karim ahmed
08-07-2009, 08:13 PM
......كنت مع بعض الأصدقاء بالقُرب من ميدان طلعت حرب في طريقنا إلى واحدة من المقاهي المختبئة في أزقة القاهرة بالقرب من "جروبي" ، وكانوا يطلقون على المقهى "After 8" وأعتقد بأن سر هذه التسمية الأعجمية يكمنُ في أن أفضل الأوقات التي يمكنك قضائها على ذلك المقهى تكون بعد الثامنة مسائاً.
.....لكي نصل من جروبي إلى المقهى مررنا بعدة حواري وأزقة ذكرني مروري بها بتلك الأوقات التي قضيتها صغيراً مع أقراني نلعبُ في الممرات الملكية بمعبد دندرة بمحافظة قنا ــ معبد دندرة هو معبد فرعوني ببلدة تُدعى بنفس الإسم تقع في محافظة قنا في صعيد مصرــ ، وعند وصولنا وجدتُ مقهى بسيطاً فقيراً في مظهره ،..لا يرقى لأن نطلق عليه "كافيه" ، ورغم بساطته تلك إلا أنني فوجئت بأن له باعاً من الشهرة..فزبائنه ومرتاديه من عِليةُ القوم وأواسطهِ بخلاف دراويشه.
.....وبعد أن جلسنا سألتُ نفسي عما يميز تلك الأزقة والحواري لتجعل من ذلك المقهى البسيط مكاناً مشهوراً ، أهو دفئها أم هو بساطتها التي تزيل من داخلك ذلك الشعور بالرهبة الذي يتملكك وبدون إستأذان بمجرد دخولك لأحدى فروع"ستار باكس" ،....لا أعرف...
......بعض بضعة ثواني تذكرت بأنني أتضورُ جوعاً منذ الصباح ، فإلتفتُ إلى صديقي "أحمد منتصر" متسائلاً : مونتي ...هو مفيش حتة هنا نجيب منها أكل؟ ، فرد علي وهو مشيراً بيده يميناً من مخرج المقهى :إمشي يمين كدة هتلاقي "دهب" ، ذهبت يميناً أبحث عن دكان "دهب" الذي لم يكن يبعد عن المقهى سوى خطوات قليلة ، ولكني لم أجد دكاناً....ما وجدته كان رصيفاً يرتفع عن الأرض بضع سنتيمترات ..ترتكز عليه وهي متكئة على الحائط ثلاجة حديثة مكونة من بابين أحدهما للمبرد ، وكانت من ماركة "كريازي" وكان المبرد مزود بخاصية لطالما أحببتُ أن يزودوا بها المبردات ، فقد كان بالمبرد خاصية الـ "no frost" ، بجوار الثلاجة وجدته مُعلقاً على الحائط..حوضاً "ستانلس ستيل" يحتضن صنبوراً إيطالياً، وإلى جوارهما وقف ناظراً إليهما بتعالي دولاباً خشبياً كالذي في بيوتنا القديمة ونطلق عليه "نملية" ــ هل تعلم أنهم أطلقوا عليه تلك التسمية العامية لأنك كثيراً ماتفتحه فتقع عينيك على حشرات النمل بداخله ــ وأمامي مباشرة وقفتْ وظهرها لي "عربة كبدة" ...لا تختلف كثيراً عن عربات "الكبدة" و الـ" تك أواي" الشهيرة
أمثال "أبوآية " بشارع مصر والسودان ،و "على بركة الله" برمسيس ، و"تقى" بالقرب من جامعة عين شمس ، ولكن تلك العربة المملوكة لـ"دهب" الذي لم أره حتى الأن ــ ربما ذهب يبتاع شيئاً وسيعود ــ شعُرت وأنا واقفاً إلى جوارها بحميمية لم أشعر بها قط إلا داخل "مطبخ بيتنا" ، وبينما أفكر في السر وراء تلك المشاعر المتبادلة بيني وبين العربة...دخلت سيدة في العقد الثالث من عمرها لتقف تماماً في نفس المكان الذي يقف فيه البائع....، ولكن أيعقل أن تكون تلك الحسناء هي "دهب" بائع "الكبدة" ، ولم الحيرة لأسئلها...، ولكنها سبقتني تسأل بصوت عميقاً هادئاً :اؤمر حضرتك..
شعرت حينها أنني بإحدى فروع "برجر كينج" أو " سيلنترو" ، ولم استطع الرد بغير : واحد كبدة وواحد سجق لو سمحتي...
....سيدة بيضاء محجبة في الثلاثين من عمرها ، ترتدي بنطالاً "جينز" و" بلوز" ونظارة طبية ويدها على عكس كل بائعي " الكبدة الذين عاشرتهم.... بيضاء نظيفة ، تملك من اللباقة ما يؤكد أنها متعلمة ....
إلتفتْ تفتح الثلاجة لتُخرج منها عُلبتان من البلاستيك نظيفتان ، بإحداهما "الكبدة" وبالأخرى " السجق" ، وضعت بعضاً من " الكبدة" في الـ "القلاية" المخصصة للـ" الكبدة" وبالـ"القلاية" الأخرى وضعت عدداً من أصابع "السجق" ، وذلك لأن كلا "القلايتين" كانتا خاليتين من أي شئ إلا زيت الطعام ، فـ"دهب" تحرصُ على أن يكون الطعام المقدم"fresh" و"على عينك يا تاجر" فهي تثق في جودة الطعام الذي تقدمه حتى وإن لم يكن من إنتاج "أمريكانا".
....سألتها عن الحساب ، فأجابت :3.5 جنيه إنشاء الله
حاسبتها وإنصرفت وأنا أقول لنفسي مهما كانت الظروف التي جعلت من تلك الحسناء بائعة "كبدة" فإن نفس تلك الظروف قد زادت تلك المهنة شرفاً لوقوف "دهب" خلف تلك العربة
.......تمت
هذه قصة حقيقة حدثت معى عندما كنت مع اصدقائى فى احدى الخروجات
.....لكي نصل من جروبي إلى المقهى مررنا بعدة حواري وأزقة ذكرني مروري بها بتلك الأوقات التي قضيتها صغيراً مع أقراني نلعبُ في الممرات الملكية بمعبد دندرة بمحافظة قنا ــ معبد دندرة هو معبد فرعوني ببلدة تُدعى بنفس الإسم تقع في محافظة قنا في صعيد مصرــ ، وعند وصولنا وجدتُ مقهى بسيطاً فقيراً في مظهره ،..لا يرقى لأن نطلق عليه "كافيه" ، ورغم بساطته تلك إلا أنني فوجئت بأن له باعاً من الشهرة..فزبائنه ومرتاديه من عِليةُ القوم وأواسطهِ بخلاف دراويشه.
.....وبعد أن جلسنا سألتُ نفسي عما يميز تلك الأزقة والحواري لتجعل من ذلك المقهى البسيط مكاناً مشهوراً ، أهو دفئها أم هو بساطتها التي تزيل من داخلك ذلك الشعور بالرهبة الذي يتملكك وبدون إستأذان بمجرد دخولك لأحدى فروع"ستار باكس" ،....لا أعرف...
......بعض بضعة ثواني تذكرت بأنني أتضورُ جوعاً منذ الصباح ، فإلتفتُ إلى صديقي "أحمد منتصر" متسائلاً : مونتي ...هو مفيش حتة هنا نجيب منها أكل؟ ، فرد علي وهو مشيراً بيده يميناً من مخرج المقهى :إمشي يمين كدة هتلاقي "دهب" ، ذهبت يميناً أبحث عن دكان "دهب" الذي لم يكن يبعد عن المقهى سوى خطوات قليلة ، ولكني لم أجد دكاناً....ما وجدته كان رصيفاً يرتفع عن الأرض بضع سنتيمترات ..ترتكز عليه وهي متكئة على الحائط ثلاجة حديثة مكونة من بابين أحدهما للمبرد ، وكانت من ماركة "كريازي" وكان المبرد مزود بخاصية لطالما أحببتُ أن يزودوا بها المبردات ، فقد كان بالمبرد خاصية الـ "no frost" ، بجوار الثلاجة وجدته مُعلقاً على الحائط..حوضاً "ستانلس ستيل" يحتضن صنبوراً إيطالياً، وإلى جوارهما وقف ناظراً إليهما بتعالي دولاباً خشبياً كالذي في بيوتنا القديمة ونطلق عليه "نملية" ــ هل تعلم أنهم أطلقوا عليه تلك التسمية العامية لأنك كثيراً ماتفتحه فتقع عينيك على حشرات النمل بداخله ــ وأمامي مباشرة وقفتْ وظهرها لي "عربة كبدة" ...لا تختلف كثيراً عن عربات "الكبدة" و الـ" تك أواي" الشهيرة
أمثال "أبوآية " بشارع مصر والسودان ،و "على بركة الله" برمسيس ، و"تقى" بالقرب من جامعة عين شمس ، ولكن تلك العربة المملوكة لـ"دهب" الذي لم أره حتى الأن ــ ربما ذهب يبتاع شيئاً وسيعود ــ شعُرت وأنا واقفاً إلى جوارها بحميمية لم أشعر بها قط إلا داخل "مطبخ بيتنا" ، وبينما أفكر في السر وراء تلك المشاعر المتبادلة بيني وبين العربة...دخلت سيدة في العقد الثالث من عمرها لتقف تماماً في نفس المكان الذي يقف فيه البائع....، ولكن أيعقل أن تكون تلك الحسناء هي "دهب" بائع "الكبدة" ، ولم الحيرة لأسئلها...، ولكنها سبقتني تسأل بصوت عميقاً هادئاً :اؤمر حضرتك..
شعرت حينها أنني بإحدى فروع "برجر كينج" أو " سيلنترو" ، ولم استطع الرد بغير : واحد كبدة وواحد سجق لو سمحتي...
....سيدة بيضاء محجبة في الثلاثين من عمرها ، ترتدي بنطالاً "جينز" و" بلوز" ونظارة طبية ويدها على عكس كل بائعي " الكبدة الذين عاشرتهم.... بيضاء نظيفة ، تملك من اللباقة ما يؤكد أنها متعلمة ....
إلتفتْ تفتح الثلاجة لتُخرج منها عُلبتان من البلاستيك نظيفتان ، بإحداهما "الكبدة" وبالأخرى " السجق" ، وضعت بعضاً من " الكبدة" في الـ "القلاية" المخصصة للـ" الكبدة" وبالـ"القلاية" الأخرى وضعت عدداً من أصابع "السجق" ، وذلك لأن كلا "القلايتين" كانتا خاليتين من أي شئ إلا زيت الطعام ، فـ"دهب" تحرصُ على أن يكون الطعام المقدم"fresh" و"على عينك يا تاجر" فهي تثق في جودة الطعام الذي تقدمه حتى وإن لم يكن من إنتاج "أمريكانا".
....سألتها عن الحساب ، فأجابت :3.5 جنيه إنشاء الله
حاسبتها وإنصرفت وأنا أقول لنفسي مهما كانت الظروف التي جعلت من تلك الحسناء بائعة "كبدة" فإن نفس تلك الظروف قد زادت تلك المهنة شرفاً لوقوف "دهب" خلف تلك العربة
.......تمت
هذه قصة حقيقة حدثت معى عندما كنت مع اصدقائى فى احدى الخروجات