مشاهدة النسخة كاملة : السكان "الاصليين" لمصر........بلال قضل


FRANKENSTEIN
10-10-2006, 07:56 PM
مجوعة بلال فضل القصصية "السكان الاصليين لمصر" اللي اتنشرت في الدستور من سنة تقريبا ونبدء مع:



ام ميمي التي اكلها الربو ونحن عنها غافلون!




رمتني يد الاقدار عن قوس محنة فسكنت لدى ام ميمي. كنت طالبا في السنة الاولى من كلية اعلام, اجبرته الظروف على ان يترك اهله وياتي ليدرس في جامعة القاهرة ينفق على نفسه من النقود التي ادخرها خلال عمله في الاجازة الصيفية, حتى يجد عملا يساعده على اكمال دراسته بعد ان رفض اهله ان يدفعوا له مليما واحدا لعدم رضاهم عن دراسته للاعلام الذي اضطر لدراسته كبديل للسينما التي كان الالتحاق بمعهدها يحتاج الى واسطة لم تكن متاحة له. لذلك ولذلك وكله وافقت على ان اقيم في حجرة اشبه بال"حق" حقا وصدقا من حجرات شقة ام ميمي البالغ عددها حجرتين ومطبخا وشبه حمام, كانت شقة ام ميمي يقع -بالمعنى المهين للوقوع- في الدور الارضي في بيت ملتبس من ثلاثة ادوار اشد التباسا, وهو اول بيت يصادفك اذا شائت ارادة الله ان تدخل الى شارع بلغ من الحقارة شأوا جعله الشارع الوحيد في مصر كلها الذي لا يجمل اسماء برغم ان شوارع مصر تحفل باسماء تبدا بشارع ديجول ولا تنتهي بابن زمبل الرمال, وحده ذلك الشارع الغامض اراد مسئولو محفظة الجيزة له ان يحمل ذلك العار الذي تشهره لافتة رسمية معلقة في مدخل الشارع "شارع خلف كازينو رمسيس", وبرغم ان مدخل الشارع اضيق من خلق مزير التعمير لكن الحكومة اعترفت له بانه شارع, لكنها لم تشرفه بحمل اسم غير اسم كازينو رمسيس الواقع على شارع الهرم في منطقة حسن محمد الذي لم اتشرف حتى الان بمعرفة من هو ولا ماهو الدور النضالي الذي استوجب اطلاق اسمه على هذه المنطقة التي لعبت دورا مهما في تاريخ الصراع بين سكان الهرم وفيصل ومابينهما.

ليس الامعان بالحديث عن الشارع بابتعاد مني عن الحديث عن ام ميمي. حاشا وكلا, بل هو امر ضروري لتفهم ام ميمي التي عاشت معي وماتت سنين طويلة دون ان يفكر احدنا في السؤال عن اسمها الحقيقي, او حتى السؤال عن سر حملها لاسم ام ميمي, تماما كما يفكر احد من المئات الذين يسكنون هذا الشارع في سؤال الحكومة عن سر استنكافها عن اطلاق اسم, اي اسم كان على الشارع, على الاقل لتحسين وضعهم الاجتماعي بين سكان الشوارع المجاورة.. لم يكن يبدو عليهم طيلة عشرتي معهم انهم متضايقون من اسم الشارع, كانه قدر محتوم عليه وعليهم, بل ان بعضهم اخذ يشكر الحكومة لانها اختصرت الحياة عليهم واعطتهم اسما يحمل وصفه في ذات الوقت, فبد ان يقول احدهم انا سكان في شارع كذا خلف كازينو رمسيس يقولها مباشرة تسر السامعين انا ساكن في شارع خلف كازينو رمسيس.

وحدي انا الغريب عن المكان الذي كنت مشغولا باسئلة وجودية حول اسم الشارع واسم ام ميمي الحقيقي, لكن اذا كان الحديث عن اسم الشارع امرا مباحا فالسؤال عن ام ميمي لم يكن كذلك بتاتا. سالتها مرة فتعكرت المياه الصافية التي كانت تجري بيننا, واتضح بعد ايام من الخصام انها ظنت انني اريد ان اعمل لها عملا, قلت لها: "يعني هعملك عمل بايه ياام ميمي"؟, قالت لي: عشان تاخد الشقة وضع "يت", قلت لها: تتقطع "يتي" ولا اعمل كده ياام ميمي.. وعادت المياه لمجاريها, فضربت مجاري الشقة في يوم من اسوا ايام عمري يرد شرحه لاحقا.

ذات يوم رائق سالت ميمي نفسه عن اسم امه فنظر الي نظرة زغر وزجر لتذكيري ان العشرة وحدها هي التي تسمح له بتقبل دخولي في هذه المنطقة المحرمة ثم قال لي: "والنعمة دي مااعرف, انا وعيت عالدنيا لقيتهم بيقولوا لها يا ام ميمي.. ده حتى قرايبي باين مايعرفوش اسمها اصلهم كل مايشتموني يقولوا لي ياابن الو..." لكي تفهم السياق الذي يجعل ميمي يقول فيه كلاما كهذا يكفي ان تعرف ان النعمة التي اشار اليها ميمي انفا كانت قزازة سبرتو كان يحتسيها وهو ينادمني لتزجية اوقات فراغه, بالمناسبة ذات ليلة عكرة سالت ميمي عن اسمه الاصلي فقال لي بعد ان اطلق صوتا منغما شائعا"وهتفرق معاك بايه؟.. اذا كان مافرقتش معايا اشاسا".

ام ميمي هي التي باحت لي في نهار خروجي بان ميمي اسمه الحقيقي عزت, وان سر تسميته بميمي هو انها عندما انجبته كان "حلو قوي احلى من البنات, اصل انا قبل مااعيا كنت قمر قمر.. كانت باب الشعرية بتحارب الضاهر عشاني.. امي الله يحرقها ماكنتش اطيقها كانت ست ظالمة قعدت تتريق عليا وتقولي ياوكستك مخلفة بت ومسمياها جمال.. ماتسنيه ميمي احسن.. بكره عيال الشارع تقفز عليه -مشيها تقفز.. الدنيا صيام- وتكسر عينك وعينه". ثم تتبع ام ميمي الحكاية مباشرة بالايمان المغلظة ان مابشرت به الجدة لم يحدث ابدا, لان الحارة شهدت ميلاد من هم احلى منه بكثير فحملوا عن عزت الشهير بميمي ذلك العبء الذي اشارت اليه الجدة.

العيا الذي تلقى عليه ام ميمي بلائمة تحويلها من قمر الى كتلة قمحية من الدهون والالام, هو مرض الربو الذي ماتت ام ميمي به كما سيرد ذكره. كانت المرة الاولى التي عرفت فيها بان ام ميمي مصابة بهذا المرض عندما تسلمت السكن واخذت تلقى علي بتعليمات السكن التي انحصرت في "ماتجيبش نسوان وانا هنا.. وماتكلش لحمة او زفر من غير ماتعزم عليا.. ومايوزكش عقلك بالليل وانا نايمة تقرب لي عشان انا عيانة وعندي الربو.. هتتعدي وتموت.. ده لو سلمت من ايديا.. انا ست فيها العبر بس شريفة". لم ارد ان اسفه من اعتقادها انها مطمع للراغبين, فقلت لها "انا بتاع ربنا الحمد لله ومش لاقي اكل اساسا عشان اجيب نسوان.. اما اني اقرب لك فدي حاجة ربنا يعين عليها بس انت برضه اقعدي حشمة في البيت". تورد وجهها خجلا ووعدتني بان تحرص على ذلك لكي نتعاون انا وهي في اخزاء الشيطان الذي سيكون رابعنا في حالة وجود ميمي ابنها في الشقة وثالثنا في حالة غيابه.

كان ميمي ابن ام ميمي هو الساك الثالث الذي يؤانسنا في الشقة بضع ساعات من الليل عندما يعود منهكا من عمله في ورشة سيارات بباب الشعرية -موطن ام ميمي الاصلي والذي نزحت منه الى شارع خلف كازينو رمسيس لاسباب تبينت لي فيما بعد وسابينها لك فيما بعد-.. كان يعود في تمام الحادية عشرة من كل ليلة مصطحبا معه زجاجة نصف ممتلئة بما تيسر من انواع الخمور الرديئة بدءا من السبرتو ووصولا الى الاربعة والتمانين وراس العبد, كان -لاسقاه اله من خمر الجنة- عندما ياتي باربعة وتمانين يقوم بوضع الزجاجة بين رجليه ويقول لي وهو يضحك ملء شدقيه "شفت انا راكب اربعة وتمانين اهو.. ماتيجي تتشعبط". لكن ذلك على كل حال كان اهون بكثير من طقوسه في يوم الاحد الاجازة الرسمية الذي كان يصر فيه صيفا وشتاء على البقاء في البيت بالفانلة الكت والبوكسر والشراب الصوف, واذا فكرت ان تساله عن سر الشراب الصوف قال لك بتلقائية النطاسي البارع "عشان رجلي ماتخدش برد". كان يصر يوم الاحد على اشعال بابور الجاز كصوت مستمر في الخلفية, ويطلب مني ان اكون نديما له وهو يتسي راس العبد ويمزمز بفبلفل اخضر وبصل واحكي له "الدنيا ماشية ازاي", وهي جملة كان يعقبها بجملة تحذيرية "اوعى تفتكرني جاهل.. انا بس الشغل واخد كل وقتي".. ولانني انا شخصيا لم اكن اعرف الدنيا ماشية ازاي, فالتلاتة جنية اللي انا مجبر على الا اصرف اكثر منها كل يوم لاتكنني الا من شراء مجلة روز اليوسف كل سبت, بالتالي كنت مضطرا لشراء المجلات القديمة من بتاع الروبابيكيا وقرائتها لميمي, اذكر انه بكى من شدة التاثر وانا اقرا له موضوعا عن الحرب العراقية الايرانية ليقول لي بحنق "هو صدام ده ماحدش عارف يلمه.. مش عاتق لا كويت ولا ايران الله يحرقه", قبل ان يسالني سؤالا تفصيليا "هي ايران دي تطلع فين"؟!.

يسالني احدكم وهذا حقه "ولماذا صبرت على كل هذا, لماذا لم تعض على غرفتك بالنواجذ وتتقي شر ميمي؟!, الحقيقة ثمة سببان لهذا الموقف الانسحاقي تجاه ميمي, اولهما سحبه لمطواة قرن غزال في اول مرة طلبت منه ان يتركني لان لدي بحثا لابد من تسليمه, ويبدو انه لم يكن مؤمنا بجدوى الابحاث في العملية التعليمية فقد قال لي "بحس على مين ياروح انص.. ده انا ميمي يااه", واجبرني على ان اقرا له فصلا من كتاب وسائل الاتصال نشاتها وتطورها للمرحوم خليل صابات حتى يتمكن من النوم قائلا لي "صوتك وانت بتقرا الكلام الفارغ ده بيهدي اعسابي".. السبب الثاني يعبر عنه المثل الدارج "ايه اللي رماك على ميمي.. اللي امر منه", واللي امر من ميمي هنا هو اكتشافي انني لا اسكن في غرفتي لوحدي بل يسكن معي فيها فاران وبرص.. كان قد قيل لي عند تسليمي للغرفة من ام ميمي ان بها فارا واحدا لكنني اكتشفت انهما فاران بعد اشهر من الاقامة عندما جاء لي زيارة مصلحة لاخذ بعض الملخصات, جلس على الكرسي الوحيد في الغرفة وجلست على الارض حيث انام, فجأة اتسعت محاجره حتى كاددت تنخلع ووثب برشاقة بطل اوليمبي فوق الكرسي ويداه تلوحان في هواء الغرفة العطن خلف ظهري وصوته يخرج بالكاد من فمه "يانهار اسود ايه اللي وراك ده"؟ّ, قلت له "اه يا خرع.. كل ده عشان فار لا راح ولا جه", قال لي "دول فارين يا بارد", ادهشتني المعلومة فقلت له "ياه الغش وصل حتى لعدد الفيران.. اقسمت لي ام ميمي بعدها انها لم تكن تعرف انهما فاران, وقالت لي "وحياة النعمة دي انا مااكدب ولو على رقبتي.. لو فارين هاقول انا هخاف.. البرص انا كنت عارفه بس مارضيتش اقولك عشان ماتتقرفش من الاكل". كانت النعمة هذه المرة رجل فرجة, وهي الاكلة المفضلة لدى ام ميمي باعتبارها الزفر المتاح, وعلى يديها عرفت ان هناك سوقا كاملا في المنيب يقوم ببيع فواكه الفرخة على وزن فواكه اللحمة من رقاب ورجلين ورؤوس ومكونات اخرى لاداعي لذكرها فالدنيا صيام, ولا داعي لذكرها حتى والدنيا فطار.


يتبع

فتاة_الإسلام
11-10-2006, 12:52 AM
موضوع حلو يا بسام وبإذن الله أنا متابعاه معاك...

FRANKENSTEIN
11-10-2006, 07:20 PM
ام ميمي التي اكلها الربو ونحن عنها غافلون! (2)
عائلة ام ميمي تحدث اخبارها!





لم تكن مفاجئة الفأر الاضافي في غرفتي الكائنة بشقة ام ميمي امرا سهلا بالنسبة لي, ليس لانني شعرت بان ام ميمي مارست علي خداعا استراتيجيا جعل الثقة بيننا امرا صعب المنال, ولكن لان وجود فأرين يشاطرانك غرفة واحدة يعني امكانية ان يشاطرك فيها المزيد من الفئران, فمن البديهي ان يغري دفء المكان الفأرين الاصليين بالتزاوج وانجاب صبيان وبنات يملوا علينا الغرفة لنعيش فيها سويا كعائلة متماسكة تربطها اواصر المودة, صحيح انني لم انس منهما الميل الى الانجاب او مأجلين الموضوع ده شوية ناهيك عن انني لم اقم اساسا بالكشف على جنس اي من الفأرين للتاكد من كونهما "كوبلز" فعلا, فالوقت الذي قضيناه سويا لم يكف لتربية عشرة لازمة تسمح بسؤال شخصي مثل هذا, لكنني لم اشك لوهلة في كونهما فأرين شاذين يعيشان سويا, فلم فلم يكن الشذوذ وقتها قد انتشر بالصورة التي نراها الان. على اي حال لم اشأ في التدخل في قراراتهم الشخصية ولم افكر لوهلة في تحجيم رغباتهم الاسرية, فقط قررت الا ابادرهما بالعداوة وانقل مقر نومي الى الصالة قانعا بلعب دور نديم الراح للسيد ميمي الذي هو في الاصل عزت.

ربما تسألني عن السبب الذي دفعني لعدم التخلص من الفأرين وتحرير كامل تراب الغرفة منهما, الحقيقة ان الامر كان متعذرا بسبب عدم وجود بند في الميزانية يسمح بذلك, خاصة ان الثلاثة جنيهات المفروضة لكل يوم كانت تشمل نفقات الطعام والشراب والذهاب والاياب من الجامعة في اتوبيس به الحد الادنى من الالتصاقات غير البريئة, وكان من الصعب التفريط في اي من ذلك من اجل شراء سم يناسب حجم الفاراين وقدرتهما على المراوغة, كان الامر يتطلب تعاونا مشتركا بيني وبين ميمي وامه, لم يكن لدى السيدة الفاضلة مانع مع انها تنام على سرير مرتفع ولاتنام مثلي على الارض, لكنها قالت لي "شوف الواد ميمي خليه يديك فلوس انا ماعنديش فلوس بس ماعنديش مانع", اكبرت لها ان انها اعطتنا الغطاء السياسي الذي كنا نحتاجه لمقاومة الفأرين, فقد كان صعبا علينا ان نتحرك في وجود "مانع ام ميمي", ومادام ميمي سيوفر المتبقي من التمويل اذن لا مشكلة حتى لو تطلب الامر التخلي عن وجبتين او ثلاث يتم توزيعها على ايام الاسبوع, كان رد ميمي غير متوقع, ليس فقط لانه بدأه بوصلة سماعي كار عزفها مستخدما منطقة مابين انفه واذنه الوسطى اوصلت رفضه الكامل للفكرة دون ان ينبس ببنت شفة -مشيها شفة- بعد ذلك لكي يستخدم جماليات اللغة العريبة في التوكيد اللفظي والمعنوي مع الضغط على مخارج الحروف والتلويح بزجاجة السبرتو في هواء الصالة غير الطلق قائلا " شوف مش الست المتلقحة جوه دي امي بس انا ماشفتش اوطى منها.. انت عارف انت لو شقيت جوفها هتلاقيه محشي فلوس -استوقفني تعبير جوفها بما له من دلالات حميمية تفيد التماهي بين الام والارض-.. تقوم تاخد مني فلوس.. طب انا لما اديك فلوس عشان تسم الفيران.. انا مين اللي يسممني", لم يمهلني الفرصة لمحاولة البحث عن اجابة عن سؤاله الامبيريقي المحدد, فجأة قفز من على الكنبة التي كان يحتلها في الصالة وهو يصابق الشرر الذي قفز من عينيه ليشير لي باصبعه الوسطى محذرا -للعلم تستخدم الاصبع الوسطى في بعض ثقافات شارع فيصل للتحذير وليس للاهانة- "وله.. انت هتقلب لنا دمغنا يااه.. سيب الفيران في حالها يااه.. ماطول عمرنا عايشين معاهم وماشفناش منهم حاجة وحشة.. هتربي بيننا عداوة ليه"؟!.

هززت رأسي له مسلما وقد التصقت بالحائط, وماعن جبن فعلت بقدر ما الجمني منطقه البيوريتاني الطهراني الذي جعلني اشعر انه اكبر من ان يكون عزت, واسمي من ان يكون صبي ميكانيكي, هو كالفليشوف دبشليم او اشد حكمة بحيث يرى مالم اره بعيني القاصرتين عندما قررت ان اعلن الحرب على اخواننا من الفئران الذين لم يفعلوا شيئا سوى الرغبة في العيش المشترك, ولان تحذير ميمي كان قاطعا بعدم فك ارتباط المسارين الفأري والبشري في الشقة فقد قررت ارجاء فكرة التخلص منهما الى حين ميسرة على ان يكون ذلك في السر, قانعا بالنوم في الصالة حتى يقضي الله امرا كانم مفعولا.

عم السلام ارجاء البيت واخذت العلاقات بيني وبين الفأرين تتطور شيئا فشيئا الى درجة اننا اصبجنا نتبادل النظرات العاتبة وهزات الرأس المرحبة وبع الاصوات المعبرة عن المودة, وكان يمكن لعلاقتنا ان تطور اكثر فنتحلق سويا حول مائدة العشاء عند عودة ميمي من العمل وعودتي من الجامعة لولا ان عاصفة هوجاء بددت تماسك اسرتنا السعيدة التي اضحت فجأة أسرة أناخ عليها الدهر.

مرضت ام ميمي, او قل اشتد عليها المرض فمنذ عرفتها وهي مريضة, تفصل بين كل كلمتين بسعلة قصيرة صارت مع الوقت امرا من لاوازم كلامها اقلق عندما لا تصدره واقول لها "ايه يا ام ميمي شرقتي.. اجيب لك ميه"؟, فترد علي بسعلة تطمئنني انها بخير. هذه المرة تحول سعال الربو الذي كانت تعانيه الى ازمة عاتية شرسة صحيا ونفسيا داهمتها عندما اكتشفت ان ميمي سرق تحويشة عمرها التي كانت مبلغا ضخما عندما علمت به اهتزت جوانحي, ليس لان ميمي سرقه, بل لان ام ميمي نجحت في تمثيل دور الفقيرة بجدارة كل هذا الوقت, هذه السيدة التي لاتأكل الا الثريد التي تضعه بمرقة رجلين الفراخ, ولا تشرب الا اعقاب السجاير التي تجلس بالساعات لالتقاطها من ارض محطة الاتوبيس المجاورة لسنترال الهرم, تمتلك مائتين وثلاثين جنيها مرة واحدة, اي سيدة متحجرة القلب هذه, "اه ياولية ياللي هتموتي كافرة مستخسرة في ابنك فلوس زي دي", هكذا قال لها ميمي وهو يبكي عندما واجهته باكتشافها اختفاء تحويشة عمرها التي كانت قد حفرت لها مخبئا في قعر الكومودينو المجاور لسريرها, كان ميمي قد حاول القاء التهمة على الفأرين, لكن امه قمعته فورا بحركة تصويب باستخدام اصبعها الوسطى -الذي يستخدم لدى امهات بعض مناطق فيصل والسيسي للتصويب- وقالت له "الفيران دي تعرف ربنا احسن منك ياسكري ياللي نجست لنا الشقة". بالمناسبة كانت تلك فرصة لكي اكتشف ان لام ميمي موقفا معارضا لادمان ميمي شرب الخمور في الشقة الطاهرة -اذا سلمنا ان مايشربه ميمي يصح ان نسميه خمورا واذا سلمنا ان الشقة التي نسكن فيها طاهرة هذا طبعا بعد تسليمنا انها شقة-.. تذكرت انني كنت قد شكوت لها من سكر ميمي ذات نهار جمعة عندما كنا نجتمع سويا بسبب عدم ذهابي الى الجامعة وخلو البيت من ميمي الذي يكد في رزقه, فقالت لي لائمة "وهي يعني الخمرة حرام والعيشة اللي احنا عايشينها دي مش حرام.. ياخويا سيبه يشرب خمرا احسن مايشد بودرة.. اهو الخمرة بيفوق منها انما البودرة هتلحس دماغه.. وبعدين ده انا سمعت مرة شيخ بيقول ان الخمرة مش حرام لو كانت علاج". هكذا في بضع فقرات معدودة كشفت لي ام ميمي عن مشاعر امومة فياضة وقدرة واسعة على الاجنهاد فضلا عن حس تربوي يقدر درجات الخطر التي يمكن ان تحيق بابنها وتتخير اخف الضرر منها.

لم يسكت ميمي على اتهام امه له بانه قام بتجنيس الشقة, وياليته سكت وماقام بكشف المستور لكي يجرح امه في الصميم ويعيد اليها ذكريا الماضي الاليم التي كادت تنساها, قال لها ميمي وهو يرتجف مظهرا جانبا طفوليا لم اكن قد انسته منه "انتي اللي بتتكلمي عن النجاسة.. الشقة دي نجسة من يوم ماسكنتيها انت وجوزك ال...-لفظ شعبي يقال عن الشخص الذي يوفق رأسين في الحرام- وكنتو بتشتغلوها في ال... -لفظ شعبي يقال عن الحرام الذي يقوم شخص بتوفيق رأسين او اكثر حسب رغب الزبون-".. صدمني الاتهام فلم اكن اتوقع ان ام ميمي التي تحرص على تشغيل اذاعة القران الكريم مرة على الاقل كل شهرين يمكن يكون لها في اللي اسمه ايه, لكن ام ميمي لم تصدم قط وكشفت عن صلابة وصلادة تليق بسيدة قوية الشكيمة شاب حميع شعرها بفعل الزمن -وهو ماكانت تتفاخر به دائما وان كان بالعامية ان اردت الدقة-. قالت له بصوت ثابت دون ان يهتز لها جفن "الفلوس دي هي اللي عملتك بني ادم ياابن الكلب.. وبعدين هو كان بخطري.. مانت عارف انه كان غصب عني بس كنت هاقف ازاي قصاد ابوك شعراوي الزناوي الواطي.. مانت طالع له وروحك فيه.. فاكرني نايمة على وداني ومش عارفة انك بتروح له في الضاهر وبتاخد منه فلوس.. وحياة امك اللي شمعتها مااتطفت في الحرام لاكون مبلغة عنك البوليس لو مارجعتش الفلوس بكرة".

كانت المفاجات التي حملتها كلمات ام ميمي القليلة اكثر من قدرتي على الاحتمال, اذن فلميمي اب مازال حيا وكان يرزق من اللي اسمه ايه واسمه شعراوي, وكانت الام متواطئة في عمله المعيب مع عدم اغفال انها لم تدنس في اللي اسمه ايه ده ابدا, وكان ثمة خلاف ادى الى تفكك العائلة وانفصالها الى قسمين متعاديين بينهما ماصنع الحداد. اثرت الصمت محاولا الفهم واثر ميمي ان يقوم بالطقس الحميم الذي كان ينهي به المناقشات الحامية الوطيس بينه وبين امه, حيث يقوم بدلق ماتبقى من زجاجة السبرتو على روحه ثم يخطف وابور الجاز ليفرغه ويدلق مابه ايا كان على ملابسه ثم يمسك علية الكبريت ويشعل منها عودا ويلوح به في الهواء بعيدا عنه وهو يقول لها بصوت متهدج يمتزج فيه البكاء بالاصوات الانفية "وحياة امي هولعلك في روحي واعملك فديحة ياولية ياكافرة ياللي عمرك ماهتوردي على جنة". (لاحظ هنا الحس الديني حاضر بقوة في علاقة ميمي بامه, وان مصير كل منهما في الدار الاخرة امر يشغلهما بشدة على عكس مايبدو). لم يكن كل مايفعله يهز شعرة في اي حتة في ام ميمي على كثرة مابها من شعر وماعليها من حتت. كانت دائما تقف ضاحكة وتقول له "لو راجل اعملها.. ده انت مره.. مانا عرفاك..طول عمرك مرة", تنتاب ميمي حالة من البكاء الهستيري وهو يواصل اشعال الكبريت التي تنطفئ بسرعة بينما يرفع عقيرته بالصراخ قائلا لها "انا راجل ياولية وهولع في روحي وهتشوفي", وهي تؤكد له خطأ المعلومة التي لديه انه رجل, وهكذا دواليك حتى ينتهي المشهد بنفاذ عيدان علبة الكبريت وخروجه من الشقة لاحضار علبة كبريت وهي تبصق عليه في حنان نادر مواصلة زعزعة ثقته في هويته الجنسانية وتقول له "وحياة امك مانت راجع يامرة", ليتضح ان قلب الام دليلها عندما يغيب ميمي عن البيت ليلة او ليلتين يعود بعدها وفد نسى الاثنان ماحدث كأنه لم يكن. لكن ذلك لم يحدث هذه المرة ربما لان القدر اراد لي ان ادخل في اكثر الدروب التي دخلتها في حياتي وعورة وعفنا, درب شعراوي "الزيناوي".


--------------------------------------------------------------------------------

Flower
11-10-2006, 10:01 PM
موضوع ساخر..وبيعرض حاجات اول مره اسمع عنها....

بس ياريت تكمل الموضوع..

انا متابعه ان شا ءالله

FRANKENSTEIN
19-11-2006, 08:56 PM
ام ميمي التي اكلها الربو ونحن عنها غافلون! (3)
دع الخلق للخالق ودع ميمي لام ميمي!





لعلها كانت المرة الاولى التي يخرج فيها ميمي من بيت امه بعد نفاذ علبة الكبريت دون ان تصحبه امه بالبصاق الحميم واللعنات الحنونة, فقد كانت هذه المرة ذاهلة عنه بعد ان نكأ جراحها التي لم تكن على استعداد لتحمل نكئها الان وهنا وامامي. كانت لحظة نادرة بالنسبة لي ان ارى ام ميمي وهي تبكي وتسعل لاهما ولافرحا, كعاشق خط سطرا في الهوى ومحا, لم يكن ماتفعله بكاء ان شئت الدقة, كان جسدها كله ينتفض حزنا وغضبا وهي تلطم على خديها وتشد شعرها وتخبط الحائط بكلتا قبضتيها, وقفت ارقبها وانا لاالوي على شئ, تتنازعني مشعار الشفقة عليها والدهشة من انها بشر مثلنا يمتلك مشاعر واحاسيس والخوف من مزيد من الفاجات التي لا تتحملها حياتي الان في خضم المعترك الدراسي الذي انا فيه. لم تقتنع ام ميمي بحيادي, ارادت ان تدخلني معها في "تجربة" الحزن المرير التي تعاني منها, شعرت للمرة الاولى ان ام ميمي كانت تقيم لي وزنا وانها تشعر بجرح عميق لان ابنها مرمغ شرفها في الوحل, وهو مااتضح انه يعني لها الكثير, بدأ ذلك واضحا من منظر عينيها الزائغتين الممطرتين دمعا وصوتها الكسير وهي تقول لي متضرعة كان رايي فيها يعني شيئا "اوعى تصدقه يابني -كانت المرة الاولى التي تمنحني فيها شرف البنوة.. عادة كانت تقول لي ياانص اويامنيل على عين امك- شعراوي ابوه كان بيرفعني بالمطواة ويخليني اخده هو واخته وهم لسه صغيرين ويخلينا نسيب البيت ونقعد على محطة الاتوبيس على ما الزبون اللي كان بيجيبه بيقضي غرضه هو والسافلة اللي جايبها له شعراوي.. لما كنت باقوله حرام عليك تشحطط عيالك كده.. يقولي واكلكوا منين ياولاد الكلب.. انتوا فاكرين الحلاقة هتأكلكوا عيش ياولاد الكلب.. وبعدين هو انا بارميكو في الشارع.. ده انتو قاعدين على محطة الاتوبيس في الضلة والطراوة.. وكلها ساعة.. اجعص جعيص بيقعد ساعة.. ولما كبروا العيال وابتدوا ياخدوا بالهم اتخانقت معاه خناقة لرب السما وقلت له هابلغ البوليس لو حاولت تطلعني من الشقة قام دلق على براد مية مغلية وحرق رجلي من وراكي لحد سمانتي.. مش مصدقني حتى بص اهوه.. انت مش غريب انت زي ابني -ازاحت طرف ثوبها البيتي الدائم عن حرق بشع لم اتحمل ادامة النظر اليه-.. شايف.. تصدق الحرق ده اللي هيخليك ترجع كان على قلبي زي العسل.. كان هو الحرق اللي كنت طلباه من ربنا.. حاكم هو اللي خلاني بلغت عنه وطلبت الطلاق ومن ساعة ماكسبت القضية حكموا عليه يبعد عني وعن عيالي.. ويدينا نفقة قلت لهم يغور بيها مش عايزاها.. حد الله بيني وبين الحرام".

لم تعد ام ميمي قادرة على اكمال حكيها من فرط نوبة السعال التي انتابتها ولم يفلح في تهدئتها منها كوب الماء الذي احضرته لها وانا احاول استيعاب الهول الذي سمعته منها دون ان اعلم ان تلك الحكاية القصيرة المريرة التي حكتها كانت الطريق القصير الذي وجدت نفسي مدفوعا للسير عليه قبل ان اصل الى قلب الجحيم الذي تعايشت معه هذه العائلة لدرجة خدعتني انا الذي اقتربت من هذه العائلة فظننتها تحيا حياة هانئة الصخب الذي يسودها نابع من افتقاد الهموم, فاذا به صخب نابع من محاولة نسيان الهموم.

اخذت اسند ام ميمي في طريقها الى السرير وهي تحاول التغلب على سعالها الذي كان يرج الشقة المتهالكة رجا, لايكاد صوتها يبين الا بغمغمات غامضة لاتدري الدعاء على ميمي ام لعنات الشعراوي الزيناوي ام سخط على الحالة المزرية التي تنتابها؟! فردت "جتتها" على السرير, اخذت انظر اليها بتعاطف بين لم اشعر به من قبل تجاهها, ولم يكتب له لن يستمر لاكثر من ثواني, اذ ماان هدأ سعالها قليلا حتى بادرتني بصوت منغم قالت بعده "ايه ياله.. انت هتصورني ولا ايه يا (..) امك.. ماشفتش واحدة عيانة قبل كدة.. امشي انجر اعملي كوباية شاي". اكبرت فيها رفضها ان تنكسر تماما مثل مصر بعد هزية سبعة وستين, فضحكت وهرعت لاعمل لها كوباية الشاي, عندما عدت كانت راحت في النوم كتنين مرهق.

وانا على فراشي في الصالة انتظر النوم استغربت كيف تمكنت ام ميمي بهذه السهولة من معانقة الكرى, وهي تحمل فوق صدرها هما ارقني مجرد الاستماع اليه فمابالك بمعايشته, اخذت اتخيل صورتها وهي تخرج مسرعة مرتبكة مع ابنها وبنتها في اي وقت من اليوم لينتظروا على محطة الاتوبيس فراغ الزبون من لذته سواء كان ذلك في البرد القارس او الحر الحارق, اخذت اعيد تمثل ميمي وسيرة حياته واتفهم كل مايعيسه من حيرة وعناء بل واقتربت من حبه لانه تمكن من الصمود برغم كل ذلك التاريخ الذي حمله على ظهره والذي لا يستطيع حتى الدكتور سيد عويس بجلالة قدره ان يحمله كما حمله ميمي الذي كنت احسبه ظلوما جهولا, فاذا به راجل حمال اسية صابر على البلاء كان يمكن لاحزانه ان تجعله ارهابيا دوليا او عيارا محترفا لكنه جالدها واصبح مجرد ميكانيكي سكير. رحت في النوم وانا عازم على ان افتح صفحة جديدة مع ميمي لأقنع فيها بدور النديم بل اتجاوزه الى دور الخليل والصديق بل والتلميذ الذي يتعلم فن التغلب على الاحزان من استاذ في مدرسة الحياة.. كميمي.

صحوت من النوم فزعا على صوت صراخ ام ميمي الذي دوى في جنبات شارع خلف كازينو رمسيس "ابعد عني يا وسخ.. عايز تغتسب امك ياكافر.. الحقوني ياناس.. ابني عايز يغتسبني", كان صراخها كافيا لايقاظي من احلى نومة لكنه لم يكن كافيا لافهم مايحدث. من خلف عيني اللتين لم يرهما النعاس حاولت تبين مايحدث وانا احاول النهوض دون ان يختل توازني او ارتطم بشئ, كنت ارى شخصا ينقض على ام ميمي النائمة على سريرها لكنه مايلبث ان يبتعد حين تضربه بالشلوت او تدفعه بشراسة, وهو يلهث بصوت عال ويقول لها "بقى انا مش راجل ياكافرة.. انا هاوريكي انا راجل ولا لأ", كان الصوت صوت ميمي, لكنني لم اصدق النتائج الاولية التي ارسل الى بها عقلي, كان النوم قد طار من عيني فانقضضت على الرجل وأدرت وجهه نحوي, كان هول المفاجأة اقسى من اللكمة التي سددها الي, كان ميمي فعلا, وقفت ذاهلا احاول الفهم, فانقض ثانية على امه التي كان صراخها متواصلا مختلطا بلعناتها وسعالها ودموعها, كنت اسمع كثيرا تعبير "اسقط في يدي", لكنني لم اكن قد اسقط في يدي الا في تلك اللحظة الجهنمية, كان شلوت جديد من ام ميمي قد قذ به علي فامسكت به بكل مااوتيت من قوة, لكنه كان قد اوتى قوة ثور هائج -هائج فعلا- برغم رائحة السكر البين التي تفوح منه, قال لي كأنه ينبهني الى ماهو خاف عني "ماتخافش انا بس هفرحها انها مخلفة راجل مش مرة زي مابتقول.. اصلها مش مصدقة ان انا راجل.. مع اني لما بانزل عندنا في الحتة في الظاهر العيال بتوع المنتئة كلهم بييجزا ويقولوا لي والنبي يااسطى ميمي قولنا اخبار الرجولة ايه.. اصلها بعدك دخلت في الجدول" -للامانة لم افهم ماعناه ميمي وقتها بالجملة الاخيرة لكن الزمن علمني فيما بعد انها تعني ان الرجولة اصبحت شيئا محرما ومحظورا وأن حكاية دخلت في الجدول هي استعارة مكنية تشير الى دخول احد الادوية جدول المخدرات وتحوله الى دواء محرم.. لذا لزم التنويه- ..جاء الرد على ميمي فوريا من امه "وهي دي الرجولة ياواطي.. هو اللي بتعمله رجولة دي خيابة.. مش لاقي مرة تعبرك زلاحتى تبص لك نص بصة جاي تتشظر على امك.. مش قلت لك مرة.. وحياة امك لاعملك عملية وارجعك بت زي ماكان مفروض" -كشف رد ام ميمي عن دراية طبية واسعة لم اكن اتوقعها.. لكنها على اي حال لم يكن مفحما بقدر ماكان مثيرا اكثر لغضب ميمي الذي تحول فجأة الى عصبة اولى قوة من الرجال لم استطع لها دفعا-, انقض عليها من جديد وهو اكثر شراسة وعنفا وصوته يدوي في الشقة قائلا "انا اصلا طول اليوم كل الناس تقولي يابن (..) وانا مش مصدقهم.. سيبيني اصدقهم والنبي.. وحياة امك مانا سايبك الا لما اقولهم بعد كده عندكو حق". لفت ماقاله ميمي انتباهي الى ان فعلته الشنعاء لم تعد الان مجرد نزوة سكر غير محسوبة العواقب كما كنت اتخيلها, بل اصبحت قرارا له منطقه الخاص الذي ستبنى عليه نتائج مستقبلية يبدو ميمي شديد الايمان بها. كنت على وشك ان اشرع في مناقشته وابين له خطل منطقه لعله يروعى عن غيه, لكن صوت خبطات عنيفة على باب الشقة جعلتني اتركه يرتد على امه في هجمة جديدة قابلتها بمزيد من الشلاليت والتلطيش والصراخ, بينما سارعت متجها نحو باب الشقة لكي افتحه لعلى اجد من ينجدني ويساعدني في فض هذا الاشتباك الذي كنت اتمنى ان يتوقف لا لكي ارتاح بل لكي احاول الفهم, فقط ليس الا.

ماان فتحت الباب حتى تدفع الجيران داخلين الى الشقة مسلحين بعصى وسكاكين وسواطير وفوق كل هذا بفهم اكثر اكتمالا لما يحدث, لم ادر مااذا كان سببه ادراكهم لما حدث من خلال صراخ ام ميمي, ام معايشتهم له وقد حدث قبل ذلك, لم يكن الوقت متاحا للسؤال او الفهم, كان المهم الان ان احاول تخليص ميمي من ايديهم, خاصة انه حاول اه يشرح لهم منطق هجمته الشرسة على امه, وهو ماكاد يجعله يخسر حياته, لكن الله سلم والبوليس جه.

امام الضابط في نقطة الشرطة القريبة بدأت النفوس تهدأ قليلا, لم يذكر احد من الموجودين كلمة عن ميمي وخطته, بما فيهم ام ميمي, كان الكل -بما فيهم ميمي وامه- يحكي وقائع مختلفة لما حدث مفادها ان ميمي حاول سرقة امه وهو سكران, لكن تدخل اولاد الحلال احبط ذلك, اخذت اتابع مايحدث وانا فاغر فمي مشدوها بعبقرية الجميع في التمثيل, حتى انني لوهلة نظرت خلفي لابحث عن اسماعيل عبد الحافظ او محمد فاضل في الاستوديو اقصد في القسم, كانت ام ميمي تبكي وهي تلعن الخمرة التي لحست عقل ابنها وقوت قلبه عليها وافتكرها ياما هنا ياما هناك مع انها ولية غلبانة ومابتقصرش في حقه, وكان ميمي اثناء هذه الحكاية يرقد على قدمها يقبلها وهو ينشج طالبا رضاها وصفحها مؤمنا عن يقين بأن الجنة تحت اقدام الامهات, وكان الضابط يركله على مؤخرته ركلا عنيفا وهو يقول له "قوم يا (..) امك.. لامؤاخذة ياحاجة سيبيني اربيه", وكانت ام ميمي تحاول ان تمسك يد الضابط لتقبلها وتقول له "معلش ياباشا عيل وغلط.. سامحه انا سامحته", كان المشهد ينتمي الى افلام حسين الامام بجدارة, لكنه كان حقيقيا, انا متأكد انه كان حقيقيا, لانني افقت من شكوكي حول مااذا كان حقيقيا على صوت الضابط وهو يقول لي بعنف "وانت مين يااخ انت", تعاملت مع الصوت على انه جزء من الخيال الضبابي لكنه عندما تكرر مصحوبا بزغردة عنيفة لم يدع لي مجالا للشك في انني اعيش فعلا في كل ماسبق وان الله لم يستجب ابتهالي اليه بأن يكون كل هذا مجرد حلم انتجته صدمة حكاية شعراوي ومحطة الاتوبيس.

عندما تأخرت في الرد تدخل احد اولاد الحلال لنجدتي قائلا "ده طالب ساكن عندهم يابيه", هززت رأسي موافقا فنظر الضابط الى ام ميمي وقال لها بصوت عنيف "مسكنة بيتك مفروش من غير ماتبلغي القسم.. وقعتك سودة ياأم ميمي.. البلد فيها ارهاب ياولية بتسكني عندك حد من غير مانعرف", في لحظات اخذت ام ميمي القرار الصعب على والسهل عليها, قرار ان تبيعني بعرض من الدنيا قليل, قالتها بتلقائية لا تحتمل الشك "ماأعرفوش ياباشا.. ولا عمري شوفته", لم اتمكن من الرد عليها ربما لان فمي كان لايزال مفتوحا منذ ان فغرته قبل ساعة ونيف بمجرد استيقاظي من النوم, نظر الضابط الى البيجامة التي ارتديها, ثم اثر التريث وقال "طيب نخلص اللي في ايدينا الاول ونشوف حكايته".

انتهى الموقف بأخذ تعهد على ميمي الا يحاول سرقة امه ثانية, وقيامه بتقبيل راسها امام الضابط, وقراءة الفاتحة جماعة على ذلك, اكتشفت ام ميمي يحفظ الفاتحة لانه قرأها بصوت عالي مليئ بالحماس والاخطاء اللغوية, اه كدت انسى, كما انتهى ببياتي في الحجز حتى التحقق من شخصيتي بعد ان تضارب الاقوال بشأني, ميمي وام ميمي يحلفان انهما لم يرياني ابدا ولايعرفان من انا اساسا, وانا الطم واطلب من الضابط ان يرسل اي عسكري الى الشقة لكي اعطيه صورة العقد ولكي يرى كتبي وملابسي الموجودة بداخل الشقة, والجيران يردون باجابات من نوعية "الله اعلم.. جايز.. اتخايلنا بيه قبل كده".