الاستاذ / محمد رفعت فضل
21-04-2009, 11:33 PM
لقد ظنوا قديمًا وكثيرًا أن حرف الضاد حرف خاص بالعربية ( 1) ، لا تشاركها فيه لغة أخرى . يقول صاحب " القاموس المحيــط " إن " الضاد حرف هجاء للعرب خاصة ، ولا توجد في كلام العجم إلا في القليل " .
ونحن اليوم نلفظ الضاد دالاً مفخمة ، وتشاركنا في هذا الصوت لغات أخرى ، فمن شك في ذلك فلينطق مثلاً : don't ) )
هناك طريقتان للفظ الضاد : قديمة ومعاصرة .
وقد وصف سيبويهِ ( ت . 796 م ) اللفظ القديم فقال :
" أول حافــَة اللسان وما يليه من الأضراس مخرج الضاد " – ( الكتاب ، ج2 ، ص 489 ) .
وهذا الحرف كما نفهم أو نتخيل كان احتكاكيـــًا رخوًا ، بينما هو اليوم في لفظنا انفجاري شديد ومخرجه اللسان واللثة – إنه اليوم دال مفخمة .
ويعلل تمام حسان في كتابه " اللغة العربية - معناها ومبناها ذلك ، فيقول :
"الضاد الفصيحة كانت تُنطق بواسطة احتكاك هواء الزفير المجهور بجانب اللسان والأضراس المقابلة لهذا الجانب ، ومن ثم يكون صوت الضاد الفصيحة من بين أصوات الرخاوة مثله في ذلك مثل الثاء "( ص 55 ).
وقد وصلت إلينا بعض المعلومات التي تشير إلى الطريقة في ذلك اللفظ ، فكان ثمة خلط بين الضاد والظاء ( شأن كثير من العراقيين والمغاربة في لهجاتهم اليوم ) ، ومن ذلك ما أورده الجاحظ ( 868ت . م ) في ( البيان والتبيين ) – ج 2 ، ص 211 ، وأسوق ذلك على سبيل الطرفة :
" كان رجل بالبصرة له جارية تسمى ظمــياء ، فكان إذا دعاها قال : يا ضميـــاء ! ، فقال له ابن المقفع : " قل يا ظمياء ! " ، فناداها : " يا ضميـــاء ! " فلما غيّرعليه ابن المقفع مرتين أو ثلاثًا قال له :
" هي جاريتي أو جاريتك ؟!!! " .
أعود إلى القول إن الضاد القديمة هي التي ميّزت أو تميزت في لغتنا ، وكان د . إبراهيم أنيس قد ذكر ذلك على سبيل التقدير : " ويظهر أن الضاد القديمة مقصورة على اللغة العربية " – الأصوات اللغوية ، ص 49 .
فأنيس إذن يُقدّر أنه قد طرأ على لفظ الضاد أو صوتها تطور ، ولكن البحث المستفيض الذي أجراه د . رمضان عبد التواب ( المدخل إلى علم اللغة ، ص 62 ) يؤكد هذا التباين بما لا يدعو إلى الشك ( 2 ) .
كما يعلل محمد المبارك أسباب التبدلات الصوتية عامة . ( فقه اللغة وخصائص العربية ، ص 54 ) .
ويبدو أن الضاد قد وردت في حديث شريف - في إحدى رواياته : "أنا أفْصَحُ من نَطق بالضَّاد بَيْدَ أني من قُريش" ( انظر تاج العروس للزبيدي ، مادة الضاد ) .
أما تعريف العربية بأنها لغة " الضاد " فقد سبق أن وردت بعد عصر الاحتجاج والرواية ، ولعل المتنبي - ت . 965 . م - ( إن لم يكن أول ) من استعملها في المعنى في شعرنا القديم :
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي وبنفسي فخرت لا بجـــــدودي
وبهم فخر كل من نطق الضــا دَ وعوذ الجاني وغوث الطريد
ثم ذكر البوصيري ( ت . 1296 م ) بعده :
فارضَه أفصح امرئ نطق الضا د، فقامت تغار منها الظـــاء
ومع ذلك فلم يذكر الثعالبي ( ت . 1038 م ) هذا التركيب " لغة الضاد " في كتابه
" ثمار القلوب في المضاف والمنسوب " – مع أنه أدرك المتنبي صغيرًا . بمعنى آخر : لم يكن التعبير شائعًا وذائعًا في اللغة .
ثم ورد بعد ذلك على لسان الفيروز أبادي ( ت . 1415 ) في صورة النسبة ، وذلك في قوله :
يا باعث النبي الهادي مُفــحمــًا باللسان الضادي
وفي شعرنا المعاصر يقول شوقي ( ن . 1932 ) مفاخرًا :
إن الذي ملأ اللغات محاسنًا
جعل الجمال وسره في الضاد
وخليل مطران ( ت . 1949 ) يسمي العرب " بني الضاد " :
وفود بني الضاد جاءت إليك
وأثنت عليك بما وجبْ
ويقول إسماعيل صبري ( ت . 1923 ) :
أيها الناطقون بالضاد هذا
منهل صفــا لأهل الضاد
ويقول حليم دموس ( شاعر لبناني ت . 1957 ) :
لغة إذا وقعت على أكبـادنا كانت لنا بردًا على الأكباد
وتظل رابطـــة تؤلف بيننا فهي الرجاء لناطق بالضاد
مع تحيات أ/ محمد رفعت فضل
السنبلاوين
ونحن اليوم نلفظ الضاد دالاً مفخمة ، وتشاركنا في هذا الصوت لغات أخرى ، فمن شك في ذلك فلينطق مثلاً : don't ) )
هناك طريقتان للفظ الضاد : قديمة ومعاصرة .
وقد وصف سيبويهِ ( ت . 796 م ) اللفظ القديم فقال :
" أول حافــَة اللسان وما يليه من الأضراس مخرج الضاد " – ( الكتاب ، ج2 ، ص 489 ) .
وهذا الحرف كما نفهم أو نتخيل كان احتكاكيـــًا رخوًا ، بينما هو اليوم في لفظنا انفجاري شديد ومخرجه اللسان واللثة – إنه اليوم دال مفخمة .
ويعلل تمام حسان في كتابه " اللغة العربية - معناها ومبناها ذلك ، فيقول :
"الضاد الفصيحة كانت تُنطق بواسطة احتكاك هواء الزفير المجهور بجانب اللسان والأضراس المقابلة لهذا الجانب ، ومن ثم يكون صوت الضاد الفصيحة من بين أصوات الرخاوة مثله في ذلك مثل الثاء "( ص 55 ).
وقد وصلت إلينا بعض المعلومات التي تشير إلى الطريقة في ذلك اللفظ ، فكان ثمة خلط بين الضاد والظاء ( شأن كثير من العراقيين والمغاربة في لهجاتهم اليوم ) ، ومن ذلك ما أورده الجاحظ ( 868ت . م ) في ( البيان والتبيين ) – ج 2 ، ص 211 ، وأسوق ذلك على سبيل الطرفة :
" كان رجل بالبصرة له جارية تسمى ظمــياء ، فكان إذا دعاها قال : يا ضميـــاء ! ، فقال له ابن المقفع : " قل يا ظمياء ! " ، فناداها : " يا ضميـــاء ! " فلما غيّرعليه ابن المقفع مرتين أو ثلاثًا قال له :
" هي جاريتي أو جاريتك ؟!!! " .
أعود إلى القول إن الضاد القديمة هي التي ميّزت أو تميزت في لغتنا ، وكان د . إبراهيم أنيس قد ذكر ذلك على سبيل التقدير : " ويظهر أن الضاد القديمة مقصورة على اللغة العربية " – الأصوات اللغوية ، ص 49 .
فأنيس إذن يُقدّر أنه قد طرأ على لفظ الضاد أو صوتها تطور ، ولكن البحث المستفيض الذي أجراه د . رمضان عبد التواب ( المدخل إلى علم اللغة ، ص 62 ) يؤكد هذا التباين بما لا يدعو إلى الشك ( 2 ) .
كما يعلل محمد المبارك أسباب التبدلات الصوتية عامة . ( فقه اللغة وخصائص العربية ، ص 54 ) .
ويبدو أن الضاد قد وردت في حديث شريف - في إحدى رواياته : "أنا أفْصَحُ من نَطق بالضَّاد بَيْدَ أني من قُريش" ( انظر تاج العروس للزبيدي ، مادة الضاد ) .
أما تعريف العربية بأنها لغة " الضاد " فقد سبق أن وردت بعد عصر الاحتجاج والرواية ، ولعل المتنبي - ت . 965 . م - ( إن لم يكن أول ) من استعملها في المعنى في شعرنا القديم :
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي وبنفسي فخرت لا بجـــــدودي
وبهم فخر كل من نطق الضــا دَ وعوذ الجاني وغوث الطريد
ثم ذكر البوصيري ( ت . 1296 م ) بعده :
فارضَه أفصح امرئ نطق الضا د، فقامت تغار منها الظـــاء
ومع ذلك فلم يذكر الثعالبي ( ت . 1038 م ) هذا التركيب " لغة الضاد " في كتابه
" ثمار القلوب في المضاف والمنسوب " – مع أنه أدرك المتنبي صغيرًا . بمعنى آخر : لم يكن التعبير شائعًا وذائعًا في اللغة .
ثم ورد بعد ذلك على لسان الفيروز أبادي ( ت . 1415 ) في صورة النسبة ، وذلك في قوله :
يا باعث النبي الهادي مُفــحمــًا باللسان الضادي
وفي شعرنا المعاصر يقول شوقي ( ن . 1932 ) مفاخرًا :
إن الذي ملأ اللغات محاسنًا
جعل الجمال وسره في الضاد
وخليل مطران ( ت . 1949 ) يسمي العرب " بني الضاد " :
وفود بني الضاد جاءت إليك
وأثنت عليك بما وجبْ
ويقول إسماعيل صبري ( ت . 1923 ) :
أيها الناطقون بالضاد هذا
منهل صفــا لأهل الضاد
ويقول حليم دموس ( شاعر لبناني ت . 1957 ) :
لغة إذا وقعت على أكبـادنا كانت لنا بردًا على الأكباد
وتظل رابطـــة تؤلف بيننا فهي الرجاء لناطق بالضاد
مع تحيات أ/ محمد رفعت فضل
السنبلاوين