مشاهدة النسخة كاملة : مفارقات بين التخطيط والعشوائية


إيهاب خميس إدريس
26-06-2009, 10:58 PM
التخطيط: أن تتدبر أمرك اليوم وغدًا، لقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ (البقرة: 219-220)،
والعشوائية: أن تقول "نحن أولاد النهارده"، أو كما ذكر الله تعالى عن الدهريين: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ (الجاثية: من الآية 24).

التخطيط: أن تحضِّر للقاء الله تعالى يوم القيامة لتُجيب عن أربع: "العمر، الشباب، المال، العلم"،
والعشوائية: أن تعيش كالسوائم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا﴾ (النبأ: 27).

التخطيط: أن تقرأ القرآن من أوله، آيةً آيةَ، وسورةً سورةً، حتى تصل إلى آخره،
والعشوائية: أن تفتح المصحف كل مرة حيثما تعبث أصابعك.

التخطيط: أن تعيش مع القرآن بالعقل تدبُّرًا، وبالقلب تأثُّرًا، وبالنفس تغيُّرًا، فمرة تختم القرآن مع معرفة معنى كل كلمة صعبة (غريب القرآن)، وثانية مع أسباب النزول، وثالثة مع الأحكام الفقهية، ورابعة مع المعاني التربوية، وأخرى مع منهجيات إصلاح أوضاعنا الحالية،
والعشوائية: أن تقرأ القرآن بلسان كسول، وعقل مشغول، وقلب قاسٍ، ونفْس تشبَّعت بالهوى والأعراف الفاسدة.

التخطيط: أن تجهِّز لكل لقاء عناصره الأساسية، وكيفية مواجهة العوارض المحتملة بعدد من الحلول المناسبة،
والعشوائية: أن تذهب خالي الوفاض، صفر الأفكار، تشارك في كل حوار بسطحية تحسب معها أنك أعلم أهل الأرض؛ أما العوارض "فوقتها يحلّها ألف حلاَّل".

التخطيط: أن تحفر في الأرض، وتنحت في الصخر؛ لتصنع مستقبلك دون الاعتماد على أحد سوى الله توكلاًّ لا تواكلاً:

ما حكَّ جلدك مثل ظفرك فتولَّ أنت جميع أمرك

والعشوائية: أن ننتظر من القريب والغريب أن يحلَّ لنا الأزمات، وأن يكون وليَّ أمرنا في النقير والقطمير، فنظل ننتظر كل انتخابات أمريكية أو صهيونية؛ لعلها تجود بفارس الأحلام الذي يكون مثل الجن أو الشيطان: "شبيك لبيك محسوبك بين إيديك".

ألا فلنسعَ إلى التخطيط، على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة، الذي ينقلنا من هزال الاستهلاك وذلّ الاستجداء، إلى قوة الإنتاج وعزة الاستغناء، ولندَعْ هذه العشوائية في الأفكار والأقوال والأفعال التي جعلتنا في ذيل الأمم، لو قبلت أن يكون لها ذيل مريض!.

التخطيط: أن يقوم الفرد باكتشاف ملكاته دون تورُّم أو جَلد الذات، ثم توظيف هذه الملكات الربانية في فعل الخير ونفع الغير، ليَسعد ويُسعِد العالم من حوله،
والعشوائية: أن يعيش الإنسان كالثور الهائج يتحرَّك على غير هدى، ولا يعرف ماذا يفعل اليوم أو غدًا.

التخطيط: أن تضع نفسك فيما تُحسنه فقط، فلا تقبل وظيفةً مهما كانت مرموقةً إلا إذا كنت تدرك أنها تتطابق مع رغباتك وقدراتك، وإلا كانت الوظيفة طريقًا إلى إذلالك؛ لما ورد في الحديث النبوي: "ما ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه.. أن يحمِّل نفسه ما لا يطيق" (رواه الترمذي بسند صحيح)،
والعشوائية: أن تقبل كل ما يُسند إليك على أنه تشريفٌ لا يجوز التراجع عنه؛ لكنك تكتشف بعد حين أنه تزييف، وحرمانُ صاحبِ حق في هذا التوظيف.

التخطيط: أن تعرف ماذا يجب أن تعمل من اليوم إلى خمسة أو عشرة أو عشرين عامًا، وتسعى بكل دقة وهمَّة لتحقيق خطة واضحة المعالم،
والعشوائية: أن تكون كالحجر في اليمِّ، أو الريشة في الهواء، أو "الأطرش في الزفة"، كما قال تعالى عن المقلدين: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ (الزخرف:23) .

التخطيط: أن تعرف ماذا تقرأ وماذا تترك؟ فإذا قرأت كتابًا فليكن ذلك مرتين؛ مرة لمعرفة الفكرة العامة، وأخرى لمعرفة التفاصيل والأفكار الكلية والجزئية، يقول العقاد: "لأن أقرأ كتابًا مرتين خير لي من أن أقرأ كتابين"؛ لتكون المعلومات سلاسل كالعناقيد آخذًا بعضها بزمام بعض، وتذكَّر الكليات بالجزئيات،
والعشوائية: أن تقرأ دون وعي وأن تلتقط صفحات، وتترك أخرى، وأن تستمع إلى جزء من المحاضرات وتنصرف عن الباقي، وأن تكون المعلومات في العقل كالجزر المنعزلة التي ليس بينها رابط من الجسور!.

التخطيط: أن تجد شوارع القرية والمدينة تمتدّ أميالاً طويلة، والمساكن في أماكن هادئة، والورش والمصانع والمحلات في أماكن أخرى،
والعشوائية: أن تجد شوارعنا قصيرة، ومنازلنا مبعثرة على أشكال متناقضة، وتختلط المحلات والورش مع البيوتات.

التخطيط في الدولة: أن تكون لديها خطة معروفة للقادة والشعوب، وتحدٍّ واضح خلال خطة سنوية وخمسية وعشرية، يسعى الجميع إلى إنجازها من خلال فريق عمل متجانس أو متقارب،
والعشوائية: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا﴾ (الأعراف: من الآية 38)، وشركاء متشاكسون كلٌّ يعمل برأيه، وكل واحد "عقله في راسه يعرف خلاصه".

إنجاز قليل مع التخطيط على زمن طويل خير من إنجاز كثير مع عشوائية في التفكير؛ فإن شقة صغيرة منسقة خير من أجزاء وحطام عمارة كبيرة مبعثرة.

اشراقة
27-06-2009, 12:09 AM
بارك الله فيك ا / ايهاب

و جعل مساعيك الطيبة فى ميزان حسناتك

Observer
08-07-2009, 11:32 PM
التخطيط هو أساس الحياة فى كل المجالات

موضوع اكثر من رائع ....

GAMALEWEES
08-07-2009, 11:42 PM
فى حاجات كتير بتحتاج للتخطيط و التنظيم فى حياتنا و فى حاجات بتحتاج الى العشوائية لانها بتبقى عادية مش فى حاجة للتخطيط

أريــــ الجنة ــــد
18-07-2009, 11:19 AM
جزاك الله خيرا

وشكرا على الموضوع

http://www.zwani.com/graphics/thank_you/images/wr56.gif

a7med_sale7
28-07-2009, 02:41 PM
معلومات جميله جدا

hend 20
04-09-2010, 02:53 PM
جزاكم الله خيرا