مشاهدة النسخة كاملة : كل ما يخص حقوق الأنسان ( نشر ثقافة حقوق الأنسان)
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 12:22 AM أولا : مفهوم حقوق الإنسان من المنظور الدولي
عادة ما يعرف الباحثون حقوق الإنسان بأنها مجموعة الحقوق التي يتمتع بها الإنسان بوصفه إنسانا. هذا التعريف يجد سنده فيما نصت عليه المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقولها "يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم البعض بروح الإخاء".
كما تجد هذه الصفة الإنسانية الشاملة للحقوق سندها أيضا من نص المادة الثانية من الإعلان التي تقرر أن "لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع ولا سيما التمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا وغير سياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر".
هذا الطابع الإنساني الشامل للحقوق يضفي عليها طابعا أخلاقيا ، ويجعلها حقوقا غير قابلة للتنازل عنها، وغير مشروعة الانتهاك لأي سبب من الأسباب.
وتصبح هذه الحقوق هي بذاتها مصدر الشرعية ولا تستمد شرعيتها من أي نظام قانوني وضعي. فإذا أصدرت الدولة الوطنية تشريعا ينتهك حقوق الإنسان لمواطنيها بأن يحرمهم من حرياتهم الطبيعية مثلا أو يميز بينهم بسبب الدين أو الأصل أو اللغة أو العرق كان هذا القانون عاريا من الشرعية القانونية وكانت الدولة التي أصدرته عارية من الشرعية السياسية(1).
وبطبيعة الحال يمكن تتبع حقوق الإنسان في التراث الديني والفكري للبشرية لقرون عدة سابقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948. فلا تخلو ديانة من الديانات من نصوص حول تكريم الإنسان. ولا تخلو ثقافة من الثقافات من مبادئ للرحمة والعدل والإنصاف.
ولكننا عندما نتحدث عن التراث العالمي المعاصر لحقوق الإنسان فإنما نعنى به مجموعة المبادئ الملزمة التي اتفقت الجماعة الإنسانية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية تحديدا على الالتزام بها التزاما قانونيا يجد سنده في آليات دولية وداخلية تكفل تحقق ذلك الالتزام. أي أن حقوق الإنسان في عصرنا هذا لم تعد مجرد مبادئ فاضلة تحض عليها الأخلاق القويمة أو تعاليم تحض عليها الأديان ولكنها تحولت إلى التزامات قانونية يتعرض من يخالفها لجزاءات على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية.
فمصطلح حقوق الإنسان إذن يشير إلى مجموعة الحقوق اللصيقة بالشخصية الإنسانية التي نصت عليها المواثيق الدولية والتي يتمتع بها الإنسان ولا يجوز تجريده منها لأي سبب كان بصرف النظر عن كل مظاهر التمييز مثل الدين واللغة واللون والأصل والعرق والجنس وغير ذلك.
فئات الحقوق :
جرى العمل على تقسيم حقوق الإنسان إلى فئات وفقا لموضوعها ووفقا لمصادرها ووفقا لنطاقها الإقليمي. فمن حيث الموضوع تنقسم الحقوق إلى حقوق مدنية وسياسية وحقوق اقتصادية واجتماعية بالإضافة إلى الحقوق الجماعية أو التضامنية أو الحقوق الجديدة التي تعنى لحماية حقوق فئات خاصة.
الحقوق المدنية والسياسية وهي الفئة التقليدية من فئات حقوق الإنسان التي ظهرت مع نمو التيار الليبرالي بدءا من كتابات ووثائق الثورة الفرنسية وحتى الآن. ويأتي في مقدمة هذه الحقوق الحق في الحياة وقد نصت عليه المادة الثالثة من الإعلان العالمي والمادة السادسة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ومؤدى هذا الحق تحريم الاعتداء على الحياة الإنسانية إلا لسبب يحدده القانون لضرورة في الحفاظ على الحياة الإنسانية ذاتها.
كما سيأتي تفصيله فيما بعد عند الحديث عن مضمون الحقوق. وتشمل الحقوق السياسية والمدنية أيضا حقوقا كثيرة مثل مبدأ المساواة أمام القانون والحق في الحرية والكرامة والسلامة الشخصية وما يتبع ذلك من ضمانات قانونية ضد القبض التعسفي والاعتقال التعسفي والتعذيب والمعاملة غير الإنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة، وحرية الرأي والتعبير، وحرية الفكر والمعتقد، وحرية التنقل، وحرية إصدار الصحف، والحق في سلامة الجسم والحق في المشاركة السياسية، والحقوق القانونية كمبدأ المساواة أمام القانون وقرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة واستقلال القضاء وغير ذلك.
أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فتدين في نشأتها وزيادة الوعي بها إلى نمو وتصاعد تيارات الفكر الاشتراكي. وتتمثل هذه الحقوق في الحقوق اللازمة للرفاهية الاجتماعية والاقتصادية والنمو الثقافي للإنسان مثل الحق في التعليم وفي التمتع بمنتجات العلم والثقافة وفي المسكن الملائم وفي الرعاية الصحية وفي التنظيم النقابي وغير ذلك.
أما الحقوق الجماعية أو التضامنية فهي الحقوق المقررة لجماعات من الناس مثل الحق في التنمية والحق في تقرير المصير والحق في البيئة النظيفة الخالية من التلوث، وتزداد يوما بعد يوم الأهمية التي تكتسبها هذه الحقوق. ويذهب البعض إلى تقسيم حقوق الإنسان تقسيما موضوعيا عاما وفقا لمجالات الحماية بالقول بأنها تشمل المجالات التالية:
الحق في السلامة الجسمية ويشمل الحق في الحياة والحرية والأمن والحماية من التعذيب وحرية الانتقال واللجوء، والحق في المستوى اللائق للمعيشة، والحق في الرعاية الصحية، والحق في الأسرة والزواج، والحق في العمل والحق في التأمين الاجتماعي والحق في التعليم والتدريب وحق الملكية والحق في الحماية القانونية مثل التمتع بالجنسية ومبدأ المساواة أمام القانون وحق المحاكمة العادلة وحقوق المتهمين والمذنبين، والحق في الحماية العقلية والمعنوية، والحقوق السياسية والديموقراطية والحقوق الجماعية مثل حق تقرير المصير والحق في التنمية والحق في البيئة وحقوق الأقليات والفئات الاجتماعية المضرورة كالمرأة والطفل.
مصادر حقوق الإنسان:
1-المواثيق العالمية
"المواثيق العالمية هي التي تتسع دائرة خطابها لتشمل الأسرة الإنسانية الدولية بأسرها دون أن تتقيد بإقليم محدد أو بجماعة بعينها. والأمثلة الظاهرة على هذه المواثيق ما صدر عن منظمة الأمم المتحدة من إعلانات واتفاقات وعهود لحماية وتطوير حقوق الإنسان، بدءا من ميثاق الأمم المتحدة ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،ثم العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حتى اتفاقية إزالة كافة أشكال التميز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل وما سبق وتلا ذلك من اتفاقات وإعلانات.
كان تأمين احترام حقوق الإنسان أحد الأهداف الرئيسية لقيام منظمة الأمم المتحدة التي وقع ميثاقها في سان فرانسسكو عام 1945. فالفقرة الثانية من المادة الأولى من الميثاق تتحدث عن حق تقرير المصير الذي هو أساس لحقوق الإنسان جميعها. والفقرة الثالثة من نفس المادة جعلت من أهداف الأمم المتحدة تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ..." وسجلت المادة 56 تعهد الدول أعضاء منظمة الأمم المتحدة بالقيام بأعمال انفرادية ومشتركة لتحقيق احترام ومراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع.
وتنص المادة الستون على أنه للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يقدم توصيات تتعلق بإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها. ورخصت المادة الثامنة والستون للمجلس أن ينشئ لجانا لتحقيق أهدافه، فتم إنشاء لجنة حقوق الإنسان التي لعبت وما تزال دورا مهما في إعداد مشروعات اتفاقيات حقوق الإنسان التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويأتي في مقدمة المصادر العالمية الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948. هذا الإعلان وإن ذهب بعض رجال القانون على أنه ذو طابع أدبي غير ملزم لأنه لم يصدر في شكل اتفاقية دولية ملزمة لأطرافها إلا أنه من المستقر عليه الآن أن مبادئ هذا الإعلان تدخل في قواعد القانون الدولي العرفي التي استقرت في ضمير الجماعة الإنسانية وتعتبر قواعد دولية آمرة لا يجوز انتهاكها بصرف النظر عن إعلان الدولة الوطنية لقبولها من عدمه.
وقد تبع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مجموعة من الوثائق الدولية في شكل اتفاقات أو إعلانات شكلت اليوم ما يعرف بالقانون الدولي لحقوق الإنسان. ويأتي في مقدمة هذه الوثائق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، ويشكل هذين العهدين بالإضافة إلى الإعلان العالمي ما يعرف اليوم باسم الشرعة الدولية لحقوق الإنسان International Bill of Human Rights 2.
وتبع ذلك مجموعة من المواثيق الخاصة صدرت في شكل معاهدات دعت الأمم المتحدة الدول المختلفة للانضمام إليها والتوقيع والتصديق عليها. ويقسم الباحثون هذه المواثيق إلى فئات ثلاث:
أولا : مواثيق حماية الجماعات الأكثر حاجة للحماية مثل الأطفال والنساء والمعاقين وكبار السن والأقليات والأجانب واللاجئين وعديمي الجنسية.
من هذه المواثيق اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (1967) واتفاقية حقوق الطفل (1989) واتفاقه وضع اللاجئين (1951) والبروتوكولات الملحقة بها.
ثانيا : المواثيق الخاصة بحقوق محددة. وهي التي تحيط بعناية إضافية بعض الحقوق التي شملتها المواثيق العامة. مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965) والاتفاقية الخاصة بمنع الرق، واتفاقية منع السخرة واتفاقية منع التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، واتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي واتفاقية علاقات العمل واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
ثالثا : مواثيق تطبق خلال النزاعات المسلحة : وهذه تعرف باسم القانون الدولي الإنساني وهو القانون الذي يهدف إلى ضبط سلوك المتحاربين أثناء النزاعات المسلحة بما يؤدى إلى تخفيف معاناة ضحايا الحروب الخاضعين لسلطة العدو. هذا القانون يتمثل في اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 حيث تتعلق الاتفاقية الأولى بتحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في الميدان، وتتعلق الاتفاقية الثانية بتحسين حال المرضى والجرحى والغرقى في البحار، وتتعلق الاتفاقية الثالثة بحماية أسرى الحرب، أما الاتفاقية الرابعة فهي تتعلق بشأن حماية المدنيين وقت الحرب(3).
2-المواثيق الإقليمية:
المواثيق الإقليمية لحقوق الإنسان هي تلك التي تخاطب نطاقا إقليميا محددا أو مجموعة جغرافية خاصة غالبا ما يجمعها جامع ثقافي متميز.
وهناك أسباب عدة تبرر لجوء الجماعات الإقليمية إلى التنظيم القانوني الدولي لمسائل حقوق الإنسان : منها رغبة المجموعات الإقليمية في التأكيد على الحقوق المنصوص عليها في المواثيق العالمية وإكسابها طابعا إلزاميا إقليميا أكثر إلزامية مما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية، ومنها تضمين المواثيق الإقليمية حقوقا جديدة لم تتضمنها المواثيق العالمية استجابة لاعتبارات الخصوصية الثقافية الإقليمية، ومنها رغبة المجموعة الإقليمية في وضع آليات للرقابة أكثر فعالية على المستوى الإقليمي(4).
وتنص هذه المواثيق على مبادئ حقوق الإنسان محل الحماية التي تتفق في مجملها مع المبادئ والمعايير الدولية وإن عكست خصوصية كل مجموعة إقليمية بالتركيز على أنواع معينة من الحقوق. كما تنص أيضا آليات الحماية التي تتبع للتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان في الدول المعنية.
وسوف يأتي الحديث عن هذا تفصيلا في موقعه من هذا المؤلف.
ومن أهم المواثيق الإقليمية لحقوق الإنسان:
المواثيق الأوروبية، والمواثيق الأمريكية، والمواثيق الأفريقية ثم المواثيق العربية لحقوق الإنسان .
وآخر هذه المواثيق الميثاق العربي لحقوق الإنسان. وقد صدر مؤخرا عن مجلس الجامعة بناء على المساعدة الفنية الاستشارية التي تلقتها الجامعة من مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وهذا الميثاق لم يدخل حيز النفاذ بعد. وتبرز في ثنايا هذا الميثاق خصوصية الواقع السياسي والثقافي العربي في إطار الالتزام العام بالمبادئ العالمية لحقوق الإنسان.
فهو ينص في ديباجته على أنه جاء تحقيقا للمبادئ الخالدة للدين الإسلامي الحنيف والديانات السماوية الأخرى في الأخوة والمساواة والتسامح بين البشر كما يؤكد على إيمانه بوحدة الوطن العربي مناضلا دون حريته وعلى رفضه لكافة أشكال العنصرية والصهيونية التي تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان. ويؤكد الميثاق في مادته الثانية على حق الشعوب في تقرير المصير وعلى حق الشعوب في العيش تحت ظل السيادة الوطنية والوحدة الترابية وعلى أن كافة أشكال العنصرية والصهيونية والاحتلال والسيطرة الأجنبية هي تحد للكرامة الإنسانية وعائق أساسي يحول دون الحقوق الأساسية للشعوب.
ثم استطرد الميثاق في مواده في النص على الحقوق المدنية والسياسية (الماد من6 حتى 33) والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المواد من34حتى42) وقد نص الميثاق على آلية لتفعيل نصوصه وهي اللجنة العربية لحقوق الإنسان التي ينتخب أعضاؤها السبعة من الدول الأعضاء من ذوى الخبرة والكفاءة العالية ويعملون بصفتهم الشخصية بكل تجرد ونزاهة، وترفع تقريرا سنويا علنيا إلى مجلس الجامعة عن ملاحظاتها وتوصياتها عن التزام الدول بأحكام الميثاق. وهذا الميثاق في عمومة أفضل كثيراً من الميثاق السابق عليه سواء بالنسبة لمضمون الحقوق التي تناولها أو بالنسبة لآلية مراقبة تنفيذ نصوصه وإن لم يرتفع بالنظام العربي لحقوق الإنسان إلى مستوى التنظيم الدولي العالمي الذي يعمل بطريقة أكثر كفاءة وفعالية وسيكون لهذا موضوعا لحديث لاحق.
المصادر الوطنية :
ونعنى بها نصوص التشريع الوطني التي تنص على مبادئ حقوق الإنسان. وفي مقدمة هذه المصادر تأتى الدساتير الوطنية التي لا يخلو أي منها من فصل خاص بالحقوق والحريات الأساسية. وأهمية النص على حقوق الإنسان في الدستور الوطني أن هذه الحقوق تصبح ملزمة للمشرع والقاضي إعمالا لمبدأ المشروعية.
ولكن هناك وسائل ابتدعها المشرع العربي لتمرير انتهاكات حقوق الإنسان سيأتي الحديث عنها في حينه.
وتتوزع مبادئ حقوق الإنسان بين مختلف فروع التشريع العادي. فقانون العقوبات يضع النصوص العقابية التي تجرم انتهاكات حقوق الإنسان وتعاقب عليها. وقانون الإجراءات الجنائية يتضمن النصوص الخاصة بحقوق وضمانات المتهمين في مرحلة المحاكمة وما قبل المحاكمة.
وقانون السلطة القضائية وقوانين المرافعات والإجراءات تتضمن مبادئ استقلال القضاء وضمانات الحق في المحاكمة العادلة، وقوانين الأحزاب والمشاركة السياسية وغيرها تتضمن الحق في المشاركة السياسية، وقوانين الجمعيات تنظم حق تكوين الجمعيات، وقوانين الصحافة تنظم الحريات الصحفية وقوانين التعليم والإسكان والرعاية الصحية والنقابات تنظم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهلم جراً.
وليست التشريعات العادية متوافقة دائما مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان كما عبرت عنها المواثيق الدولية، بل كثيرا ما تكون غير ذلك. هنا نكون أمام انتهاك من الدولة لالتزامها الدولي فضلا عن شبهة مخالفة تشريعاتها لدستورها الوطني، وهذا ما سنتعرض له لاحقا.
(1)
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 12:26 AM مبادئ حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية:
يشير اصطلاح عالمية مبادئ حقوق الإنسان إلى كونها واجبة التطبيق في كافة المجتمعات الإنسانية بصرف النظر عن تمايزاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. وتنبع الطبيعة العالمية لمبادئ حقوق الإنسان من كونها حقوقا مترتبة على مجرد الصفة الإنسانية دون نظر إلى الجنس أو اللغة أو الدين أو العرق أو المعتقد.
هذه الصفة العالمية لمبادئ حقوق الإنسان أفصحت عنها بوضوح ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تقر هذه الحقوق "لما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم" كما أكدت عليها المادة الخامسة بكل من العهدين بقولها "ليس في هذا العهد أي حكم يمكن تأويله على نحو يفيد انطواءه على حق لأي دولة أو جماعة أو شخص بمباشرة أي نشاط أو القيام بأي عمل يهدف إلى إهدار أي من الحقوق أو الحريات المعترف بها في هذا العهد أو إلى فرض قيود عليها أوسع من تلك المنصوص عليها فيه".
ومفهوم هذا النص عدم جواز إهدار الحقوق والحريات تحت أي دعوى بما فيها دعوى الخصوصية الثقافية والاجتماعية. وهذا الحكم موجه إلى الدول والجماعات والأشخاص على قدم المساواة(5).
وقد أكدت المؤتمرات الدولية المعنية بحقوق الإنسان على مبدأ العالمية. من ذلك مؤتمر طهران الذي عقد في سنة 1968 ونص في وثيقته الختامية على "أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمثل تفاهما تشترك فيه شعوب العالم على ما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من حقوق غير قابلة للتصرف والانتهاك" وبالمثل أكد الأمين العام للأمم المتحدة في كلمته الافتتاحية للمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان (فيينا 1993) على عالمية مبادئ حقوق الإنسان باعتبارها ركيزة أساسية لفهم الأمم المتحدة لهذه الحقوق.
وقد تبنت الوثيقة الختامية للمؤتمر هذا المنحى.
ومن ناحية أخرى فمن غير المتصور إنكار وجود تمايزات ثقافية بين مختلف شعوب العالم، الأمر الذي يجعلها تتمتع بخصوصيات ثقافية لا سبيل لتجاوزها، خصوصيات تجد تجلياتها في اللغة والأدب والدين والتراث الفكري ومختلف صور المعارف والقيم والمعتقدات التي تميز شعوب العالم عن بعضها وتطبعها بطابع ثقافي وحضاري خاص. هذا التمايز وتلك الخصوصيات الثقافية والحضارية قد تؤكد في النهاية وتدعم منظومة مبادئ حقوق الإنسان العالمية، وقد تكون في بعض تجلياتها متعارضة مع تلك المبادئ ومتناقضة معها.
ومن المستقر عليه في أدبيات حقوق الإنسان أن الخصوصيات الثقافية التي تثرى المبادئ العالمية لحقوق الإنسان يجب التعامل معها بإيجابية باعتبارها رافدا مهما لتأكيد ثقافة حقوق الإنسان ونشرها، وأن التراث أو المعتقدات التي قد تبدو شبهة تعارض بينها وبين مبادئ حقوق الإنسان العالمية لابد من التعامل معها على أنها إرث تاريخي نسبى أنتجته الثقافة الاجتماعية محكومة بظروف تاريخية محددة.
ويدخل في ذلك تراث عدم المساواة الذي قد يوجد لدى بعض المعتقدات الآسيوية (الترج الاجتماعي في العقائد الهندوسية مثلا) والتأكيد على التفوق العنصري لشعب من الشعوب الذي قد يوجد في بعض النصوص الدينية وغير ذلك من الموروثات الثقافية التي لا يخلو منها إرث ثقافي لشعب من شعوب العالم. إن هذه الخصوصيات الثقافية المناقضة لمبادئ حقوق الإنسان العالمية يجب أخذها في الاعتبار كعوائق يجرى التعامل معها بحرص عند النظر في نفاذ مبادئ حقوق الإنسان العالمية في مجتمع من المجتمعات.
على أن الأمر لا يقتصر على هذا الجانب الثقافي لمسألة العالمية والخصوصية لحقوق الإنسان. فالجانب الأكبر لهذه القضية ذو طابع سياسي. فالدول الأكثر انتهاكا لمبادئ حقوق الإنسان لمواطنيها هي التي تتذرع بالخصوصية الثقافية لمجتمعاتها للتهرب من استحقاق التزامها بالمبادئ العالمية لحقوق الإنسان.
وقد أسفر هذا الطابع الذرائعي عن نفسه في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان عندما انحازت أغلب الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث إلى التأكيد على اعتبارات الخصوصية الثقافية في حين تمسكت دول أوروبا والولايات المتحدة بالتأكيد على الطابع العالمي لحقوق الإنسان.
ولا يخلو هذا التأكيد الأخير من الطابع الذرائعي بدوره. فعالمية مبادئ حقوق الإنسان هي التي تعطى للدول الكبرى ذريعة التدخل في الشئون الداخلية للدول الصغرى بطريقة انتقائية غالبا ولأسباب سياسية بحجة أن حقوق الإنسان العالمية تخرج عن أن تكون منحصرة في الشأن الداخلي للدولة الوطنية بحسبانها شأن عالمي يجيز التدخل ولو باستخدام العقوبات الاقتصادية والعسكرية تطبيقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وهكذا يبدو أن الانتهازية السياسية من مختلف دول العالم أضاعت قضية حقوق الإنسان تحت شعارات العالمية والخصوصية. فباسم الخصوصية تنتهك حقوق المواطنين وباسم العالمية تنتهك سيادة الدول لأسباب سياسية بحتة.
والقول الفصل في هذه المسألة هو ما عبرت عنه المنظمات غير الحكومية على المستوى العربي والعالمي. فقد لاحظ المؤتمر العربي لحقوق الإنسان الذي عقد تمهيدا لعقد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بمبادرة من المنظمة العربية لحقوق الإنسان "إن قضية الخصوصية الحضارية كانت بمثابة كلمة الحق التي يراد بها الباطل.
فالخصوصية الحضارية مفهوم صحيح في ذاته وضروري لمواجهة التنـوع الاجتماعي والثقافى بين بلدان العالم وثقافاته المختلفة ولكن من المؤكد أنه استخدم بشكل نمطي ثابت من جانب النظم العربية للتحلل من التزامات قانونية وواجبات إنسانية .... وتفهم منظمات حقوق الإنسان قضية الخصوصية من منظور مختلف يبدأ من منطق أن الخصوصية لا ينبغى أن تقوض المبدأ العام وتشترط تدعيم المعايير الدولية لا الانتقاص منها وتشدد على القضايا الأكبر إلحاحا فى بلادنا وليس تجاوزها " (6).
ثانيًا القانون الدولي لحقوق الإنسان والقوانين الدولية الأخرى ذات الصلة
1- القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني :
كما أوضحنا سلفا يعنى القانون الدولي لحقوق الإنسان بحماية حقوق الإنسان بصفة عامة في أوقات السلم والحرب، في الظروف العادية وفي أوقات الكوارث والأزمات، في حين تقتصر الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني على حماية حقوق الإنسان وقت النزاعات المسلحة.
فالقانون الأول قانون عام وشامل لكافة أنواع الحقوق في كافة الظروف في حين أن القانون الثاني هو قانون خاص وضيق يسبغ الحماية على أنواع محددة من الحقوق في ظرف استثنائي خاص هو ظرف النزاعات المسلحة.
ومن الناحية الفنية يعرف القانون الدولي الإنساني بأنه مجموعة المبادئ والقواعد المتفق عليها دوليا والتي تهدف إلى الحد من استخدام العنف في وقت النزاعـات المسلحـة عن طريق والثقافي بين بلدان العالم وثقافاته المختلفة ولكن من المؤكد أنه استخدم بشكل نمطي ثابت من جانب النظم العربية للتحلل من التزامات قانونية وواجبات إنسانية .... وتفهم منظمات حقوق الإنسان قضية الخصوصية من منظور مختلف يبدأ من منطق أن الخصوصية لا ينبغي أن تقوض المبدأ العام وتشترط تدعيم المعايير الدولية لا الانتقاص منها وتشدد على القضايا الأكبر إلحاحا في بلادنا وليس تجاوزها"(6).
حماية الأفراد المشتركين في العمليات الحربية أو الذين توقفوا عن المشاركة فيها والجرحى والمصابين والأسرى والمدنيين، وكذلك عن طريق جعل العنف في المعارك العسكرية مقتصرا على الأعمال الضرورية لتحقيـق الهدف العسكري(7). وتتمثل مصادر القانون الدولي الإنساني في فئات ثلاث.
أولها اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949: وهي اتفاقية تحسين حال الجرحى والمرضى في الميدان واتفاقية تحسين حال الجرحى والمرضى والغرقى في البحار واتفاقية معاملة أسرى الحرب واتفاقية حماية السكان المدنيين.
والفئة الثانية هي ما يطلق عليه قانون لاهاى ويشمل الاتفاقيات التي أسفرت عنها نتائج مؤتمرات الصلح عامي 1899 و1907 والتي ركزت أساسا على الوسائل المسموح بها أثناء العمليات الحربية. والفئة الثالثة تتمثل في الجهود المستمرة لمنظمة الأمم المتحدة لتأمين احترام حقوق الإنسان في أوقات النزاعات المسلحة والحد من استخدام بعض الأسلحة ذات طابع الإبادة الجماعي.
وإذا ما تفحصنا الحقوق الموضوعية التي تضمنتها اتفاقيات جنيف الأربعة فسنصل إلى نتيجة أن هذه الحقوق هي تطبيق لحقوق الإنسان العامة في ظروف خاصة هي ظروف الحرب والاحتلال.
فالاتفاقية الأولى التي تتعلق أحكامها بتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان تهدف إلى حماية الحق في الحياة للفئات المحمية فضلا عن حقهم في سلامة الجسم ضد التعذيب والإهمال الصحي العمدي (م12).
وتسبغ الاتفاقية الثانية نفس الحماية على الجرحى والمرضى والغرقى في الحرب البحرية، أي أنها تحمى الحق في الحياة وفي سلامة الجسم للأشخاص المشمولين بحمايتها.
وتهدف الاتفاقية الثالثة إلى ضمان حد أدنى من المعاملة الإنسانية لأسرى الحرب وهي في سبيل ذلك تقرر مجموعة من الحقوق للأسرى منذ بدء وقوعهم في الأسر مثل ضمانات الاستجواب ومصير متعلقاتهم الشخصية والإجلاء والنقل وظروف حياتهم في المعسكرات أو في حالة نقلهم من حيث أماكن الاعتقال وأساليبه والمأوى والغذاء والملبس والشروط الصحية والرعاية الطبية والحقوق والحريات الدينية والفكرية وعمل الأسرى ومواردهم المالية ومراسلاتهم ومواد الإغاثة التي ترد إليهم والعلاقة بين الأسرى والسلطات التي تعتقلهم هذا بالإضافة إلى كثير من الأحكام الهامة عن الأساليب المختلفة التي ينتهي بها الأسر والهيئات التي تعاون الأسرى وأحكام متنوعة أخرى. وواضح أن كثيرا من هذه الحقوق تعتبر تطبيقا للمبادئ العامة لحقوق الإنسان في حالة الأسرى فضلا عن بعض الحقوق الأخرى اللصيقة بحالة الأسر.
وتنظم الاتفاقية الرابعة حقوق المدنيين في وقت الحرب. وهذه الاتفاقية هي أقرب الاتفاقيات الأربعة من حيث موضوع الحماية المقررة فيها للقانون الدولي لحقوق الإنسان فهي اتفاقية تحمى حقوق الإنسان للسكان المدنيين في وقت الحرب والاحتلال. فتحظر هذه الاتفاقية الاعتداء على الحياة وعلى السلامة البدنية وتحظر التعذيب والتشويه والمعاملة القاسية وأخذ الرهائن والنفي والإبعاد والاعتداء على الكرامة الشخصية وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة والمعاملة التمييزية على أساس العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد أو غير ذلك وتحظر إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون حكم سابق تصدره محكمة مشكلة تشكيلا قانونيا تراعى فيها ضمانات المحاكمة العادلة.
هناك إذن وحدة في الهدف بين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وبين اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وهو تأمين احترام مختلف حقوق الإنسان وحرياته وإن تميزت الاتفاقيات الأخيرة بأنها تعمل على تأمين هذه الحقوق في ظروف النزاعات المسلحة. ويبدو هذا التميز في ظروف الحماية في أن اتفاقيات جنيف شملت بحمايتها فئات لم تكن محل اهتمام القانون الدولي التقليدي لحقوق الإنسان كالجرحى والغرقى والمدنيين تحتل الاحتلال نظرا لطبيعة الظروف الاستثنائية التي تحيط بها.
فارق آخر بين حقوق الإنسان العامة المقررة في المواثيق الدولية وحقوق الإنسان الخاصة المقررة بمقتضى اتفاقات جنيف هو أن الحقوق الأولى يجوز بشروط معينة التحلل من بعضها في ظروف الطوارئ أو الحروب أو الكوارث، في حين أن الحقوق الثانية لا يجوز التحلل منها مطلقا لأنها ما شرعت إلا لتنظيم الحقوق وقت الحرب.
وبيان ذلك أن المادة الرابعة من كل العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية نصت على حق الدول في التحلل من التزاماتها بمقتضى العهد في أوقات الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة. ولا شك أن حالة الحرب تدخل في عداد تلك الطوارئ العامة التي تجيز التحلل دون النص عليها صراحة لأن الحرب والنزاعات المسلحة من أقصى حالات الطوارئ التي يترتب عليها التهديد الذي عنته المادة.
ومع ذلك فثمة حقوق لا يجوز التحلل منها حتى في حالة الطوارئ أو الحرب مثل الحق في الحياة والحق في سلامة الجسم من التعذيب وعدم رجعية القوانين الجنائية وتحريم الرق وغير ذلك.
ولكن هذه الرخصة التي تبيح التحلل من احترام المبادئ العامة لحقوق الإنسان بشروط وأوضاع معينة لا تنطبق على القانون الدولي الإنساني لأن هذا القانون يستهدف كما ذكرنا تأمين حقوق الإنسان في أقصى حالات الطوارئ وهي حالات الحرب والنزاعات المسلحة.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر :
وهي اللجنة الدولية غير الحكومية المعنية بتطبيق واحترام ونشر الوعي بمبادئ القانون الدولي الإنساني. وقد نشأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر كمبادرة سويسرية خاصة عـام1863(8) ويتسع عملها الآن على مستوى العالم أجمع. ولها مندوبون في نحو 60 بلدا بينما تمتد أنشطتها لتشمل أكثر من 80 بلدا ويعمل معها قرابة 12000 موظف من مواطني البلدان التي تعمل بها. ويوفر نحو 800 شخص الدعم والمساندة اللازمين لعمليات اللجنة انطلاقا من مقرها في سويسرا(9).
ويتمثل الوضع القانوني للجنة الدولية للصليب الأحمر في كونها منظمة غير حكومية مستقلة محايدة وغير متحيزة أسندت إليها الدول مهمة حماية ومساعدة ضحايا النزاع المسلح من خلال اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 وهي الصكوك التي خلفت اتفاقية جنيف الأولى عام 1864.
ونتيجة للطبيعة الخاصة لمهمتها تتميز اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن المنظمات الحكومية كالأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية. وقد عقدت اللجنة مع غالبية الدول التي تعمل فيها اتفاقيات للمقر تتمتع بمقتضاها بالامتيازات والحصانات التي تمنح عـادة للمنظمات الحكومية الدولية وهي حصانات وامتيازات لا غنى عنها لكفالة استقلال المنظمة.
واللجنة الدولية للصليب الأحمر ليست طرفا في اتفاقيات جنيف والبروتوكولين الملحقين بها فهذه معاهدات مفتوحة لتصديق الدول فحسب وتقع مسئولية تنفيذها على الدول الأطراف(10). ومع ذلك تلعب اللجنة الدولية للصليب الأحمر ولجانها الوطنية دورا بالغ الأهمية في العمل على احترام القانون الدولي الإنساني ووقف انتهاكاته والتوعية بأحكامه بين مختلف الفئات المعنية.
والعلاقة بين اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ وجودها عام 1863 والقانون الدولي الإنساني علاقة وثيقة. وينص النظام الأساسي لحركة الصليب والهلال الأحمر الدولية كما ينص النظام الأساسي للجنة الدولية على أن المهمة الأساسية التي تتبناها هي العمل على "تطبيق القانون الدولي الإنساني بأمانة"، ومساعدة الضحايا المدنيين والعسكريين في النزاعات المسلحة والاضطرابات الداخلية على أساس من الحياد وعدم التحيز.
وتعترف اتفاقيات جنيف بالمهام الملقاة على حركة الصليب الأحمر، من قبيل ذلك المادة 9/9/9/10 المشتركة والمادة 3 المشتركة والمادة 81 من البروتوكول الأول، والمادة 18 من البروتوكول الثاني. وتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمهام المساعدة والحماية للأشخاص المشمولين بحماية القانون الدولي الإنساني عن طريق الاتصال الدائم بأطراف النزاع. وتعمل على لفت نظر السلطات المختصة عن حدوث أية انتهاكات كما تقوم بدور وقائي لتفادى وقوع الانتهاكات.
وفي سبيل تحقيق مهامها تقوم اللجنة بزيارة أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين والبحث عن المفقودين ونقل الرسائل وتوفير الغذاء والمياه والمساعدة الطبية للمدنيين المحرومين من هذه الضروريات الأساسية وغير ذلك من وسائل المراقبة والمساعدة والإغاثة. ويسمح النظام الأساسي للجنة بتلقي الشكاوى حول انتهاكات القانون الدولي الإنساني. وتقوم اللجنة بالمساعي اللازمة لدى السلطات المعنية بشكل سرى. ويمكن لهذه المساعي أن تأخذ طابع العلنية بشروط معينة أهمها تكرار الانتهاك وعدم استجابة الدولة التي تمارس انتهاكاً بصورة متعمدة لمبادرتها.
وفي وقت السلم تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بخدمات استشارية تهدف إلى نشر الوعي بأحكام القانون الدولي الإنساني بين مختلف القطاعات وخاصة رجال القوات المسلحة، ويتم ذلك من خلال المنشورات المتخصصة والندوات العلمية والبرامج التعليمية والتدريبية والإعلامية وبرامج التعاون مع الجمعيات الوطنية للهلال الأحمر والصليب الأحمر وكافة المؤسسات والجهات المعنية.
(2)
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 12:28 AM الأزمة الراهنة للقانون الدولي الإنساني :
تتمثل الأزمة الراهنة للقانون الدولي الإنساني في تنامي التجاهل العمدي من الدول المتحاربة لأحكامه تحت ذرائع (قانونية) أو بدون ذرائع إطلاقا. ويتواكب مع ذلك الجهود الدولية التي تبذل من أجل تقويض دعائم النظام القضائي الوطني والدولي من أجل غل يده عن أن تطول المتهمين بارتكاب جرائم تنتهك القانون الدولي الإنساني.
ويأتي هذا التوجه نحو التحلل من الشرعية في سياق توجه عام نحو إجهاض القواعد التقليدية للقانون الدولي وإحلال منطق القوة محلها لتصبح القوة العارية من الشرعية هي العنصر الفاعل في العلاقات الدولية. وهكذا تحل سياسة الأمر الواقع والعصا الغليظة محل قواعد القانون الحاكمة لسلوك أعضاء الجماعة الدولية، أي أن قانون القوة يحل تدريجيا محل قوة القانون.
هناك تجليات تقليدية للتحلل من أحكام القانون الدولي الإنساني تحت ذرائع قانونية واهية. من ذلك إنكار إسرائيل وصف المناطق المحتلة على الضفة الغربية وغزة حتى تتوصل إلى عدم تطبيق اتفاقيات جنيف وخاصة الاتفاقية الرابعة المتعلقة بحماية السكان المدنيين في المناطق الواقعة تحت الاحتلال. وثمة حجج مشابهة تتذرع بها الولايات المتحدة الأمريكية لخلع صفة أسرى الحرب عن رجال المقاومة المقاتلين في أفغانستان والعراق لحرمانهم من حماية اتفاقيات جنيف، ولتمرير الفظائع التي ترتكب في حقهم في معسكرات الاعتقال وأشهرها معسكر جوانتانامو.
وفي هذا السياق جاءت أحداث سجن أبو غريب وما شهده المحتجزون فيه من جرائم للتعذيب وامتهان لأبسط معاني كرامتهم الإنسانية. ويؤكد تقرير الصليب الأحمر الدولي (فبراير/شباط 2004) قيام الجنود الأمريكيين والبريطانيين بتعذيب المعتقلين في السجون العراقية وإلى أن جنود قوات الاحتلال يطبقون التعذيب بشكل منهجي(11).
ويتواكب كل هذا مع الجهود الحثيثة التي تبذلها الولايات المتحدة لتقويض دعائم المحكمة الجنائية الدولية التي وقعت اتفاقيتها في روما عام 1998 لمحاكمة مجرمي الحرب والجرائم ضد الإنسانية ويدخل فيها بطبيعة الحال انتهاكات القانون الدولي الإنساني. ومن المعلوم أن المحكمة الجنائية الدولية قد أنشئت بموجب معاهدة روما في عام 1998، ودخلت حيز النفاذ بتصديق العدد المطلوب من الدول عليها.
وقد منحت صلاحيات كاملة لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أيا كانوا، ومن أية جنسية، وبأي موقع ومسئولية، ما دامت الأفعال التي ارتكبوها لاحقة على نفاذ الاتفاقية.
ورغم توقيع الولايات المتحدة على المعاهدة إلا أنها عادت و سحبت توقيعها على المعاهدة. وبرفضها المصادقة على الاتفاقية تكون الولايات المتحدة قد انضمت إلى كل من إسرائيل وروسيا والصين وباكستان والهند وسنغافورة، ضمن 127 دولة رافضة لاتفاقية روما(12).
بل والأكثر من ذلك سعت الولايات المتحدة إلى حصولها على ضمانات دولية بأن يتمتع جنودها العاملون ضمن قوات حفظ السلام الدولية بحصانة تحول دون مثولهم المحتمل أمام المحكمة، وشرعت بابتزاز مجلس الأمن الدولي لفرض ما تطالب به، وهددت بإنهاء مهمة الأمم المتحدة في البوسنة.. وحيال رفض غالبية أعضاء مجلس الأمن الانصياع لها هددت باستخدام حق النقض (الفيتو) على القرار، إذا لم يمنح أفراد قوات حفظ السلام والمسؤولون الأميركيون حصانة المثول أمام المحكمة، ساعية إلى شل المحكمة قبل بدء عملها. وتحت ضغط الولايات المتحدة، وفي سابقة خطيرة في المجتمع الدولي، وبالرغم من عاصفة الاحتجاجات ضد الموقف الأميركي، وافق مجلس الأمن، في 12/ 7، على إعفاء الأميركيين لمدة عام من محاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهو اتفاق استهدف إنقاذ بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام من استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضدها وإحباط مهماتها. وجاء في القرار 1422 الذي تبناه أعضاء مجلس الأمن بالإجماع، أن أي عنصر من عمليات حفظ السلام, جندي أو غير ذلك, ينتمي إلى دولة لم توقع معاهدة روما التي تشكلت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية، لن يكون موضع ملاحقات أمام هذه المحكمة. وتنص الفقرة الثانية على أن الفترة المذكورة قابلة للتجديد من قبل مجلس الأمن.
وهو ما يعني أنه سيكون من الصعب جداً على المحكمة الجنائية الدولية أن تقاضي قوات حفظ السلام التابعة للولايات المتحدة وغيرها من الدول التي لم توقع على اتفاقية تأسيس المحكمة الدولية.
ويقول مؤيدو المحكمة الجنائية الدولية إنه على الرغم من أن قرار مجلس الأمن هذا لن يكون له تأثير عملي يذكر على عمل المحكمة الدولية، فإنه يمثل سابقةً لتدخل مجلس الأمن في اتفاقية دولية مبرمة، لاسيما وأن السفير الأميركي جون نيجروبونتي هدد بأن الولايات المتحدة تعتبر أن قيام المحكمة الجنائية الدولية باعتقال أي مواطن أميركي سيكون "عملا غير شرعي له عواقب وخيمة".
وشنت واشنطن حملة شرسة ضد المحكمة نفسها، بذريعة أن المحكمة "تنتهك سيادة الدول"، وقد "تؤدي" إلى محاكمات "ذات دوافع سياسية" للمسؤولين أو الجنود الأمريكان العاملين خارج الحدود الأميركية. ونجحت في استخدام سلاح التلويح بحجب المساعدات لحمل كثير من الدول على إبرام اتفاقيات معها تعطى حصانة للجنود الأمريكيين عما يرتكبونه من جرائم بالمخالفة لأحكام القانون الدولي الإنساني(13).
وفي نفس هذا السياق – سياق حجب القضاء الدولي عن ملاحقة مجرمي الحرب ومنتهكي القانون الدولي الإنساني - جاءت حملة الضغوط المكثفة التي مارستها الدوائر الإسرائيلية والأمريكية ودوائر حلف الناتو لحمل بلجيكا على إلغاء القانون الذي كان يعطى محاكمها الوطنية اختصاصا عالميا بنظر جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أيا كان مرتكبوها أو مكان ارتكابها وسواء أكانت الجريمة متصلة ببلجيكا من عدمه.
وقد تصاعدت هذه الضغوط ووصلت إلى حد التهديد بنقل مقر حلف شمال الأطلنطي من بروكسل بعدما رفع عدد من ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا وأسرهم دعاوى ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون يطالبون بإدانته كمجرم حرب بسبب تورط القوات الإسرائيلية في هذه المذبحة أثناء عملية غزو لبنان سنة 1982 تحت إشرافه. وأذعنت بلجيكا لضغوط لا قبل لها بها وتم تعديل القانون ثم إلغاؤه وبهذا فقد ضحايا انتهاكات القانون الدولي الإنساني ساحة قضائية أخرى للدفاع عن مصالحهم.
2- مبادئ حقوق الإنسان واتفاقيات منظمة العمل الدولية : منظمة العمل الدولية وحماية حقوق الإنسان:
أنشئت منظمة العمل الدولية سنة 1919 باتفاقية فرساي. وهي أول وكالة متخصصة تحصل على هذه الصفة من الأمم المتحدة بالاتفاق مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي. والشاغل الأساسي للمنظمة هو تحقيق العدل الاجتماعي وتطوير وحماية حقوق الإنسان المرتبطة بتحقيق هذا الهدف. وتعمل المنظمة بالتعاون بين أطراف ثلاثة هي الحكومات والعمال وأصحاب الأعمال. وقد أمكن للمنظمة خلال حياتها أن ترعى إصدار أكثر من 150 اتفاقية في مجال عملها هي الآن في حيز النفاذ(14). وتعتبر مبادئ حقوق الإنسان مكونا أساسيا للخلفية المرجعية التي تحكم نشاط وعمل منظمة العمل الدولية ilo .
فوفقا لما تضمنه إعلان فيلادلفيا اشتملت أهداف المنظمة على تبنى ودعم كل السياسات والتدابير الدولية والوطنية التي تستند إلى مبدأ أن كل البشر لهم الحق بصرف النظر عن الجنس أو العقيدة أو العرق في النهوض بمستوى معيشتهم المادية أو متطلباتهم الروحية في مناخ من الحرية والكرامة والأمن الاقتصادي والفرصة المتكافئة.
وتشير النصوص التفصيلية لإعلان فيلادلفيا إلى أمور من قبيل احترام حرية التعبير والاجتماع وحق العمل والارتفاع بمستويات المعيشة والأجور وظروف العمل وتدابير التأمين الاجتماعي وحماية حياة العمال وصحتهم وهذه كلها تدخل في عداد الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما يجعل من منظمة العمل الدولية منظمة معنية بجانب هام من جوانب حقوق الإنسان بمناسبة وجود علاقات العمل.
وعلى سبيل المثال تقرر المادة الثالثة من إعلان فيلادلفيا التزام منظمة العمل الدولية بأن تحقق بين مختلف أمم العالم هدف التشغيل الكامل ورفع مستوى المعيشة، وتشغيل العمال في الأعمال التي تحقق لهم الرضاء الذاتي بما يمكنهم من الإسهام بأقصى قدراتهم في الصالح العام، وبرسم السياسات الخاصة بالأجور والمكافآت، وبساعات وظروف العمل، وبالحد الأدنى للأجر، وبالاعتراف بالحق في التفاوض الجماعي وبالتعاون بين الإدارة والعمل من أجل التطوير المستمر للكفاءة الإنتاجية، وبالتعاون بين العمال وأصحاب الأعمال في صياغة وتطبيق التدابير التي من شأنها أن تمتد بالتأمين الاجتماعي بحيث يوفر الدخل الأساسي لكل من يحتاجون الحماية كما يوفر الرعاية الصحية الشاملة، وبتقديم الحماية المناسبة لحياة العمال في موقع العمل وصحتهم، وتوفير رعاية وحماية الطفولة والأمومة، وتوفير التغذية المناسبة والإسكان ووسائل الترفيه والثقافة للعمال، وتأمين المساواة في فرص التعليم والتدريب.
كل هذه الأهداف تناولها بشكل أو آخر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ثم كفلت لها التنظيم بشكل تفصيلي عديد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية.
وتعمل منظمة العمل الدولية على تحقيق هذه الأهداف من خلال تبنى عدد من المعايير الدولية للعمل وصياغتها في شكل اتفاقيات وتوصيات(15). وأغلب اتفاقات وتوصيات منظمة العمل الدولية تعنى بحماية وتطوير حقوق الإنسان بشكل أو آخر ما دامت تتعرض لمسائل مثل تأمين بيئة العمل وحماية الأطفال وصغار السن وتنظيم ساعات العمل وغير ذلك من ظروف العمل السابق الإشارة إليها، فضلا عن مختلف جوانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوق المدنية والسياسية. إلا أن عددا من مواثيق منظمة العمل الدولية تتعامل بشكل أكثر تحديدا مع حقوق وحريات أساسية معينة مثل حرية الاجتماع والتحرر من السخرة والمساواة في الفرص والمعاملة أثناء العمل.
وما تتميز به منظمة العمل الدولية في مجال حقوق الإنسان هو توافر آليات للحماية الفعالة للحقوق المنصوص عليها في اتفاقيات وتوصيات المنظمة، أثبتت كفاءتها وفعاليتها في تأمين حقوق الإنسان للعمال. ويمكن تقسيم مناهج وإجراءات حماية حقوق الإنسان في منظمة العمل الدولية إلى فئتين رئيسيتين.
الفئة الأولى تتعلق بالإشراف الروتيني الدائم على تطبيق مواثيق المنظمة من أجل الحصول على أدق المعلومات حول وفاء الدول بالتزاماتها في التطبيق، وعلى الانتهاكات التي تقع على الاتفاقيات الموقع عليها. وتحت هذه الطائفة يندرج التزام الحكومات بتقديم تقارير عن وفائها بالالتزامات الواردة بالاتفاقيات والتوصيات. فوفقا للمادة 22 من دستور المنظمة تلتزم كل دولة عضو بأن تقدم تقريرا عن التدابير التي اتخذتها لتفعيل نصوص الاتفاقيات التي دخلت كطرف فيها. ويجرى فحص هذه التقارير بواسطة خبراء مستقلين.
وتعد التقارير الحكومية في الإطار الشكلي الذي يحدده مجلس إدارة المنظمة لكل اتفاقية وتلتزم الدول بتقديم نسخ من تقاريرها إلى منظمات أرباب الأعمال والعمال في بلدها. ولهذه المنظمات أن تبدى ملاحظاتها المتعلقة بمدى وفاء الحكومة بالتزاماتها طبقا للاتفاقية.
وفي كل دورة من دورات مؤتمر العمل الدولي تشكل لجنة خاصة من ممثلي الحكومات وأرباب الأعمال والعمال للنظر في مسألة وفاء الحكومات بالتزامها بتطبيق الاتفاقيات.
ومن حق منظمات العمال وأصحاب الأعمال أن تبلغ مكتب العمل الدولي وأن تتقدم بدعاوى عن عدم وفاء دولة عضو بالتزاماتها بمقتضى اتفاقية هي طرف فيها. وتعرض الدعاوى على مجلس إدارة المنظمة. وتفحصها لجنة مشكلة من ممثلي الحكومات وأرباب الأعمال والعمال ويمكن إحاطة الدولة المعنية علما بالدعوى للرد عليها. فإن لم تقم الدولة بالرد أو كان ردها غير مقنع يجوز للمجلس نشر الدعوى مرفقة بالرد إن وجد.
كما أن المادة 26 قد نصت على حق الدولة العضو في تقديم بلاغ ضد دولة عضو أخرى لعدم وفائها بالتزاماتها ونصت على إجراءات لتحقيق الشكاوى. ولمجلس إدارة المنظمة أن يبادر برفع شكوى مباشرة أو بناء على طلب أحد المندوبين. ويحدد المجلس لجنة لتحقيق ودراسة الشكوى وتقديم تقرير بشأنها. وبعد أن يستعرض التقرير الوقائع قد يقترح ما يراه مناسبا لرفع أسباب الشكوى. وعلى الحكومات المعنية أن تخطر المدير العام لمكتب العمل الدولي خلال ثلاثة شهور بقبولها توصيات لجنة التحقيق وإلا أحالتها إلى محكمة العدل الدولية. ويترتب على إخلال الدولة بتوصيات لجنة التحقيق أو بحكم محكمة العدل الدولية تعرضها للتدابير التي يقررها المؤتمر بناء على اقتراح مجلس الإدارة.
وتقوم المنظمة أيضا بالفصل في الشكاوى المقدمة من الحكومات أو أرباب الأعمال أو العمال في مجال الحريات النقابية. وتعرض هذه الشكاوى على لجنة الحريات النقابية المنبثقة عن مجلس إدارة المنظمة والتي تتألف بدورها من ممثلي الحكومات والعمال وأصحاب الأعمال. ويمكن أن تحال الشكوى، إذا وافقت الحكومة المعنية، إلى لجنة تقصى الحقائق والتحقيق في الحريات النقابية المشكلة من أعضاء مستقلين. ويمكن التقدم بشكاوى متعلقة بالحريات النقابية ضد أي دولة حتى ولو لم تصدق على اتفاقية الحريات النقابية(16).
منظمة العمل الدولية وتحديات عصر العولمة:
في ضوء ما تفرضه ثورة الاتصالات والمعلوماتية فيعصر العولمة من تحديات غير مسبوقة تحرص منظمة العمل الدولية على رصد المشاكل التي تفرضها هذه التحديات على الدول النامية وخاصة مشكلة البطالة واتساع الفجوة الرقمية بين الدول الغنية والدول الفقيرة من ناحية وما تمثله الثورة الرقمية من إمكانيات لتجاوز هوة التخلف من ناحية ثانية. وقد أصدرت منظمة العمل الدولية تقريرا بالغ الأهمية حول هذه القضايا بعنوان "حول الاستخدام في العالم سنة 2001 : الحياة في العمل ضمن اقتصاد المعلوماتية"(17).
وقد لاحظ التقرير انه "رغم ثورة الاتصالات التي تجتاح العالم اليوم إلا أن المزيد من العمال غير قادرين على الحصول على فرصة عمل أو الوصول إلى مصادر التقنيات الحديثة التي هي ضمان الإنتاجية في اقتصاد عالمي رقمي". وقد رصد التقرير عددا من النتائج حول تأثير ثورة الاتصالات على اقتصاديات التشغيل في الدول النامية مقارنة بالدول المتقدمة كما يلي:
• مع بدء العام 2001 سيعاني ما يقدر بثلث اليد العاملة في العالم التي تبلغ ثلاثة مليارات عامل من البطالة والاستخدام الجزئي ومن بينهم حوالي 160 مليوناً يعانون من البطالة الصريحة. ورغم المؤشرات القوية لتحسن الاقتصاد في معظم الدول الآسيوية.
• على الاقتصاد الدولي أن يضمن السرعة في التوسع لكي يخلق 500 مليون وظيفة جديدة خلال القرن القادم لدمج الداخلين الجدد لقوى العمل والتقليل من نسبة العاطلين حاليا.
• وفي مختلف مناطق العالم كان التحول الهام في الاستخدام هو في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (الدول الصناعية المتقدمة)، حيث انخفضت نسبة البطالة الكاملة بشكل كبير وحتى حالات البطالة الطويلة الأمد شهدت انخفاضاً من 35% إلى ما يقرب من 31%.
• رغم التطور الهائل في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الدول الصناعية وتغلغلها المتزايد في الدول النامية، إلا أن جزءاً كبيراً من العالم لا يزال غير مرتبط بهذه التقنيات وبذلك غير مستفيد من منافعها التي تخلق ثورة في الحياة، والعمل والاتصالات في هذا الزمن الرقمي.
• رغم قدرة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على تحسين أوضاع المرأة. إلا أن التقرير قد وجد أن ثمة هوة رقمية داخل البلدان، حيث إنه كثيرا ما تجد النساء أنفسهن قائمات على أقل الوظائف أهمية في هذا المجال فيما يرتفع الرجال إلى الوظائف الأكثر مردودا ماليا وأكثر مسئولية. من هذه الاستخلاصات الأربعة ينبه التقرير إلى تأثير اتساع الفجوة الرقمية بين الدول الغنية والدول الفقيرة على زيادة معدلات البطالة في الأولى ويوضح أيضا الفرص التي تمثلها الثورة الرقمية لتجاوز هوة التخلف وتحقيق التشغيل الكامل، أي أنه يوضح المخاطر ويبين الإمكانات والفرص.
وعن الهوة الرقمية بين الدول المتقدمة والدول النامية يسوق التقرير عددا من الأمثلة والشواهد. منها أن ما يقرب من 90% من مستخدمي شبكة الإنترنت هم من الدول الصناعية، حيث إن الولايات المتحدة وكندا يشكلان ما نسبته 57% من المجموع الكلي. وفي المقابل فإن مستخدمي شبكة الإنترنت في أفريقيا والشرق الأوسط مجتمعين يشكلون 1% من الإجمالي الكلي لمستخدمي الإنترنت في العالم. ويوضح أنّ مجمل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العالم تقريباً هي من إنتاج 15 بالمئة من سكّانه (والذين يعيشون بأكثريّتهم في البلدان الصناعية)، ووحدهم نصف سكان العالم تقريباً يحصلون على الكهرباء وخطوط الهاتف والبنى التحتية الأخرى الضرورية التي تمكّنهم من التكيّف مع هذه التكنولوجيات الجديدة على مستوى الإنتاج والاستهلاك. وعليه، فإنّ معظم سكّان العالم يعانون الحرمان، وثلثهم على الأقلّ منعزلون تكنولوجياً.
ويشير التقرير إلى أنّ الهوّة الرقميّة قائمة ليس فقط بين المجتمعات وبعضها البعض بل وفي داخل المجتمع الواحد أيضاً. ويضيف أنّ جميع الأدلّة المتوفّرة تؤكّد أنّ استعمال الإنترنت يُقسَّم إلى طبقات، وهو أكثر شيوعاً في صفوف الشباب منه بين الأكبر سناً، وبين سكّان المدن منه بين سكّان الأرياف، وفي صفوف الأشخاص الذين يتمتّعون بمستوياتٍ أعلى من التعليم والدخل. ويمتد التمييز الاجتماعي الذي تحدثه ثورة المعلومات إلى تعميق هوة التمييز بين الرجال والنساء. فيشير التقرير إلى التمكن من تكنولوجيا المعلومات لدى الرجال على مستوى العالم أعلى منه لدى النساء. وبالتالى فإنّ "أنماط التمييز بين الرجل والمرأة تنتقل إلى اقتصاد المعلومات حيث يستحوذ الرجل على أكثرية الوظائف التي تحتاج إلى مهارات متقدّمة وذات قيمة مضافة عالية بينما تتركّز المرأة في الوظائف التي تتطلّب مهاراتٍ متدنية وقيمة مضافة منخفضة". وعليه، فإنّ الرجل يتواجد أكثر من المرأة في الوظائف ذات الأجور المرتفعة والإبداعية في مجال تطوير البرامج المعلوماتية.
وينعكس التخلف المعلوماتي الرقمي للدول الفقيرة على تزايد معدلات البطالة فيها. فيشير التقرير إلى أنّه بينما يجد مزيد من العمال وظائف في الولايات المتحدة الأميركية والبلدان الصناعية الأخرى، ازدادت البطالة في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، كما أنّها لا تزال مرتفعةً في كلّ من أوروبا الوسطى والشرقية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي مدن أفريقيا جنوب الصحراء.
وعلى سبيل المثال، تمّ تقدير معدّل البطالة في نهاية التسعينيات بـ 29 بالمئة في الجزائر، و9 بالمئة في لبنان، و22 بالمئة في المغرب، و8 بالمئة في مصر، أما في الاقتصاديات الانتقالية في أوروبا الوسطى والشرقية، فإنّ معدّل البطالة الصريحة يُقدَّر بأكثر من 14 بالمئة، وتشكّل بطالة الشباب مشكلةً أكبر إذ تطال حوالي 30 بالمئة منهم، أي ضعف المعدّل نفسه لأوروبا الغربية.
إن التغيّرات في كيفية عمل الاقتصاد تؤثر بلا شك على عالم العمل إذ أنّ خلق الوظائف وفقدانها، ومحتوى العمل ونوعيّته، وموقع العمل، وطبيعة عقد الاستخدام، والمهارات المطلوبة وبأيّ تواتر يمكن الحصول عليها، وتنظيم العمل وأداء وفعالية منظمات العمال وأصحاب العمل، جميع هذه العوامل تتأثّر بحقبة العولمة الرقمية التي بدأت ترى النور. فالعمّال الذين يملكون المعرفة، أي الذين يبتكرون الأفكار وينقلونها إلكترونياً على شكل منتجاتٍ غير ملموسة أو غير ماديّة يتمتّعون بميزةٍ خاصّةٍ في الاقتصاد المعتمِد على الشبكات المعلوماتية. وعبر الإنترنت أو أيّة تكنولوجيا أخرى تتعلق بالشبكات المعلوماتية، يمكنهم النفاذ في أيّ وقتٍ إلى كمياتٍ غير محدّدة من المعلومات التي تشكّل المواد الأولية لخلق المعرفة.
ويشير التقرير إلى أنّه يتعيّن على جميع البلدان أن تواجه المخاطر والفرص التي ترافق ثورة الاتصالات، فأيّ موقفٍ سلبيّ سيؤدى إلى التهميش. ويحذر التقرير من أن حتى لو أصبح النفاذ إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصال أكثر سهولة واتساعا إلا أنه لا يمكن جني الكثير من الثورة الرقمية دون مستوى كافٍ من التعليم . . ويذكر التقرير بأن "سياسة الاستثمار في التعليم الأساسي والتعليم العالي هي الأداة الأهم المتوفرة للحكومات للاستفادة من فوائد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات." "ولم تستطع أي دولة نامية أن تدخل وبنجاح الأسواق العالمية لأي من منتوجاتها دون الاعتماد على قوى عاملة متعلمة.
فالتعليم والنمو الاقتصادي يكملان بعضهما البعض والاستثمار في التعليم من شأنه أن يحقق النمو الاقتصادي. ويبدو هذا الربط أكثر وضوحا في الاقتصاديات الجديدة المعتمدة على المعلومات والتي تشكل المعلومات فيها العامل الرئيسي للثروة وليس الدخول المادية أو الثروات الطبيعية." وبإمكان تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كما يؤكد التقرير أن تؤثر وبشكل كبير على نوعية حياة العمال في الدول الفقيرة إذا ما توفرت السياسات والمؤسسات الصحيحة التي تشكل عاملاً أساسياً في التنمية ونمو الوظائف.
ففي بعض الحالات تساهم سرعة انتقال رأس المال المرتبط بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وطبيعتها التي تعتمد على المعرفة، في قدرة الدول الأقل دخلا في القفز على بعض المراحل التي يمر بها أي نمو اقتصادي تقليدي وذلك عبر الاستثمار في القدرات البشرية. ولكي يتحقق هذا هناك ثلاثة متطلبات رئيسية: سياسة وطنية متناسقة تجاه تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وتوفر بنية اتصالات معقولة، وتوفر قوى عاملة متعلمة.
ويختم تقرير منظمة العمل الدولية بأنّ ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تقدّم إمكانيةً حقيقيةً ومخاطر واقعية.وعلى الدول النامية أن تدرك المخاطر لتلافي آثارها وأن تتعرف على الإمكانات من أجل الاستفادة القصوى منها.
3- حقوق الإنسان والحماية الدولية لللاجئ
أصبحت الحماية القانونية لللاجئ تمثل شاغلا هاما من شواغل المجتمع الدولي المعاصر بسبب الفظائع والأهوال وصور الاضطهاد التي تسود في مناطق متفرقة من العالم وتجبر أشخاصا أو جماعات على مغادرة موطنهم الأصلي والهرب إلى مكان آخر يطلبون فيه الحماية القانونية والمادية أي يطلبون فيه اللجوء.
ويعرف فقهاء القانون الدولي اللاجئ بأنه "أجنبي خرج أو أُخرج من دولته الأصلية ولا يرغب أو لا يستطيع العودة إلى هذه الدولة بسبب تمزق أو انفصام العلاقة العادية التي تربطه بها إما بسبب الاضطهاد السياسي والتهديد به وإما لاتهامه بإحدى الجرائم السياسية وإما لرغبته في عدم الخضوع لحكومة جديدة يعتقد أنها ظالمة أو غير شرعية" كما يعرفون الملجأ بأنه "حماية قانونية ذات طابع مؤقت تمنحها دولة تسمى دولة الملجأ ...لأجنبي تتوافر فيه صفة اللاجئ في مواجهة أعمال دولة أخرى تسمى الدولة الأصلية أو دولة الاضطهاد "(18).
واللجوء في حد ذاته بما يرتبط به من حقوق وضمانات قانونية هو نظام إجرائي وموضوعي يهدف إلى معالجة انتهاكات حقوق الإنسان الواقعية أو المحتملة التي يتعرض أو سيتعرض لها طالب اللجوء. وقد كشفت الفظائع التي ارتكبت في الحقبة الزمنية المحيطة بالحرب العالمية الثانية عن الارتباط الوثيق بين ظاهرة اللجوء وتنامي أعداد طالبي اللجوء وبين انتهاكات حقوق الإنسان. فالاعتداء على حقوق الإنسان هو السبب المباشر لطلب اللجوء والحصول على اللجوء يهدف إلى حماية حقوق الإنسان لشخص اللاجئ. ولذلك يرصد الباحثون بحق "ارتباط" تطور القواعد المتعلقة بحق الملجأ بالتطور الذي شهده القانون الدولي العام منذ أوائل هذا القرن في مجال حماية حقوق الإنسان"(19).
وقد تعددت الوثائق الدولية التي تنظم حقوق اللاجئين ومركزهم القانوني على المستويين الدولي والإقليمي. فصدرت اتفاقية الأمم المتحدة بشأن مركز اللاجئين لسنة 1951 والبروتوكول الملحق بها سنة1977، وإعلان الأمم المتحدة بخصوص الملجأ الإقليمي سنة 1967، واتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية بشأن الجوانب الذاتية لمشكلة اللاجئين في أفريقيا سنة 1969، والإعلان الأوروبي للملجأ الإقليمي سنة 1977 وغيرها.
وبالتوازي مع ذلك ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق اللاجئ في الحماية باعتباره حقا من حقوق الإنسان .. فقد نصت المادة 14 من الإعلان على أن " لكل فرد الحق في طلب الملجأ والتمتع به في بلاد أخرى هربا من الاضطهاد"(20).
وتوضح اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1951 حقوق اللاجئين بالتفصيل وهي في مجملها تطبيق للحقوق العامة للإنسان الواردة في المواثيق الدولية على اللاجئين. فتعرف اللاجئ بأنه من يوجد خارج بلدة منشئه ولديه خوف له ما يبرره للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية أو لا يستطيع ولا يريد أن يستظل بحماية ذلك البلد أو أن يعود إلى هناك خوفا من الاضطهاد.
وتقرر المادة الثالثة للاتفاقية للاجئ الحق في عدم التمييز، وله حرية الدين (م4) وحق التقاضي الحر أمام المحاكم في جميع الدول أطراف الاتفاقية (م16) والحق في ممارسة العمل (م17) والحق في السكن (م21) والحق في التعليم (22) والحق في الحصول على الإغاثة والمساعدة المهمة (م33) وحق التنقل الحر (م26) والحق في عدم الطرد ما لم يشكل تهديدا للأمن أو النظام العام (م32) هذا فضلا عن تمتع اللاجئ بالحقوق الأخرى المنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتفاقيات الأخرى التي قد تكون دولة الملجأ طرفا فيها.
وتقع المسئولية عن حماية اللاجئ على دولة الملجأ الطرف في اتفاقية حماية اللاجئين وفقا للشروط والأوضاع المبينة في الاتفاقية دون تمييز بسبب العرق أو الدين أو بلد المنشأ.
وتوجد بين أجهزة الأمم المتحدة مفوضية شؤون اللاجئين وهي وكالة إنسانية ليست لها صفة سياسية أنشئت سنة 1951 بهدف توفير الحماية الدولية للاجئين وتعزيز إمكانية إيجاد حلول دائمة لمشكلاتهم بالتعاون مع الحكومات والمنظمات المعنية(21).
(3)
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 12:32 AM ثالثا : النظم القانونية العربية والمبادئ الدولية لحقوق الإنسان
التزمت الدول العربية بعدد من أهم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. فقد صدقت بعض الدول العربية ووقعت على أهم وثيقتين دوليتين لحقوق الإنسان وهما العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولم يصدق على البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الأول إلا عدد قليل من الدول العربية.
كما صدقت العديد من الدول العربية على اتفاقية مناهضة التعذيب. أما اتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة فقد وقعتها كل الدول العربية ما عدا سبع دول ما زالت عازفة عنها. وفيما عدا الأردن أحجمت كافة الدول العربية عن التصديق على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية رغم أن تسع دول قد وقعت عليها.
ولم تول كثير من الدول العربية الاهتمام المطلوب الذي يوليه المجتمع الدولي لاتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بالعمل النقابي.
ونصت جميع الدساتير العربية على حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان. وتضمنت الدساتير العربية إشارات إلى مبدأ المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة، وإلى حماية وتأمين الحقوق والحريات الأساسية وإن اختلف مضمون الحقوق ونطاق الحرية والحماية وفقا للتراث الثقافي لكل دولة، ومدى حظ الدولة من الأخذ بمبادئ الديموقراطية والحريات المدنية والسياسية، وموقع الفكـر الشمولـي دينيا كان أو دنيويا من التأثير على نظام الحكم بالدولة.
وتولى الدساتير العربية الأولوية للحقوق والحريات في دساتيرها،وثمة دساتير عربية أعلنت عن التزامها صراحة بالحقوق الواردة في المواثيق والصكوك الدولية.
وقد تضمنت دساتير تونس (م 8)، والجزائر (م 30)، والمغرب (ف 9)، والسودان (ف 1)، والأردن (م 15)، والكويت (م 36)، واليمن (م 26)، وموريتانيا (م 10)، والإمارات (م30)، ومصر (م 47)، والبحرين (م 23)، ولبنان (م 13) أحكاما خاصة بحرية الفكر والرأي والمعتقد، تراوحت في صياغتها.
كما تضمنت دساتير البلدان العربية أحكاما خاصة بحرية الاجتماع السلمي و تكوين الجمعيات والانضمام إليها.
وتعترف دساتير 14 بلداً عربياً بحق تكوين الأحزاب السياسية بينما تتجاهلها أو تنكرها تماما دساتير أخرى.
لقد حدث نوع من التطور نحو إقرار التعددية الحزبية في دساتير بعض الدول التي أخذت، لعقود طويلة، بنظام الحزب الواحد. على أنه يؤخذ على هذه الدساتير أن آثار قيود مرحلة الحزب الواحد ما زالت عالقة بها.
وتنص جميع الدساتير العربية على مبادئ حيدة القضاء واستقلاله. فقد أجمعت على استقلال القضاء وحرمته، وأن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، بل أسهب بعضها في إبراز مكانة القضاء وأهمية استقلاله، وحقوق المتقاضين، كما هو حال الدستورالمصري، الذي أفرد لهذا الموضوع بابا رابعا مكونا من تسع مواد (م 64- 72). كما أدخل البعض الآخر تعديلات جوهرية في قوانينه لتغدو ملائمة لشروط تحقق المحاكمة العادلة، كما حددتها المعايير الدولية المتضمنة في صكوك الاتفاقيات والمواثيق.
غير أن الدساتير العربية وإن تضمنت أحكاما مهمة أقرت بمقتضاها مبدأ استقلال القضاة، فقد حافظت على حضور السلطة التنفيذية وتأثيرها على السلطة القضائية. فعلاوة على أن الأحكام تصدر وتنفذ باسم رؤساء الدول (بمختلف تسمياتهم وألقابهم) وهذا أمر لا اعتراض عليه إن اقتصر على حدود الرمز، إلا أن بعض الدساتير أوكلت لهم حق ترأس الهيئات الدستورية المشرفة على القضاء، كما هو الشأن على سبيل المثال في المغرب حيث نص الفصل السادس والثمانون من الدستور (1996) على أن "يرأس الملك المجلس الأعلى للقضاء..."، أما المادة الثالثة والسبعون بعد المائة من دستور مصر فقد قضت بأن يترأس رئيس الجمهورية المجلس الأعلى للهيئات القضائية.
وثمة مظاهر أخرى من اختلال العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية لعل أبرزها هيمنة وزارات العدل العربية على شئون توظف القضاة وترقيتهم وتأديبهم والتفتيش عليهم والتحكم في ميزانية القضاء فضلا عن استشراء صور القضاء الاستثنائي في العالم العربي.
وتنص بعض الدساتير العربية على الحق في الجنسية بينما تغفل الدساتير الأخرى مثل هذا النص. وتحيل الدساتير أمور تنظيم الجنسية إلى القانون كما هو الأمر بالنسبة لمصـر (م6)، ولبـنان (م6)، والأردن (م5)، والسعودية (م35)، والجزائر (م30). أما بعض الدساتير، فإضافة إلى إسنادها تنظيم حق الجنسية إلى القانون فقد تعرضت إلى موضوع إسقاطها والشروط اللازمة لذلك، مثلما هو وارد في دساتير قطر (م4)، عمان (م15)، الإمارات (م8)، الكويـت (م27).
وتتفاوت الدساتير العربية في النص على الحريات الشخصية وفي مدى الحريات التي تعترف بها، ويجمعها أنها تحيل في تنظيم الحريات إلى القوانين التي ما تقوم غالبا بتقييدها.
وقد أنزلت الدساتير العربية الأسرة مكانة مميزة حين اعتبرتها أساس المجتمع، وشددت على واجب المحافظة عليها وصونها من التفكك والانحلال، وتوفير شروط استمرارها وانسجامها مع النظام العام ومنظومة القيم الحضارية والأخلاقية.
على أن عددا من الدساتير العربية تتضمن نصوصا تفتح الباب أمام انتهاكات حقوق الإنسان بصياغات تصادر الحقوق والحريات العامة أو تسمح بمصادرتها. من قبيل ذلك ما درجت عليه الدساتير العربية من الإحالة إلى التشريع العادي لتنظيم الحقوق والحريات ، ثم يأتي التشريع تحت ستار تنظيم الحق والحرية ليقيدهما بقيود تتنافى مع المواثيق الدولية أو يصادرها كلية.
والأمثلة على ذلك كثيرة في القوانين المنظمة لحرية الرأي والتعبير وحق تكوين الجمعيات والحريات الصحفية والحق في المشاركة السياسية وحق تشكيل الأحزاب السياسية والحق في المحاكمة العادلة وضمانات وحقوق المتهمين ومبدأ الشرعية الجنائية وغيرها.
وزاد من تفاقم هذه الظاهرة ذات الجذور التاريخية (أي ظاهرة الانتهاك التشريعي لحقوق الإنسان) تذرع كثير من الدول بضرورات محاربة الإرهاب لكي تصدر تشريعات تنتهك ضمانات حقوق الإنسان. ويأتي هذا التوجه التشريعي المناهض لحقوق الإنسان بدعوى مكافحة الإرهاب في ظل دعم دولي بعد أحداث 11 سبتمبر متمثلا في عدد من القرارات التي صدرت من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة تدعو الدول إلى اتخاذ كافة التدابير ومنها التدابير التشريعية بطبيعة الحال لمكافحة الإرهاب وملاحقة ومعاقبة مرتكبيه، ولم تكن الدول العربية تنقصها مثل هذه الدعوة(22).
وقد أصدرت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ولجنة القضاء على التمييز العنصري عديدا من القرارات ووجهت عديدا من البيانات طالبت فيها الدول أن تكون إجراءاتها وتشريعاتها لمكافحة الإرهاب متسقة مع ميثاق الأمم المتحدة ومع التزاماتها الدولية بضرورة احترام حقوق الإنسان.
موضع القانون الدولي لحقوق الإنسان في التشريع الوطني:
1- التدرج القانوني :
ينقسم تعامل الدساتير العربية مع الاتفاقات الدولية فيما يتعلق بالمرتبة التي تحتلها الاتفاقية في سلم التدرج القانوني إلى مناهج ثلاثة :
المنهج الأول
يجعل للاتفاقية الدولية مكانة تسمو على الدستور ذاته. من قبيل ذلك النظام الأساسي السعودي ودستور دولة الإمارات. فتنص المادة 81 من النظام الأساسي السعودي على أنه "لا يخل تطبيق هذا النظام بما ارتبطت به المملكة العربية السعودية مع الدول والهيئات والمنظمات الدولية من معاهدات واتفاقيات".
وهذا يعنى أنه إذا تعارض النص الدستوري أو النظامي مع معاهدة دولية ارتبطت بها السعودية فالأولوية في التطبيق لنص المعاهدة. وقد نصت المادة 147 من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة على حكم مشابه بقولها إنه: ... لا يخل تطبيق هذا الدستور بما ارتبطت به الإمارات أعضاء الاتحاد مع الدول والهيئات الدولية من معاهدات واتفاقيات مالم يجر تعديلها أو إلغائها بالاتفاق بين الأطراف المعنية".
المنهج الثاني
وهو الذي اتبعه الدستور التونسي والدستور الجزائري حيث يجعلان للمعاهدة التي ارتبطت بها الدولة قوة أدنى من الدستور وأعلى من التشريع العادي. وعلى هذا نصت المادة 32 من الدستور التونسي بقولها ".. لا تعد المعاهدات نافذة المفعول إلا بعد المصادقة عليها، والمعاهدات المصادق عليها بصفة قانونية أقوى نفاذا من القوانين" كما نصت المادة 132 من الدستور الجزائري على أن "المعاهدات التي يصادق عليها رئيس الجمهورية حسب الشروط المنصوص عليها في هذا الدستور تسمو على القانون". أي أنه إذا تعارض نص تشريعي عادى مع معاهدة دولية في تونس أو الجزائر جرى تطبيق المعاهدة وإهدار التشريع.
وهذا يكفل للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي ارتبطت بها تونس أولوية في التطبيق على التشريع الذي قد ينتهك هذه الحقوق. على أن تأمين احترام حقوق الإنسان رهن أيضا بسلطة قضائية مستقلة تستطيع أن تتحدى إرادة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية إن هما افتئتا على حقوق الإنسان، وهذا أمر مشكوك في وجوده في كثير من البلدان العربية.
المنهج الثالث
وهو الذي تتبعه أغلب الدساتير العربية حيث تضع المعاهدة الدولية في مرتبة مساوية للتشريع بعد التصديق عليها. ويعنى هذا أن المعاهدة تكون لها قوة التشريع وواجبة التطبيق بمجرد التصديق عليها. على أنه إذا صدر بعد التصديق على المعاهدة تشريع يخالف أحكامها فتطبق القاعدة التشريعية اللاحقة عملا بمبدأ أن التشريع اللاحق ينسخ التشريع السابق. ولا نعرف مثالا واحدا قضت فيه المحاكم العربية بتطبيق معاهدة أو اتفاقية لحقوق الإنسان تطبيقا مباشرا سواء لسموها على التشريع أو لأنها تعتبر من التشريع النافذ في الدولة سوى الحكم الصادر من محكمة أمن الدولة المصرية في 16/4/1987 الذي قضى ببراءة عمال السكك الحديدية من تهمة الإضراب التي يعاقب عليها قانون العقوبات المصري لأن فعل الإضراب مباح بمقتضى المادة 8 د من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تبيح الإضراب. وانتهت المحكمة إلى أن العهد الدولي قد تحول إلى تشريع مصري في 4 إبريل سنة 1982 وهو تاريخ نشره في الجريدة الرسمية بعد التصديق عليه في 8 ديسمبر 1982 وذلك عملا بالمادة 151 من الدستور، وأن نص المادة 8د من العهد الدولي قد نسخ نص المادة 124 من قانون العقوبات وهو نص سابق على تصديق مصر على العهد الدولي وصيرورته قانونا مصريا(23).
وخلاف ذلك لا نعرف سابقة قضائية عربية حول التطبيق المباشر للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان رغم أن كثيرا من الدساتير العربية تسمح بذلك.
وقد يرجع إحجام القضاء العربي عن التطبيق المباشر لاتفاقيات حقوق الإنسان رغم كونها واجبة التطبيق إلى غيبة الثقافة القانونية التي تعى أن الاتفاقية أو المعاهدة هي جزء من التشريع الداخلي أو تسمو على التشريع في بعض النظم. فالقضاة ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مجرد مطبقين للتشريعات التي تصدر من مشرعهم الوطني مباشرة. ويعزو بعض الباحثين إلى السلطة التنفيذية العربية تكريس هذه الثقافة بل والالتفاف على الاتفاقية الدولية التي ترتبط بها الدولة عن طريق الامتناع عن نشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية أو تأخير النشر أو نشر الأمر القاضي بالتصديق على الاتفاقية دون نشر نص الاتفاقية ذاته أو نشر نص مخالف للنص الرسمي للاتفاقية إلى غير ذلك من وسائل التحايل والالتفاف التي تحول دون نفاذ الاتفاقية(24).
وثمة نظم قانونية عربية أخرى تبدو فيها العلاقة بين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات الوطنية علاقة ملتبسة غير واضحة.
من قبيل ذلك النظام القانوني الليبي. حيث يخلو الكتاب الأخضر "والوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان في عصر الجماهيرية" والقانون رقم 5 لسنة 1991 بشأن تطبيق مبادئ حقوق الإنسان من أية إشارة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإلى المواثيق الدولية حتى تلك التي ترتبط بها ليبيا.
وهذا ما حدا بلجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لأن تعرب في تقرير ملاحظاتها الختامية حول تقرير الجماهيرية الليبية سنة 1998عن شعورها بالقلق"إزاء عدم الوضوح فيما يتعلق بالوضع القانوني للعهد (الدولي للحقوق المدنية والسياسية) ولا سيما بخصوص مركز العهد والوثيقة الخضراء العظمى لحقوق الإنسان والإعلان الدستوري"(25).
ورغم أن الدستور اليمنى تضمن نصا يقول : تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة " (م 6) إلا أن مثل هذا النص لا يحمل سوى قيمة أدبية ولا يجعل بذاته من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو غيره من المواثيق الدولية جزءا من التشريع الداخلي.
وبالمثل أورد تقرير لجنة حقوق الإنسان بالملاحظات الختامية على تقرير الكويت لعام 2000 أن اللجنة تلاحظ باهتمام عدم وضوح وضع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في التشريع الكويتي لوجود نصوص دستورية متناقضة. وليس من الواضح حتى بعد الإيضاحات الشفوية التي قدمها وفد الكويت ما إذا كان يحق للأفراد أن يحتجوا بنصوص العهد مباشرة
2- الطبيعة الدستورية لمبادئ حقوق الإنسان في التشريع الوطني :
على أن إدراج مبادئ حقوق الإنسان في صلب الدساتير العربية والنص عليها في باب الحقوق والحريات العامة يجعل لهذه الحقوق سموا دستوريا لا باعتبار مصدرها الدولي وإنما باعتبار أنها جزء مكون للدستور يتمتع بسمو مواد الدستور على التشريع العادي.
ولكن الذي يحول دون تحقيق الفعالية للمبادئ الدستورية لحقوق الإنسان في الدساتير العربية أن كل الدساتير العربية كما سبق أن أشرنا تحيل إلى المشرع العادي في تنظيم الحقوق والحريات التي أوردتها على وجه الإجمال. ولكن المشرع يتجاوز سلطته الدستورية في تنظيم الحق إلى الاعتداء عليه وتقييده ومصادرته.
ثمة ضمانتان تكفلان الحيلولة دون الاعتداء التشريعي على حقوق الإنسان تذرعا بتنظيم هذه الحقوق. الضمانة الأولى: وضع الحدود والفواصل المفاهيمية بين التنظيم المشروع دستوريا و التقييد غير الدستوري. والضمانة الثانية: هي إيجاد آلية فعالة للرقابة على دستورية القوانين يؤدى إعمالها إلى إبطال القوانين التي تعتدي على حقوق الإنسان المقررة في الدستور باعتبارها قوانين غير دستورية. كلتا هاتين الضمانتين يكفلهما وجود محكمة دستورية عليا تمارس عملها بكفاءة وحيدة واستقلال.
ولا تعرف النظم العربية إلا النموذج المصري للمحكمة الدستورية العليا باعتباره نموذجا قام بدوره الفعال في تأمين التطبيق المباشر للنصوص الدستورية المتعلقة بحقوق الإنسان عن طريق الحكم بعدم دستورية التشريعات المخالفة لها. وقد أصدرت هذه المحكمة أحكاما عدة تؤمن مبدأ المساواة أمام القانون، وحق التقاضي والحق في محاكمة عادلة منصفة، وشرعية التجريم والعقاب. ووضعت المحكمة الضوابط التي على المشرع أن يلتزم بها في معرض تنظيم حقوق الإنسان وحرياته حتى لا يؤدى تعسفه في استخدام سلطته إلى تقييد الحق والحرية.
كما أقرت المحكمة مبدءاً مؤداه أنه "لا يجوز لدولة القانون أن تنزل بالحماية التي توفرها لحقوق مواطنيها وحرياتهم عن الحدود الدنيا لمتطلباتها المقبولة بوجه عام في الدول الديموقراطية ولا أن تفرض على تمتعهم بها أو مباشرتهم لها قيودا تكون في جوهرها ومداها مجافية لتلك التي درج العمل في النظم الديموقراطية على تطبيقها"(27).
3- التحفظات العربية على مواثيق حقوق الإنسان :
تتعدد تحفظات الدول العربية على الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان التي ارتبطت بها الأمر الذي يجرد أحيانا التزام الدول العربية باحترام الحقوق الواردة بالاتفاقية من أي مضمون.
وكثير من تلك التحفظات تذهب إلى عدم تطبيق الاتفاقية بما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية. والأجدر بالدول العربية التي تخشى من أن يؤدى التزامها الدولي إلى المساس بمبادئ الشريعة الإسلامية أن تبادر قبل الارتباط بالاتفاقية الدولية إلى دراسة علاقة الالتزامات التي تفرضها الاتفاقية بمبادئ الشريعة على وجه محدد مع الالتزام بالتفسير المستنير لمبادئ الشريعة الذي يعي متطلبات العصر ويتواءم معها.
على أن عزوف المشرع العربي عن هذا المنهج الجاد واستسهاله التحفظ اعتباطا دون توضيح لما عساه أن يكون من موضع للتعارض بين مبادئ حقوق الإنسان والشريعة كان محلا لملاحظات لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على تقارير البلدان العربية ومنها مصر. وعلى سبيل المثال لاحظت لجنة حقوق الإنسان في ردها على تقرير مصر "الطابع الملتبس" لإعلان الدولة بالتحفظ استنادا إلى الشريعة الإسلامية عند التصديق على العهد. وطلبت من الدولة الطرف أن تحدد مدى إعلانها أو تسحبه(28).
وبصورة خاصة فقد نالت اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة النصيب الأوفر من التحفظات التي تستند إلى مبادئ الشريعة الإسلامية. بل إن بعض الدول العربية تحفظت على المادة الجوهرية التي تشكل جوهر الاتفاقية والتي تنص على مبدأ عدم التمييز وهي المادة الثانية الأمر الذي يفرغ التصديق على الاتفاقية من أي مغزى. وهذا ما دعا لجنة القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة بالأمم المتحدة إلى التعبير عن "قلقها إزاء العدد الكبير من التحفظات التي بدا أنها لا تتناسب مع موضوع وغايات الاتفاقية"(29).
(4)
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 12:36 AM رابعًا : حقوق الإنسان والديموقراطية
ترتبط مسألة الديموقراطية بحقوق الإنسان برباط لا ينفصل . فالنظام السياسى الديمقراطى هو شرط ضروري وأولى لاحترام وتأمين حقوق الإنسان. ولا يُتصور الحديث عن حقوق للإنسان في مجتمع استبدادي شمولي رغم كل ما يتردد عن أن بعض الأنظمة الشمولية قد توفر لمواطنيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. فحقوق الإنسان حقوق متكاملة مترابطة لا يمكن التضحية ببعضها لحساب البعض الآخر.
ودون الدخول في تفصيلات نظرية حول تعريف الديموقراطية فإن أحد تعريفات الديموقراطية من منظور حقوق الإنسان أنها حق أصيل للمواطن في إدارة شؤون مجتمعه وفي المشاركة السياسية في حكم هذا المجتمع.
هذا التعريف مستمد مما نصت عليه المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بقولها:
1- لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.
2- لكل شخص بالتساوي مع الآخرين حق تولى الوظائف العامة.
3- إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.
ونفس هذا المعنى نصت عليه المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
فالفقرة الأولى من المادة تقرر الحق في المشاركة السياسية. وهي هنا تتحدث عن نموذج الديموقراطية المباشرة بقولها (إما مباشرة) أو نموذج الديموقراطية النيابية التي ينيب فيها المواطنون نوابا عنهم في ممارسة المشاركة السياسية. أما الفقرة الثانية فتتحدث عن المساواة في التمتع بحق تولى الوظائف العامة.
والفقرة الثالثة من المادة لا تتحدث عن حقوق وحريات جديدة بل تضع آلية معتمدة دوليا لتطبيق حق المشاركة السياسية وهي استناد سلطة الحكم إلى إرادة الشعب التي تتجلى في انتخابات دورية حرة نزيهة فبدون ذلك لا يستقيم الحديث عن الديموقراطية أو عن الحق في المشاركة السياسية.
وقد كانت المسودة التي أعدتها سكرتارية الأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد أفردت مادة مستقلة تتحدث عن الحق في المشاركة في الحكم والحق في الحصول على الخدمات العامة على قدر متساو. وهذه هي المادة 30 من المسودة التي كانت تنص على أنه: "لكل شخص الحق في أن يشارك بفعالية في حكومة الدولة التي يتمتع بمواطنتها.
ويقع على الدولة واجب التوافق مع رغبات الشعب المعلنة بانتخابات ديموقراطية. وتكون الانتخابات دورية وحرة ونزيهة" كما نصت المادة 31 من المسودة على أنه: "لكل شخص الفرصة المتساوية في الحصول على ما تؤديه الدولة التي يتمتع بمواطنتها من وظائف.
والتعيين في المصالح العامة يكون من خلال مسابقات تنافسية" وهذه الصياغات وإن جرى إغفالها في مراحل إعداد الإعلان لاحقا إلا أنها تنبئ عن مفهوم واضعي الإعلان عن المشاركة السياسية والتطبيق الديموقراطي.
وقد تضمنت أغلب المواثيق الإقليمية النص على الحق في المشاركة السياسية بصياغات مختلفة و بقدر أو آخر من التفصيل. كما فرضت المواثيق الدولية قيودا على مباشرة هذا الحق أسماها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (م 23) بالقيود المعقولة. وتتمثل هذه القيود المعقولة في ربط ممارسة الحق في المشاركة السياسية بقيود الأهلية القانونية كبلوغ سن معين أو عدم وجود عاهة عقلية أو عدم صدور عقوبة جنائية في حق الشخص تجرده كليا أو جزئيا من أهليته السياسية لارتكابه جريمة خطيرة.
وتحتل مسألة العلاقة بين الديموقراطية وحقوق الإنسان اهتماما كبيرا على المستوى الدولي في الوقت الحاضر خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة. وفي هذا السياق يجئ القرار الصادر عن لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في دورتها الخامسة والخمسين برقم 1999/57 في 27 إبريل سنة 1999 والذي يحمل عنوان "تعزيز الحق في الديموقراطية".
يشير هذا القرار في ديباجته إلى أن "الديموقراطية والتنمية واحترام جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية هي أمور مترابطة ويعزز بعضها بعضا، وأن الديموقراطية تقوم على إرادة الشعوب التي تعرب عنها بحرية من أجل تحديد النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الخاصة بها وعلى مشاركتها الكاملة في كافة نواحي حياتها. "والمهم في هذا القرار أنه بينما تؤكد مادته الأولى على الترابط بين الديموقراطية وتعزيز حقوق الإنسان بصفة عامة فإن المادة الثانية تتحدث عن حقوق يجب احترامها حتى يستقيم القول بوجود حكم ديموقراطي رشيد.
هذه الحقوق هي:
الحق في حرية الرأي والتعبير والفكر والوجدان، والحق في تكوين الجمعيات السلمية والاشتراك في الاجتماعات، والحق في حرية التماس المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة، وحكم القانون بما في ذلك حماية القانون لحقوق المواطنين ومصالحهم وأمنهم الشخصي والإنصاف في إقامة العدل واستقلال القضاء، والحق في الاقتراع العام على قدم المساواة وفي حرية إجراء التصويت وإقامة انتخابات دورية وحرة، والحق في المشاركة السياسية بما في ذلك تكافؤ الفرص أمام المواطنين كافة لترشيح أنفسهم في الانتخابات، وإقامة مؤسسات حكومية شفافة وخاضعة للمساءلة، وحق المواطنين في اختيار نظامهم الحكومي بالوسائل الدستورية أو غيرها من الوسائل الديموقراطية، وحق الفرد في تكافؤ فرص الاستفادة من الخدمات العامة في بلده.
ولا يكتفي هذا القرار الصادر عن لجنة حقوق الإنسان ببيان الترابط العضوي بين الديموقراطية وعدد من الحقوق المدنية والسياسية يستحيل القول بوجود نظام ديموقراطي دون احترامها، بل أنه أيضا يعقد الصلة الوثيقة بين الديموقراطية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية "فإعمال حقوق الإنسان كافة – المدنية منها والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية بما في ذلك الحق في التنمية – هو أمر لا غنى عنه من أجل التمتع بالكرامة الإنسانية والتنمية التامة للإمكانات البشرية، كما يشكل جزءا متمما للمجتمع الديموقراطي".
وفي العام التالي (2000) تقدمت لجنة حقوق الإنسان خطوة أخرى بأن طالبت الدول بإجراءات محددة من أجل تفعيل الترابط العضوي بين الديموقراطية وحقوق الإنسان هذا الترابط الذي أشارت إليه في قرارها السابق. فاعتمدت اللجنة في دورتها السادسة والخمسين القرار 2000/47 بشأن تعزيز الديموقراطية وتوطيدها، وطلبت إلى الدول تعزيز وتوطيد الديموقراطية عن طريق تعزيز التعددية وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وإشراك الأفراد إلى أقصى حد في عملية اتخاذ القرارات وإقامة المؤسسات التي تدعم الممارسة الديموقراطية بما في ذلك جهاز قضائي مستقل وهيئة تشريعية وإدارة عامة تتسم بالفعالية وتخضع للمساءلة ونظام انتخابي يكفل إجراء انتخابات دورية حرة ونزيهة. كما تضمن القرار سلسلة من التوصيات موجهة إلى الدول تحثها على اتخاذ إجراءات لتعزيز واحترام وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيز سيادة القانون وإقامة وتعزيز وصون نظام انتخابي يكفل التعبير عن إرادة الشعب تعبيرا حرا ونزيها عن طريق إجراء انتخابات حقيقية ودورية ، وتعزيز الديموقراطية من خلال حسن إدارة الشئون العامة، وتحسين شفافية المؤسسات العامة إلى آخر ذلك.
إذن فقد تحول الربط بين الديموقراطية وحقوق الإنسان من مجرد الربط بين الأهداف والقيم في مرحلة مبكرة إلى بلورة ما يمكن أن يسمى بالحقوق الديموقراطية في مرحلة ثانية إلى مزيد من بلورة هذه الحقوق فيما يسمى بالإجراءات الديموقراطية في مرحلة ثالثة.
تبلور هذا الاتجاه المتمثل في الربط الإجرائي بين الديموقراطية وحقوق الإنسان في قرار لجنة حقوق الإنسان 2002/46 المعنون "زيادة التدابير الرامية إلى تعزيز الديموقراطية وتوطيدها". في هذا القرار لم تحاول اللجنة تقديم تعريف للديموقراطية، وهي المهمة العقيمة التي تتذرع بصعوبتها بعض النظم غير الديموقراطية للتهرب من استحقاقات الديموقراطية، وإنما أوردت اللجنة قائمة بالخصائص الأساسية اللازم وجودها في أي نظام ديموقراطي وهي: احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحرية تكوين الجمعيات وحرية الرأي والتعبير وإمكانية تولى السلطة وممارستها بمقتضى سيادة القانون، وإجراء انتخابات دورية حرة ونزيهة بالاقتراع العام وبالتصويت السري كوسيلة للتعبير عن إرادة الشعب ووجود نظام للتعددية الحزبية، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، والشفافية والمساءلة في الإدارة العامة، وحرية وسائل الإعلام واستقلالها وتعددها(30).
على أن ارتباط الديموقراطية بحق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية يبدو أمرا جوهريا لأن هذا الحق هو التعبير المباشر عن الإرادة الشعبية هذا التعبير الذي هو الجوهر الحقيقي للديموقراطية. "ولما كان الشعب يتمتع بسلطة إقامة النظام السياسي، فإن على هذا النظام أن يكفل أن تكون سيادة الشعب بهذا المفهوم قائمة دوما على التعبير الديموقراطي عن إرادته. وهذا يعنى إجراء انتخابات حرة و حقيقية يمارس فيها المواطنون حقهم في أن ينتخبوا الآخرين وينتخبهم الآخرون مع تمتعهم بحرية التعبير وحرية الصحافة وحرية تكوين الجمعيات(31) " باعتبارها حريات لصيقة لممارسة الشعب بفعالية لحقه في تقرير مصيره.
والإطار الذي يتم من خلاله تحقيق التكامل والتفاعل بين الديموقراطية وحقوق الإنسان وخاصة الحق في إجراء انتخابات حرة وفي تكوين الجمعيات وفي حرية التعبير عن الرأي وتشكيل الأحزاب السياسية هو مبدأ سيادة وحكم القانون. وفيما يتعلق بالتطبيق الديموقراطي فإن دولة القانون هي وحدها التي بوسعها أن تضع قيودا قانونية على سلطات الدولة وتفرض على هذه السلطات رقابة مؤسسية.
وتعنى سيادة القانون تطبيق مبدأ الشرعية بكل إخلاص ونزاهة في العلاقة بين الدولة والأفراد. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال الفصل بين السلطات لتحقيق التوازن والرقابة المتبادلة بين السلطات الثلاث. كما لا يمكن لدولة القانون أن تقوم إلا بالاعتراف بالحقوق والحريات العامة واستقلال القضاء وإقامة مؤسسات تكفل التمتع بحقوق الإنسان.
هذه المبادئ كلها سواء المتعلقة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية أو الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو بدولة القانون، نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. والجديد هنا أنها أصبح ينظر إليها كحقوق لازمة لوجود الديموقراطية كنظام سياسي، فلا ديموقراطية بدون حقوق للإنسان، ولا حقوق للإنسان بغير ديموقراطية فالمفهومان وجهان لعملة واحدة.
والجديد في فقه القانون الدولي أنه أصبح ينظر إلى الديموقراطية بما تنطوي عليه من حقوق موضوعية وجوانب مؤسسية باعتبارها حقا من حقوق الإنسان. فأصبح الحديث يجرى عن الحق في الديموقراطية أي الحق في اقتضاء الحقوق المصاحبة للديموقراطية والتي سبق الحديث عنها. ويعرف البعض الحق في الديموقراطية بأنه "القدرة الذاتية للأفراد والشعوب على مطالبة السلطة بنظام سياسي يقوم على أساس سيادة القانون والفصل بين السلطات ويستطيع المواطنون في ظله أن ينتخبوا دوريا زعماءهم وممثليهم في انتخابات حرة ونزيهة على أساس التفاعل بين عدد من الأحزاب السياسية والاحترام التام لممارسة حريات التعبير والصحافة وتكوين النقابات والجمعيات والتمتع الفعلي بحقوق الإنسان"(32)
رياح الديموقراطية تهب على العالم :
إذن فقد تحولت الديموقراطية من مجرد مفهوم سياسي يختلف البعض في تعريفه عن عمد أو غير عمد، إلى مفهوم حقوق منضبط انتهي إلى ما أصبح يعرف بالحق في الديموقراطية. وأصبح الالتزام بالحقوق الديموقراطية نصا ثابتا في أغلب المواثيق الإقليمية.
فتنص معاهدة إنشاء الاتحاد الأوروبي (ماستريخت) على قيام الاتحاد على مبادئ الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وسيادة القانون. أي أن الديموقراطية شرط للانضمام للاتحاد الأوروبي (م6) وتحدد المادة 11/1 أحد أهداف السياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي بأنه احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وفي هذا السياق قرر المجلس الأوروبي في اجتماعه المنعقد في كوبنهاجن في يونيو 1993 أنه يجب على البلدان التي تطلب الانضمام للاتحاد الأوروبي أن تستوفي شرط تحقيق استقرار المؤسسات الديموقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان واحترام وحماية الأقليات. كما أنشأ مجلس أوروبا نظاما جماعيا إلزاميا لضمان احترام مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان على أساس التعاون والرصد المشترك من خلال مجموعة من الإجراءات السياسية والقانونية(33).
ويعتبر تعزيز الديموقراطية وتأمين احترام حقوق الإنسان أحد الأهداف الأساسية لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي.
وعلى الرغم من وجود العديد من الصراعات ومشاكل الحدود ومشاكل الفقر ووباء الإيدز في القارة الأفريقية فثمة تطور ديموقراطي بالغ الأهمية تشهده القارة في الوقت الحاضر. وفي هذا السياق فإن ميثاق الاتحاد الأفريقي الموقع في لومي في 1 يوليو/تموز 2000 يشير إلى تعزيز الديموقراطية وحماية حقوق الإنسان والشعوب وترسيخ المؤسسات والثقافة الديموقراطية وإيجاد البيئة المواتية للحكم الصالح وسيادة القانون باعتبارها أهدافا أساسية للاتحاد الأفريقي.
وفضلا عن المؤسسات الديموقراطية التي أقامها الاتحاد مثل البرلمان الأفريقي ومحكمة العدل الأفريقية فقد أوردت المادة 30 من الميثاق حكما لا يسمح للحكومات التي تصل إلى السلطة بطرق غير دستورية بالمشاركة في أنشطة الاتحاد.
وفي إطار دول الكومنولث أصدرت هذه الدول إعلان هرارى لسنة 1991 يتضمن التزاما محددا بحقوق الإنسان والديموقراطية ودعم المؤسسات الديموقراطية وسيادة القانون واستقلال القضاء ووجود حكومات عادلة ونزيهة. واعتمدت حكومات الكومنولث عام 1995 برنامج عمل (ميلبروك) من أجل وضع المبادئ المعتمدة في هراري موضع التطبيق. وأنشئ فريق عمل مؤلف من وزراء الخارجية كآلية لتنظيم وتنسيق عمليات التصدي لمبادئ احترام الديموقراطية وحقوق الإنسان(34).
وبالمثل كررت دول الجماعة الناطقة بالفرنسية في إعلان باماكو (نوفمبر 2000) التزامها بمبادئ الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وتعزيز المؤسسات التي تضمن ذلك. كما اتفقت على مجموعة من الإجراءات لرصد وتطبيق الممارسات المتفقة مع الديموقراطية وحقوق الإنسان واتخاذ تدابير محددة في حالة المخالفات الجسيمة.
وهكذا يبدو جليا أن العالم يشهد اليوم تبلور نظام قانوني للديموقراطية وتعزيزها يتمثل في "مجموعة من المبادئ والمعايير والقواعد والإجراءات وآليات حل المنازعات والتدابير القسرية أحيانا"(35) من أجل نشر الديموقراطية وتعزيزها بين المجموعات الإقليمية.
الديموقراطية في التجربة العربية :
تثبت التجربة العربية أن أمر الديموقراطية وحقوق الإنسان ليس أمر نصوص وقواعد والتزامات فحسب بل هو في المقام الأول أمر اقتناع عام على المستويين الرسمي والشعبي بجدوى الديموقراطية وأهمية احترام حقوق الإنسان لبناء مجتمع قوى فاضل يتمتع فيه أفراده بالأمن والقدرة على إحداث تنمية متواصلة.
فالدساتير العربية كلها تتبنى الديموقراطية ومبادئ حقوق الإنسان بشكل أو آخر. وتوجد في البلدان العربية تشريعات وهياكل مؤسسية يدٌعي أنها تهدف إلى تحقيق الديموقراطية وتأمين حقوق الإنسان. كما توجد بها هياكل للسلطة القضائية التي تعمل على تطبيق قواعد قانونية صادرة سلفا في ظل نظام معلن للشرعية.
ومع ذلك فالمنطقة العربية على اختلاف ظلالها هي منطقة بؤس ديموقراطي وحقوقي شديد رغم كل المظاهر المعلنة والعبارات التي تدّعي غير ذلك. وبدا أن السلطة العربية نجحت في الالتفاف على المطالب الديموقراطية الداخلية والضغوط الديموقراطية الخارجية (رغم أن الأخيرة غير مبرأة من الهوى).
وأصبح السؤال الذي يلح على المثقفين الوطنيين العرب هو: هل نحن أمام حالة عربية مستعصية على الديموقراطية؟ وهل ثمة أنساق ثقافية تستعصي على تقبل قيم الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان؟ وهل تقع الثقافة العربية كما يردد البعض في هذه الأنساق؟ وهل من سبيل إلى تعديلها وتقويمها أو على الأقل إلى إشاعة حد أدنى من التوافق الاجتماعي بين الثقافة السائدة والقيم الديموقراطية ذات الطابع الإنساني الشامل؟ تعددت الإجابة على هذه الأسئلة سواء في التراث الفلسفي أو في دراسات علم النفس والسلوك الإنساني.
فثمة آراء متعددة في التراث الفلسفي والاجتماعي الغربى بدءاً من أرسطو وحتى هيجل وماركس وماكس فيبر تتحدث عن الاستبداد الشرقي وطبائعه وتذهب إلى الربط بين الشرق والاستبداد وتربط ذلك بعوامل جغرافية وطبيعية تارة وبعوامل اقتصادية تارة أخرى وبعوامل دينية تارة ثالثة، وبكل هذه العوامل مجتمعة في أحيان كثيرة. ودون الدخول في تفاصيل هذه الآراء التي دخلت هي نفسها إلى متحف تاريخ الفكر العنصري أو الفكر المادي المتصلب، فلا بد أن نبرز بوضوح فارقا منهجيا بين تفسير سيادة عادة الاستبداد الاجتماعي والسياسي في بعض المجتمعات وفي حقبة تاريخية محددة وبين اعتبار الاستبداد قدرا مكتوبا حتميا لن تستطيع بعض الشعوب لطبيعتها الملازمة الفكاك منه.
وليس في الثقافة العربية عناصر تجعلها عصية على تقبل الديموقراطية. بل على العكس تحتل قيم الحرية ومغالبة الظلم عند العرب الأقدمين وفي التراث الدينى مكانا بارزا مشهودا في الثقافة العربية. ووجود عوامل سياسية واجتماعية أدت إلى شيوع ثقافة تقبل الاستبداد وعدم التسامح والخضوع للحاكم في فترات تاريخية معينة أمر ليس قاصراً على العرب وحدهم فضلا عن أن تراث العرب وثقافتهم يشهد بتقديسهم قيـم الحريـة واحترام كرامـة الإنسان والحوار مع الآخر.
على أن مبررات الاستبداد المعاصر التي تروج لها المؤسسات العربية الحاكمة يمكن حصرها في تبريرات ثلاثة : الأولى ذات طابع ديني بزعم أن الديموقراطية الليبرالية تتنافي مع تراثنا الديني الذي يأمرنا بطاعة ولى الأمر في حدود ما أمر الله به ورسوله، وأن أقصى ما يعرفه الإسلام من حق للمشاركة السياسية هو مبدأ الشورى التي هي في نظر أصحاب هذا الرأي غير ملزمة للحاكم الذي يحكم بما أنزل الله.
والتبريرات الثانية ذات طابع أيديولوجي تكتسب رداء ثوريا تحرريا عن طريق إحياء وترديد مقولات المد القومى في الستينيات حول أن تحرر الأوطان مغلب على حرية الإنسان وأن حرية رغيف الخبز مقدمة على حرية الكلمة واللسان. ويرتبط بذلك أيضا التبريرات ذات الطابع الاقتصادي التنموي والذي يعطى الأولوية لتحقيق النمو الاقتصادي على تحقيق الإصلاح الديموقراطي بحسبان أن هذا الإصلاح من شأنه أن يؤدى إلى فقدان الاستقرار الذي هو شرط أساسي للنمو الاقتصادي المتراكم.
ورغم أن هذا الرأي الأخير يجد شواهد على صحته في بعض دول آسيا التي حققت معدلات عالية من التنمية الاقتصادية مع غيبة أية مؤسسات أو قيم ديموقراطية حقيقية مؤثرة في المجتمع فإن هذه الشواهد خادعة إذ ثبت أن التنمية الاستبدادية هي تنمية هشة سرعان ما تذروها الرياح وينخر فيها سوس الفساد.وهذا ما يشير إليه مارك. ف. بلانتر في مقاله المتميز عن "اللحظة الديموقراطية"(36) حين يؤكد أن الدول ذات التوجه السياسي الاقتصادي الليبرالي أقل تعرضا للانهيارات الاقتصادية من الدول الشمولية. هذا فضلا عن قابلية الدول الشمولية في غيبة رقابة ديموقراطية فعالة لاستشراء الفساد والعشوائية في القرارات الاقتصادية وهي آفات كفيلة بالإطاحة بكل تنمية اقتصادية.
ومن ناحية أخرى فإن البدائل السياسية الرئيسية المتداولة بين المثقفين العرب في حاجة إلى إعادة مراجعة لتكون الديموقراطية مكونا رئيسيا من مكوناتها بالتجاوز عن الصورة التقليدية التي بدت بها هذه البدائل في عصور ماضية. فلابد لكل من الخيار اليسارى بمختلف تجلياته والخيار الإسلامي بمختلف فروعه وتوجهاته والخيار القومى بمختلف أطروحاته أن يتبنى الديموقراطية عن إيمان حقيقى وأن يقبل بتداول السلطة استنادا إلى إرادة الجماهير وبالحق بالمشاركة السياسية وبإعلاء احترام حقوق الإنسان بمختلف فئاتها وأجيالها.
فالديموقراطية هي الطريق الوحيد لخروج الشعوب العربية من أزماتها الخانقة ولمواكبة تطورات العصر.
الهوامش
(1) انظر في هذا المعنى، جاك دونللى، حقوق الإنسان العالمية بين النظرية والتطبيق، ترجمة مبارك على عثمان، مراجعة الدكتور محمد نور فرحات، المكتبة الأكاديمية، القاهرة 1998، ص 24 وما بعدها.
(2) د.الشافعي بشير، قانون حقوق الإنسان ومصادره/منشور في كتاب حقوق الإنسان، المجلد الثاني، إعداد د.محمود شريف بسيوني وآخرين، دار العلم للملايين، 1989، ص 18
(3) المرجع السابق، ص، 28
(4) راجع الدكتور وائل أحمد علام، الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، القاهرة، دار النهضة العربية، 1999 ص.83.
(5) راجع ، محمد نور فرحات، مبادئ حقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية، في كتاب : حقوق الإنسان – الثقافة العربية والنظام العالمي، اتحاد المحامين العرب ، القاهرة 1993 ، ص 43 وما بعدها.
(6) المرجع السابق ص 48
(7) راجع، محمد نور فرحات، تاريخ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان – جوانب الوحدة والتميز، منشور في "دراسات في القانون الدولي الإنساني"، دار المستقبل العربي، الطبعة الأولى 2000، ص 84 .
(8) تلبية لدعوة مؤسسي اللجنة وفي مقدمتهم هنري دونان عقد في جنيف في 26 أكتوبر سنة 1863 المؤتمر الدولي الأول للصليب الأحمر بحضور ممثلي 16 دولة وأربع جمعيات إنسانية وكان هذا المؤتمر إيذانا بميلاد مؤسسة الصليب الأحمر .
(9) راجع: www. Icrc.org /web/ara/siteara0.nstf/html/5NWS5A
(10) انظر، د.عامر الزمالي، آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني، منشور في، القانون الدولي الإنساني – دليل التطبيق عل الصعيد الوطني، القاهرة 2003، ص 262
(11) تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان لعام 2004، صفحة 32-33
(12) انظر بالتفصيل، د.كاظم المقدادي، إدارة بوش وضحايا الحروب ومحكمة الجنايات الدولية، منشور في
http://www.iraqcp.org/report5/002715almkdad.htm (13) وشهد يوم افتتاح المحكمة ارتكاب سلاح الجو الأمريكي مجزرة جديدة في أفغانستان، عندما قصف بقنابل ضخمة فتاكة حفل زفاف في إقليم أوروزغان، شمال مدينة قندهار، كان يحضره نحو 400 مواطن، فقتل منهم 48 وجرح 118، من بينهم أطفال ونساء، بحجة أن الطائرات العسكرية الأمريكية تعرضت لنيران مدفعية، بينما كان أهل العريس والعروس يطلقون النار من مسدساتهم وبنادقهم في الهواء تعبيراً عن فرحهم. واعتـرف البنتاغـون "بقصف مدنيين عـن طريق الخطـأ"، لكنـه لم يقـر بمسئوليته عن المجزرة، واكتفي الرئيس الأمريكي بتقديم التعازي لذوي الضحايا.
وقيل إن الحكومة الأمريكية قدمت تعويضات للضحايا، قدرها- لاحظ !- 200 دولار عن كل قتيل و75 دولار عن كل جريح !!، لكن روجر كين- المتحدث باسم القوات الأميركية- نفي، في 12 / 7 ، تقديم الحكومة الأمريكية لأية تعويضات مالية للضحايا. كما شهد العالم بعد جريمة إعدام الأسرى الأفغان، وقد عرض في الرايخستاغ الألماني وفي البرلمان الأوربي في ستراسبورغ فيلم وثاقي بعنوان "مجزرة في المزار" تحدثت عن قتل أسرى الطالبان أثناء نقلهم، وعلى اثر ذلك جرت المطالبة بتشكيل لجنة دولية للتحقيق بتلك المجزرة.ولليوم يتستر البنتاغون على تلك الجريمة البشعة.
(14) Paul Sieghart, op.cit. p.438
(15) راجع، Francis Wolf , Human Rights and the International Labour Organisation , in " Human Rights In International Law , edited by Theodor Meron , Clarendon press, Oxford, 1985,p.273
(16) الصادق شعبان، الاتفاقيات الدولية وغيرها من النصوص المتعلقة بمجالات مهمة من حقوق الإنسان، منشور في كتاب حقوق الإنسان، إعداد شريف بسيوني وآخرين، سابق الإشارة، ص 136- 137رجع السابق، ص 156
(17) منشور في http://www.ilo.org/public/arabic/region/arpro/beirut/infoservices/newsroom /press20 01/jan_24.htm
(18) انظر، د. برهان أمر الله، حق اللجوء السياسي، دراسة في نظرية حق الملجأ في القانون الدولي، دار النهضة العربية، 1983، ص 17
(19) المرجع السابق، ص 156
(20) ولم يقدر لحق الملجأ أن يجد مكانا له في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية نظرا لتمسك الدول عند إعداد العهدين الدوليين بفكرة السيادة. فقد اقترح المندوب اليوغوسلافي أمام اللجنة الثالثة للجمعية العامة في دورتها الخامسة سنة 1950 إضافة نص يقضى بحق الأفراد في الملجأ. وبناء عليه أوصت الجمعية العامة بالقرار رقم 421/ب المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتكليف بتكليف لجنة حقوق الإنسان التابعة له بأن تأخذ في الاعتبار عند إعداد المشروع الاقتراح المقدم من يوغوسلافيا. وعندما أحيل الموضوع إلى اللجنة انتهت إلى رفض الاقتراح لاعتراض غالبية الدول على أساس أن منح حق الملجأ من المسائل الخاضعة لمطلق سيادة الدولة. راجع، برهان أمر الله، المرجع السابق، ص 180
(21) انظر حماية اللاجئين، دليل ميداني للمنظمات غير الحكومية، صادر عن مفوضية شؤون اللاجئين، ص ص 20-22
(22) قرار مجلس الأمن رقم 1373 لسنة 2001 وقرار الجمعية العامة رقم 56/160 في 19 ديسمبر 2001
(23) راجع، الشافعي بشير، سابق الإشارة، ص 37
(24) راجع الصادق شعبان، الاتفاقيات الدولية وغيرها من النصوص المتعلقة بمجالات هامة من حقوق الإنسان، منشور في كتاب "حقوق الإنسان –المجلد الثاني حول الوثائق العالمية والإقليمية" سابق الإشارة، ص 125
(25) ويضيف التقرير قائلا "ولم تتمكن اللجنة لا من بحثها لتقرير الدولة الطرف ولا في أثناء الحوار مع الوفد من التوصل إلى فهم واضح لكيفية حل التنازع بين العهد والقانون المحلى أو لدور المحكمة العليا في هذا الصدد" راجع نص التقرير في الوثيقة CCCR/C/79/ADD.101
(26) وثيقة CCPR/CO/69/KWT,A/55/40-497
(27) الحكم الصادر في القضية رقم 22 لسنة 8 قضائية دستورية، جلسة 4 يناير 1992
(28) وثيقة CCPR/CO/76/EGY
(29) فريدة بناني، مدى قانونية وشرعية تحفظات الدول العربية والإسلامية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ورقة مقدمة إلى الندوة العربية حول اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بيروت يناير 2004، المنظمة العربية لحقوق الإنسان.
(30) انظر، رودريتش كوادروس، ورقة مقدمة عن تعزيز الديموقراطية وتوطيدها، مقدمة إلى لجنة حقوق الإنسان – اللجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، الدورة الرابعة والخمسون.
(31) نفس المصدر ص 6.
(32) المصدر السابق، ص،21
(33) نفس المصدر، ص 19
(34) نفس المصدر، ص 18
(35) نفس المصدر ص 20
(36) مجلة الديموقراطية، القاهرة، الكتاب الأول، ديسمبر 1991، ص 29 وما بعدها.
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 12:40 AM الحق فى تقرير المصير
لكافة الشعوب دون استثناء الحق في تقرير المصير.
ومن المسلم به في الفقه الحديث أن لهذا الحق وجهين أولهما ما يمكن تسميته بالمظهر الخارجى لتقرير المصير وهو ينصرف أساساً إلى حق الشعوب في الاستقلال، أما المظهر الداخلى فهو حق الشعوب في أن تقرر بحرية وتختار نظامها السياسي والاقتصادي وهو ما يعنى وجوب امتناع الدول عن التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى لما في ذلك من مساس بحقها في تقرير مصيرها ، هذا ويعد حق تقرير المصير شرطاً لازماً لضمان تمتع الأفراد بحقوقهم المدنية والسياسية وكذلك بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولذلك نجد أن المادة الأولى التي تتناول هذا الحق في العهدين الدوليين تتطابق تطابقاً تاماً.
تنص المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير، وأن لها استنادا لهذا الحق أن تقرر بحرية كيانها السياسي وأن تواصل نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، كما تكفل نفس المادة حقوق الشعوب في ثرواتها ومواردها الطبيعية وذلك دون الإخلال بالالتزامات الناشئة عن التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبادئ المنفعة المشتركة، كما أنه لا يجوز بحال من الأحوال حرمان أي شعب من موارده المعيشية.
كما تلزم المادة المذكورة الدول الأطراف في العهد الدولي بمـا فيها الدول المسئولة عن إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي أو تلك التي مازالت تحت نظام الوصاية، أي كافة الشعوب التي لم تمارس بعد حقها في تقرير المصير أو تلك التي حرمت من ذلك، بالعمل على تحقيق حق تقرير المصير لتلك الأقاليم وأن تحترم هذا الحق تمشياً مع ميثاق الأمم المتحدة.
ينصرف مفهوم المادة الأولى من العهد الدولي إلى أن الترابط بين حق تقرير المصير، والتزام الدول بالعمل على تحقيقه، يتصل اتصالاً مباشراً بحماية وتعزيز الحقوق الأخرى المنصوص عليها في العهد الدولي. ولذلك فإن الأطر الدستورية والترتيبات والنظم السياسية في الدولة يجب أن تصاغ بطريقة تضمن للأفراد فيها إمكانيات ممارسة الحقوق الأخرى المنصوص عليها في العهد.
كذلك فإن حق الشعوب في استغلال مواردها الطبيعية يفرض على الدول كافة احترام هذا الحق، وقد نصت المادة السابعة والأربعون من العهد الدولي على أنه ليس في أي من أحكامه ما يجوز تأويله على نحو يفيد إخلاله بما لجميع الشعوب من حق أصيل في التمتع والانتفاع الكاملين بكل حرية بثرواتها ومواردها الطبيعية.
الواقع أن حرص العهدين الدوليين على النص على حق تقرير المصير فى مكان الصدارة ، أى فى المادة الأولى فى العهديين ، يستند إلى أن التجارب التاريخية أثبتت أن احترام حق تقرير المصير وتحقيقه للشعوب يساهم فى إرساء العلاقات الودية والتعاون بين الدول وفى تدعيم السلام والوفاق العالمى.
التزامات الدول المنبثقة عن العهد
تحدد المادة الثانية من العهد الدولي الإطار العام للالتزام القانوني للدول الأعضاء. وهي بذلك لا تختص بحق من الحقوق بعينه بل تلزم الدول بجميع سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية وغيرها بحماية الحقوق والحريات التي ينص عليها العهد الدولي، وبأن تضمن ذلك لكل الأفراد المقيمين في إقليم الدولة أو الخاضعين لولايتها وذلك دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الرأي السياسي أو غيره، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو النسب.
ومفهوم المادة المذكورة يعنى عدم جواز احتجاج الدولة بأن تشريعاتها الداخلية لا تسمح بهذا التطبيق، فلا يحوز لها الاحتجاج بأن دستورها وقوانينها يعفيها من التزاماتها الدولية التي ارتضتها بالانضمام طواعية إلى العهد الدولي.
وينصرف ذلك إلى التزام الدولة بتعديل تشريعاتها الداخلية إذا لزم الأمر لتكون أكثر اتساقاً مع كفالة كافة الحقوق وحماية الحريات المنصوص عليها في العهد الدولي، وكذلك اتخاذ التدابير اللازمة لإمكان الممارسة العمليـة الكفيلة بذلك . على أنه يحق لكل دولة أن توفر الحماية المطلوبة قانونا وعملا للحقوق والحريات بالإسلوب الذى يتفق مع إجراءتها الدستورية.
ومن المعايير التي تؤخذ في الاعتبار لإلقاء الضوء على مدى التزام الدولة باحترام المادة الثانية من العهد الدولي، هو إلى أي مدى تجيز الدولة للإفراد الاستناد المباشر إلى نصوص العهد الدولي أمام القضاء الداخلي. فالالتزام القانوني الذي تتضمنه المادة المذكورة له عملاً وجه إيجابي وآخر سلبي. فالأول يعنى أنه على الدولة أن تتخذ التدابير الإيجابية اللازمة لحماية وتعزيز الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي والعمل على إزالة كافة العقبات التي تعوق ممارستها بما في ذلك التدابير التشريعية والقضائية والإدارية والبرامج التعليمية.
أما الالتزام السلبي فيتطلب من الدولة الامتناع عن انتهاك تلك الحقوق وعدم فرض أي قيود عليها تتجاوز ما تسمح به نصوص العهد الدولي، كما لا يجوز أن تفرغ القيود التنظيمية الحق من مضمونه.
غنى عن البيان أن الحماية الفعالة للحقوق والحريات التي تضمنها العهد الدولي تقتضي نشرالوعى العام بها وتعميمه ليس على أجهزة الدولة وأشخاصها وحسب بل بين الجماعة ككل ، وهى مهمة موكولة فى المقام الأول إلى الدولة العضو .
كذلك ينصرف مفهوم المادة الثانية من العهد إلى ضرورة وجود السلطات والأجهزة المستقلة والمحايدة والمؤهلة لتلقى الشكاوى التى يتقدم بها الأفراد فى حالة انتهاك حق من حقوقهم والتحقيق والفصل فيها ، لردع المعتدى وعقابه وتعويض صاحب الشكوى إذا اقتضى الأمر.
فحماية حقوق الأفراد وحرياتهم من جانب الدولة لا تقتصر على تصرفات السلطات الرسيمة فقط بل تشمل أيضا التزام الدلوة لحماية هذه الحقوق من تعديات أفراد المجتمع أو تجمعاتهم على حقوق الغير.
حقـوق المـرأة والأسـرة
تختص المادة الثالثة من العهد الدولي بالمساواة بين المرأة والرجل في التمتع بكافة الحقوق المدنية والسياسية التي ينص عليها العهد الدولي. والتزام الدولة بتحقيق ذلك يعنى أن عليها اتخاذ كافة الخطوات اللازمة لإزالة العقبات التي تعترض تطبيق هذه المساواة بما في ذلك إصدار التشريعات أو تعديلها، وبنشر الوعي بين الجماعة وسلطات الدولة، وكذلك اتخاذ تدابير إيجابية خاصة لتحقيق تلك المساواة.
فالدول الأعضاء في العهد الدولي مطالبة بالعمل على القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في النطاق العام والخاص بما في ذلك أيضاً المساواة في الحق في التعليم بين الذكور والإناث خاصة وأن حرمان النساء من الممارسة الكاملة لهذا الحق أو التجاوز عنه يؤدى إلى استمرار تخلف المرأة عن الرجل وعجزها عن ممارسة الحقوق الأخرى المنصوص عليها في العهد على قدم المساواة مع الرجل.
وإلى جانب الالتزام بكفالة المساواة بين الجنسين أمام القانون وحق المرأة في التمتع بالشخصية القانونية أسوة بالرجل، وفي حرية التنقل للأنثى الرشيدة وضرورة تكافؤ الفرص في تولى المناصب العامة والمساواة في الأجر لنفس العمل – على الدولة كذلك حماية المرأة من العنف في العلاقات الزوجية والعائلية، وحماية حق المرأة الحامل نتيجة لاعتداء جنسي في الإجهاض، وفي رفض الإجهاض ضد رغبتها أو التعقيم ضد الحمل، وكذلك حقها في توافر وسائل منع الحمل للراغبات في ذلك – تجنباً للإجهاض السري غير المأمون الذي يعرض صحة المرأة وأحياناً حياتها للمخاطر.
كذلك ينصرف مفهوم المادة الثالثة من العهد الدولي إلى تحريم ختان الإناث الذي أصبح يعرف بالتشويه الجنسي وهو ظاهرة مازالت شائعة في كثير من الدول الأفريقية وبعض الدول الإسلامية والعربية.
فالعهد الدولي يتطلب من الدول التي مازالت تشيع فيها هذه العادات، إصدار التشريعات اللازمة لتجريمها وكذلك نشر الوعي العام بمخاطرها وآثارها النفسية، وهي تعد خرقاً صارخاً لنصوص العهد الدولي بما في ذلك المادة السابعة منه التي تحرم التعذيب، والذي قد يصل في أحيان غير قليلة إلى الحرمان من الحق في الحياة الذي تحميه المادة السادسة من العهد.
كذلك يمتد التزام الدولة نحو حماية المرأة إلى شمول مدلول المادة الثامنة من العهد الدولي من ضرورة قيام الدولة باتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الاتجار في دعارة النساء والأطفال وحمايتهم من كافة صور الاستغلال الجنسي.
كذلك يعالج موضوع حقوق المرأة في نطاق الأسرة وذلك في المادة الثالثة والعشرين من العهد الدولي التي تنص على أن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، وأن لها الحق بالتمتع بحماية المجتمع وبحماية الدول، وعلى أن للرجال والنساء ممن في سن الزواج الحق في إتمام ذلك وفي تكوين أسرة.
وفي نفس السياق تنص المادة المذكورة على وجوب توافر الرضا الكامل والحر في عقود الزواج من جانب كلا الطرفين على قدم المساواة. هذا وانخفاض سن الزواج خاصة بالنسبة للإناث في أحيان كثيرة يثير الشكوك حول مدى توافر ركن الرضا من جانب الصغيرات.
كذلك تتطلب المادة المذكورة من العهد الدولي قيام الدول باتخاذ الخطوات المناسبة لتأمين المساواة بين الأزواج في الحقوق والمسئوليات، عند الزواج وأثناء قيامه، وانقضاؤه بما في ذلك تأكيد الحماية اللازمة للأطفال في تلك الحالة. هذا ويقضى مضمون نفس المادة بأن للمرأة أسوة بالرجل الحق في اكتساب أولادها لجنسية الدولة التي تنتمي إليها الأم في حالات الزواج المختلطة.
هذا وقد تسوغ الإشارة في صدد موضوع حقوق المرأة إلى أنه بغض النظر عن التحفظات التي أوردتها الدول العربية وبعض الدول الإسلامية الأخرى على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لاحتمال تعارضها مع الشريعة الإسلامية، فمن الملاحظ أن الحقوق التي تكفلها الشريعة الإسلامية للمرأة، وكذلك تحميها نصوص العهد الدولي مازالت مهدرة في عدد غير قليل من تلك الدول.
حقوق الطفل
تنص المادة الرابعة والعشرون من العهد الدولي على أن مركز الطفل كقاصر يكفل له الحق في الحماية الواجبة من أسرته ومن المجتمع ومن الدولة دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الأصل الاجتماعي أو الملكية أو النسب. كما تجب المبادرة بتسجيل كل طفل وتسميته باسم يعرف به فور ولادته فضلاً عن اكتساب إحدى الجنسيات.
فعلى الدولة أن تتخذ كافة التدابير وإصدار التشريعات اللازمة لحماية حقوق الطفل بما فيها الحماية من العنف والمعاملة القاسية ومن أعمال السخرة والاستغلال الجنسي، وتحريم اشتراكهم في النزاعات المسلحة (وهي ظاهرة انتشرت على نطاق واسع في عدد من الدول الأفريقية) كذلك تتطلب هذه المادة من العهد الدولي اتخاذ تدابير فعالة من جانب الدول لحماية الأطفال الذين تتخلى عنهم أسرهم، وتوفير سبل رعايتهم في ظل ظروف أقرب ما يمكن إلى الجو العائلي اللازم لنموهم الطبيعي.
وإزاء تفشى ظاهرة أطفال الشوارع خاصة في عدد كبير من دول أمريكا اللاتينية كما لا تخلو منها بعض الدول العربية فإن نطاق المادة الرابعة والعشرين من العهد الدولي أصبح ممتداً إلى مطالبة الدول المعنية بحماية هؤلاء الضحايا من المعاملة القاسية التي يلقونها من جانب الشرطة، كذلك تدبير الملاجئ اللازمة لإيوائهم وتأهيلهم.
كذلك ينصرف مدلول هذه المادة من العهد الدولي إلى التزام الدولة بوضع المعايير القانونية لتنظيم عمالة الأحداث بما يضمن حقوقهم ويحرم تشغيلهم في الأعمال الخطرة وكذلك منع تشغيل صغار السن من الأطفال.
ولا بد أن تحدد الدولة في قوانينها السن المعقول الذي يصبح فيه الحدث مسئولاً جنائياً. وفي حالة ارتكابه لأفعال يعاقب عليها القانون يجب عند حرمانه من حريته فصله في أماكن الاحتجاز عن البالغين وسرعة تقديمه للمحاكمة للبت في أمره، كما يجب أن يتضمن النظام الإصلاحي معاملة الأحداث معاملة تستهدف أساساً إعادة تأهيلهم اجتماعياً ولا يجوز توقيع عقوبة الإعدام على القصر باعتبار أن ذلك يعد اعتداء على الحق في الحياة الذي تحرمه المادة السادسة من العهد الدولي.
تقييد الحقوق أثناء حالة الطوارئ
تجيز المادة الرابعة من العهد الدولي تعطيل بعض الحقوق المنصوص عليها فيه وذلك بصفة مؤقتة خلال فترة سريان حالة الطوارئ. على أن هناك حقوقاً لا يجوز المساس بها بأي حال من الأحوال وهي :-
- الحق في الحياة (المادة 6 من العهد).
- الالتزام بعدم تعريض الأفراد للتعذيب أو المعاملة القاسية أو المهينة (المادتان 6 ، 7).
- تحريم كافة أشكال الاسترقاق والعبودية (المادة 8).
-عدم جواز حبس أي شخص بسبب العجز عن الوفاء بالالتزامات التعاقدية (المادة 11).
-مبدأ عدم رجعية القوانين (المادة 15).
-الاعتراف للفرد بالشخصية القانونية (المادة 16).
-حرية الفكر والضمير والاعتقاد (المادة 18) واقع الأمر أن تلك الحقوق تتطلب تأكيد حمايتها في حالة الطوارئ لأنها أكثرها عرضة للانتهاك في تلك الظروف الاستثنائية. ومفهوم هذا التحديد ينصرف إلى عدم جواز تعليق النصوص التشريعية التي تحمى هذه الحقوق.
هذا وجواز تعطيل بعض الحقوق في حالة الطوارئ يجب يكون استثنائياً ومؤقتاً. كذلك يشترط لجواز إعلان حالة الطوارئ وقوع ظروف تهدد حياة الأمة، كما يجب أن يتم الإعلان بطريق رسمي وذلك ضماناً لاحترام مبدأ الشرعية وسيادة القانون وفق النصوص الدستورية والقانونية التي لا تتجاوز ما ينص عليه العهد الدولي. كما يجب تحديد نطاق السلطات الاستثنائية المعمول بها في هذه الحالة.
كذلك لا بد أن يقتصر جواز تعطيل بعض الحقوق المنصوص عليها فـي العهد علـى القدر اللازم فقط الذي تقتضيه حالة الطوارئ، وهو ما ينصرف إلى تحديد مده سريان حالة الطوارئ ونطاقها الجغرافي والمادي بما يراعى مبدأ التناسب مع الظروف التي استلزمت هذا الإجراء الاستثنائي.
كما أن إعلان حالة الطوارئ لا يعفي الدولة من الالتزام بنصوص القانون الدولي الإنساني في حالة وقوع نزاع مسلح دولي أو غير دولي، أو من وجوب احترام القواعد الآمرة في القانون الدولي.
كذلك تتطلب المادة الرابعة من العهد من كل دولة طرف فيه أن تبادر فور إعلان حالة الطوارئ في إقليمها بإبلاغ الدول الأخرى الأطراف (وذلك عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة) بنصوص العهد التي أحلت الدولة نفسها منها، وبمدة سريان حالة الطوارئ، وبالأسباب التي دفعتها لإعلانها وعليها كذلك وبالطريقة ذاتها أن تبلغ نفس الدول بتاريخ إنهاء حالة الطوارئ. كذلك ينصرف مفهوم المادة إلى أنه في حالة مد فترة الطوارئ يتعين على الدولة معاودة الإبلاغ بنفس التفصيل.
هذا ومن الملاحظ أنه إزاء تعاظم الآثار السلبية في كثير من الدول على حقوق الإنسان في ظل الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب، فإن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، عند مناقشتها للتقارير الدورية للدول الأعضاء في العهد- تحرص على تأكيد التذكير بأن الإجراءات التشريعية والأمنية التي ترى الدول، اتخاذها للمشاركة في هذه الحملة يجب ألا تتناقض أو تنتقص من الالتزامات الدولية التي ارتضتها الدولة لحماية حقوق الإنسان بانضمامها طواعية إلى العهد.
الحــق في الحيــاة
تنص المادة السادسة من العهد الدولي على أن لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي، أي لا يجوز حرمان الشخص من حياته بطريقة غير قانونية أو غير عادلة.
وبدون حماية هذا الحق فإن كافه الحقوق الأخرى المنصوص عليها في العهد الدولي تبدو خالية من المعنى ومعدومة الوجود. فالدولة ملتزمة بالحماية القانونية لهذا الحق، وبالتالي ففي البلاد التي لم تلغ منها بعد عقوبة الإعدام يتعين أن تنص قوانينها العقابية على تحديد دقيق وفي أضيق الحدود للجرائم البالغة الخطورة التي يجوز في حالات استثنائية حرمان مرتكبيها من الحق في الحياة طبقاً للقانون المعمول به وقت ارتكاب الجريمة، وليس خلافاً لنصوص هذا العهد أو لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
ومن مخاطر التوسع في مفهوم "الجرائم البالغة الخطورة" تعريف الإرهاب تعريفاً يشمل عدداً كبيراً من الأعمال المختلفة في جسامتها مما يعنى زيادة عدد الجرائم التي تحمل عقوبة الإعدام زيادة كبيرة وهو ما يتعارض مع مفهوم هذه المادة من العهد الدولي خاصة إذا لم تحدد تلك الأفعال تحديداً قانونياً لا يحتمل اللبس. كذلك لا يجوز تنفيذ هذه العقوبة إلا بعد صدور حكم نهائى باتّ من محكمة مختصة.
وتحرم المادة السادسة من العهد إيقاع عقوبة اإعدام على من تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة كما لا يجوز تنفيذ العقوبة على امرأة حامل.
هذا وتقتضى حماية هذا الحق التزام الدولة وفقاً للقانون لضمان حق الغير في محاكمة عادلة بما في ذلك حقه في الدفاع أمام قاضيه الطبيعى، وإعمال مبدأ المتهم برئ حتى تثبت إدانته، كذلك حق المتهم في الطعن على الحكم بإدانته وبالعقوبة المحكوم بها أمام درجة قضاء أعلى، إلى جانب حق المحكوم عليه بالإعدام حكماً باتا في التماس العفو أو تخفيض العقوبة الذي تجوز الاستجابة له في جميع الحالات.
إن قدسية الحق في الحياة تعنى كذلك أنه حق لا يجوز إهداره حتى في حالات إعلان الطوارئ وفق ما تضمنته المادة الرابعة من العهد الدولي. كذلك فإن حماية هذا الحق تتطلب من الدولة العمل على تجنب الحروب والنزاعات المسلحة وكافة أشكال العنف الجماعى التي مازالت ويلاته تودى بحياة ملايين الأبرياء على نحو ما حدث في رواندا ويوجوسـلافيا السابقة في كوسوفو وسارييفو والبوسنة وصابرا وشاتيلا وفي الشيشان.
كذلك يندرج تحت حماية هذا الحق التزام الدولة بتقصى حالات الاختفاء القسرى وهي ظاهرة تتفشى في عدد غير قليل من دول أمريكا اللاتينية من أطراف العهد الدولي كما أن بعض الأقطار العربية مازالت تعانى منها.
هذا ومما يهدد الحق في الحياة تسرع التجاء الشرطة وقوات الأمن في استعمال الأسلحة النارية ضد المسيرات السلمية وعدم احترام تلك القوات للمعايير الدولية الخاصة باستعمال تلك القوات للأسلحة النارية.
فالدولة وفق المادة السادسة للعهد الدولي ليست مطالبة فحسب باتخاذ الإجراءات اللازمة لقمع الأعمال الإجرامية المؤدية إلى الحرمان من الحق في الحياة ولكن عليها أيضاً فرض التزام قوات الأمن التابعة لها بعدم قتل الأفراد تعسفياً
حظر التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة
تنص المادة السابعة من العهد على أنه لا يجوز إخضاع أى فرد للتعذيب أو عقوبة أو معاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة كما تنص المادة العاشرة على وجوب معاملة جميع الأشخاص المحرومين من حرياتهم معاملة إنسانية مع احترام الكرامة المتأصلة في الإنسان.
هذا وبالرغم من أن غالبية التشريعات تنص صراحة على حظر التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، فان الواقع العملى يدل على أن مجرد وجود نصوص قانونية لا يحمى الفرد حماية فعالة من أبشع صور إهدار كرامة الفرد وحقه في المعاملة الإنسانية. ولذلك فإن الأمر يقتضى وجود أجهزة رقابية مستقلة ومؤهلة لتلقى شكاوى الأفراد والتحقيق الجدى فيها وضرورة إنزال العقاب بكل من ثبت ارتكابه لمثل هذه الأعمال إلى جانب تأمين حق الأفراد المحرومين من حرياتهم فـي الاتصال بمحاميهم وذويهم وفي الرعاية الطبية وذلك دون إضرار بإجراءات التحقيق. كذلك لا بد من توافر السجلات اللازمة لإثبات اسم المعتقل ومكان اعتقاله يتاح للأشخاص المعنيين حق الاطلاع عليها.
ومن المسلمات عدم جواز أخذ المحاكم بأى اعترافات قد يدلى بها المتهم نتيجة لمثل هذه المعاملة المحظورة إلا في نطاق إقامة الدليل على مساءلة من ارتكبها ضد المتهم.
إن حماية الفرد من هذه الأعمال هو حق لا يجوز المساس به حتى في حالات الطوارئ. كما أن واجب الدولة يستلزم حماية الفرد من ارتكابها من جانب رجال الدولة في عملهم الرسمى أو خارج عملهم الرسمى أو حتى بصفتهم الشخصية، كما لا يجوز إعفاء هؤلاء من المسئولية الشخصية بدعوى أن ارتكابهم لمثل هذا الأعمال يقع تنفيذاً لأوامر رؤسائهم أو بتكليف من سلطة عامة.
هذا ومفهوم التعذيب وفق المادة السابعة من العهد الدولي لا يقتصر على التعذيب البدنى بل يشمل كافة صوره النفسية والمعنوية، كما أن العقوبات البدنية كعقوبة الجلد على سبيل المثال قد استقر العرف على أنها تعتبر عقوبة لا إنسانية ومهدرة لكرامة الإنسان، أى تعد من العقوبات التي لا يجوز توقيعها على الفرد وفق هذه المادة .
(6)
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 12:43 AM الحق فى الحرية والأمان الشخصى
كفالة هذا الحق لازمة لتمكين الفرد من ممارسة الحقوق الأخرى والحريات العامة التي تضمنها العهد الدولي. فمن البديهي أن الشخص المقيد الحرية أو غير الآمن على نفسه وعرضه وماله لا يمكنه – على سبيل المثال – ممارسة حقه في حرية التنقل أوالترشيح للمناصب العامة أو تكوين الجمعيات ... ولذلك تناولت المادة التاسعة من العهد الدولي ماهية هذا الحق وحدود تنظيمه، ومنها عدم جواز توقيف أو أعتقال أى شخص تعسفياً، كما لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا للأسباب وطبقاً للإجراءات التي يقررها القانون.
وإذا وجب اعتقاله فلا بد من إبلاغه فور الاعتقال بالتهم المنسوبة إليه، كما يجب تقديم المقبوض عليـه بتـهمة جنائيـة للمحاكمة ومـن استكمال محاكمته دون تأخير أى خلال فترة زمنية معقولة، فطول المدة التي يقضيها المتهم في الاعتقال قبل تقديمه للمحاكمة تعتبر خرقاً لما تضمنته المادة المذكورة من العهد في فقرتها الثالثة. كذلك فلا يحرم شخص من حريته في الحق في التقدم للقضاء للبت دون تأخير في مدى قانونية اعتقاله وفي الأمر بالإفراج عنه إذا كان هذا الاعتقال غير قانونى.
هذا وتؤكد المادة السابعة عشر من العهد حق كل فرد في الحماية القانونية من التدخل التعسفي أو غير المشروع في خصوصياته أو شئونه العائلية أو بيته أو مراسلاته، كما تنص على كفالة عدم التعرض لشرف الفرد أو سمعته.
ظروف الاحتجاز الإنسانية
تؤكد المادة العاشرة من العهد الدولي وجوب حسن معاملة المحرومين من حريتهم، واحترام آدميتهم وكرامتهم ويلاحظ أن تعبير "المحرومين من حريتهم" يشمل كافة المحتجزين في السجون والإصلاحيات والمستشفيات أو غيرها أى شمول ذلك لكافة نزلاء المؤسسات العقابية دون استثناء التي تخضع لسيطرة الدولة.
كذلك تتطلب المادة المذكورة من العهد وجوب فصل الأشخاص المتهمين الذين مازالوا في طور التحقيق أو في انتظار صدور الحكم القضائى، وبين الأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكاماً يقضون بموجبها فترة العقوبة التي يقررها القانون، ووجوب معاملة الفئة الأولى معاملة تتفق ووضعهم القانونى وذلك إعمالاً لمبدأ أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته. ومن ناحية أخرى تنص المادة العاشرة على وجوب فصل الأحداث عن البالغين في جميع الأحوال عند احتجازهم سواء للتحقيق أو تنفيذاً للحكم بإدانتهم، ومعاملتهم بما يتفق مع سنهم ومراكزهم القانونية.
كما أن المادة تحث الدول على سرعة الفصل في قضايا الأحداث. كذلك يجب أن يتضمن النظام الإصلاحى معاملة السجناء معاملة تستهدف أساساً إصلاحهم وإعادة تأهيلهم اجتماعياً. هذا ويتداخل نص المادة العاشرة من العهد مع نص المادة السابعة التي تحرم التعذيب والمعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهدرة للكرامة. ولا يجوز للدولة الاحتجاج بعدم توفر الإمكانيات المادية للإفلات من الالتزام بالعمل على توفير احترام المعايير الدولية الخاصة بالأحوال المعيشية في السجون.
كما يجب أن توفر الدولة الأجهزة الرقابية المستقلة لضمان احترام حقوق المحرومين من حريتهم وتوفير سبل النظر والبت في الشكاوى التي قد يتقدمون بها، خاصة إزاء انتشار ظاهرة اكتظاظ السجون في عدد كبير من الدول الأطراف في العهد ومن بينها دول عربية. فتكدس السجون بنزلائها، وما يصاحبه بالتبعية سوء معاملة المسجونين فضلاً عن تدهور الأحوال الصحية وانتقال الأمراض المعدية إلى جانب عدم توفر الحاجات الأساسية من الغذاء المناسب ورعاية المرضى، يعد كذلك خرقاً للمادة العاشرة من العهد وقد يصل أيضاً إلى الحد الذي يعتبر إهداراً للمادة السابعة من العهد التي تحرم التعذيب. فمفهوم المادة العاشرة ينصرف أيضاً إلى التزام الدولة بالقضاء على هذه الظاهرة باعتبار أن تكدس السجون بنزلائها يتعارض مع متطلبات المعاملة الإنسانية الواجبة كما يهدر الكرامة الملازمة لصفة الإنسان.
حرية التنقل والسفر والعودة
طبقاً للمادة الثانية عشرة يشمل هذا الحق حرية اختيار الفرد لمحل إقامته وتغييره وحرية الانتقال من مكان لآخر والسفر خارج البلاد والعودة إليها.
ولا يجوز تقييد تلك الحقوق بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، والتي ينبغى أن تكون لازمة لحماية الأمن القومى أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم. على أن جواز هذا القصر لا يكون إلا وفقاً لما ينص عليه القانون وضروراته في مجتمع ديمقراطى لحماية ما تقدم بما يعنى ضرورة تحديد القانون لمعيار هذا القيد وعدم جواز ترك الأمر للسلطة التقديرية للأجهزة الرسمية المختصة.
كذلك يجب أن تكون تلك القيود مستند إلى المساواة وعدم التمييز بين الأفراد سواء بالنسبـة للجنس أو اللون أو اللغة الدين أو المعتقدات السياسية.
هذا ولا يجوز تعليق حق الفرد في مغادرة بلده على سبب هذه المغادرة أو على المدة التي يقضيها الفرد بعيداً عنه أو البلد الذي يغادر إليه بما في ذلك هجرته. ويعنى هذا الحق شموله لحق الفرد في الحصول من دولته دون مصاعب أو تأخير على الأوراق الرسمية اللازمة مثل جواز السفر وكذلك الحق في تجديد مدة صلاحية هذه الأوراق كلما دعت الحاجة لذلك.
من المسلم به أن هذه الحقوق مكفولة تلقائياً لكل من يتمتع بجنسية الدولة. كذلك فإنها مكفولة على قدم المساواة بالنسبة للأجانب المتواجدين في الدولة بشكل قانونى وذلك بالرغم من بعض القيود التي تنظم إقامتهم في إقليم الدولة المضيفة بما لا يتعارض مع التزاماتها الدولية.
حقـوق الأجانـب
تنص المادة الثانية من العهد على التزام الدولة بحماية حقوق الأفراد الموجودين بإقليمها أو يخضعون لولايتها أى أن تلك الحماية واجبه بالنسبة للأجانب أى بغض النظر عن مبدأ المعاملة بالمثل في العلاقات بين الدول، أو عن جنسية الفرد أو حتى في حالات عديمى الجنسية. فمبدأ عدم التمييز في كفالة الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي يحمى الأجانب وفقاً لمفهوم المادة المذكورة.
على أن هناك حقوقاً تقتصر ممارستها الكاملـة على المواطنين أى بجوز تقييدها بالنسبة للأجانب وذلك مثل الحق في المشاركة في إدارة الشئون العامة الذي تنص عليه المادة الخامسة والعشرون من العهد.
غنى عن البيان أنه من حق الدولة أن تضع الشروط التي تراها لدخول الأجانب إلى إقليمها والإقامة فيه ولكن إذا التزم الأجنبى بهذه الشروط فإن تواجده في إقليم الدولة يوفر له الحق في حماية حقوقه من جانب الدولة المضيفة.
هذا وتجيز المادة الثالثة عشر من العهد إبعاد الأجنبى المقيم بصفة قانونية في إقليم الدولة وذلك استناداً إلى قرار صادر طبقاً للقانون، على أنها كفلت للأجنبي الحق في التظلم من قرار الإبعاد.
الحق فى المحاكمة العادلة
لا جدال أن ضمانات إقامة العدالة تشكل ركناً أساسياً لازماً لحماية كافة حقوق الإنسان.
ومن هذا المنطلق تورد المادة الرابعة عشر من العهد الدولي المبادئ والحقوق التي تكفل ذلك فتتطلب المساواة بين الأفراد أمام القضاء، ولكل فرد الحق عند النظر في أية تهمة جنائية ضده أو في حقوقه والتزاماته في إحدى القضايا الحق في محاكمة عادلة وعلنية أمام قضاء مختص ومستقل ومحايد يتصف بالنزاهة، وينسحب ذلك على النواحى الإجرائية التي تحدد الضمانات القانونية للمتهم.
كذلك لا بد من احترام مبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ثبوتاً قطعياً، وهو مبدأ أساسى لحماية حقوق الإنسان كما أنه يعنى أن عبء الإثبات يقع على عاتق سلطة الاتهام، وأن الشك يفسر دائماً لصالح المتهم. وعلى السلطات العامة كفالة الامتناع عن الأحكام المسبقة على نتيجة المحاكمة.
هذا وتكفل المادة الرابعة عشر من العهد الدولي عدداً من الضمانات لكل فرد توجه إليه تهمة جنائية حدها الأدنى يشمل إبلاغه فوراً بطبيعة وسبب التهمة الموجهة إليه، وإتاحة الوقت الكافي للمتهم لإعداد دفاعه واحترام حقه في تكليف محام للدفاع عنه وحرية اتصاله بمحاميه وضمان سرية هذه الاتصالات، هذا فضلاً عـن ضرورة إجراء
المحاكمة خلال فترة زمنية معقولة دون تأخير. الأمر الذي لا يعنى فحسب بداية المحاكمة بل يشمل الفترة التي تستغرقها المحاكمة حتى الحكم النهائى الباتّ أى كافة مراحل التقاضى.
كذلك من حق المتهم أو محاميه مواجهة شهود الإثبات، كذلك في حضور شهود النفي أمام المحكمة بنفس شروط مشاركة شهود الإثبات. ولا يجوز إجبار المتهم على أن يشهد ضد نفسه، أو دفعه للاعتراف بالجريمة. كما أن أى إكراه في ذلك لا يجوز الاعتداد بنتائجه أمام المحاكم. كما لا يجوز محاكمة أحد أو معاقبته مرة ثانية عن جريمة سبق أن صدر في حقه حكماً نهائياً فيها أو أفرج عنه طبقاً للقانون والإجراءات القانونية المعمول بها.
ولكل فرد أدين بحكم قضائى الحق في الطعن على الحكم بالإدانة وبالعقوبة أمام محكمة أعلى درجة طبقاً للقانون. وانطلاقاً من ذلك فإن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية أو محاكم خاصة تصدر أحكاماً نهائية يحرم الفرد من إحدى الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، فالمحاكم العسكرية كما هو معروف لها اختصاص أصيل تنفرد بموجبه بالولاية في محاكمة العسكريين عن جرائم عسكرية وفق إجراءاتها الخاصة طبقاً لقوانين الأحكام العسكرية.
أما محاكمة المدنيين أمامها فهو إجراء يسقط حق الفرد العادى في أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعى في ظل كافة الضمانات التي تستلزمها المادة الرابعة عشر من العهد الدولي.
هذا وإذا رأت الدولة إعلان حالة الطوارئ وفق المادة الرابعة من العهد الدولي بما يسمح بأحكام مؤقتة تتضمن وقف بعض الحريات وتعطيل بعض الضمانات فإن تشكيل واختصاصات المحاكم العسكرية والمحاكم الخاصة يجب أن يخضع بدقه لعدم تجاوز الحدود التي تستلزمها بالضرورة حالة الطوارئ. كذلك فإن القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب يجب ألا تهدر نصوص المادة الرابعة عشر.
هذا وتعتبر المادة المذكورة أن الأصل هو وجوب علانية المحاكمة باعتبار أن ذلك يعد أحد ضمانات المحاكمة العادلة، أما جواز استبعاد الصحافة أو الجمهور من مشاهدة المحاكمة أو جانباً منها فلا يصح إلا لأسباب تتعلق في مجتمع ديمقراطى بالآداب العامة أو النظام العام أو الأمن القومى أو عندما تقتضى ذلك حرمة الحياة الخاصة لأطراف القضية أو إذا رأت المحكمة أن ظروفاً خاصة من شأن العلانية فيها الإضرار بمصالح العدالة.
على أن النطق بالحكم يجب أن يكون علنـاً إلا إذا اقتضت مصالح الأحداث أو المنازعات الزوجية أو الوصاية على الأطفال خلاف ذلك. هذا وقد أكدت المادة الخامسة عشر من العهد الدولي مبدأ عدم رجعية القوانين وتطبيق القانون الأصلح للمتهم، فهي تتضمن عدم جواز إدانة أحد في جريمة جنائية نتيجة فعل أو امتناع عن فعل لم يشكل وقت ارتكابه جريمة جنائية بنص القانون. كما لا يجوز توقيع عقوبة أشد من العقوبة واجبة التطبيق وقت ارتكاب الجريمة، ويستفيد المتهم من أى نص قانونى يصدر بعد ارتكاب الجريمة وقبل صدور الحكم الباتّ فيها إذا كان النص القانونى اللاحق يقرر عقوبة أخف لذات الجريمة.
كذلك ينصرف مضمون المادة الرابعة عشر من العهد الدولي إلى أن أحد الأركان الأساسية لضمان إعمال الحق في المحاكمة العادلة هو استقلال السلطة القضائية واستقلال القضاة كأفراد. فاستقلال السلطة القضائية ككل يعنى اختصاصها بالولاية القضائية كاملة أى الانفراد بمهمة الفصل في المنازعات والخصومات، فالقضاء لا يمكن أن يؤدى رسالته في تأكيد سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان وكفالة حرية المواطنين إلا باستقلاله.
أما ضمانات استقلال القاضى فبالإضافة إلى عدم قابلية القاضى للعزل فإن التعيين والنقل والندب والترقية تكون بيد السلطة القضائية، وكذلك مساءلة القضاة وتأديبهم والتحقيق معهم لا يكون إلا من ذات السلطة القضائية.
الحق فى احترام الحياة الخاصة
تتطلب المادة السابعة عشر من العهد الدولي احترام حرمة الحياة الخاصة وكفالة حق كل فرد في الحماية من التدخل التعسفي أو غير القانونى في حياته العائلية أو مسكنه أو خصوصية مراسلاته واتصالاته أو التعرض لشرفه وسمعته سواء من جانب الأفراد أو سلطات الدولة أو من جانب الأشخاص الطبيعيين أو القانونيين.
كما تتطلب المادة المذكورة من الدول الأعضاء في العهد الدولي إصدار التشريعات اللازمة لصيانة هذا الحق وكفالة الإجراءات الضرورية لحمايته بما في ذلك تحديد السلطات الرسمية التي يجوز لها وحدها وفق القانون والإجراءات الواجب الالتزام بها جواز التدخل في الحياة الخاصة إذا استلزمت مصلحة المجتمع مثل هذا التدخل مع تحديد دقيق للظروف التي تجيز ذلك.
ويعنى ما تقدم أن التدخل في الحياة الخاصة لا يجوز إلا في الحالات التي ينص عليها القانون صراحة أى تحريم التدخل التعسفي حتى إذا كان يستند إلى نصوص قانونية تتعارض مع نصوص العهد الدولي وأهدافه.
هذا وبالنسبـة لتعبيـرات "العائـلة" فإن ذلك ينسحب إلى كل من يعتبر عضواً في العائلة وفق المفهوم المتعارف عليه في كل دولة معنية كما أن مفهوم كلمة "مسكن" تعنى المكان الذي يقيم فيه الشخص أو يمارس فيه مهنته العادية. كذلك إذا اقتضت الظروف وفق القانون التفتيش الذاتى لأى شخص من جانب السلطات المختصة وحدها بذلك، فيجب أن يتم ذلك بمعرفة شخص رسمى مكلف من نفس جنس الشخص المطلوب تفتيشه ذاتياً.
ومما تجدر الإشارة إليه أن اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية قد اعتبرت أن قيام السلطات الإسرائيلية بهدم منازل الفلسطينيين، وكذلك الصعوبات التي يلاقيها الفلسطينيون في الحصول على تراخيص البناء يعد خرقاً للمادة السابعة عشر من العهد فهو يتعارض كلية مع التزام الدولة دون تمييز لحق كل فرد في الحماية من التدخل التعسفي في مسكنه وكذلك إهدار للمادة الثانية عشرة التي تحمى الحق في اختيار مكان الإقامة، والمادة السادسة والعشرين الخاصة بالمساواة بين الجميع أمام القانون وفي التمتع بحماية القانون.
حرية الفكر والاعتقاد
مضمون المادة الثانية عشرة من العهد الدولي ينصرف إلـى أوسـع التفسيرات لحريـة الفكر والاعتقاد أى حماية كافة صور الفكر والعقائد الدينية وعدم التمييز ضد أى صورة من صورها.
كما يشمل ذلك حماية حق الفرد والجماعة في إقامة الشعائر التي تتفق ومعتقداتهم، فلا يجوز تقييـد ذلك إلا بنص القانـون وبشرط أن يكـون التقييد لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة أو الآراء العامة أو لحماية حقوق الغير الأساسية وحرياتهم، وعموماً يجب أن تكون تلك القيود في أضيق الحدود.
وإذا كانت الدولة تعتبر ديناً معيناً، كدين رسمى لها أو كانت غالبية السكان تعتنق ديناً معيناً، فلا يجوز المساس بالحق المكفول لمن يعتنقون ديناً آخر. كما لا يجوز التمييز ضدهم في النواحى الأخرى مثل الحق في تولى المناصب العامة، أو حرمانهم من المزايا التي يتمتع بها المواطنون عامة.
كذلك تحمى هذه المادة من العهد الدولي حرية الآباء والأمهات والأوصياء القانونيين في تأمين التعليم الدينى لأطفالهم وفق معتقداتهم.
حرية الرأي والتعبير
حرية الرأى والتعبير عنه من مقومات النظم الديمقراطية، فالانتفاص منها هو انتفاص من الحكم الديمقراطى السليم. ومفهوم المادة التاسعة عشر من العهد الدولي ينصرف إلى أن حق الفرد في اعتناق الآراء التي يختارها دون تدخل هو حق لا يقبل أى قيد أو استثناء، كما أن حرية التعبير تشمل الحق في تلقى واستقصاء ونقل المعلومة للآخرين وفي التعبير عن الرآى والفكر ونقله إلى غيره بأى صورة إما شفاهة أو كتابة أو عن طريق الكلمة المطبوعة أو المسموعة أو في صورة فنية أو بأى وسيلة أخرى يختارها الفرد.
هذا وإن كانت حرية الفرد في اعتناق الرأى الذي يختاره لا تقبل بطبيعتها أى قيد، فإن إطلاق الحق في التعبير عن الرأى لا يعنى أنه لا يحمل معه واجبـات ومسئوليـات معينة تسمح بفرض بعض القيود التي تستلزمها حماية مصالح الآخرين أو مصلحة الجماعة ككل، على ألا تفرغ تلك القيود الحق في التعبير من مضمونه، أى يجب أن تقتصر على ما تقتضيه في الدول الديمقراطية حماية الأمن القومى أو النظام العام أو الآداب العامة أو الصحة العامة أو حقوق الغير وسمعتهم.
غالباً ما تتضمن النصوص الدستورية تأكيدات لحرية الرأى والتعبير ولكن دولاً كثيرة تحد بشكل ملحوظ من هذه الحرية بنصوص التشريعات الخاصة بحماية السمعة والشرف في جرائم السب والقذف، كما تتضمن عقوبات مغلظة فيما يتعلق بنقد رجال السلطة مما يؤدى عملاً إلى تقييد حرية التعبير بما يتجاوز الحدود التي ذهبت إليها المادة التاسعة عشر بشأن ارتباط ممارسة حرية التعبير بواجبات ومسئوليات تسمح بقيود معنية وفق القانون.
تعد حرية الصحافة من أقوى صور ممارسة حرية الرأى والتعبير إن لم تكن أقواها. فحق المواطن في الحصول على المعلومة عبر صحافة وإعلام حر فوجود صحافة حرة مستقلة لا تخضع للسيطرة الحكومية أو التحكم الرسمى يشكل أحد المعايير الرئيسية التي تؤخذ في الحسبان عند النظر في مدى التزام الدولة باحترام حرية الرأى والتعبير.
لذلك فإن تغليظ العقوبات الخاصة بجرائم النشر واحتواء النصوص القانونية المنظمة للصحافة على عبارات فضفاضة وغير محددة تحديداً دقيقاً من الناحية القانونية كما يمكن السلطات الاستناد إليها بيسر لتجريم أى نقد لسياسة الحكومة في القضايا العامة ويشيع جواً من الرهبة يسفر عما يسمى بالرقابة الذاتية يعد متنافياً مع المادة التاسعة عشر من العهد الدولي.
كذلك فإن استئثنار الدولة بملكية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة أو بجانب كبير منها، يعد قيداً رئيسياً على حرية الرأى والتعبير. فالإعـلام ليس جهازاً حكوميا بل مرفقاً عاماً يعكس حدود النطاق الذي يتحرك فيه الأفراد في المجتمع مدى توفر التعددية السياسية والثقافية السائدة في ظل الحرية التي ينظمها القانون.
ولذلك فإن حماية الدولة لحرية الرأى والتعبير تستلزم حرية إصدار الصحف وحرية ملكيتها في ظل تنظيم قانونى لهذا الحق يتسم بشفافية، ومعايير وشروط قبول أو رفض منح التراخيص اللازمة لذلك.
وعدم فرض شروط متطلبات مرهقة مثل ضخامة التأمين المالى الذي قد يصل إلى حد التعجيز الفعلى مما يؤدى عملياً إلى التضييق على القوى السياسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع أو حرمانها من إحدى السبل الرئيسية في ممارستها لحرية الرأى والتعبير.
هذا ولما كانت المادة الرابعة من العهد الدولي تجيز بعض القيود غير العادية خلال حالة الطوارئ، ومنها ما يمس حرية الرأى والتعبير، بوسائل منها الرقابة على الصحف والمطبوعات والمصادرة وما قد يتعدى ذلك إلى وقف الصحف أو إلغاء تراخيصها بالطريق الإدارى – فإن استمرار حالة الطوارىء التي تعدها المادة الرابعة حالة استثنائية عارضة – يعد قيداً غير مباشر على حرية الرأى والتعبير.
(7)
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 12:50 AM الحق فى التجمع السلمى
تكفل المادة الحادية والعشرون حماية هذا الحق الذي يعنى أن للمواطنين حق عقد الاجتماعات ليعبروا عن آرائهم في القضايا التي تهمهم بما في ذلك الحق في تنظيم المسيرات والتظاهر السلمى في الأماكن العامة. والأصل في هذا الحق إباحته للأفراد مجتمعين في حدود القانون في مجتمع ديمقراطى الذي ينظمه، أى شريطة عدم المساس بالأمن القومى أو السلامة العامة أو النظام العام أو بحماية الصحة العامة والآداب العامة أو بحقوق الغير وحرياتهم.
هذا ومفهوم المجتمع الديمقراطى ينصرف إلى أنه مجتمع يحترم مبادئ الأمم المتحدة والإعلان العالمى لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ولا يقتصر هذا الحق على الأحزاب السياسية بل يشمل كافة التجمعات المهنية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدنى.
كذلك فإن الحق في التجمع السلمى يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحق في تكوين الجمعيات الذي تنص عليه المادة الثانية والعشرون، كما يتداخل مع الحق في المشاركة في تسيير الشئون العامة الذي تضمنته المادة الخامسة والعشرون من العهد الدولي. ومن المشاهد أنه في عدد غير قليل من الدول الاعضاء ومنها الدول العربية لا تكتمل كفالة تلك الحقوق بمعنى أنها إذا سمحت بممارسة أحد تلك الحريات فإنها تقيد الحقين الآخرين وهو ما يتعارض مع نصوص العهد الدولي.
حرية تكوين الجمعيات
أصبح من المسلم به أهمية أنشطة المجتمع المدنى بما في ذلك دور الأحزاب السياسية والجمعيات في المجالات الاجتماعية سواء للمهنيين أو العمال، بما تتيحه لأفراد المجتمع من سبل ممارسة الحق في المشاركة في القضايا العامة وتنمية المجتمع بمعناها الشامل.
وفي ضوء ذلك نصت المادة الثانية والعشرون من العهد الدولي على أنه لا يجوز وضع قيود على حرية مشاركة الفرد مع الآخرين في تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها لحماية مصالحه المشروعـة، عـدا تلك القيـود التي ينص عليها القانون والتي تستوجبها في مجتمع ديمقراطى مصالح الأمن القومى أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الغير وحرياتهم. كذلك تنص نفس المادة على جواز تقييد هذا الحق بموجب القانون بالنسبة لأفراد القوات المسلحة والشرطة.
هذا وتتضمن نفس المادة فقرة خاصة بكفالة حقوق العمال والضمانات التي تصدرها اتفاقية منظمة العمل الدولية 1948 بشأن حرية مشاركة العمال وحماية حقهم في التنظيم. وقد أدرجت تلك الفقرة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بالرغم من أن الموضوع برمته يندرج في الأساس تحت العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق العمال الصادرة عن منظمة العمل الدولية. وجاء هذا الإدراج في المادة الثانية والعشرين كما تقدم تجنباً لتسرب فهم خاطىء بأن إغفال تلك الإشارة قد يعنى أن العهد الدولي لا يعتبر حرية تكوين النقابات حقاً مكفولاً للعمال.
وبالنسبة للأحزاب السياسية فإن الحق في تشكيلها وفي ممارستها لنشاطها السياسي السلمى هو حق لا ينفصل أيضاً عن إجراء الانتخابات العامة بمعنى أن الحق في تكوين الأحزاب السياسية لا تكتمل ممارسته العملية إلا بنزاهة الانتخابات العامة الدورية التي تجرى لشغل مقاعد السلطة التشريعية وغيرها.
فمن منطلق المادة الثانية والعشرين من العهد الدولي فإن القيود التي تتعارض مع نصوصها تعد أيضاً مخالفة للمادة الخامسة والعشرين الخاصة بالحق في المشاركة في تسيير الشئون العامة.
من الواضح أن قدرة المجتمع المدنى في المساهمة في حماية وتعزيز حقوق الإنسان عامة محدودة بما يتاح له ذاته من حرية ممارسة الحق في تكوين جمعياته وممارسة نشاطه السلمى فإذا قيدت الدولة ذلك الحق فإن المجتمع المدنى يأتى عملياً في صدر من يعانى من انتهاكات حقوق الإنسان.
وتلك صورة لا تنفرد بها الأقطار العربية مخالفة بذلك ما تتطلبه المادة الثانية والعشرون من امتناع الدول الأعضاء عن ملاحقة وترهيب نشطاء حقوق الإنسان والجمعيات غير الحكومية وتعطيل الاعتراف الرسمى بها، في حين ينصرف مفهوم المادة المذكورة إلى مطالبة الدول بالعمل على توفير الظروف الملائمة لتمكين تلك الجمعيات من ممارسة نشاطها المشروع دون عائق بما في ذلك تقبل الحوار معها حول الهدف المشترك في حماية وتعزيز حقوق الإنسان.
إذا سلمنا جميعاً بأن الحق في نقد سياسة الحكومة يشكل أحد السمات الأساسية في النظام الديمقراطى الذي يسمح بالتعددية وتداول السلطة، فإن إسقاط هذا المفهوم على عدد غير قليل من الدول ومنها غالبية الدول العربية التي تفرض قيوداً متعددة على حرية تكوين ونشاط الجمعيات والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية، لتتحكم في قوى المجتمع المدنى وتقيد حركته وتحد من دوره وأنشطته، بما يتعارض مع العهد الدولي، فإن تلك الدول تنتقص بذلك بنفس القدر من ديمقراطية النظام القائم.
الحق في المشاركة في تسيير الشئون العامة
إن حق كل مواطن في المشاركة في تسيير الشئون العامة في الدولة التي يتمتع بجنسيتها، سواء بنفسه أو بطريق غير مباشر بانتخاب ممثليه، بالتصويت، وكذلك في الترشيح لشغل المناصب العامة هو حق يعد من المسلمات في أى نظام ديمقراطى، وحماية هذا الحق مكفولة بنص المادة الخامسة والعشرين من العهد الدولي التي تقرره لكل مواطن رشيد دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو المذهب السياسي أو الأصل القومى أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك.
والحق في الترشيح لشغل المناصب العامة لا ينبغى أن يتطلب عضوية الفرد في أحد الأحزاب السياسية أو في حزب بذاته. كذلك ينصرف مفهوم هذه المادة من العهد الدولـي إلى وجود تعارض بينها وبين الأنظمة التي لا تسمح بوجود أحزاب سياسية، أو تفرض وجود تجمع سياسى واحد ينفرد أو يكاد ينفرد بالحياة السياسية، أو حزب مسيطر يحافظ على استمرار ظروف معينة تسمح له قانوناً وعملاً باستمرار البقاء في الحكم. كذلك فإن ممارسة الحق في المشاركة في تسيير الشئون العامة تستلزم إطلاق حرية تداول المعلومات والأفكار المتعلقة بالقضايا العامة والسياسية بين المرشحين والناخبين إعمالاُ للحق في حرية الرأى والتعبير وفق المادة التاسعة عشر من العهد الدولي بما في ذلك إطلاق حرية الصحافة في التعليق على القضايا العامة وممارسة دورها في إعلام وتنوير الرأى العام.
يتطلب العهد الدولي من أعضائه إصدار التشريعات اللازمة التي تمكن المواطنين من الممارسة الفعلية لهذا الحق والمشاركة في العمليات التي تشكل في مجموعها تسيير دفة الشئون العامة، فالقوانين التي تنظم ذلك ينبغى أن تستند إلى معايير موضوعية ومعقولة، فمن الجائز على سبيل المثال اشتراط توافر سن معينة أو مؤهلات معنية لشغل بعض المناصب العامة. والحق في التصويت الذي يجب أن يكفل لكل مواطن لا يجوز تقييده إلا بنصوص قانونية موضوعية ومعقولة مثل القيد على حالات الاختلال العقلى.
إن مفهوم المشاركة في تسيير الشئون العامة ينصرف في الأساس إلى ممارسة السلطة السياسية أى المشاركة في السلطات التشريعية والتنفيذية والإدارية بما يعنى كافة أوجه الشئون العامة بما في ذلك تشكيل وتوجيه الشئون السياسية على المستوى المحلى والإقليمى والدولي بالطرق والوسائل التي ينظمها دستور وقوانين البلاد.
فالمواطن يشارك في تسيير الشئون العامة بطريق غير مباشر إذا كان عضواً في الهيئة التشريعية أو التنفيذية، كما يساهم في ذلك بطريق غير مباشر عند طرح موضوع ما للاستفتاء العام في الدول التي تأخذ بهذا الأسلوب، أو بممارسة حقه في الانتخاب الحر لممثليه في تلك الهيئات حيث يمارسون السلطات الموكولة إليهم في تسيير الشئون العامة وفق الدستور المعمول به والذين يعدون مسئولين أمام ناخبيهم.
كذلك يندرج تحت مفهوم المشاركة المباشرة حق الأفراد في عضوية التجمعات والآليات المحلية التي تتخذ القرارات في الشئون المحلية كلها أو بعضها وفق التشريعات المنظمة لذلك.
ومن صور المشاركة مساهمة الأفراد من خلال تنظيمات المجتمع المدنى في الحوار مع السلطات العامة، الأمر الذي يقتضى حماية حرية الرأى والتعبير وحرية الصحافة والإعلام وحرية تكوين الجمعيات وحرية العمل السياسي وتكوين الأحزاب الحق في المساواة أمام القانون، والحق في التمتع بحماية القانون على قدم المساواة تكفله المادة السادسة والعشرون من العهد الدولي التي تحرم أى تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأى السياسي أو خلافه، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو النسب وحرية الاجتماع، أى كفالة الحقوق المنصوص عليها في مواد العهد الدولي أرقام 22،21،19 الخاصة على التوالى بحرية الرأى والتعبير وحرية التجمع السلمى وحرية تكوين الجمعيات، وهي تعد شروطاً لازمة لإمكان الممارسة الفعلية للحق في التصويت.
كذلك تتضمن المادة الخامسة والعشرون من العهد الدولي النص على دورية الانتخابات التي تجرى بالاقتراع السرى وتضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين بما ينصرف إلى مبدأ تداول السلطة. كذلك على الدولة أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بتمكين كل من له حق التصويت من الإدلاء بصوته بما في ذلك حق الأفراد في تسجيل أسمائهم في قوائم الناخبين في الحالات التي يؤخذ فيها بنظـام التسجيـل. هذا ومن المطلوب أيضاً إسناد مهمة مراقبة سلامة عملية الانتخاب إلى هيئة مستقلة لضمان اتمامها بحرية ونزاهة وسرية وفقاً للقانون المنظم لذلك والذي يجب أن يتفق مع أهداف العهد الدولي وهو ما يعنى حماية الناخبين من أى صورة من صور الضغط أو الإفصاح عن تصويتهم أو أى تدخل في عملية التصويت، كما لا بد من تأمين صناديق الانتخاب وأن يجرى فرز الأصوات في وجود المرشحين أو وكلائهم.
الحق في المساواة أمام القانون
الحق في المساواة أمام القانون، والحق في التمتع بحماية القانون على قدم المساواة تكفله المادة السادسة والعشرون من العهد الدولي التي تحرم أى تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأى السياسي أو خلافه، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الملكية أو النسب أو غيره.
كما أن المادة العشرين من العهد الدولي تلزم الدول بأن تمنع بحكم القانون أى دعوة أو حض على الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية من شأنها أن تشكل تحريضا على التمييز أو العداء أو العنف.
كذلك فإن المادة الرابعة عشر تنص علـى مساواة الجميـع أمام القضاء وعلى توفير الضمانات القانونية للجميع دون أى تفرقة. ومدلول تحريم التمييز أو التفرقة يشمل أى استبعاد أو قيد أو تفضيل يستند إلى أى من الأسباب المشار إليها أعلاه يؤدى إلى إحداث أثر ينتقص من الاعتراف لأى فرد بحق من حقوقه أو بممارسته له علي أساس من المساواة في كافة الحقوق والحريات المكفولة للجميع.
مبدأ عدم التمييز مبدأ عام وأساسي يرد في أكثر من مادة من مواد العهد الدولي، فإلي جانب المادة السادسة والعشرين تتكرر الإشارة إليه في عدة مواد منها المادة الرابعة عشر الخاصة بالمحاكمة العادلة، والمادة الخامسة والعشرون المتعلقة بالمشاركة في تسيير الحياة العامة. علي أنه يلاحظ أن المساواة في التمتع بالحقوق لا يعنى بالضرورة في جميع الحالات التطابق في المعاملة فعلى سبيل المثال فالحق في المشاركة في تسيير الشئون العامة تجوز التفرقة فيه في حدود معينة بين المواطنين والأجانب.
كذلك فإن إعمال مبدأ المساواة قد يسلتزم في ظروف معينة اتخاذ تدابير إيجابية مؤقتة لتبديل أوضاع محددة يؤدى استمرارها إلى الإبقاء على عدم المساواة التي يحرمها العهد الدولي، الأمر الذي قد يرى معه جواز اللجوء إلى معاملة تفضيلية مؤقتة خلال مرحلة معينة للفئة التي تعانى من عدم المساواة حتى يتحقق الوضع الذي يكتمل فيه تصحيح تلك الأوضاع، على أنه يشترط أن تكون تلك المعاملة التفضيلية المؤقتة معقولة وموضوعية وهدفها مشروع وفق العهد الدولي.
حقوق الأقليات
تكفل المادة السابعة والعشرون من العهد الدولي حق الأقليات العرقية والدينية واللغوية في التمتع في الدول التي يعيشون فيها بثقافتهم الخاصة وحقهم كأفراد في أن يعتنقوا ويمارسوا شعائرهم الدينية وفي استخدام لغتهم الخاصة. والهدف من حماية هذه الحقوق هو الإبقاء على التراث الثقافي بمعناه الواسع الشامل للإقليات بما يثري المجتمع ككل.
إن تلك الحقوق الواجب كفالتها للإقليات هي حقوق تضاف إلى الحقوق الأخرى التي ينص عليها العهد الدولي المكفولة للجميع بما فيهم الإقليات. على أن حماية حقوق الإقليات لا تعنى شرعية ممارستها بطريق يتعارض مع الحقوق الأخرى المنصوص عليها في العهد الدولي.
كذلك تحمى هذه المادة من العهد حقوق السكان الأصليين في البلاد التي أصبحوا يشكلون فيها أقلية. ومن الملاحظ أن مدلول الثقافة بالنسبة لهؤلاء ينسحب على حماية عاداتهم الحياتية في المناطق التي يعيشون فيها، الأمر الذي قد يقتضى من الدولة إصدار التشريعات اللازمة لحماية هذه الثقافة وتمكين هؤلاء من المشاركة التي تحسن طريقة معيشتهم ومصادرها الطبيعية.
خلاصـة
من المناسب في ختام هذا الجزء من المدونة، العودة إلى التذكير بما أشرنا إليه في مستهلها من أن نشر ثقافة حقوق الإنسان في عالمنا العربي يحبذ مزيداً من توعية الفرد وتبصيره بالحقوق والحريات التي تكفلها له ولغيره في المجتمع المواثيق الدولية.
إن حقوق الإنسـان تشكل وحدة متكاملة ومترابطة ومتداخلة، فإهدار أي جانب منها، بغض النظر عن مصدره، فرداً كان أو سلطة، ينعكس سلباً بالضرورة على غيرها من الحقوق والحريات التي يجب أن تكون مكفولة للجميع على قدم المساواة. وحق الفرد في ممارسة حرياته في أوسع نطاق هو أمر مشروع لا يحد منه إلا وجوب احترام حقوق وحريات الآخرين.
المراجـع
- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. - التعليقات العامة للجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية على مواد العهد الدولي 2003 May 12 Rev 6/1/GEN/HR1 .
- تقارير اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية عن اجتماعاتها المتعاقبة والمرفوعة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
- مطبوعات ونشرات وتقارير المنظمة العربية لحقوق الإنسان بما في ذلك تقريرها الأخير عن حقوق الإنسان في الوطن العربي الصادر في القاهرة سنة 2003.
- مجلد حقوق الإنسان في القانون والممارسة من مطبوعات برنامج الأمم المتحدة الإنمائى القاهرة 2003.
- حقوق الإنسان : مجموعة صكوك دولية الأمم المتحدة مستند ST/HR/1/Rev5/vol.1,Part1
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في العالـم العربـي
د.عزام محجوب
أستاذ بكلية الأقتصاد ، جامعة تونس
مقدمة
تنقسم هذه الدراسة إلى جزأين : أولهما وجيز وذو طابع تعريفي وتمهيدي، فيما يركز الجزء الثاني المطول على تقييم الأوضاع العربيّة من وجهة التقدم المنجز في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة.
الجزء الأول
يتناول الجزء الأول ثلاث نقاط :
أوّلها تعريف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة مع ربطها بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان وكذلك بإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة حول الحق في التنمية سنة 1986 وكذلك برنامج عمل فيينا الصادر عن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان سنة 1993.
أما النقطة الثانية فهي تطرح موضوع التلاقي والإثراء المتبادل بين منظور التنمية القائم على الحقوق وذلك المعتمد على الطاقات الأساسيّة (التنمية البشرية).</STRONG>
وفي آخر نقطة من هذا الجزء، ولتمهيد السبيل إلى عمليّة التقييم، تطرقنا إلى ماهية الالتزامات المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
أما الجزء الثاني فيركز على تقييم التقدم الحاصل في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويتكون من فصل أول يهتم بالأساليب القائمة على مستوى المنظمة الأممية في الإشراف ومتابعة تنفيذ الالتزامات والمتمثلة في التقارير الرسميّة. وفي هذا المجال رأينا من المفيد حوصلة الشواغل الرئيسية التي عبرت عنها الهيئة الأممية المختصة والتي تتعلق بالتقارير الرسمية لـ 10 بلدان عربية.
أمّا الفصل الثاني والأخير فيقترح منهجية لتقييم التقدم في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة وذلك بالاعتماد على أهداف الألفيّة للتنمية وهي كما سنراها أهداف معيارية أو مرجعيّة تمكن من رصد وتقييم نسب التقدّم في إعمال الحقوق استناداً إلى جملة من المؤشّرات الإحصائيّة.
وقد فضلنا جمع الجداول في الملحق، ما عدا بعض الاستثناءات، حتى لا نثقل كاهل القارئ لكن لا بد من استحضارها عند قراءة النص لاستيعاب كلّ ما ورد فيها.
نصّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في البنود 22 إلى 27 إلى جملة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة والتي يمكن تصنيفها إلى أربعة حقوق:
الجزء الأول
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المفاهيم والإشكاليات النظريّة
أولاً : الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة
تعريف الحقوق
تعدّ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان الركيزة الأساسيّة لعمل منظّمة الأمم المتّحدة في مجال الحماية والنهوض بحقوق الإنسان والحريّات الأساسيّة. وتتكوّن من العناصر الأساسيّة التالية :
1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
2- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة
3- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ونظرا لاهتمامنا الرئيسي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة وارتباط هذه الحقوق بالتنمية، يجب أن نضيف إلى هذه المنظومة الدوليّة :
4- الإعلان حول الحقّ في التنمية الذي صدر عن الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في ديسمبر 1986
5- وكذلك ما صدر عن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي انعقد بفيينا سنة 1993 (برنامج عمل).
نص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى البنود 22 إلى 27 إلى جملة الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتى يمكن تصنيفها إلى أربعة حقوق :
- الحقّ في الضمان الاجتماعي (المادة 22)
- الحق في العمل (المادة 23 والمادة 24)
- الحقّ في مستوى معيشي كاف لضمان الصحّة
– التغذية – المسكن ورعاية الطفولة والأمومة (المادة 25)
- الثقافة والتقدّم العلمي والتقني (المادّة 27).
أمّا العهد الدولي الخاص بحقوق الإنسان فهو ينطلق ممّا نصّ عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مع إعادة الترتيب والتدقيق. إضافة إلى ذلك، يقرّ هذا العهد مبدئين يمثّلان جوهر محتوى كلّ الحقوق المنصوص عليها وهما :
أ- عدم التمييز:
إذ "تتعهّد الدول الأطراف في هذا العهد بأن تجعل ممارسة الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد بريئة من أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب" (المادّة 2.2).
ب- المساواة بين الذكور والإناث:
إذ تؤكّد (المادة 3) بـ "تعهّد الدول الأطراف في العهد بضمان مساواة الذكور والإناث في حقّ التمتّع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة المنصوص عليها في هذا العهد". أمّا عن جملة الحقوق المعنيّة في هذا العهد فهي:
- الحقّ في العمل (الشغل) : المادة 6
- الحقّ في شروط عمل عادلة ومرضيّة (المكافآت– الأجر الأدنى المناسب– ظروف العمل في كنف السلامة والصحة، مدّة العمل المعقولة): المادّة 8
- الحق النقابي والحق في الإضراب: المادة 8. ويمكن اعتبار ما جاء في المواد 6، 7، 8 متعلّق كلّه بالحقوق المتعلّقة بالعمل
- الحق في الضمان الاجتماعي بما في ذلك التأمينات الاجتماعية (المادة 9)
- الحق في حماية خاصّة للأمومة والطفولة (المادّة 10)
- الحقّ في مستوى معيشي كاف مع التركيز على ضمانالتغذية (التحرّر من الجوع)والمأوى وكذلك في تحسين متواصل للظروف المعيشيّة (المادّة 11)
- الحقّ في التمتّع التمتّع بأعلى مستوى من الصحّة مع إشارة خاصّة إلىالطفولة والصحة البيئيّة والوقاية من الأمراض الوبائيّة وكذلك التمتّع بالعناية الطبيّة(المادّة 12)
- الحقّ في التربية والتعليم خاصّة في جعل التعليم الابتدائي إلزاميّا وإتاحته مجانا للجميع (المادة 13). كما تؤكّد المادة 14 من جديد على كفالة إلزاميّة ومجانيّة التعليم الابتدائي.
- حقّ المشاركة في الحياة الثقافيّة والاستفادة من التقدّم العلمي وتطوّراته (المادة 15).
أمّا فيما يخصّ إعلان الحقّ في التنمية فيجب ربطه بالعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة حيث جاء ليؤكّد :
أ- أن التنمية تمثل مسارا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيّا وسياسيا شاملا يهدف إلى النهوض المطّرد برفاهيّة كلّ الناس بالاعتماد على مشاركتهم الفاعلة والحرّة والتقاسم العادل للخيرات الناتجة عن تلك المشاركة.
ب- تكامل وترابط وعدم تجزئة الحقوق مع إيلاء نفس الاهتمام إليها (بالتساوي) واعتبار حقوق الإنسان منظومة واحدة متكاملة وبالتالي فإنّ التمتّع ببعض الحريّات الأساسيّة يبقى منقوصا في حالة إنكار أو انتهاك الحقوق والحريّات الأخرى.
ج- إن الحقّ في التنمية يتمثّل في تحقيق المساواة والفرص للتمكين من الموارد الأساسيّة : التعليم – الخدمات الصحيّة – التغذية – المسكن – العمل وكذلك في التقاسم المنصف والعادل للدخول.
د- إنّ مسؤوليّة إعمال الحق في التنمية مسؤوليّة مشتركة ومتقاسمة بين الدول الأطراف والمجموعة الدوليّة (التعاون الدولي – النظام الدولي الأكثر عدلا – نزع السلاح ...).
يمكن من هذا المنطق اعتبار الحقّ في التنمية حقّا شاملا يتفرّع إلى جملة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة ويجعل منها منظومة مترابطة في حدّ ذاتها ومنسجمة مع الحقوق والحريّات المدنيّة والسياسيّة خاصّة في مبدأي المشاركة والإنصاف ومكفولة في إعمالهما بصفة مشتركة ومتقاسمة بين الدول الأطراف والمجموعة الدوليّة. أمّا المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بفيينا، فأهم ما أكّد عليه برنامج عمله يتمثّل في:
o عالمية الحقوق وترابطها وتكاملها وعدم تجزئتها?
o أهميّة الحق في التنمية باعتباره حقا كاملا وجزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان
o الشروط والظروف الكفيلة لإعمال الحق في التنمية:
o سياسات إنمائية ناجعة
o علاقات دوليّة منصفة (قضيّة الديون)
o مقاومة الفقر باعتباره انتهاك لحقوق الإنسان
o الربط الصريح بين الديمقراطيّة وحقوق الإنسان والتنمية
o إيلاء البعد المعياري للتنمية، حيث تمهّد السبيل إلى الاعتماد على المشروعيّة القانونيّة للمطالبة والمحاسبة والمساءلة ... والمقاضاة.
(8)
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 12:54 AM ثانياً : التنمية القائمة على الحقوق والتنمية القائمة على القدرات : التلاقي والإثراء المتبادل
كما بيّنا سابقا فإنّ منظور التنمية الذي يقوم على الحقوق يعطي بعدا معياريّا للتنمية ويعدّ ذلك إضافة هامّة إلى مفهوم التنمية البشريّة السّائد. تعرّف التنمية البشريّة بكونها عمليـّة توسيع لخيارات الناس (الحريّات الجوهريّة الفعليّة) عن طريق توسيع الوظائف والقدرات لكلّ فرد من المجتمع(1). ومن الممكن أن تتباين القدرات شكلا ومضمونا غير أنّها مترابطة وتشمل مهما كان مستويات التنمية قدرات ثلاث تعتبر أساسيّة وهي أن:
o يحيى الإنسان حياة مديدة وصحيّة
o يحصل على المعرفة
o يحصل على الموارد اللازمة لمستوى معيشي لائق.
وبالتالي فإنّ دليل التنمية البشريّة مكوّن من ثلاثة عناصر أو متغيرات تقيس متوسط الإنجازات المرتبطة بالأبعاد الثلاثة الأساسيّة المذكورة أعلاه وهي :
o العمر المتوقّع عند الولادة
o التحصيل التعليمي (معرفة الكتابة والقراءة ونسبة الالتحاق المدرسي في كلّ مستويات التعليم)
o نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (بدولار الولايات المتّحدة حسب تعادل القوة الشرائيّة) انطلاقا من هذا التعريف يمكن أن نجد مجالات الترابط والتلاقي بين مفهوم التنمية القائمة على الحقوق ومفهوم التنمية القائمة على القدرات أو التنمية البشريّة.
لكن يجب الاعتراف بأنّ مفهوم التنمية البشريّة بتركيزه على القدرات الأساسيّة الثلاثة لا يشمل الأبعاد الأخرى المتّصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة كالحق في العمل – الحق في الحماية الاجتماعية – الغذاء الكافي والمسكن الملائم والحق في الحياة الثقافيّة. ومن ثم فإنّ مقاربة التنمية القائمة على الحقوق أكثر شموليّة، لكن كما أوردناه سابقا، يمكن اعتبار نسبة التطابق والتلاقي مقبولة ومرضيّة إذا ما قبلنا بمبدأ الأوّليات. وبالتالي باعتبار الالتزامات المتعلّقة والمرتبطة بالقدرات الأساسيّة التزامات أساسيّة دنيا.
أمّا السؤال فيبقى إلى أيّ حدّ يمكن قبول هذه الفرضيّة ؟
هذا محلّ جدل قائم حيث إن هناك الكثير ممّا يقضي بعدم تجزئة وتصنيف الحقوق بكيفيّة تراتبيّة. وعلاوة على هذا الإشكال يجب الإشارة إلى نقطتين إضافيتين تهمّ قضيّة المقارنة بين منظور التنمية القائمة على الحقوق وتلك المعتمدة على القدرات الأساسيّة (التنمية البشريّة):
أ- النقطة الأولى تتعلّق بما يمكن اعتباره إضافة المفهوم التنموي القائم علـى الحقوق المتمثّلة في التركيز على عمليّة التنمية من منظور الفاعلين الأساسيين وكذلك الوسائل المستعملة. نظريّا، يؤكّد تعريف التنمية البشريّة عامّة أنّ هذه الأخيرة تمثّل عمليّة وغاية في الوقت ذاته، لكن عمليّا يقع التركيز غالبا على الغاية أو النتيجة التي تتحقّق (في الوظائف والقدرات الأساسيّة).
وفي حين أنّ المنظور التنموي القائم على الحقوق بإعطائه بعدا معياريّا للتنمية يسلّط الضوء ليس فقط على النتيجة الحاصلة (إعمال الحق – التمتّع الفعلي بالحق) بل وكذلك على المسئول الأساسي عن إعمال وإحقاق الحق في التنمية وكذلك الوسائل التي سيستعملها من أجل ذلك، وبالتالي فالدولة الطرف المصادقة على العهد تصبح مدينة (دين ملزمة بأدائه) لمواطنيها. وكما سنبيّنه فيما بعد فإنّ مقارنة التنمية القائمة على الحقوق تطرح إشكاليّة المسئوليّة والالتزام، وبالتالي المساءلة فالمحاسبة فالمقاضاة ليس فقط بالنسبة للنتيجة ولكن كذلك بالنسبة للوسيلة المعتمد عليها (الإمكانات – التراتيب – السياسات). ويمثّل هذا البعد إثراءً يطوّر مفهموم التنمية.
ب- أمّا النقطة الثانية التي يجدر إثارتها فهي تتعلّق بإمكانيّة تطوير المنظور التنموي القائم على الحقوق بالاعتماد على مقاييس ومؤشّرات ومعطيات كميّة كثيرة الاستعمال في نطاق منظور التنمية البشريّة وذات فوائد عديدة في عمليّة تقييم الأوضاع الميدانيّة في مجال إحقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة. ولابدّ أن نقر هنا أنه في نطاق حقوق الإنسان عامّة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة خاصة، نفتقر غالبا إلى تقاليد في استعمال المعطيات الكميّة والمؤشّرات لمتابعة وتقييم الأوضاع.
هـذا وقبل تناول إشكاليّة التقييم المعتمدة على القياسات، لابدّ من توضيح ماهيّة الالتزامات المنصوص عليها في العهد الدولى.
ثالثاً : الالتزامات الخاصّة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة
كنّا قد أشرنا إلى أنّ الحق في التنمية قد أكّد على قضية المسئوليّة لإعمال الحق. كما أنّ برنامج العمل التابع لمؤتمر فينا قد بيّن البعد المعياري للتنمية، حيث شدّد من جديد على إلزاميّة إعمال الحق في التنمية. وبالتالي لا بدّ من تسليط الأضواء على مفاهيم الالتزام والمسئوليّة عندما نتناول إشكاليّة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة. فلا سبيل لنا في محاولة لمتابعة وتقييم الأوضاع ما دمنا لم نوضّح بما فيه الكفاية مفهوم ومحتوى الالتزامات وذلك بالاستناد إلى العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة.
ما هي إذن طبيعة الالتزامات الواقعة على كاهل الدول الأطراف ؟ هناك إجماع عام على تعريف وضبط مسئوليّة الدول الأطراف في مجال حقوق الإنسان على ثلاثة مستويات :
o الالتزام باحترام هذه الحقوق
o الالتزام بحماية هذه الحقوق
o الالتزام بإعمال أو إحقاق أو تفعيل هذه الحقوق (جعلها واقعا حيّا ملموسا) فيما يخصّ العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة الذى يهمّنا هنا، يمكن أن نقتصر على ما يلي :
1- فيما يخصّ الالتزام باحترام الحقوق يرد النصّ الصريح على الآتى :
أ- المادة 13 الفقرة 3 والخاصـة بالحقّ فـي التربية والتعليم: "أن تتعهّد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حريّة الآباء الآباء أو الأوصياء، عند وجودهم، في اختيار مدارس لأولادهم غير المدارس الحكوميّة وبتأمين تربية أولئك الأولاد دينيّا وخلقيّا وفقا لقناعتهم الخاصّة".
ب- المادّة 15 فقرة 3 حول الحقوق الثقافيّة إذ تتعهّد الدول الأطراف: باحترام الحريّة التي لا غنى عنها للبحث العلمي والنشاط الإبداعي".
ج- المادة 8 فقرة 3 بشأن الحريّة النقابيّة وحقّ التنظيم النقابي (تنصّ على أنه لا يجوز للدول الأطراف (أي "يجب أن تمتنع عن") اتّخاذ تدابير... من شأنها أن تخلّ بالضمانات المتعلّقة بالحريّة النقابيّة وحريّة النشاط النقابي. طرفاً لازماً وطبيعياً لاحترام الحقّ وكذلك عنصراً أو شرطاً أوّل ومسبّقاً لتفعيل وإعمال الحق.
2- أمّا فيما يخصّ الالتزام بحماية الحقوق فيتّفق الخبراء على أنّه ولو لم ينص عليها بصفة جليّة في العهد، فالإلزام ضمني ويعدّ في نفس الوقت طرفاً لازماً وطبيعياً لاحترام الحقّ وكذلك عنصراً أو شرطاَ أوّل ومسبّقاً لتفعيل وإعمال الحق.
إذن، إذا اعتبرنا الالتزام بالاحترام وذلك المتعلّق بالحماية بالنسبة للعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة، نصل إلى استنتاج أنّ هناك ترابطاً وتكاملاً بين الحقوق المدنيّة والسياسيّة من جهة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة من جهة أخرى، حيث إنّ احترام وحماية الحريات في مجال التربية (حريّة الآباء في الاختيار) والثقافة (حريّة البحث والإبداع) والنقابيّة (حريّة التنظيم) التي تصنّف عادّة في الحريّات المدنيّة والسياسيّة هي ضروريّة ولا يمكن إهمالها في أيّة حالة من الحالات.
3- أمّا بخصوص الالتزام بتفعيل أو إحقاق الحقوق وإعطائها مضمونا حيّا على أرض الواقع، فهنا يجب أن نكون أكثر تدقيقا، حيث إن الوضوح قد يسهّل علينا فيما بعد عمليّة التقييم. تنصّ المادة 2: "تتعهّد كل دولة في هذا العهد بأن تتّخذ بمفردها وعن طريق المساعدة والتعاون الدولي ولا سيما على الصعيدين الاقتصادي والتقني وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة ما يلزم من خطوات لضمان التمتّع الفعلي التدريجي بالحقوق المعترف بها في العهد سالكة إلى تقديم جميع السبل المناسبة وخصوصا سبيل اعتماد تدابير تشريعيّة".
هناك إجماع حول فهم نوعيّة هذه الالتزامات حيث إنّ بعضها يخصّ جزءا من الحقوق التي لا تتطلّب تدرجّا في إعمالها بل تستوجب الإعمال الفوري.
فمثلا إذا طرحنا ضمان مبدأ عدم التمييز أو مبدأ المساواة بين الذكور والإناث، فالالتزامات هنا غير مشروطة بالموارد المتاحة وتتطلّب التنفيذ الفوري بدون تأجيل وتدرّج...كذلك الشأن بالنسبة لاحترام الحريات التي وقع ذكرها سابقا.
أمّا الالتزامات التي تخصّ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة الأخرى، فالدولة مطالبة وملزمة بأن تشرع في الإعمال (بدون تأجيل) باتّخاذ التدابير لضمان التمتّع التدريجي بالحقوق (تقييم الوضع، اتّخاذ تدابير من بينها تشريعيّة، رصد الموارد اللازمة).
إذن الدولة ملزمة باتّخاذ الخطوات بدون تأخير وفي أجل سريع معقول لضمان التمتّع الذي يتمّ شيئا فشيئا. هناك التزام في مستوى السلوك غير مشروط ولا يقبل التأخير، في حين الالتزام بالنتيجة أو الإحقاق الفعلي للحقوق مرتبط بالإمكانيات ويقتضي التدرّج. ومن الظاهر أنّ الالتزام بالنتيجة (الإحقاق الفعلي) معلّق بالالتزام بالسلوك (التحرّك والعمل بالنجاعة والفاعليّة..) إنّ فكـرة التـدرّج لضمـان التمتّع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة قد أوحت إلى البعض إبراز مفهوم الالتزامات الأساسيّة الدنيا.
في سنة 1990، أقرّت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة أنّ هذه الالتزامات تتمثّل في ضمان على الأقل التمتّع بما يعتبر أساسيا في كلّ من الحقوق وبالتالي اعتبرت اللجنة أنّ الدولة الطرف التي نجد عندها مثلا عديد من الناس يفتقرون إلى ما هو أساسي من غذاء وصحّة أساسيّة ومسكن وتعليم تكون قد أخلّت بالالتزامات التي تعهّدت بها. وبالتالي فحتى في الحالات الصعبة، ينبغي على كلّ دولة طرف أن لا تتخلّى على هذه الالتزامات الأساسيّة في حقّ الفئات الضعيفة والمحرومة. وبالتالي يشكل هذا الطرح مدخلا منهجيّا يسهّل عمليّة التقييم حيث إنّ التدرّج في التمتّع بالحقوق يستوجب الوفاء في كلّ الحالات بالالتزامات الأساسيّة الدنيا من منظور الفئات الفقيرة.
لا بدّ إذن من تحقيق الالتزامات الأساسيّة الدنيا من حيث ضمان حدّ أدنى من التمتّع بالحقوق خاصّة بالنسبة للفقراء. وهذا لا يتناقض مع الإقرار بمبدأ التدرّج في ضمان التمتّع الكامل بالحقوق.
الجزء الثانى
تقييم التقدّم في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة
أولاً : التقارير الرسميّة
بعد ما بيّنا ماهيّة الالتزامات الخاصة بتفعيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة، ينبغي الآن أن نطرح السؤال المحوري :
كيف نتمكّن من رصد وتقييم التقدّم الحاصل في إعمال الحقوق حتى يتسنّى لنا معرفة مستوى أو نسبة تمتّع الفرد الفعلي بهذه الحقوق؟ ما هي الطرق، والمناهج، والقياسات، والمعايير التى يجب الاعتماد عليها حتى نتكمّن من رصد ومتابعة الإنجاز الحاصل في إعمال الحقوق بوضوح ودقة، وبالتالي نتمكّن من مساءلة الدول الأطراف حول مدى تحقيق وتنفيذ الالتزامات المصادقة عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة.
في هذا النطاق، تشهد الساحة الدوليّة اتّجاها جديدا يقضي باستعمال آليات قياسيّة ومعطيات إحصائيّة ومؤشّرات كميّة تمكّن من القيام بعمليّة الرصدّ والمتابعة والتقييم بما فيها ضبط الإخلالات والانتهاكات.
وسوف نتّبع هذا المنحى ونبادر بضبط منهجيّة مناسبة تعتمد على مؤشّرات قياسيّة تسمح لنا بتقييم الأوضاع العربيّة من وجهة نظر التقدّم الكافي فى مجال إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة.
لكن قبل ذلك يجب علينا أن نتناول الإجراءات الإشرافيّة القائمة في نطاق المنظّمة الأمميّة
والتى تتمثّل في تقديم تقارير من الدول الأطراف بموجب المادّتين 16 و17 من العهد: حيث تتعهّد الدول الأطراف بتقديم تقارير حول التدابير التي تكون قد اتّخذتها وعن التقدّم المحرز على طريق احترام الحقوق المعترف بها في العهد. كما أن على الدول الأطراف أن تشير في تقاريرها إلى العوامل والمصاعب التي تمنعها من الوفاء الكامل بالالتزامات المنصوص عليها في العهد. ومن أجل ضبط وتسهيل عمليّة تقديم التقارير الدوليّة صمّم دليل من طرف المؤسّسات المختصّة في الأمم المتحدة يحتوي على جملة من المبادئ المنهجيّة والتراتيب العمليّة التي يجب الاعتماد عليها للإجابة عن جملة من التساؤلات الدقيقة حول التدابير الذي اتّخذت والتقدّم المحرز.
وتنظر اللجنة المعنيّة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة التّابعة للمجلس الاقتصادي للأمم المتّحدة في التقارير المقدّمة وتدلي بكلّ استقلاليّة بملاحظات ختاميّة توضّح فيها الجوانب التي اعتبرتها إيجابية ثمّ تتناول العوامل والصعوبات التي تعوق تنفيذ العهد ثمّ تعبّر عن شواغلها الرئيسيّة قبل أن تعطي توصيّاتها.
أما فيما يخصّ التقارير الرسميّة، فقد يمكن اعتبار الشواغل الرئيسيّة مدخلا هاما ومفيدا لرصد النواقص والإخلالات والانتهاكات في مجال إعمال الحقوق.
لهذا رأينا من المفيد التعريف بأهم ما ورد من ملاحظات نهائيّة، خاصّة تلك التي تتناول الشواغل الرئيسيّة لللجنة عند النظر في التقارير المقدّمة من طرف البلدان العربيّة.
ركّزنا في هذه العمليّة على الإيجاز والحوصلة بدون أيّة إضافة حتى نعكس وجهة تقييم اللجنة بكلّ أمانة، وقدّمنا ذلك في شكل جدول يصنّف الشواغل حسب الحقوق المتّصلة بها. وكما سنلاحظ فإنّ عدد الدول العربيّة التي قدّمت تقارير للجنة الأممية المعنيّة عشر وهي: الأردن والجزائر والسودان والعراق والمغرب واليمن وتونس وسوريا وليبيا ومصر.
وهذا يعني في البداية، أنّ البلدان العربيّة الأخرى إمّا أنّها صادقت على العهد ولم تقدّم حتى الآن تقاريرها وهي كلّ من الصومال والكويت ولبنان أو أنّها لم تصادق على العهد وبالتالي لازالت غير معترفة بهذه الحقوق وهي كلّ من الإمارات والبحرين والسعوديّة وجزر القمر وجيبوتي وعمان وقطر وموريتانيا.
لهذا فإن أول ما ينبغي العمل من أجله هو إقناع وحثّ الدول العربيّة المصادقة على العهد بتقديم تقاريرها لأن ذلك يمثّل التزاما، ومطالبة البلدان العربيّة الأخرى أن تنضمّ إلى العهد وتعترف لمواطنيها بالطابع الإلزامي لهذه الحقوق.
هذا وقبل أن نشرع في تقديم الجدول حول حوصلة المشاغل الرئيسيّة لللجنة الأممّية لا بدّ أن نبرز ظاهرة عالميّة جديدة وإيجابيّة وهي المتمثّلة في تقديم تقارير موازية أو بديلة من طرف منظّمات غير حكوميّة بمساندة خبراء مستقلّين. هذا شأن بلدان أمريكا الجنوبيّة (البرازيل والمكسيك خاصّة).
ويمثّل هذا الإجراء الجديد عنصرا هامّا يساهم في غرس وتوطيد ثقافة المساءلة (عرائض – احتجاجات – مقاضاة ...). والمهم في مثل هذه التجارب أنّها تعبّر عن النضج الحاصل في المجتمع المدني حيث يعدّ تحضير مثل هذه التقارير البديلة مناسبة ثمينة للتلاقي بين الناشطين في مجال الحقوق الإنسانيّة والعاملين في مجال التنمية البشريّة.
وتمثّل عمليّة تحضير وتقديم التقارير فرصة ذهبيّة لتنظيم حوارات متنوّعة ومتعدّدة تدعم المواطنة وتساهم في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. والواقع أنّ المنطقة العربيّة في حاجة إلى مثل هذه الأعمال حتى لا تبقى عمليّة الإشراف والمتابعة والتقييم حكرا على الجانب الرسمي وتصبح العمليّة فرصة لتكريس المساءلة التي تجرّ تدريجيّا إلى المحاسبة فالمقاضاة.
ما هيّ الآن أهم الاستنتاجات التي يمكن إبرازها من هذا الجدول اللاحق؟ (جدول0) إنّ أهمّ الصعوبات والعوامل التي عاقت وتعوق تنفيذ العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما وردت في ملاحظات اللجنة الأمميّة المعنيّة بمراقبة التقارير الحكومية تتمثل فيما يلى:
1- الحروب، والنزاعات الداخليّة والحضر،
2- الانعكاسات السلبيّة لسياسات التكيّف أو الإصلاح الهيكلي،
3- الأوضاع الاقتصادية الدوليّة خاصّة المتعلّقة بالتقلبات في أسعار النفط
4- نسبة المديونيّة المرتفعة.
* أمّا فيما يخصّ ضمان مبدأ عدم التمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الجغرافي، فما ورد عموما في ملاحظات اللجنة الأمميّة المعنيّة هو وجود ظاهرة التمييز ضدّ الأقليّات العرقيّة أو القوميّة أو الأجانب عموما في كافة البلدان العربيّة ولو بتفاوت، وكذلك بين الحضر والريف، وبين المناطق.
* أمّا فيما يخصّ ضمان المساواة بين الرجال والنساء في التمتّع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة، فتقرّ اللجنة عامّة وجود ظاهرة التمييز ضدّ المرأة وبحدّة متفاوتة وفي عديد من المجالات.
* فيما يخصّ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة الأساسيّة كما وردت في الميثاق، فنجد في مجال العمل أن نسبة البطالة مرتفعة. أما فيما يخص الأجر الأدنى فهو غالبا غير موجود، وإن وجد فاعتبر غالبا غير كاف لضمان قدرة شرائيّة تمكّن من العيش اللاّئق.
* أمّا في مجال الحريات النقابية فهي غالبا إما مغيبة أو مقيدة بدرجات متفاوتة. وفيما يخصّ الحقّ في مستوى معيشي كاف فظاهرة الفقر خاصّة في الأرياف وفي بعض البلدان كالسودان واليمن مثلا، مرتفعة ولو بدرجات متفاوتة.
* بالنسبة للحقّ في السكن لوحظ وجود أزمة سكن اجتماعي في كثير من البلدان كمصر والجزائر، مثلا كما تجدر الإشارة إلى قضيّة ندرة المياه الصالحة للشرب في كثير من البلدان العربية، وبالتالي نسبة التمتّع بالماء الصالح للشرب ضعيفة بالأرياف غالبا وبدرجات متفاوتة.
* في مجال الحقّ في الصحّة لوحظ أن انتشار فيروس نقص المناعة (SIDA أوAIDS) رغم عدم توفّر الإحصاءات يبدو خطيرا بالنسبة لبعض البلدان كالسودان مثلا. كما أنّ نسبة وفيات الأطفال والأمهات مرتفعة جدّا.
* في مجال الحقّ في التعليم لوحظ أن نسبة الأميّة مرتفعة خاصّة لدى النساء وفي الأرياف، كما أنّ نسبة الانقطاع المدرسي تعتبر عالية.فيما يخص التمتّع بالحق في الثقافة وقعت الإشارة إلى وجود رقابة إزاء العمل الثقافي بصفة عامّة.
في الخلاصة ، يمكن اعتبار ما ورد في الملاحظات النهائيّة (المشاغل الأساسيّة) للجنة الأمميّة المعنيّة بالإشراف على التقارير الحكوميّة محاولة ولو منقوصة لتقييم درجة إعمال أو إحقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة في بعض البلدان العربيّة (10من21). وعلاوة على غياب عدد كبير من البلدان العربيّة التي لم تصادق على العهد وبالتالي غير ملزمة بتقديم التقارير الدوريّة، نجد في كثير من الحالات انعدام المعلومات وبالتالي الملاحظات في شأنها (المربّعات الشاغرة) وهذا يمثّل عائقا في عمليّة التقييم.
(9)
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 12:58 AM ثانياً : تقيم التقدّم في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة على ضوء أهداف الألفيّة للتنمية
1- تقديم المنهجيّة
كما أوردناه سابقا، سنقترح منهجيّة لتقييم مدى التقدّم في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة. وبالطبع سنسعى إلى تطبيقها على الواقع العربي حتى تكون لنا صورة أكثر وضوحا عن الأوضاع السائدة.
انطلقنا في وضع هذه المنهجيّة من ضرورة الاعتماد على مؤشّرات إحصائيّة لقياس التقدّم الحاصل، حيث إنّنا نعتبر ذلك وسيلة جديّة تساعد على الدفاع عن حقوق الإنسان والنهوض بها.
تطرح قضيّة المسئوليّة وبالتالي تنفيذ الالتزامات، وجود تقنيات جيّدة وموضوعيّة تعتمد على مؤشّرات ومعايير مضبوطة وموثوق بها، قابلة للقياس باستمرار عبر الزمان والمكان. هذا مع العلم بأنّ المعطيات الكميّة في حدّ ذاتها لا تعكس كلّ جوانب التحليل التقييمي، وبالتالي لابدّ من إضافة مقاربات نوعيّة تستند إلى النواحي السياسيّة والاجتماعية الأخرى ذات السياق الأوسع. مع هذا نحن من الدعاة إلى تطوير العمل الهادف إلى النهوض بحقوق الإنسان بالاعتماد على معايير ومؤشّرات قياسيّة واضحة ودقيقة إذ تعطي صبغة أكثر مصداقيّة وجديّة وبالتالي تساعد في عمليّة ضبط المسؤوليات وتحديد سبل المحاسبة فالمقاضاة.
صوبّنا التقييم على الطرف الفاعل الأساسي المتمثّل في الدولة (المصادقة ضمنيّا علـى العهد) ثمّ ركزنا على الالتزامات المتّصلة بإعمال الحقوق أي بإحقاقها فعلا (ضمان التمتّع الفعلي بها) أي تلك المتعلّقة بالنتيجة الحاصلة من حيث التقدّم المنجز(1) في ضمان التمتّع الفعلي التدريجي بالحقوق المعترف بها.
وكما كنا قد بيّنا سابقا، فإنّ التمتّع الكامل بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة يتطلّب شيئا من الوقت، وبالتالي علينا أن "نقيس" التطوّر عبر الزمان حتى نتثبّت من نسق التدرّج في التمتّع بالحقوق". وهنا يصبح الإشكال كالتالي: في حالة ما يسجّل تقدّما، هل نعتبر هذا التقدّم كاف؟ بعبارة أخرى هل يعد نسق التدرّج في إعمال الحقوق كاف؟ وماذا يعني مستوى كاف؟ وكيف نقيس ذلك؟
في الإجابة على هذا اقترح برنامج الأمم المتّحدة للتنمية في تقريره سنة 2000 حول التنمية البشريّة منهجيّة مفيدة تمكّن من الاهتداء إلى تحديد معقول للمستوى الكافي في التقدّم وذلك بالاعتماد على ما يمكن تسميته بأهداف معياريّة أو مرجعيّة مثلا:
الهدف: ضمان إنهاء الصبيان والبنات حلقة تعليميّة كاملة في المدارس الابتدائية فى حدود سنة 2015.
الحق المتّصل به: : الحق في التربية والتعليم (إلزاميّة ومجانيّة التعليم الابتدائي) – المادتان 13 و14.
مثلا : نسبة الالتحاق المدرسي للأطفال 12 – 6 سنة كانت 88.1% سنة 1991 و92% سنة 2001 بالاعتماد على النسق المسجّل بين 1991و2001 فإنّ الهدف سيتحقق سنة 2014 وبالتالي يمكن اعتبار التقدّم كافياً
1- اقتصرنا في هذه المساهمة على مسئوليّة الدولة الطرف في العهد مع العلم أنّ شموليّة التقييم يتطلّب اعتبار أطراف أخرى محليّة ودوليّة تلعب دورا هامّا في نطاق إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة. كما أنّنا لم ندمج في التقييم الالتزامات المتعلّقة باحترام حماية الحقوق ولا بتلك التي تخصّ الالتزامات الوسائل نظرا لمحدوديّة المساهمة.
حتى لا تكون قضية تحديد الأهداف محل أخذ وردّ وخلافات، فإنّ أنجع السبل هي التي تعتمد على الإجماع الدولي وبالتالي فإنّ أهداف الألفيّة للتنمية تعدّ أهدافا معياريّة مرجعيّة لكلّ البلدان وسوف نعتمد عليها في عمليّة التقييم حيث إنّ المجموعة الدوليّة قد التزمت بتحقيق تلك الأهداف.
وكما سنرى، فالأهداف محدّدة بصفة واضحة ودقيقة بواسطة مؤشّرات قياسيّة قابلة للمتابعة في الزمان والمكان. يمكن اعتبار أهداف الألفيّة للتنمية بمثابة التزامات أساسيّة دنيا. وبالتالي تمكّننا المنهجيّة المقترحة في تقييم التقدّم الحاصل وتنفيذها .
قبل أن نشرع في تقييم الأوضاع العربيّة على ضوء هذه المنهجيّة، لا بدّ في البداية أن نحدّد في شكل جدول التطابقات بين أهداف الألفيّة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة والمؤشّرات المعتمدة عليها للقياس.
فكما يتّضح من خلال هذا الجدول هناك تطابق شبه كليّ بين الأهداف والحقوق. أمّا المؤشّرات فقد ضبطت بكيفيّة دقيقة بالاعتماد على الإحصائيّات الواردة أساسا من برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي.
هناك بعض الأهداف القليلة للألفيّة التي لم تؤخذ بعين الاعتبار إمّا لانعدام المعطيات الإحصائيّة (كإصابات فيروس نقص المناعة في البلدان العربيّة) أو لصعوبة وجود تطابق جيّد مع منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة خاصّة تلك المتعلّقة بضمان الاستدامة البيئيّة القاضية بدمج مبادئ التنمية المستدامة في سياسات البلد وبرامجه وعكس اتّجاه الخسارة في الموارد البيئيّة. وكذلك تلك التي تنصّ على تطوير شراكة عالميّة للتنمية في مجال النظام المالي والتجاري أو في معالجة الاحتياجات الخاصّة للبلدان الأقلّ نموّا بما فيها مشكلة أعباء الدين.
كما أنّ بعض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة لا تجد أهدافاً محدّدة خاصّة تلك المتّصلة بالحقوق النقابيّة والحماية الاجتماعية. لذلك وجدنا سبيلا لأخذها بعين الاعتبار عند تطرّقنا للأهداف المتعلّقة بالحقّ في العمل (نسبة البطالة عند الشباب) والحق في الصحة (توفير فرص الحصول على العقاقير الطبيّة الضروريّة بأسعار محتملة).
2- تطبيق المنهجيّة المقترحة على الواقع العربي
سنتناول الآن الجزء التقييمي حول التقدّم في إعمال الحقوق وذلك بالاعتماد على المنهجيّة المقترحة سابقا. عمليّا سنقدّم أهدافالألفيّة هدفا بعد الآخر. وسنورد لكل هدف، الهدف المقابل أو المطابق له من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة وسنستند إلى المؤشّرات الإحصائيّة المنصوص عليها في الجدول السابق للألفيّة.
1. هدف التنمية الألفيّة :
استئصال الفقر والجوع (انظر الملحق - جدول رقم 1) الحق في مستوى معيشي كاف وفي تحسين متواصل للظروف المعيشيّة (المادة 1.11).
يستوجب ضمان مستوى معيشي كاف وفي تحسّن متواصل بلا شكّ معاينة متوسّط الدخل (نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي) ونسق نموّه عبر الزمان.
يحتل معدل الدخل في العالم العربي (2341 دولاراً سنة 2001) موقعا وسيطا بين معدّل البلدان النامية ككل والمعدّل العالمي حيث إنّه يقارب ضعف الأوّل ويمثّل أقلّ من نصف الثاني. ولكن هذا يخفي التفاوت الكبير بين البلدان العربيّة حيث إنّ متوسّط الدخل يتراوح بين 366 دولاراً أمريكي بموريتانيا و16048 دولاراً بالكويت أي بضارب 44 تقريبا! بحيث لو اعتمدنا على سلم معياري(2) متّفق عليه بإيلاء درجات قياس تتراوح بين 0و100 وتتكوّن من 5 أصناف (0– 20، 20 – 40، 40 – 60، 60 – 80، 80 – 100) وذلك حسب متوسّط الدخل (نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالدولار وبمقارنـة القدرة الشرائيّة).
لو اعتمدنا على هذا السلم ، نجد أنّ في 7 بلدان عربيّة نسبة الإنجاز وبالتالي نسبة التمتّع بالحق في مستوى معيشي كاف ضعيفة جدّا (حيث إنّ متوسّط مستوى الدخل متدنّ جدّا) وهي السودان وموريتانيا وجزر القمر واليمن وسوريا والصومال .
ثمّ هناك 5 بلدان تشهد نسبة إنجاز ضعيفة غير كافية (بين20 و40) وهي كلّ من الأردن والمغرب ومصر والعراق.
أما في ليبيا وتونس والجزائر، فنسبة التمتّع بالحق في مستوى معيشي فهي + كافية (بين 40 و60) في حين أنّ في كلّ من الكويت والإمارات والبحرين والسعوديّة وعمان وقطر وبالنظر إلى متوسّط الدخل يمكن في أوّل الأمر استنتاج نسبة إعمال هذا الحق في كافية ومرضيّة.
للظروف المعيشيّة، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار نسق ارتفاع متوسّط الدخل عبـر الزمان وبالتالي نصل إلى استنتاجات مغايرة إلى حدّ ما، حيث نرى باستثناء البحرين وإلى حد ما عمان، تراجعا في نسق معدّل النمو (معدّل سلبي) في كلّ من الإمارات 3.7-% والسعوديّة 1.1-% والكويت 1-%(3). بحيث ما يمكن تثبيته أن إعمال الحق في مستوى معيشي كاف وفي تحسين متواصل في الظروف المعيشيّة لم يحصل إلاّ في البحرين وإلى حدّ ما في عمان.
أمّا فيما يخصّ البلدان العربيّة الأخرى، يمكن على طريق الشكل التالي من إبراز التقدّم الحاصل في التمتّع بالحق في مستوى معيشي كاف ومتحسّن (الخط العمودي يمثّل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والخط الأفقي معدّل النمو النسبي لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي).
أما فـي موريتانيـا واليمن والسودان فنشاهد رغم مستوى دخل ضعيفة جدّا (غير كافية) تحسّنا في هذا المجال. كذلك الشأن إلى حدّ ما بالنسبة للمغرب وسوريا ومصر والأردن حيث إنّ معدّل الدخل لازال ضعيفا وغير كاف ولكنه في تحسّن نسبي ولو بتفاوت. وفي خلاصة الأمر، يمكن القول إنّ نسبة التمتّع المقبولة لمستوى معيشي كاف وفي تحسّن في نفس الوقت لم تحصل بصفة مؤكّدة إلاّ في 4 بلدان عربيّة وهي البحرين وعمان و لبنان وتونس (6% من السكان).
وفي مستوى المجموعة العربيّة ككلّ فإنّ الإنجاز عموما غير كاف لأن التقدّم ضعيف بالمقارنة بالمعدّلات في مستوى البلدان النامية والعالم ككلّ.
2. هدف التنمية للألفيّة :
استئصال الفقر والجوع البالغين (انظر ملحق جدول 2) تخفيض نسبة البشر الذين يعيشون بأقل من دولار في اليوم بمقدار النصف بين 1990 و2015 الحق في مستوى معيشي كاف (المادة 1.11) لو اعتبرنا البلدان العربيّة التي توفّرت فيها المعطيات الإحصائيّة فإنّ نسبة الفقر المطلق أو المدقع (نسبة السكان الذين يعيشون تحت عتبة الفقر المقدّرة بدولار في اليوم م.ط.ش) ضعيفة2.1% بالمقارنة بما نجده في مستوى العالم ككلّ 20.2%. هذا ويجب التأكيد أنّ هذه النسب وإن كانت متدنّية في كلّ من الأردن والجزائر والمغرب وحتى في مصر وفقا للمراجع الإحصائيّة الدوليّة، فهي مرتفعة في اليمن (15.7%) وفي موريتانيا 28.6%. وإذا رفعنا عتبة الفقر إلى دولارين في اليوم فسنجد أنّ نسبة الفقراء يصل في هذه المجموعة إلى 30.1%. في غياب معطيات حول السودان وفلسطين والعراق، علينا أن نتوخّى الحذر والتحفّظ إزاء المقولات الفاقدة للشموليّة والتي تقرّ بأنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تتمتّع بأقلّ مستوى للفقر شيوعا وعمقا من مجموعات الدول النامية. ويمكن القول إنّ ظاهرة الفقر لازالت شائعة في أغلب الأرياف العربيّة وفي بلدان كاليمن وموريتانيا والسودان والعراق وفلسطين والصومال.
ونظرا لفقدان المعلومات حول تطوّر نسبة الفقر على مدى السنوات الأخيرة، لا يمكن القول إن هذه البلدان حقّقت تقدّما في هذا المجال. لكن بالاعتماد على المعطيات الواردة في برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي، فإنّ ما توصّلت إليه كلّ من الأردن وتونس والجزائر والمغرب وإلى حدّ ما مصر، يوحي بإحراز تقدّم كاف في استئصال الفقر.
3. هدف التنمية للألفيّة :
تخفيض نسبة البشر الذين يعانون من الجوع بمقدار النصف (انظر الملحق – جدول رقم 3) الحقّ في مستوى معيشي كاف وفي التحرّر من الجوع (المادة2.11) في هذا المجال، يمكن أن نقرّ أنّ نسبة التمتّع بالحق في التغذية (التحرّر من الجوع) مرضيّة نسبيّا لتسعة بلدان عربيّة حيث إنّ نسبة من يشكون من سوء التغذية يتراوح بين 1% (تونس – سوريا) إلى 7% (المغرب)، في حين أنّالمعدّل بالنسبة للبلدان النامية يصل إلى 18% فى السنوات 1998-2000. هنا نجد أنّ الكويت قد حقّقت تقدّما كبيرا حيث إنّ النسبة انخفضت من 22% إلى 4%، في حين أنّ الأوضاع في كلّ من الأردن والجزائر والمغرب قد عرفت تراجعا طفيفا نسيبّا.
أمّا العراق والصومال، فقد سجّلتا تراجعا كبيرا في حين أنّ اليمن والسودان، ورغم التقدّم الحاصل، لازالت نسبة السكان الذين لا يتمّعون بالحقّ في التغذية مرتفعة نسبيّا. ونظرا لفقدان المعلومات الإحصائيّة في عديد البلدان العربيّة، اعتمدنا على مؤشّر ثانٍ وهو المتمثّل في نسبة الأطفال دون الخامسة الذين يشكون من سوء التغذية ممّا يمكّن من الوصول إلى تقييم أفضل حول نسبة إنجاز أو إعمال الحق في التغذية.
إنّ ظاهرة سوء التغذية عند الأطفال منتشرة جدّا في كلّ من موريتانيا وعمان وجزر القمر والصومال واليمن حيث تصل النسبة إلى 46% عند هذا الأخير. أمّا في سوريا والإمارات والسعوديّة والعراق والسودان وجيبوتي فتتراوح النسب بين 13% (سوريا) إلى 18% في جيبوتي. أمّا في باقي البلدان العربيّة فتصل النسبة دون 10% وهي مرضيّة بالمقارنة (لبنان وتونس ومصر وحتي فلسطين قبل الانتفاضة).
وبالتالي لو ربطنا المؤشّرين حول سوء التغذية لاستنتجنا أنّ الانتهاكات في هذا النطاق، بمفهوم الإخلال في التقدّم بالإنجاز من أجل إعمال الحق في التغذية، قائمة بكلّ تأكيد في الصومال وموريتانيا وجزر القمر واليمن والسودان وجيبوتي (البلدان الأقل نموّا) والعراق. ولكن نسب التمتّع غير كافية في عمان، والسعوديّة، والإمارات وحتى البحرين إلى حد ما. فرغم تمتّع هذه البلدان النفطيّة بمتوسط دخل مرتفع نسبيّا، فإنّ مؤشّر سوء تغذية الأطفال بالمقارنة مرتفع وهـذا يعني أنّ هنـاك إخلالاً بإعمال الحقّ فـي التغذية للجميع رغم وجود الإمكانيات.
4. هدف التنمية للألفيّة :
تحقيق شموليّة التعليم الابتدائي (انظر ملحق جدول 4) ضمان إنهاء جميع الصبيان والبنات مقرّرا تعليميّا كاملا في المدارس الابتدائية الحق في التربية والتعليم (المادة 13 أ)
جعل التعليم الابتدائي إلزاميا وإتاحته مجّانا للجميع (المادّة 14) إنّ ما أنجز عموما على مستوى العالم العربي ككلّ أقلّ ممّا تحقق في نطاق البلدان النامية أو العالم. زد على ذلك أنّ كثيرا من البلدان العربيّة شهدت تراجعا في هذا الميدان وهي كلّ من الإمارات والبحرين والعراق واليمن وبدرجة أقل السعوديّة. وبالتالي فإنّ المسافة الفاصلة لتحقيق الهدف (أى شموليّة التعليم الابتدائي) لازالت طويلة بالنسبة لكثير من البلدان العربيّة. فكما يبدو في الشكل 2، فبالمقارنة بالمستوى العالمي، نجد أنه بالاعتماد على ما أنجز بين سنتي 1990-1991 و2000-2001 فقد يصعب جدّا أو يستحيل إلى حدّ ما تحقيق هذا الهدف لكلّ من جيبوتي والسودان والسعوديّة واليمن والكويت وعمان وحتى لبنان والمغرب.
أما بالنسبة للإمارات والعراق والبحرين وسوريا، ولو أنّ نسبة الالتحاق سنة2001 تعدّ كافية غير أنّ التراجع الحاصل كما بيّناه بين 1990-1991و2000-2001 يجعلنا نستنتج أنّ هناك احتمالا كبيرا في حالة ما استمرّت الأوضاع على حالها من عدم التوفّق إلى إنجاز الالتزام الوارد في الألفيّة.
وبالتالي فالبلدان العربيّة التي حقّقت نسبة من الإنجاز كافية (في التمتّع بالحق في شموليّة التعليم الابتدائي) هيّ: تونس والجزائر وفلسطين وقطر والأردن ومصر.
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 01:03 AM . الحقوق العماليّة
سنعتمد في تقييمنا للأوضاع العربيّة في مجال إعمال الحقوق الواردة على المادّة 8 من الميثاق :
- المادة أ.8 : الحق في تكوين نقابات
- المادة ج.8: حقّ النقابات في ممارسة نشاطها بحريّة
- المادّة د.8 : حقّ الإضراب وعلى النصوص والتقارير الصادرة عن منظّمة العمل الدوليّة حيث إنّ المنظّمة أقرّت بثمانية معايير عمل أساسيّة وهي تتمثّل في الاتفاقيات الدوليّة التالية:
الاتفاقية رقم 29: العمل الجبري والإلزامي (1930) الاتفاقية رقم 87: الحريّة النقابيّة وحماية حقّ التنظيم (1948) الاتفاقية رقم 98: حق التنظيم والمفاوضة الجماعيّة (1949) الاتفاقية رقم 100: مساواة العمال والعاملات في الأجر عن عمل في قيمته متساوية (1951) الاتفاقية رقم 105: إلغاء العمل الجبري (1957) الاتفاقية رقم 111: التمييز في الاستخدام والمهنة (1958) الاتفاقية رقم 138: الحدّ الأدنى لسن الاستخدام (1973)
الاتفاقية رقم 182: الاتفاقية حول حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفوريّة للقضاء عليها (1999) كيف تعاملت البلدان العربيّة مع هذه الاتفاقيات؟ (انظر الجدول اللاحق) أوّل ما يجب إبرازه هو أنّ البلدان العربيّة قد صادقت على هذه الاتفاقيات بدرجات متفاوتة. فكما هو ظاهر في الجدول نرى أنّ في مجال حريّة تكوين النقابات وحماية حقّها في التنظيم (الاتفاقيّة رقم 87)، 9 بلدان فقط صادقت على هذه الاتفاقية (من بين 19بلداً).
كما أنّنا نلاحظ في مجال الاعتراف بالحق في التنظيم والمفاوضة الجماعيّة (الاتّفاقيّة رقم 98) لم تصادق عليها (كما هو الشأن بالنسبة للاتفاقية رقم 138 الخاصّة بالحق في السن الأدنى للاستخدام)، 6 بلدان (الخليجيّة غالبا).
أمّا عدد البلدان العربيّة التي صادقت على كلّ الاتفاقيات فهي ثمانية : الجزائر والمغرب واليمن وتونس وجيبوتي وسوريا وليبيا وموريتانيا. في حين نجد في الاتجاه المعاكس أنه باستثناء الإمارات والكويت (صادقتا على 6 اتّفاقيات)، فإنّ كافة البلدان الخليجيّة عموما لم تصادق إلاّ على عدد قليل من الاتفاقيات: 2 في كلّ من عمان وقطر مثلا. وغالبا نرى كما سبقت الإشارة أنّ القصور يخصّ حريّة تكوين النقابات والمفاوضة الجماعيّة وكذلك الحدّ الأدنى لسنّ الاستخدام (يجب ربط هذا المعطى مع الخصوصيّة المشتركة للبلدان الخليجيّة والمتعلّقة بالنسبة العالية للعمال الأجانب).
علاوة على هذا المؤشّر الأوّل في نسب المصادقة على معايير العمل الأساسيّة الثمانية، سنركّز الآن ولو بإيجاز على أهمّ محتويات التقارير السنويّة الصادرة عن الاتحاد الدولى للنقابات الحرّة والتي تتناول تقييم الأوضاع العماليّة من وجهة نظر إعمال الحقوق والحريّات النقابيّة بما فيها الحق في الإضراب وفي المفاوضة الجماعيّة ... وبالتالي اختصارنا ما ورد في آخر تقرير حول كل البلدان العربيّة (باستثناء الصومال، جزر القمر وفلسطين) وأبرزنا أهم سمات الأوضاع العربيّة بالنسبة لإحقاق :
- الحريات النقابيّة
- الحق في الإضراب
- المفاوضات الجماعية
مع بيان أهم الخصوصيات القطريّة في مجال هذه الحقوق العماليّة (انظر الملحق – جدول رقم 11).
ما هيّ أهم الاستنتاجات ؟ في مجال إعمال الحريّات النقابيّة :
- منعدم في كلّ من الإمارات والسعوديّة والسودان والعراق وسوريا وعمان وقطر وليبيا. يعني في 8 بلدان حيث إن النقابات محجّرة، أو إن وجدت فهي صنيعة الحزب الحاكم وخاضعة للسلطة. - مقيّد جدّا في كلّ من جيبوني ومصر وموريتانيا. - مقيّد بدرجات متفاوتة في البلدان الباقية حيث إنّ التعدّدية النقابيّة في غالبيّة الحالات (باستثناء المغرب) غير قائمة وهامش استقلاليّة النقابة الواحدة متغيّر في المكان والزمان. وبالتالي يمكن القول إنّ نسبة إحقاق الحرياّت النقابيّة متدنيّة ولو بتفاوت.
أما في مجال إعمال الحقّ في الإضراب والمفاوضات الجماعيّة فنصل إلى نفس الاستنتاج تقريبا حيث نجد الحقوق إما منفيّة تماما أو مقيّدة بوضع عراقيل عديدة. هذا ويجب الإشارة إلى أنّ هناك تقاليد في المغرب العربي عموما في مجال المفاوضات الجماعيّة.
أخيرا لا بدّ من التأكيد أنّ التمييز ضدّ العمال الأجانب ظاهرة واسعة النطاق في أغلبيّة البلدان الخليجيّة مع وجود حالات استغلال شديدة خاصّة بالنسبة للنساء وعاملات الخدمة المنزلية
. هدف التنمية للألفيّة :
تأمين فرص الحصول على العقاقير الضروريّة في البلدان النامية بأسعار محتملة، بالتعاون مع الشركات الصيدلية (انظر الملحق – جدول رقم 12) الحقّ في تأمين الخدمات الطبيّة والعناية الطبيّة للجميع (المادة 12 د) يمكن في هذا المجال تصنيف البلدان العربيّة إلى :
- البلدان التي تتّمتّع بنسبة عالية وفي كلّ وقت بالحصول على الأدوية الأساسيّة بسعر مناسب: الأردن والإمارات والبحرين والجزائر والسعوديّة والكويت ولبنان وليبيا.
- البلدان العربيّة التي كانت نسبة التمتع بهذا الحق فيها سنة 1990 كافية : العراق؟ – جيبوتي وسوريا وعمان وفلسطين ومصر
- البلدان التي كانت نسبة التمتّع فيها ± كافية: المغرب واليمن وتونس.
- البلدان التي تعد نسبة التمتّع فيها غير كافية تماما : السودان والصومال.
هذا ونظرا لندرة المعلومات وربّما قلّة دقتها، رأينا من الضروريّ التأكد من نسبة إحقاق الحق في الصحّة المرتبط أساسا بالحق في الضمان الاجتماعي بما في ذلك التأمينات الاجتماعية. وكما سبقت الإشارة فرغم عدم وجود هدف في الألفيّة للتنمية يشمل صراحة الحق في الحماية الاجتماعية، فإنه من المفيد تخصيص جزء من التقييم لإعمال هذا الحق في الحماية الاجتماعية.
14. الحق فى الحماية الإجتماعية (انظر الملحق بالجدول رقم 13)
بالاعتماد على آخر المعطيات المتوفّرة دوليا من طرف إدارة الضمان الاجتماعي والتي مقرّها في واشنطن (Social Security Administration)، يمكن ضبط بعض ملامح الحماية الاجتماعية الموجودة في 13 دولة عربيّة وهي الأردن والبحرين والجزائر والسودان والعراق والكويت والمغرب واليمن وتونس وسوريا وعمّان ولبنان وليبيا ومصر. تصنّف إدارة الضمان الاجتماعي المذكورة أعلاه فروع الضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية إلى خمسة أصناف:
- الشيخوخة والعجز والوفاة (استحقاقات الباقين على قيد الحياة).
2- المرض والأمومة (التعويضات النقديّة في حالة المرض واستحقاقات الأمومة).
3- حوادث الشغل والأمراض المهنيّة (التعويضات عند الإصابات وأمراض الشغل).
4- منحة البطالة.
5- المنح أو المخصّصات العائليّة.
لخصّنا في الجدول أهم خصوصيات حماية الأنظمة الاجتماعية في البلدان العربية التي توفّرت فيها المعطيات لدى إدارة الضمان الاجتماعي المنصوص عليها سابقا.
* من أهمّ ما يمكن استنتاجه ولو بصفة نسبيّة نظرا لغياب كلّ المعلومات الخاصّة بمجال الحماية الاجتماعية، نرى في عديد من البلدان (6/13) أن الحماية الاجتماعية تقتصر على الشيخوخة والعجز والوفاة من جهة، وضدّ أخطار إصابات الشغل من جهة أخرى.
وهذا هو شأن الأردن، والبحرين، والسودان، والكويت، وسوريا وعمان. ولا تغطّي الحماية الاجتماعية الأصناف الستة كلّها إلاّ في كلّ من الجزائر وتونس.
* غالبا لا توجد برامج للتأمين ضدّ خطر البطالة تغطي ولا مخصّصات أو منح عائليّة. حسب المعلومات المتوفّرة. وتخصّ الحماية الاجتماعية بالأساس العاملين بالقطاع الحكومي والمشتغلين في القطاع الخاص المهيكل. في كثير من الحالات وفي غالبية البلدان العربيّة، هناك استثناءات كثيرة حيث إنّ العاملين في القطاع غير المهيكل، في القطاع العائلي، في القطاع الزراعي، الصيد البحري وكذلك العمّال غير القارين والوقتيين والأجانب (في حالة عدم وجود اتّفاقيات متبادلة)، محرومون غالبا من حقوقهم في الضمان الاجتماعي وبالتالي فنسبة التغطية ضعيفة غالبا باستثناء تونس وإلى حدّ ما الجزائر. أمّا فيما يخصّ منظومة الحدّ الأدنى من الأجور، فهي غير متوفّرة غالبا باستثناء تونس والجزائر والمغرب والأردن وذلك حسب المعطيات المتوفّرة لدينا. هذا ويجب الإشارة إلى أنّ الأجر الأدنى لا يمكّن غالبا من ضمان نسبة من العيش الكافية ويعتبر المتحصل على الأجر الأدنى في معايير منظّمة العمل الدوليّة عاملا فقيرا لأنّ دخل كلّ فرد مع أسرته أقلّ من عتبة الفقر المعتمد عليها.
أخيرا، يجب الإشارة إلى وجود برامج مساعدة خاصّة موجّهة إلى الفئات المحرومة والفقيرة في العديد من البلدان العربيّة زد على ذلك الشبكات الأهليّة التي تساهم بفاعليّة متفاوتة في هذا المجال.
15. هدف التنمية للألفيّة :
توفير فوائد التقنيات الجديدة لا سيما في مجال التقنيات في المعلومات والاتصالات
الحقّ: الحقّ في التمتّع بفوائد التقدّم العلمي وتطبيقاته بالنسبة لكل من الاتصال الهاتفي أو استعمال الإنترنت فإنّ العالم العربي ككلّ يسجل نتائج متدنيّة نسبيا بالمقارنة مع تلك المسجّلة في البلدان النامية عموما أو على مستوى العالم ككلّ. ففي سنة 2001، كانت الأرقام كالتالي 13.4 (خطوط الهاتف الرئيسيّة والرقميّة لكلّ 100 ساكن) بالنسبة للبلدان العربيّة في حين أنّها كانت تساوي 16.3 % في البلدان النامية و32.3% على نطاق عالمي. كما أنّ عدد مستعملي الإنترنت كان 1.6 لكل 100ساكن عربي في حين أنّ المعدّل كان 2.6% بالبلدان النامية و8% على مستوى العالم ككل. هذا وحتى نتمكّن من تقييم الإنجاز في غياب أهداف محدّدة للأرقام، اعتمدنا على منهجيّة Robert Prescott Allen القاضية بجدول قياسي مصنّف إلى 5 درجات
(11)
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 01:06 AM أولاً: هيئات الأمم المتحدة المهتمة بحقوق الإنسان
وآليات الحماية المنبثقة عن ميثاق الأمم المتحدة
1- الهيئات
أ- الجمعية العامة
هي الجهاز الرئيس لمنظمة الأمم المتحدة وتضم كل الدول الأعضاء، وتجتمع مرة في السنة في دورة عادية (سبتمبر - ديسمبر)، كما يمكن أن تجتمع في دورة استثنائية أو خاصة بطلب من مجلس الأمن، أو أغلبية الأعضاء, المواضيع التي تناقشها الجمعية العامة مستمدة من تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي أو قراراتها السابقـة، أو اقتراحات من أجهزة أخرى تابعة للأمم المتحدة أو من الأمين العام، وأغلب المواضيع المتعلقة بحقوق الإنسان تحال على لجنة الشؤون الاجتماعية والإنسانية والثقافية التي تعرف باللجنة الثالثة وأحيانا على اللجنة القانونية التي تعرف باللجنة السادسة.
ب- مجلس الأمن
أحد الأجهزة الستة الأساسية في نظام الأمم المتحدة، ومهمته الأساسية ضمان الحفاظ على السلم والأمـن الدوليين، يتكون من 15 عضوا، خمسة منهم دائمين وعشرة غير دائمين، تتخذ القرارات بأغلبية 9 أصوات من بينها الخمسة الدائمين الدين يحق لكل واحد منهم ممارسة حق "الفيتو". منذ سنوات قليلة ونظرا لارتباط انتهاكات حقوق الإنسان بالنـزاعات العنيفة صـار مجلس الأمن يهتم أكثر بالمسائل المتعلقة بحقوق الإنسان، وكمثال على ذلك إنشائه للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقـة، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا. جـ- المجلس الاقتصادى والاجتماعى
جهاز أساسي، ذو أهمية كبرى ضمن أجهزة الأمم المتحدة، يتبع مباشرة الجمعية العامة ومنتخب من طرفها لمدة 3 سنوات يتكون من 54 دولة تمثل المناطق الجغرافية المختلفة للعالم, يقدم توصيات فيما يخص إشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات العامة ومراعاتها، كما يختص بإعداد مشاريع الاتفاقيات الدولية وعرضها على الجمعية العامة, كما يدعو لمؤتمرات دولية حول مواضيع لها علاقة بحقوق الإنسان, من بين لجانه الداخلية لجنة المنظمات غير الحكومية التي تدرس طلبات الحصول على الصفة الاستشارية المقدمة من المنظمات غير الحكومية. يجتمع المجلس في عدة دورات قصيرة خلال السنة من أجل تسيير تنظيم عمله كما يجتمع في دورة في "الموضوع " لمدة أربعة أسابيع، في شهر يوليو/تموز بالتداول مرة في نيويورك ومرة في جنيف، ودورة الموضوع تتضمن اجتماعاً خاصاً في مستوى عال يحضرها وزراء وموظفون سامون حيث تناقش المسائل الكبرى الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وخلال السنة تتم أشغال المجلس في مقرات هيئاته المساعدة.
بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة المجلس الاقتصادي والاجتماعي يمكنه استشارة المنظمات غير الحكومية، وهو يصنفها ثلاثة أصناف هي :
- الصنف الأول : المنظمات التي تهتم بأغلب نشاطات المجلس.
- الصنف الثاني : المنظمات ذات الخبرة والكفاءة في بعض الميادين.
- الصنف الثالث : المنظمات التي قد يلجأ إليها في وقت ما ويمكنها أن تقدم شيئا نافعا للمجلس
المنظمات غير الحكومية التي لها الصفة الاستشارية، يمكنها إرسال ملاحظاتها للاجتماعات العامة للمجلس وهيئاته المساعدة، أو وضع مداخلات مكتوبة تهم المواضيع المطروحة للنقاش.
د- لجنة مركز المرأة
أنشأها المجلس الاقتصادي الاجتماعي سنة 1946، تتكون من 43 دولة بتوزيع جغرافي عادل، تجتمع سنويا في فيينا لمدة أسبوع على الأقل، يحضر اجتماعاتها مراقبون من الدول الأعضاء وغير الأعضاء, والوكالات المتخصصة، والمنظمات غير الحكومية الحائزة على الصفة الاستشارية.
المهـام:
إعداد الصكوك الدولية، تقديم توصيات، إعداد مؤتمرات دولية، رصد تدابير النهوض بالمرأة، وتقييم التقدم المحرز على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي، متابعة نتائج المؤتمرات المتعلقة بالمرأة، تلقي الرسائل المتعلقة بالانتهاكات المرتبطة بالتمييز ضد المرأة.
هـ- المفوضية السامية لحقوق الإنسان
أستحدث منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان بقرار من الجمعية العامة فى 20ديسمبر1993 في إطار برنامج إصلاح الأمم المتحدة وقد أدمج معه مركز حقوق الإنسان في هيكل واحد يعرف الآن بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان.
المهـام:
تدعيم التمتع بحقوق الإنسان، وترجمة ذلك بإجراءات عملية، لعب دور ريادي بالنسبة للمسائل المتعلقة بحقوق الإنسان، تدعيم التعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان, تحفيز وتنسيق العمل لصالح حقوق الإنسان، الحث على التصديق على الاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان وتطبيقها, السهر على تطبيق المعايير, المساعدة على وضع معايير جديدة، تدعيم هيئات الحماية والرقابة, التدخل في حالة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقيام بأعمال وقائية، تسهيل تنصيب الهياكل الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان، القيام بأعمال ميدانية، ضمان الخدمات الاستشارية والمساعدة التقنية.
الوحدات الإدارية للمفوضية:
المفوض السامي: أمين عام مساعد.
نائب المفوض السامي.
ديوان المفوض السامي.
الفرع الإداري.
مكتب نيويورك.
مصلحة البحث والحق في التنمية.
مصلحة الدعم.
مصلحة النشاطات والبرامج.
المكاتب الخارجية.
ثانياً : آليات الأمم المتحدة المكلفة بحماية حقوق الإنسان المنبثقة عن الميثاق
1- لجنة حقوق الإنسان
لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة هي الهيئة الرئيسية التي تعنى بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.
تكوين اللجنة : تتكون اللجنة من 53 دولة.
موعد اجتماعات اللجنة : تجتمع في جنيف مرة في السنة لمدة ستة أسابيع (مارس/آذار، أبريل/نيسان) في دورة عادية، كما يمكنها أن تجتمع بصورة استثنائية، شريطة أن توافق أغلبية الدول الأعضاء على ذلك.
مهام اللجنة :
- وضع المعايير وتطويرها في مجال حقوق الإنسان.
- السهر على تنفيذ المعايير.
- رصد واقع حقوق الإنسان في العالم.
- تقديم التوصيات والاقتراحات لبرامج وسياسات تتعلق بحماية وتعزيز حقوق الإنسان.
- الطلب إلى مفوضية حقوق الإنسان أن تقدم المساعدة إلى الحكومات عن طريق برنامجها لتقديم الخدمات الاستشارية والتعاون التقني في ميدان حقوق الإنسان.
كيف تنجز اللجنة مهامها ؟
من أجل إنجاز مهامها أقرت مجموعة من الإجراءات هي:
1- مجموعات العمل.
2- المقـررون الخاصـون سـواء بالـدول أو بالمواضيع.
3- الممثلون الخاصون.
4- الخبراء المستقلون.
5- الإجراء 1503.
من يحضر اجتماعات اللجنة؟
الدول الأعضاء.
الدول غير الأعضاء - كملاحظين.
ممثلو الدول المدعوة للمشاركة في مداولات اللجنة حول أية مسألة تهم تلك الدولة بشكل خاص.
الوكالات المتخصصة والمنظمات الحكومية الدولية، في المسائل التي تهمها.
المنظمات غير الحكومية الحائزة على الصفة الاستشارية.
من يملك حق التصويت في اللجنة ؟
لا يملك حق التصويت في اللجنة إلا أعضاء اللجنة أو من ينوب عنهم.
ب- الإجراءات حسب الموضوعات
تعد الآليات حسب الموضوعات، آلية من آليات لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وتشمل عددا من فرق العمل، المقررين الخاصين، الممثلين الخاصين وخبراء مستقلين يعينون من طرف اللجنة لدراسة بعض الأنواع الخاصة من الانتهاكات لحقوق الإنسان أينما وقعت عبر العالم.
وتعرف على أنها آليات حسب المواضيع لأنها : (1) تتعلق بموضوع معين. (2) وحتى نفرق بينها وبين الآليات المرتبطة بالدول وهي نوعان : منها ما يعالج القضايا الفردية ومنها ما لا يعالجها. وتوجد حاليا 27 آلية هي حسب الترتيب الزمني لإنشائها:
1- مجموعة العمل حول الاختفاء القسري أو غير الطوعي 1980
2- المقرر الخاص حول القتل خارج إطار القضاء. 1982
3- المقرر الخاص حول التعذيب 1985
4- المقرر الخاص حول حرية الدين والمعتقد 1986
5- المقرر الخاص باستعمال المرتزقة كوسيلة لانتهاك حقوق الإنسان والحيلولة دون تمتع الشعوب بحقـها فـي تقريـر مصيـرها 1997
6- المقرر الخاص حول بيع الأطفال، دعارة الأطفال والمواد الخليعة للأطفال1990
7- مجموعة العمل حول الحبس التعسفي 1991
8- ممثل الأمين العام المكلف بمسألة الأشخاص المرحلين في بلدهم 1992
9- المقرر الخاص حول الأشكال المعاصرة للعنصريـة والتمييز العنصري وكره الأجانب وعدم
التسامح الناتج عنها 1993 10- المقرر الخاص حول ترقية الحق في حرية الفكر والتعبير 1993
11- المقرر الخاص المكلف بمسألة العنف ضد النساء بما في ذلك الأسباب والنتائج. 1994
12- المقرر الخاص حول استقلال القضاة والمحامين 1994
13- المقررة الخاصة حول النتائج الضارة حول رمى النفايات السامة، المؤثرة على التمتع بحقوق الإنسان 1995
14- الممثل الخاص للأمين العام المكلف بدراسة تأثير النزاعات المسلحة على الأطفال. 1996
15- المقررة الخاصة حول الحق في التربية 1998
16- الخبيرة المستقلة حول حقوق الإنسان والفقر المدقع 1998
17- الخبير المستقل حول الحق في التنمية 1998
18- المقررة الخاصة حول حقوق الإنسان للمهاجرين 1999
19- المقرر الخاص حول السكن اللائق كعنصر للحق في مستوى معيشي كاف 2000
20- المقرر الخاص حول الحق في التغذية 2000
21- ممثلة الأمين العام حول وضعية المدافعين عن حقوق الإنسان 2000
22- الخبير المستقل حول آثار سياسية التعديل الهيكلي والدين الخارجي على التمتع بحقوق الإنسان وخاصة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية2000
23- المقرر الخاص حول حالة حقوق الإنسان والحريات الأساسية للشعوب الأصلية 2001
24- الخبير المستقل المكلف بوضع بروتوكول اختياري للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 2001
25- المقرر الخاص حول حق كل إنسان في التمتع بأحسن حالة للصحة الجسمية والعقلية 2002
26- مجموعة العمل المكلفة بدراسة مشاكل
التمييز العنصري التي يتلقاها الأشخاص من أصول أفريقية 2002
27- مجموعة العمل ما بين الحكومات من أجل التطبيق الفعلي لإعلان وبرنامج عمل "دربن" 2002
ماذا يعملون ؟
(1) القيام بدراسات :
يقومون بدراسات عامة، التعرف على انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بمهمتهم، يحللون درجتها وأسبابها ويقدمون ملاحظات حول المسائل المؤسساتية للتشريع الوطني ومدى انسجامها مع المعايير الدولية، يقدمون كذلك توصيات عامة حول الوسائل التي يمكن أن تمنع انتهاكات حقوق الإنسان وعلاج النتائج.
(2) استقبال الرسائل - (الشكاوى)
بعض الآليات يمكنها استقبال الرسائل المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وتتحرك حسب الادعاءات التي تتلقاها سواء من أفراد، أو من منظمات غير حكومية، أو من حكومات، أو من منظمات دولية ومؤسسات أخرى أو مكاتب الأمم المتحدة (بما في ذلك المقررين حسب الدول أو حسب المواضيع). في الحالات المستعجلة (حالة الخوف من إعدام وشيك مثلا) توجه نداء للحكومة ترجوها حماية الأشخاص المعنيين، وإعطاء معلومات حول الحالة.
أما في الحالات الأقـل استعجالا أو تتعلق بادعاءات عامة، فترسل للحكومة رسالة تتضمن وصفا للادعاء طالبة الرد.
بعض الآليات تتابع بحزم القضية بعد رد الحكومة بغية الحصول على إجابة كافية، والبعض الآخر يكتفي بتلخيص رد الحكومة في تقريره
السنوي، وفي غياب أي رد يرسل تذكير.
(3) تقديم تقارير سنوية للجنة
خلال دورتها العاديـة، السنوية، تتلقى اللجنة تقارير من مسئولي الآليات بها وصفا لما قاموا به من نشاط خلال السنة السابقة، وتعرض هذه التقارير الجوانب العامة (المهمة، طريقة العمل، التحليل النظري التوصيات). وتحلل التقارير التي وصلتها ورد الحكومات، وبعض التقارير تتضمن كذلك توصيات حول عدد النداءات العاجلة أو طلبات المعلومات المرسلـة للحكومات وعدد الإجابات.
بعض الآليات مطالبة بتقديم تقرير مؤقت للجمعية العمومية للأمم المتحدة، إلا أن ممثل الأمين العام
المكلف بدراسـة تأثير النزاعات المسلحة على الأطفال يشكل اسـتثناء للقاعدة، لأنه يقدم حسابا عما قام به أمام الجمعية العامة بالإضافة إلى تقديمه تقريرا مؤقتا للدورة السنوية للجنة.
(4) زيارة البلـدان
يمكن لمسئولي الآليات زيارة البلدان للمعاينة الميدانية ولكن هذا يتطلب دعوة من حكومة البلد المعني، وتسمح هذه الزيارات بالحصول على أكبر قدر من المعلومات لأنها تمكن مسئول الآلية من
الاتصال بكل الأطراف والجهات المعنية بموضوع مهمته، والعادة أن تقارير الزيارات تقدم كتقارير منفصلة للجنة، وقد يشترك مسئولي آليتين أو أكثر في زيارة ويقدموا اقتراحات مشتركة لحكومة.
وتشكل التوصيات التي تتضمنها التقارير حول الزيارات مؤشرا قويا للإجراءات الواجب اتخاذها
من قبل الحكومة من أجل وقف الانتهاكات. والملاحظ أن اللجنة لا تعير أي اهتمام للعمل على تجسيد التوصيات ولا تملك الآليات الإمكانيات الكافية لمتابعة القضية بعد الزيارة.
(5) عقد اجتماعات سنوية
يجتمع رؤساء مجموعات العمل، والمقررون الخاصون، والمقررون حسب كل بلد والممثلون
الخاصون، ومختلف الخبراء كل سنة من أجل: تنسيق عملهم حسب ما يتطلبه إعلان فيينا وبرنامج العمل المنبثق عنه.
(6) نشاطات أخرى
(12)
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 01:11 AM آليات رقابة تطبيق الاتفاقيات الدولية
1- ضبط المصطلحات
قبل التطرق بالتفصيل لآليات رقابة تطبيق الاتفاقيات الدولية، تجدر الإشارة إلى توضيح بعض المصطلحات وشرح بعض المفاهيم، حتى يستطيع مستعمل الدليل التعامل مع الاتفاقيات الدولية عن دراية.
أولا: المصطلحات
1-الإمضاء (التوقيع) إمضاء دولة على اتفاقية معناه قبولها المبدئي بمقتضياتها، لكنه لا يؤكد التزامها بهذه المقتضيات، أي أن الدولة عندما تمضي فقط على معاهدة لا تكون ملزمة بتطبيق أحكامها.
2- التصديق يكون التصديق على اتفاقية بعد إمضاء الدولة عليها، أي أن هيئاتها التداولية (البرلمان) قد صادقت عليها, عندئذ تصبح ملزمة وتجعل بعض الدساتير مقتضيات الاتفاقيات المصادق عليها أعلى من القانون الداخلي.
3- الانضمام معناه أن دولة قبلت الارتباط بمقتضيات اتفاقية لم تشترك في المفاوضات الخاصة بإبرامها، عن طريق إعلان يصدر عنها وبالتالي تصبح طرفا في الاتفاقية.
4- الانضمام بصفة دولة وريثة يطلق هذا التعبير في حالة زوال دولة وظهور دولة بديلة لها، وعندما تقبل هذه الدولة الجديدة باحترام الالتزامات التعاقدية بمقتضى اتفاقية صادقت عليها الدولة التي سبقتها نقول إن انضمامها للاتفاقية كان بصفة دولة وريثة ( مثلا، عندما زالت دولة تشيكوسلوفاكيا وظهرت بدلاً منها جمهوريتا التشيك وسلوفاكيا، كلتاهما قبلتا بالالتزامات السابقة لتشيكوسلوفاكيا بمقتضى الاتفاقيات المتعلقـة بحقوق الإنسان).
5- التحفظ هو إعلان من جانب واحد، تقدمه دولة بصورة رسمية وقت الإمضاء أو المصادقة أو الانضمام إلى اتفاقية بهدف جعل فعالية بند من بنود الاتفاقية محدود الأثر أو معطل في أراضيها، وبعبارة أوضح يمكن لدولة أن تصادق على اتفاقية لكنها تتحفظ على بند من بنود هذه الاتفاقية بحجة ما وعليه يمكن تصنيف التحفظ إلى تحفظ استبعاد أو تحفظ تفسيري .
6 - البروتوكول الاختيارى البروتوكول الاختياري المتعلـق باتفاقية، هو اتفاق متعدد الأطراف يمكن للدول الأطراف أن تصادق عليه أو تنضم إليه ويهدف إلى بلورة بصورة أكثر وضوحا بندا معينا من الاتفاقية المعنية أو المساهمة في تطبيق مقتضياتها.
ثانيًا: الإعلانات التي تصدرها الدول في إطار الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان
الإعلان هو التعبير الرسمي من جانب دولة طرف في اتفاقية عن قبولها باختصاص هيئة الرقابة المنصوص عليها في تلك الاتفاقية بتلقي ودراسة ما يقدم إليها مـن شكاوى ضدها وتشمل الإعلانات ما يلي:-
1- الإعلان طبقا للمادة 21 من اتفاقية مناهضةالتعذيب
ويعني الإعلان في إطار هذه المادة أن الدولة أقرت بأن لجنة مناهضة التعذيب مختصة فـي تلقي ودراسة "رسائل" دولة طرف تؤكد أن دولة طرفا أخرى لا تقوم بالتزاماتها التي تضمنتها الاتفاقية، ولا تدرس اللجنة الرسائل إلا إذا كانت الدولتان الشاكية والمشكو في حقها قدمتا هذا الإعلان.
2- الإعلان طبقا للمادة 22 من اتفاقية مناهضةالتعذيب
ويعني هذا الإعلان أن الدولة الطرف تعترف بأن اللجنة لها صلاحية دراسة الرسائل الواردة من أفراد أو وضعت باسم أفراد يؤكدون أن دولة انتهكت حقوقهم المنصوص عليها فـي الاتفاقية، ولا تدرس اللجنة إلا الرسائل المقدمة ضد دول أطراف قدموا إعلانا طبقا للمادة 22 من الاتفاقيـة.
3- الإعلان المتعلق بالمادة 41 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
يعبر عن قبول الدول واعترافها بأن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والمنشأة بمقتضى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لها صلاحية تلقي ودراسة رسائل محولة من دول أطراف، تدعي بأن دولة أخرى طرفا لا تحترم التزاماتها التعاقدية بمقتضى العهد. ولا تدرس اللجنة المعنية بحقوق الإنسان مثل هذه الشكاوى إلا إذا كانت الدولتان الشاكية والمشكو فى حقها قد أعلنتا قبولهما بمقتضيات المادة 41 من العهد.
4- الإعلان المتعلق بالمادة 14 من الاتفاقية الدولية حول إلغاء كل أشكال التمييز العنصري
عندما تعلن دولة طرف قبولها بمقتضيات المادة 14 من الاتفاقية فإنها تعترف بأن لجنة القضاء على أشكال التمييز العنصري مختصة بتلقي ودراسة الشكاوى المقدمة من أفراد أو مجموعات خاضعين للنظام القضائي لتلك الدولة وسلطتها، تدعى أن تلك الدولة أو دولة أخرى طرفا انتهكت حقوقهم المضمونة بموجب الاتفاقية وتدرس اللجنة فقط الشكاوى المقدمة ضد الدول الأطراف التي أعلنت بدورها قبولها بمقتضيات المادة 14.
5- التصريح بمقتضى المادة 76 من اتفاقية حماية حقوق كل العمال المهاجرين وعائلاتهم
بمقتضى هذا التصريح تقبل الدولة الطرف وأن دولة طرفا أخرى يمكنها أن تقدم شكوى ضدها في حالة عدم التقيد بالتزاماتها المنصوص عليها في الاتفاقية.
6- التصريح بمقتضى المادة 77 من اتفاقية حماية حقوق العمال المهاجرين وعائلاتهم
تقيل الدولة الطرف بمقتضى هذا التصريح أن شخصا أو أشخاصا خاضعين لإدارتها يمكنهم تقديم شكوى ضدها.
7- التصريح المتعلق ببرنامج عمل "فيينا"
هذا التصريح يعني أن الدولة صاحبة التصريح تتبنى الوثائق الصادرة عن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي انعقد بفيينا في يونيو/حزيران 1993.
2- آليات مراقبة تطبيق الاتفاقيات
تنبثق عن كل اتفاقية من الاتفاقيات الست المتعلقـة بحقوق الإنسان، إضافة إلى اللجنة المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية لحماية حقوق كل العمال المهاجرين وعائلاتهم التي دخلت حيز التنفيذ في الفاتح من يوليو/تموز 2003, لجنة خبراء مكلفة بمراقبة مدى تطبيق الاتفاقية والتزام الـدول الأطراف بمقتضياتها وإدراج هذه المقتضيات في تشريعاتها. وتتم الرقابة عن طريق تلقى تقارير من الدول الأطراف ودراسة هـذه التقارير.
1- إجراءات التعامل مع الهيئات المنشأة بمقتضى الصكوك الدولية تتشابه في كثير من المسائل، مع ضرورة الانتباه إلى وجود اختلافات هامة قد تتسبب في أخطاء تقع فيها الدول الأطراف في عدة صكوك دولية أو المتعاملين مع الهيئات الاتفاقية مثل المنظمات غير الحكومية المهتمة بكتابة التقارير أو ترغب في المساهمة في وضعها.
2- كل الهيئات الاتفاقية مهمتها الرئيسية دراسة التقارير التي تقدمها الدول الأطراف، وتتبع بصفة عامة نفس الإجراء والدي يتمـثل في:
أ- استقبال التقرير في كتابة اللجنة.
ب- تعيين مقرر من طرف اللجنة حول الدولة التي قدمت تقريرها محل دراسة (مقرر للدولة).
ج- تحليل الوضع في الدولة من طرف اللجنة، خاصة من طرف المقرر وموظفي الأمانة الذين كلفوا بمساعدته.
د- بالنسبة للجان التي لها مجموعة عمل ما قبل الدورة مـكلفة بتحضير دراسـة تقارير الدول الأطـراف :
هـ- ضبط قائمة بالنقاط محل الدراسة والمصادقة عليها.
و- إرسال قائمة النقاط محل الدراسة إلى الدولة الطرف.
ز- دراسة المعلومات المقدمة من كل الأطراف المعنية وخاصة مؤسسات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية، في إطار مجموعات عمل ما قبل الدورة أو أثنائها أو فـي الحالتين.
ح- دراسة تقرير الدولة الطرف في جلسة علنية، بحضور وفد حكومي يجيب على الأسئلة التي تطرح عليه من طرف أعضاء اللجنة.
ط - المصادقة على الملاحظات النهائية، أو الخلاصة من طرف اللجنة.
3- رغم أن إجراءات دراسة تقارير الدول الأطراف، متشابهة، إلا أن بعض الصكوك الدولية تضمنت بعض الشروط، تتعلق بعدة مسائل إجرائية ذات قاعدة مشتركة للكل، لكنها تختلف من هيئة إلى أخرى مثـلا :
- دورية تقديم التقارير ليست واحدة بالنسبة لكل الصكوك.
لحد الساعة الهيئات الاتفاقية التي تدرس تقارير الدول الأطراف في إطار مجموعات عمل ما قبل الدورة، وهي التي تمثل الغالبية العظمى (هيئتان فـقط تشكلان استثناء).
- البعض منها يطلب بإلحاح من المنظمات غير الحكومية تزويدهـا بالمعلومات، في حين يكتفي البعض الآخر باستقبال المعلومات دون طلبها كما أن كل لجنة تحاور وفود الدول الأطراف بأساليبها الخاصة.
- تعالج اللجان أحيانا ردود أفعال الدول التي تقاريرها محل دراسة. - بعض اللجان تنشر المعلومات وبعضها تشح فـي النشر.
- بعض الهيئات الاتفاقية تضع آليات جديدة حتى تضمن أن الدول الأطراف والتي لا تقدم تقارير لا تنج من دراسة وضعية حقوق الإنسان على أراضيها، والبعض الآخر لم يحدد بعد موقفا للتعامل مع مثل هده الوضعية.
يتضح من كل ما سبق أن هناك اختلافات في الممارسات المتبعة ضمن الهيئات الاتفاقية من أجل دراسـة التقاريـر، هذه الاختلافات يمكنها أن تعقد عمل المشاركين في المسعى، أو الملاحظين
متى تقدم الدول الأطراف تقاريرها؟
تحدد كل اتفاقية مواعـيد تقديم الدول الأطراف لتقاريرها، وتبين الفترة الفاصلة بين تقرير وآخر، ماعدا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي لم يحدد أي دورة زمنية لتقديم التقارير واكتفى بالتأكيد على التقرير الأولي الذي يجب أن يقدم خلال سنة من بدء نفاد العهد، أما التقارير اللاحقة فتقدم كلما طلبت اللجنة مـن الدولة الـطرف ذلك .
تقدم بعض الدول تقاريرها بعد الموعد المحدد بسنوات، وبعضها الآخر لا يقدم أي تقرير، مما اضطر بعض اللجان لابتداع بـعض الإجراءات، تتعلق بدراسة حالة الدول التي تتأخر فـي تقديم
تقاريرهـا على ضوء معلومات متوفرة خاصة من منظمات غير حكومية (لجنة القضاء على التمييز العـنصري، لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيـة، لجنة حقوق الإنسان، لجنة حقوق الطفل). ولا يستبعد أن تحذو اللجنتين الباقيتين حذو اللجان المذكورة على المدى القريب، وخاصة أن لجنة مناهضة التعذيب أدرجت فـي جدول أعمالها في سنة 2002 مناقشة حول الموضوع.
كما أن لجنة حقوق الإنسان تبنت إجراءً خاصا، بحيث ترسل في نهاية دراستها "خلاصة أوليـة" للدولة التي لم ترسـل تقريرها، لكنها لا تنشر هذه الخلاصة إلا في الدورة اللاحقة ، فـي حالة كون الدولة دائما غائبة.
كما أنها قررت في أبريل/نيسان 2001 أنها يمكنها أن تطلب تقارير دورية عاجلة تسلم فـي مدة ثلاثة أشهر على ضوء أحداث استجدت أو جارية تشير إلى أن إعمال حقوق الإنسان المحمية بمقتضى العهد يواجه خطرا محدقا في بعض الدول الأطراف، وإذا أثبتت دراسة تقرير وجود حالة خطيرة من منظور حقوق الإنسان، يمكن للجنة أن تطلب من الدولة المعنية أن تستقبل وفدا مكونا من عضو أو أكثر من أعضائها بهدف إعادة ربط الحوار من أجل تفهم أكثر للوضع، وتقديم الاقتراحات اللازمة.
أنشأت لجنة القضاء على التمييز العنصري إجراءً استعجاليا يمكن بمقتضاه للجنة أن تتخذ اجرائين. إجراء للإنذار المستعجل، وآخر للتدخل العاجل.
ويهدف إجراء الإنذار المستعجل إلى علاج المسائل الهيكلية الموجودة ومنعها من التحول إلى نزاع، أو الوقاية من الرجوع إلى وضع متأزم في حالة وجود نزاع سابق ، أما إجراء التدخل العاجل فيهدف إلى الإجابة على مسائل تفرض اهتماما عاجلا لمنع أو تقليص انتشـار الانتهاكات الجسيمـة للاتـفاقية، ومعيار قبول هذين الإجراءين هو : وجود تمييز عنصري، خطير، عام ومنهجي، أو وجود حالة تشكل خطورة أو تنذر بأعمال جديدة للتمييز العنصري.
محتوى تقارير الدول الأطراف
مواضيع مشتركة لتقديم التقارير التي تعد لجميع هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان. وهي تشكل الجزء الأول من التقارير ويعرف بالجزء العام ويتضمن :
1- صورة قطرية
أ- الأرض والسكان
هذا الجـزء يحتـوى على معلومـات عن الخصائص الرئيسية الجغرافية والإثنية واللغوية والديموغرافية، والدينية للبلد وسكانه.
ب- الهيكل السياسي العام
يقدم هذا الجزء وصفا موجزا للتاريخ والإطار السياسي، ونوع الحكومة، وتنظيم السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
ج- الخصائص الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
معلومات على مؤشرات مختلفة من بينها الناتـج القومي الإجمالي والدخل بالنسبة للفرد الواحد، والتوزيع الوظيفي للدخل، ومعدل التضخم وميزانا التجارة والمدفوعـات، والديون الخارجية، ومعدل البطالة، ونسبة الإلمام بالقراءة والكتابـة.
د- الإطار القانوني العام لحماية حـقوق الإنسان
معلومات عن السلطات القضائية والإدارية وغيرها من السلطات المختصة التي تدخل في صلاحياتها مسائل تمس حقوق الإنسان، وسبل الانتصاف المتاحة لأي فرد، ذكرا كان أو أنثى، يدعي أن أيا من حقوقه قد انتهك، ونظم التعويض المتوفرة للضحايا.
هل الحقوق المشار إليها في الاتفاقية مشمولة بالحماية سواء في الدستور أو بموجب تشريع منفصل، وإذا كان الأمر كذلك فهل توجد في الدستور أو في هذا التشريع المحدد أحكاما تسمح بعدم التقيد بها وفي ظل أي ظروف. ذكر إمكانية الاحتجاج بأحكام مختلف الصكوك الدوليـة لحقوق الإنسان أمام المحاكم أو غيرها من الجهات القضائية أو السلطات الإدارية فتقوم هـذه بإنفاذها أو أن الأمر يتطلب تحويلها إلى قوانين داخلية أو لوائح إدارية كي تقوم السلطات المعنية بإنفاذها.
2- الإعلام والنشر عن العهد وتقارير الدولة المقدمة للجنة
كيف تم نشر العهد، وهل ترجم إلى لغات محلية، وكيفية توزيع النسـخ من هذه الترجمات، وهل هناك حاجة إلى مساعدة من الأمم المتحدة في هذا المجال، الوكالات الحكومية التي أعدت التقرير، كيف تم استقاء أو تلقى المعلومـات وعن أية مصادر، مدى اتساع دائرة الاطلاع على التقرير على المستوى المحلي، هل كانت محتوياته موضوع مناقشة عامة.
3- المركز القانوني للعهد ومدى تنفيذ العهد
موقع العهد في القانون الداخلي، هل المحاكم تطبق بنوده مباشرة أم أن الأمر يتطلب إجراءات أخرى.
ما هي الحقوق المنصوص عليها في العهد، والمنصوص عليها في دستور الدولة.
النصوص القانونية المحلية قبل وبعد المصادقة على العهد، التغييرات التي أجريت وإلى أي مدى وبأي شكل تكون الحقوق المعترف بها في العهد غير مكفولة لغير المواطنين وما تبرير ذلك ؟.
الجزء الثاني التعاون الدولي وتنفيذ بنود العهد
بعد الانتهاء من المبادئ العامة، ينتقل التقرير الحكومي إلى الجزء الثاني والمتعلق بمدى تطبيق مواد العهد، بحيث يتطرق لكل المواد المتضمنة حقوقا معترف بها وهي طبعا تختلف من عهد إلى عهد عكس المبادئ العامة التي تكون مشتركة بين كل التقارير الموجهة للآليات الاتفاقية.
محمد حسن ضبعون 30-08-2009, 01:16 AM لجان مراقبة تنفيذ الاتفاقيات
1- اللجنة المعنية بحقوق الإنسان
انبثقت عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المصادق عليه من قبل الجمعيـة العامة في 16/12/1966 والذي دخل حيز التنفيذ في 23 مارس/آذار 1976.
وتراقب تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولين الاختياريين الملحقين به. (الأول الخاص بحق الأفـراد في تقديـم شكوى ضد دولة طرف بتهمة انتهاك حقوق الإنسان والحريات الأساسية المحمية بمقتضى العهد. والثاني الخاص بإلغاء عقوبة الإعدام).
وتتكون اللجنة من 18 خبيرا ينتخبون من قبل الدول الأطراف لمدة أربعة أعوام، وتجرى انتخابات لنصف الأعضاء كل سنتين بمقر الأمم المتحدة وتجتمع ثلاث مرات في السنة (في مارس/آذار في نيويورك وفي يوليو/تموز، ونوفمبر/تشرين ثان في جنيف). لمدة ثلاثة أسابيع.
وقد كونت اللجنة مجموعتي عمل، تجتمعان قـبل كل دورة ، تختص إحداهما بدراسة الشكاوى التي تقدم فـي إطار البروتوكول الاختياري الأول، أما المجموعة الثانية فتدرس تقارير الدول وتحضر الأسئلة التي سوف تطرح على الدولة المعنية بعد تقديم تقريرها في الجلسة العامـة المقبلة.
كيف تقوم اللجنة بمهامها؟
- تتلقى وتدرس التقارير الواردة من الدول الأطراف، بشأن التدابير التقى اتخذتها لإعمال الحقوق المنصوص عليها في العهد.
- تتلقى رسائل من دولة طرف تزعم أن دولة طرفا أخرى لا تفي بالتزاماتها بموجب العهد.
- تتلقى وتدرس الشكاوى الواردة من الأفراد الذين يزعمون أن دولة طرفا في العهد انتهكت حقوقهم الإنسانية.
- تنظم نقاشا عاما حول بعض أحكام العهد، بهدف إعطاء تفسيرات لنطاق ومعنى هذه الأحكام.
أ- دراسة التقارير :
الدول الأطراف ملزمة بتقديم تقرير دوري، إلى اللجنة عن التدابير المتخذة لإعمال الحقوق المحددة في العهد.
- يقدم التقرير الأول خلال سنة من بدأ سريان العهد بالنسبة للدولة المعنية، أما باقي التقارير الدورية فتقدم كل خمس سنوات.
- تكلف اللجنة فريق عامل، مخصص لدراسة التقرير، يحدد المسائل الواجب تناولها مع ممثل الدولة صاحبة التقرير، ويعد قائمة بالأسئلة، تسلم مسبقا للدولة المعنية، ويمنح أجلا كافيا لتحضير الرد والإجابة على الأسئلة.
- إذا لم تقدم المعلومات المطلوبة من أعضاء اللجنة بصورة كاملة أو لم تتوافر إطلاقا، يدعى ممثل الدولة إلى تقديم ردود خطية في وقت لاحق.
- عند دراسة التقرير في الجلسة العامة، يعتمد أعضاء اللجنة في مناقشتهم مع ممثلي الدول على مصادر عديدة، منها:
- التقارير الواردة إلى هيئات الأمم المتحدة الأخرى المعنية بحقوق الإنسان واستنتاجاتها.
- النتائج التي يخلص إليها مقررو الأمم المتحدة بخصوص مسائل محددة من مسائل حقوق الإنسان.
- خبرة وكالات الأمم المتحدة المتخصصة.
- المعلومات الواردة إليها من المنظمات غير الحكومية.
بعد تقديم التقرير والرد على الأسئلة المكتوبة، والأسئلة المطروحة أثناء الجلسة العامة، يمكن للجنة
التقدم بتوصيات بشأن سبل إعمال العهد على نحو أفضل في القوانين والممارسات الوطنية.
ب- الشكاوى فيما بين الدول
يجوز لدولة طرف توجيه شكوى إلى اللجنة تدعى فيها أن دولة طرفا أخرى لا تفي بالتزاماتها.
متى تقبل الشكوى طبقا لهذا الإجراء
تقبل الشكوى إذا كانت الدولة الشاكية طرفا في العهد، وقدمت إعلانا طبقا للمادة 41 من العهد بقبولها اختصاص اللجنة في دراسة مثل هذه الشكوى. وفي نفس الوقت يجب أن تكون الدولة المشتكي منها طرفا في العهد، وقدمت إعلانا طبقا للمادة 41 من العهد.
في حالة توافر شرط الإعلان بالنسبة للدولة الشاكية والمشـتكى منها وقبل أن تتوجه الدولة الشاكية للجنة، تلفت نظر الدولة المدعى بعدم احترامها لالتزاماتها، بالمسألة موضوع الشكوى، وفي غضون ثلاثة أشهر على الدولة المشتكى منها أن ترد في شكل توضيح.
إذا لم تسو المسألة في غضون ستة أشهر، بما يرضي الطرفين يجوز لأي من الدولتين إحالة الخلاف إلى اللجنة.
تقوم اللجنة بمساع حميدة بحثا عن حل ودي، وفي حالة الفشل، تعين لجنة توفيق مكونة من خمسة أشخاص، يحوزون موافقة الدولتين، على أن لا تشمل ضمن أعضائها أيا من مواطني الدولتين. وتقدم لجنة التوفيق تقريرها إلى رئيس اللجنة، ومن خلاله للطرفين في غضون12 شهرا.
شكاوى الأفراد
شـروط القبول :
- أن تكون الدولة المشتكى منها طرفا في العهد وفي البروتوكول الاختياري الأول.
- أن لا تكون الرسالة مجهولة المصدر، وأن ترسل من شخص أو مجموعة أشخاص يخضعون للولاية الإدارية للدولة المشتكى منها.
- أن يستنفد الشاكي أو الشاكين طرق الطعن الداخلية.
- أن لا يكون نفس الموضوع مطروحا على هيئة أخرى من هيئات الأمم المتحدة.
- يجوز للجنة أو لفريقها العامل المعني بالشكاوى أن تطلب من الشاكي أو الدولة المعنية معلومات إضافية وأن تحدد مهلة لذلك قبل الفصل في قبول أو رفض الشكوى.
- إذا كان للدولة المشتكى منها ما تقوله في هذه المرحلة يحصل الشاكي على نسخة من ردها ليبدي تعليقاته.
- إذا أعيدت الشكوى إلى صاحبها، لمزيد من المعلومات، ثم بعد ذلك تم رفضها لا يرسل أي شيء للدولة المعنية.
كما أن اللجنة يمكنها عدم متابعة شكوى دون إصدار قرار كتابي في حالة ما إذا سحب مقدم الشكوى شكواه أو بين بطريقة أو بأخرى نيته في عدم متابعة المسألة.
في حالة قبول الشكوى، تطلب اللجنة من الدولة المعنية، توضيحات أو استفسارات حول المسألة، وبيان ما إذا كان أي إجراء قد اتخذ لتسويتها وتمنحها مهلة ستة أشهر للرد.
بعد رد الدولة يسمح للشاكي بالتعليق على رد الدولة، ثم بعد ذلك تبدي اللجنة آرائها النهائية ثم ترسلها إلى صاحب الشكوى والى الدولة المعنية.
أثناء سير الإجراءات تعامل اللجنة الشاكي والدولة على قدم المساواة وتتيح لكل طرف إمكانية التعليق والرد على حجج الطرف الثانـي.
ينشر ما تخلص إليه اللجنة، وآرائها، وقراراتها بالرفض أو القبول بعد الجلسة التي تعتمد فيها الاستنتاجات مباشرة، وتدرج هذه الاستنتاجات في التقرير السنوي الذي ترفعه اللجنة إلى الجمعية العامة، بالإضافة إلى نشر مجموعة مختارة من القرارات التي تصدرها في إطار البروتوكول الاختياري في مجلد.
ج - الإجراءات التحفظية أو السريعة
إجراءات قبول النظر في قضية قد تستغرق عاما، والنظر في وقائعها قد يستغرق عامين، وقد يكون الأشخاص الشاكون في حاجة إلى حماية ومساعدة، لذلك تقوم اللجنة في بعض الحالات بمخاطبة الدول المعنية لإيقاف طرد، أو تنفيذ حكم إعدام، أو ضرورة إجراء فحص طبي عاجل.
ولا يقع عبء الإثبات على الشاكي فقط فاللجنة مطالبة بدراسة كافة المعلومات التي توفرها الأطراف المعنية، كما لا يكفي فحص شكوى بانتهاكات معينة بعبارات عامة.
وقد أنشأت اللجنة آلية تراقب بواسطتها ما إذا كانت الدول الأطراف قد نفدت مقرراتها النهائية بشأن الوقائع المدروسة. واللجنة تتخذ قراراتها "بالتوافق" لكن يحق لأعضاء اللجنة تسجيل آرائهم الفردية.
د- المناقشات والتعليقات العامة
يعد تفسير بنود العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مهمة أساسية من مهام اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، لذلك تجرى مناقشات عامة بهدف الوصول إلى تحديد مفهوم بعض المواد، أو المواضيع التي تضمنها العهد، وتنتهي هذه المناقشات بتعليقات توجه للدول الأطراف من أجل تسهيل إعمال بنود العهد وتحرير تقاريرها.
- لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
لم ينص العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على إنشاء وتكوين لجنة تعاهدية لمراقبة تنفيذ أحكامه، مثلما جاء في المواثيق الدولية الأخرى ذات الصلة بحقوق الإنسان. وقد نشأت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمقتضى قرار اتخذه المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 1985. وهكذا تعتبر اللجنة إحدى الأجهزة المتفرعة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
تتولى اللجنة مراقبة تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيـة وإقامة حوار بناء مع الدول الأطراف.
وتتكون اللجنة من 18 خبيرا ينتخبون من الدول الأطراف لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد.
وتجتمع اللجنة مرتين في السنة (أبريـل/ نيسان، ونوفـمبر/تشرين ثان) لمدة ثلاثة أسابيع.
كيف تقدم الدول الأطراف تقاريرها إلى اللجنة؟
تتعهد الدول الأطراف بموجب المادتين 16و17 من العهد بتقديم تقارير دورية، حسب مبادئ توجيهية مفصلة لإعداد التقارير تقع في 22 صفحة وتحدد أنواع المعلومات التي تحتاج إليها اللجنة لرصد مدى تنفيذ الدول لالتزاماتها بمقتضى العهد.
كيف تتعامل اللجنة مع التقارير؟
بعد أن تتلقى الأمانة تقارير الدول الأطراف، تخضع هذه التقارير في أول الأمر لاستعراض فريق عمل مكون من خمسة أعضاء يجتمع قبل انعقاد دورة اللجنة بستـة أشهر، يكلف بعدها أحد الأعضاء الخمسة بإجراء دراسة خاصة ووضع قوائم بالأسئلة المكتوبة بشأن ما لوحظ في التقرير، بعدها يطلب من الدولة الطرف الرد على هذه الأسئلة قبل حضورها أمام اللجنة.
عرض التقارير
تعقد اللجنة جلساتها بحضور الدول المقدمة للتقارير، التي عادة ما ترسل وفودا تـقدم ملاحظات تمهيدية والرد على الأسئلة المكتوبة الموجهة من الفريق العامل السابق للدورة، بعدها تقدم وكالات الأمم المتحدة المتخصصة التي يتصل عملها ببعض المواضيع التي تضمنتها التقارير قيد البحث عرضا للمعلومات التي بحوزتها.
يبدأ أعضاء اللجنة في توجيه الأسئلة والملاحظات إلى الدولة الطرف الماثلة أمامهم ويسمح مرة أخرى لممثليها بالرد على الأسئلة والآراء المطروحة عليهم بأقصى دقة ممكنة، وإذا لم تقتنع اللجنة بالردود قد تطلب موافاتها بمعلومات إضافية للنظر فيها في الدورات المقبلة.
بعد انتهاء اللجنة من تحليل التقارير والاستماع إلى ردود وإجابات الدول الأطراف تصدر ملاحظات ختامية تشكل قرار اللجنة بشأن التزام الدولة الطرف بتنفيذ مقتضيات العهد، وتعتمد هذه الملاحظات الختامية في جلسة سرية ويصرح بنشرها في اليوم التالي.
عادة ما تتضمن الملاحظات الختامية مقدمة، يليها الجوانب الإيجابية، ثم العوامل والصعوبات المعرقلة لتنفيذ العهد، ودواعي القلق الرئيسية، وأخيراً الاقتراحات والتوصيات.
أمام تماطل الكثير من الدول في تقديم تقاريرها جعلت من اللجنة تقرر دراسـة حالة دولة في غياب تقريرها، لكنها تعلمها بذلك.
كذلك تصدر اللجنة تعليقات عامة بشأن الحقوق والأحكام الواردة في العهد بغية مساعدة الدول الأطراف للوفاء بالتزاماتها في تقديم التقارير، وهذه التعليقات تشكل وسيلة تسمح لأعضاء اللجنة بالتوصل إلى اتفاق بتوافق الآراء فيما يتعلق بتفسير المعايير التي يجسدها العهد.
كما تخصص اللجنة في كل دورة من دوراتها يوما للمناقشة العامة بشأن أحكام معينة في العهد أو حقوق إنسانية معينة أو مواضيع تهم اللجنة بغية تعميق فهمها لهذه المسائل.
كما تخصص اللجنة جزءا من وقتها لإعطاء المنظمات الدولية والوطنية غير الحكومية فرصة للتعبير عن آرائها بشأن الكيفية التي تقوم بها الدول الأطراف من أجل الوفاء بالتزاماتها بمقتضى العهد، كما تتلقى شهادات شفوية من منظمات غير حكومية شريطة أن تكون المعلومات المقدمة مركزة على أحكام العهد، وجديرة بالثقة وخالية من الإساءة.
كما يجوز للمنظمات غير الحكومية أن توجه طلباً إلى أمانة اللجنة قبل شهور من بدء دورة معينة، وإذا كانت ترغب في الحديث أثناء الإجراء الخاص بالمنظمات غير الحكومية.
ويمكن للمنظمات غير الحكومية التي لها الصفة الاستشارية، أن تحضر دورات اللجنة وأن تقدم عروضا مكتوبة في أي وقت.
جلسات اللجنة علنية، باستثناء جلسات إعداد الملاحظات الختامية التي تكون سرية.
3- لجنة القضاء على التمييز العنصري
تراقب اللجنة تطبيق الاتفاقيـة الدولية حول القضاء على كل أشكال التمييز العنصري التي دخلت حيز التنفيذ في 4/1/1969.
وتتكون اللجنة من 18 خبيرا مستقلا ينتخبون من جانب الدول الأطراف لمدة 4 سنوات، وتجتمع مرتين في السنة (مارس/آذار، أغسطس/آب) لدورة تستمر ثلاثة أسابيع.
كيف تنجز اللجنة مهامها :
- دراسة التقارير الدورية التي تقدمها لها الدول الأطراف.
- تلقى الشكاوى الموجهة من دولة ضد أخرى.
- تلقى شكاوى الأفراد أو مجموعات الأفراد.
كيف تقدم الدول تقاريرها
- تقدم الدول الأطراف، تقارير دورية شاملة كل أربع سنوات وتقارير مكملة موجزة كل سنتين.
تضم التقارير الجانب التشريعي، والخطوات القضائية والإدارية، والإجراءات المتخذة في ميادين التعليم والثقافة والإعلام، والقوانين المضادة للتمييز.
كيف تتعامل اللجنة مع التقارير
- بعد دراسة التقارير، يمكن للجنة أن تطلب معلومات إضافية من الدولة مقدمة التقرير، كما يمكنها تقديم توصيات واقتراحات.
- تقوم اللجنة بدراسات ذات طابع عام، وتقدم توصيات واقتراحات في هذا الشأن، من خلال تقرير سنوي تقدمه للجمعية العامة عن طريق الأمين العام.
- يمكن للجنة دراسة وضعية دولة طرف حتى إن لم تقدم أي تقرير.
كيف تتعامل اللجنة مع الشكاوى
1- شكوى دولة ضد دولة
طبقا للمادة 11 من الاتفاقية يحق لدولة طرف إذا رأت أن دولة طرف أخرى لا تطبق مقتضيات الاتفاقية أن تعلم اللجنة بذلك
- تحول اللجنة الشكوى إلى الدولة المعنية.
- خلال ثلاثة أشهر تقدم الدولة المعنية للجنة التوضيحات اللازمة والإجراءات المتخذة من أجل علاج
الأمر.
- إذا لم تقع تسوية الوضع خلال ستة أشهر من تاريخ تسلم الشكوى من طرف الدولة المرسلة إليها، سواء عن طريق الحوار الثنائي أو بأي شكل آخر، يمكن إعلام اللجنة مرة أخرى.
- يمكن للجنة أن تطلب من الدول الأطراف تزويدها بأية معلومات تراها ضرورية.
- عندما تدرس اللجنة شكوى دولة ضد أخرى، يحق للأطراف المعنية أن تعين ممثلا يشارك في الأشغال خلال فـترة المناقشـات لكن لا يحق له التصويت.
- بعد الحصول على كل المعلومات وتفحصها، رئيس اللجنة يعين لجنة مصالحة، مكونة من خمسة أشخاص قد يكونون من أعضاء اللجنة أو من خارجها، لكن يجب أن يحصلوا على القبول التام من الطرفين المتنازعين واللجنـة تضع مساعيها الحميدة في متناول المعنيين، حتى يتمكنوا من الوصول لحل ودي مبني على احترام مقتضيات الاتفاقية.
- إذا لم يصل الطرفان لوفاق على بعض أو كل أعضاء اللجنة خلال ثلاثة أشهر، تنتخب اللجنة أعضاءً من بين أعضاء اللجنة عن طريق الاقتراع السري بأغلبية الثلثين.
- أعضاء اللجنة (لجنة المصالحة) لا يجب أن
يكونوا من مواطني الدولتين المعنيتين بالنزاع، ولا من بين مواطني دولة ليست طرفاًَ في الاتفاقية. وتتقاسم الدولتان المعنيتان مصروفات أعضاء لجنة المصالحة، حسب جدول تقد يرى تضعه سكرتارية الأمم المتحدة، ويمكن للأمين العام أن يتحمل مصاريف أعضاء اللجنة ريثما يتم تعويض هده المصاريف من طرف الدول المعنية.
- تـضع لجنة القضاء على التمييز العنصري ما حصلت عليه من معلومات تحت تصرف اللجنة الخاصة، وهذه الأخيرة أن تطلب معلومات إضافية من الدولتين المتنازعتين.
- بعد دراسة المسألة من كل جوانبها، تضع اللجنة الخاصة تقريرا بين أيدي رئيس لجنة القضاء على التمييز العنصري، يتضمن ما خلصت إليه من نتائج وتوصيات من أجل الوصول إلى حل ودي للنزاع. ويحيل رئيس لجنة القضاء على التمييز العنصري التقرير إلى الدول المعنية التي عليها أن تعطي رأيها في التوصيات بالقبول أو الرفض خلال ثلاثة أشهر.
- عندما تنتهي مدة ثلاثة أشهر يبلغ رئيس لجنة القضاء على التمييز العنصري تقرير اللجنة الخاصة مع تصريحات الدول الأطراف المعنية لباقي الدول الأطراف في الاتفاقية.
2- شكاوى الأفراد
يتطلب قبول شكوى مواطن، أو مجموعة من المواطنين ضد دولتهم، شرطا أساسيا وهو: قيام الدولة الطرف بتقديم إعلان يتضمن قبولها اختصاص اللجنة بالنظر في الشكاوى الواردة من أفراد أو مجموعات تخضع لإدارتها.
- الدولة التي تقدم الإعلان طبقا للمادة 14 من الاتفاقية، يمكنها إنشاء أو تعيين هيئة ضمن نظامها القضائي، تستقبل وتدرس الشكاوى الواردة من أفراد أو مجموعات يخضعون لإدارتها، ويشتكون وأنهم ضحايا انتهاك معين لحقوق أوردتها الاتفاقية وأنهم استعملوا كافة وسائل الطعن الداخلية.
- يوضع الإعلان، واسم الهيئة المنشأة لدى الأمين العام للأمم المتحدة، الـذي يقوم بإرسال نسخة منه للدول الأطراف الأخرى. ويمكن سحب الإعلان في أي وقت بواسطة تبليغ يوجه للأمين العام، لكن هذا السحب لا يؤثر على الشكاوى التي سبق أن تلقتها اللجنة.
- تمسك الهيئة المنشأة، دفترا للشكاوى، ونسخا مصادقاً عليها مطابقة للدفتر، توضع كل سنة لدى الأمين العام للأمم المتحدة، ولا يفشى محتوى هـذه النسخ للعامة.
- إذا لم ينل الشاكي مبتغاه من الهيئة المنشأة، حق له أن يخطر اللجنة خلال ستة أشهر.
كيف تتعامل اللجنة مع الشكاوى؟
تبلغ اللجنة الدولة الطرف المعنية - بصورة سرية - بما وصل إليها من شكاوى تدعى بمخالفة
مقتضيات الاتفاقية.
ورغم أن اللجنة لا تقبل الشكاوى مغفلـة الإمضاء، فان اسم الشاكي لا يذكر في المراسلات الموجهـة للدول الأطراف إلا إذا رضي المعنيون بذلك.
- للدولة المعنية ثلاثة أشهر من أجل الرد وإعطاء توضيحات حول الانتـهاك المدعي به، ذاكرة الإجراءات المتخذة من أجل علاج الوضع في حالة إذا توافرت.
- تدرس اللجنة الشكوى ورد الدولة المعنية، وتوجه اقتراحات وتوصيات للدولة الطرف المعنية والشاكي.
- تدرج اللجنـة في تقريرها السنـوي خلاصة للشكاوى والتوضيحات المقدمة من طرف الدول.
الإجراء طبقا للمادة 14 من الاتفاقية لا تعمل بـه اللجنة إلا إذا قدمت على الأقل عشر دول أطراف تصريحات بقبول الإجراء.
(14)
امال عبد الهادى 18-09-2009, 08:28 PM جهد كبير من انسان عظيم هذا الموضوع الهام موجود فى معظم المواد الدراسية كقضايا متضمنة فى المنهج على مدرسى المواد المختلفة اعدا د بحث عنها وتقديمها للمدرسين والطلاب وقد وفرت علينا جهد البحث عنها فاشكرك كثيرا على هذا الجهد المتميز مستر حسن وبارك الله فيك وجعل هذا العمل فى ميزان حسناتك .
محمد حسن ضبعون 19-09-2009, 12:39 PM جهد كبير من انسان عظيم هذا الموضوع الهام موجود فى معظم المواد الدراسية كقضايا متضمنة فى المنهج على مدرسى المواد المختلفة اعدا د بحث عنها وتقديمها للمدرسين والطلاب وقد وفرت علينا جهد البحث عنها فاشكرك كثيرا على هذا الجهد المتميز مستر حسن وبارك الله فيك وجعل هذا العمل فى ميزان حسناتك .ا
الأخت الفاضلة الأستاذة/ أمــال
هذا واجبى تجاه بلدى وأحبتى
أشكرك على هذا الثناء
وتقبلى تحياتى
|