مشاهدة النسخة كاملة : بين المدرسة والبيت


*عبير الشوق*
22-10-2009, 09:39 PM
بين المدرسة والبيت..


تنفقُ الدول والحكوماتُ أموالاً ومبالغَ طائلةً على العملية التربوية والتعليمية، وتُسخر لهذا الغرض طاقاتٍ هائلةً وكوادرَ بشرية عظيمة، قاصدةً من وراء ذلك إنشاء أجيالٍ واعيةٍ؛ وإقامة مجتمع متقدمٍ متطورٍ؛ يستطيع أبناؤه امتلاك ناصية العلم والمعرفة.
وللعملية التربوية مفردات كثيرةٌ متنوعة تساهم في إنجازها وإنجاحها، وتتقاطع أمورٌ كثيرة في أداء هذه المهمة النبيلة؛ ووسائلٌ متعددة ومتنوعة وأساسية لإنجاحها رغم بساطة بعضها؛ إذ لا يمكن الاستغناء عن أي وسيلة أو عن أي طرفٍ من أطراف هذه العملية التربوية والتي هدفها هو المتعلم( تلميذ، طالب). هذه العملية مسألة معقدة ومركبة تحتاج لتضافر وتكاتف جهودٍ كثيرة؛ وجهاتٍ متعددة ومؤسسات عدة؛ كلٌ حسب دوره، ولعل أهم طرفين من أطراف هذه العملية هما المدرسة والبيت، ولكل منهما أدواته الخاصة ووسائله التي من خلالها يستطيع أداء مهمته بشكل تام وناجحٍ.
كلا الطرفين يمتلك دوراً مهماً يكمل دور الطرف الأخر، فلا يمكن إغفال دور أحدهما كي يظهر دور الطرف الآخر، فالمدرسة وحدها لا تكفي لأداء هذه المهمة، وهي ليست قادرةٌ مطلقاً على فعل ذلك دون مساندة البيت، ولكن يبدو أن الرباط القوي والخيط الذي كان يربط هذين الطرفين (البيت والمدرسة) قد أخذ بالتراخي والانحلال، إن لم يكن قد انقطع تماماً وانفصمت عراه في بعض المواقع التربوية؛ والتي يسعى الكثيرون لعودة الدور الفعال لها .
يشكو بعض القائمين على العملية التربوية من معلمين ومدرسين وإداريين وغيرهم؛ كلهم يشكون من انحسار دور البيت، وأحياناً من غياب هذا الدور عن الساحة التربوية، لذلك بقيت المدرسة بمفردها تتحمل هذا العبء الثقيل .
قد يحمل هذا الكلام شيئاً من الحقيقة والتي تبدو مؤلمة نوعاً ما .
تبدى الأسرة أعذارا ًكثيرةً وأسباباً ـ قد تبدو مقنعة للوهلة الأولى ـ كي تبرر غيابها أو ـ في أحسن الأحوال ـ تجد لتقصيرها عن أداء واجبها التربوي عذراً، ويبدو بعض هذه الأسباب مقنعاً لحدٍ ما؛ ومن هذه الأسباب الحالة الاقتصادية وضيق ذات اليد وانشغال الوالدين بالركض خلف لقمة العيش ـ تشترك في هذا العذر الأسر الميسورة والأسر الفقيرة ـ ولكن هذا الكلام لا يمكن اعتباره قاعدة عامة، إذ أن كثيراً من المتفوقين ينتمون إلى أسرٍ فقيرة أو متوسطة الدخل، مع العلم أن ما ينفقه الأهل على الدورات والدروس الخصوصية ـ من أموالٍ وجهد ـ شيء يفوق قدرات الكثيرين وخيالات الجميع .
ولا مجال هنا لمناقشة مسألة الدورات التعليمية ـ إن كانت دروساً خصوصيةً أو دوراتٍ عامةً في المعاهد، فالمسألة تحتاج لكلامٍ كثير وحلها معضلة تحتاج لصراحة وجرأة؛ إذ أنه يكمن في الإجابة عملياً عن سؤالين، أولهما: لماذا يلجأ الطالب إلى الدورات التعليمية أو إلى الدروس الخصوصية ؟ وثانيهما: لماذا يلجأ المعلم أو المدرس إلى الدورات؟
فالمشكلة ليست في زاوية واحدة بل في زوايا متعددة، وبالتالي فإن حلها أيضاً ينبغي أن يكون حلولاً كثيرة لمشاكل كثيرة .
وبالمقابل يشكو التربويون من غياب دور الأهل، تظهر شكوى الأهل من تراجع المدرسة، وتدنى مستوى تحصيل أبنائهم بسب تقاعس كثيرٍ من القائمين على العملية التربوية عن أداء مهامهم بالشكل المناسب، والذي يحقق الفائدة المرجوة .
ولا تقف شكوى الأباء عند الكادر البشري؛ بل تتعداه إلى الكتاب المدرسي ومحتواه وشكله وإخراجه الفني، فكل هذه الأمور تؤثر ـ سلباً أو إيجابا ـ في عملية التعلم التي ننشدها جميعاً، فالأهل يوجهون انتقاداً شديداً لبعض الكتب إن لم يكن لمعظمها .
فهي ـ حسب رأي الكثيرين ـ تشكو من الحشو والتكرار، وبعضها يحمل صعوبةً وتعقيداً بين طياته، وبعضها الآخر يشكو من الضعف في الإخراج والصورة، وللحقيقة يجب أن نثني على الجهد الذي بذل من قبل مؤلفي منهاج الرياضيات للصف التاسع؛ حيث حاز هذا المنهاج على رضى كثير من مدرسي هذه المادة، ورضى الأهل أيضاً مقارنةً مع الكتب الأخرى، فرغم التعديل المستمر والتغير الجذري أحياناً لبعض المناهج؛ لكنها ما تزال تعاني من ثغراتٍ تجعلها قاصرة عن أداء المهمة بشكلٍ صحيح .
رأيٌ ثالث يرى أن كل أطراف العملية التربوية تشكو من ضعف تختلف درجته من طرفٍ للآخر، ولابد من بذل الجهود من كافة الأطراف؛ لتجاوز نقاط الضعف والعمل عليها بشكلٍ علميٍّ وتربويٍ؛ كي يتم تحويلها إلى نقاط قوةً تساهم في إنجاح كل الجهود المبذولة .
بالمحصلة ـ فإن الآراء متنوعة وكلها تحمل جزءاً من الحقيقة، وهذا التنوع يغني ويفيد، ويجعل مفاتيح الحلول كثيرة ومتنوعة، وتساهم جميعها بالعمل على توفير الجو المناسب للعملية التربوية التي نسعى جميعاً لاستقرارها .
ونتيجة لوجود بعض الخلل في نظرة كلا المؤسستين ـ أي المدرسة والبيت ـ وقع بعض الطلاب في إشكالية، بل أصبح بعضهم ضحية لسوء الفهم الذي قد يحدث أحياناً؛ مما يؤدي إلى عدم ثقة الطالب بأحد طرفي المعادلة؛ بل وبالطرفين أحياناً، وخصوصاً في المراحل الدراسية الأولى، فالطفل في هذه المرحلة المبكرة يرى في المدرسة ومقولة المدرسة ـ إن كانت على لسان المعلم أو من خلال الكتاب ـ يرى أن هذه المقولة هي الحقيقة وحدها وما عداها باطل، ويتخذ الطفل من معلمه قدوة ومثلاً أعلى لا يقبل تشويه صورته ولا يقبل أي مناقشة حول هذه المقولة أو ذاك الموقف بأي شكلٍ من الأشكال .
تلعب أحيانا بعض القرارات التربوية الناظمة للتعامل بين أطراف العملية التربوية دوراً يساعد على إيجاد فجوةٍ دون قصد، بل وأحياناً تساهم بعض هذه القرارات في تهشيم الصورة الجميلة التي يحملها الطالب ـ وخصوصاً الطفل ـ في مخيلته عن أحد أطراف العملية التربوية.
الحفاظ على الصورة الجميلة لكل الأطراف عند الأطفال مسألةٌ مهمة وضرورية، وهي مهمة جماعية لا تقع على عاتق جهة واحدة بمفردها، بل يتساوى الجميع بتحمل مسؤولياتها، إذ لابد للمدرسة من بذل كافة الجهود الممكنة كي تستطيع أن تحافظ على دورها الفاعل في التأسيس لمجتمع حضاري؛ من خلال إنشاء جيل يدرك مسؤولياته القادمة .
فالمدرسة تدخل كل بيت، وكل البيوت تجدها من خلال أبنائها في المدرسة .
وكذلك هو الحال بالنسبة للبيت والأسرة . إذ يتوجب على الأسرة أن تدعم جسور التواصل بينها وبين المدرسة، كما أنها ـ أي الأسرة ـ تتحمل مسؤولية كبيرة في تعزيز صورة المدرسة الجميلة في مخيلة الأطفال وفي واقعهم المعاش واليومي.

Mr.Magdy
24-10-2009, 01:51 PM
Thanks for you

Egypt for Ever 25
25-10-2009, 12:15 PM
شكرا لحضرتك علي الموضوع الاكثر من رائع

sahar2012
05-11-2009, 07:31 PM
شكراً للموضوع القيم فهو غاية فى الأهمية
[