بالوسائل التي يرونها. ولا يستطيع الفرد، وهو يتحدث عن تعليم اللغة العربية في المدارس المصرية والعربية أن يغفل القفزة الكبرى التي أحدثها أساتذة أجلاء من قبل في تعليم اللغة العربية، وأساليب تدريسها، وقد كان لهؤلاء فضل السبق، وفضل التجديد، وفضل الابتكار، فالوثبة الكبرى التي أحدثتها التجارب التي قامت بها الفصول التجريبية في مدرسة الأورمان الابتدائية في الثلاثينيات وما قامت به مدرسة النقراشي النموذجية في الأربعينيات والخمسينيات تحت إشراف الأستاذ المرحوم إسماعيل القباني تؤكد الاتجاه نحو ابتكار أساليب جديدة لتعليم اللغة العربية. وهناك تطور كان له أثره الكبير في تغيير التفكير في تعليم اللغة، وله فلسفة خاصة تقوم على أن اللغة أداة تواصل تتمثل في فنون أربعة، هي: الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة، وعلى أن تعليم اللغة يجب أن يتم في ضوء هذه الفنون الأربعة، وفي وحدة وتكامل، وعلى أن فروع اللغة ليست إلا أداة لتحقيق التواصل اللغوي بين الناس. هذا التطور الأخير أحدثته مجموعة من الأستاذة الذين سافروا إلى الخارج، وأفادوا من الدراسات الأجنبية في تعليم اللغات القومية، والأمل كبير في أن يستمر هذا الاتجاه، ويأخذ بالمستحدثات العلمية في ميدان تعليم اللغات. آية لغة ينبغي أن تعلم؟ الفصحى أو العامية؟ مرت اللغة العربية بدور من أخطر أدوارها حين أراد الاستعمار أن ينحيها عن ميدان الفكر والحياة، وأن يفرض لغته في مجال التعليم، وأقل تأمل يقنعنا بأن هدم اللغة العربية يحمل في طياته تقويضا لمفاهيم الإسلام، لأن العربية لغة القرآن، والقرآن –كما هو معلوم- لا سبيل إلى ترجمته ترجمة صحيحة وافية إلى أية لغة أجنبية، أي أن قراءته بالعربية أوفى وأكمل. لذلك رأيناهم في السنى الأخيرة يبثون العملاء هنا وهناك للدعوة بالقلم واللسان في إطراح اللغة العربية، والعناية باللغات العامية واللهجات الإقليمية، فإذا تم لهم ما يريدون حققوا في الوقت نفسه ما يرمون إليه من تقويض وحدة العرب، وتفتيت القومية العربية التي يدركون أن ركيزتها الأولى هي اللغة العربية الفصحى. وما نريد هنا أن نتحدث عنه هو أن هذا أمر قد ذاع وشاع، ونبه إليه ذوو العزم من كتابنا، ولكنا نود أن نشير إلى ما جاء في تحقيق عن اللغة العربية في بلد عضو في الجامعة العربية، وهو "موريتانيا" فمنذ أكثر من ستين سنة، أي منذ دخلت جيوش فرنسا أرض موريتانيا، لم تتوقف الإدارة الفرنسية عن محاربة اللغة العربية، ومنذ استقلال البلاد في نوفمبر عام 1960 م، نشأت مشكلة اللغة الرسمية، واستخدم الفرنسيون كل وسائل الضغط المعروفة لاعتماد اللغة الفرنسية لغة للدولة، مع أن 75 % من أهل موريتانيا يتكلمون اللغة العربية. واهتم الأجانب في مصر –علاوة على فرض لغتهم على التعليم - بدراسة اللهجات العربية العامية، وكان من مظاهر هذا الاهتمام:
1 - إدخال تدريس اللهجات العامية في مدارسهم وجامعاتهم؛ بل إنشاء مدارس خاصة لدارسة هذه اللهجات.
2 - اهتمامهم بالتأليف في اللهجات العامة.
وقد دعا المستشرقون الأجانب أيضا إلى:
1 - اتخاذ الحروف اللاتينية لكتابة العامية. 2 - اتخاذ العامية لغة أدبية. 3 - اتخاذ العامية لغة كتابة وتأليف.
وكانت الأسباب التي دعت هؤلاء وأمثالهم إلى اتخاذ هذا الموقف ما يلي:
1 - سهولة الكتابة بلغة الحديث، ولا تظهر مثل هذه السهولة في العربية الكلاسيكية، وذلك بد ً لا من أن يجبر الطالب على الكتابة بلغة غريبة على الجيل الحالي غرابة اللاتينية على الإيطاليين مثلا.
2 - الالتزام بالعربية الكلاسيكية، لا يمكن أن يؤدي إلى نمو أدب حقيقي متطور؛
لأن الطبقة المتعلمة قليلة العدد، وهي وحدها التي يمكن أن يكون الكتاب في متناول يدها.
3 - استخدام اللغة العربية الفصحى أدى إلى عدم وجود قوة الاختراع لدى العرب.
4 - صعوبة اللغة العربية في التعليم.
وقد تصدى للرد على هذه الدعاوى كثيرون، كان من أهم الأسباب التي رفضوا بها الدعاوى السابقة ما يلي:
1 - العامية ضيقة لفظا وفكرا:
إن اللغة التي يستخدمها الفرد في حياته اليومية لقضاء حاجاته ومطالبه ليست هي اللغة الثقافية التي يمكنها أن ترقى بعقل الإنسان فكريا أو ثقافيا، فهي لغة حديث واستماع تجري بها حياة الناس من غير دقة أو إتقان، وليست لغة قراءة وكتابة تمكن الفرد من اكتساب المعرفة والإلمام بتراث أمته الثقافي، والارتباط بعالم أمته المعاصر؛ ومن ثم كان لا بد من أن تكون لغة التعليم هي لغة الثقافة والفكر. ومما هو معروف أن اللغة أداة من أهم أدوات الفكر الإنساني، فهي تمده بالرموز، وتحدد له المعاني، وتمكنه من أداء الأحكام، ومن تخريج الأفكار، وتكوين المقدمات، واستخراج النتائج ... إلخ، ولكي تكون اللغة هذه الأداة يجب أن تكون لغة نامية تقدم الفكر، وتنميه. يجب أن تكون لغة منطقية حساسة غنية بما تستطيع أن تعبر عنه من المعاني والأفكار، وأن تكون دقيقة تفرق بين ألوان من المعاني المتداخلة المتقاربة. كذلك فإن ألفاظ العامية قليلة العدد في أية لغة راقية، وفي مثل هذه اللغات يزداد المحصول اللغوي للشخص باستمرار عن طريق القراءة والاطلاع، فلا يقرأ كتابا إلا ويخرج بزيادة على هذا المحصول اللغوي، ولا سبيل إلى ذلك في العامية، حيث هي لغة غير مقروءة، ولا مكتوبة في الواقع. ومن العقبات في طريق التفكير الفقر في الألفاظ، فالإنسان لا يستطيع أن يفكر تفكيرا كاملا إذا لم يجد لفظا مناسبا لكل مدرك أو فكرة، إن عدد الكلمات التي يفهمها الشخص بوضوح في أي ميدان من ميادين الفكر له دلالة على المدى الذي يستطيع أن يصل إليه في التفكير في هذا الميدان.
2 - الحفاظ على التراث الديني والثقافي: يرتبط تعليم اللغة بناحيتين أساسيتين:
أحدهما: ناحية دينية لها قداستها، وهي ناحية الحفاظ على تراثنا المقدس، القرآن الكريم، والحديث الشريف، والانحراف عن العربية الفصحى انحراف عنهما، ومن ثم يصيبهما مع الأيام التغيير والتبديل وتنقطع الصلة بيننا وبينهما، وفي ذلك ضياع
الماضي والحاضر والمستقبل.
والأخرى: ناحية قومية لها أهميتها، وهي ناحية الحفاظ على التراث العربي شعرا، وفكرا، وثقافة، ومن ثم الحفاظ على الرابطة بين أبناء الأمة، والتسليم بأن تكون العامية لغة علم ومعرفة وتعليم وثقافة لا يحقق الوحدة الفكرية بين أبناء الوطن العربي كله، وستصبح مصر يوما ولها لغتها، وللعراق لغته، ولكل بلد عربي لغته، ومن ثم فإنه في هذه الحال لا سبيل إلى التفاهم أو الوحدة التي تعد اللغة من أبرز مقوماتها.
3 - تباين العاميات:
لا يمكن الاعتماد على اللهجات العامية في التعليم، ولا في حفظ التراث لتباينها واختلاف أوضاعها، ولا يمكن الاعتماد –كذلك- على أي منها؛ لأن كلا منها تختلف عن أختها اختلاًفا بيًنا. والادعاء بأن العامية يمكن ضبطها أو استخدامها في الكتابة ادعاء باطل لا يمكن تحقيقه؛ ذلك لأن التحريف وعدم مراعاة القواعد في العامية ليس واحدا عند الناس، ولا متفًقا عليه؛ بل كل واحد يذهب فيه ما شاء، فهو مختلف باختلاف الأفواه، وعلى فرض أننا جمعنا تحريفات العامية وأحصيناها، ونظرنا في تشابهاتها، ووضعنا لها قواعد وضوابط، فمن الذي يضمن لنا عدم خروج العامة عنها مدفوعين إلى ذلك بالأسباب التي أخرجتهم عن قواعد لغة القرآن؟
-4 اللغة العربية لغة ذات حضارة عريقة:
أما ادعاء أن الاستكشافات كثيرة، وليس في العربية كلمات للدلالة عليها فهو ادعاء مردود عليه بأن اللغات إنما تنمو بنمو فكر أبنائها وصنائعهم، ولا يمكن أن تنمو مفرداتها في فراغ، وما حل باللغة العربية من جمود في العصر الحديث إن هو إلا نتيجة للتخلف الحضاري الذي ران دهرا على قلب الوطن العربي، هذا علاوة على أن العربية ظلت لغة العلم والثقافة لفترة طويلة، والشاهد على ذلك ما ترجم منها إلى كثير من لغات العالم، وبخاصة في ميادين الطب، والفلسفة، والفلك، والطبيعة، والرياضيات. ومازالت اللغة العربية تحمل معها وسائلها المختلفة التي تمكنها من النهوض والرقي والاتساع، ومن أهم هذه الوسائل:
أ- الاشتقاق. ب- النحت. ج- الاقتراض. د- القياس
ومهما يكن من أمر، فيجب أن نعترف أنه إذا كان في العربية قصور فهو قصورنا.
التقريب بين العامية والفصحى:
ظهر بجانب دعاة استخدام العامية في التعليم، ودعاة استخدام الفصحى فيه فريق
ثالث، هو في الحقيقة أقرب إلى دعاة الفصحى، ويدعو هذا الفريق إلى أن نأخذ من لغة الكلام الألفاظ الفصيحة الشائعة فيها –وهي كثيرة- وذلك بهدف التقريب بين اللغتين، وبهدف تعليم الأطفال الألفاظ التي تسهل عليهم ومساعدة سواد الشعب على القراءة والاطلاع، وفي هذا الاتجاه خدمة للفصحى وإسهام في نشر الثقافة. ولقد نادى بهذا الاتجاه كثير من القادة والمفكرين والمربين، منهم على سبيل المثال إسماعيل القباني، وعبد العزيز القوصي، وإبراهيم بيومي مدكور، ومحمد فريد أبو
حديد، نادوا بوجوب العمل على التقريب بين العامية والفصحى، أما وسيلة هذا التقريب فهي أن نتأمل في حال هذه العامية، ونحاول تحديد خصائصها، وهذا يساعدنا على تصحيح العامية وردها إلى الفصحى، والألفاظ العامية أكثرها إما صحيح قرشي، وإما صحيح في لهجات العرب، وإما محرف تحريًفا قريبا، يقصد به التسهيل. والذي يعنينا هنا أن نثبت أن الفرق لا يزال ضئي ً لا بين العامية والفصحى، ومن اليسير تدارك الأمر إذا عنينا بجمع كل المفردات العامية، وعنينا بإعادة الاعتبار إلى كل ما يمكن رد الاعتبار إليه، وصححنا كل ما يمكن تصحيحه منها بغير إبعاد لها عن صورتها كلما أمكن ذلك.
وليس من خير الفصحى أن يقوم بينها وبين العامية عزلة موحشة، فما الكلمات العامية في حقيقتها إلى مصنوعات وطنية نسجت من خيوط عربية، وصقلتها ألسن عربية، وأصبحت لنا بها ألفة وأنس، وهي لغة الحديث لخاصتنا وعامتنا.
وتدل نتائج دراسة قدري لطفي في الدكتوراه على أن ما يقرب من 72.8 % من الكلمات الأكثر شيوعا والموجودة في كتب القراءة في الرياض في السنتين الأوليين من المرحلة الابتدائية موجودة في العامية. كذلك تدل دراسة رضوان في الماجستير على أن ما يقرب من 80 % من الكلمات التي يستخدمها الطفل المصري في سن دخول المدرسة مشترك بين العامية والفصحى، ويقصد بالاشتراك هنا أنها إما تتفق اتفاًقا كاملا في النطق كما هي الحال في كلمات مثل باب، وأرنب.. إلخ، أو أن تتفق إلى حد كبير كما هي الحال في كلمات مثل: كبير، وموز، وصغير ... إلخ.
وتدل دراسة فتحي يونس في الدكتوراه الخاصة بلغة الأطفال المصريين الشفهية في الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية على أن نسبة الكلمات العامية في لغة الطفل ولا تكاد تمت إلى الفصحى بصلة، مثل: دول، ولسه، والكلمات الأجنبية مثل بوليس وماتش بلغت 3.5 % من مجموع كلمات الأطفال في الصف الأول، و 2.5 % من مجموع كلماتهم في الصف الثاني، و 2% تقريبا من مجموع كلماتهم في الصف الثالث. ولكن.. ما السبيل إلى التقريب بين العامية والفصحى؟
1 - التعليم ونشر الثقافة:
إن نشر الفصحى وتقدمها وإعادتها إلى سالف العهد بها لا يكون بزيادة ساعات القواعد، ولا بحفظ قوائم الكلمات التي تتفق فيها الفصحى والعامية، بل يكون ذلك بالأخذ بأسباب الحضارة الفكرية الحديثة، ويكون بنشر العلم وغرس طرق التفكير المنهجي، ويكون بإغناء العقل والفكر والنفس بكل ذي قيمة من علم وفن وأدب، أي يكون بنشر أنماط الحضارة التي ترتبط تلقائيا بالفصحى، والمستويات العليا من التعبير اللغوي، ولا يمكن ذلك إلا بدراسة أنماط الواقع الحضاري، وأنماط الواقع اللغوي، ومعرفة كيفية توزيعها على السلم اللغوي، وبعد أن تتضح الصورة كما هي في الواقع تأتي الخطوة التالية، وهي تهيئة العوامل التي تقوي النمط الذي نختاره نموذجا يحتذى، والعوامل التي تضعف الآخر في الوقت ذاته.
2 - البث الإذاعي:
الإذاعة عامل فعال في توحيد اللهجات، والتقريب بين لغة الحديث ولغة الكتابة، وهذا العامل متصل الأثر ومباشر وواسع النطاق يفوق في نتائجه المجامع والمدارس والكتب وغيرها من عوامل توحيد اللهجات. وصوت الإذاعة الذي يغطي الرقعة العربية كلها مع اختلاف لهجاتها، ويشملها جميعا في نفس الوقت دون توقف، وتتفتح له الأسماع لطلاوته وجاذبيته حقيق بأن يقرب اللسان العربي المبين إلى الأسماع كلها، فتألفه وتقبل عليه وتردده، وتأخذ به، وسرعان ما يصبح حقيقة واقعة نافذة ملموسة دون أن يحيط بها شيء من العنت أو الإرهاق. ولسنا بمغالين إن قلنا: إن الفروق الكبيرة بين اللهجات التي كانت فيما مضى تجعل من العسير على عربي من العراق أو في الجزيرة العربية أن يفهم عربيا من مصر أو من المغرب قد زالت.
3 - التوفر على دراسة العامية:
من اليسير التقريب بين لغة الخطاب ولغة الكتابة إذا نحن عنينا بجمع كل المفردات العامية، وعنينا بإعادة الاعتبار إلى كل ما يمكن رد الاعتبار إليه، وصححنا كل ما يمكن تصحيحه منها بغير إبعاد لها عن صورتها كلما أمكن ذلك. والتزود بالمعلومات الكافية عن الكلمات وعن نواحي قصورها من شأنه أن يفيد كل أنواع المهن التي تعتمد على الاستعمال الفعال للغة فالكتاب على اختلاف ميادينهم، والصحفيون والوعاظ، والمحاضرون، وكل القائمين على شئون الدعاية والإعلام، وكذا جماهير هؤلاء وقراؤهم، كل هؤلاء يمكن أن يجدوا كثيرا من الثمرات، وأن يجتنبوا كثيرا من السقطات والزلات إذا وضحت في أذهانهم قضايا الألفاظ ومشكلاتها، وإذا ما طبقت المناهج الواضحة الدقيقة للدراسات اللغوية بإحساس واع، وربما استطاعت هذه المناهج أيضا أن تزود دارسي الأساليب بوجهة نظر ومقاييس أكثر واقعية مما كانوا يعرفون من قبل. وفي مثل هذه الدراسات فائدة كبيرة، فيها فائدة للشاعر، والكاتب، ولأستاذ العربية، وطالبها –بوجه خاص - فلا يقدم الأستاذ على شجب ألفاظ يستخدمها الطالب في تعبيره بحجة أنها عامية نابية، ويصدر حكما ربما جانب الصواب فيه، تبعد به هذه الألفاظ عن ميدان التحرير والكتابة، ويتشكك الطالب في مفردات لغته ويتحير فتجمد أمامه ألفاظ العربية لأنها أصبحت عاجزة عن إظهار شعوره، ومكنون نفسه نحو ما يحبه ويتوق إلى التعبير عنه، وبهذا نزيد من ثقل العربية على أبنائنا الطلاب فتضيق نفوسهم بها ذرعا، وإن أقبلوا عليها مضطرين لأنها وسيلة النجاح بعد أن جعلتها الدولة مادة تتحكم في مستقبلهم.
اللغة العربية في المنهج المدرسي:
تعد اللغة العربية إحدى الوسائل المهمة في تحقيق المدرسة لوظائفها المتعددة؛ لأن اللغة أهم وسائل التواصل والتفاهم بين التلميذ وبيئته، وهي الأساس الذي تعتمد عليه تربيته من جميع النواحي، كما يعتمد عليها كل نشاط يقوم به سواء كان ذلك عن طريق الاستماع والقراءة أو عن طريق الكلام والكتابة. ويهدف تعليم اللغة العربية منذ بداية المرحلة الابتدائية إلى تمكين الطفل من أدوات المعرفة عن طريق تزويده بالمهارات الأساسية في القراءة والكتابة والتعبير، ومساعدته على اكتساب عاداتها الصحيحة واتجاهاتها السليمة، والتدرج في تنمية هذه المهارات على امتداد المراحل التعليمية، بحيث يصل التلميذ في نهاية هذه المراحل إلى مستوى لغوي يمكنه من استخدام اللغة استخداما ناجحا عن طريق التحدث والكتابة والقراءة والاستماع، مما يساعده على أن ينهض بالعمل الذي يختاره وعلى أن يواصل الدراسة في المراحل التعليمية التالية. من هنا نرى أن اللغة العربية ليست مادة دراسية فحسب، لكنها وسيلة لدراسة المواد الأخرى، وإذا استطعنا أن نتصور شيئًا من ظواهر العزلة والانفصال بين بعض المواد الدراسية فلا يمكننا أن نتصور هذا الانفصال بين اللغة وغيرها من المواد الدراسية، علمية كانت أو أدبية. والاعتبارات العامة وراء تعليم اللغة القومية ما يلي:
1 - أنها الأداة التي تساعد التلميذ على عملية التفكير والنشاط العقلي عموما.
2 - أنها الأداة التي يستخدمها التلميذ في الاتصال بالمجتمع، والتعامل مع غيره من الأفراد لتحقيق المنافع والحاجات.
3 - أنها الأداة التي يستخدمها التلميذ في السيطرة على المواد الدراسية المختلفة في المدرسة، وعلى مقدار نموه في النواحي اللغوية المختلفة يتوقف اكتسابه لما تشتمل عليه هذه المواد من معلومات واتجاهات ومهارات ... إلخ.
4 - أنها الأداة التي سوف يستخدمها التلميذ في تثقيف نفسه بعد خروجه إلى الحياة العملية.
ولاشك في أن خطة اللغة العربية في كل بلد عربي تلقي ضوءا على نظرة البلد إلى هذه المادة، وتقويمه لها، ولأثرها في إعداد أجياله الحاضرة. فكل بلد يقدم خطة اللغة العربية بقدر ما يتمثل من جدوى هذه المادة في تنشئة أبنائه، وتحقيق مطالب نموهم الجسمي، والعقلي، والاجتماعي، والعاطفي، والديني، ومن قدرتها على الإسهام في الوصول بهم إلى أهداف المجتمع، وأهداف المراحل التعليمية، وبقدر ما يتصور من حاجاتهم إليها في مواجهة مواقف الحياة ومتطلبات التقدم. وهناك أمر آخر له أثره القوي في هذا التقدير هو الإيمان بالشخصية العربية والرغبة الصادقة في الحفاظ عليها؛ لأن الهدف الأكبر لكل أمة في تنشئة أجيالها –كما يقول التربويون - هو تخليد شخصيتها. وهذه نماذج من خطة اللغة العربية في أربع دول عربية، وهي: جمهورية مصر العربية، والجمهورية العراقية، والجمهورية التونسية، ودولة البحرين، وقد اختيرت هذه الدول انطلاًقا من منطق الموقع الجغرافي، فمصر في قلب الوطن العربي، والعراق في شرقه، وتونس في المغرب، والبحرين في جنوبه تقريبا.
وفيما يلي بيان بخطة اللغة العربية في كل مرحلة يوضحها الجدول التالي:
نصيب خطة اللغة العربية من الخطة العامة للدراسة في بعض الدول العربية
file:///F:/DOCUME%7E1/ph/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image006.gif
وعلى أية حال، فخطة اللغة العربية في المرحلة الابتدائية في البلاد العربية يبلغ متوسطها 31.07 % من الخطة العامة في المدرسة الابتدائية، وهذه النسبة قريبة إلى حد كبير من النسب التي ذكرت في الجدول السابق. ومعنى ما سبق:
1 - أن خطة اللغة العربية –من ناحية الوضع الشكلي- تحتل صدر الخطة الدراسية العامة.
2 - أن حجم هذه الخطة يتدرج في جملته تدرجا تنازليا، وابتداء من المرحلة الابتدائية، ومن الصفوف الأولى بها حتى المرحلة الثانوية والصفوف العليا منها.
3 - أن حجم الخطة المقدر للغة العربية في مراحل الدراسة المختلفة يدل على إيمان وثيق، ورعاية لها، وليس ثم مجال تعليمي آخر في أية مرحلة من المراحل الثلاث ينافسها في ذلك. وعلى أية حال، فإن الوقت المخصص لتعليم اللغة العربية في مراحل التعليم لا يدل دلالة كبيرة على الكفاءة، ولا على النتيجة التي يؤدي إليها؛ لأن موقف التعليم لا يتكون من عنصر واحد، بل يتكون من عدة عناصر مختلفة، ويعد الوقت واحدا منها، وقد يكون من أهم العناصر، علاوة على ذلك مدى وضوح الأهداف بالنسبة للمعلم والمتعلم، ومدى مناسبة المادة المقدمة للمتعلم، ومدى ارتباط هذه المادة بالحياة، ومدى كفاءة الطريقة والوسيلة في إحداث أثر التعليم. وما قيمة الوقت إذا كانت الأهداف غير محددة؟ وما جدوى الساعات الطوال إذا كانت المادة المقدمة للتلميذ جافة، ولا تمس حاجة من حاجته، ولا تتصل بالتيارات الجارية في المجتمع؟
تقسيم اللغة العربية إلى فروع:
في خطة تعليم اللغة العربية نقطة ينبغي أن تناقش ألا وهي: تقسيم اللغة العربية إلى فروع، وتدريس كل فرع على حدة، فلقد جرت العادة أن تقسيم اللغة العربية إلى فروع ينص عليها في جدول الدراسة، ويخصص لكل فرع أو أكثر حصة بعينها أو
أكثر من حصة في الأسبوع، وهذه الفروع هي –في الغالب- القراءة والتعبير بنوعيه: الشفوي والتحريري، والقصة، والنصوص، والإملاء، والقواعد (قواعد النحو والصرف)، والأدب وعلوم البلاغة، وغالبا ما يدخل الخط ضمن فروع اللغة. وبالنظر في هذا التقسيم يمكن أن يقال: إن أساس هذا التقسيم غير سليم؛ لأنه أساس غير ثابت، ومن شروط التقسيم العلمي السليم ثبوت أساسه، ووجه الخطأ في تقسيم اللغة إلى هذه الفروع أن الأساس فيه تارة مادة الدرس وتارة أخرى طريقة التدريس، فهو إذن تقسيم على أساسين مختلفين، مثال ذلك فروع القراءة والنصوص والإملاء، والتعبير أساس تقسيمها الطريقة لا المادة؛ لأن المادة قد تكون واحدة في جميع هذه الفروع، فيطالع التلاميذ قصة من القصص، وقد يحفظونها، وتكون هي التي أمليت عليهم في كراساتهم أو نقلوها من السبورة للتدريب على الرسم الإملائي الصحيح، وربما كانت من وضع التلاميذ وتعبيرهم، وإذن فالموضوع الواحد عولج بطرق مختلفة، وعلى أساس طريقة العلاج سمي فرع اللغة مطالعة، أو إملاء أو غيرهما. وإذا نظرنا إلى النحو أو الصرف مثلا لم نجد أحدهما فرعا من فروع اللغة على أساس طريقة العلاج، فليس ثمة معالجة بطريقة خاصة كالقراءة، وإنما يشترك في تعليم النحو عدد من الطرق، منها القراءة والمناقشة، والتدريب، والحفظ... إلخ، كذلك الحال في الأدب، فهو لا يعد فرعا على أساس أنه طريقة من طرق علاج المادة، وإنما هو موضوع الدرس لا طريقة تدريسه، وهذه المادة تطالع أحياًنا، وتناقش أحياًنا أخرى، وتحفظ إذا كانت صالحة للحفظ، وعلى هذا، فالتقسيم التقليدي للغة إلى الفروع المعروفة غير علمي؛ لأنه ليس ذا أساس ثابت. ويمكن أن نتخذ للتقسيم أساسا جديدا هو وظيفة اللغة في الحياة، والغرض الذي نهدف إليه من تعليمها، فاللغة –منطوقة كانت أو مكتوبة- لها وظيفة أساسية هي تسهيل عملية التواصل بين الجماعات الإنسانية، ولهذا التواصل ناحيتان: ناحية التعبير لأن التواصل –عادة - يكون بين ؛Reception وناحية الاستقبال ،Expression طرفين، أحدهما المتكلم أو الكاتب، والآخر السامع أو القارئ، ومن هنا ينبغي أن تدرس اللغة ويتعلمها التلميذ على أن لها وظيفة ذات ناحيتين. ولا يمكن الفصل بين الناحيتين في الحياة اليومية، كما لا يمكن الفصل بينهما في حجرة الدراسة في أثناء التعليم، وكل ما هنالك أن الحصة الواحدة من حصص اللغة قد تغلب عليها إحدى الناحيتين: التعبير، أو الاستقبال. والنتيجة العلمية لهذه القضية هي أنه يجب على المعلم ألا يقصر درس القراءة مثلا على الاستقبال أو التحصيل، بل يشرك معه التعبير، وألا يخلي درس التعبير من التحصيل، وأن يدرس اللغة واضعا نصب عينيه الغرض الوظيفي منها. وإذا نظرنا إلى تدريس اللغة من هذه الزاوية الجديدة، وجدنا أن اللغة -مكتوبة أو منطوقة- تتضمن عنصرين أساسيين:
1 - عنصر الفكر. 2 - عنصر الأسلوب.
والفكرة هي المقصودة من عملية التواصل، والأسلوب هو الوسيلة التي تنقل بها .( الفكرة من المرسل إلى المستقبل( 1
وعلى ذلك ينبغي أن تدرس فروع اللغة لا على أنها غاية في ذاتها، ولكن على أنها وسائل، وبمراعاتها تؤدي اللغة وظيفتها الكاملة، ومن هنا نشأ الخطأ التقليدي في اللغة العربية، وهذا الخطأ هو: تعليم فروع اللغة على أنها غاية في ذاتها، فلقد أسرف المعلمون في تدريس قواعد النحو مثلا، وحفظها دون مراعاة لمدى أهميتها بالنسبة للمتعلم، ودون استخدامها استخداما فعالا في مواقف لغوية حقيقية؛ ولذا يشعر كثير من التلاميذ بعدم جدوى تدريس القواعد؛ لأنها تمثل في نظرهم الجفاف، والجمود، والبعد عن الواقعية.
الكفاءة في اللغة العربية والتحصيل في المواد الدراسية:
تؤدي اللغة وظائف مهمة في حياة الفرد –بصفة عامة - ومن أهم تلك الوظائف:
تسهيل عملية التواصل مع الآخرين، سواء كان التواصل على المستوى الفكري أو على المستوى المرتبط بالشئون اليومية الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، كذلك من وظائف ،Emotions اللغة تمكين الفرد من التعبير عن نفسه حتى يفرغ ما لديه من انفعالات ويتم ذلك –غالبا - بإنتاج اللغة في صورة ،Troubles ويتخلص من الاضطرابات أدبية، أو الاستماع إليها في تلك الصورة الأدبية العالية وتعد اللغة إحدى الوسائل المهمة في تحقيق المدرسة لوظائفها؛ لأن اللغة أهم وسائل التواصل بين التلميذ وبيئته، وهي الأساس الذي يعتمد عليه التلميذ في تعليمه وتربيته؛ ولذلك يعتمد عليها التلميذ في كل نشاط يقوم به سواء اتخذ ذلك النشاط شكل الاستماع والقراءة، أو شكل الكلام والكتابة. ويهدف تعليم اللغة منذ بداية المرحلة الابتدائية إلى تمكين الطفل من أدوات المعرفة، وتزويده بالمهارات الأساسية في القراءة والكتابة، ومساعدته على اكتساب عاداتها الصحيحة.
ولذلك ينبغي أن يعمل منهج تعليم اللغة في المرحلة الابتدائية على أن يصل التلميذ في نهاية تلك المرحلة إلى مستوى لغوي يمكنه من الدراسة –بسهولة- في ميادين المعرفة المختلفة، كالمواد الاجتماعية، والعلوم، والرياضيات... إلخ وما لم تنجح
المدرسة في تمكين التلاميذ من السيطرة على المهارات الأساسية للغة في المرحلة الابتدائية، فإنها –بذلك- تكون قد فشلت –إلى حد كبير- في تحقيق وظيفتها الأساسية، وهي تمكين التلميذ من استخدام اللغة في التواصل، والدراسة، وتزويد نفسه بالمعارف والمعلومات باستمرار. ومن أهم الاعتبارات وراء تعليم اللغة القومية –كما يذكر في مناهج وزارة التربية والتعليم. أنها -أي اللغة- الأداة التي يستخدمها التلميذ في السيطرة على المواد الدراسية المختلفة، وبمقدار كفاءته اللغوية يكون اكتسابه لما تشتمل عليه تلك المواد من معلومات وحقائق وأفكار؛ ولذلك تحتل خطة اللغة العربية -من ناحية عدد الساعات المقررة لها - .( صدر الخطة الدراسية العامة( 1 والفرد قبل أن يستخدم اللغة المكتوبة في التحصيل والتعبير يعد أميا وزوال الأمية معناه أن يقدر على استعمال اللغة المكتوبة، وهذه الوسيلة الجديدة تفتح أمام المتعلم أبواب المعرفة وتدني إليه العلوم. والمدرسة هي التي تقوم –عادة - بتعليم الأطفال القراءة والكتابة، وهي –بذلك- تضيف إلى وسائل التعبير والتحصيل عند المبتدئ وسيلة جديدة، هي اللغة المكتوبة. ومما هو ملاحظ أن القدرة اللغوية تودي دورا مهما في تحصيل الفرد للمواد الدراسية الأخرى، كالدراسات الاجتماعية والعلوم الطبيعية والرياضيات؛ لأن هذه العلوم تعتمد –بصورة أو بأخرى- على المفردات والتراكيب اللغوية في بنائها، وألفة التلميذ بتلك المفردات والتراكيب تساعده على الفهم، ومن ثم على التحصيل وحل المسائل الرياضية. وقد تختلف الرياضيات عن غيرها من العلوم في أنها تستخدم كثيرا في المسائل الحسابية بعض الرموز الرياضية، لكن هذه الرموز توجد في سياق لغوي، زد على ذلك أن من الرموز الرياضية ما يستعاض عنها بكلمات تدل عليها، مثل: زاد ما مع محمد عما مع سمير بمبلغ 15 جنيها، فإذا كان ما مع محمد 45 جنيها، فما مقدار ما مع سمير؟ فالكلمة (زاد) تشير أو توحي للتلميذ بالرمز ( -) في هذه المسألة، وقد توحي في غير ذلك بالرمز (+)، والسياق اللغوي أو التركيب اللغوي للمسألة يحدد هذا الرمز أو ذاك. وما لم يستطع التلميذ أو ً لا فهم الكلمات التي تحتوي عليها المسألة وفهم التراكيب التي تتكون منها ثانيا، فمن المتعذر عليه –بعد ذلك- أن يحلل المسألة إلى عناصرها أو يحل مشكلاتها. ولقد ذكر بيتي( 1) وزميلاه أن فنون اللغة هي المحور الأساسي لبرنامج المدرسة الابتدائية –بصفة خاصة- إذ إن تلك الفنون تمثل قاعدة كل الأنشطة الجوهرية في حجرة الدراسة، كما أن الفنون اللغوية وسيلة للسيطرة على المواد المختلفة في المنهج، وعلى هذا فالتدريس الجيد لفنون اللغة حيوي للبرنامج المدرسي كله، كما أنه ضروري لتعلم كل طفل سواء داخل المدرسة أو خارجها. ولذلك تعد مهمة مدرس اللغة القومية في المدرسة الابتدائية مهمة صعبة؛ لأنه ينبغي عليه أن يعمل على تدريب تلاميذه على القراءة في مجالات المعرفة الأخرى في الدراسات الاجتماعية، وفي العلوم والرياضيات ... إلخ. ومن هنا يلزم تدريب معلم المرحلة الابتدائية –بصفة خاصة- على كيفية القيام بتلك المهمة في أثناء إعداده معلما في كليات التربية أو في مؤسسات إعداد المعلمين. كذلك ينبغي أن يساعد معلمو المواد الأخرى معلمي اللغة العربية في القيام بالمهمة التي أشرنا إليها، وتتجلى المساعدة في المحافظة على الصحة اللغوية في التراكيب التي يستخدمها التلاميذ، وتوجيه هؤلاء إلى المشكلات اللغوية المختلفة التي تواجههم. وقد أشار مؤتمر الخبراء المختصين في اللغة العربية الذي عقد في عام 1974 م إلى أن من أخطر مشكلات تعليم اللغة العربية في الوطن العربي عدم التزام مدرسي المواد الأخرى غير اللغة العربية بالتحدث باللغة العربية الفصحى، وعدم تشجيع .( تلاميذهم على الحديث بها( 2 وقد درس الخبراء هذا الموضوع، وبحثوا أسبابه واستعرضوا المحاولات التي بذلت لمعالجته، وانتهوا إلى ما يلي:
1 - تخصص ساعات محددة لدراسة اللغة العربية في الكليات الإنسانية وفق برنامج مخطط.
2 - يتوقف نجاح الطالب في دراسته الجامعية على اجتيازه امتحاًنا خاصا في .( هذه اللغة( 1 15 سنة) قد تكون منتهية بالنسبة لعدد من التلاميذ، - ومرحلة التعليم الأساسي ( 6 وهم لذلك بحاجة إلى السيطرة على فنون اللغة الأربعة حتى يستطيعوا التعامل مع مجتمعهم بكفاءة، ومن ثم يمكنهم تحقيق أكبر قدر ممكن من التنمية الذاتية، وإذا لم تكن هذه المرحلة منتهية بالنسبة للباقين، فإن العناية باللغة تصبح في غاية الأهمية؛ لأنها أساس المراحل التعليمية اللاحقة، وعلى قدر نجاح التلميذ في هذه المرحلة يتوقف نجاحه في المراحل التالية، هذا علاوة على أن اللغة –وإن كانت غاية في حد ذاتها- إلا أنها وسيلة مهمة للدراسة، وبدونها لا يمكن للتلميذ أن يحقق تقدما في أية مرحلة تعليمية. وهناك علاقة إيجابية بين القدرة اللغوية والتحصيل الدراسي، ومن أجل ذلك يخصص لتعليم اللغة العربية في المرحلة الابتدائية ما بين 21 % إلى 35 % من الوقت الكلي للدراسة، وما بين 20 % إلى 22 % من الوقت الكلي للدراسة في المرحلة .( الإعدادية( 2
ومن أهم الاتجاهات الحديثة في تعليم اللغات القومية ترابط منهج اللغة مع مناهج المواد الدراسية الأخرى. وإذا كان الاتجاه في ربط فروع اللغة العربية في وحدة متكاملة يؤدي إلى النمو المتكامل للوظائف اللغوية عند التلميذ، فإن الاتجاه إلى ربط منهج اللغة بمناهج المواد الأخرى يؤدي إلى التكامل المعرفي عنده، كما يؤدي إلى إحداث نوع من الانسجام بين نوع المفردات وكميتها، ونوع التراكيب المقدمة في كتب اللغة وكتب المواد الأخرى. والعلاقة وثيقة بين اللغة والعلوم الأخرى؛ لأن اللغة هي الوسيلة الأساسية في تحصيل هذه العلوم والسيطرة عليها، وما لم تنم القدرة اللغوية للتلميذ نموا مطردا، فإن قدرته على تحصيل المواد المقدمة له سوف تضعف سنة بعد أخرى، فالعلاقة –إذن - إيجابية بين القدرة اللغوية ومستوى التحصيل في المواد الدراسية. ومن أهم وظائف وأهداف تعليم اللغة، وبصفة خاصة القراءة، سيطرة التلميذ على المهارات الأساسية للدراسة مثل: جمع المعلومات، وتحديدها، والتلخيص، والإجابة عن مشكلات مما يقرأ، ومهارة كتابة المذكرات، ومهارة التفحص، وكذا ينبغي أن يتسع برنامج تعليم اللغة لمثل تلك المهارات في دراسة المواد المختلفة المقدمة في المدرسة. والعزلة بين اللغة العربية والمواد الدراسية الأخرى أدت إلى وجود فجوة كبيرة بين هذه المواد ووسيلتها الأساسية وهي اللغة، كما أدت –في الوقت ذاته- إلى التفاوت الواضح في نوع المفردات والتراكيب المقدمة في المواد الدراسية، واللغة العربية، فمؤلف كتاب الرياضيات مثلا، أو كتاب العلوم، أو كتاب المواد الاجتماعية لا يمكنه أن يجيب عن السؤال التالي: ما المعايير التي تقف وراء استخدامك للمفردات أو التراكيب المقدمة فيما كتبت؟ ولذلك ينبغي أن يكون المستوى اللغوي لكتب اللغة العربية معروًفا لدى مؤلفي كتب المواد الأخرى، كذلك لابد أن يكون مؤلفو كتب اللغة العربية على دراية تامة بالمفردات .( والتراكيب المستخدمة في كتب المواد الأخرى( 1 مادة التاريخ، وأظهرت نتائج Readability وقد أجريت دراسة( 2) حول انقرائية تلك الدراسة فيما يتعلق بتلاميذ الصف السادس الابتدائي ما يلي: 1 - أن المادة صعبة جدا بالنسبة ل 89 % من العدد الكلي لأفراد العينة، وهي –بالطبع- نسبة عالية.
2 - وأن المادة سهلة أو مناسبة بالنسبة ل 11 % من العدد الكلي لأفراد العينة. وعلى هذا، فمعظم أفراد العينة يتعذر عليهم استخدام الكتاب المقرر، ونسبة ضئيلة من أفراد العينة تستطيع أن تقرأ الكتاب دون عنت أو مشقة. كذلك الحال بالنسبة لكتب التاريخ في الصف الأول الإعدادي والثاني الإعدادي. وقد قام المفتي( 3) بدراسة تهدف إلى معرفة أثر مستوى فهم التلاميذ بالصف السادس من المرحلة الأولى لمعاني مفردات اللغة على أدائهم في حل المسائل اللفظية، كما تهدف إلى معرفة أثر مستوى أداء هؤلاء التلاميذ في العمليات الحسابية الأربعة على أدائهم في حل المسائل اللفظية. وقد انتهت الدراسة إلى مجموعة من النتائج تؤكد العلاقة بين الفهم الجيد للغة ودرجات التلاميذ المرتفعة في المسائل اللفظية.
وقد ذكر فيما يتعلق بنتائج تلك الدراسة ما يلي:
1 - أظهرت مجموعة التلاميذ ذوي الفهم المرتفع للغة ومعاني مفرداتها أداء أفضل في المسائل اللفظية من مجموعة التلاميذ ذوي الذكاء المنخفض.
2 - أظهرت مجموعة التلاميذ ذوي الأداء المرتفع في العمليات الحسابية أداء أفضل في المسائل اللفظية، من مجموعة التلاميذ ذوي الأداء المنخفض.
وتدل هذه النتائج على أن فهم اللغة العربية، ومعاني مفرداتها يساعد على فهم المسائل الحسابية التي تعتمد في صياغتها على اللغة ومفرداتها. وقد ظهرت عدة دراسات تتعلق بانقرائية معظم المواد الدراسية منذ بداية في مجالات محددة لقياس انقرائية Formulas الخمسينيات، فوجدت معادلات الاختبارات المقننة، وانقرائية الصحف، والكتب المتخصصة ... إلخ. وقد استخدم في تقدير انقرائية المواد المختلفة عدة وسائل، منها: المعادلات، ( وآراء الخبراء وآراء المعلمين، وآراء الدارسين والجمهور، واختبارات التكملة( 1 The " في كتابه الشامل "قياس الانقرائية Klare " وقد ذكر "كلير ،Colze Test أن البحوث التي أجريت في مجال الانقرائية Measurement of Readability تنوعت تنوعا واضحا، وتناولت مجالات كثيرة بدءا من كتب الصغار إلى الجرائد والمجلات التي يقرؤها الكبار، ومن المواد المقررة العامة إلى المواد العلمية المتخصصة. وهناك دراسات في انقرائية المواد الاجتماعية والمواد العلمية والمواد الرياضية، .( والمواد الصحية، ودوائر معارف الصغار .. إلخ( 2
وقد لخص من هذه الدراسات 479 دراسة بدءا من عمل "ليفلي" و"بريسي" عام 1921 إلى الدراسات المتنوعة التي ظهرت في الخمسينيات Lively, Pressy والستينيات. (1) Klare, George, The Measurement of Readability,
وكان إحصاء "كلير" لتلك الدراسات مشفوعا بالحديث عن نتائجها والأدوات المستخدمة فيها.وقد أشار في أثناء عمله هذا إلى أن هناك عدة عوامل مهمة تؤثر في انقرائية المواد أيا كان نوعها، ومن أهم هذه العوامل: عدد الكلمات المختلفة، وطول الكلمات، وتجريدها، وطول الجملة، وعلاقة مكوناتها بعضها ببعض، وعدد حروف الجر، والمتعلقات والضمائر... إلخ، يضاف إلى ذلك ميول القارئ واستعداده وذكاؤه. وقد قام المؤلف بدراسة( 1) تدور حول علاقة الكفاءة في اللغة العربية بالتحصيل في المواد الدراسية المختلفة، وكان من أهم نتائج الدراسة وتوصياتها ما يلي: 1 - هناك علاقة إيجابية بين الكفاءة في اللغة العربية والتحصيل في الرياضيات والعلوم والتاريخ. وتفسير هذه العلاقة يكمن في أن هناك عام ً لا مشتركا بين تلك المواد كلها، وهذا العامل المشترك (العامل اللغوي) يؤثر بصورة فعالة في دراسة تلك المواد وفي تحصيلها. والعامل اللغوي ليس عام ً لا واحدا، وإنما هو عامل مركب أو عنصر مركب يتكون من المفردات، والتراكيب، والدلالة أو المعنى. وقد أشار إلى هذا العامل كثير من الدراسات السابقة التي ذكرها كلير في كتابه "قياس الانقرائية" المشار إليه.
2 - العلاقة بين الكفاءة في اللغة العربية والتحصيل في المواد الدراسية الرياضيات والعلوم والتاريخ يختلف من مادة دراسية إلى مادة دراسية أخرى، فبينما يبلغ متوسط هذه العلاقة 70 % بين اللغة العربية والمواد الاجتماعية، يبلغ 52 % في العلوم، و 42 % في الرياضيات. وتفسير اختلاف هذه العلاقة يكمن في أن العامل اللغوي (المفردات، والتراكيب، والدلالة) يختلف مدى ظهوره من مادة دراسية إلى مادة دراسية أخرى، فبينما يعتمد التاريخ على اللغة أساسا، علاوة على بعض المصطلحات القليلة أو المواقع، تعتمد العلوم على اللغة -إلى حد كبير - وعلى المصطلحات العلمية التي قد يواجهها التلميذ لأول مرة في حياته، ومن هنا تسبب له بعض الصعوبات في فهم وتحصيل ما يقدم إليه. أما الرياضيات فهي وإن كان للغة دور مهم في تحصيلها إلا أن هناك بعض العوامل الأخرى التي تسهم في تحصيل الرياضيات مثل فهم الرموز ومدلولاتها، وتوافر القدرات العقلية الخاصة، مثل القدرة الاستنتاجية، والقدرة العددية، والقدرة المكانية ، من القدرات الخاصة بالرياضيات. وقد ذكر أبو العباس( 1) عددا من العوامل التي تسهم في نجاح التلميذ في حل المسائل اللفظية، ومن أهم هذه العوامل:
- قدرة التلاميذ على التعامل مع الأعداد. - المهارة في إجراء العمليات الحسابية الأربعة.
- قدرة التلاميذ على قراءة اللغة وفهم مفرداتها.
3 - العلاقة بين الكفاءة في اللغة العربية، والتحصيل في المواد الدراسية المختلفة تختلف من مدرسة إلى أخرى.
ويمكن تفسير ذلك بأن مكونات الموقف التعليمي تختلف من مكان لآخر، كما أن تلك المكونات ومدى فعاليتها تؤثر في مستوى تحصيل التلاميذ. ويتكون الموقف التعليمي من عدة عناصر، وهي: المدرس، والتلميذ، والبيئة المدرسية، والتسهيلات المتاحة، والكتب، والوسائل، ومستوى التلاميذ الاجتماعي، كل هذه العناصر تلعب دورا واضحا في اختلاف نتائج الموقف التعليمي، وذلك بحسب فعالية تلك العناصر، وعلاقتها بعضها ببعض. وبما أن التسهيلات والمواد التعليمية والوسائل في المدارس المصرية لا تختلف من مكان إلى آخر –غالبا- فإن العوامل أو العناصر الأكثر حسما في اختلاف الموقف التعليمي ونتائجه في المدرسة المصرية يمكن أن ترجع إما:
- إلى مستوى المدرس التخصصي والمهني. - أو إلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي للتلاميذ. - أو إلى القدرات العقلية.
والخلاصة: 1 - أن هناك علاقة إيجابية بين الكفاءة في اللغة العربية، والتحصيل في المواد الدراسية الأخرى.
2 - وأن هذه العلاقة تختلف من مادة إلى مادة أخرى. 3 - وأن هذه العلاقة تختلف من مدرسة إلى مدرسة أخرى.
وقد أوصت الدراسة بما يلي:
1 - لما للغة العربية من صلة بالتحصيل في المواد الدراسية الأخرى، ينبغي الاهتمام بما يقدم في هذه المواد من لغة، مفردات وتراكيب، وينبغي الاهتمام بضبط تلك اللغة ضبطا علميا، بحيث تعتمد على اللغة الشائعة في قاموس الطفل، وتقدم بين الحين والآخر المفردات الجديدة، بحيث تكرر تكرارا معقولا حتى يسيطر عليها التلميذ.
2 - ولما للغة العربية من صلة بالتحصيل في المواد الدراسية الأخرى ينبغي على معلمي اللغة العربية الاهتمام بتمكين التلاميذ من مهارات الدراسة في المواد الدراسية المختلفة، كما ينبغي على معلمي المواد الدراسية المختلفة أن يهتموا بلغة تلاميذهم، وأن يساعدوهم على تحصيلها وإتقانها.
3 - ينبغي أن يكون هناك تخطيط مشترك بين مدرسي اللغة العربية ومدرسي المواد الدراسية الأخرى؛ حتى يحققوا أكبر قدر ممكن من التعاون فيما بينهم، وحتى يخططوا للتعاون المشترك بينهم.
ثالًثا- ظاهرة الإعراب في اللغة العربية.
تعتبر الجملة أساس البنية اللغوية ذات المعنى العام في اللغة العربية، والجملة في اللغة العربية لم تنل حظها من الدراسة من وجهة النظر التربوية، وعلى العكس من ذلك أخذت الجملة حظها الوافرة من الدراسة في دروس القواعد العربية، لكنها –للأسف- حتى في القواعد لم يشر إلى مدى السهولة والصعوبة لبعض الجمل حين يكتبها الفرد في رسالة أو تقرير. ليست هناك في اللغة العربية دراسة تبين صعوبة الجملة أو سهولتها، ولا مدى الصعوبة أو السهولة في سن معينة. ولذلك ليس هناك دليل واضح أمام المؤلفين، مؤلفي الكتب المدرسية لاستخدام هذه الجملة أو تلك. ومن هنا يعتمد كل مؤلف على خبراته الشخصية وعلى إحساسه العام بسهولة الجملة أو صعوبتها. لقد اكتفى النحاة بدراسة الجملة من حيث الإعراب، وعكف البلاغيون على دراسة موقعية الجملة، وقد بدأ ذلك عبد القاهر الجرجاني في نظرية "النظم" عنده، وكان ينبغي أن ينمي هذا الاتجاه الأخير، وهو تحديد موقعية الجملة، وأهمية هذا التحديد في "المعنى" وفي مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وإذا أردنا أن نقرب النحو من تلاميذنا فعلينا أن نربطه بالاستخدام الفعلي للغة، وبيان موقع الجمل والأساليب المختلفة في السياق اللغوي. وهناك عدد من المؤشرات يمكن أن تستخدم في الحكم على سهولة الجملة وصعوبتها، ومن هذه المؤشرات:
1 - قصر الجملة، فالجملة القصيرة أسهل في فهمها من الجملة الطويلة المعبرة عن نفس المعنى، وذلك لسهولة الربط بين مكونات الجملة. أي مرتبطا بأشياء Perception 2 - حسية الفكرة، أي أن المعنى إذا كان مدركا حسية سهلة الفهم، ولذلك إذا صعبت فكرة من الأفكار، أو كان من الصعب إيصالها، جسدت في صورة حسية.. فعلى سبيل المثال لكي يقرب المولى سبحانه وتعالى صورته لدى عباده، قال –عز من قائل-: (اللَّه ُنور السموات والأَرض مَثلُ ُنوره َ كمشْكاة في ها مصباح الْ مصباح في زجاجة الزجاجُة َ كأَنَّ ها َ كو َ كبدر ي يوَقد من َ شجرة مباركة زيتو لا
3 - التقديم والتأخير، أي أن تقديم الخبر على المبتدأ مثلا يؤثر في المعنى من حيث صعوبة فهمه؛ لأنه من المعتاد أن ينتقل الذهن من الموضوع إلى المحمول أو من المبتدأ إلى الخبر، أما أن يحدث العكس فهذا يؤثر في قدرة الفرد على الفهم تأثيرا سلبيا، ويحتاج فهم هذه الأساليب إلى قدرة لغوية أعلى من القدرة العادية، ولذلك يفضل في البداية، بداية تعليم اللغة أن تقدم
الجمل بصورتها الطبيعة دون تقديم أو تأخير.
4 - الحقيقة والمجاز، فالجمل التي فيها مجاز، أو استعارة أو كناية أسهل في الفهم من الجمل المجازية أو التي فيها استعارة أو كناية؛ لأن فهم المعنى في هذه الجمل الأخيرة يتطلب انتقالا من المجاز إلى الحقيقة، ومن المشبه به إلى المشبه، فجملة "نام فلان قلًقا" أسهل من جملة "نام فلان على الشوك" حيث إن الجملة الثانية تتطلب عمليات عقلية أكثر.
5 - قلة الضمائر وكثرتها، حيث إن كثرة الضمائر في الجملة الواحدة تحدث نوعا من الحيرة والاضطراب في فهم المعنى، كذلك فإن كثرة المتعلقات تزيد صعوبة الجمل، وتؤدي إلى الغرابة.
6 - البعد بين مكونات الجملة، أي الفصل بين الفعل والفاعل، أو بين المبتدأ والخبر بفواصل، أو جمل اعتراضية، حيث يصعب على الفرد عادة الجمع بين الأشياء المتباعدة، ما لم تكن هناك قدرات لغوية عالية، ولذلك يفضل في مراحل التعليم الأولى، ألا يفصل بين الفعل والفاعل ولا بين المبتدأ والخبر بفاصل من نوع ما، وعموما، تحتاج الجملة في اللغة العربية إلى دراسة
علمية تبين عوامل السهولة والصعوبة فيها، وتبين مستويات السهولة والصعوبة والمراحل العمرية المناسبة لكل مستوى من المستويات. وقد اخترنا في هذا الكتاب مجموعة من المسائل النحوية المفيدة أساسا في تركيب الجملة العربية، هي:
أو ً لا- الجملة الفعلية بمكوناتها. والمعروف أن الجملة الفعلية تتكون من فعل وفاعل، أو فعل ونائب فاعل، وهي تعبر عن حدث ماض، أو حاضر، أو مستقبل، والفعل في الجملة الفعلية تدخل عليه أدوات تنفي الحدث إما في الماضي، وأما في الحاضر، أو المستقبل، مثل لم، ولما، ولن، وتدخل عليه أدوات أخرى لتفيد التعليل، مثل: لام التعليل وكي ... إلخ.
- كذلك تدخل الجملة الفعلية أدوات تفيد الاستفهام مثل الهمزة، و"هل" و"من" و"ما" ... إلخ.
وهي نفسها الأدوات التي تدخل علي الجملة الاسمية.
- وهناك أدوات للربط بين أكثر من جملة فعلية، وهي أدوات الشرط الجازمة مثل:
من- ما- حيثما- أينما- متى- إن- أنى ... إلخ.
وأدوات الشرط غير الجازمة، مثل: كلما –إذا - لو- لولا...
ولكل أداة من هذه الأدوات معنى خاص حين تربط بين جملتين فعليتين.
- وتدخل على الجملة الفعلية أداة تفيد النهي، مثل: لا تسرع، وأداة أخرى تفيد الأمر، وهي لام الأمر: لتلعب...
- وتدخل على الجملة الفعلية أداة أخرى تفيد التكثير، أو التقليل، أو الاحتمال، وهي "قد".
مثال: قد تمطر السماء في الشتاء (التكثير). قد تمطر السماء في الصيف (التقليل والاحتمال).
- وتدخل على الفعل المضارع أداتان تفيدان الاستقبال، وهما السين وسوف. - مثال: ستلعب غ دا، أو سوف تلعب غ دا.
ثانيا- الجملة الاسمية.
تتكون الجملة الاسمية في اللغة العربية عادة من جزئين أساسيين، هما المبتدأ والخبر، والمبتدأ هو الموضوع أو الشيء الذي يود المتكلم أو الكاتب أن يخبر عنه، فالخبر –إذن- هو ما يتم المعنى، أو ما يفيد الإخبار ولذلك ليس من اللازم في تركيب
الجملة الاسمية في اللغة العربية أن يلي الخبر مباشرة المبتدأ. مثال: الرجل الذي زارني أمس صديق.
فالمبتدأ (الرجل) وصف أو ً لا بأنه زار المتكلم أمس، ولو توقفنا عند أمس فقلنا (الرجل الذي زراني أمس ...) لا تعتبر هذه جملة تامة، إنما هي عبارة ليس لها معنى تام، ولا يتم المعنى إلا بأن نقول (صديق)، فكلمة صديق في هذه الحال هي الخبر، لأن
المعنى قد تم بها، ومن هنا حين نطلب من أحد أن يحدد الخبر في جملة اسمية عليه أو ً لا أن يحدد الموضوع المتحدث عنه، وعليه ثانيا أن يحدد الخبر الذي يتم به المعنى، ومن ثم يعرف النحويون الجملة بأنها مجموعة من الكلمات المفيدة التي يحسن السكوت عليها. ولا يرتبط الحدث أو الزمان بالجملة الاسمية إلا إذا كان الخبر جملة فعلية مثل:
"الزرع ينمو بالماء" فهذه الجملة الاسمية تدل على أن الزرع ينمو عادة حين توجد المياه، فالفعل المضارع هنا هو الخبر وهو يدل على الزمان الحاضر، كما يدل على الاستمرار، أي أنه كلما وجد الماء، وجد الزرع. كذلك فإن الجملة الاسمية تحتمل حدًثا أو زمًنا معيًنا في حالة فعل من (أخوات كان) أو فعل من أخوات (كاد) أو فعل من أخوات (ظن) على الجملة الاسمية.
حاول أن ترجع إلى كتاب في قواعد اللغة العربية لتستوفي جميع أخوات "كان" وجميع أخوات "كاد" وجميع أخوات "ظن".
-1 من أخوات "كان" أصبح- أمسى- بات- مازال- ما فتيء- ما برح ... ليس.
-2 ثم أخوات "كاد" قرب - أوشك - أخذ- طفق.
-3 من أخوات "ظن" حسب - رغم- علم - رأى.
أمثلة لما سبق ذكره:
"كان" وأخواتها. الجو هادئ. كان الجو هادئًا. ماذا أحدث الفعل "كان" في الجملة؟ المبتدأ: الجو. الخبر: هادئ.
كان الجو هادئًا.
أحدث الفعل "كان" بخبر الجملة الاسمية تغييرا لضبط آخر الكلمة فبعد أن كانت الكلمة مرفوعة بالضمة أصبحت منصوبة بالفتحة، وهكذا تفعل جميع أخوات الفعل "كان" لكن لكل من الأفعال معنى خاص؛ فكان للماضي، وأصبح للدخول في الصباح، وأمسى للدخول في المساء... وهكذا.
كاد وأخواتها: القطار يصل. كاد القطار يصل. أو كاد القطار يصل. ماذا فعلت "كاد" بالجملة الاسمية؟ القطار المبتدأ. يصل الخبر. لم تفعل "كاد" بالجملة الاسمية شيئًا فيما يتعلق بالإعراب، إنما الذي أحدثته "كاد" في الجملة هو أن أدخلت نو عا من التعديل على الحدث، فالجملة (القطار يصل) تدل على أن القطار في حالة وصول، أما إذا قلنا أن القطار كاد يصل أو أن يصل، فإن المعنى أن القطار لم يصل لكنه قرب أن يصل، أو ليس هناك وقت طويل حتى يصل.
ظن وأخواتها: - أفعال اليقين: علم- رأى- وجد- ألفى- درى.
- أفعال الرجحان: ظن- زعم- حسب- عد.
- أفعال التحويل: جعل- اتخذ- ترك- رد.
تحدث كل هذه الأفعال في الجملة الاسمية تغييرين مهمين:
1 - التغيير الأول في المعنى؛ حيث إن الجملة الاسمية وحدها تدل على معنى قائم مستقر مثل: القطار قادم، لكن في بعض الحالات لا يتأكد المتحدث من هذا المعنى، فيقول: ظننت القطار قاد ما، أو زعمت القطار قاد ما.
2 - أما التغيير الثاني فهو تغيير في ضبط ركني الجملة الاسمية، إذ تنصب هذه الأفعال جميعها التي أشرنا إليها جزئي الجملة الاسمية (المبتدأ والخبر) فالجملة (القطار قادم) رفع ركناها؛ المبتدأ والخبر لكن بعد إدخال الفعل (ظن) نقول: ظننت القطار قاد ما نصب المبتدأ على أنه مفعول به أول، ونصب الخبر على أنه مفعول به ثان، وهكذا في بقية الأفعال.
المهم أن نختار من بين هذه الأفعال ما يدل على المعنى المقصود سواء أكان ظنا، أو يقيًنا أو تحو ً لا وتغيرا.
- كما يدخل على الجملة الاسمية بعض الأدوات التي تضيف إلى معنى الخبر للجملة الاسمية معاني أخرى وظلا ً لا جانبية.
إن وأخواتها:
- إن، أن للتوكيد. - لكن للاستدراك. - لعل للترجي. - ليت للتمني.
مثال: الهواء عليل. هذه جملة خبرية عادية، فإذا وضعنا قبل هذه الجملة "إن" أو "أن" أصبح المعنى مؤكدا وكأننا نقول: بالتأكيد الهواء عليل. هذا ما أضافته الأداة (إن). وهناك تغيير آخر تحدثه الأداة (إن) وأخواتها هو أنها تنصب الجزء الأول من
الجملة الاسمية (المبتدأ) ويبقى الجزء الثاني (الخبر) مرفوعا كما هو. - أما (لكن) فتدل على الاستدراك، الذي يعني التنبيه على معنى آخر قد يظن للوهلة الأولى أنه يناقض المعنى السابق في الجملة الأولى. مثال:
الجو رائع لكنه غير بهيج، فمفهوم الجو الرائع يستلزم البهجة لكن شخصا ما قد لا يحس بهذه الروعة لسبب أو لآخر.
- لعل: تدل على احتمال وقوع الأمر، مثل لعل الله يرزقنا. - ليت: تدل على استحالة وقوع الأمر. مثال: ليت الشباب يعود يوما.
لا النافية للجنس:
كذلك تدخل (لا) النافية على الجملة الاسمية التي تبدأ بالنكرة، ولأنها تبدأ بالنكرة لا يجوز أن يعتمد على الاسم وحده ليكون مبتدأ، ولذا تسبق هذا الاسم (لا) ليجوز الابتداء بالنكرة. مثال: "رجل في الدار، هذه عبارة وليست جملة لأنها لا تؤدي معًنى كام ً لا، ولذلك في حالة نفي هذا المعنى، نقول: لا رجل في الدار، وتلزم "رجل" الفتح دائما.
أدوات الاستفهام:
وتدخل على الجملة الفعلية والجملة الاسمية أيضا، وتسبقها أدوات الاستفهام، وهي تحويل الجملة من جملة خبرية تحتمل الصدق والكذب، إلى جملة إنشائية لا يمكن أن نقول عنها أنها صادقة أو كاذبة، من هذه الأدوات الهمزة، وهل،... إلخ، وأداة الاستفهام (من) إذا استخدمت تصبح جزءا من الجملة الاسمية، أو أحد ركنيها.
الأساليب:
هناك عدة أساليب لا تدخل في التقسيم السابق للجملة العربية (الجملة الاسمية، الجملة الفعلية) وهي:
1 - أسلوب المدح والذم. 2 - أسلوب الاختصاص. 3 - أسلوب الإغراء والتحذير.
4 - اسم الفعل الماضي والمضارع والأمر. 5 - أسلوب النداء.
- والذي يجمع هذه الحالات كلها تحت عنوان الأساليب أنها ذات صفة مشتركة، وهي أن الجملة لا يكتمل ركناها في هذه الأساليب. ففي أسلوب المدح والذم بنعم وبئس وحبذا ولا حبذا يترابط معنى الأسلوب أساسا
بالمدح أو الذم لشخص ما، أو لأمر ما دون الربط بزمان معين والأفعال (نعم، بئس، حبذا، ولا حبذا) لا تنصرف، أي يأتي منها المضارع والأمر، فالأفعال هنا تصف – فقط- وليس واضحا فيها (الفاعلية) ولذلك لا يعتبر مثل هذا الأسلوب (نعم الرجل) جملة
فعلية بالمعنى المعروف للجملة الفعلية في اللغة العربية. وأسلوب الاختصاص على الرغم من أن النحاة يعربونه على أنه جملة فعلية، إلا أن الواقع أنه ليس جملة فعلية ولا تنطبق عليه ما تتسم به الجملة من مظاهر.
مثلا: "نحن العرب في حالة إلى يقظة" فالعرب هنا منصوبة على الاختصاص بفعل محذوف تقديره أخص (هكذا يقول النحاة) أما النظرة الوصفية للعبارة، فنقول إن كل (العرب) منصوبة على أنها اسم مختص بالحدث أو بالصفة ولا علاقة له بالجملة
التي هو فيها، فالجملة أساسا (نحن في حاجة إلى يقظة) والعرب أتت –فقط - لتحدد من (نحن). أما أسلوب الإغراء والتحذير فهو أسلوب يقصد به الحث على الإقبال على شيء ما، أو الحث على البعد عنه ففي الحالة الأولى نقول: "الجد" أي الزم الجد، وفي الحالة الثانية نقول: النار أي احذر الدار، وكما هو واضح، فإن هذا الأسلوب يدل على معنى قائم بذاته، لكن لم تكتمل فيه من حيث اللفظ أركان الجملة الفعلية، وهما: الفعل والفاعل؛ ولا يوجد من الجملة إلا المتعلق وهو المفعول به.
أما اسم الفعل الماضي والمضارع والأمر:
فهو كلمات عربية تدل على معنى مرتبط بزمن ماض أو حال، أو تدل على أمر.
مثال: هيهات بمعنى بعد (اسم فعل ماض). أف بمعنى أتضجر (اسم فعل مضارع).
صه بمعنى اسكت (اسم فعل أمر).
وعدد هذه الأفعال في اللغة العربية قليل، وهي لا تنصرف، أي أن الماضي لا يأتي منه مضارع أو أمر، كذلك المضارع لا يأتي منه ماض أو أمر .. إلخ. وهذه الأفعال لا تأخذ شكل الجملة الفعلية المعروفة في اللغة العربية، تلك التي تتكون من فعل وفاعل أو من فعل وفاعل ومتعلق ...
وأخيرا يأتي أسلوب النداء، يا محمد، أمحمد ... أيا محمد ... وكما هو واضح إن هذا الأسلوب (النداء) لا تكتمل فيه أركان أي نوع من الجملتين، الاسمية أو الفعلية، لذا يعد هذا الأسلوب شيئًا مستق ً لا لا ينتمي للجملة الاسمية أو الفعلية، وله بعض المبادئ المرتبطة بضبط آخره (ارجع إلى أي من كتب النحو لتعرف أحوال إعراب المنادي). وبصفة عامة ينصب آخر المنادى إذا كان مضاًفا... يا عبد الله. يا طالب الجامعة ... إلخ ويبني على الضم إذا كان علما مثل: يا محمد.
أدوات الربط بين الجمل والعلاقة التي تفيدها كل أداة
file:///F:/DOCUME%7E1/ph/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image008.gif
رابعا - علم الصرف واستخدام المعجم:
1 - قد تسأل أولا: ماذا نعني بالمعجم؟
ونقول: المعجم مرجع لغو ي يشتملُ على عدد كبير من المفردات يهتم فيها بأمور أربعة:
أ- فهو يهتم أولا –وبصفة أساسية- بتقديم معاني لتلك المفردات، وإن تعددت هذه المعاني.
ب- ويهتم ثانيا بهجاء الكلمات، وصحة رسمها الكتابي.
ج- ويهتم ثالًثا بضبط الكلمات أولا و وسطا. د- ويهتم رابعا باشتقاق المفردات وتصريفها.
وكلُّ لغة حية –مقروءة مكتوبة- لها أكثر من معجٍم يتناولُ مفرداتها شرحا وتوضيحا وهجاء، وما إلى ذلك، وإن اختلفت هذه المعاجم باختلاف كلِّ لغة. وقد بدأ اهتمام العرب بالمعاجم في لغتنا العربية من القرن الثاني الهجري –الثامن الميلادي - حي ُ ث بدأ الخليل بن أحمد الفراهيدي –أحد العباقرة العرب- بوضع أول معجم عربي سماه "العين" وكان فاتح َ ة المعاجم العربية، وقد اعتمد في ترتيب الكلمات فيه على الأصوات التي تبدأً بها الكلمات. وفي رأي الخليل بن أحمد أن أقصى صوت يخرج من الحلق هو صوت "العين" لذلك سمى معجمه "العين" باعتبار أن صوت "العين" هو أقصى صوت يخرج من الحلق.
وتوالت بعد ذلك المعاجم العربية، مثل: (الصحاح)، و(أسا س البلاغة)، و(لسان العرب)، و(القاموس المحيط)، و(تاج العروس)، و(مختار الصحاح)، و(المصباح المنير).وفي العصر الحديث، ظهرت عدُة معاجم مقتبسة من المعاجم القديمة، ومضاًفا إليها بعض المصطلحات العلمية وغيرها، فظهر (المنجد) و(المعجم الوسيط) و(المعجم الوجيز).وتؤكد الدراسات اللغوية المقارنة أن المعاجم الأجنبية في البداية قد تأثرت بالمعاجم العربية، وسارت في الطريق نفسه الذي سارت فيه المعاجم العربية القديمة.
-2 كيف تستخدم المعاجم العربية؟
في قراءتك لكتاب أدبي أو علمي أو تاريخي أو غير ذلك، أو في قراءتك صحيفة يومية أو مجل ً ة أسبوعية، أو نحوها، وفي استماعك للإذاعة، أو لمتحد ث في محاضرة أو مناقش، وفي أثناء مشاهدتك التلفاز، قد تواجه كلمة لا تعرف معناها، أو تريد أن تتأكد من نطقها، أو تريد أن تعرف هجاءها، وفي هذه الحال عليك أن تستخدم المعجم، وأن تقوم بنفسك بالبحث عما تريد، سواء كان معنى الكلمة، أو شكلها، أم هجاءها ... إلخ.
والدراسة الذاتية، والجهد الذي تبذله أنت نفسك في اكتساب المعرفة التي تريد، من أفضل السبل للتعلُّم، ولبقاء ما تتعلمه، وعدم تعرضه للنسيان السريع، وعليك أن تحرص على اقتناء أحد المعاجم العربية الحديثة، وأحد المعاجم العربية القديمة. استشر معلمك في ذلك. ولكي تستخدم "المعجم" أي معجٍم –قدي ما كان أو حديًثا- عليك ما يلي:
أو ً لا- أن ترجع بالكلمة التي تريد الكشف عنها إلى جذورها، أي إلى حروفها الأصلية، وأن تعيد الحروف المحذوفة من الكلمة، وترد الألف اللينة إلى أصلها.
ثانيا- أن تحد د طريقة المعجم في الكشف عن المعاني وغيرها، وتطبق ذلك على الكلمة التي تود أن تبح َ ث عن معناها.
والآن: تعال معنا نتناول هذين الأمرين:
أو ًلا- الرجوع بالكلمة إلى جذورها، أي إلى حروفها الأصلية، وإعادُة الحروف المحذوفة، ورد الألف اللينة إلى أصلها:
1 - تذكر البحوث العلمي ُ ة، أن معظم الجذور اللغوية للكلمة في اللغة العربية ثلاثية
–أي: تتكون من ثلاثة حروف مثل: نصر، دخل، وقليلٌ منها رباعية، أي تتكون من أربعة حروف، مثل شقشق، عسعس، زلزل، وسوس، طمأن، دحرج. والأقلُّ من ذلك تلك الكلمات التي تتكون من خمسة حروف مثل: "سفرجل" نوع من الثمار، أو ستة
حروف مثل: "خندريس" من أسماء الخمر.
فالجذر (ن ص ر) أي الكلمة "نصر" هو الأصلُ، واستخدامه في جملة مثل: نصر فلان أخاه، يدلُّ على معنى المساعدة من جانب لجان ٍ بآخر، أو من فرد لفرد آخر. وإذا قلنا "ناصر" تغير المعنى بزيادة الألف بعد النون، وصار يعني أن َنصر أحد الفريقين الآخر تكرر أكثر من مرة، أو أن فردا آخر، وهذا يساعد الأول وهكذا. وإذا قلنا "انتصر" تغير المعنى أيضا بزيادة الهمزة في الأول والتاء في الوسط، صار يعني أ ن فريًقا ما انَْتصر بمجهود بذَله. وإذا قلنا "تناصر" تغير المعنى كذلك بزيادة التا والألف وصار المعنى أ ن مناصرَة كل طرف للآخر متبادلةٌ، بمعنى أن كل واحد منهما ناصر الآخر وآزره.
وإذا قلنا "استنصر" تغير المعنى أيضا، وصار يعني أن فريًقا طلب النَّصر من جهة ما، أو طلب المساعدَة.
مما سب َ ق نرى أن الأصلَ "ن - ص- ر" أُخذ منها: ناصر- انتصر- تناصر- استنصر، أي زيد على الأصل الثلاثي حرفٌ وحرفان وثلاثة حروف. فإذا أردت الكشف عن أي كلمة من هذه الكلمات السابقة، فاحذف منها ما زاد عن جذرها الأصلي، وهو (النون والصاد والراء) أي كلمة (نصر). هذا في الجذر الذي يتكون منه فعل مثل: نصر، كتب ... إلخ.
أما الاسم الثلاثي الذي جذوره ثلاث ُ ة أحرف مثْلُ: (سهم، درع)، (قوس)، (إبل)،
وهو هنا ليس كالفعل الذي يكون جذره ثلاثة أحرف من حيث الزيادَة وتغير المعنى، وهو قد يجمع، وقد يَثّنى، وعند الكشف عن الكلمة تحذف علاما ُ ت التثنية وعلاما ت الجمع. أما المزيد منه فلا داعي للدخول فيه، وما عليك إلا الرجوع إلى الجذر الأصلي.
ونعطي مثاًلا هنا للجذر الرباعي (دحرج) وهو يعني أن شخصا ما دحرج شيئًا،
فنقولُ: دحرج فلان الكرة. وإذا قلنا: "تدحرج"، تغير المعنى، وصار يعني أن شيئًا ما َتدحرج بنفسه، أي بقوة ذاتية، فنقول: تدحرجت الكرة.
ونقولُ في "طمأن" وهو ِ جذْر رباعي و"اطمأَن" الهمزة في البداية وتضعيف النون في النهاية ما قلناه في المثال السابق فهل تعرف الفرق بين "طمأن"، "اطمأن" في المعنى؟ اقرأ الجملتين الآتيتين لتعرف الفرق:
- طمأن القائد جنوده بمجيء النصر. - اطمأن الجنود بمجي ء النصر.
ففي الجملة الأولى قام القائد بعملية الطمأنة، وفي الجملة الثانية كان الاطمئنان لدى الجنود. فإذا أرد َ ت الكشف عن "تدحرج" أو "اطمأن" عليك أن تحذف الزائد، لترجع بالكلمة إلى جذرها الأصلي، وهو كلمة "دحرج" و"طمأن".
يمكن –مما سبق- أن نخلص إلى ما يلي:
1 - أن أي َ ة زيادة على أصل الكلمة يقابُلها زيادةٌ في المعنى. (راجع: نصر، ناصر، انتصر، تناصر، استنصر).
- هات مثالا على غرار ما سبق. .........
2 - وأن الزيادة على الأصل الثلاثي تكون بحرف أو حرفين أو ثلاثة.
3 - وأن الزيادة على الأصل الرباعي تكو ن بحرف أو حرفين.
والشكلُ التالي يلخص ذلك:
2 - أما بالنسبة لإعادة الحروف المحذوفة من الكلمات، ورد الألف اللينة إلى أصلها، فنقول: في الاشتقاق والتصريف في اللغة العربية، يحدث أحياًنا أن تحذف بعض الحروف، أو تقلب إلى حرف آخر. فمثالُ الحالة الأولى (الحذف) في الأفعال الماضية التي تبدأ بواو، تحذف هذه الواو إذا أردنا أن نأتي منها بالفعل المضارع لتخفيف النطق، فنقول: في (وع د- يعد)، (و ز ن- يِزن)، ( وَقف - يقف) .. وهكذا.
وكذلك إذا أردنا أن نأتي منها بفعل الأم ِ ر نقولُ في: (و ع د: عد) وفي (وزن: ِ زن)
وفي (وَقف: قفْ)... وهكذا.
وللكشف عن كلمات مثل: (يعد، يزن، يقف) أو مثل: (عد، زن، قفْ) نقولُ: إن
جذر الكلمات على الترتيب هو: (و ع د، و ز ن، وَق َ ف) وهذا يعني إرجاع الحرف المحذوف عند الكشف.
وهناك مثالٌ آخر للحذف، ففعلُ الأمر الذي يأتي من الفعل الذي وسطه ألف لينة،
تحذ ُ ف حين نأتي بالأمر للمفرد المخاط ِ ب فنقولُ: (ُقلْ من قال)، (ِبع من باع)، و(َنم من نام)، و(سر من سار)، و(عد من عاد) وللكشف عن كلمات مثل: (ُقلْ) و(بع) و(َنم) و(سر) و(عد)، نقولُ إن ِ جذ ر هذه الكلمات على الترتيب هو: (قال) و(باع) و(نام) و(سار) و(عاد).
في المعاجم يحتم علينا أن نرجع بالألف إلى أصلها الواو ي في (قال) وما يماُثلها،
واليائي في (باع) وما يماثلها، ولكي تعرف أصل الألف اللينة سواء أكانت في الوسط أم في الآخر، ارجع إلى المصدر إن كانت الكلمة فعلا، أو الإسناد؛ مثلا (قال) مصدرها (قول)؛ فالألف هنا أصلها واو، و(سار) مصدرها (سير) فالألف هنا يائية. وقد يساعدك في معرفة أصل الألِف الإسناد. مثلا (سعى)، يمكن أن نقولَ (سعيت) أو تأتي بالمصدر وهو (السعي) أما في الأسماء فالألف المقصورُة يعرف أصُلها بالتثنية أو بالجمع مثل (عصا: عصوان)، (مستشفى: مستشفيان أو مستشفيات).
ثانيا- تحديد طريقة المعجم في الكشف عن المعاني:
بعد أن ترجع بالكلمة إلى جذورها، أو إلى حروفها الأصلية، عليك بعد ذلك أن تعرف طريقة المعجم في تقديم كلماته أَو مفرداته، وللمعاجم العربية طريقتان في تقديم الكلمات أو المفردات.
الطريقة الأولى:
وتعتمد هذه الطريقة على الحرف الأخير من الكلمة ويقالُ لهذا الحرف (باب)، والأول منها، ويقال له (فصل) بعد تجريد الكلمة من حروف الزيادة، ومن أمثلة معاجِم هذه الطريقة: (لسان العرب)، و(القاموس المحيط). مثلا (استنصر) الزيادُة في هذا الفعل
(الهمزة والسين والتاء)، إذن جذر الكلمة أو أصلها (ن، ص، ر) َنصر، ولكي أَكشف عن هذه الكلمة في "لسان العرب" أو في "القاموس المحيط" علي أن أكشف عنها في (باب الراء) (فصل النون). والآن، حاول أن تكشف عن معاني الكلمات الآتية، واكتب المعنى في الفراغ الذي يلي كل كلمة مستخدما لسان العرب أو القاموس المحيط:
• تدثَّر .................................................. ... • الربس .................................................. .
• الحرشف ................................................ • ثجاج .................................................. ..
الطريقة الثانية:
وتعتمد هذه الطريقة على (الحرف الأول من الكلمة) بعد تجريدها من حروف الزيادة، ومن أمثلة معاجِم هذه الطريقة: (مختار الصحاح، والمصباح المني ر، والمعجم الوسيط، والمعجم الوجيز، والمنجد). مثلا كلمة (احتكم) الزيادة في هذا الفعل (الهمزة والتاء)، إذن جذر الكلمة أو أصلها: (ح، ك، م) ولكي أكشف عن هذه الكلمة في "المعجم الوسيط" أو "المعجم الوجيز" مثلا، أكشف عنها في مادة (الحاء مع الكاف والميم). وكلمة تعمد نكشف عنها في مادة (العين، مع الميم، والدال) أي (عمد) لأن العين والميم والدال هي جذور الكلمة الأصلية (عمد). ويساعدك على ذلك أن تقرأ الكلمات التي في أعالي صفحات "المعجم" فالكلمة التي في أعلى الصفحة من اليمين تبدأ بها الصفحة، والكلمة التي في أعلى الصفحة من اليسار تنتهي بها الصفحة، وهكذا كل صفحات المعجم. والآن حاول أن تكشف عن معاني الكلمات الآتية، واكتب كل ما قيل عنها في الفراغ الذي يلي كل كلمة مستخدما "المعجم الوسيط" أو "المعجم الوجيز":
• الفرقان ............ ............. ............ • أغمد ............ ............. ............
• برزخ ............ ............. ............ • استصغر ............ ............. ............
• القصبة ............ ............. ............ • الّنخاع ............ ............. ............
• العزق ............ ............. ............ • الجيار ............ ............. ............
نستنتج مما سبق أن المعاجم العربية تسُلك طريقتين في الكشف عن الكلمات،
والرسم التالي يبين ذلك:
الحرف الأخير "الباب" الحرف الأول "الفصل"
مثال: لسان العرب- القاموس المحيط الحرف الأول والثاني وما بعدهما
مثال: المعجم الوسيط- المعجم الوجيز تدر ) أمام الأصل اللغوي لكل كلمة تحتها خط مما يأتي: 1 - ضع علامة (
(( أ- قال تعالى: (وأَلَّواس َتَقاموا عَلى الطَّريَقة لأَسقيناهم ماء َ غدقًا ( 16
وكلمة "استقاموا" هنا أصلها: - قام. - قوم. - قوم. - أقام.
ب- ارتبك المتحدث في حديثه.
وكلمة "ارتبك" هناك أصلها: - ارتباك. - مرتبك. - أربك. - ربك.
ج- استلقى الرجلُ.
وكلمة "استلقى" هناك أصلها: - لقى. - تلاقى. - ألقى. - لقيا.
2 - اكتب أمام كلِّ كلمة مما يأتي جذرها الأصلي:
قلد ........... .......... انتقل ................ استرخى ................ قاتل ................
تبعثر ............... . ابتعد ................ تقدم ................ استفاد ................
انحلّ ................ نظر ................ ناظر ................ استنظر ................
-3 رد حرف الألف إلى أصله الواو ي أو اليائ ي فيما يأتي، وذلك في الفراغ الذي أمام كل كلمة، وبين كيف تكشف عن هذه الكلمات في أي معجم تختار:
استقام ................ غار ................ سما ................ جرى ................
الربا ................ الهدى ................ عصا ................ قضى ................
-4 رد الحروف المحذوفة من الكلمات الآتية، وذلك في الفراغ الذي أمام كل كلمة، وبين كيف تكشف عنها في أي معجم تختار:
يرد ................ يفد ................ عظ ................ ضع ................
ُتب ................ هب ................ ُ كل ................
-5 فرق بين الأفعال التي تحَتها خ ّ ط في الجمل الآتية من حيث المعنى، وذلك في كراستك:
أ- فتح الخادم الباب. انفتح الباب. استفتحت الخادم الباب.
ب- كتبت الدرس. انْكَتب الدرس استكَْتب الدرس.
ج- بعثر الطفلُ ُلعبه. َتبعثرت اللُّعب. د- َقدم الجندي.
َقدم الضابط الجندي. ھ- َقدس المسجد الأَقْصى.
َقد س المسلمون المسجد الأقصى. و- َثَنى الطفلُ ُ كراسَته. انَْثَنت الكراسة.
ز- ضاء المصباح. ضوأَ المصباح. أَضاء المصباح
-6 استخدم كلّ فعل من الأفعال الآتية في جملة مختلفة، وذلك في الفراغ الذي
أمام كلِّ كلمة:
أ- دخلَ : ........................ أَدخلَ : .......................... دخَّل : ...........................
ب- قام : ........................ قوم : ........................... استقام : .......................
ج - ربط : ...................... ارتبط : ............................. رابط : .............................
د- هزم : ........................... انهزم : ............................ ه - قتل : ..........................
قاتل : ............................ اقتتل : .............................
و- وقد : ............................. أوقد : ............................. استوقد : ................................
-7 ارجع إلى أ ي معجم قديم، وآخر حديث، ولاحظْ الفرق بين تناول كلّ من
المعجمين للكلمات الآتية ثم سجله في الفراغات التالية لها:
أ- اللحن ............................... ب- بديهة ..............................
ج- قناة ................................. د- الاستعمار ..........................
ه- أوصد ......................... و- آصد .........................
ز- السيارة ........................ ح- القطار .......................
خامسا - القراءة ومهاراتها:
أ - القراءة؛ مراحلها وأهميتها:
ذكرنا سابًقا أن النظر إلى اللغة من حيث وظيفتها (التواصل) يؤدي بنا إلى تقسيمها إلى أربع مهارات أو فنون، وهي:
الاستماع والحديث والقراءة والكتابة.
فالقراءة -إذن- مهارة من مهارات اللغة، وهي أداة الدراسة والوسيلة الأساسية لها، ومهمة المدرسة الابتدائية أصلاً هي تنمية القدرة القرائية لدى التلاميذ، وإذا أخفقت المدرسة الابتدائية في هذه المهمة، فقد أخفقت إخفاًقا ذريعا في أهم هدف من أهدافها. ولذلك ينادي التربويون دائما: القراءة، لأن كثيرا من المشكلات الدراسية لتلاميذ المرحلة الابتدائية وما بعدها يعود إلى الضعف في القراءة. ويمر تعليم القراءة بخمس مراحل، ذكرها الباحثون، وهي:
6) سنوات، وفيها - 1 - مرحلة الاستعداد لتعليم القراءة، وهي مرحلة الرياض ( 4 يتم تهيئة الطفل لتعلم القراءة.
2 - مرحلة البدء في تعلم القراءة، وتستغرق هذه المرحلة الصف الأول الابتدائي، وفيها يتم التدريب أساسا على مهارتي النطق والتعرف.
3 - مرحلة تنمية المهارات الأساسية في تعلم القراءة، وتستغرق هذه المرحلة الصفين الثاني والثالث من المرحلة الابتدائية، وفيها يتم التدريب على مهارات: التعرف والفهم والنطق والسرعة، وما يرتبط بها من مهارات فرعية.
4 - مرحلة القراءة في المجالات العلمية، أو مرحلة القراءة الواسعة كما يسميها وفيها يتم تدريب التلاميذ على القراءة في ،(W. Gray) " "وليم جراي مجالات العلوم المختلفة، مثل الرياضيات والمواد الاجتماعية والصحة وعلوم البيئة، وتستغرق هذه المرحلة الصفوف الرابع والخامس والسادس.
5 - أما المرحلة الخامسة والأخيرة، فهي مرحلة صقل ومراجعة جميع المهارات التي تم تدريب التلاميذ عليها، وتستغرق هذه المرحلة الصفوف السابع والثامن والتاسع، ووظيفة هذه المرحلة الأساسية هي محاولة الارتقاء بمستوى مهارات القراءة، ومحاولة تنمية المهارات التي لم تأخذ حظها من التنمية سابًقا.
أما فيما بعد الصف التاسع، فتترك للتلميذ فرصة القراءة الحرة، واختيار ما يناسبه وليس هناك تعليم رسمي للقراءة في النظم الأوربية أو الأمريكية بعد المرحلة الإعدادية أو ما يطلق (STUDY SKILLS) إلا في تدريب الطلاب على تنمية مهارات الدراسة عليه القراءة الوظيفية التي تتلخص في قدرة الطالب على الأمور الآتية:
1 - تحديد مصدر المعرفة. 2 - اختيار المناسب منها.
3 - فهم المواد المختارة. 4 - تلخيص المواد المختارة. 5 - كتابة تقرير عما قرأ.
وتنقسم القراءة بحسب شكلها إلى قراءة صامتة وقراءة جهرية، والقراءة الجهرية لها الأولوية في التقديم وفي التعليم في الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية، أما القراءة الصامتة فتأتي في الصدارة فيما بعد الصف الثالث الابتدائي.
والجدول التالي يبين النسب المعطاة لكل من القراءة الجهرية والصامتة في مراحل التعليم المختلفة:
file:///F:/DOCUME%7E1/ph/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image010.gif
,ترجع أهمية القراءة الجهرية في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية إلى أنها تنمي مهارات النطق عند التلاميذ، وتمكن المعلم من التعرف على أخطاء تلاميذه في النطق، ومن ثم تساعده على تصحيحها أو ً لا بأول. وتؤدي القراءة الجهرية، علاوة على ما سبق، إلى تنمية القدرات الاجتماعية لدى التلاميذ من حيث تمكينهم من مواجهة المواقف التي تتطلب قراءة جهرية.
كذلك فإن القراءة الجهرية وسيلة لتنمية الميول الأدائية أو القدرة على التمثيل لدى بعض التلاميذ الموهوبين، الذين لديهم القدرة على الطلاقة والأداء المعبر عن المواقف وعلاوة على ذلك فإن القراءة الجهرية تبث الثقة في نفوس التلاميذ، وتعودهم على التعبير عن آرائهم وحاجاتهم وأفكارهم بجرأة وشجاعة، وتقضي على الخجل الذي يسيطر على بعض التلاميذ، ويعوقهم عن أداء وظائفهم، ويعوق تقدمهم والتعبير عن حاجاتهم وتقديم أنفسهم إلى الآخرين. وبعد أن يتقن التلاميذ الأصوات والكلمات، تبدأ أهمية القراءة الصامتة في الوضوح، بدءا من الصف الرابع الابتدائي، وتتجلى هذه الأهمية فيما يلي:
1 - تساعد القراءة الصامتة على التركيز والفهم في القراءة.
2 - تأخذ وقًتا أقل من القراءة الجهرية ولذلك فهي أسرع؛ لأن العمليات العقلية والميكانيكية في القراءة الجهرية أكثر.
3 - تأخذ جهدا أقل؛ لأن القراءة الجهرية تتطلب مهارات أكثر من القراءة الصامتة،
وهي مهارات النطق، ومن المعروف أن القراءتين الصامتة والجهرية تشتركان معا في مهارات التعرف والفهم.
4 - تنتشر القراءة الصامتة في مواقف الحياة اليومية أكثر من القراءة الجهرية، فنادرا ما نواجه موقًفا يتطلب منا قراءة جهرية. من أجل هذا اعتبر بعض الباحثين القراءة الجهرية مهارة من مهارات القراءة، لا نوعا من أنواعها، ولذلك فالسؤال الذي ينبغي أن يثار هنا هو: ما الوقت المناسب لتقديم القراءة الجهرية؟ وما الوقت المناسب لتقديم القراءة الصامتة؟
أما السؤال- أيهما أفضل؟ القراءة الجهرية أم القراءة الصامتة؟ فهو سؤال غير صحيح.
ب - ما القراءة؟
قد يبدو السؤال "ما القراءة؟" غريبا؛ لكن كثيرا من الناس لديهم أفكار خاطئة عن القراءة، لذا لابد من إجابة واضحة على هذا السؤال. والقراءة في رأي كثير من المفكرين، عملية عقلية، تشمل تفسير الرموز التي يتلقاها القارئ عن طريق عينيه، وتتطلب الربط بين الخبرة الشخصية ومعاني هذه الرموز من هنا فالعمليات النفسية المرتبطة بالقراءة معقدة لدرجة كبيرة.
وعلى هذا، فالقراءة عمليتان منفصلتان: العملية الأولى: الشكل الميكانيكي أي: الاستجابات الفسيولوجية لما هو مكتوب، والعملية الثانية: عملية عقلية، يتم خلالها تفسير المعنى، وتشمل هذه العملية التفكير والاستنتاج. والقراءة بهذا، عملية تفكير معقدة، تشمل أكثر من التعرف على الكلمات المطبوعة ولا يقر بعض المدرسين بهذه الحقيقة، ويعتقدون أن الطفل الذي يقدر على نطق الكلمات المكتوبة قارئ جيد، لكن الحقيقة أن الطفل الذي يتعرف على الكلمات والعبارات فقط، يخفق غالبا في فهم ما يقرأ. إن التعرف على الكلمات جوهري في عملية القراءة؛ لكنه على أية حال، وسيلة لغاية أكثر من كونه غاية في حد ذاته.
ويعتقد بعض الناس أن القراءة هي قراءة الكلمات على الصفحة المطبوعة أو المكتوبة، واستحضار المعنى الذي يريده المؤلف، وإذا تقبل المدرسون هذا التعريف وعلموا الأطفال طبًقا له فسوف تفقد الأجيال الناشئة القدرة على النقد والتقويم، وسيكونون على استعداد لأن يقعوا ضحايا للدعاية المضللة. إن القراءة في وضعها الحقيقي، تشمل كلا من التعرف على الكلمات، وتحصيل
تفكير الكاتب، وتشمل -بالإضافة إلى ذلك - التفكير الخلاق والنقدي، ولذا ينبغي أن يربط القارئ ما يقرؤه بخبراته السابقة، وينبغي أن يفسر المادة ويقومها، ويستخدم في ذلك التفكير والتخيل، ويمزج الأفكار الجديدة، ويقارنها بما قد تعلمه من قبل.
وقد مر تعليم القراءة بعدة مراحل، يمكن إيجازها فيما يلي:
1 - كانت القراءة تعني تعرف الرموز فقط، وظل ذلك إلى بداية القرن العشرين، وكان التأكيد لذلك على مهارات النطق في تعليم القراءة، ومن ثم على القراءة الجهرية.
2 - وفي عشرينيات هذا القرن، ونتيجة لدراسات "تورنيك" وغيره، نظر إلى القراءة على أنها عملية تفكير وتدبر، ولذلك اهتم بمهارات الفهم، وبالقراءة الصامتة.
3 - ونتيجة للحرب العالمية الثانية، وتسلط الفكر النازي على الألمان وتأثيره في اتجاههم نحو الشعوب، اهتم بمهارة النقد في القراءة، وأصبحنا نسمع عن .Critical reading : القراءة الناقدة
4 - وفي خمسينيات هذا القرن، أضيف إلى القراءة بعد آخر، وهو التفاعل مع واتجه إلى هذا نتيجة الفراغ الذي خلفته (Appreciation) الفرد أو التذوق الآلات الحديثة في الصناعة، فكان لابد من البحث عن وسيلة من وسائل المتعة وقضاء وقت الفراغ، ولذلك اتجه إلى القراءة. في مفهوم القراءة، وذلك نتيجة (Creativity) 5 - وأخيرا اتجه إلى الابتكار
حاجة الشعوب إلى مبتكرين، وأصبحنا نسمع عن القراءة الابتكارية .(Creativity Reading)
ج- المهارات والقدرات المتضمنة في عملية القراءة: تعلم القراءة عمل معرفي معقد، يتطلب مستوى عاليا من القدرات والمهارات، ويصعب على الراشد أن يحلل ما يقوم به أثناء القراءة؛ لأن عملية القراءة بالنسبة له أصبحت آلية وسريعة، ولا يستطيع أيضا أن يتذكر الخطوات التي مر بها والصعوبات التي واجهها عندما تعلم القراءة وهو طفل. وأساس القراءة التعرف على الكلمات، غير أن عملية القراءة تتضمن أكثر من مجرد رؤية أشكال معقدة، تلك التي تسمي الحروف والكلمات، ولابد أن يقدر الطفل على تفسير المثيرات التي يتلقاها على شبكية العين، وأن يربط بينها وبين المعنى المستمد من خبرة الفرد.
ويمكن أن نلخص أهم المهارات المتضمنة في عملية القراءة فيما يلي:
1 - التعرف على الكلمة:
العامل الأول الذي يؤثر في التعرف على الكلمة هو صورتها الكلية، والطفل المبتدئ يرى الكلمات متشابهة، ومن ثم يتعرض للخطأ في التعرف، وقد اتضح من البحوث العلمية في هذا المجال أن الكلمات التي يسهل على التلاميذ التعرف عليها على
نحو صحيح هي الكلمات القصيرة، وأن اختلاف الكلمات من حيث القصر والطول يساعد أيضا على التعرف عليها والتمييز فيما بينها. ولقد بينت الدراسات التي أجريت لتحديد أخطاء الضعاف من القراء ما يأتي:
1 - أن 16 % من أخطاء التعرف على الكلمة يرجع إلى التشابه في الصورة.
2 - أن 18 % من أخطاء التعرف على الكلمة يرجع إلى تماثل الحرف الأول.
3 - أن 10 % من أخطاء التعرف على الكلمة يرجع إلى تماثل الحرف الأخير.
ويحتاج الضعاف من التلاميذ إلى معاودة النظر في الكلمة المرة تلو المرة، وقد يقع بصرهم على جزء من الكلمة مغف ً لا بقيتها، وقد يلتفت إلى تفاصيل لا طائل من ورائها، ويقتضي التعرف على الكلمات إدراك الفروق بين الحروف والأشكال من ناحية الحجم والبنية، فالقارئ ينبغي أن يقدر على التمييز بين "طبخ" و"طبع" و"طبق" وكذلك بين "هجر" و"هجع".
والقارئ الجيد يتعرف على الكلمات في دقة ويسر، لأسباب منها: ما لديه من حصيلة وذخيرة من المفردات، وكذلك سرعته الإدراكية، وتفوقه في استخدام السياق لتحديد معنى الكلمة وقدرته على ملاحظة البناء الصوتي للكلمة. ويرتبط النمو القرائي عند الأطفال بالقدرة على التعرف على الحروف، ووجهة النظر السائدة الآن هي: أن التعرف على الحروف المفردة لا ينبغي أن يدرس للطفل حتى يكتسب قدرا معقولا من القدرة على التعرف على الكلمات ككل. وتبنى وجهة النظر هذه على أساس أن الحروف لا معنى لها، وأنه من الصعب تمييز ألوان منها عن غيرها. ويساعد على التعرف على الكلمة ما يلي:
أ- حركات العين:
فحين يقرأ الطفل أو الراشد، فإن عينيه تتحركان على الصفحة في سلسلة من الحركات مع تثبيت لحظي في كل حركة، وتحدث القراءة خلال هذه الوقفات. والعينان كثيرا ما تتحركان خلفية لتلقي نظرة ثانية على كلمات لم تكن واضحة في النظرة
الأولى، ويطلق على هذه الحركة اسم الحركة الرجعية، ويعتمد عدد الوقفات، وطولها، وعدد التراجعات على نضج الفرد، وعلى طبيعة المادة القرائية. وتدل الشواهد العلمية على أنه، مع تقدم الطفل في العمر، يقل عدد الوقفات، ويزداد طولها، وتقل الحركات الرجعية، ويتمشى هذا التناقص مع زيادة معدل فهم المادة المقروءة، وعلى الرغم من وجود أنماط غير منتظمة لحركات العين عند الضعاف من القراء، فإن القارئ الجيد لا يتعرض لنفس الظاهرة السلوكية. وتحملنا هذه النقاط على ضرورة الأخذ بمبدأ المرونة عند اتباع أية طريقة من طرق تعلم القراءة، بحيث نراعي المعدلات المختلفة في سرعة القراءة عند التلاميذ، وتفاوتهم في أساليب التعلم وطرقه.
ب - استخدام السياق في التعرف على الكلمة وفهمها:
يختلف الأطفال الصغار عن الراشدين من حيث القدرة على استخدام السياق، للتعرف على الكلمات. فالأطفال أقل قدرة في ذلك من الراشدين، ويرجع هذا إلى حد ما، إلى نقص في النضج عند الأطفال، وكذلك إلى بطئهم في القراءة، مما يمنعهم من ربط
المعنى الكلي أو الفكرة العامة بكل جزء من أجزاء الجملة، ويبدو أن الطفل عندما يقرأ جملة ويصل إلى الكلمة، لا يستطيع التعرف عليها، فإنه قد لا يمضي إلى قراءة بقية الجملة متعديا الكلمة، الأمر الذي يقوم به الراشد عادة، مما يساعده على التعرف على الكلمة. ولابد أن يدرب الطفل على هذه المهارة وهي استخدام السياق كموجه يساعده على التعرف على الكلمة. والطفل المبتدئ عادة، لا يفعل كما يفعل الراشد، وإنما يحاول التعرف على الكلمة بالرجوع إلى حروفها خاصة الحرف الأول منها. والطفل الذي يستخدم السياق يستعين بقدرته على الفهم، لكي يزيد من حصيلته من المفردات اللغوية التي يقدر على التعرف عليها مكتوبة أو مطبوعة وهذه القدرة تنمو عبر السنوات، ومن الضروري أن تقدم الكلمات الجديدة تدريجيا أو ببطء، لأن الطفل قد يقدر على قراءة وفهم الجملة التي تحتوي على كلمة جديدة واحدة ولكنه يعجز عن قراءة الجملة التي تحتوي على كلمتين جديدتين وفهمهما.
وهناك، بالتأكيد، قدر من المعنى ليتعرف في إطاره على الكلمات ومجموعات الحروف الني نطبقها على الصفحة، ومن السهل أن نوضح هذه النقطة، فإذا عرضنا على أحد الراشدين على شاشة عرضا سريعا العبارة الآتية: ذهب الرحل إلى السوق،
فإنه سيقرأ الكلمة الثانية في الجملة "الرجل" باعتبار أن الحرف الثالث من الكلمة جيم، وليس حاء. ومن السهل أيضا أن يبرهن على أن القارئ الجيد لا يقرأ كلمة كلمة، فكلمة مثل "مع" وحروف مثل الواو قد يتكرران مرات كثيرة، بدون أن يلاحظ القارئ ذلك، أو بدون أن يستطيع اكتشاف الخطأ.
ج- الذاكرة:
تلعب الذاكرة دورا مهما فيما يستخدمه الفرد من وسائل، للتعرف على الكلمات، وينجح الطفل في التعرف على الكلمة إذا أصبحت جزءا من لغته التي يتحدث بها، وإذا تم التعرف من خلال الصورة البصرية، فإنه ينبغي أن يكون الطفل قادرا على تذكر هذه الصورة لكي يقارن المثيرة الجديدة بالخبرة الماضية، وبنفس الطريقة إذا حاول الطفل أن يتعرف على الكلمة عن طريق الأصوات التي تتألف منها، فلابد أن تكون لديه ذاكرة سمعية لأصواتها.
-2 الفهم:
وهي المهارة الثانية من مهارات القراءة، وينبغي أن نعلم أن الهدف من كل قراءة َفهم المعنى، والخطوة الأولى في هذه العملية ربط خبرة القارئ بالرمز المكتوب، وربط الخبرة بالرمز أمر ضروري؛ لأن هذا أول أشكال الفهم. وقد لا يصل المعنى من كلمة واحدة، ويستطيع القارئ، الجيد أن يفسر الكلمات من تركيبها السياقي، ويفهم الكلمات كأجزاء للجمل، والجمل كأجزاء للفقرات، والفقرات كأجزاء للموضوع. ومن الغريب أن يكون "الفهم" صعب التعريف، فلا يوجد تعريف مناسب من التعريفات التي اقترحت لكلمة "الفهم" ولقد عرف أحد الباحثين الفهم بقوله: "الفهم في القراءة الربط الصحيح بين الرمز والمعنى، وإخراج المعنى من السياق، واختيار المعنى المناسب، وتنظيم الأفكار المقروءة، وتذكر هذه الأهداف واستخدامها في بعض الأنشطة
الحاضرة والمستقبلية. والنمو المستمر في القراءة عملية ذات أشكال كثيرة، والهدف منها فهم الأفكار، ويعتمد النجاح في هذه العملية على واقعية التلميذ وخلفيته الأساسية من المفاهيم، ويعتمد كذلك على مهارات إدراك الكلمة وعلى قدرة التفكير في وحدات فكرية. وهناك علاقة وثيقة بين القراءة الجيدة والفهم، تظهر في الدراسات التجريبية، فلقد وجد أن القراء الضعفاء يخطئون بمقدار ( 5.8 ) خطأ شفهيا في كل ( 100 ) كلمة، (% ويخطئ القراء المجيدون بمقدار ( 1.1 ) فقط في كل ( 100 ) كلمة، والحقيقة أن ( 51 من أخطاء الضعفاء في القراءة ترجع إلى تغيير المعنى، بينما لا ترجع أخطاء قراءة
المجيدين إلى ذلك، ومعنى هذا أن المشكلة الأساسية للقارئ الضعيف هي فقد المعنى. ومهارة الفهم معقدة، تتضمن عدة مهارات أخرى، هي:
1 - القدرة على إعطاء الرمز معناه. 2 - القدرة على فهم الوحدات الأكبر، كالعبارة والجملة والفقرة والقطعة كلها.
3 - القدرة على القراءة في وحدات فكرية. 4 - القدرة على فهم الكلمات من السياق واختيار المعنى الملائم لها.
5 - القدرة على تخمين معاني الكلمة. 6 - القدرة على اختيار الأفكار الرئيسة وفهمها.
7 - القدرة على فهم التنظيم الذي اتبعه الكاتب. 8 - القدرة على الاستنتاج.
9 - القدرة على فهم الاتجاهات. -10 القدرة على تقويم المقروء، ومعرفة الأساليب الأدبية، وغرض الكاتب.
-11 القدرة على الاحتفاظ بالأفكار. -12 القدرة على تطبيق الأفكار وتفسيرها في ضوء الخبرات السابقة.
3 - النطق:
أما مهارة النطق، فهي تمثل الجانب الميكانيكي في عملية القراءة، وتشتمل على عدة مهارات فرعية تختلف من مرحلة تعليمية لأخرى، ومن أهم مهارات النطق في القراءة بالمرحلة الابتدائية ما يلي:
1 - نطق الأصوات نطًقا صحيحا.
2 - التفريق في نطق الأصوات بين الأصوات قريبة المخرج، كالتاء والطاء، والذال والزاي مثلا.
3 - نطق الكلمات نطًقا صحيحا مضبوطا بالشكل. 4 - نطق الحركات القصيرة والطويلة نطًقا صحيحا.
5 - التفريق في نطق الحركات بين القصيرة والطويلة. 6 - القراءة في جمل تامة، أي عدم القراءة كلمة كلمة.
7 - تنويع الصوت بحسب الأساليب المختلفة، كالاستفهام والنداء والأمر والنهي إلخ.
8 - استخدام الإشارات باليدين والرأس استخداما صحيحا.
د- أهمية القراءة في النمو اللغوي للأطفال:
يعتبر النمو اللغوي للطفل شأن أنواع النمو الأخرى محصلة لعاملين، هما قوى النضج بداخله، والخبرات التي تزوده بها البيئة التي يعيش فيها. وبناء على ذلك يختلف الأطفال في نموهم اللغوي حتى لو مروا بنفس الخبرات في المدرسة، وكذلك يختلفون
باختلاف ما يتعرضون له من خبرات تعليمية.
ولقد اهتم بياجيه بدراسة اللغة باعتبارها تعبيرا عن العمليات الفكرية عند الطفل، واستخلص من دراسة الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة أن هناك نوعين رئيسين من الحديث: النوع الأول يتمركز حول الذات، والنوع الثاني الحديث الاجتماعي. ووجد أن %38 ) من ملاحظات الأطفال من النوع الأول، حيث لا يهتم الأطفال بالاتصال ) بغيرهم وأن ( 62 %) من ملاحظاتهم من النوع الثاني، وأنه مع التقدم في السن تقل الملاحظات الذاتية.
وقد قام الباحثون بدراسة التفكير، ورأوا أن تكوين المدركات الكلية يسير في خط متصل من البسيط إلى المعقد، ومن المحسوس إلى المجرد، ومن اللامتمايز المشوش إلى المنظم، ومن الذاتي إلى الاجتماعي. والواقع أن استعراض المئات من الدراسات يدل على أن كل نواحي نمو الطفل جسميا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا تؤثر بدرجة أو بأخرى على قدرته على القراءة، غير أن بعض نواحي النمو أوثق ارتباطا بالقدرة على القراءة من غيرها من النواحي.
ه- وسائل ترغيب التلاميذ في القراءة:
إن عادات القراءة التي يكونها التلاميذ خلال سنوات الدراسة الأولى وميولهم وأذواقهم، تحدد إلى درجة كبيرة طبيعة النشاط القرائي لهم كراشدين، وبناء على ذلك، إذا أردنا أن نفترض في التلاميذ وجود ميل دائم، ورغبة مستمرة في قراءة ما هو جدير
بالقراءة، فلابد لنا أن نهتم بهدفين أساسيين، لهما أهميتهما ومغزاهما.
-1 الهدف الأول:
أن يخلق برنامج القراءة رغبة لدى التلاميذ في القراءة، وأن يساعدهم على أن يستمتعوا في قراءتهم.
-2 الهدف الثاني:
أن تحقق القراءة الرغبة في نمو الشخصية، وفي معرفة العالم، وفي فهم الناس والمجتمع، أي أن الطفل بعد أن يكتسب مهارات قراءة بمستوى معقول ينبغي أن يكون لديه دافع، وشغف بالقراءة للمتعة والإفادة، وإثراء حياته، ومعنى هذا أن مقدار ما يقرأ
واتساع ونوعية ما يقرأ، كل ذلك له أهميته.
و - ميول التلاميذ في القراءة ووسائل تنميتها:
لقد بينت الدراسات التي أجريت على ميول الأطفال ما يلي:
1 - أن المصادفة تؤثر في بعض اختيارات التلاميذ للكتب، وقد بين التلاميذ أنهم وجدوا صعوبة في اختيار كتاب واحد من بين مجموعة من الكتب.
2 - أن اختيار التلاميذ لما يقرءون يتأثر بتوافر كتب معينة، ومن هنا تجيء أهمية مكتبة الفصل والمدرسة، وتيسير استعارة الكتب للتلاميذ، وطباعة الكتب بأسعار تناسب الغالبية العظمى من تلاميذ المدرسة.
3 - أن التلاميذ أظهروا اهتماما واضحا بالكتب التي تحتوي على حقائق ومعارف، تتصل بالعالم الذي يحيط بهم، وصرح بعض التلاميذ للإذاعة والتليفزيون والصحافة بأنهم يهتمون بكثير من الكتب العلمية.
4 - يفضل الأطفال قصص الحيوانات على القصص التي تشتمل على حوار على لسان الحيوانات.
5 - يميل الأطفال إلى معرفة الأماكن البعيدة، وكيفية عيش أصحابها، وخاصة في الصف الثالث وما بعده.
6 - ظهر اهتمام التلاميذ في الصفوف الثلاثة الأولى بحياة الأسرة والعلاقات داخلها.
7 - لا يظهر الميل إلى المهن والأعمال قبل المرحلة الإعدادية.
8 - ابتداء من الصفوف الأخيرة، نجد اهتماما يتزايد من التلاميذ بالآلات والسيارات والطائرات والصواريخ وسفن الفضاء.
9 - يكثر اهتمام التلاميذ بالشخصيات المشهورة، كالقادة والمخترعين ابتداء من الصف الخامس الابتدائي.
وبالإضافة إلى ما سبق، يهتم أطفال المدرسة الابتدائية بالقصص الدينية، وتستطيع الأسرة والمدرسة أن تنمي الميل إلى القراءة عن طريق خلق المواقف، التي ترغب فيها، ويمكن تشجيع القراءة في البيت بالوسائل الآتية:
1 - أن يكون اتجاه الوالدين نحو القراءة اتجاها إيجابيا.
2 - أن تتوافر الكتب والمجلات ذات المستوى المناسب من حيث الصعوبة التي تتفق مع ميول الطفل.
3 - أن يتحدث الآباء والأخوة الكبار عن الكتب والمجلات والقصص والحوادث التي ترد في الصحف، وأن يشركوا الطفل في هذا الحديث.
4 - حكاية القصص وقراءتها قراءة جهرية، وكذلك بعض الأناشيد مواد جيدة أخرى، ولكي تكون مثل هذه الوسائل فعالة، ينبغي أن تكون تلقائية، ولا يشعر الطفل أنها ترتب على تخطيط للضغط عليه لكي يقرأ، ومن المعروف أن الأطفال يسعون إلى أن يكونوا على مثال آبائهم، وأن يقوموا بنشاط له قيمته، وحينما توفر الأسرة الظروف المواتية للأطفال، فإنهم يقضون أوقات فراغهم في القراءة، وتتسع ميولهم وتتشعب. وتستطيع المدرسة أن توفر الظروف والملابسات، التي تشجع الأطفال على
القراءة بوسائل مختلفة، ومن بينها:
1 - مكتبة الفصل، ويجب أن تحتوي على كتب ومجلات مناسبة من حيث المحتوى ومستوى الصعوبة، وأن تبلغ من التنوع والكثرة ما يتيح لكل تلميذ في الفصل أن يجد ما يميل إليه.
2 - أن تخصص حصص للقراءة الحرة، حيث يتاح للتلاميذ حرية كاملة في أن يقرءوا بأنفسهم أي كتاب أو مجلة من اختيارهم، وأن يجد الطفل المساعدة في اختيار الكتاب إذا طلب ذلك، على أن يكون الاختيار في ضوء ما يميل إليه الطفل، وأن يكون مستوى الكتاب مناسبا.
3 - أن تقوم جمعيات للقراءة، يتألف كل منها من مجموعة صغيرة من التلاميذ يتنافسون فيما بينهم على الفوز بجائزة القراءة مثلا.
4 - إقامة معارض للكتب وإعلانات مشوقة، تعرف التلاميذ بالإنتاج المتنوع الذي يتفق مع ميولهم.
5 - إعداد لوحة حائط جذابة، يسجل عليها كل تلميذ الكتب التي قرآها.
ز- العوامل المؤثرة في عملية تعلم القراءة:
لقد رأينا أن التعرف على الكلمة ليس عملية آلية، وإنما يرتبط ارتباطا وثيًقا بالعمليات العقلية العليا، وهي النمو اللغوي والتفكير، ومن السهل أن يرى أن مثل هذا النشاط المعقد، يعتمد على عديد من إمكانيات الطفل، ومن هنا ينبغي أن نتناول القدرات والمهارات المسهمة في تعلم القراءة في العناصر التالية:
-1 الذكاء:
هناك علاقة بين الذكاء وتعلم القراءة، وقد اتضح من بحوث عديدة أن التأخر القرائي أكثر انتشارا بين التلاميذ ذوي الذكاء المنخفض من التلاميذ ذوي الذكاء المرتفع.
-2 الثروة اللغوية:
لا نستطيع أن نتوقع من الطفل الصغير أن يقرأ كلمات بعيدة عن خبرته، وعندما يحقق الطفل الطلاقة في القراءة، فإنه يستطيع استخدام هذه القدرة لتفسير وفهم السياق بحيث يستطيع من خلال ذلك زيادة ثروته من المفردات اللغوية وزيادة فهم ما يقرأ.
وحتى يصل إلى هذه المرحلة، ينبغي أن تتألف المادة القرائية من كلمات مستمدة من أحاديثه ومعجمه اللغوي.
-3 القدرة البصرية:
تقتضي القدرة على تعلم القراءة رؤية الكلمات وملاحظة ما بينها من تشابه واختلاف، وقد تؤدي عيوب الإبصار بالتلميذ إلى رؤية الكلمات مهزوزة أو على غير صورتها الحقيقية، وقد يكون البصر سويا، ولكنه لم يبلغ مستوى النضج المناسب لعملية
القراءة، أي لم يبلغ القدرة على التآزر والتنسيق بين العينين في الرؤية بمعنى أنهما تريانه الشيء وكأنهما عين واحدة، ولا يبلغ الأطفال هذا المستوى من النضج في عمر زمني واحد، لوجود فروق بينهم في معدلات النضج، ومن عيوب الإبصار رؤية الأشياء منعكسة، فإذا أبصروا (در) قرءوها (رد) وما لم تنتشر الرعاية الطبيعة والفحص الطبي المتكرر للتلاميذ في المدرسة الابتدائية فإن العيوب البصرية سوف تنتشر بينهم، ومن عمل المدرس أن يلاحظ العلامات الدالة على وجود عيوب الإبصار عند تلاميذه، حتى يمكن تصحيحها بالتدريب أو علاجها في الوقت المناسب.
-4 القدرة السمعية:
يستمع الطفل إلى أحاديث الكبار، ويكرر ما ألقى على مسمعه فالسمع إذن بداية لتعلم اللغة والأصوات، والعلاقة بين الحديث والقراءة مسألة واضحة، فإذا عجز الطفل عن الاستماع السليم، فإنه سيجد عائًقا يحول بينه وبين ربط الأصوات التي يسمعها
بالكلمات التي يراها، أو بما يقرأ، كما سيجد صعوبة في تعلم الهجاء الصحيح للكلمات وفي اتباع توجيهات من يقومون على تعليمه أو في الاستماع لأقرانه حين يتحدثون وحين يقرءون، وفي التمييز بين عناصر الصوت، ومن ثم سيجد صعوبة في ربط
حديثه بنطق الآخرين، وكثيرا ما يترسب من الصعوبات السمعية توتر انفعالي وضيق، وينتج هذا التوتر والضيق مما يتعرض له من أخطاء وسوء فهم. وقد يكون الطفل سويا في قدرته السمعية، ولكن تنقصه الدقة في التمييز بين الأصوات والتعرف على ما يتشابه منها، وما يختلف، وهذه تحول دون نجاحه في تعلم القراءة.
-5 المؤثرات البيئية:
إن الجو المنزلي الخصب يساعد على تنمية الثروة اللغوية للطفل، ذلك لأنه في مثل هذا الجو يستطيع أن يتحدث مع والديه اللذين يشجعانه على إشباع حب استطلاعه، وعلى التجريب والاستقصاء، ولقد اتضح أيضا أن الأسر التي تهمل أطفالها وتسيء
تغذيتهم، ولا تسمح لهم بالاستمتاع بقسط كاف من الراحة تحرمهم من توفير الفرص الكافية للنمو، وواضح أن ما يتوصل إليه القارئ من قراءته، إنما يكتسب في ضوء الخبرات التي يتعلمها في حياته مع الآخرين، فالقراءة تتطلب التفاعل الاجتماعي، الذي يكسب الإنسان العادي خبراته، ويمكنه من تفسير ما يقرأ. وكل طفل حين يقرأ موضوعا، إنما يحمل معه خبراته الخاصة التي اكتسبها في البيت. فمعنى ما يقرأ يعتمد إلى حد كبير على خبرة الطفل وبقدر ما يحمل معه من خبرات تكون استفادته مما يقرأ فمن تتسع خبراته يكن نصيبه من الفائدة أكبر، وحين تضيق خبراته يقل نصيبه من الفائدة. وقد اتضح من الدراسات العلمية أن نسبة القراء الضعفاء، الذين يفدون من بيوت فقيرة اجتماعيا واقتصاديا أكبر من تلك النسب التي تفد من بيوت غنية اجتماعيا واقتصاديا، كما اتضح أن نسبة القراء الضعفاء الذين يولدون في أسر كبيرة العدد أكبر من نسبة أولئك الذين يولدون في أسر صغيرة الحجم وأن نسبة القراء الضعفاء الذين تعمل أمهاتهم، أكبر من نسبة أولئك الذين تتفرغ أمهاتهم للعناية بهم، وفي النهاية أن العلاقة السعيدة مع الوالدين لها أهميتها في تنمية الميل للقراءة؛ لأن هذه العلاقة تشجع الأطفال على المضي في عملية التعلم قدما، كما تؤدي إلى مشاركتهم وجدانيا عندما تواجههم الصعاب.
-6 العوامل الانفعالية:
يمكن تلخيص العوامل الانفعالية التي تؤثر في تعلم القراءة في جانبين: الاتجاه نحو القراءة، والمشكلات الشخصية العامة.
أ - الاتجاه نحو القراءة إن توافر الدوافع لتعلم القراءة بالغ الأهمية؛ لأن هذه العملية (القراءة) معقدة وبعيدة المدى تتطلب التركيز والميل عدة سنوات قبل أن يصل الطفل فيها إلى الطلاقة، ومن المهم أن يتوافر للطفل فهم العمل وميله له؛ لأن النجاح يؤدي إلى النجاح، كما يؤدي إلى تحسين الاتجاهات وتنشيط الدافعية، الأمر الذي يساعد الطفل على التقدم في القراءة.
ب - المشكلات الشخصية العامة. إن المشكلات الشخصية لها علاقة وثيقة بالتأخر في القراءة، ذلك أن من المعروف أن عيوب النطق التي تعرقل التقدم في القراءة وثيقة الارتباط بالمشكلات الشخصية، وقد اكتشف أحد الباحثين أن ( 70 %) من المتأخرين في القراءة لديهم مشكلات شخصية.
علامات الترقيم
علامات الترقيم: علامات تتخلَّلُ الكتابة؛ لتساعد على تفصيلها وتنظيمها تنظيما يعين القارئ على فهمها.
وعلامات الترقيم هي:
الفصلة (،)- المفصلة المنقوطة (؛) - النقطة (.)- النقطتان (:) - علامة الاستفهام
(؟)- علامة التعجب (!) علام ُ ة التخصيص ("") الشرطة (-) الشرطتان (--) القوسان
.(())
وفي القطعة الآتية نماذج لاستخدام علامات الترقيم في الكلام.
عدل الخلفاء
جلس الخليفة المأمون يوما يفصل في قضايا الناس، وينظر في خصوماتهم، فتقدم إليه رجل معه رقعة فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم هذه شكوى –يا أمير المؤمنين - أرفعها إليك، وأنت الخصم والحاكم فيها". قال الخليفة: أتشكوني؟!
قال الرجل: نعم. - وما شكواك؟ - ثلاثون ألف درهم. - عجبا لما تقول! ما حقيقة ذلك؟
- إن وكيلك اشترى بها جوهرا حمله إليك، ولم يدفع إلي الثمن. - وكيف تشكوني والظالم غيري؟
- إنه وكيلك الذي ارتضيته ليكون من ولاتك. - إن دعواك تحتمل أمورا ثلاثة:
أولها- أن يكون الوالي قد اشترى منك الجوهر، وحمله إلينا، وأخذ الثمن، ولم يوصله إليك.
والثاني- أن يكون دفعه إليك وأنت تنكره. والثالث- أن يكون اشتراه لنفسه ثمنه عليه، وليس لك أن تشكوني في واحدة من
الثلاث. - إن الله جعلك في أعلى مكان من الرعية، ووكل إليك شئون الناس؛ لترعاها، ولكنه وضع لك شرعا تسير عليه، وتحكمهم بمقتضاه، فليس بيني وبينك إلا كتاب الله، وسنة رسوله، ووصية عمر (رضي الله عنه) للأشعري التي يقول
فيها: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" وليست عندي البينة التي تؤيد دعواي فلم تبق إلا اليمين التي تعفيك.
- لك عندي حلفه أحلفها، وإنِّي لصادقٌ فيها؛ إذ لا أعرف لك حقا في دعواك. - تعال إلى القاضي؛ ليحكم بيني وبينك.
ثم دعا الخليفة القاضي، وعقد مجلس القضاء في قصر الخليفة بأمره، وبدأ بقضايا الناس قبل قضية الخليفة؛ ليصح المجلس للحكم، ثم نادى الخليفة والرجل، وقضى بينهما، وحلف الخليفة اليمين، فأثبت القاضي براءته. وفيما يلي توضيح لمواطن استخدام علامات الترقيم على ضوء هذه القطعة:
ا- الفصلة (،):
وتكون بين الجمل المتصلة المعنى، مثل:
قد اشترى منك الجوهر، وحمله إلينا، وأخذ الثمن، ولم يوصله لك.
كما تكون بين المفردات التي تفصل مجم ً لا، مثل:
"فليس بيني وبينك إلا كتاب الله، وسنة رسوله، ووصية عمر للأشعري".
2 - الفصلة المنقوطة (؛):
وتكون بين جملتين إحداهما سبب في حدوث الأخرى، مثل:
- وبدأ بقضايا الناس قبل الخليفة؛ ليصح المجلس للحكم.
- وإني لصادق فيها؛ إذ لا أعرف لك حقا في دعواك.
3 - النقطة (.):
وتوضع في نهاية الكلام للدلالة على تمام المعنى، كما ترى في القطعة.
4 - النقطتان (:):
وتوضعان بعد القول أو ما في معناه، مثل:
- قال الخليفة: "أتشكوني"؟.
- تقدم إليه رجل معه رقعة فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم.."
كما توضعان بين المجمل وما يفصله، مثل:
"إن دعواك تحتمل أمورا ثلاثة: أولها ...".
5 - علام ُ ة الاستفهام (؟):
وتوضع في نهاية الجمل الاستفهامية مثل:
ما شكواك؟
6 - علامة التعجب (!):
وتوضع في نهاية الكلام الذي يحمل معنى الدهشة من شيء ما، مثل:
عجبا لما تقول!
وقد تجتمع مع علامة الاستفهام إذا كان يحمل معنى التعجب مثل: كيف تشكوني
والظلم غيري؟!
7 - علامتا التنصيص (""):
ويوضع بينهما ما ينقل بنصه من الكلام، مثل:
يقول فيها: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر".
8 - الشرطة (-):
وتوضع بعد العدد في أول السطر، وفي حالة المحاورة بين اثنين كما ترى في القطعة.
9 - الشرطتان: (--):
توضع بينهما الجمل المعترضة، فيتصل ما قبل الشرطة الأولى بما بعد الشرطة الثانية، مثل:
هذه شكوى-يا أمير المؤمنين- أرفعها إليك.
-12 القوسان (()):
وتكتب بينهما الجمل المعترضة التي لا ترتبط بالسياق، مثل:
وصية عمر (رضي الله عنه) للأشعري.
بعض قواعد الإملاء الأساسية
همزة القطع وهمزة الوصل
• همزة القطع:
وتنطق دائما وترسم فوق الألف إذا كانت مفتوحة أو مضمومة، وتحته إن كانت مكسورة.
- وتكثر همزة القطع في الأسماء مثل: أم – أب – أخ – أخت – أهل ...
- ولهمزة القطع في الفعل الرباعي الماضي والأمر والمصدر صيغة واحدة هي
( أفعل – أفعل – إفعال مثل أكرم – أكرم – إكرام).
- والهمزة في الحروف دائمًا همزة قطع مثل إذ- إذا – أم – أن – أو...
• همزة الوصل:
تظهر في النطق إذا بدأنا بها الكلام مثل القمر وتختفي في النطق إذا سبقها كلام – ولو حرف واحد – مثل : والقمر.
• مواضعها:
-1 الأمر من الفعل الثلاثي مثل : (اكتب– اجلس – اذهب)...
-2 الفعل الخماسي والسداسي ( ماضية،أمره،مصدره) مثل
امتحن – امتحن – امتحان (خماسي) استفهم – استفهم – استفهام (سداسي)
-3 بعض الأسماء مثل : ابن- ابنة- امرؤ- امرأة- اسم – اثنان – اثنين – اثنتان – اثنتين.
-4 أداة التعريف " ال" مثل: الشمس – القمر – السماء ...
وماعدا هذه المواضع تكون همزته همزة قطع.
الهمزة في وسط الكلمة
ننظر إلى حركة الهمزة وحركة ما قبلها ونكتب الهمزة علي ما يناسب أقوي الحركتين.
• ترتيب الحركات بدءًا بالأقوى هو : كسرة / ضمة / فتحة / سكون.
مثل (فؤاد) كتبت الهمزة علي واو لأن حركتها فتحة وحركة ما قبلها ضمة والضمة أقوى من الفتحة، إذن تكتب الهمزة علي ما يناسب الأقوى وهو الضمة وما يناسب الضمة هو (الواو).
ومثل (يسأل) الفتحة أقوى من السكون ويناسبها الألف. ومثل (سئل) الكسرة أقوي من الضمة ويناسبها النبرة.
• ملاحظات:
-1 إذا ترتب علي كتابة الهمزة علي ألف أو واو توالى الأمثال في الخط أي تجاور ألف وألف أو واو مع واو حذف ما تحت الهمزة مثل:
• تساءل : أصلها " تساأل " لأن المد بالألف بمنزلة السكون وحركة الهمزة هي الفتحة التي يناسبها الألف وحين تجاور الألفان أي المثلان – حذفنا الألف التي تحت الهمزة فأصبحت هكذا "تساءل".
• رءوس: أصلها " رؤوس" وحين تجاور المثلان حذفنا الواو التي تحت الهمزة فأصبحت هكذا "رءوس"
-2 تعد الفتحة بعد واو المد بمنزلة السكون ولذا تكتب الهمزة مفردة مثل مروءة – لن يسوءك...
-3 تعد ياء المد قبل الهمزة بمنزلة الكسرة مثل خطيئة- بريئة وكذلك الياء الساكنة مثل هيئة- شيئان.
-4 إذا اجتمعت الهمزة وألف المد اكتفي بعلامة المدة فوق الألف مثل مرآة – قرآ ن- جزآن.
الهمزة في آخر الكلمة
تكتب الهمزة المتطرفة علي ما يناسب حركة ما قبلها مثل :
كتبت الهمزة علي ألف لأن حركة ما قبلها الفتحة. - بدأ
كتبت الهمزة على ياء لأن حركة ما قبلها الكسرة. - شاطئ
كتبت الهمزة على واو لأن حركة ما قبلها الضمة . -جرؤ
كتبت الهمزة على السطر لأن حركة ما قبلها السكون . - شيء
إذا سبقت الهمزة المتطرفة حرف مد – ألف أو واو أو ياء كان حرف المد بمثابة
السكون، ولذا تكتب الهمزة بعده على السطر مثل: بناء – سماء – نشوء – بريء .
• ملاحظات مهمة :
1) ياء المد أو الساكنة قبل الهمزة المتوسطة تكون بمثابة الكسرة. ولذا تكتب الهمزة بعدها على نبرة مثل : بريئة – هيئة.
أما قبل الهمزة المتطرفة فهي بمثابة أي حرف ساكن؛ ولذا تكتب الهمزة على السطر مثل يجيء – شيء.
2) عند التنوين بالفتحة :
أ - إذا كان مل قبل الهمزة المفردة لا يتصل بالألف التي بعدها ظلت الهمزة على السطر مثل :بدءا- رزا .
ب - إذا كان ما قبل الهمزة مما يتصل بما بعده كتبت الهمزة علي نبرة مثل : شيئا- عبئا.
ج- إذا كان قبل الهمزة ألف فلا تضع ألف التنوين مثل : سما ء-بنا ء.
3) الهمزة المتطرفة التي تكتب علي ألف توضع الهمزة تحت الألف في حالة الجر مثل: من الخطإ- في المبتدإ.
حذف همزة ابن وابنة
• ابن :
تحذف همزة الوصل من كلمة (ابن) إذا وقعت بين علمين أي بين اسمين لشخصين ( الابن وأبيه) مثل:
محمد بن عبد الله – على بن أبى طالب .
وفي هذه الحال لا يجوز تنوين الاسم الواقع قبلها. فلا نقول: محمد“ بن عبد الله. وإنما نقول: محمد‘ بن عبد الله.
(بضمة واحدة علي الدال في كلمة محمد)
ولا نقول : قرأت عن على بن أبي طالب.
وإنما نقول: قرأت عن على بن أبي طالب.
( بكسرة واحدة تحت الشدة)
• وكلمة (بن) تتبع في حركتها الاسم الذي قبلها مثل:
- جاء زيد‘ بن‘ محمد .
- رأيت زيد بن محمد.
- مررت بزيد بن محمد.
إذ تعرب (بن) في هذه الحال صفة فهي تتبع الموصوف وما بعدها يعرب مضافا إليه.
• إذا وقعت كلمة(ابن) في أول السطر تكتب همزتها ولو وقعت بين علمين.
مثل ابن عبد الله محمد رسول الله (ص) لأن كلمة الرجل ليست علما. الرجل ابن الرجل
وذلك للفصل بالضمير "هو" طارق هو ابن زياد
• ابنة:
نقول: أسماء ابنة أبى بكر.
التاء المربوطة في كلمة (ابنة) مرتبطة بهمزتها؛فإذا أردنا حذف الألف منها وجب فتح التاء فنقول: أسماء بنت أبى بكر وبعضهم يحذف همزة(ابنة) عند النداء فيقول: بابنة الأقوام وبعضهم يثبتها فيقول: يا ابنة الأقوام وكلاهما صواب.
متى يكتب ما آخره ألف (نطقا) ألفًا أو ياء دعا - مشي- وغي- نوى....
لماذا كتبنا آخر الكلمة الأولى ألفا وكتبنا آخر الكلمات الثلاث الأخرى ياء؟
لكي نعرف الإجابة ينبغي أن نتذكر ما يلي:
• أو ً لا – في الثلاثي :
1. إذا كانت الألف أصلها واو بقيت علي حالها ألفا ويظهر أصل الألف في الفعل
المضارع أو المفرد أو المثنى أو الجمع أو المصدر أو الاسم مثل :
غزا- يغزو- غزوة دعا- يدعو- دعوة .
2. إذا كان أصل الألف ياء كتبت ياء مثل. فتى – فتيان(المثنى) – فتيان (الجمع) مشى – يمشى- مشيا
3.إذا كان الاسم الثلاثي مضموم الأول أو مكسوره جاز فيه الوجهان-أي يكتب آخره ألف أو ياء مثل:
خطا أو خطى جمع (خطوة) ربا أو ربى جمع (ربوة)
4. كل ما قبل آخره ياء يكتب ألفا لكراهة اجتماع ياءين مثل يعيا- يحيا...
واستثنوا من ذلك اسم العلم"يحي" ليفرقوا بينه وبين الفعل "يحيا"
5. إذا لم يعرف أصل الألف فيكتب ألفا.
6. إذا كان في أول الكلمة أو في وسطها واو فإن الألف التي في آخرها تكتب ياء مثل: وعي- هوي...
7. هناك فرق بين:
-(عصا،عصي) الأولى ما يتخذ للتوكيد أو الضرب والمضارع (يعصر) والثانية مخالفة الأمر والمضارع (يعصى)
يعصي يعصو، عصا إذن هناك عصا
- (نما،نمي) الأولى تعني زاد وكثر والمضارع (ينم و) والثانية تعني شاع والمضارع (ينمي) ينمي. ينمو،نمى - إذن هناك نما
• ثانيًا – في الرباعي:
1 - يكتب الياء دائما مثل: منتدى – مصطفي-مرتضى...
2 - الاسم الأجنبي يكتب كما جري به العرف فإن لم يجربه عرف فاكتبه كيف شئت وأكثر ما يكون بالألف كما يلي:
أ - ما جرى العرف بكتابته بالألف: فرنسا- إنجلترا-كندا...
ب - ما جرى العرف بكتابته بالياء:موسى-عيسى-كسرى ...
ج- ما يكتب بالألف أو الياء: موسيقا أو موسيقى والأصوب بالألف .
ملاحظة : الأسماء المبنية تكتب كلها بالألف مثل: هذا-أنا-كيفما...إلخ.
ما عدا : متى –لدى – أنى- أولى- الألي. الواو في آخر الكلمة.. متى نضع أمامها ألفًا ؟
الواو إما أن تتصل بالاسم (ويسميها البعض واو الجمع) وإما أن تتصل بالفعل(ويسمونها واو الجماعة) فالواو المتصلة بالاسم لا نضع أمامها ألفا بأية حال من الأحوال مثل: عاملو المصنع - مدرسو المدرسة...وهكذا والواو المتصلة بالفعل نضع أمامها الألف في مثل: حضروا – كتبوا- هاجروا- جلسوا...وهكذا ويستثنى من ذلك ما آخره واو من بنية الكلمة مثل أرجو-يرجو -نرجو-يعلو.. إذن الواو المتصلة بالاسم لا نضع أمامها ألفا أما الواو المتصلة بالفعل ( وحذفت النون التي بعد الواو) فإننا نضع أمامها ألفا إلا إذا كانت الواو من أصل الكلمة أي ليست واو الجماعة .++
د/ فتحى على يونس يناير 2009 م
مقدمة : تؤدي اللغة دورا هاما في الحياة الإنسانية وفي التواصل الاجتماعي لا يدانيها في ذلك أية وسيلة أخرى من وسائل التواصل الإنساني كالرموز، والإشارات، والصور والرسوم.... إلخ؛ ولذلك يعرف الإنسان بأنه حيوان رمزي؛ أي: يستخدم اللغة.وقد ربط علماء الاجتماع بين الحياة البشرية واللغة، فقال أحدهم: إن الحياة الإنسانية مرتبطة بعاملين مهمين هما: اللغة والعمل. لقد كرم الله البشر باللغة، فقال –عز من قائل -: ( الرحمن علم القران خلق الإنسان علمه البيان )
وللغة أدوار مهمة في الحياة الإنسانية لعل من أهمها:
1 - تنمية التواصل الاجتماعي. 2 - تنمية الفكر. 3 - المؤانسة والإمتاع. 4 - تنمية القدرات التعليمية الدراسية.
5 - توثيق الفكر الإنساني. 6 - تبادل الفكر والرأي.
ولكي تؤدي اللغة هذه المهام، تقوم المدرسة بدور مهم في تعليم اللغة، ويخصص لتعليم اللغة وقت مناسب يتفق مع المطالب المشار إليها من قبل. وإذا لم تتحقق القدرة اللغوية لدى التلاميذ في السنوات الأولى؛ فإن جانبا كبي را من التلاميذ يتسربون من المدرسة، علاوة على شيوع الإحباط لدى المتعلمين، وعجزهم عن مواصلة الدراسة، بالإضافة إلى ذلك العجز عن بناء مواطن قادر على التفاعل مع أبناء وطنه. ويناط بالمدرسة الابتدائية، وبمدرسيها القيام بهذه المهمة، مهمة تعليم اللغة القومية وتنمية قدراتها لدى التلاميذ، ويتعلق هذا بأمرين مهمين، هما:
1 - فنون اللغة الأربعة: الاستماع، والكلام، والقراءة، والكتابة. 2 - وعلوم اللغة؛ النحو، والصرف، والبلاغة.
ويعتبر كل معلم في المدرسة الابتدائية مدرسا للغة، ولا نبالغ إذا قلنا: إن وظيفة المدرسة الابتدائية، ترتبط أسا سا بتعليم اللغة القومية، وتنمية مهاراتها وعلومها.
ونقدم في هذا المجال عدة موضوعات:
1. اللغة والحياة الإنسانية. 2. اللغة العربية ودورها في التعليم.
3. ظاهرة الإعراب في اللغة العربية. 4. علم الصرف، واستخدام المعاجم.
5. القراءة ومهاراتها، والوسائل المساعدة في تعلمها.
وفي النهاية، نرجو الله العلي القدير أن يجعل علمنا هذا خالصا لوجهه لكريم، إنه نعم المولى ونعم النصير
أولا - اللغة والحياة الإنسانية.
تعد اللغة من أهم الظواهر الاجتماعية التي أنتجها التطور البشري، وهي مركب معقد، وترتبط ارتباطا عضويا بجميع المعارف الإنسانية. وتلعب اللغة دورا مهما في تحقيق المنزلة العليا للإنسان بين الكائنات الأخرى،وهي على خلاف الأشكال الأخرى للحياة الإنسانية، قد تطورت بسرعة في فترات متلاحقة، وهي –في تطورها- تزود الأجيال الإنسانية بالأدوات الفعالة للتقدم والتطور.ومن هنا نستطيع أن نقول: إن اللغة أدت للإنسانية خدمات جليلة؛ بل إن الوجود الإنساني مرتبط باللغة، إذ لا يوجد شخص عادي دون الاستعداد لتعلم اللغة، وأكثر من هذا، فإن الكائنات الأخرى ليس لديها هذا الاستعداد الفسيولوجي لاستقبال اللغة وإنتاجها، ،Babbling البشري وحده بنعمة النغاء أو المناغاة Infant وقد أنعم الله على الحضين وقد حاول الكثير من العلماء إنطاق القرد بعض الكلمات، لكنهم فشلوا في ذلك فشًلا ذريعا، وما ذلك إلاَّ لأن هذه القرود ليس لديها الاستعداد الفطري لتعلم اللغة. أي لديه القدرة على استقبال Symbolic وقد عرف الإنسان بأنه حيوان رمزي الرمز اللغوي، وإنتاجه واستخدامه، كما عرف المناطقة الإنسان بأنه حيوان ناطق، وهم يقصدون بذلك أنه قادر على استعمال لغة صوتية ذات مقاطع، وكلمات، وجمل للتفاهم مع غيره من بني جنسه. ويرى علماء الاجتماع وغيرهم أن لغة الحيوان غريزية، وهي مجموعة من الأصوات والحركات والإشارات المحدودة، التي يعبر بها الحيوان عن حاجاته الضرورية وانفعالاته. وعلى الرغم من عدم وجود لغة ذات مقاطع عند الحيوانات، فإنها تستطيع التفاهم بما تصدره من أصوات ذات معان خاصة، وإشارات ذات مغزى خاص. من كل ما سبق نرى أن الله –سبحانه وتعالى- قد من على البشر بنعمة البيان أو اللغة، فقال –عز من قائل-: 0 ( الرحمن علم القران خلق الإنسان علمه البيان )
وفي تفسير الآية الأخيرة، قال الشيخ حسنين مخلوف في تفسيره "صفوة البيان لمعاني القرآن" (ص 687 ): "م ّ كن الله الإنسان بالبيان من التعبير عما في نفسه بالمنطق الفصيح، ومن فهم بيان غيره، فتميز بذلك عن الحيوان، واستعد لتلقي العلوم والخلافة في الأرض، وهذه نعم عظمى توجب الشكر والتعظيم لله تعالى. من المخ، Cortex وتقع مراكز اللغة في النصف الأيسر من الطبقة السنجابية وهذه المراكز أربعة، وتتصل بصلة مباشرة باللغة المنطوقة والمكتوبة، وفيما يلي بيانها:
1 - مركز التكلم، وهو مصدر الرسائل التي تذهب إلى جهاز النطق للتحرك والكلام.
2 - مركز الكتابة، ومنه تصدر الرسائل التي تذهب إلى عضلات الكتابة.
3 - مركز الكلمات المسموعة، وهو الذي يستقبل الكلمات المسموعة ويفهمها، وهو مركز الأفكار المسموعة.
4 - مركز الكلمات المرئية، وفيه تدرك الكلمات المكتوبة أو المطبوعة، ويفهم معناها.
وهناك من يرى أن تقسيم الطبقة السنجابية إلى مناطق ذات وظائف مختلفة أمر لا يمكن الجزم به، فالغالب هو أن الطبقة السنجابية تؤدي وظيفتها باعتبارها وحدة متكاملة، لكن الذي لا يمكن إنكاره هو أن بالمخ مناطق خاصة إذا أصابها التلف كانت نتيجة هذه الإصابة تعطي ً لا في عملية إنتاج اللغة أو استقبالها. ومنذ أن علم الله آدم الأسماء كلها، بدأ دور اللغة في حياة البشرية، على مدى مئات الملايين من السنين نشأت اللغات واللهجات المتباينة نتيجة مجموعة من العوامل التي حددتها -في الغالب- الظروف الاجتماعية والجغرافية لبني الإنسان، فوجدت اللغات الآرامية والسامية والحامية، كذلك فإن اللغة الإنسانية ظلت مئات الملايين من السنين على المستوى الشفوي، أي تستخدم –فقط - في التواصل الشفوي في الحياة إلى أن اخترع المصريون الكتابة الهيروغليفية منذ سبع آلاف سنة تقريبا. لقد تجسدت عبقرية المصريين في التعبير عن اللغة الشفوية بالصور، ثم بالرموز، وانتقلت رموز الكتابة المصرية إلى جميع لغات العالم عن طريق الحضارة اليونانية ذات الصلة المباشرة بحضارة البحر المتوسط. وقد اهتم باللغة –علاوة على اللغويين- علماء الاجتماع والفلاسفة والمناطقة، وغيرهم من المهتمين بالقضايا الإنسانية، كعلماء النفس والاقتصاد... إلخ. وما ذلك إلا لأن اللغة تمثل سدى ولحمة المجتمعات الإنسانية وتميزها عن غيرها من سائر وهي مرآة ،Socialization الكائنات، فاللغة هي الوسيلة الإنسانية للتطبيع الاجتماعي أي مجتمع تتمثل فيها حضارته وقيمه، وموقعه من السلم الإنساني. وقد حلل علماء اللغة البنية اللغوية ودرسوها دراسة مستفيضة، واشترك معهم علماء الاجتماع، وعلماء النفس والفلسفة، ونشأت في ظل هذا التحليل مجموعة من العلوم،نوضحها فيما يلي:
والمورفيمات ،Phonemes تتكون اللغة أساسا من الفونيمات، أو الأصوات
ومن الكلمات، والجمل، والدلالات، أما الفونيمات فهي الأصوات،Morphemes
المختلفة التي تتكون منها اللغة، ففي اللغة العربية مثلا ثمانية وعشرون صوًتا ساكًنا،وستة أصوات متحركة، وتتميز اللغة العربية بأن أصوات حروفها لا تتغير بتغير موقعها في الكلمة في البداية أو في الوسط أو في النهاية، وهناك علوم تدرس أصوات اللغة تسمى علوم الأصوات. Prefixes أما المورفيمات فهي أصغر الوحدات اللغوية ذات المعنى مثل السوابق علاوة على الكلمات، والعلم الذي يدرس suffixes واللواحق Infixes والحواشي والعلم الذي يدرس الطريقة التي ،Morphology كيفية تكوين الكلمات يسمى الصرف
ويكون الصرف والنحو معا ما ،Syntax تجمع بها الكلمات في جمل يسمى النحو ويسمى العلم الذي يدرس اللغة من جميع جوانبها ،Grammar يسمى بقواعد اللغة أو فقه اللغة Linguistics الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية والمعنوية علم اللغة على حد تعبير كثير من الباحثين العرب. وكما ذكرنا، اهتم بدارسة اللغة كثير من العلماء والباحثين، اهتم بها الفلاسفة والمناطقة، وعلماء الاجتماع، وأخيرا اهتم بها علماء النفس، وظهر ما يسمى بعلم النفس ومما يذكر أن فلاسفة اليونان وحكماءهم قد دعوا إلى Psycholinguistics اللغوي الأخذ بأساليب معينة وطرق خاصة للهيمنة على التفكير الإنساني، والسيطرة على ما يدور في الأذهان، وقد جعلوا تلك الأساليب والطرق في صورة بديهيات لا تقبل النقاش، ولا يصح أن تكون موضع جدل أو نزاع، ثم اتخذوا من تلك البديهيات مقدمات لقضايا عقلية ينتهون منها إلى حكم خاص لا يتردد العقل في قبوله، وكان من نتيجة هذا المنهج العقلي في الأحكام أن ابتدعوا لنا علما سموه المنطق.
ما اللغة؟
لقد عرفت اللغة تعريفات مختلفة، عرفها أحد العلماء بأنها مجموعة منظمة من
العادات الصوتية التي يتفاعل بواسطتها أفراد المجتمع الإنساني، ويستخدمونها في أمور حياتهم، وعرفها آخر بقوله: إن اللغة طريقة إنسانية خالصة للتواصل التي يتم بواسطة نظام الرمز التي تنتج طواعية، فاللغة عنده نظام، ولا يستطيع المتكلم أن يغير تتابع الكلمات إذا أراد الإفهام. وعلى وجه العموم يشير كثيرون إلى أن اللغة هي القدرة على استخدام الرمز اللفظي بانتظام، وهي تحقق إنسانية الإنسان، ومعنى هذا أن اكتساب النظام الرمزي خصيصة إنسانية، كذلك يمكن القول إن اللغة هي الإنتاج الأكثر غموضا للعقل الإنساني، والأعظم خطورة -في نفس الوقت- وما بين الإنسان والحيوان من فرق يعود أساسا إلى استخدام الإنسان للغة، وفي الكلمة يرقد السر الأعظم للتقدم الإنساني، وبدون اللغة لا يستطيع الفرد أن يكون أفكارا أو يعبر عنها. ويمكن للإنسان أن يتصل بالأشياء -مثله في ذلك مثل الحيوانات الأخرى- بالتذوق، أو اللمس، أو الشم، أو الرؤية ... إلخ، لكن الإنسان علاوة على ذلك يمكنه أن يتصل بهذه الأشياء باللغة، وهو وحده الذي لديه القدرة على تسمية مفاهيمه.
مما سبق يمكن أن نميز الخصائص التالية للغة:
1 - اللغة سمة إنسانية، أي خاصة بالإنسان وحده، وهي على هذا يجب أن تكون دائما في خدمة أهدافه وأغراضه الحقيقية، وأنها ترتبط بنموه اجتماعيا، واقتصاديا، وفكريا، فرقى الفرد مرتبط إلى حد كبير بنمو لغته ونهضتها.
2 - اللغة صوتية، وهذه الخاصية تعني أن الطبيعة الصوتية للغة هي الأساس، بينما يجيء الشكل المكتوب لها في المرتبة التالية من حيث الوجود، وعلى هذا فتعليم اللغة يبدأ بالشكل الشفوي الأذني، وهذا ما يحدث بالنسبة للطفل، وما يحدث في المدارس الحديثة في تعليم اللغات، إذ تبنت هذه المدارس ما يسمى بالمدخل الأذني الشفوي، ولو أن هناك جد ً لا حول هذا المدخل في السنوات الأخيرة.
3 - واللغة تحمل معنى، ومعنى هذه الخصيصة أن اللغة تتكون من رموز لها معاٍن، وهذه الرموز يعرفها كل من المتكلم والسامع والكاتب والقارئ، وبدون هذه المعرفة الثابتة للمعاني يصبح التواصل صعبا -إن لم يكن مستحيًلا- وينبغي أن يكون واضحا أن الصلة بين الرمز والشيء الذي يعنيه صلة عرفية، أي ليست طبيعية.
4 - واللغة ذات نظام خاص، وتعني هذه الخصيصة أن أية لغة تتكون من وحدات خاصة، وهذه الوحدات تحدث في أنماط ثابتة، فالكلمات في العربية –مثلا- تشتق بطريقة خاصة، وترتب في الجمل ترتيبا مرتبًطا بنظام العربية وحدها، ومن هنا تحرص كل لغة أن تضع لنفسها قواعد معينة تساعد على ضبط استخدامها، وتساعد بالتالي على استمرارها، وذلك بدلا من أن يكون لكل فرد الحرية في أن يفعل بلغته ما يشاء.
5 - واللغة سلوك مكتسب، ومعنى هذا أن العادات اللغوية المختلفة يكتسبها الفرد من المجتمع الذي يعيش فيه، فالطفل يولد دون أية معرفة باللغة، لكن لديه - فقط- الاستعداد لتعلمها. ومن هنا تأتي أهمية البيئة الاجتماعية، والتربية المنظمة في اكتساب الفرد للغة، وفي ترقية عادات استخدامها، كذلك علينا أن نعي أن الكلمات رموز للمعاني، وليست المعاني المتصلة بالكلمات فيها نفسها؛ بل في عقولنا نحن، وبالاستخدام الطويل لهذه الكلمات اتفق على ربط معان معينة بكلمات خاصة، ويحصل الفرد هذه المعاني من الخبرات المختلفة التي يمر بها، ومن محاولته المستمرة للتعبير عن أفكاره بالكلمات.
6 - اللغة نامية، أي أن اللغة في حالة تغير دائم، ويمكن ملاحظة هذا التغير في أنظمة الأصوات، والقواعد والمفردات من جيل إلى جيل، ومن إقليم إلى آخر؛ وذلك لأن الناس ينمون النماذج اللغوية التي تؤدي حاجاتهم بفاعلية، ومن أظهر ميادين التغير في اللغة الكلمة. وإذا تتبعنا تاريخ الكلمة في أية لغة فسنرى شيئًا عجيبا، فمعاني الكلمة تتغير دائما، وتنتقل من ميدان إلى آخر، فهناك معنى عام وآخر خاص، وهناك معان حقيقية وأخرى مجازية،وقد يكون للكلمة أكثر من معنى، وقد تؤدي عدة كلمات معًنى واحدا... إلخ.
وظائف اللغة:
اختلف العلماء وتباينت آراؤهم فيما يتعلق بوظيفة اللغة، والأغراض التي تؤديها وسوف نعرف فيما يلي أهم هذه الآراء:
-1 اللغة وظيفتها التعبير عن الأفكار والعواطف والانفعالات:
ينظر بعض اللغويين إلى اللغة كما لو كانت تابعة لميادين الفلسفة والمنطق والعواطف والانفعالات، وتعرف هذه المدرسة بالمدرسة الفلسفية، أو النفسية، أو المنطقية في الدراسات اللغوية، وقد يشار إليها أحياًنا بالمدرسة العقلية.
2 - اللغة وظيفتها تصريف شئون المجتمع الإنساني:
وتقابل المدرسة السابقة مدرسة فكرية أخرى يعني أصحابها عناية بالغة بالجانب الاجتماعي للغة، إذ هم يعتبرونها حقيقة اجتماعية ونتيجة للتواصل الاجتماعي، وهي – في الوقت نفسه - مدينة في تطورها ونموها إلى وجود الجماعات. والوظيفة الأساسية للغة عند هؤلاء تسيير دفة الأمور، وتصريف شئون المجتمع الإنساني. ومن أنصار هذه المدرسة العالم الأنثروبولوجي مالينوفسكي الذي يؤكد في كتاباته على العنصر الاجتماعي للغة، ويرى أنها وسيلة لتنفيذ الأعمال، وقضاء حاجات الإنسان ويتضح هذا من قوله في هذا المجال: إنما تستعمل الكلمة في أداء الأعمال وإنجازها، لوصف الأشياء، أو ترجمة الأفكار. فالكلمة –إذن- لها قوتها الخاصة، وهي وسيلة لتنفيذ الأعمال، وقضاء الأشياء، وليست تعريًفا لهذه الأشياء.
ومن أنصار هذه المدرسة كذلك العالم اللغوي يسبرسن، الذي يؤكد أن كلمات اللغة لا تستعمل في أكثر الأحايين لتنقل أفكارا، أو لتوضح أشياء من هذا القبيل، ولكنها تستعمل لتشبع الاشتياق إلى النزعة الاجتماعية والمصاحبة التي يهواها الإنسان
ويعشقها، وهذا كله يمثل رأي المدرسة التي يطلق عليها أحياًنا المدرسة الاجتماعية في البحوث اللغوية. مما تقدم يتبين أن هناك نظرتين مختلفتين بالنسبة لوظائف اللغة، فالنظرة الأولى تركز على الجانب العقلي من اللغة، والثانية تركز على الجانب الاجتماعي منها، ولكن نظرة فاحصة إلى هذين الجانبين ترينا أنهما متكاملان، فكما أن الفرد يستخدم اللغة أحياًنا لكي يعبر عن نفسه، ومشاعره وأفكاره، فهو يستخدمها في الوقت نفسه بهدف التواصل مع غيره من أفراد مجتمعه، ويعني هذا أن للغة مغزى فرديا، ومغزى اجتماعيا، فحين يتحدث الفرد إلى نفسه يتخيل أشخاصا يخاطبهم، ويناقشهم، يغلبهم أحياًنا، ويغلبونه أحياًنا أخرى، يسر منهم ويغضب، يقرب منهم وينأى عنهم. ومن هنا وجدنا البعض يفصل الوظيفتين السابقتين للغة فيما يلي من وظائف:
1 - تنسيق الأنشطة بين أعضاء المجتمع. 2 - تثبيت الفكر والتعبير عنه.
3 - إيصال الأفكار والمشاعر. 4 - إمتاع النفس وتقليل الاضطراب.
وعن الوظيفة الرابعة، يقول يسبرسن: بالخبز وحده لا يعيش الإنسان، فاللغة لها وظائف أخرى، -علاوة على كونها أداة للتواصل- وهي لا تستخدم –فقط- في الكلام؛ بل في الغناء أيضا، والحديث لا هدف له –في الغالب- إلا مجرد اللعب بالأصوات
ليمتع الفرد نفسه، ويمتع الآخرين، فليست الحياة اليومية جدا كلها، بل هناك فرص ينبغي ألا نفكر فيها، وذلك حينما نترك العمل جانبا، وفي مثل هذه الظروف لا تؤدي اللغة وظيفة حل المشكلات، بل لها في هذه الأوقات وظائف أخرى، فهي وسيلة من
وسائل الراحة، وتقليل الاضطراب، وكسر حواجز الغربة بين الفرد ومن يشاركونه الحديث، وإقامة علاقات بينهم، تنأى عن التقليدية. معنى ما سبق أن للغة وظائف متعددة، اجتماعية وفكرية ونفسية، وهي بهذا تمثل الأداة الأساسية لتواصل البشر سواء في المجتمع الواحد أو في المجتمعات المختلفة. لكن نظرة فاحصة إلى الوظائف التي أشير إليها ترينا أن هناك وظيفة أغفلت على الرغم من أهميتها، هذه الوظيفة هي التوثيق، أي تسجيل الأحداث والتاريخ، والحقائق، والمعارف ... إلخ، التي مرت بالإنسان، وتمر به، أو سيواجهها في المستقبل. إن الإنسانية مدينة للتوثيق اللغوي بكل ما لديها من معارف، وكل ما تعرف من أحداث الماضي وأحواله، لقد ذكر علماء الآثار أن التاريخ الحقيقي للإنسانية بدأ منذ اخترعت الكتابة، أي منذ أن اخترع المصريون الكتابة، ولقد ظل التاريخ الفرعوني كله غامضا إلى أن اكتشفت الحملة الفرنسية حجر رشيد وفك رموز لغته "شمبليون". إن الذاكرة الإنسانية لا تستطيع أن تفي جميع الأحداث والمعارف، ومن هنا كانت وظيفة اللغة، ووظيفة الكتابة. وقد أشار القرآن الكريم في أكثر من موضع إلى أهمية القلم، وإلى أهمية كتابة الدين. فقال -عز من قال -: (ن والَْقَلم و ما يسُطرون ( 1)) : (يا أَيها الّذين آمُنوا إِ َ ذا َتداينُتم ِبدين إَِلى أَجل مسمى َفاكُْتبوه) أي: أن الكتابة ذاكرة الفرد والأمة، وهي سجل لكل جوانب حياته، وهي منبع لا يغيض لكل المعارف والعلوم، وحياتنا كلها مرتبطة ارتباطا مباشرا أو غير مباشر بهذا التوثيق اللغوي. لقد كان التاريخ قبل اختراع الكتابة مجرد مجموعة من الظنون، المعتمدة على الحدس والتخمين، والتحليل الذي يرتبط بقدرة من يقوم به، ولا يعتمد على منهج يقيني. انظر حولك تر الكتب، والجرائد، والصحف، والإعلانات، والأسماء، والوثائق المختلفة، والعناوين ... إلخ، وهي كلها تعتمد على الكلمة المكتوبة، وهي كلها وثائق بصورة أو بأخرى. لكل هذا نال فن الكتابة عناية بالغة في مناهج تعليم اللغة؛ بل إن بعض المناهج تعتبر الكتابة ودقتها ووضوحها من أهم أهداف تعليم اللغة، وبصفة خاصة في المرحلة الثانوية. بقي لنا هنا ونحن نتحدث عن وظائف اللغة أن نشير إلى وظيفة مهمة للغة وهي تنمية الفكر، إن هذه الوظيفة لم تنل حظها من الدراسة والعناية فيما سبق؛ ولذا وجب أن نتناولها بشيء من التفصيل. لقد ذكر علماء النفس أن اللغة هي الوسيلة التي يمكن بواسطتها تحليل أية صورة أو فكرة ذهنية إلى أجزائها أو خصائصها، وتركيب هذه الصورة مرة أخرى في أذهاننا أو أذهان غيرنا بواسطة تأليف كلمات ووضعها في ترتيب خاص، وعلى هذا، فالطفل الذي يردد الكلمات التي يسمعها ممن يحيطون به لا يتكلم اللغة حقا إلا إذا كان مدركا لما ينطق به، ولا يطلق على الكلام لغة بالمعنى العلمي إلا إذا أدى هذا الكلام وظيفته النفسية، وهي التحليل التصوري والتركيبي. ومعنى هذا أن عملية التصور ضرورية قبل أن تصدر اللغة، كما أن معرفة اللغة ضرورية للمتلقي قبل أن تتم عملية التصور عنده. وعلى هذا، فلا يكفي أن يقال: إن اللغة وسيلة للتعبير، كما لا يكفي أن يقال: إنها وسيلة لنقل أفكار المتكلم إلى السامع، بل هناك إلى جانب هذا شيء آخر مقصود هو استجابة السامع، وتلبيته لأثر ما أدركه من كلام، فإذا لم تحدث اللغة استجابة من السامع فقدت وظيفتها. وتطابق الصورة الذهنية مع الحدث اللغوي لدى كل من المتكلم والسامع يؤدي إلى تمام التواصل اللغوي، أما عدم تطابق الصورة الذهنية مع الحدث اللغوي لدى المتكلم والسامع فيؤدي إلى نقص في التواصل أو يؤدي إلى عدم التواصل –في بعض الأحوال-. ويعزي تفوق الإنسان الذهني –لدرجة كبيرة- إلى قدرته على استعمال اللغة الراقية، فهي الوسيلة التي تمكنه من استخدام ما عنده من قدرة على التفكير، فكل كلمة تحمل بين ثناياها كمية عظيمة من الخبرات البشرية. ويقدر ما لدى الفرد من ثروة لغوية تكون قدرته على التواصل الشفوي أو الكتابي، بل إن هناك علاقة في كثير من المجتمعات الحديثة بين القدرة اللغوية للفرد والمركز الاجتماعي الذي يتبوءه هذا الفرد وتقاس الأمم حضاريا بقدرة أبنائها على استخدام اللغة، لا على المستوى الشفوي وحده، إنما على المستوى الكتابي بالدرجة الأولى، هذا المستوى المرتبط بفني القراءة والكتابة، وبالطبع تتأثر قدرة الفرد على الفهم حين يسمع، وعلى انطلاقه حيث يتحدث بقدرته على القراءة والكتابة.
ما العلاقة بين اللغة والتفكير؟
يمكن تلخيص ما سبق في أن اللغة تؤدي وظائف عدة هي:
1 - إقامة علاقات اجتماعية. 2 - تبادل الأفكار والمعلومات. 3 - تبادل الإحساسات والمشاعر، والتعبير عنها.
4 - التسجيل والتوثيق، وحفظ تراث الإنسان وتاريخه.
وتؤدي اللغة هذه الوظائف في موقفي التواصل الشفوي والكتابي، وبتحليل الحدث اللغوي تتضح هذه الصورة التي أشرنا إليها، كما تتضح علاقة اللغة بالفكر لإنساني، بل تتضح علاقة اللغة بإعطاء الإنسان إنسانيته.
تحليل الحدث اللغوي الشفوي
file:///F:/DOCUME%7E1/ph/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image002.gif
من الشكل السابق يتضح ما يلي:
1 - أن الجانب الفكري من اللغة يأخذ تقريبا ثلثي الحدث اللغوي، سواء عند المرسل أو عند المستقبل، بينما يمثل النشاط اللغوي ثلث الحدث، فعند المرسل:
أ- النية أو الاتجاه.
ب- الاختيار (اختيار الرموز التي يستخدمها).
ج- الكلام أو الحديث.
وعند المستقبل:
أ- الاستماع.
ب- الفهم.
ج- التفسير، والتفسير أعلى درجة من الفهم، حيث إنه يضيف إلى المعنى المغزى أو الدليل.
2 - التكامل بين فني الكلام والاستماع، بمعنى أن الكلام يحتوي على العناصر التي في فن الاستماع، وهي: اللفظ والمعنى، والدليل على ذلك فهم المستمع -عادة - لما يقوله المتكلم.
وأما عن تحليل الحدث اللغوي في التواصل الكتابي فيبينه الشكل التالي:
تحليل الحدث اللغوي الكتابي
file:///F:/DOCUME%7E1/ph/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image004.gif
وبالنظر في الشكل السابق نرى ما يلي:
1 - أن الحدث اللغوي الكتابي يحتوي على فئتين، هما: الكتابة، والقراءة.
2 - أن الجانب الفكري من الحدث اللغوي يمثل ثلثي الحدث اللغوي، وأن النشاط الظاهر يمثل ثلث الحدث.
3 - أن هناك علاقة بين الكتابة والقراءة تظهر في أن العنصرين المكونين للكتابة، وهما اللفظ والمعنى، أو الأسلوب والمحتوى هما نفساهما عند القارئ وإلا ما استطاع أن يفهم ما يقرأ.
وتبدو علاقة اللغة بالتفكير فيما يلي:
عملية التفكير وتنميتها هدف أساسي من أهداف التربية، كذلك فالقدرات اللغوية أساسية في عملية التربية، وقد أشار المفكرون في أكثر من موضع إلى أن هناك علاقة متبادلة بين التفكير والنشاط اللغوي، وبين النمو اللغوي والنمو العقلي، وإذا كان الأمر كذلك فمن المفيد أن نعرض لصلة عملية التفكير باللغة فيما يلي:
1 - صلة عملية التفكير باللغة: أ- اللغة أساس عملية التفكير:
هناك ارتباط كبير بين نمو الكلام، ونمو التفكير، إذ إن المعاني التي تمثلها الكلمات هي المادة الخام التي يستخدمها العقل في عملية التفكير بصورها المختلفة،ولذلك نرى الأصم -مثلا- وهو من فقد القدرة على سماع اللغة والتحدث بها لا يرتقي فكره إلى المستوى المجرد من التفكير، ولا يرى في الأمور إلا ما هو حسي منها.ويميل الكبار دائما لأن يقولوا للصغار، اسكتوا، كونوا هادئين.. إلخ، ولكن –لحسن الحظ - لا ينجح الكبار في إسكات الصغار، إذ يستمرون دائما في تنقيط الكلام كالحنفية
التالفة، فهي تنقط الماء، وترشه باستمرار، وما يفعله الصغار ليس تمردا محضا -
بالطبع - كما يبدو من أول نظرة، فتفكيرهم وتصورهم العقلي مرتبطان أشد ارتباط
بالتعبير الصوتي الذي يجدون من الصعب عليهم أن يبعدوا عنه، فالطفل يتحدث لنفسه حينما يحاول أن يفهم تركيب لعبة الطائرة التي أمامه، والبنت الصغيرة تبقى في محادثة حقيقية مع لعبتها عدة دقائق، وحين يفكر الكبار في شيء ما دون التعبير عنه يفكر فيه الأطفال ويعبرون عنه.
ب- اللغة تصاحب عملية التفكير:
تتشابه اللغة والتفكير في أنهما يتطلبان نفس العمليات الأساسية التي يعتمدان عليها فالقدرة على التجريد، والتصوير، وتكوين الأنواع مطلوبة في استخدام اللغة والتفكير في مستوييهما العاليين، وفي الحقيقة يمكن القول: إن اللغة والتفكير عملية واحدة، لقد كتب "كانت" الفيلسوف الألماني: التفكير هو الكلام للنفس، وأشار "والجسون" إلى أن التفكير استخدام غير صوتي للغة.
ويبدو أن الكلام الخفي يصاحب التفكير كما في القراءة الصامتة، وأن هناك قدرا معيًنا من السلوك اللفظي، وحركات الشفة واللسان تصاحب كثيرا من عمليات التفكير، فالتفكير الحقيقي أكثر من عملية داخلية بسيطة.
ج- اللغة تعبر عن التفكير:
منذ الطفولة المبكرة تنمي الكائنات الإنسانية العمليات الداخلية التي تتمثل في الإحساسات والإدراكات، وتختزنها في الذاكرة وتستدعيها فيما بعد، حتى في حالة عدم وجود المثير الذي أدى أصلا إلى هذه الإحساسات والإدراكات. وينمو الطفل عادة في بيئة اجتماعية تستخدم فيها لغة معينة وتظهر هذه اللغة العمليات الداخلية لمستخدمي اللغة في تعاملهم مع بيئتهم. وفي المرحلة المبكرة من تعلم اللغة تتوقف العمليات غير اللفظية للطفل على الرموز التي يستخدمها الآخرون في بيئتهم، وحينما يتمثل الطفل تركيب لغة تصير العمليات الداخلية لديه أكثر شبها بعمليات الكبار في مجتمعه أو -على الأقل- أكثر شبها بهذه العمليات الداخلية التي تمثلت في لغته. ورموز اللغة، أو العمليات الداخلية التي توجد في رموز اللغة لدى الفرد يمكن –باستمرار- أن تشكل التفكير وتحدد اتجاهه، وهي تمثل تنظيمات العمليات الداخلية المحصلة عن طريق التعلم أو الخبرات الماضية. ويروي فيجوتسكي عن "مانداستام" في قصيدة له قوله: حين نسيت الكلمة التي أردت أن أقولها، عاد فكري إلى دائرة الظلال. معنى ما سبق أن اللغة تسهل عملية التفكير، وتسمح له بأن يكون أكثر تعقيدا وكفاءة ودقة، وأنها بتركيبها الخاص تحدد مجرى التفكير ونوعه، وهذا يؤدي إلى أن يفكر مستخدمو اللغة بكفاءة أكثر أو أقل مما لو كانوا يستخدمون لغة أخرى.
ثانيا- اللغة العربية ودورها في التعليم.
الركن الأساسي في بناء الأمة العربية هو اللغة العربية الفصحى التي تمتاز من بين لغات العالم الكبرى بتاريخها الطويل المتصل، وثروتها الفكرية والأدبية، وحضارتها التي وصلت قديم الإنسانية بحديثها، ورابطتها التي لا تنفصم بكتاب مقدس، ودين يزيد معتنقوه عن خمس سكان العالم. وهذه الحقيقة يؤيدها التاريخ تأييدا قاطعا، فإن حياة الأمة العربية منذ نشأتها في شبه الجزيرة حتى إحياء دعوة القومية العربية في المرحلة الحاضرة من نهضتها، قد ارتبطت باللغة العربية الفصحى ارتباطا وثيًقا في كل أدوار تاريخها الطويل، فاستندت إليها في مهدها، واعتصمت بها في فترات انكماشها، واستمدت منها القوة، والإلهام في يقظتها الحديثة. لقد ظل عرب شبه الجزيرة زمًنا في جاهليتهم قبائل متفرقة، لكل منها لهجتها
وخصائص لسانها، ثم أخذت تلك اللهجات تتقارب وتعمل فيها عوامل الامتزاج والتنقيح والاختيار حتى برزت من بينها لغة موحدة اصطنعها كبار الشعراء في المواسم والأسواق العامة، وتناقل الرواة أجود الشعر بها في سائر أنحاء الجزيرة، وأصبح ذلك الأدب الموحد اللسان ديواًنا للعرب في معارفهم وفي نماذج أخلاقهم ومثلهم الفردية والاجتماعية، وكان ذلك إيذاًنا بمولد الشخصية العربية، وإرساء للحجر الأساسي في بنائها، وتمهيدا ضروريا للانطلاقة الكبرى التي حققها العرب تحت راية الإسلام، فقد ظهر فيهم في أوائل القرن السابع الميلادي رسول منهم، حررهم من الأوضاع الدينية والاجتماعية والسياسية الفاسدة، وجمعهم على عقيدة التوحيد، وجاءت آيته الدالة على صدق رسالته في صورة كتاب عربي مبين، معجز في نظمه، بالغ في روعته وتأثيره، جامع لما تتطلبه الحياة الفاضلة والدعوة المرشدة من أصول الإيمان، ومبادئ التشريع، وقواعد السلوك، وأخبار الأمم الماضية، وقصص الأنبياء والرسل، فوجد العرب في هذا الكتاب صورة مثالية عن عبقرية لغتهم الموحدة تحدث بها النماذج العليا للفصاحة والبلاغة في بيئاتهم، وضمن بها الانتشار والخلود لهذه اللغة، التي أصبحت لسان الرسالة السامية، وحاملة شعلها إلى جميع الألسنة والأجناس. وقد حرص صاحب الدعوة على أن يعطي العروبة في هذا المجتمع المثالي مفهوما جديدا، فنبه -فيما روى عنه- إلى أنها عروبة لسان لا عروبة سلالة، أو عصبية، فمن رضي العربية لساًنا فهو من العرب، وإن كان في حساب السلالات حبشيا أو فارسيا. وبهذا تحققت الخطوة الأساسية في نمو الشخصية العربية، واتساع كيانها، وأعد المسرح لظهور أمة مؤمنة موحدة المشاعر واللسان، وتحررت الطاقات الروحية والعقلية للعرب -تحت راية التطور الجديد - فانطلقوا ينشرون دعوة التوحيد، ويحررون شعوب الأرض من سلطان العقائد الفاسدة، ويبيعون أرواحهم بين السماح في سبيل الدفاع عن الدين الحق، ويسجلون أروع ما عرفت البشرية من صفات البطولة والنبل والمروءة والتسامح والإخاء والعدالة بين الناس، وأقبلوا وأقبلت الشعوب المستظلة بظل حكمهم على كتاب هذا الدين يدرسونه ويستنبطون منه ما شاءت لهم طاقاتهم أن يستنبطوا من دراسات، وعلى لغة الفصحى ينهضون بفنونها وعلومها، ويسجلون بها روائع الفكر والأدب، وشهد العالم نشأة حضارة عالمية شاملة، تفسح صدرها لجميع الثقافات، وتوفر حرية الضمير والاعتقاد لكل مواطن، وتتخذ من لغتها الفصحى رابطة إنسانية مكينة، توحد بين شعبها في الفكر والحياة، وتسهم في رقي البشرية في كل ميدان من ميادين المعارف والفنون.
بعض خصائص العربية:
من أهم خصائص اللغة العربية أنها لغة اشتقاقية، وهذا الاشتقاق أكسبها مرونة ومناعة في وقت واحد، فسمح لها بخلق ألفاظ جديدة، وحافظ على ثروتها وحماها من الزيغ والشطط. والاشتقاق باب واسع تستطيع به اللغة أن تؤدي معاني الحضارة الحديثة على اختلافها، والاشتقاق في العربية يقوم بدور لا يستهان به في تنويع المعنى الأصلي، إذ يكسبه نواحي مختلفة بين طبع، وتطبع، ومبالغة، وتعدية، ومطاوعة، ومشاركة، ومبادلة.. إلخ. ولا نزاع في أن منهج اللغة العربية الفريد في الاشتقاق قد زودها بذخيرة من المعاني. والواقع أن تركيب الكلمات في العربية أكثر تعقيدا، وليس من السهل وضع الصيغ المختلفة للأصل اللغوي تحت معنى واحد، فلكل صيغة معناها الخاص بها، فمثلا صيغة (فعلان) تدل على الاضطراب والحركة، مثل طيران، وصيغة (فعلان) تدل على الأدواء مثل صداع، وصيغة (مفعال) تدل على الأغلب على عادات الاستكثار مثل مطعام. وصيغ الأفعال وأوزانها في العربية عامل من العوامل التي تثري اللغة، والتي تمكنها من الدلالة على فروق وظلال تضاف إلى المعنى الأصلي، فما الزيادة في المبنى إلا زيادة في المعنى. كذلك من خصائص لغتنا أنها في بنيتها وتركيبها لا تحتاج الجمل الخبرية فيها إلى To be إثبات ما يسمى في اللغات الأوربية "فعل الكينونة" وهو في الإنجليزية مثلا فنحن نقول في العربية على سبيل الإخبار "فلان شجاع" دون حاجة إلى أن نقول "فلان هو شجاع" أو "فلان كائن شجاعا" ونقول "كل إنسان فان" دون حاجة إلى أن نقول "كل إنسان يكون فانيا" أو "كل إنسان يوجد فانيا" أو "كل إنسان كائن فانيا". معنى هذا أن الإسناد في اللغة العربية يكفي فيه إنشاء علاقة ذهنية بين "موضوع ومحمول" أو "مسند ومسند إليه" دون حاجة إلى التصريح بهذه العلاقة نطًقا أو كتابة، في حين أن هذا الإسناد الذهني لا يكفي في اللغات الهند أوربية، إلا بوجود لفظ صريح مسموع أو مقروء يشير إلى هذه العلاقة في كل مرة، وهو فعل الكينونة في اصطلاحهم.
تعليم اللغة العربية:
هذه اللغة العربية لم نتلقها التلقي المباشر المشافه، بل تلقيناها تلقيا غير مباشر، ولا مشافه، وسبب هذا الذي وصفنا أن هذه اللغة قد عاشت في مهدها في الجزيرة العربية ما عاشت من الزمن في عزة من أهلها، حتى كانت الهجرة بعيدة المدى التي
دفعهم إليها الإسلام، فخرجت اللغة مع آلاف من أهلها، فتفرقت معهم اللغة أوزاعا، وجعلت هذه العربية تتفاعل مع ما خالطت من لغات، فلا تعطي فقط، بل كانت تأخذ كذلك، سنة الحياة في اللغات والحضارات الغالبة والمغلوبة، وظل الإسلام يساندها بقوته المعنوية دهرا طويًلا في كل مكان حتى اليوم؛ لأنها لغة كتابه، ولسان ثقافته، والسبيل الوحيد لمعرفته. ولم يغفل العرب منذ أول الأمر أثر اللغات الأخرى في تركيب العربية وصوغها وبيانها، وهبوا يحاولون أن يحفظوا على العربية تماسكها، عناية بعقيدتهم وقوميتهم. خرجوا إلى البادية حيث البقية الباقية من خالص العربية، أو استقدموا إلى حواضرهم من أهلها من استقدموا ليلقوهم ما عندهم وليتلقوا منهم بالممارسة والمشافهة التي هي طبيعة الأمر في تلقين اللغات، وأقرب الطرق وأسلمها في كسب اللغة الحية. وما كان التلقي بالممارسة ليدوم أجيالا طوالا، فما لبث الباقون بالبادية أن تغير حالهم، وما لبث القادمون إلى الحاضرة أن لان جلدهم. ولما عزت الممارسة اللغوية، والتلقي المباشر عن مشافهة، فزعوا إلى الطريقة الثانية، وهي المدرسة، وكسب اللغة بالتعليم، وهي طريقة تحتاج إلى القواعد والأصول والضوابط والأسس التي يراض بها متعلم اللغة. وقامت المدارس، والمراكز الإسلامية، المنبثة في جميع البلاد العربية بدور مهم في الحفاظ على اللغة الفصحى التي تؤدي دورها الضروري في الحفاظ على التراث العربي الإسلامي، وفي تعهد الشعور بالعروبة في صدور أبنائها. لكن حين دهم العالم العربي بالأتراك، عمد هؤلاء إلى وأد اللغة العربية في دواوين الحكومة الرئيسة، وقد تأثرت اللغة العربية في هذا العصر بخصائص اللغة التركية تأثرا عظيما، فعربت الكثير من الألفاظ الدخيلة التي استعملها الحكام الأتراك، واستعيرت بعض قواعد اللغة التركية في تصريف الألفاظ أحياًنا كثيرة. أما الأسلوب العربي فكان ركيكا عاميا، وقد لجأ متأدبو ذلك العصر إلى السجع طويل الفقرات،وبالغوا في استعمال المحسنات البديعية من جناس وتورية في عبارة سقيمة عقيمة الأخيلة والأفكار، فمسخوا البلاغة العربية، مما ذهب برونقها، وبلبابها مبني ومعنى، وعكفوا على ستر ضعفهم بعبارات وأساليب اختلسوها من بطون كتب الأدب القديمة اختلاسا بينا. كذلك حاول المستعمر الإنجليزي القضاء على اللغة العربية بجعل لغته لغة التعليم فترة من الزمن، وقصر الحصول على فرص التعليم في أبناء الطبقة الأرستقراطية. لقد تعرضت اللغة في عهد الاحتلال لأزمات كادت تعصف بها لولا يقظة جمهرة كبيرة من الكتاب والمفكرين نذروا أنفسهم للدفاع عنها، ومقاومة جهود الاحتلال الخبيثة في إزاحتها وإحلال اللغة الإنجليزية محلها كلغة تعلم بها سائر المواد بحجة عجز اللغة العربية عن مسايرة التطور العلمي الحديث، وبحجة عدم وجود المراجع والكتب العلمية باللغة العربية حتى يستطيع كل من المعلم والتلميذ أن يتدارسها. وفي الجزائر –مثلا- كانت لغة التعليم الرسمية اللغة الفرنسية، كذلك البرامج لم يظهر فيها أثر للجزائر سوى لمحات في التاريخ والجغرافية نتيجة الخضوع لنظام السياسة الاستعمارية، أما حظ اللغة العربية فكان حظ اللغة الأجنبية، فما كان يخصص لها في بعض المدارس الابتدائية سوى ساعات محدودة لتعليم الحروف الهجائية، وفي المدارس الثانوية كانت العامية تزاحم الفصحى، وتدرس العربية بالفرنسية، وفي الواقع كانت إرادة النظام الاستعماري وضع اللغة الفرنسية فوق اللغة العربية واعتبارها (الفرنسية) لغة رسمية وحيدة في التعليم والإدارة قاصدا محو اللغة العربية من القطر الجزائري. معنى ما سبق أن المستعمر انجليزيا كان أو فرنسيا، حاول أن يطمس معالم اللغة العربية، ويحل لغته محلها، لما يرتبط بذلك من فرض أفكاره، وسيطرته الثقافية على أبناء الوطن المستعمر، ولعلمه أن اللغة العربية وما تحمله من ثقافة أصيلة كفيلة بأن تبعث في وجدان أبنائها الحمية، والدفاع عن أوطانهم ضد الغزاة المتسلطين، وقد سبق أن ذكرنا أن اللغة العربية حافظت على وحدة الوطن العربي برغم الهزات العنيفة التي مر بها، كذلك حافظت على تقاليده العريقة الأصيلة، وحملت كل ما تحمله اللغات الحديثة من علم وفن وأدب. وعلى أية حال، فهناك شعور عام في أرجاء الوطن العربي بأهمية العناية باللغة القومية، وتعليمها سواء على المستويات الرسمية أو الشعبية؛ ولذا هب كثير من الباحثين في اللغة العربية يتعرفون أجدى الوسائل في تعليمها، وفي غرس الميل إليها في نفوس أبنائها، ويتعرفون كذلك أسباب الإخفاق في تدريسها، ويعالجون ذلك بالوسائل التي يرونها. ولا يستطيع الفرد، وهو يتحدث عن تعليم اللغة العربية في المدارس المصرية والعربية أن يغفل القفزة الكبرى التي أحدثها أساتذة أجلاء من قبل في تعليم اللغة العربية، وأساليب تدريسها، وقد كان لهؤلاء فضل السبق، وفضل التجديد، وفضل الابتكار، فالوثبة الكبرى التي أحدثتها التجارب التي قامت بها الفصول التجريبية في مدرسة الأورمان الابتدائية في الثلاثينيات وما قامت به مدرسة النقراشي النموذجية في الأربعينيات والخمسينيات تحت إشراف الأستاذ المرحوم إسماعيل القباني تؤكد الاتجاه نحو ابتكار أساليب جديدة لتعليم اللغة العربية. وهناك تطور كان له أثره الكبير في تغيير التفكير في تعليم اللغة، وله فلسفة خاصة تقوم على أن اللغة أداة تواصل تتمثل في فنون أربعة، هي: الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة، وعلى أن تعليم اللغة يجب أن يتم في ضوء هذه الفنون الأربعة، وفي وحدة وتكامل، وعلى أن فروع اللغة ليست إلا أداة لتحقيق التواصل اللغوي بين الناس. هذا التطور الأخير أحدثته مجموعة من الأستاذة الذين سافروا إلى الخارج، وأفادوا من الدراسات الأجنبية في تعليم اللغات القومية، والأمل كبير في أن يستمر هذا الاتجاه، ويأخذ بالمستحدثات العلمية في ميدان تعليم اللغات. آية لغة ينبغي أن تعلم؟ الفصحى أو العامية؟ مرت اللغة العربية بدور من أخطر أدوارها حين أراد الاستعمار أن ينحيها عن ميدان الفكر والحياة، وأن يفرض لغته في مجال التعليم، وأقل تأمل يقنعنا بأن هدم اللغة العربية يحمل في طياته تقويضا لمفاهيم الإسلام، لأن العربية لغة القرآن، والقرآن –كما هو معلوم- لا سبيل إلى ترجمته ترجمة صحيحة وافية إلى أية لغة أجنبية، أي أن قراءته بالعربية أوفى وأكمل. لذلك رأيناهم في السنى الأخيرة يبثون العملاء هنا وهناك للدعوة بالقلم واللسان في إطراح اللغة العربية، والعناية باللغات العامية واللهجات الإقليمية، فإذا تم لهم ما يريدون حققوا في الوقت نفسه ما يرمون إليه من تقويض وحدة العرب، وتفتيت القومية العربية التي يدركون أن ركيزتها الأولى هي اللغة العربية الفصحى. وما نريد هنا أن نتحدث عنه هو أن هذا أمر قد ذاع وشاع، ونبه إليه ذوو العزم من كتابنا، ولكنا نود أن نشير إلى ما جاء في تحقيق عن اللغة العربية في بلد عضو في الجامعة العربية، وهو "موريتانيا" فمنذ أكثر من ستين سنة، أي منذ دخلت جيوش فرنسا أرض موريتانيا، لم تتوقف الإدارة الفرنسية عن محاربة اللغة العربية، ومنذ استقلال البلاد في نوفمبر عام 1960 م، نشأت مشكلة اللغة الرسمية، واستخدم الفرنسيون كل وسائل الضغط المعروفة لاعتماد اللغة الفرنسية لغة للدولة، مع أن 75 % من أهل موريتانيا يتكلمون اللغة العربية. واهتم الأجانب في مصر –علاوة على فرض لغتهم على التعليم - بدراسة اللهجات العربية العامية، وكان من مظاهر هذا الاهتمام:
1 - إدخال تدريس اللهجات العامية في مدارسهم وجامعاتهم؛ بل إنشاء مدارس خاصة لدارسة هذه اللهجات.
2 - اهتمامهم بالتأليف في اللهجات العامة.
وقد دعا المستشرقون الأجانب أيضا إلى:
1 - اتخاذ الحروف اللاتينية لكتابة العامية. 2 - اتخاذ العامية لغة أدبية. 3 - اتخاذ العامية لغة كتابة وتأليف.
وكانت الأسباب التي دعت هؤلاء وأمثالهم إلى اتخاذ هذا الموقف ما يلي:
1 - سهولة الكتابة بلغة الحديث، ولا تظهر مثل هذه السهولة في العربية الكلاسيكية، وذلك بد ً لا من أن يجبر الطالب على الكتابة بلغة غريبة على الجيل الحالي غرابة اللاتينية على الإيطاليين مثلا.
2 - الالتزام بالعربية الكلاسيكية، لا يمكن أن يؤدي إلى نمو أدب حقيقي متطور؛
لأن الطبقة المتعلمة قليلة العدد، وهي وحدها التي يمكن أن يكون الكتاب في متناول يدها.
3 - استخدام اللغة العربية الفصحى أدى إلى عدم وجود قوة الاختراع لدى العرب.
4 - صعوبة اللغة العربية في التعليم.
وقد تصدى للرد على هذه الدعاوى كثيرون، كان من أهم الأسباب التي رفضوا بها الدعاوى السابقة ما يلي:
1 - العامية ضيقة لفظا وفكرا:
إن اللغة التي يستخدمها الفرد في حياته اليومية لقضاء حاجاته ومطالبه ليست هي اللغة الثقافية التي يمكنها أن ترقى بعقل الإنسان فكريا أو ثقافيا، فهي لغة حديث واستماع تجري بها حياة الناس من غير دقة أو إتقان، وليست لغة قراءة وكتابة تمكن الفرد من اكتساب المعرفة والإلمام بتراث أمته الثقافي، والارتباط بعالم أمته المعاصر؛ ومن ثم كان لا بد من أن تكون لغة التعليم هي لغة الثقافة والفكر. ومما هو معروف أن اللغة أداة من أهم أدوات الفكر الإنساني، فهي تمده بالرموز، وتحدد له المعاني، وتمكنه من أداء الأحكام، ومن تخريج الأفكار، وتكوين المقدمات، واستخراج النتائج ... إلخ، ولكي تكون اللغة هذه الأداة يجب أن تكون لغة نامية تقدم الفكر، وتنميه. يجب أن تكون لغة منطقية حساسة غنية بما تستطيع أن تعبر عنه من المعاني والأفكار، وأن تكون دقيقة تفرق بين ألوان من المعاني المتداخلة المتقاربة. كذلك فإن ألفاظ العامية قليلة العدد في أية لغة راقية، وفي مثل هذه اللغات يزداد المحصول اللغوي للشخص باستمرار عن طريق القراءة والاطلاع، فلا يقرأ كتابا إلا ويخرج بزيادة على هذا المحصول اللغوي، ولا سبيل إلى ذلك في العامية، حيث هي لغة غير مقروءة، ولا مكتوبة في الواقع. ومن العقبات في طريق التفكير الفقر في الألفاظ، فالإنسان لا يستطيع أن يفكر تفكيرا كاملا إذا لم يجد لفظا مناسبا لكل مدرك أو فكرة، إن عدد الكلمات التي يفهمها الشخص بوضوح في أي ميدان من ميادين الفكر له دلالة على المدى الذي يستطيع أن يصل إليه في التفكير في هذا الميدان.
2 - الحفاظ على التراث الديني والثقافي: يرتبط تعليم اللغة بناحيتين أساسيتين:
أحدهما: ناحية دينية لها قداستها، وهي ناحية الحفاظ على تراثنا المقدس، القرآن الكريم، والحديث الشريف، والانحراف عن العربية الفصحى انحراف عنهما، ومن ثم يصيبهما مع الأيام التغيير والتبديل وتنقطع الصلة بيننا وبينهما، وفي ذلك ضياع
الماضي والحاضر والمستقبل.
والأخرى: ناحية قومية لها أهميتها، وهي ناحية الحفاظ على التراث العربي شعرا، وفكرا، وثقافة، ومن ثم الحفاظ على الرابطة بين أبناء الأمة، والتسليم بأن تكون العامية لغة علم ومعرفة وتعليم وثقافة لا يحقق الوحدة الفكرية بين أبناء الوطن العربي كله، وستصبح مصر يوما ولها لغتها، وللعراق لغته، ولكل بلد عربي لغته، ومن ثم فإنه في هذه الحال لا سبيل إلى التفاهم أو الوحدة التي تعد اللغة من أبرز مقوماتها.
3 - تباين العاميات:
لا يمكن الاعتماد على اللهجات العامية في التعليم، ولا في حفظ التراث لتباينها واختلاف أوضاعها، ولا يمكن الاعتماد –كذلك- على أي منها؛ لأن كلا منها تختلف عن أختها اختلاًفا بيًنا. والادعاء بأن العامية يمكن ضبطها أو استخدامها في الكتابة ادعاء باطل لا يمكن تحقيقه؛ ذلك لأن التحريف وعدم مراعاة القواعد في العامية ليس واحدا عند الناس، ولا متفًقا عليه؛ بل كل واحد يذهب فيه ما شاء، فهو مختلف باختلاف الأفواه، وعلى فرض أننا جمعنا تحريفات العامية وأحصيناها، ونظرنا في تشابهاتها، ووضعنا لها قواعد وضوابط، فمن الذي يضمن لنا عدم خروج العامة عنها مدفوعين إلى ذلك بالأسباب التي أخرجتهم عن قواعد لغة القرآن؟
-4 اللغة العربية لغة ذات حضارة عريقة:
أما ادعاء أن الاستكشافات كثيرة، وليس في العربية كلمات للدلالة عليها فهو ادعاء مردود عليه بأن اللغات إنما تنمو بنمو فكر أبنائها وصنائعهم، ولا يمكن أن تنمو مفرداتها في فراغ، وما حل باللغة العربية من جمود في العصر الحديث إن هو إلا نتيجة للتخلف الحضاري الذي ران دهرا على قلب الوطن العربي، هذا علاوة على أن العربية ظلت لغة العلم والثقافة لفترة طويلة، والشاهد على ذلك ما ترجم منها إلى كثير من لغات العالم، وبخاصة في ميادين الطب، والفلسفة، والفلك، والطبيعة، والرياضيات. ومازالت اللغة العربية تحمل معها وسائلها المختلفة التي تمكنها من النهوض والرقي والاتساع، ومن أهم هذه الوسائل:
أ- الاشتقاق. ب- النحت. ج- الاقتراض. د- القياس
ومهما يكن من أمر، فيجب أن نعترف أنه إذا كان في العربية قصور فهو قصورنا.
التقريب بين العامية والفصحى:
ظهر بجانب دعاة استخدام العامية في التعليم، ودعاة استخدام الفصحى فيه فريق
ثالث، هو في الحقيقة أقرب إلى دعاة الفصحى، ويدعو هذا الفريق إلى أن نأخذ من لغة الكلام الألفاظ الفصيحة الشائعة فيها –وهي كثيرة- وذلك بهدف التقريب بين اللغتين، وبهدف تعليم الأطفال الألفاظ التي تسهل عليهم ومساعدة سواد الشعب على القراءة والاطلاع، وفي هذا الاتجاه خدمة للفصحى وإسهام في نشر الثقافة. ولقد نادى بهذا الاتجاه كثير من القادة والمفكرين والمربين، منهم على سبيل المثال إسماعيل القباني، وعبد العزيز القوصي، وإبراهيم بيومي مدكور، ومحمد فريد أبو
حديد، نادوا بوجوب العمل على التقريب بين العامية والفصحى، أما وسيلة هذا التقريب فهي أن نتأمل في حال هذه العامية، ونحاول تحديد خصائصها، وهذا يساعدنا على تصحيح العامية وردها إلى الفصحى، والألفاظ العامية أكثرها إما صحيح قرشي، وإما صحيح في لهجات العرب، وإما محرف تحريًفا قريبا، يقصد به التسهيل. والذي يعنينا هنا أن نثبت أن الفرق لا يزال ضئي ً لا بين العامية والفصحى، ومن اليسير تدارك الأمر إذا عنينا بجمع كل المفردات العامية، وعنينا بإعادة الاعتبار إلى كل ما يمكن رد الاعتبار إليه، وصححنا كل ما يمكن تصحيحه منها بغير إبعاد لها عن صورتها كلما أمكن ذلك.
وليس من خير الفصحى أن يقوم بينها وبين العامية عزلة موحشة، فما الكلمات العامية في حقيقتها إلى مصنوعات وطنية نسجت من خيوط عربية، وصقلتها ألسن عربية، وأصبحت لنا بها ألفة وأنس، وهي لغة الحديث لخاصتنا وعامتنا.
وتدل نتائج دراسة قدري لطفي في الدكتوراه على أن ما يقرب من 72.8 % من الكلمات الأكثر شيوعا والموجودة في كتب القراءة في الرياض في السنتين الأوليين من المرحلة الابتدائية موجودة في العامية. كذلك تدل دراسة رضوان في الماجستير على أن ما يقرب من 80 % من الكلمات التي يستخدمها الطفل المصري في سن دخول المدرسة مشترك بين العامية والفصحى، ويقصد بالاشتراك هنا أنها إما تتفق اتفاًقا كاملا في النطق كما هي الحال في كلمات مثل باب، وأرنب.. إلخ، أو أن تتفق إلى حد كبير كما هي الحال في كلمات مثل: كبير، وموز، وصغير ... إلخ.
وتدل دراسة فتحي يونس في الدكتوراه الخاصة بلغة الأطفال المصريين الشفهية في الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية على أن نسبة الكلمات العامية في لغة الطفل ولا تكاد تمت إلى الفصحى بصلة، مثل: دول، ولسه، والكلمات الأجنبية مثل بوليس وماتش بلغت 3.5 % من مجموع كلمات الأطفال في الصف الأول، و 2.5 % من مجموع كلماتهم في الصف الثاني، و 2% تقريبا من مجموع كلماتهم في الصف الثالث. ولكن.. ما السبيل إلى التقريب بين العامية والفصحى؟
1 - التعليم ونشر الثقافة:
إن نشر الفصحى وتقدمها وإعادتها إلى سالف العهد بها لا يكون بزيادة ساعات القواعد، ولا بحفظ قوائم الكلمات التي تتفق فيها الفصحى والعامية، بل يكون ذلك بالأخذ بأسباب الحضارة الفكرية الحديثة، ويكون بنشر العلم وغرس طرق التفكير المنهجي، ويكون بإغناء العقل والفكر والنفس بكل ذي قيمة من علم وفن وأدب، أي يكون بنشر أنماط الحضارة التي ترتبط تلقائيا بالفصحى، والمستويات العليا من التعبير اللغوي، ولا يمكن ذلك إلا بدراسة أنماط الواقع الحضاري، وأنماط الواقع اللغوي، ومعرفة كيفية توزيعها على السلم اللغوي، وبعد أن تتضح الصورة كما هي في الواقع تأتي الخطوة التالية، وهي تهيئة العوامل التي تقوي النمط الذي نختاره نموذجا يحتذى، والعوامل التي تضعف الآخر في الوقت ذاته.
2 - البث الإذاعي:
الإذاعة عامل فعال في توحيد اللهجات، والتقريب بين لغة الحديث ولغة الكتابة، وهذا العامل متصل الأثر ومباشر وواسع النطاق يفوق في نتائجه المجامع والمدارس والكتب وغيرها من عوامل توحيد اللهجات. وصوت الإذاعة الذي يغطي الرقعة العربية كلها مع اختلاف لهجاتها، ويشملها جميعا في نفس الوقت دون توقف، وتتفتح له الأسماع لطلاوته وجاذبيته حقيق بأن يقرب اللسان العربي المبين إلى الأسماع كلها، فتألفه وتقبل عليه وتردده، وتأخذ به، وسرعان ما يصبح حقيقة واقعة نافذة ملموسة دون أن يحيط بها شيء من العنت أو الإرهاق. ولسنا بمغالين إن قلنا: إن الفروق الكبيرة بين اللهجات التي كانت فيما مضى تجعل من العسير على عربي من العراق أو في الجزيرة العربية أن يفهم عربيا من مصر أو من المغرب قد زالت.
3 - التوفر على دراسة العامية:
من اليسير التقريب بين لغة الخطاب ولغة الكتابة إذا نحن عنينا بجمع كل المفردات العامية، وعنينا بإعادة الاعتبار إلى كل ما يمكن رد الاعتبار إليه، وصححنا كل ما يمكن تصحيحه منها بغير إبعاد لها عن صورتها كلما أمكن ذلك. والتزود بالمعلومات الكافية عن الكلمات وعن نواحي قصورها من شأنه أن يفيد كل أنواع المهن التي تعتمد على الاستعمال الفعال للغة فالكتاب على اختلاف ميادينهم، والصحفيون والوعاظ، والمحاضرون، وكل القائمين على شئون الدعاية والإعلام، وكذا جماهير هؤلاء وقراؤهم، كل هؤلاء يمكن أن يجدوا كثيرا من الثمرات، وأن يجتنبوا كثيرا من السقطات والزلات إذا وضحت في أذهانهم قضايا الألفاظ ومشكلاتها، وإذا ما طبقت المناهج الواضحة الدقيقة للدراسات اللغوية بإحساس واع، وربما استطاعت هذه المناهج أيضا أن تزود دارسي الأساليب بوجهة نظر ومقاييس أكثر واقعية مما كانوا يعرفون من قبل. وفي مثل هذه الدراسات فائدة كبيرة، فيها فائدة للشاعر، والكاتب، ولأستاذ العربية، وطالبها –بوجه خاص - فلا يقدم الأستاذ على شجب ألفاظ يستخدمها الطالب في تعبيره بحجة أنها عامية نابية، ويصدر حكما ربما جانب الصواب فيه، تبعد به هذه الألفاظ عن ميدان التحرير والكتابة، ويتشكك الطالب في مفردات لغته ويتحير فتجمد أمامه ألفاظ العربية لأنها أصبحت عاجزة عن إظهار شعوره، ومكنون نفسه نحو ما يحبه ويتوق إلى التعبير عنه، وبهذا نزيد من ثقل العربية على أبنائنا الطلاب فتضيق نفوسهم بها ذرعا، وإن أقبلوا عليها مضطرين لأنها وسيلة النجاح بعد أن جعلتها الدولة مادة تتحكم في مستقبلهم.
اللغة العربية في المنهج المدرسي:
تعد اللغة العربية إحدى الوسائل المهمة في تحقيق المدرسة لوظائفها المتعددة؛ لأن اللغة أهم وسائل التواصل والتفاهم بين التلميذ وبيئته، وهي الأساس الذي تعتمد عليه تربيته من جميع النواحي، كما يعتمد عليها كل نشاط يقوم به سواء كان ذلك عن طريق الاستماع والقراءة أو عن طريق الكلام والكتابة. ويهدف تعليم اللغة العربية منذ بداية المرحلة الابتدائية إلى تمكين الطفل من أدوات المعرفة عن طريق تزويده بالمهارات الأساسية في القراءة والكتابة والتعبير، ومساعدته على اكتساب عاداتها الصحيحة واتجاهاتها السليمة، والتدرج في تنمية هذه المهارات على امتداد المراحل التعليمية، بحيث يصل التلميذ في نهاية هذه المراحل إلى مستوى لغوي يمكنه من استخدام اللغة استخداما ناجحا عن طريق التحدث والكتابة والقراءة والاستماع، مما يساعده على أن ينهض بالعمل الذي يختاره وعلى أن يواصل الدراسة في المراحل التعليمية التالية. من هنا نرى أن اللغة العربية ليست مادة دراسية فحسب، لكنها وسيلة لدراسة المواد الأخرى، وإذا استطعنا أن نتصور شيئًا من ظواهر العزلة والانفصال بين بعض المواد الدراسية فلا يمكننا أن نتصور هذا الانفصال بين اللغة وغيرها من المواد الدراسية، علمية كانت أو أدبية. والاعتبارات العامة وراء تعليم اللغة القومية ما يلي:
1 - أنها الأداة التي تساعد التلميذ على عملية التفكير والنشاط العقلي عموما.
2 - أنها الأداة التي يستخدمها التلميذ في الاتصال بالمجتمع، والتعامل مع غيره من الأفراد لتحقيق المنافع والحاجات.
3 - أنها الأداة التي يستخدمها التلميذ في السيطرة على المواد الدراسية المختلفة في المدرسة، وعلى مقدار نموه في النواحي اللغوية المختلفة يتوقف اكتسابه لما تشتمل عليه هذه المواد من معلومات واتجاهات ومهارات ... إلخ.
4 - أنها الأداة التي سوف يستخدمها التلميذ في تثقيف نفسه بعد خروجه إلى الحياة العملية.
ولاشك في أن خطة اللغة العربية في كل بلد عربي تلقي ضوءا على نظرة البلد إلى هذه المادة، وتقويمه لها، ولأثرها في إعداد أجياله الحاضرة. فكل بلد يقدم خطة اللغة العربية بقدر ما يتمثل من جدوى هذه المادة في تنشئة أبنائه، وتحقيق مطالب نموهم الجسمي، والعقلي، والاجتماعي، والعاطفي، والديني، ومن قدرتها على الإسهام في الوصول بهم إلى أهداف المجتمع، وأهداف المراحل التعليمية، وبقدر ما يتصور من حاجاتهم إليها في مواجهة مواقف الحياة ومتطلبات التقدم. وهناك أمر آخر له أثره القوي في هذا التقدير هو الإيمان بالشخصية العربية والرغبة الصادقة في الحفاظ عليها؛ لأن الهدف الأكبر لكل أمة في تنشئة أجيالها –كما يقول التربويون - هو تخليد شخصيتها. وهذه نماذج من خطة اللغة العربية في أربع دول عربية، وهي: جمهورية مصر العربية، والجمهورية العراقية، والجمهورية التونسية، ودولة البحرين، وقد اختيرت هذه الدول انطلاًقا من منطق الموقع الجغرافي، فمصر في قلب الوطن العربي، والعراق في شرقه، وتونس في المغرب، والبحرين في جنوبه تقريبا.
وفيما يلي بيان بخطة اللغة العربية في كل مرحلة يوضحها الجدول التالي:
نصيب خطة اللغة العربية من الخطة العامة للدراسة في بعض الدول العربية
file:///F:/DOCUME%7E1/ph/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image006.gif
وعلى أية حال، فخطة اللغة العربية في المرحلة الابتدائية في البلاد العربية يبلغ متوسطها 31.07 % من الخطة العامة في المدرسة الابتدائية، وهذه النسبة قريبة إلى حد كبير من النسب التي ذكرت في الجدول السابق. ومعنى ما سبق:
1 - أن خطة اللغة العربية –من ناحية الوضع الشكلي- تحتل صدر الخطة الدراسية العامة.
2 - أن حجم هذه الخطة يتدرج في جملته تدرجا تنازليا، وابتداء من المرحلة الابتدائية، ومن الصفوف الأولى بها حتى المرحلة الثانوية والصفوف العليا منها.
3 - أن حجم الخطة المقدر للغة العربية في مراحل الدراسة المختلفة يدل على إيمان وثيق، ورعاية لها، وليس ثم مجال تعليمي آخر في أية مرحلة من المراحل الثلاث ينافسها في ذلك. وعلى أية حال، فإن الوقت المخصص لتعليم اللغة العربية في مراحل التعليم لا يدل دلالة كبيرة على الكفاءة، ولا على النتيجة التي يؤدي إليها؛ لأن موقف التعليم لا يتكون من عنصر واحد، بل يتكون من عدة عناصر مختلفة، ويعد الوقت واحدا منها، وقد يكون من أهم العناصر، علاوة على ذلك مدى وضوح الأهداف بالنسبة للمعلم والمتعلم، ومدى مناسبة المادة المقدمة للمتعلم، ومدى ارتباط هذه المادة بالحياة، ومدى كفاءة الطريقة والوسيلة في إحداث أثر التعليم. وما قيمة الوقت إذا كانت الأهداف غير محددة؟ وما جدوى الساعات الطوال إذا كانت المادة المقدمة للتلميذ جافة، ولا تمس حاجة من حاجته، ولا تتصل بالتيارات الجارية في المجتمع؟
تقسيم اللغة العربية إلى فروع:
في خطة تعليم اللغة العربية نقطة ينبغي أن تناقش ألا وهي: تقسيم اللغة العربية إلى فروع، وتدريس كل فرع على حدة، فلقد جرت العادة أن تقسيم اللغة العربية إلى فروع ينص عليها في جدول الدراسة، ويخصص لكل فرع أو أكثر حصة بعينها أو
أكثر من حصة في الأسبوع، وهذه الفروع هي –في الغالب- القراءة والتعبير بنوعيه: الشفوي والتحريري، والقصة، والنصوص، والإملاء، والقواعد (قواعد النحو والصرف)، والأدب وعلوم البلاغة، وغالبا ما يدخل الخط ضمن فروع اللغة. وبالنظر في هذا التقسيم يمكن أن يقال: إن أساس هذا التقسيم غير سليم؛ لأنه أساس غير ثابت، ومن شروط التقسيم العلمي السليم ثبوت أساسه، ووجه الخطأ في تقسيم اللغة إلى هذه الفروع أن الأساس فيه تارة مادة الدرس وتارة أخرى طريقة التدريس، فهو إذن تقسيم على أساسين مختلفين، مثال ذلك فروع القراءة والنصوص والإملاء، والتعبير أساس تقسيمها الطريقة لا المادة؛ لأن المادة قد تكون واحدة في جميع هذه الفروع، فيطالع التلاميذ قصة من القصص، وقد يحفظونها، وتكون هي التي أمليت عليهم في كراساتهم أو نقلوها من السبورة للتدريب على الرسم الإملائي الصحيح، وربما كانت من وضع التلاميذ وتعبيرهم، وإذن فالموضوع الواحد عولج بطرق مختلفة، وعلى أساس طريقة العلاج سمي فرع اللغة مطالعة، أو إملاء أو غيرهما. وإذا نظرنا إلى النحو أو الصرف مثلا لم نجد أحدهما فرعا من فروع اللغة على أساس طريقة العلاج، فليس ثمة معالجة بطريقة خاصة كالقراءة، وإنما يشترك في تعليم النحو عدد من الطرق، منها القراءة والمناقشة، والتدريب، والحفظ... إلخ، كذلك الحال في الأدب، فهو لا يعد فرعا على أساس أنه طريقة من طرق علاج المادة، وإنما هو موضوع الدرس لا طريقة تدريسه، وهذه المادة تطالع أحياًنا، وتناقش أحياًنا أخرى، وتحفظ إذا كانت صالحة للحفظ، وعلى هذا، فالتقسيم التقليدي للغة إلى الفروع المعروفة غير علمي؛ لأنه ليس ذا أساس ثابت. ويمكن أن نتخذ للتقسيم أساسا جديدا هو وظيفة اللغة في الحياة، والغرض الذي نهدف إليه من تعليمها، فاللغة –منطوقة كانت أو مكتوبة- لها وظيفة أساسية هي تسهيل عملية التواصل بين الجماعات الإنسانية، ولهذا التواصل ناحيتان: ناحية التعبير لأن التواصل –عادة - يكون بين ؛Reception وناحية الاستقبال ،Expression طرفين، أحدهما المتكلم أو الكاتب، والآخر السامع أو القارئ، ومن هنا ينبغي أن تدرس اللغة ويتعلمها التلميذ على أن لها وظيفة ذات ناحيتين. ولا يمكن الفصل بين الناحيتين في الحياة اليومية، كما لا يمكن الفصل بينهما في حجرة الدراسة في أثناء التعليم، وكل ما هنالك أن الحصة الواحدة من حصص اللغة قد تغلب عليها إحدى الناحيتين: التعبير، أو الاستقبال. والنتيجة العلمية لهذه القضية هي أنه يجب على المعلم ألا يقصر درس القراءة مثلا على الاستقبال أو التحصيل، بل يشرك معه التعبير، وألا يخلي درس التعبير من التحصيل، وأن يدرس اللغة واضعا نصب عينيه الغرض الوظيفي منها. وإذا نظرنا إلى تدريس اللغة من هذه الزاوية الجديدة، وجدنا أن اللغة -مكتوبة أو منطوقة- تتضمن عنصرين أساسيين:
1 - عنصر الفكر. 2 - عنصر الأسلوب.
والفكرة هي المقصودة من عملية التواصل، والأسلوب هو الوسيلة التي تنقل بها .( الفكرة من المرسل إلى المستقبل( 1
وعلى ذلك ينبغي أن تدرس فروع اللغة لا على أنها غاية في ذاتها، ولكن على أنها وسائل، وبمراعاتها تؤدي اللغة وظيفتها الكاملة، ومن هنا نشأ الخطأ التقليدي في اللغة العربية، وهذا الخطأ هو: تعليم فروع اللغة على أنها غاية في ذاتها، فلقد أسرف المعلمون في تدريس قواعد النحو مثلا، وحفظها دون مراعاة لمدى أهميتها بالنسبة للمتعلم، ودون استخدامها استخداما فعالا في مواقف لغوية حقيقية؛ ولذا يشعر كثير من التلاميذ بعدم جدوى تدريس القواعد؛ لأنها تمثل في نظرهم الجفاف، والجمود، والبعد عن الواقعية.
الكفاءة في اللغة العربية والتحصيل في المواد الدراسية:
تؤدي اللغة وظائف مهمة في حياة الفرد –بصفة عامة - ومن أهم تلك الوظائف:
تسهيل عملية التواصل مع الآخرين، سواء كان التواصل على المستوى الفكري أو على المستوى المرتبط بالشئون اليومية الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، كذلك من وظائف ،Emotions اللغة تمكين الفرد من التعبير عن نفسه حتى يفرغ ما لديه من انفعالات ويتم ذلك –غالبا - بإنتاج اللغة في صورة ،Troubles ويتخلص من الاضطرابات أدبية، أو الاستماع إليها في تلك الصورة الأدبية العالية وتعد اللغة إحدى الوسائل المهمة في تحقيق المدرسة لوظائفها؛ لأن اللغة أهم وسائل التواصل بين التلميذ وبيئته، وهي الأساس الذي يعتمد عليه التلميذ في تعليمه وتربيته؛ ولذلك يعتمد عليها التلميذ في كل نشاط يقوم به سواء اتخذ ذلك النشاط شكل الاستماع والقراءة، أو شكل الكلام والكتابة. ويهدف تعليم اللغة منذ بداية المرحلة الابتدائية إلى تمكين الطفل من أدوات المعرفة، وتزويده بالمهارات الأساسية في القراءة والكتابة، ومساعدته على اكتساب عاداتها الصحيحة.
ولذلك ينبغي أن يعمل منهج تعليم اللغة في المرحلة الابتدائية على أن يصل التلميذ في نهاية تلك المرحلة إلى مستوى لغوي يمكنه من الدراسة –بسهولة- في ميادين المعرفة المختلفة، كالمواد الاجتماعية، والعلوم، والرياضيات... إلخ وما لم تنجح
المدرسة في تمكين التلاميذ من السيطرة على المهارات الأساسية للغة في المرحلة الابتدائية، فإنها –بذلك- تكون قد فشلت –إلى حد كبير- في تحقيق وظيفتها الأساسية، وهي تمكين التلميذ من استخدام اللغة في التواصل، والدراسة، وتزويد نفسه بالمعارف والمعلومات باستمرار. ومن أهم الاعتبارات وراء تعليم اللغة القومية –كما يذكر في مناهج وزارة التربية والتعليم. أنها -أي اللغة- الأداة التي يستخدمها التلميذ في السيطرة على المواد الدراسية المختلفة، وبمقدار كفاءته اللغوية يكون اكتسابه لما تشتمل عليه تلك المواد من معلومات وحقائق وأفكار؛ ولذلك تحتل خطة اللغة العربية -من ناحية عدد الساعات المقررة لها - .( صدر الخطة الدراسية العامة( 1 والفرد قبل أن يستخدم اللغة المكتوبة في التحصيل والتعبير يعد أميا وزوال الأمية معناه أن يقدر على استعمال اللغة المكتوبة، وهذه الوسيلة الجديدة تفتح أمام المتعلم أبواب المعرفة وتدني إليه العلوم. والمدرسة هي التي تقوم –عادة - بتعليم الأطفال القراءة والكتابة، وهي –بذلك- تضيف إلى وسائل التعبير والتحصيل عند المبتدئ وسيلة جديدة، هي اللغة المكتوبة. ومما هو ملاحظ أن القدرة اللغوية تودي دورا مهما في تحصيل الفرد للمواد الدراسية الأخرى، كالدراسات الاجتماعية والعلوم الطبيعية والرياضيات؛ لأن هذه العلوم تعتمد –بصورة أو بأخرى- على المفردات والتراكيب اللغوية في بنائها، وألفة التلميذ بتلك المفردات والتراكيب تساعده على الفهم، ومن ثم على التحصيل وحل المسائل الرياضية. وقد تختلف الرياضيات عن غيرها من العلوم في أنها تستخدم كثيرا في المسائل الحسابية بعض الرموز الرياضية، لكن هذه الرموز توجد في سياق لغوي، زد على ذلك أن من الرموز الرياضية ما يستعاض عنها بكلمات تدل عليها، مثل: زاد ما مع محمد عما مع سمير بمبلغ 15 جنيها، فإذا كان ما مع محمد 45 جنيها، فما مقدار ما مع سمير؟ فالكلمة (زاد) تشير أو توحي للتلميذ بالرمز ( -) في هذه المسألة، وقد توحي في غير ذلك بالرمز (+)، والسياق اللغوي أو التركيب اللغوي للمسألة يحدد هذا الرمز أو ذاك. وما لم يستطع التلميذ أو ً لا فهم الكلمات التي تحتوي عليها المسألة وفهم التراكيب التي تتكون منها ثانيا، فمن المتعذر عليه –بعد ذلك- أن يحلل المسألة إلى عناصرها أو يحل مشكلاتها. ولقد ذكر بيتي( 1) وزميلاه أن فنون اللغة هي المحور الأساسي لبرنامج المدرسة الابتدائية –بصفة خاصة- إذ إن تلك الفنون تمثل قاعدة كل الأنشطة الجوهرية في حجرة الدراسة، كما أن الفنون اللغوية وسيلة للسيطرة على المواد المختلفة في المنهج، وعلى هذا فالتدريس الجيد لفنون اللغة حيوي للبرنامج المدرسي كله، كما أنه ضروري لتعلم كل طفل سواء داخل المدرسة أو خارجها. ولذلك تعد مهمة مدرس اللغة القومية في المدرسة الابتدائية مهمة صعبة؛ لأنه ينبغي عليه أن يعمل على تدريب تلاميذه على القراءة في مجالات المعرفة الأخرى في الدراسات الاجتماعية، وفي العلوم والرياضيات ... إلخ. ومن هنا يلزم تدريب معلم المرحلة الابتدائية –بصفة خاصة- على كيفية القيام بتلك المهمة في أثناء إعداده معلما في كليات التربية أو في مؤسسات إعداد المعلمين. كذلك ينبغي أن يساعد معلمو المواد الأخرى معلمي اللغة العربية في القيام بالمهمة التي أشرنا إليها، وتتجلى المساعدة في المحافظة على الصحة اللغوية في التراكيب التي يستخدمها التلاميذ، وتوجيه هؤلاء إلى المشكلات اللغوية المختلفة التي تواجههم. وقد أشار مؤتمر الخبراء المختصين في اللغة العربية الذي عقد في عام 1974 م إلى أن من أخطر مشكلات تعليم اللغة العربية في الوطن العربي عدم التزام مدرسي المواد الأخرى غير اللغة العربية بالتحدث باللغة العربية الفصحى، وعدم تشجيع .( تلاميذهم على الحديث بها( 2 وقد درس الخبراء هذا الموضوع، وبحثوا أسبابه واستعرضوا المحاولات التي بذلت لمعالجته، وانتهوا إلى ما يلي:
1 - تخصص ساعات محددة لدراسة اللغة العربية في الكليات الإنسانية وفق برنامج مخطط.
2 - يتوقف نجاح الطالب في دراسته الجامعية على اجتيازه امتحاًنا خاصا في .( هذه اللغة( 1 15 سنة) قد تكون منتهية بالنسبة لعدد من التلاميذ، - ومرحلة التعليم الأساسي ( 6 وهم لذلك بحاجة إلى السيطرة على فنون اللغة الأربعة حتى يستطيعوا التعامل مع مجتمعهم بكفاءة، ومن ثم يمكنهم تحقيق أكبر قدر ممكن من التنمية الذاتية، وإذا لم تكن هذه المرحلة منتهية بالنسبة للباقين، فإن العناية باللغة تصبح في غاية الأهمية؛ لأنها أساس المراحل التعليمية اللاحقة، وعلى قدر نجاح التلميذ في هذه المرحلة يتوقف نجاحه في المراحل التالية، هذا علاوة على أن اللغة –وإن كانت غاية في حد ذاتها- إلا أنها وسيلة مهمة للدراسة، وبدونها لا يمكن للتلميذ أن يحقق تقدما في أية مرحلة تعليمية. وهناك علاقة إيجابية بين القدرة اللغوية والتحصيل الدراسي، ومن أجل ذلك يخصص لتعليم اللغة العربية في المرحلة الابتدائية ما بين 21 % إلى 35 % من الوقت الكلي للدراسة، وما بين 20 % إلى 22 % من الوقت الكلي للدراسة في المرحلة .( الإعدادية( 2
ومن أهم الاتجاهات الحديثة في تعليم اللغات القومية ترابط منهج اللغة مع مناهج المواد الدراسية الأخرى. وإذا كان الاتجاه في ربط فروع اللغة العربية في وحدة متكاملة يؤدي إلى النمو المتكامل للوظائف اللغوية عند التلميذ، فإن الاتجاه إلى ربط منهج اللغة بمناهج المواد الأخرى يؤدي إلى التكامل المعرفي عنده، كما يؤدي إلى إحداث نوع من الانسجام بين نوع المفردات وكميتها، ونوع التراكيب المقدمة في كتب اللغة وكتب المواد الأخرى. والعلاقة وثيقة بين اللغة والعلوم الأخرى؛ لأن اللغة هي الوسيلة الأساسية في تحصيل هذه العلوم والسيطرة عليها، وما لم تنم القدرة اللغوية للتلميذ نموا مطردا، فإن قدرته على تحصيل المواد المقدمة له سوف تضعف سنة بعد أخرى، فالعلاقة –إذن - إيجابية بين القدرة اللغوية ومستوى التحصيل في المواد الدراسية. ومن أهم وظائف وأهداف تعليم اللغة، وبصفة خاصة القراءة، سيطرة التلميذ على المهارات الأساسية للدراسة مثل: جمع المعلومات، وتحديدها، والتلخيص، والإجابة عن مشكلات مما يقرأ، ومهارة كتابة المذكرات، ومهارة التفحص، وكذا ينبغي أن يتسع برنامج تعليم اللغة لمثل تلك المهارات في دراسة المواد المختلفة المقدمة في المدرسة. والعزلة بين اللغة العربية والمواد الدراسية الأخرى أدت إلى وجود فجوة كبيرة بين هذه المواد ووسيلتها الأساسية وهي اللغة، كما أدت –في الوقت ذاته- إلى التفاوت الواضح في نوع المفردات والتراكيب المقدمة في المواد الدراسية، واللغة العربية، فمؤلف كتاب الرياضيات مثلا، أو كتاب العلوم، أو كتاب المواد الاجتماعية لا يمكنه أن يجيب عن السؤال التالي: ما المعايير التي تقف وراء استخدامك للمفردات أو التراكيب المقدمة فيما كتبت؟ ولذلك ينبغي أن يكون المستوى اللغوي لكتب اللغة العربية معروًفا لدى مؤلفي كتب المواد الأخرى، كذلك لابد أن يكون مؤلفو كتب اللغة العربية على دراية تامة بالمفردات .( والتراكيب المستخدمة في كتب المواد الأخرى( 1 مادة التاريخ، وأظهرت نتائج Readability وقد أجريت دراسة( 2) حول انقرائية تلك الدراسة فيما يتعلق بتلاميذ الصف السادس الابتدائي ما يلي: 1 - أن المادة صعبة جدا بالنسبة ل 89 % من العدد الكلي لأفراد العينة، وهي –بالطبع- نسبة عالية.
2 - وأن المادة سهلة أو مناسبة بالنسبة ل 11 % من العدد الكلي لأفراد العينة. وعلى هذا، فمعظم أفراد العينة يتعذر عليهم استخدام الكتاب المقرر، ونسبة ضئيلة من أفراد العينة تستطيع أن تقرأ الكتاب دون عنت أو مشقة. كذلك الحال بالنسبة لكتب التاريخ في الصف الأول الإعدادي والثاني الإعدادي. وقد قام المفتي( 3) بدراسة تهدف إلى معرفة أثر مستوى فهم التلاميذ بالصف السادس من المرحلة الأولى لمعاني مفردات اللغة على أدائهم في حل المسائل اللفظية، كما تهدف إلى معرفة أثر مستوى أداء هؤلاء التلاميذ في العمليات الحسابية الأربعة على أدائهم في حل المسائل اللفظية. وقد انتهت الدراسة إلى مجموعة من النتائج تؤكد العلاقة بين الفهم الجيد للغة ودرجات التلاميذ المرتفعة في المسائل اللفظية.
وقد ذكر فيما يتعلق بنتائج تلك الدراسة ما يلي:
1 - أظهرت مجموعة التلاميذ ذوي الفهم المرتفع للغة ومعاني مفرداتها أداء أفضل في المسائل اللفظية من مجموعة التلاميذ ذوي الذكاء المنخفض.
2 - أظهرت مجموعة التلاميذ ذوي الأداء المرتفع في العمليات الحسابية أداء أفضل في المسائل اللفظية، من مجموعة التلاميذ ذوي الأداء المنخفض.
وتدل هذه النتائج على أن فهم اللغة العربية، ومعاني مفرداتها يساعد على فهم المسائل الحسابية التي تعتمد في صياغتها على اللغة ومفرداتها. وقد ظهرت عدة دراسات تتعلق بانقرائية معظم المواد الدراسية منذ بداية في مجالات محددة لقياس انقرائية Formulas الخمسينيات، فوجدت معادلات الاختبارات المقننة، وانقرائية الصحف، والكتب المتخصصة ... إلخ. وقد استخدم في تقدير انقرائية المواد المختلفة عدة وسائل، منها: المعادلات، ( وآراء الخبراء وآراء المعلمين، وآراء الدارسين والجمهور، واختبارات التكملة( 1 The " في كتابه الشامل "قياس الانقرائية Klare " وقد ذكر "كلير ،Colze Test أن البحوث التي أجريت في مجال الانقرائية Measurement of Readability تنوعت تنوعا واضحا، وتناولت مجالات كثيرة بدءا من كتب الصغار إلى الجرائد والمجلات التي يقرؤها الكبار، ومن المواد المقررة العامة إلى المواد العلمية المتخصصة. وهناك دراسات في انقرائية المواد الاجتماعية والمواد العلمية والمواد الرياضية، .( والمواد الصحية، ودوائر معارف الصغار .. إلخ( 2
وقد لخص من هذه الدراسات 479 دراسة بدءا من عمل "ليفلي" و"بريسي" عام 1921 إلى الدراسات المتنوعة التي ظهرت في الخمسينيات Lively, Pressy والستينيات. (1) Klare, George, The Measurement of Readability,
وكان إحصاء "كلير" لتلك الدراسات مشفوعا بالحديث عن نتائجها والأدوات المستخدمة فيها.وقد أشار في أثناء عمله هذا إلى أن هناك عدة عوامل مهمة تؤثر في انقرائية المواد أيا كان نوعها، ومن أهم هذه العوامل: عدد الكلمات المختلفة، وطول الكلمات، وتجريدها، وطول الجملة، وعلاقة مكوناتها بعضها ببعض، وعدد حروف الجر، والمتعلقات والضمائر... إلخ، يضاف إلى ذلك ميول القارئ واستعداده وذكاؤه. وقد قام المؤلف بدراسة( 1) تدور حول علاقة الكفاءة في اللغة العربية بالتحصيل في المواد الدراسية المختلفة، وكان من أهم نتائج الدراسة وتوصياتها ما يلي: 1 - هناك علاقة إيجابية بين الكفاءة في اللغة العربية والتحصيل في الرياضيات والعلوم والتاريخ. وتفسير هذه العلاقة يكمن في أن هناك عام ً لا مشتركا بين تلك المواد كلها، وهذا العامل المشترك (العامل اللغوي) يؤثر بصورة فعالة في دراسة تلك المواد وفي تحصيلها. والعامل اللغوي ليس عام ً لا واحدا، وإنما هو عامل مركب أو عنصر مركب يتكون من المفردات، والتراكيب، والدلالة أو المعنى. وقد أشار إلى هذا العامل كثير من الدراسات السابقة التي ذكرها كلير في كتابه "قياس الانقرائية" المشار إليه.
2 - العلاقة بين الكفاءة في اللغة العربية والتحصيل في المواد الدراسية الرياضيات والعلوم والتاريخ يختلف من مادة دراسية إلى مادة دراسية أخرى، فبينما يبلغ متوسط هذه العلاقة 70 % بين اللغة العربية والمواد الاجتماعية، يبلغ 52 % في العلوم، و 42 % في الرياضيات. وتفسير اختلاف هذه العلاقة يكمن في أن العامل اللغوي (المفردات، والتراكيب، والدلالة) يختلف مدى ظهوره من مادة دراسية إلى مادة دراسية أخرى، فبينما يعتمد التاريخ على اللغة أساسا، علاوة على بعض المصطلحات القليلة أو المواقع، تعتمد العلوم على اللغة -إلى حد كبير - وعلى المصطلحات العلمية التي قد يواجهها التلميذ لأول مرة في حياته، ومن هنا تسبب له بعض الصعوبات في فهم وتحصيل ما يقدم إليه. أما الرياضيات فهي وإن كان للغة دور مهم في تحصيلها إلا أن هناك بعض العوامل الأخرى التي تسهم في تحصيل الرياضيات مثل فهم الرموز ومدلولاتها، وتوافر القدرات العقلية الخاصة، مثل القدرة الاستنتاجية، والقدرة العددية، والقدرة المكانية ، من القدرات الخاصة بالرياضيات. وقد ذكر أبو العباس( 1) عددا من العوامل التي تسهم في نجاح التلميذ في حل المسائل اللفظية، ومن أهم هذه العوامل:
- قدرة التلاميذ على التعامل مع الأعداد. - المهارة في إجراء العمليات الحسابية الأربعة.
- قدرة التلاميذ على قراءة اللغة وفهم مفرداتها.
3 - العلاقة بين الكفاءة في اللغة العربية، والتحصيل في المواد الدراسية المختلفة تختلف من مدرسة إلى أخرى.
ويمكن تفسير ذلك بأن مكونات الموقف التعليمي تختلف من مكان لآخر، كما أن تلك المكونات ومدى فعاليتها تؤثر في مستوى تحصيل التلاميذ. ويتكون الموقف التعليمي من عدة عناصر، وهي: المدرس، والتلميذ، والبيئة المدرسية، والتسهيلات المتاحة، والكتب، والوسائل، ومستوى التلاميذ الاجتماعي، كل هذه العناصر تلعب دورا واضحا في اختلاف نتائج الموقف التعليمي، وذلك بحسب فعالية تلك العناصر، وعلاقتها بعضها ببعض. وبما أن التسهيلات والمواد التعليمية والوسائل في المدارس المصرية لا تختلف من مكان إلى آخر –غالبا- فإن العوامل أو العناصر الأكثر حسما في اختلاف الموقف التعليمي ونتائجه في المدرسة المصرية يمكن أن ترجع إما:
- إلى مستوى المدرس التخصصي والمهني. - أو إلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي للتلاميذ. - أو إلى القدرات العقلية.
والخلاصة: 1 - أن هناك علاقة إيجابية بين الكفاءة في اللغة العربية، والتحصيل في المواد الدراسية الأخرى.
2 - وأن هذه العلاقة تختلف من مادة إلى مادة أخرى. 3 - وأن هذه العلاقة تختلف من مدرسة إلى مدرسة أخرى.
وقد أوصت الدراسة بما يلي:
1 - لما للغة العربية من صلة بالتحصيل في المواد الدراسية الأخرى، ينبغي الاهتمام بما يقدم في هذه المواد من لغة، مفردات وتراكيب، وينبغي الاهتمام بضبط تلك اللغة ضبطا علميا، بحيث تعتمد على اللغة الشائعة في قاموس الطفل، وتقدم بين الحين والآخر المفردات الجديدة، بحيث تكرر تكرارا معقولا حتى يسيطر عليها التلميذ.
2 - ولما للغة العربية من صلة بالتحصيل في المواد الدراسية الأخرى ينبغي على معلمي اللغة العربية الاهتمام بتمكين التلاميذ من مهارات الدراسة في المواد الدراسية المختلفة، كما ينبغي على معلمي المواد الدراسية المختلفة أن يهتموا بلغة تلاميذهم، وأن يساعدوهم على تحصيلها وإتقانها.
3 - ينبغي أن يكون هناك تخطيط مشترك بين مدرسي اللغة العربية ومدرسي المواد الدراسية الأخرى؛ حتى يحققوا أكبر قدر ممكن من التعاون فيما بينهم، وحتى يخططوا للتعاون المشترك بينهم.
ثالًثا- ظاهرة الإعراب في اللغة العربية.
تعتبر الجملة أساس البنية اللغوية ذات المعنى العام في اللغة العربية، والجملة في اللغة العربية لم تنل حظها من الدراسة من وجهة النظر التربوية، وعلى العكس من ذلك أخذت الجملة حظها الوافرة من الدراسة في دروس القواعد العربية، لكنها –للأسف- حتى في القواعد لم يشر إلى مدى السهولة والصعوبة لبعض الجمل حين يكتبها الفرد في رسالة أو تقرير. ليست هناك في اللغة العربية دراسة تبين صعوبة الجملة أو سهولتها، ولا مدى الصعوبة أو السهولة في سن معينة. ولذلك ليس هناك دليل واضح أمام المؤلفين، مؤلفي الكتب المدرسية لاستخدام هذه الجملة أو تلك. ومن هنا يعتمد كل مؤلف على خبراته الشخصية وعلى إحساسه العام بسهولة الجملة أو صعوبتها. لقد اكتفى النحاة بدراسة الجملة من حيث الإعراب، وعكف البلاغيون على دراسة موقعية الجملة، وقد بدأ ذلك عبد القاهر الجرجاني في نظرية "النظم" عنده، وكان ينبغي أن ينمي هذا الاتجاه الأخير، وهو تحديد موقعية الجملة، وأهمية هذا التحديد في "المعنى" وفي مطابقة الكلام لمقتضى الحال، وإذا أردنا أن نقرب النحو من تلاميذنا فعلينا أن نربطه بالاستخدام الفعلي للغة، وبيان موقع الجمل والأساليب المختلفة في السياق اللغوي. وهناك عدد من المؤشرات يمكن أن تستخدم في الحكم على سهولة الجملة وصعوبتها، ومن هذه المؤشرات:
1 - قصر الجملة، فالجملة القصيرة أسهل في فهمها من الجملة الطويلة المعبرة عن نفس المعنى، وذلك لسهولة الربط بين مكونات الجملة. أي مرتبطا بأشياء Perception 2 - حسية الفكرة، أي أن المعنى إذا كان مدركا حسية سهلة الفهم، ولذلك إذا صعبت فكرة من الأفكار، أو كان من الصعب إيصالها، جسدت في صورة حسية.. فعلى سبيل المثال لكي يقرب المولى سبحانه وتعالى صورته لدى عباده، قال –عز من قائل-: (اللَّه ُنور السموات والأَرض مَثلُ ُنوره َ كمشْكاة في ها مصباح الْ مصباح في زجاجة الزجاجُة َ كأَنَّ ها َ كو َ كبدر ي يوَقد من َ شجرة مباركة زيتو لا
3 - التقديم والتأخير، أي أن تقديم الخبر على المبتدأ مثلا يؤثر في المعنى من حيث صعوبة فهمه؛ لأنه من المعتاد أن ينتقل الذهن من الموضوع إلى المحمول أو من المبتدأ إلى الخبر، أما أن يحدث العكس فهذا يؤثر في قدرة الفرد على الفهم تأثيرا سلبيا، ويحتاج فهم هذه الأساليب إلى قدرة لغوية أعلى من القدرة العادية، ولذلك يفضل في البداية، بداية تعليم اللغة أن تقدم
الجمل بصورتها الطبيعة دون تقديم أو تأخير.
4 - الحقيقة والمجاز، فالجمل التي فيها مجاز، أو استعارة أو كناية أسهل في الفهم من الجمل المجازية أو التي فيها استعارة أو كناية؛ لأن فهم المعنى في هذه الجمل الأخيرة يتطلب انتقالا من المجاز إلى الحقيقة، ومن المشبه به إلى المشبه، فجملة "نام فلان قلًقا" أسهل من جملة "نام فلان على الشوك" حيث إن الجملة الثانية تتطلب عمليات عقلية أكثر.
5 - قلة الضمائر وكثرتها، حيث إن كثرة الضمائر في الجملة الواحدة تحدث نوعا من الحيرة والاضطراب في فهم المعنى، كذلك فإن كثرة المتعلقات تزيد صعوبة الجمل، وتؤدي إلى الغرابة.
6 - البعد بين مكونات الجملة، أي الفصل بين الفعل والفاعل، أو بين المبتدأ والخبر بفواصل، أو جمل اعتراضية، حيث يصعب على الفرد عادة الجمع بين الأشياء المتباعدة، ما لم تكن هناك قدرات لغوية عالية، ولذلك يفضل في مراحل التعليم الأولى، ألا يفصل بين الفعل والفاعل ولا بين المبتدأ والخبر بفاصل من نوع ما، وعموما، تحتاج الجملة في اللغة العربية إلى دراسة
علمية تبين عوامل السهولة والصعوبة فيها، وتبين مستويات السهولة والصعوبة والمراحل العمرية المناسبة لكل مستوى من المستويات. وقد اخترنا في هذا الكتاب مجموعة من المسائل النحوية المفيدة أساسا في تركيب الجملة العربية، هي:
أو ً لا- الجملة الفعلية بمكوناتها. والمعروف أن الجملة الفعلية تتكون من فعل وفاعل، أو فعل ونائب فاعل، وهي تعبر عن حدث ماض، أو حاضر، أو مستقبل، والفعل في الجملة الفعلية تدخل عليه أدوات تنفي الحدث إما في الماضي، وأما في الحاضر، أو المستقبل، مثل لم، ولما، ولن، وتدخل عليه أدوات أخرى لتفيد التعليل، مثل: لام التعليل وكي ... إلخ.
- كذلك تدخل الجملة الفعلية أدوات تفيد الاستفهام مثل الهمزة، و"هل" و"من" و"ما" ... إلخ.
وهي نفسها الأدوات التي تدخل علي الجملة الاسمية.
- وهناك أدوات للربط بين أكثر من جملة فعلية، وهي أدوات الشرط الجازمة مثل:
من- ما- حيثما- أينما- متى- إن- أنى ... إلخ.
وأدوات الشرط غير الجازمة، مثل: كلما –إذا - لو- لولا...
ولكل أداة من هذه الأدوات معنى خاص حين تربط بين جملتين فعليتين.
- وتدخل على الجملة الفعلية أداة تفيد النهي، مثل: لا تسرع، وأداة أخرى تفيد الأمر، وهي لام الأمر: لتلعب...
- وتدخل على الجملة الفعلية أداة أخرى تفيد التكثير، أو التقليل، أو الاحتمال، وهي "قد".
مثال: قد تمطر السماء في الشتاء (التكثير). قد تمطر السماء في الصيف (التقليل والاحتمال).
- وتدخل على الفعل المضارع أداتان تفيدان الاستقبال، وهما السين وسوف. - مثال: ستلعب غ دا، أو سوف تلعب غ دا.
ثانيا- الجملة الاسمية.
تتكون الجملة الاسمية في اللغة العربية عادة من جزئين أساسيين، هما المبتدأ والخبر، والمبتدأ هو الموضوع أو الشيء الذي يود المتكلم أو الكاتب أن يخبر عنه، فالخبر –إذن- هو ما يتم المعنى، أو ما يفيد الإخبار ولذلك ليس من اللازم في تركيب
الجملة الاسمية في اللغة العربية أن يلي الخبر مباشرة المبتدأ. مثال: الرجل الذي زارني أمس صديق.
فالمبتدأ (الرجل) وصف أو ً لا بأنه زار المتكلم أمس، ولو توقفنا عند أمس فقلنا (الرجل الذي زراني أمس ...) لا تعتبر هذه جملة تامة، إنما هي عبارة ليس لها معنى تام، ولا يتم المعنى إلا بأن نقول (صديق)، فكلمة صديق في هذه الحال هي الخبر، لأن
المعنى قد تم بها، ومن هنا حين نطلب من أحد أن يحدد الخبر في جملة اسمية عليه أو ً لا أن يحدد الموضوع المتحدث عنه، وعليه ثانيا أن يحدد الخبر الذي يتم به المعنى، ومن ثم يعرف النحويون الجملة بأنها مجموعة من الكلمات المفيدة التي يحسن السكوت عليها. ولا يرتبط الحدث أو الزمان بالجملة الاسمية إلا إذا كان الخبر جملة فعلية مثل:
"الزرع ينمو بالماء" فهذه الجملة الاسمية تدل على أن الزرع ينمو عادة حين توجد المياه، فالفعل المضارع هنا هو الخبر وهو يدل على الزمان الحاضر، كما يدل على الاستمرار، أي أنه كلما وجد الماء، وجد الزرع. كذلك فإن الجملة الاسمية تحتمل حدًثا أو زمًنا معيًنا في حالة فعل من (أخوات كان) أو فعل من أخوات (كاد) أو فعل من أخوات (ظن) على الجملة الاسمية.
حاول أن ترجع إلى كتاب في قواعد اللغة العربية لتستوفي جميع أخوات "كان" وجميع أخوات "كاد" وجميع أخوات "ظن".
-1 من أخوات "كان" أصبح- أمسى- بات- مازال- ما فتيء- ما برح ... ليس.
-2 ثم أخوات "كاد" قرب - أوشك - أخذ- طفق.
-3 من أخوات "ظن" حسب - رغم- علم - رأى.
أمثلة لما سبق ذكره:
"كان" وأخواتها. الجو هادئ. كان الجو هادئًا. ماذا أحدث الفعل "كان" في الجملة؟ المبتدأ: الجو. الخبر: هادئ.
كان الجو هادئًا.
أحدث الفعل "كان" بخبر الجملة الاسمية تغييرا لضبط آخر الكلمة فبعد أن كانت الكلمة مرفوعة بالضمة أصبحت منصوبة بالفتحة، وهكذا تفعل جميع أخوات الفعل "كان" لكن لكل من الأفعال معنى خاص؛ فكان للماضي، وأصبح للدخول في الصباح، وأمسى للدخول في المساء... وهكذا.
كاد وأخواتها: القطار يصل. كاد القطار يصل. أو كاد القطار يصل. ماذا فعلت "كاد" بالجملة الاسمية؟ القطار المبتدأ. يصل الخبر. لم تفعل "كاد" بالجملة الاسمية شيئًا فيما يتعلق بالإعراب، إنما الذي أحدثته "كاد" في الجملة هو أن أدخلت نو عا من التعديل على الحدث، فالجملة (القطار يصل) تدل على أن القطار في حالة وصول، أما إذا قلنا أن القطار كاد يصل أو أن يصل، فإن المعنى أن القطار لم يصل لكنه قرب أن يصل، أو ليس هناك وقت طويل حتى يصل.
ظن وأخواتها: - أفعال اليقين: علم- رأى- وجد- ألفى- درى.
- أفعال الرجحان: ظن- زعم- حسب- عد.
- أفعال التحويل: جعل- اتخذ- ترك- رد.
تحدث كل هذه الأفعال في الجملة الاسمية تغييرين مهمين:
1 - التغيير الأول في المعنى؛ حيث إن الجملة الاسمية وحدها تدل على معنى قائم مستقر مثل: القطار قادم، لكن في بعض الحالات لا يتأكد المتحدث من هذا المعنى، فيقول: ظننت القطار قاد ما، أو زعمت القطار قاد ما.
2 - أما التغيير الثاني فهو تغيير في ضبط ركني الجملة الاسمية، إذ تنصب هذه الأفعال جميعها التي أشرنا إليها جزئي الجملة الاسمية (المبتدأ والخبر) فالجملة (القطار قادم) رفع ركناها؛ المبتدأ والخبر لكن بعد إدخال الفعل (ظن) نقول: ظننت القطار قاد ما نصب المبتدأ على أنه مفعول به أول، ونصب الخبر على أنه مفعول به ثان، وهكذا في بقية الأفعال.
المهم أن نختار من بين هذه الأفعال ما يدل على المعنى المقصود سواء أكان ظنا، أو يقيًنا أو تحو ً لا وتغيرا.
- كما يدخل على الجملة الاسمية بعض الأدوات التي تضيف إلى معنى الخبر للجملة الاسمية معاني أخرى وظلا ً لا جانبية.
إن وأخواتها:
- إن، أن للتوكيد. - لكن للاستدراك. - لعل للترجي. - ليت للتمني.
مثال: الهواء عليل. هذه جملة خبرية عادية، فإذا وضعنا قبل هذه الجملة "إن" أو "أن" أصبح المعنى مؤكدا وكأننا نقول: بالتأكيد الهواء عليل. هذا ما أضافته الأداة (إن). وهناك تغيير آخر تحدثه الأداة (إن) وأخواتها هو أنها تنصب الجزء الأول من
الجملة الاسمية (المبتدأ) ويبقى الجزء الثاني (الخبر) مرفوعا كما هو. - أما (لكن) فتدل على الاستدراك، الذي يعني التنبيه على معنى آخر قد يظن للوهلة الأولى أنه يناقض المعنى السابق في الجملة الأولى. مثال:
الجو رائع لكنه غير بهيج، فمفهوم الجو الرائع يستلزم البهجة لكن شخصا ما قد لا يحس بهذه الروعة لسبب أو لآخر.
- لعل: تدل على احتمال وقوع الأمر، مثل لعل الله يرزقنا. - ليت: تدل على استحالة وقوع الأمر. مثال: ليت الشباب يعود يوما.
لا النافية للجنس:
كذلك تدخل (لا) النافية على الجملة الاسمية التي تبدأ بالنكرة، ولأنها تبدأ بالنكرة لا يجوز أن يعتمد على الاسم وحده ليكون مبتدأ، ولذا تسبق هذا الاسم (لا) ليجوز الابتداء بالنكرة. مثال: "رجل في الدار، هذه عبارة وليست جملة لأنها لا تؤدي معًنى كام ً لا، ولذلك في حالة نفي هذا المعنى، نقول: لا رجل في الدار، وتلزم "رجل" الفتح دائما.
أدوات الاستفهام:
وتدخل على الجملة الفعلية والجملة الاسمية أيضا، وتسبقها أدوات الاستفهام، وهي تحويل الجملة من جملة خبرية تحتمل الصدق والكذب، إلى جملة إنشائية لا يمكن أن نقول عنها أنها صادقة أو كاذبة، من هذه الأدوات الهمزة، وهل،... إلخ، وأداة الاستفهام (من) إذا استخدمت تصبح جزءا من الجملة الاسمية، أو أحد ركنيها.
الأساليب:
هناك عدة أساليب لا تدخل في التقسيم السابق للجملة العربية (الجملة الاسمية، الجملة الفعلية) وهي:
1 - أسلوب المدح والذم. 2 - أسلوب الاختصاص. 3 - أسلوب الإغراء والتحذير.
4 - اسم الفعل الماضي والمضارع والأمر. 5 - أسلوب النداء.
- والذي يجمع هذه الحالات كلها تحت عنوان الأساليب أنها ذات صفة مشتركة، وهي أن الجملة لا يكتمل ركناها في هذه الأساليب. ففي أسلوب المدح والذم بنعم وبئس وحبذا ولا حبذا يترابط معنى الأسلوب أساسا
بالمدح أو الذم لشخص ما، أو لأمر ما دون الربط بزمان معين والأفعال (نعم، بئس، حبذا، ولا حبذا) لا تنصرف، أي يأتي منها المضارع والأمر، فالأفعال هنا تصف – فقط- وليس واضحا فيها (الفاعلية) ولذلك لا يعتبر مثل هذا الأسلوب (نعم الرجل) جملة
فعلية بالمعنى المعروف للجملة الفعلية في اللغة العربية. وأسلوب الاختصاص على الرغم من أن النحاة يعربونه على أنه جملة فعلية، إلا أن الواقع أنه ليس جملة فعلية ولا تنطبق عليه ما تتسم به الجملة من مظاهر.
مثلا: "نحن العرب في حالة إلى يقظة" فالعرب هنا منصوبة على الاختصاص بفعل محذوف تقديره أخص (هكذا يقول النحاة) أما النظرة الوصفية للعبارة، فنقول إن كل (العرب) منصوبة على أنها اسم مختص بالحدث أو بالصفة ولا علاقة له بالجملة
التي هو فيها، فالجملة أساسا (نحن في حاجة إلى يقظة) والعرب أتت –فقط - لتحدد من (نحن). أما أسلوب الإغراء والتحذير فهو أسلوب يقصد به الحث على الإقبال على شيء ما، أو الحث على البعد عنه ففي الحالة الأولى نقول: "الجد" أي الزم الجد، وفي الحالة الثانية نقول: النار أي احذر الدار، وكما هو واضح، فإن هذا الأسلوب يدل على معنى قائم بذاته، لكن لم تكتمل فيه من حيث اللفظ أركان الجملة الفعلية، وهما: الفعل والفاعل؛ ولا يوجد من الجملة إلا المتعلق وهو المفعول به.
أما اسم الفعل الماضي والمضارع والأمر:
فهو كلمات عربية تدل على معنى مرتبط بزمن ماض أو حال، أو تدل على أمر.
مثال: هيهات بمعنى بعد (اسم فعل ماض). أف بمعنى أتضجر (اسم فعل مضارع).
صه بمعنى اسكت (اسم فعل أمر).
وعدد هذه الأفعال في اللغة العربية قليل، وهي لا تنصرف، أي أن الماضي لا يأتي منه مضارع أو أمر، كذلك المضارع لا يأتي منه ماض أو أمر .. إلخ. وهذه الأفعال لا تأخذ شكل الجملة الفعلية المعروفة في اللغة العربية، تلك التي تتكون من فعل وفاعل أو من فعل وفاعل ومتعلق ...
وأخيرا يأتي أسلوب النداء، يا محمد، أمحمد ... أيا محمد ... وكما هو واضح إن هذا الأسلوب (النداء) لا تكتمل فيه أركان أي نوع من الجملتين، الاسمية أو الفعلية، لذا يعد هذا الأسلوب شيئًا مستق ً لا لا ينتمي للجملة الاسمية أو الفعلية، وله بعض المبادئ المرتبطة بضبط آخره (ارجع إلى أي من كتب النحو لتعرف أحوال إعراب المنادي). وبصفة عامة ينصب آخر المنادى إذا كان مضاًفا... يا عبد الله. يا طالب الجامعة ... إلخ ويبني على الضم إذا كان علما مثل: يا محمد.
أدوات الربط بين الجمل والعلاقة التي تفيدها كل أداة
file:///F:/DOCUME%7E1/ph/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image008.gif
رابعا - علم الصرف واستخدام المعجم:
1 - قد تسأل أولا: ماذا نعني بالمعجم؟
ونقول: المعجم مرجع لغو ي يشتملُ على عدد كبير من المفردات يهتم فيها بأمور أربعة:
أ- فهو يهتم أولا –وبصفة أساسية- بتقديم معاني لتلك المفردات، وإن تعددت هذه المعاني.
ب- ويهتم ثانيا بهجاء الكلمات، وصحة رسمها الكتابي.
ج- ويهتم ثالًثا بضبط الكلمات أولا و وسطا. د- ويهتم رابعا باشتقاق المفردات وتصريفها.
وكلُّ لغة حية –مقروءة مكتوبة- لها أكثر من معجٍم يتناولُ مفرداتها شرحا وتوضيحا وهجاء، وما إلى ذلك، وإن اختلفت هذه المعاجم باختلاف كلِّ لغة. وقد بدأ اهتمام العرب بالمعاجم في لغتنا العربية من القرن الثاني الهجري –الثامن الميلادي - حي ُ ث بدأ الخليل بن أحمد الفراهيدي –أحد العباقرة العرب- بوضع أول معجم عربي سماه "العين" وكان فاتح َ ة المعاجم العربية، وقد اعتمد في ترتيب الكلمات فيه على الأصوات التي تبدأً بها الكلمات. وفي رأي الخليل بن أحمد أن أقصى صوت يخرج من الحلق هو صوت "العين" لذلك سمى معجمه "العين" باعتبار أن صوت "العين" هو أقصى صوت يخرج من الحلق.
وتوالت بعد ذلك المعاجم العربية، مثل: (الصحاح)، و(أسا س البلاغة)، و(لسان العرب)، و(القاموس المحيط)، و(تاج العروس)، و(مختار الصحاح)، و(المصباح المنير).وفي العصر الحديث، ظهرت عدُة معاجم مقتبسة من المعاجم القديمة، ومضاًفا إليها بعض المصطلحات العلمية وغيرها، فظهر (المنجد) و(المعجم الوسيط) و(المعجم الوجيز).وتؤكد الدراسات اللغوية المقارنة أن المعاجم الأجنبية في البداية قد تأثرت بالمعاجم العربية، وسارت في الطريق نفسه الذي سارت فيه المعاجم العربية القديمة.
-2 كيف تستخدم المعاجم العربية؟
في قراءتك لكتاب أدبي أو علمي أو تاريخي أو غير ذلك، أو في قراءتك صحيفة يومية أو مجل ً ة أسبوعية، أو نحوها، وفي استماعك للإذاعة، أو لمتحد ث في محاضرة أو مناقش، وفي أثناء مشاهدتك التلفاز، قد تواجه كلمة لا تعرف معناها، أو تريد أن تتأكد من نطقها، أو تريد أن تعرف هجاءها، وفي هذه الحال عليك أن تستخدم المعجم، وأن تقوم بنفسك بالبحث عما تريد، سواء كان معنى الكلمة، أو شكلها، أم هجاءها ... إلخ.
والدراسة الذاتية، والجهد الذي تبذله أنت نفسك في اكتساب المعرفة التي تريد، من أفضل السبل للتعلُّم، ولبقاء ما تتعلمه، وعدم تعرضه للنسيان السريع، وعليك أن تحرص على اقتناء أحد المعاجم العربية الحديثة، وأحد المعاجم العربية القديمة. استشر معلمك في ذلك. ولكي تستخدم "المعجم" أي معجٍم –قدي ما كان أو حديًثا- عليك ما يلي:
أو ً لا- أن ترجع بالكلمة التي تريد الكشف عنها إلى جذورها، أي إلى حروفها الأصلية، وأن تعيد الحروف المحذوفة من الكلمة، وترد الألف اللينة إلى أصلها.
ثانيا- أن تحد د طريقة المعجم في الكشف عن المعاني وغيرها، وتطبق ذلك على الكلمة التي تود أن تبح َ ث عن معناها.
والآن: تعال معنا نتناول هذين الأمرين:
أو ًلا- الرجوع بالكلمة إلى جذورها، أي إلى حروفها الأصلية، وإعادُة الحروف المحذوفة، ورد الألف اللينة إلى أصلها:
1 - تذكر البحوث العلمي ُ ة، أن معظم الجذور اللغوية للكلمة في اللغة العربية ثلاثية
–أي: تتكون من ثلاثة حروف مثل: نصر، دخل، وقليلٌ منها رباعية، أي تتكون من أربعة حروف، مثل شقشق، عسعس، زلزل، وسوس، طمأن، دحرج. والأقلُّ من ذلك تلك الكلمات التي تتكون من خمسة حروف مثل: "سفرجل" نوع من الثمار، أو ستة
حروف مثل: "خندريس" من أسماء الخمر.
فالجذر (ن ص ر) أي الكلمة "نصر" هو الأصلُ، واستخدامه في جملة مثل: نصر فلان أخاه، يدلُّ على معنى المساعدة من جانب لجان ٍ بآخر، أو من فرد لفرد آخر. وإذا قلنا "ناصر" تغير المعنى بزيادة الألف بعد النون، وصار يعني أن َنصر أحد الفريقين الآخر تكرر أكثر من مرة، أو أن فردا آخر، وهذا يساعد الأول وهكذا. وإذا قلنا "انتصر" تغير المعنى أيضا بزيادة الهمزة في الأول والتاء في الوسط، صار يعني أ ن فريًقا ما انَْتصر بمجهود بذَله. وإذا قلنا "تناصر" تغير المعنى كذلك بزيادة التا والألف وصار المعنى أ ن مناصرَة كل طرف للآخر متبادلةٌ، بمعنى أن كل واحد منهما ناصر الآخر وآزره.
وإذا قلنا "استنصر" تغير المعنى أيضا، وصار يعني أن فريًقا طلب النَّصر من جهة ما، أو طلب المساعدَة.
مما سب َ ق نرى أن الأصلَ "ن - ص- ر" أُخذ منها: ناصر- انتصر- تناصر- استنصر، أي زيد على الأصل الثلاثي حرفٌ وحرفان وثلاثة حروف. فإذا أردت الكشف عن أي كلمة من هذه الكلمات السابقة، فاحذف منها ما زاد عن جذرها الأصلي، وهو (النون والصاد والراء) أي كلمة (نصر). هذا في الجذر الذي يتكون منه فعل مثل: نصر، كتب ... إلخ.
أما الاسم الثلاثي الذي جذوره ثلاث ُ ة أحرف مثْلُ: (سهم، درع)، (قوس)، (إبل)،
وهو هنا ليس كالفعل الذي يكون جذره ثلاثة أحرف من حيث الزيادَة وتغير المعنى، وهو قد يجمع، وقد يَثّنى، وعند الكشف عن الكلمة تحذف علاما ُ ت التثنية وعلاما ت الجمع. أما المزيد منه فلا داعي للدخول فيه، وما عليك إلا الرجوع إلى الجذر الأصلي.
ونعطي مثاًلا هنا للجذر الرباعي (دحرج) وهو يعني أن شخصا ما دحرج شيئًا،
فنقولُ: دحرج فلان الكرة. وإذا قلنا: "تدحرج"، تغير المعنى، وصار يعني أن شيئًا ما َتدحرج بنفسه، أي بقوة ذاتية، فنقول: تدحرجت الكرة.
ونقولُ في "طمأن" وهو ِ جذْر رباعي و"اطمأَن" الهمزة في البداية وتضعيف النون في النهاية ما قلناه في المثال السابق فهل تعرف الفرق بين "طمأن"، "اطمأن" في المعنى؟ اقرأ الجملتين الآتيتين لتعرف الفرق:
- طمأن القائد جنوده بمجيء النصر. - اطمأن الجنود بمجي ء النصر.
ففي الجملة الأولى قام القائد بعملية الطمأنة، وفي الجملة الثانية كان الاطمئنان لدى الجنود. فإذا أرد َ ت الكشف عن "تدحرج" أو "اطمأن" عليك أن تحذف الزائد، لترجع بالكلمة إلى جذرها الأصلي، وهو كلمة "دحرج" و"طمأن".
يمكن –مما سبق- أن نخلص إلى ما يلي:
1 - أن أي َ ة زيادة على أصل الكلمة يقابُلها زيادةٌ في المعنى. (راجع: نصر، ناصر، انتصر، تناصر، استنصر).
- هات مثالا على غرار ما سبق. .........
2 - وأن الزيادة على الأصل الثلاثي تكون بحرف أو حرفين أو ثلاثة.
3 - وأن الزيادة على الأصل الرباعي تكو ن بحرف أو حرفين.
والشكلُ التالي يلخص ذلك:
2 - أما بالنسبة لإعادة الحروف المحذوفة من الكلمات، ورد الألف اللينة إلى أصلها، فنقول: في الاشتقاق والتصريف في اللغة العربية، يحدث أحياًنا أن تحذف بعض الحروف، أو تقلب إلى حرف آخر. فمثالُ الحالة الأولى (الحذف) في الأفعال الماضية التي تبدأ بواو، تحذف هذه الواو إذا أردنا أن نأتي منها بالفعل المضارع لتخفيف النطق، فنقول: في (وع د- يعد)، (و ز ن- يِزن)، ( وَقف - يقف) .. وهكذا.
وكذلك إذا أردنا أن نأتي منها بفعل الأم ِ ر نقولُ في: (و ع د: عد) وفي (وزن: ِ زن)
وفي (وَقف: قفْ)... وهكذا.
وللكشف عن كلمات مثل: (يعد، يزن، يقف) أو مثل: (عد، زن، قفْ) نقولُ: إن
جذر الكلمات على الترتيب هو: (و ع د، و ز ن، وَق َ ف) وهذا يعني إرجاع الحرف المحذوف عند الكشف.
وهناك مثالٌ آخر للحذف، ففعلُ الأمر الذي يأتي من الفعل الذي وسطه ألف لينة،
تحذ ُ ف حين نأتي بالأمر للمفرد المخاط ِ ب فنقولُ: (ُقلْ من قال)، (ِبع من باع)، و(َنم من نام)، و(سر من سار)، و(عد من عاد) وللكشف عن كلمات مثل: (ُقلْ) و(بع) و(َنم) و(سر) و(عد)، نقولُ إن ِ جذ ر هذه الكلمات على الترتيب هو: (قال) و(باع) و(نام) و(سار) و(عاد).
في المعاجم يحتم علينا أن نرجع بالألف إلى أصلها الواو ي في (قال) وما يماُثلها،
واليائي في (باع) وما يماثلها، ولكي تعرف أصل الألف اللينة سواء أكانت في الوسط أم في الآخر، ارجع إلى المصدر إن كانت الكلمة فعلا، أو الإسناد؛ مثلا (قال) مصدرها (قول)؛ فالألف هنا أصلها واو، و(سار) مصدرها (سير) فالألف هنا يائية. وقد يساعدك في معرفة أصل الألِف الإسناد. مثلا (سعى)، يمكن أن نقولَ (سعيت) أو تأتي بالمصدر وهو (السعي) أما في الأسماء فالألف المقصورُة يعرف أصُلها بالتثنية أو بالجمع مثل (عصا: عصوان)، (مستشفى: مستشفيان أو مستشفيات).
ثانيا- تحديد طريقة المعجم في الكشف عن المعاني:
بعد أن ترجع بالكلمة إلى جذورها، أو إلى حروفها الأصلية، عليك بعد ذلك أن تعرف طريقة المعجم في تقديم كلماته أَو مفرداته، وللمعاجم العربية طريقتان في تقديم الكلمات أو المفردات.
الطريقة الأولى:
وتعتمد هذه الطريقة على الحرف الأخير من الكلمة ويقالُ لهذا الحرف (باب)، والأول منها، ويقال له (فصل) بعد تجريد الكلمة من حروف الزيادة، ومن أمثلة معاجِم هذه الطريقة: (لسان العرب)، و(القاموس المحيط). مثلا (استنصر) الزيادُة في هذا الفعل
(الهمزة والسين والتاء)، إذن جذر الكلمة أو أصلها (ن، ص، ر) َنصر، ولكي أَكشف عن هذه الكلمة في "لسان العرب" أو في "القاموس المحيط" علي أن أكشف عنها في (باب الراء) (فصل النون). والآن، حاول أن تكشف عن معاني الكلمات الآتية، واكتب المعنى في الفراغ الذي يلي كل كلمة مستخدما لسان العرب أو القاموس المحيط:
• تدثَّر .................................................. ... • الربس .................................................. .
• الحرشف ................................................ • ثجاج .................................................. ..
الطريقة الثانية:
وتعتمد هذه الطريقة على (الحرف الأول من الكلمة) بعد تجريدها من حروف الزيادة، ومن أمثلة معاجِم هذه الطريقة: (مختار الصحاح، والمصباح المني ر، والمعجم الوسيط، والمعجم الوجيز، والمنجد). مثلا كلمة (احتكم) الزيادة في هذا الفعل (الهمزة والتاء)، إذن جذر الكلمة أو أصلها: (ح، ك، م) ولكي أكشف عن هذه الكلمة في "المعجم الوسيط" أو "المعجم الوجيز" مثلا، أكشف عنها في مادة (الحاء مع الكاف والميم). وكلمة تعمد نكشف عنها في مادة (العين، مع الميم، والدال) أي (عمد) لأن العين والميم والدال هي جذور الكلمة الأصلية (عمد). ويساعدك على ذلك أن تقرأ الكلمات التي في أعالي صفحات "المعجم" فالكلمة التي في أعلى الصفحة من اليمين تبدأ بها الصفحة، والكلمة التي في أعلى الصفحة من اليسار تنتهي بها الصفحة، وهكذا كل صفحات المعجم. والآن حاول أن تكشف عن معاني الكلمات الآتية، واكتب كل ما قيل عنها في الفراغ الذي يلي كل كلمة مستخدما "المعجم الوسيط" أو "المعجم الوجيز":
• الفرقان ............ ............. ............ • أغمد ............ ............. ............
• برزخ ............ ............. ............ • استصغر ............ ............. ............
• القصبة ............ ............. ............ • الّنخاع ............ ............. ............
• العزق ............ ............. ............ • الجيار ............ ............. ............
نستنتج مما سبق أن المعاجم العربية تسُلك طريقتين في الكشف عن الكلمات،
والرسم التالي يبين ذلك:
الحرف الأخير "الباب" الحرف الأول "الفصل"
مثال: لسان العرب- القاموس المحيط الحرف الأول والثاني وما بعدهما
مثال: المعجم الوسيط- المعجم الوجيز تدر ) أمام الأصل اللغوي لكل كلمة تحتها خط مما يأتي: 1 - ضع علامة (
(( أ- قال تعالى: (وأَلَّواس َتَقاموا عَلى الطَّريَقة لأَسقيناهم ماء َ غدقًا ( 16
وكلمة "استقاموا" هنا أصلها: - قام. - قوم. - قوم. - أقام.
ب- ارتبك المتحدث في حديثه.
وكلمة "ارتبك" هناك أصلها: - ارتباك. - مرتبك. - أربك. - ربك.
ج- استلقى الرجلُ.
وكلمة "استلقى" هناك أصلها: - لقى. - تلاقى. - ألقى. - لقيا.
2 - اكتب أمام كلِّ كلمة مما يأتي جذرها الأصلي:
قلد ........... .......... انتقل ................ استرخى ................ قاتل ................
تبعثر ............... . ابتعد ................ تقدم ................ استفاد ................
انحلّ ................ نظر ................ ناظر ................ استنظر ................
-3 رد حرف الألف إلى أصله الواو ي أو اليائ ي فيما يأتي، وذلك في الفراغ الذي أمام كل كلمة، وبين كيف تكشف عن هذه الكلمات في أي معجم تختار:
استقام ................ غار ................ سما ................ جرى ................
الربا ................ الهدى ................ عصا ................ قضى ................
-4 رد الحروف المحذوفة من الكلمات الآتية، وذلك في الفراغ الذي أمام كل كلمة، وبين كيف تكشف عنها في أي معجم تختار:
يرد ................ يفد ................ عظ ................ ضع ................
ُتب ................ هب ................ ُ كل ................
-5 فرق بين الأفعال التي تحَتها خ ّ ط في الجمل الآتية من حيث المعنى، وذلك في كراستك:
أ- فتح الخادم الباب. انفتح الباب. استفتحت الخادم الباب.
ب- كتبت الدرس. انْكَتب الدرس استكَْتب الدرس.
ج- بعثر الطفلُ ُلعبه. َتبعثرت اللُّعب. د- َقدم الجندي.
َقدم الضابط الجندي. ھ- َقدس المسجد الأَقْصى.
َقد س المسلمون المسجد الأقصى. و- َثَنى الطفلُ ُ كراسَته. انَْثَنت الكراسة.
ز- ضاء المصباح. ضوأَ المصباح. أَضاء المصباح
-6 استخدم كلّ فعل من الأفعال الآتية في جملة مختلفة، وذلك في الفراغ الذي
أمام كلِّ كلمة:
أ- دخلَ : ........................ أَدخلَ : .......................... دخَّل : ...........................
ب- قام : ........................ قوم : ........................... استقام : .......................
ج - ربط : ...................... ارتبط : ............................. رابط : .............................
د- هزم : ........................... انهزم : ............................ ه - قتل : ..........................
قاتل : ............................ اقتتل : .............................
و- وقد : ............................. أوقد : ............................. استوقد : ................................
-7 ارجع إلى أ ي معجم قديم، وآخر حديث، ولاحظْ الفرق بين تناول كلّ من
المعجمين للكلمات الآتية ثم سجله في الفراغات التالية لها:
أ- اللحن ............................... ب- بديهة ..............................
ج- قناة ................................. د- الاستعمار ..........................
ه- أوصد ......................... و- آصد .........................
ز- السيارة ........................ ح- القطار .......................
خامسا - القراءة ومهاراتها:
أ - القراءة؛ مراحلها وأهميتها:
ذكرنا سابًقا أن النظر إلى اللغة من حيث وظيفتها (التواصل) يؤدي بنا إلى تقسيمها إلى أربع مهارات أو فنون، وهي:
الاستماع والحديث والقراءة والكتابة.
فالقراءة -إذن- مهارة من مهارات اللغة، وهي أداة الدراسة والوسيلة الأساسية لها، ومهمة المدرسة الابتدائية أصلاً هي تنمية القدرة القرائية لدى التلاميذ، وإذا أخفقت المدرسة الابتدائية في هذه المهمة، فقد أخفقت إخفاًقا ذريعا في أهم هدف من أهدافها. ولذلك ينادي التربويون دائما: القراءة، لأن كثيرا من المشكلات الدراسية لتلاميذ المرحلة الابتدائية وما بعدها يعود إلى الضعف في القراءة. ويمر تعليم القراءة بخمس مراحل، ذكرها الباحثون، وهي:
6) سنوات، وفيها - 1 - مرحلة الاستعداد لتعليم القراءة، وهي مرحلة الرياض ( 4 يتم تهيئة الطفل لتعلم القراءة.
2 - مرحلة البدء في تعلم القراءة، وتستغرق هذه المرحلة الصف الأول الابتدائي، وفيها يتم التدريب أساسا على مهارتي النطق والتعرف.
3 - مرحلة تنمية المهارات الأساسية في تعلم القراءة، وتستغرق هذه المرحلة الصفين الثاني والثالث من المرحلة الابتدائية، وفيها يتم التدريب على مهارات: التعرف والفهم والنطق والسرعة، وما يرتبط بها من مهارات فرعية.
4 - مرحلة القراءة في المجالات العلمية، أو مرحلة القراءة الواسعة كما يسميها وفيها يتم تدريب التلاميذ على القراءة في ،(W. Gray) " "وليم جراي مجالات العلوم المختلفة، مثل الرياضيات والمواد الاجتماعية والصحة وعلوم البيئة، وتستغرق هذه المرحلة الصفوف الرابع والخامس والسادس.
5 - أما المرحلة الخامسة والأخيرة، فهي مرحلة صقل ومراجعة جميع المهارات التي تم تدريب التلاميذ عليها، وتستغرق هذه المرحلة الصفوف السابع والثامن والتاسع، ووظيفة هذه المرحلة الأساسية هي محاولة الارتقاء بمستوى مهارات القراءة، ومحاولة تنمية المهارات التي لم تأخذ حظها من التنمية سابًقا.
أما فيما بعد الصف التاسع، فتترك للتلميذ فرصة القراءة الحرة، واختيار ما يناسبه وليس هناك تعليم رسمي للقراءة في النظم الأوربية أو الأمريكية بعد المرحلة الإعدادية أو ما يطلق (STUDY SKILLS) إلا في تدريب الطلاب على تنمية مهارات الدراسة عليه القراءة الوظيفية التي تتلخص في قدرة الطالب على الأمور الآتية:
1 - تحديد مصدر المعرفة. 2 - اختيار المناسب منها.
3 - فهم المواد المختارة. 4 - تلخيص المواد المختارة. 5 - كتابة تقرير عما قرأ.
وتنقسم القراءة بحسب شكلها إلى قراءة صامتة وقراءة جهرية، والقراءة الجهرية لها الأولوية في التقديم وفي التعليم في الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية، أما القراءة الصامتة فتأتي في الصدارة فيما بعد الصف الثالث الابتدائي.
والجدول التالي يبين النسب المعطاة لكل من القراءة الجهرية والصامتة في مراحل التعليم المختلفة:
file:///F:/DOCUME%7E1/ph/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image010.gif
,ترجع أهمية القراءة الجهرية في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية إلى أنها تنمي مهارات النطق عند التلاميذ، وتمكن المعلم من التعرف على أخطاء تلاميذه في النطق، ومن ثم تساعده على تصحيحها أو ً لا بأول. وتؤدي القراءة الجهرية، علاوة على ما سبق، إلى تنمية القدرات الاجتماعية لدى التلاميذ من حيث تمكينهم من مواجهة المواقف التي تتطلب قراءة جهرية.
كذلك فإن القراءة الجهرية وسيلة لتنمية الميول الأدائية أو القدرة على التمثيل لدى بعض التلاميذ الموهوبين، الذين لديهم القدرة على الطلاقة والأداء المعبر عن المواقف وعلاوة على ذلك فإن القراءة الجهرية تبث الثقة في نفوس التلاميذ، وتعودهم على التعبير عن آرائهم وحاجاتهم وأفكارهم بجرأة وشجاعة، وتقضي على الخجل الذي يسيطر على بعض التلاميذ، ويعوقهم عن أداء وظائفهم، ويعوق تقدمهم والتعبير عن حاجاتهم وتقديم أنفسهم إلى الآخرين. وبعد أن يتقن التلاميذ الأصوات والكلمات، تبدأ أهمية القراءة الصامتة في الوضوح، بدءا من الصف الرابع الابتدائي، وتتجلى هذه الأهمية فيما يلي:
1 - تساعد القراءة الصامتة على التركيز والفهم في القراءة.
2 - تأخذ وقًتا أقل من القراءة الجهرية ولذلك فهي أسرع؛ لأن العمليات العقلية والميكانيكية في القراءة الجهرية أكثر.
3 - تأخذ جهدا أقل؛ لأن القراءة الجهرية تتطلب مهارات أكثر من القراءة الصامتة،
وهي مهارات النطق، ومن المعروف أن القراءتين الصامتة والجهرية تشتركان معا في مهارات التعرف والفهم.
4 - تنتشر القراءة الصامتة في مواقف الحياة اليومية أكثر من القراءة الجهرية، فنادرا ما نواجه موقًفا يتطلب منا قراءة جهرية. من أجل هذا اعتبر بعض الباحثين القراءة الجهرية مهارة من مهارات القراءة، لا نوعا من أنواعها، ولذلك فالسؤال الذي ينبغي أن يثار هنا هو: ما الوقت المناسب لتقديم القراءة الجهرية؟ وما الوقت المناسب لتقديم القراءة الصامتة؟
أما السؤال- أيهما أفضل؟ القراءة الجهرية أم القراءة الصامتة؟ فهو سؤال غير صحيح.
ب - ما القراءة؟
قد يبدو السؤال "ما القراءة؟" غريبا؛ لكن كثيرا من الناس لديهم أفكار خاطئة عن القراءة، لذا لابد من إجابة واضحة على هذا السؤال. والقراءة في رأي كثير من المفكرين، عملية عقلية، تشمل تفسير الرموز التي يتلقاها القارئ عن طريق عينيه، وتتطلب الربط بين الخبرة الشخصية ومعاني هذه الرموز من هنا فالعمليات النفسية المرتبطة بالقراءة معقدة لدرجة كبيرة.
وعلى هذا، فالقراءة عمليتان منفصلتان: العملية الأولى: الشكل الميكانيكي أي: الاستجابات الفسيولوجية لما هو مكتوب، والعملية الثانية: عملية عقلية، يتم خلالها تفسير المعنى، وتشمل هذه العملية التفكير والاستنتاج. والقراءة بهذا، عملية تفكير معقدة، تشمل أكثر من التعرف على الكلمات المطبوعة ولا يقر بعض المدرسين بهذه الحقيقة، ويعتقدون أن الطفل الذي يقدر على نطق الكلمات المكتوبة قارئ جيد، لكن الحقيقة أن الطفل الذي يتعرف على الكلمات والعبارات فقط، يخفق غالبا في فهم ما يقرأ. إن التعرف على الكلمات جوهري في عملية القراءة؛ لكنه على أية حال، وسيلة لغاية أكثر من كونه غاية في حد ذاته.
ويعتقد بعض الناس أن القراءة هي قراءة الكلمات على الصفحة المطبوعة أو المكتوبة، واستحضار المعنى الذي يريده المؤلف، وإذا تقبل المدرسون هذا التعريف وعلموا الأطفال طبًقا له فسوف تفقد الأجيال الناشئة القدرة على النقد والتقويم، وسيكونون على استعداد لأن يقعوا ضحايا للدعاية المضللة. إن القراءة في وضعها الحقيقي، تشمل كلا من التعرف على الكلمات، وتحصيل
تفكير الكاتب، وتشمل -بالإضافة إلى ذلك - التفكير الخلاق والنقدي، ولذا ينبغي أن يربط القارئ ما يقرؤه بخبراته السابقة، وينبغي أن يفسر المادة ويقومها، ويستخدم في ذلك التفكير والتخيل، ويمزج الأفكار الجديدة، ويقارنها بما قد تعلمه من قبل.
وقد مر تعليم القراءة بعدة مراحل، يمكن إيجازها فيما يلي:
1 - كانت القراءة تعني تعرف الرموز فقط، وظل ذلك إلى بداية القرن العشرين، وكان التأكيد لذلك على مهارات النطق في تعليم القراءة، ومن ثم على القراءة الجهرية.
2 - وفي عشرينيات هذا القرن، ونتيجة لدراسات "تورنيك" وغيره، نظر إلى القراءة على أنها عملية تفكير وتدبر، ولذلك اهتم بمهارات الفهم، وبالقراءة الصامتة.
3 - ونتيجة للحرب العالمية الثانية، وتسلط الفكر النازي على الألمان وتأثيره في اتجاههم نحو الشعوب، اهتم بمهارة النقد في القراءة، وأصبحنا نسمع عن .Critical reading : القراءة الناقدة
4 - وفي خمسينيات هذا القرن، أضيف إلى القراءة بعد آخر، وهو التفاعل مع واتجه إلى هذا نتيجة الفراغ الذي خلفته (Appreciation) الفرد أو التذوق الآلات الحديثة في الصناعة، فكان لابد من البحث عن وسيلة من وسائل المتعة وقضاء وقت الفراغ، ولذلك اتجه إلى القراءة. في مفهوم القراءة، وذلك نتيجة (Creativity) 5 - وأخيرا اتجه إلى الابتكار
حاجة الشعوب إلى مبتكرين، وأصبحنا نسمع عن القراءة الابتكارية .(Creativity Reading)
ج- المهارات والقدرات المتضمنة في عملية القراءة: تعلم القراءة عمل معرفي معقد، يتطلب مستوى عاليا من القدرات والمهارات، ويصعب على الراشد أن يحلل ما يقوم به أثناء القراءة؛ لأن عملية القراءة بالنسبة له أصبحت آلية وسريعة، ولا يستطيع أيضا أن يتذكر الخطوات التي مر بها والصعوبات التي واجهها عندما تعلم القراءة وهو طفل. وأساس القراءة التعرف على الكلمات، غير أن عملية القراءة تتضمن أكثر من مجرد رؤية أشكال معقدة، تلك التي تسمي الحروف والكلمات، ولابد أن يقدر الطفل على تفسير المثيرات التي يتلقاها على شبكية العين، وأن يربط بينها وبين المعنى المستمد من خبرة الفرد.
ويمكن أن نلخص أهم المهارات المتضمنة في عملية القراءة فيما يلي:
1 - التعرف على الكلمة:
العامل الأول الذي يؤثر في التعرف على الكلمة هو صورتها الكلية، والطفل المبتدئ يرى الكلمات متشابهة، ومن ثم يتعرض للخطأ في التعرف، وقد اتضح من البحوث العلمية في هذا المجال أن الكلمات التي يسهل على التلاميذ التعرف عليها على
نحو صحيح هي الكلمات القصيرة، وأن اختلاف الكلمات من حيث القصر والطول يساعد أيضا على التعرف عليها والتمييز فيما بينها. ولقد بينت الدراسات التي أجريت لتحديد أخطاء الضعاف من القراء ما يأتي:
1 - أن 16 % من أخطاء التعرف على الكلمة يرجع إلى التشابه في الصورة.
2 - أن 18 % من أخطاء التعرف على الكلمة يرجع إلى تماثل الحرف الأول.
3 - أن 10 % من أخطاء التعرف على الكلمة يرجع إلى تماثل الحرف الأخير.
ويحتاج الضعاف من التلاميذ إلى معاودة النظر في الكلمة المرة تلو المرة، وقد يقع بصرهم على جزء من الكلمة مغف ً لا بقيتها، وقد يلتفت إلى تفاصيل لا طائل من ورائها، ويقتضي التعرف على الكلمات إدراك الفروق بين الحروف والأشكال من ناحية الحجم والبنية، فالقارئ ينبغي أن يقدر على التمييز بين "طبخ" و"طبع" و"طبق" وكذلك بين "هجر" و"هجع".
والقارئ الجيد يتعرف على الكلمات في دقة ويسر، لأسباب منها: ما لديه من حصيلة وذخيرة من المفردات، وكذلك سرعته الإدراكية، وتفوقه في استخدام السياق لتحديد معنى الكلمة وقدرته على ملاحظة البناء الصوتي للكلمة. ويرتبط النمو القرائي عند الأطفال بالقدرة على التعرف على الحروف، ووجهة النظر السائدة الآن هي: أن التعرف على الحروف المفردة لا ينبغي أن يدرس للطفل حتى يكتسب قدرا معقولا من القدرة على التعرف على الكلمات ككل. وتبنى وجهة النظر هذه على أساس أن الحروف لا معنى لها، وأنه من الصعب تمييز ألوان منها عن غيرها. ويساعد على التعرف على الكلمة ما يلي:
أ- حركات العين:
فحين يقرأ الطفل أو الراشد، فإن عينيه تتحركان على الصفحة في سلسلة من الحركات مع تثبيت لحظي في كل حركة، وتحدث القراءة خلال هذه الوقفات. والعينان كثيرا ما تتحركان خلفية لتلقي نظرة ثانية على كلمات لم تكن واضحة في النظرة
الأولى، ويطلق على هذه الحركة اسم الحركة الرجعية، ويعتمد عدد الوقفات، وطولها، وعدد التراجعات على نضج الفرد، وعلى طبيعة المادة القرائية. وتدل الشواهد العلمية على أنه، مع تقدم الطفل في العمر، يقل عدد الوقفات، ويزداد طولها، وتقل الحركات الرجعية، ويتمشى هذا التناقص مع زيادة معدل فهم المادة المقروءة، وعلى الرغم من وجود أنماط غير منتظمة لحركات العين عند الضعاف من القراء، فإن القارئ الجيد لا يتعرض لنفس الظاهرة السلوكية. وتحملنا هذه النقاط على ضرورة الأخذ بمبدأ المرونة عند اتباع أية طريقة من طرق تعلم القراءة، بحيث نراعي المعدلات المختلفة في سرعة القراءة عند التلاميذ، وتفاوتهم في أساليب التعلم وطرقه.
ب - استخدام السياق في التعرف على الكلمة وفهمها:
يختلف الأطفال الصغار عن الراشدين من حيث القدرة على استخدام السياق، للتعرف على الكلمات. فالأطفال أقل قدرة في ذلك من الراشدين، ويرجع هذا إلى حد ما، إلى نقص في النضج عند الأطفال، وكذلك إلى بطئهم في القراءة، مما يمنعهم من ربط
المعنى الكلي أو الفكرة العامة بكل جزء من أجزاء الجملة، ويبدو أن الطفل عندما يقرأ جملة ويصل إلى الكلمة، لا يستطيع التعرف عليها، فإنه قد لا يمضي إلى قراءة بقية الجملة متعديا الكلمة، الأمر الذي يقوم به الراشد عادة، مما يساعده على التعرف على الكلمة. ولابد أن يدرب الطفل على هذه المهارة وهي استخدام السياق كموجه يساعده على التعرف على الكلمة. والطفل المبتدئ عادة، لا يفعل كما يفعل الراشد، وإنما يحاول التعرف على الكلمة بالرجوع إلى حروفها خاصة الحرف الأول منها. والطفل الذي يستخدم السياق يستعين بقدرته على الفهم، لكي يزيد من حصيلته من المفردات اللغوية التي يقدر على التعرف عليها مكتوبة أو مطبوعة وهذه القدرة تنمو عبر السنوات، ومن الضروري أن تقدم الكلمات الجديدة تدريجيا أو ببطء، لأن الطفل قد يقدر على قراءة وفهم الجملة التي تحتوي على كلمة جديدة واحدة ولكنه يعجز عن قراءة الجملة التي تحتوي على كلمتين جديدتين وفهمهما.
وهناك، بالتأكيد، قدر من المعنى ليتعرف في إطاره على الكلمات ومجموعات الحروف الني نطبقها على الصفحة، ومن السهل أن نوضح هذه النقطة، فإذا عرضنا على أحد الراشدين على شاشة عرضا سريعا العبارة الآتية: ذهب الرحل إلى السوق،
فإنه سيقرأ الكلمة الثانية في الجملة "الرجل" باعتبار أن الحرف الثالث من الكلمة جيم، وليس حاء. ومن السهل أيضا أن يبرهن على أن القارئ الجيد لا يقرأ كلمة كلمة، فكلمة مثل "مع" وحروف مثل الواو قد يتكرران مرات كثيرة، بدون أن يلاحظ القارئ ذلك، أو بدون أن يستطيع اكتشاف الخطأ.
ج- الذاكرة:
تلعب الذاكرة دورا مهما فيما يستخدمه الفرد من وسائل، للتعرف على الكلمات، وينجح الطفل في التعرف على الكلمة إذا أصبحت جزءا من لغته التي يتحدث بها، وإذا تم التعرف من خلال الصورة البصرية، فإنه ينبغي أن يكون الطفل قادرا على تذكر هذه الصورة لكي يقارن المثيرة الجديدة بالخبرة الماضية، وبنفس الطريقة إذا حاول الطفل أن يتعرف على الكلمة عن طريق الأصوات التي تتألف منها، فلابد أن تكون لديه ذاكرة سمعية لأصواتها.
-2 الفهم:
وهي المهارة الثانية من مهارات القراءة، وينبغي أن نعلم أن الهدف من كل قراءة َفهم المعنى، والخطوة الأولى في هذه العملية ربط خبرة القارئ بالرمز المكتوب، وربط الخبرة بالرمز أمر ضروري؛ لأن هذا أول أشكال الفهم. وقد لا يصل المعنى من كلمة واحدة، ويستطيع القارئ، الجيد أن يفسر الكلمات من تركيبها السياقي، ويفهم الكلمات كأجزاء للجمل، والجمل كأجزاء للفقرات، والفقرات كأجزاء للموضوع. ومن الغريب أن يكون "الفهم" صعب التعريف، فلا يوجد تعريف مناسب من التعريفات التي اقترحت لكلمة "الفهم" ولقد عرف أحد الباحثين الفهم بقوله: "الفهم في القراءة الربط الصحيح بين الرمز والمعنى، وإخراج المعنى من السياق، واختيار المعنى المناسب، وتنظيم الأفكار المقروءة، وتذكر هذه الأهداف واستخدامها في بعض الأنشطة
الحاضرة والمستقبلية. والنمو المستمر في القراءة عملية ذات أشكال كثيرة، والهدف منها فهم الأفكار، ويعتمد النجاح في هذه العملية على واقعية التلميذ وخلفيته الأساسية من المفاهيم، ويعتمد كذلك على مهارات إدراك الكلمة وعلى قدرة التفكير في وحدات فكرية. وهناك علاقة وثيقة بين القراءة الجيدة والفهم، تظهر في الدراسات التجريبية، فلقد وجد أن القراء الضعفاء يخطئون بمقدار ( 5.8 ) خطأ شفهيا في كل ( 100 ) كلمة، (% ويخطئ القراء المجيدون بمقدار ( 1.1 ) فقط في كل ( 100 ) كلمة، والحقيقة أن ( 51 من أخطاء الضعفاء في القراءة ترجع إلى تغيير المعنى، بينما لا ترجع أخطاء قراءة
المجيدين إلى ذلك، ومعنى هذا أن المشكلة الأساسية للقارئ الضعيف هي فقد المعنى. ومهارة الفهم معقدة، تتضمن عدة مهارات أخرى، هي:
1 - القدرة على إعطاء الرمز معناه. 2 - القدرة على فهم الوحدات الأكبر، كالعبارة والجملة والفقرة والقطعة كلها.
3 - القدرة على القراءة في وحدات فكرية. 4 - القدرة على فهم الكلمات من السياق واختيار المعنى الملائم لها.
5 - القدرة على تخمين معاني الكلمة. 6 - القدرة على اختيار الأفكار الرئيسة وفهمها.
7 - القدرة على فهم التنظيم الذي اتبعه الكاتب. 8 - القدرة على الاستنتاج.
9 - القدرة على فهم الاتجاهات. -10 القدرة على تقويم المقروء، ومعرفة الأساليب الأدبية، وغرض الكاتب.
-11 القدرة على الاحتفاظ بالأفكار. -12 القدرة على تطبيق الأفكار وتفسيرها في ضوء الخبرات السابقة.
3 - النطق:
أما مهارة النطق، فهي تمثل الجانب الميكانيكي في عملية القراءة، وتشتمل على عدة مهارات فرعية تختلف من مرحلة تعليمية لأخرى، ومن أهم مهارات النطق في القراءة بالمرحلة الابتدائية ما يلي:
1 - نطق الأصوات نطًقا صحيحا.
2 - التفريق في نطق الأصوات بين الأصوات قريبة المخرج، كالتاء والطاء، والذال والزاي مثلا.
3 - نطق الكلمات نطًقا صحيحا مضبوطا بالشكل. 4 - نطق الحركات القصيرة والطويلة نطًقا صحيحا.
5 - التفريق في نطق الحركات بين القصيرة والطويلة. 6 - القراءة في جمل تامة، أي عدم القراءة كلمة كلمة.
7 - تنويع الصوت بحسب الأساليب المختلفة، كالاستفهام والنداء والأمر والنهي إلخ.
8 - استخدام الإشارات باليدين والرأس استخداما صحيحا.
د- أهمية القراءة في النمو اللغوي للأطفال:
يعتبر النمو اللغوي للطفل شأن أنواع النمو الأخرى محصلة لعاملين، هما قوى النضج بداخله، والخبرات التي تزوده بها البيئة التي يعيش فيها. وبناء على ذلك يختلف الأطفال في نموهم اللغوي حتى لو مروا بنفس الخبرات في المدرسة، وكذلك يختلفون
باختلاف ما يتعرضون له من خبرات تعليمية.
ولقد اهتم بياجيه بدراسة اللغة باعتبارها تعبيرا عن العمليات الفكرية عند الطفل، واستخلص من دراسة الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة أن هناك نوعين رئيسين من الحديث: النوع الأول يتمركز حول الذات، والنوع الثاني الحديث الاجتماعي. ووجد أن %38 ) من ملاحظات الأطفال من النوع الأول، حيث لا يهتم الأطفال بالاتصال ) بغيرهم وأن ( 62 %) من ملاحظاتهم من النوع الثاني، وأنه مع التقدم في السن تقل الملاحظات الذاتية.
وقد قام الباحثون بدراسة التفكير، ورأوا أن تكوين المدركات الكلية يسير في خط متصل من البسيط إلى المعقد، ومن المحسوس إلى المجرد، ومن اللامتمايز المشوش إلى المنظم، ومن الذاتي إلى الاجتماعي. والواقع أن استعراض المئات من الدراسات يدل على أن كل نواحي نمو الطفل جسميا وعقليا واجتماعيا وانفعاليا تؤثر بدرجة أو بأخرى على قدرته على القراءة، غير أن بعض نواحي النمو أوثق ارتباطا بالقدرة على القراءة من غيرها من النواحي.
ه- وسائل ترغيب التلاميذ في القراءة:
إن عادات القراءة التي يكونها التلاميذ خلال سنوات الدراسة الأولى وميولهم وأذواقهم، تحدد إلى درجة كبيرة طبيعة النشاط القرائي لهم كراشدين، وبناء على ذلك، إذا أردنا أن نفترض في التلاميذ وجود ميل دائم، ورغبة مستمرة في قراءة ما هو جدير
بالقراءة، فلابد لنا أن نهتم بهدفين أساسيين، لهما أهميتهما ومغزاهما.
-1 الهدف الأول:
أن يخلق برنامج القراءة رغبة لدى التلاميذ في القراءة، وأن يساعدهم على أن يستمتعوا في قراءتهم.
-2 الهدف الثاني:
أن تحقق القراءة الرغبة في نمو الشخصية، وفي معرفة العالم، وفي فهم الناس والمجتمع، أي أن الطفل بعد أن يكتسب مهارات قراءة بمستوى معقول ينبغي أن يكون لديه دافع، وشغف بالقراءة للمتعة والإفادة، وإثراء حياته، ومعنى هذا أن مقدار ما يقرأ
واتساع ونوعية ما يقرأ، كل ذلك له أهميته.
و - ميول التلاميذ في القراءة ووسائل تنميتها:
لقد بينت الدراسات التي أجريت على ميول الأطفال ما يلي:
1 - أن المصادفة تؤثر في بعض اختيارات التلاميذ للكتب، وقد بين التلاميذ أنهم وجدوا صعوبة في اختيار كتاب واحد من بين مجموعة من الكتب.
2 - أن اختيار التلاميذ لما يقرءون يتأثر بتوافر كتب معينة، ومن هنا تجيء أهمية مكتبة الفصل والمدرسة، وتيسير استعارة الكتب للتلاميذ، وطباعة الكتب بأسعار تناسب الغالبية العظمى من تلاميذ المدرسة.
3 - أن التلاميذ أظهروا اهتماما واضحا بالكتب التي تحتوي على حقائق ومعارف، تتصل بالعالم الذي يحيط بهم، وصرح بعض التلاميذ للإذاعة والتليفزيون والصحافة بأنهم يهتمون بكثير من الكتب العلمية.
4 - يفضل الأطفال قصص الحيوانات على القصص التي تشتمل على حوار على لسان الحيوانات.
5 - يميل الأطفال إلى معرفة الأماكن البعيدة، وكيفية عيش أصحابها، وخاصة في الصف الثالث وما بعده.
6 - ظهر اهتمام التلاميذ في الصفوف الثلاثة الأولى بحياة الأسرة والعلاقات داخلها.
7 - لا يظهر الميل إلى المهن والأعمال قبل المرحلة الإعدادية.
8 - ابتداء من الصفوف الأخيرة، نجد اهتماما يتزايد من التلاميذ بالآلات والسيارات والطائرات والصواريخ وسفن الفضاء.
9 - يكثر اهتمام التلاميذ بالشخصيات المشهورة، كالقادة والمخترعين ابتداء من الصف الخامس الابتدائي.
وبالإضافة إلى ما سبق، يهتم أطفال المدرسة الابتدائية بالقصص الدينية، وتستطيع الأسرة والمدرسة أن تنمي الميل إلى القراءة عن طريق خلق المواقف، التي ترغب فيها، ويمكن تشجيع القراءة في البيت بالوسائل الآتية:
1 - أن يكون اتجاه الوالدين نحو القراءة اتجاها إيجابيا.
2 - أن تتوافر الكتب والمجلات ذات المستوى المناسب من حيث الصعوبة التي تتفق مع ميول الطفل.
3 - أن يتحدث الآباء والأخوة الكبار عن الكتب والمجلات والقصص والحوادث التي ترد في الصحف، وأن يشركوا الطفل في هذا الحديث.
4 - حكاية القصص وقراءتها قراءة جهرية، وكذلك بعض الأناشيد مواد جيدة أخرى، ولكي تكون مثل هذه الوسائل فعالة، ينبغي أن تكون تلقائية، ولا يشعر الطفل أنها ترتب على تخطيط للضغط عليه لكي يقرأ، ومن المعروف أن الأطفال يسعون إلى أن يكونوا على مثال آبائهم، وأن يقوموا بنشاط له قيمته، وحينما توفر الأسرة الظروف المواتية للأطفال، فإنهم يقضون أوقات فراغهم في القراءة، وتتسع ميولهم وتتشعب. وتستطيع المدرسة أن توفر الظروف والملابسات، التي تشجع الأطفال على
القراءة بوسائل مختلفة، ومن بينها:
1 - مكتبة الفصل، ويجب أن تحتوي على كتب ومجلات مناسبة من حيث المحتوى ومستوى الصعوبة، وأن تبلغ من التنوع والكثرة ما يتيح لكل تلميذ في الفصل أن يجد ما يميل إليه.
2 - أن تخصص حصص للقراءة الحرة، حيث يتاح للتلاميذ حرية كاملة في أن يقرءوا بأنفسهم أي كتاب أو مجلة من اختيارهم، وأن يجد الطفل المساعدة في اختيار الكتاب إذا طلب ذلك، على أن يكون الاختيار في ضوء ما يميل إليه الطفل، وأن يكون مستوى الكتاب مناسبا.
3 - أن تقوم جمعيات للقراءة، يتألف كل منها من مجموعة صغيرة من التلاميذ يتنافسون فيما بينهم على الفوز بجائزة القراءة مثلا.
4 - إقامة معارض للكتب وإعلانات مشوقة، تعرف التلاميذ بالإنتاج المتنوع الذي يتفق مع ميولهم.
5 - إعداد لوحة حائط جذابة، يسجل عليها كل تلميذ الكتب التي قرآها.
ز- العوامل المؤثرة في عملية تعلم القراءة:
لقد رأينا أن التعرف على الكلمة ليس عملية آلية، وإنما يرتبط ارتباطا وثيًقا بالعمليات العقلية العليا، وهي النمو اللغوي والتفكير، ومن السهل أن يرى أن مثل هذا النشاط المعقد، يعتمد على عديد من إمكانيات الطفل، ومن هنا ينبغي أن نتناول القدرات والمهارات المسهمة في تعلم القراءة في العناصر التالية:
-1 الذكاء:
هناك علاقة بين الذكاء وتعلم القراءة، وقد اتضح من بحوث عديدة أن التأخر القرائي أكثر انتشارا بين التلاميذ ذوي الذكاء المنخفض من التلاميذ ذوي الذكاء المرتفع.
-2 الثروة اللغوية:
لا نستطيع أن نتوقع من الطفل الصغير أن يقرأ كلمات بعيدة عن خبرته، وعندما يحقق الطفل الطلاقة في القراءة، فإنه يستطيع استخدام هذه القدرة لتفسير وفهم السياق بحيث يستطيع من خلال ذلك زيادة ثروته من المفردات اللغوية وزيادة فهم ما يقرأ.
وحتى يصل إلى هذه المرحلة، ينبغي أن تتألف المادة القرائية من كلمات مستمدة من أحاديثه ومعجمه اللغوي.
-3 القدرة البصرية:
تقتضي القدرة على تعلم القراءة رؤية الكلمات وملاحظة ما بينها من تشابه واختلاف، وقد تؤدي عيوب الإبصار بالتلميذ إلى رؤية الكلمات مهزوزة أو على غير صورتها الحقيقية، وقد يكون البصر سويا، ولكنه لم يبلغ مستوى النضج المناسب لعملية
القراءة، أي لم يبلغ القدرة على التآزر والتنسيق بين العينين في الرؤية بمعنى أنهما تريانه الشيء وكأنهما عين واحدة، ولا يبلغ الأطفال هذا المستوى من النضج في عمر زمني واحد، لوجود فروق بينهم في معدلات النضج، ومن عيوب الإبصار رؤية الأشياء منعكسة، فإذا أبصروا (در) قرءوها (رد) وما لم تنتشر الرعاية الطبيعة والفحص الطبي المتكرر للتلاميذ في المدرسة الابتدائية فإن العيوب البصرية سوف تنتشر بينهم، ومن عمل المدرس أن يلاحظ العلامات الدالة على وجود عيوب الإبصار عند تلاميذه، حتى يمكن تصحيحها بالتدريب أو علاجها في الوقت المناسب.
-4 القدرة السمعية:
يستمع الطفل إلى أحاديث الكبار، ويكرر ما ألقى على مسمعه فالسمع إذن بداية لتعلم اللغة والأصوات، والعلاقة بين الحديث والقراءة مسألة واضحة، فإذا عجز الطفل عن الاستماع السليم، فإنه سيجد عائًقا يحول بينه وبين ربط الأصوات التي يسمعها
بالكلمات التي يراها، أو بما يقرأ، كما سيجد صعوبة في تعلم الهجاء الصحيح للكلمات وفي اتباع توجيهات من يقومون على تعليمه أو في الاستماع لأقرانه حين يتحدثون وحين يقرءون، وفي التمييز بين عناصر الصوت، ومن ثم سيجد صعوبة في ربط
حديثه بنطق الآخرين، وكثيرا ما يترسب من الصعوبات السمعية توتر انفعالي وضيق، وينتج هذا التوتر والضيق مما يتعرض له من أخطاء وسوء فهم. وقد يكون الطفل سويا في قدرته السمعية، ولكن تنقصه الدقة في التمييز بين الأصوات والتعرف على ما يتشابه منها، وما يختلف، وهذه تحول دون نجاحه في تعلم القراءة.
-5 المؤثرات البيئية:
إن الجو المنزلي الخصب يساعد على تنمية الثروة اللغوية للطفل، ذلك لأنه في مثل هذا الجو يستطيع أن يتحدث مع والديه اللذين يشجعانه على إشباع حب استطلاعه، وعلى التجريب والاستقصاء، ولقد اتضح أيضا أن الأسر التي تهمل أطفالها وتسيء
تغذيتهم، ولا تسمح لهم بالاستمتاع بقسط كاف من الراحة تحرمهم من توفير الفرص الكافية للنمو، وواضح أن ما يتوصل إليه القارئ من قراءته، إنما يكتسب في ضوء الخبرات التي يتعلمها في حياته مع الآخرين، فالقراءة تتطلب التفاعل الاجتماعي، الذي يكسب الإنسان العادي خبراته، ويمكنه من تفسير ما يقرأ. وكل طفل حين يقرأ موضوعا، إنما يحمل معه خبراته الخاصة التي اكتسبها في البيت. فمعنى ما يقرأ يعتمد إلى حد كبير على خبرة الطفل وبقدر ما يحمل معه من خبرات تكون استفادته مما يقرأ فمن تتسع خبراته يكن نصيبه من الفائدة أكبر، وحين تضيق خبراته يقل نصيبه من الفائدة. وقد اتضح من الدراسات العلمية أن نسبة القراء الضعفاء، الذين يفدون من بيوت فقيرة اجتماعيا واقتصاديا أكبر من تلك النسب التي تفد من بيوت غنية اجتماعيا واقتصاديا، كما اتضح أن نسبة القراء الضعفاء الذين يولدون في أسر كبيرة العدد أكبر من نسبة أولئك الذين يولدون في أسر صغيرة الحجم وأن نسبة القراء الضعفاء الذين تعمل أمهاتهم، أكبر من نسبة أولئك الذين تتفرغ أمهاتهم للعناية بهم، وفي النهاية أن العلاقة السعيدة مع الوالدين لها أهميتها في تنمية الميل للقراءة؛ لأن هذه العلاقة تشجع الأطفال على المضي في عملية التعلم قدما، كما تؤدي إلى مشاركتهم وجدانيا عندما تواجههم الصعاب.
-6 العوامل الانفعالية:
يمكن تلخيص العوامل الانفعالية التي تؤثر في تعلم القراءة في جانبين: الاتجاه نحو القراءة، والمشكلات الشخصية العامة.
أ - الاتجاه نحو القراءة إن توافر الدوافع لتعلم القراءة بالغ الأهمية؛ لأن هذه العملية (القراءة) معقدة وبعيدة المدى تتطلب التركيز والميل عدة سنوات قبل أن يصل الطفل فيها إلى الطلاقة، ومن المهم أن يتوافر للطفل فهم العمل وميله له؛ لأن النجاح يؤدي إلى النجاح، كما يؤدي إلى تحسين الاتجاهات وتنشيط الدافعية، الأمر الذي يساعد الطفل على التقدم في القراءة.
ب - المشكلات الشخصية العامة. إن المشكلات الشخصية لها علاقة وثيقة بالتأخر في القراءة، ذلك أن من المعروف أن عيوب النطق التي تعرقل التقدم في القراءة وثيقة الارتباط بالمشكلات الشخصية، وقد اكتشف أحد الباحثين أن ( 70 %) من المتأخرين في القراءة لديهم مشكلات شخصية.
علامات الترقيم
علامات الترقيم: علامات تتخلَّلُ الكتابة؛ لتساعد على تفصيلها وتنظيمها تنظيما يعين القارئ على فهمها.
وعلامات الترقيم هي:
الفصلة (،)- المفصلة المنقوطة (؛) - النقطة (.)- النقطتان (:) - علامة الاستفهام
(؟)- علامة التعجب (!) علام ُ ة التخصيص ("") الشرطة (-) الشرطتان (--) القوسان
.(())
وفي القطعة الآتية نماذج لاستخدام علامات الترقيم في الكلام.
عدل الخلفاء
جلس الخليفة المأمون يوما يفصل في قضايا الناس، وينظر في خصوماتهم، فتقدم إليه رجل معه رقعة فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم هذه شكوى –يا أمير المؤمنين - أرفعها إليك، وأنت الخصم والحاكم فيها". قال الخليفة: أتشكوني؟!
قال الرجل: نعم. - وما شكواك؟ - ثلاثون ألف درهم. - عجبا لما تقول! ما حقيقة ذلك؟
- إن وكيلك اشترى بها جوهرا حمله إليك، ولم يدفع إلي الثمن. - وكيف تشكوني والظالم غيري؟
- إنه وكيلك الذي ارتضيته ليكون من ولاتك. - إن دعواك تحتمل أمورا ثلاثة:
أولها- أن يكون الوالي قد اشترى منك الجوهر، وحمله إلينا، وأخذ الثمن، ولم يوصله إليك.
والثاني- أن يكون دفعه إليك وأنت تنكره. والثالث- أن يكون اشتراه لنفسه ثمنه عليه، وليس لك أن تشكوني في واحدة من
الثلاث. - إن الله جعلك في أعلى مكان من الرعية، ووكل إليك شئون الناس؛ لترعاها، ولكنه وضع لك شرعا تسير عليه، وتحكمهم بمقتضاه، فليس بيني وبينك إلا كتاب الله، وسنة رسوله، ووصية عمر (رضي الله عنه) للأشعري التي يقول
فيها: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" وليست عندي البينة التي تؤيد دعواي فلم تبق إلا اليمين التي تعفيك.
- لك عندي حلفه أحلفها، وإنِّي لصادقٌ فيها؛ إذ لا أعرف لك حقا في دعواك. - تعال إلى القاضي؛ ليحكم بيني وبينك.
ثم دعا الخليفة القاضي، وعقد مجلس القضاء في قصر الخليفة بأمره، وبدأ بقضايا الناس قبل قضية الخليفة؛ ليصح المجلس للحكم، ثم نادى الخليفة والرجل، وقضى بينهما، وحلف الخليفة اليمين، فأثبت القاضي براءته. وفيما يلي توضيح لمواطن استخدام علامات الترقيم على ضوء هذه القطعة:
ا- الفصلة (،):
وتكون بين الجمل المتصلة المعنى، مثل:
قد اشترى منك الجوهر، وحمله إلينا، وأخذ الثمن، ولم يوصله لك.
كما تكون بين المفردات التي تفصل مجم ً لا، مثل:
"فليس بيني وبينك إلا كتاب الله، وسنة رسوله، ووصية عمر للأشعري".
2 - الفصلة المنقوطة (؛):
وتكون بين جملتين إحداهما سبب في حدوث الأخرى، مثل:
- وبدأ بقضايا الناس قبل الخليفة؛ ليصح المجلس للحكم.
- وإني لصادق فيها؛ إذ لا أعرف لك حقا في دعواك.
3 - النقطة (.):
وتوضع في نهاية الكلام للدلالة على تمام المعنى، كما ترى في القطعة.
4 - النقطتان (:):
وتوضعان بعد القول أو ما في معناه، مثل:
- قال الخليفة: "أتشكوني"؟.
- تقدم إليه رجل معه رقعة فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم.."
كما توضعان بين المجمل وما يفصله، مثل:
"إن دعواك تحتمل أمورا ثلاثة: أولها ...".
5 - علام ُ ة الاستفهام (؟):
وتوضع في نهاية الجمل الاستفهامية مثل:
ما شكواك؟
6 - علامة التعجب (!):
وتوضع في نهاية الكلام الذي يحمل معنى الدهشة من شيء ما، مثل:
عجبا لما تقول!
وقد تجتمع مع علامة الاستفهام إذا كان يحمل معنى التعجب مثل: كيف تشكوني
والظلم غيري؟!
7 - علامتا التنصيص (""):
ويوضع بينهما ما ينقل بنصه من الكلام، مثل:
يقول فيها: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر".
8 - الشرطة (-):
وتوضع بعد العدد في أول السطر، وفي حالة المحاورة بين اثنين كما ترى في القطعة.
9 - الشرطتان: (--):
توضع بينهما الجمل المعترضة، فيتصل ما قبل الشرطة الأولى بما بعد الشرطة الثانية، مثل:
هذه شكوى-يا أمير المؤمنين- أرفعها إليك.
-12 القوسان (()):
وتكتب بينهما الجمل المعترضة التي لا ترتبط بالسياق، مثل:
وصية عمر (رضي الله عنه) للأشعري.
بعض قواعد الإملاء الأساسية
همزة القطع وهمزة الوصل
• همزة القطع:
وتنطق دائما وترسم فوق الألف إذا كانت مفتوحة أو مضمومة، وتحته إن كانت مكسورة.
- وتكثر همزة القطع في الأسماء مثل: أم – أب – أخ – أخت – أهل ...
- ولهمزة القطع في الفعل الرباعي الماضي والأمر والمصدر صيغة واحدة هي
( أفعل – أفعل – إفعال مثل أكرم – أكرم – إكرام).
- والهمزة في الحروف دائمًا همزة قطع مثل إذ- إذا – أم – أن – أو...
• همزة الوصل:
تظهر في النطق إذا بدأنا بها الكلام مثل القمر وتختفي في النطق إذا سبقها كلام – ولو حرف واحد – مثل : والقمر.
• مواضعها:
-1 الأمر من الفعل الثلاثي مثل : (اكتب– اجلس – اذهب)...
-2 الفعل الخماسي والسداسي ( ماضية،أمره،مصدره) مثل
امتحن – امتحن – امتحان (خماسي) استفهم – استفهم – استفهام (سداسي)
-3 بعض الأسماء مثل : ابن- ابنة- امرؤ- امرأة- اسم – اثنان – اثنين – اثنتان – اثنتين.
-4 أداة التعريف " ال" مثل: الشمس – القمر – السماء ...
وماعدا هذه المواضع تكون همزته همزة قطع.
الهمزة في وسط الكلمة
ننظر إلى حركة الهمزة وحركة ما قبلها ونكتب الهمزة علي ما يناسب أقوي الحركتين.
• ترتيب الحركات بدءًا بالأقوى هو : كسرة / ضمة / فتحة / سكون.
مثل (فؤاد) كتبت الهمزة علي واو لأن حركتها فتحة وحركة ما قبلها ضمة والضمة أقوى من الفتحة، إذن تكتب الهمزة علي ما يناسب الأقوى وهو الضمة وما يناسب الضمة هو (الواو).
ومثل (يسأل) الفتحة أقوى من السكون ويناسبها الألف. ومثل (سئل) الكسرة أقوي من الضمة ويناسبها النبرة.
• ملاحظات:
-1 إذا ترتب علي كتابة الهمزة علي ألف أو واو توالى الأمثال في الخط أي تجاور ألف وألف أو واو مع واو حذف ما تحت الهمزة مثل:
• تساءل : أصلها " تساأل " لأن المد بالألف بمنزلة السكون وحركة الهمزة هي الفتحة التي يناسبها الألف وحين تجاور الألفان أي المثلان – حذفنا الألف التي تحت الهمزة فأصبحت هكذا "تساءل".
• رءوس: أصلها " رؤوس" وحين تجاور المثلان حذفنا الواو التي تحت الهمزة فأصبحت هكذا "رءوس"
-2 تعد الفتحة بعد واو المد بمنزلة السكون ولذا تكتب الهمزة مفردة مثل مروءة – لن يسوءك...
-3 تعد ياء المد قبل الهمزة بمنزلة الكسرة مثل خطيئة- بريئة وكذلك الياء الساكنة مثل هيئة- شيئان.
-4 إذا اجتمعت الهمزة وألف المد اكتفي بعلامة المدة فوق الألف مثل مرآة – قرآ ن- جزآن.
الهمزة في آخر الكلمة
تكتب الهمزة المتطرفة علي ما يناسب حركة ما قبلها مثل :
كتبت الهمزة علي ألف لأن حركة ما قبلها الفتحة. - بدأ
كتبت الهمزة على ياء لأن حركة ما قبلها الكسرة. - شاطئ
كتبت الهمزة على واو لأن حركة ما قبلها الضمة . -جرؤ
كتبت الهمزة على السطر لأن حركة ما قبلها السكون . - شيء
إذا سبقت الهمزة المتطرفة حرف مد – ألف أو واو أو ياء كان حرف المد بمثابة
السكون، ولذا تكتب الهمزة بعده على السطر مثل: بناء – سماء – نشوء – بريء .
• ملاحظات مهمة :
1) ياء المد أو الساكنة قبل الهمزة المتوسطة تكون بمثابة الكسرة. ولذا تكتب الهمزة بعدها على نبرة مثل : بريئة – هيئة.
أما قبل الهمزة المتطرفة فهي بمثابة أي حرف ساكن؛ ولذا تكتب الهمزة على السطر مثل يجيء – شيء.
2) عند التنوين بالفتحة :
أ - إذا كان مل قبل الهمزة المفردة لا يتصل بالألف التي بعدها ظلت الهمزة على السطر مثل :بدءا- رزا .
ب - إذا كان ما قبل الهمزة مما يتصل بما بعده كتبت الهمزة علي نبرة مثل : شيئا- عبئا.
ج- إذا كان قبل الهمزة ألف فلا تضع ألف التنوين مثل : سما ء-بنا ء.
3) الهمزة المتطرفة التي تكتب علي ألف توضع الهمزة تحت الألف في حالة الجر مثل: من الخطإ- في المبتدإ.
حذف همزة ابن وابنة
• ابن :
تحذف همزة الوصل من كلمة (ابن) إذا وقعت بين علمين أي بين اسمين لشخصين ( الابن وأبيه) مثل:
محمد بن عبد الله – على بن أبى طالب .
وفي هذه الحال لا يجوز تنوين الاسم الواقع قبلها. فلا نقول: محمد“ بن عبد الله. وإنما نقول: محمد‘ بن عبد الله.
(بضمة واحدة علي الدال في كلمة محمد)
ولا نقول : قرأت عن على بن أبي طالب.
وإنما نقول: قرأت عن على بن أبي طالب.
( بكسرة واحدة تحت الشدة)
• وكلمة (بن) تتبع في حركتها الاسم الذي قبلها مثل:
- جاء زيد‘ بن‘ محمد .
- رأيت زيد بن محمد.
- مررت بزيد بن محمد.
إذ تعرب (بن) في هذه الحال صفة فهي تتبع الموصوف وما بعدها يعرب مضافا إليه.
• إذا وقعت كلمة(ابن) في أول السطر تكتب همزتها ولو وقعت بين علمين.
مثل ابن عبد الله محمد رسول الله (ص) لأن كلمة الرجل ليست علما. الرجل ابن الرجل
وذلك للفصل بالضمير "هو" طارق هو ابن زياد
• ابنة:
نقول: أسماء ابنة أبى بكر.
التاء المربوطة في كلمة (ابنة) مرتبطة بهمزتها؛فإذا أردنا حذف الألف منها وجب فتح التاء فنقول: أسماء بنت أبى بكر وبعضهم يحذف همزة(ابنة) عند النداء فيقول: بابنة الأقوام وبعضهم يثبتها فيقول: يا ابنة الأقوام وكلاهما صواب.
متى يكتب ما آخره ألف (نطقا) ألفًا أو ياء دعا - مشي- وغي- نوى....
لماذا كتبنا آخر الكلمة الأولى ألفا وكتبنا آخر الكلمات الثلاث الأخرى ياء؟
لكي نعرف الإجابة ينبغي أن نتذكر ما يلي:
• أو ً لا – في الثلاثي :
1. إذا كانت الألف أصلها واو بقيت علي حالها ألفا ويظهر أصل الألف في الفعل
المضارع أو المفرد أو المثنى أو الجمع أو المصدر أو الاسم مثل :
غزا- يغزو- غزوة دعا- يدعو- دعوة .
2. إذا كان أصل الألف ياء كتبت ياء مثل. فتى – فتيان(المثنى) – فتيان (الجمع) مشى – يمشى- مشيا
3.إذا كان الاسم الثلاثي مضموم الأول أو مكسوره جاز فيه الوجهان-أي يكتب آخره ألف أو ياء مثل:
خطا أو خطى جمع (خطوة) ربا أو ربى جمع (ربوة)
4. كل ما قبل آخره ياء يكتب ألفا لكراهة اجتماع ياءين مثل يعيا- يحيا...
واستثنوا من ذلك اسم العلم"يحي" ليفرقوا بينه وبين الفعل "يحيا"
5. إذا لم يعرف أصل الألف فيكتب ألفا.
6. إذا كان في أول الكلمة أو في وسطها واو فإن الألف التي في آخرها تكتب ياء مثل: وعي- هوي...
7. هناك فرق بين:
-(عصا،عصي) الأولى ما يتخذ للتوكيد أو الضرب والمضارع (يعصر) والثانية مخالفة الأمر والمضارع (يعصى)
يعصي يعصو، عصا إذن هناك عصا
- (نما،نمي) الأولى تعني زاد وكثر والمضارع (ينم و) والثانية تعني شاع والمضارع (ينمي) ينمي. ينمو،نمى - إذن هناك نما
• ثانيًا – في الرباعي:
1 - يكتب الياء دائما مثل: منتدى – مصطفي-مرتضى...
2 - الاسم الأجنبي يكتب كما جري به العرف فإن لم يجربه عرف فاكتبه كيف شئت وأكثر ما يكون بالألف كما يلي:
أ - ما جرى العرف بكتابته بالألف: فرنسا- إنجلترا-كندا...
ب - ما جرى العرف بكتابته بالياء:موسى-عيسى-كسرى ...
ج- ما يكتب بالألف أو الياء: موسيقا أو موسيقى والأصوب بالألف .
ملاحظة : الأسماء المبنية تكتب كلها بالألف مثل: هذا-أنا-كيفما...إلخ.
ما عدا : متى –لدى – أنى- أولى- الألي. الواو في آخر الكلمة.. متى نضع أمامها ألفًا ؟
الواو إما أن تتصل بالاسم (ويسميها البعض واو الجمع) وإما أن تتصل بالفعل(ويسمونها واو الجماعة) فالواو المتصلة بالاسم لا نضع أمامها ألفا بأية حال من الأحوال مثل: عاملو المصنع - مدرسو المدرسة...وهكذا والواو المتصلة بالفعل نضع أمامها الألف في مثل: حضروا – كتبوا- هاجروا- جلسوا...وهكذا ويستثنى من ذلك ما آخره واو من بنية الكلمة مثل أرجو-يرجو -نرجو-يعلو.. إذن الواو المتصلة بالاسم لا نضع أمامها ألفا أما الواو المتصلة بالفعل ( وحذفت النون التي بعد الواو) فإننا نضع أمامها ألفا إلا إذا كانت الواو من أصل الكلمة أي ليست واو الجماعة .++