احمدعبد العزيز محمد
07-01-2007, 09:11 AM
الدنيـا طريــق الآخـــرة
يدّعى الكثيرون رغبتهم في إرضاء الله عز وجل و استعدادهم لفعل كثير من العبادات و الطاعات طمعاً في الجنة و رهباً من النار
و لكن تتعدد السبل وتتباين الطرق التي يتخذها هؤلاء للوصول إلى بغيتهم و أملهم، ولعلنا في تتبعنا لأحداث التاريخ قد رأينا الكثيرين من اتباع الملل والنحل والفرق التي ادعت جميعها أنها الأصح طريقهً و منهجا و سلوكا رغم الاختلاف البين بينها.
سنحاول في بحثنا السير ببطء وتدرج مع تعاليم الدين و أحكامه رغبة في السير السليم والحذر واختيار الأصوب من الآراء في العبادات والمعاملات والصفات التي يجب على المسلم أن يتصف بها.
و هنا نتذكر قول الرسول :"إن الدين متين فأوغل فيه برفق ، فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" ففي هذا الحديث يحذر ص من التسرع في فهم الدين ثم التسرع في التنفيذ والتطبيق بدون وعى وفهم كافيين لأحكام الدين وظروف نشأتها وكيفيه تطبقيها.
و لهذا يشبه في حديثه المتسرع في التحدث والتنفيذ لكل شرائع الإسلام باندفاع وعاطفة ملتهبة بالمسافر الذي يسرع بالدابة التي يركبها و يترك القافلة أملاً في الوصول المبكر والأسرع ظنا منه انه يبذل جهدا أو مشقة للوصول للأفضل ، وهو نشيط مجد لا ينكر ذلك أحد و لكنه بتسرعه و تخليه عن الجماعة فقد دابته و أصبح في وسط الطريق لا يملك أن يكمل رحلة سفره و لا هو ظل في جماعته يستأنس بها و يلتزم بطريقها.
و لهذا نقول : إن الإسلام دين له أُسس و قواعد يجب السير عليها دون التسرع في إحداها ظنا منا بعدم أهميتها و أننا قد أحطنا بها علما أو أنها جزئية بسيطة من قواعد الدين لا يجب الوقوف أمامها طويلا ، فكم من أمور أُهملت وظهر بعد فترة من الزمن أهميتها البالغة و كم من أقوال تم تفسيرها و تأويلها على غير وجهها الصحيح مما تسبب في فتنة قاسية بين طوائف المسلمين .ولهذا كان من الضروري التأكيد على السير المنتظم الدقيق الحذر بدون تسرع أو تعجل و أيضا بدون تراخى أو تكاسل في تنفيذ تعاليم الدين وقواعده و شرائعه.
وهناك من تعاليم الدين و قواعده ما لا يفارق المسلم في لحظات حياته وهو العقيدة الصحيحة الخالية من الشوائب والبدع. وهناك الصلة بين العبد وربه وهى العبادات فمنها ما يتم يوميا مثل الصلاة أو شهرا في العام مثل الصوم أو مرة في العمر مثل الحج؛ وهناك المعاملات مع الناس و التي يظهر فيها بوضوح مدى فهم الإنسان لدينه و استطاعته تنفيذه وتطبيقه مع من حوله من أفراد المجتمع
ولهذا رأينا أن نبدأ في دراستنا بالحديث عن أركان الإسلام وكما وضح رسول الله أن الأركان التي لا يقوم الإسلام إلا بها هي شهادة أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله و إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج إذا توافرت القدرة المادية والصحية.
وهذه الأركان هي الأهم على الإطلاق فان فرط فيها مسلم لا تغنى عنه جميع السنن وان قام بها فهناك فروض معينة فرضها الله تعالى في أوقات وأماكن محددة لا يجوز لنا الإفراط أو التفريط فيها بل علينا أداءها كما أمر الله تعالى بها أو كما فعلها ص .
و كما قال رسول الله : " إفطار يوم في رمضان بدون عذر لا يعوضه صيام الدهر وان صامه" فهذا هو الشهر الذي اختصه الله بالصيام فلا يجوز لشخص ما أن يختار لنفسه شهرا آخر و يصوم فيه.وصلاه الفجر ركعتان فلو قام الشخص وصلاها بعد فوات وقتها فمهما فعل من السنن لن يعوض هذا الفرض و إن كان ما قام به من السنن أكثر واشق إلا أن الله أمرك بعمل محدد في وقت معين فلا يجوز لك التكاسل فيه أو التراخي في أدائه.
أركان الإسلام:
الركن الأول :العقيدة الصحيحة ؛ لا اله إلا الله محمد رسول الله:
أساس العقيدة الصحيحة هو الإيمان الصادق بالله عز و جل و أن يؤمن المسلم باتصاف الله بصفات الجلال والكمال و القدرة ، و أن يعلم أنّ الله تعالى يعلم كل شئ و قادر على كل شئ.
وبعيدا عما دار بين العلماء من صفات لله تعالى مثل السمع والبصر و العلم و القدرة 000 فان هذه التقسيمات و التفريعات لم يحدث أن تكلم بها أحد في عهد الرسول ص و صحابته الكرام حتى آيات القرآن التي تناولت صفات الله تعالى سمعها الصحابة ولم يسألوا عنها حتى لا يدخلوا في أشياء لا قدره لعقولهم على استيعابها فاخذوا بالأحوط والأسلم ولم يتدخلوا في أمور لم يصرح به القرآن ولم يشرحها الرسول .فيعلمونَ جميعهم قوله تعالى : "الرحمنُ على العرش استوى " و "يد الله فوق أيديهم " و قوله :" إن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل وينادي : هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فاغفر له …." و قال لأحد الصحابة و زوجته :" لقد ضحك الله من فعلكما البارحة" لإكرامهما ضيفهما . و لم يسال الصحابة كيف نزل الله تعالى إلى السماء الدنيا و كيف ضحك الله من فعل الصحابي و زوجته.
و كيف يشرح الرسول لهم مثل هذه الأشياء ولا يوجد في الدنيا ما يمكن أن نشبه لهم به الله عز وجل ثم جاء بعد ذلك من تدخل في هذه الآراء والأقوال فضل و أضل فظهر المشبهة والمعطلة وفرق وسطية معتدلة وفرق رفضت الدخول في ذلك الجدل وتلك المناقشات .
وظهرت قضايا علم الكلام و فرق الاعتزال التي أصبحت تناقش كل القضايا بمفهوم العقل والسبب والمسبب والعلل للأشياء وهي أقوال و آراء لا يمكن تطبيقها في كل قضايا الدين ولهذا قال على بن أبى طالب "لو كان الدين يؤخذ بالعقل لكان مسح باطن الخُف أولى من ظاهره إذ انه المعرض للاتساخ و التأثر بالأذى و لكن الذي أمر به الشرع مسح ظاهر الخف وهكذا فعل الرسول و صحابته و يجب علينا الالتزام و الإتباع .
وكذلك حكم التيمم في حالة السفر والمرض والبرد الشديد فكيف نحّكم عقولنا في التطهر بالتراب و هو مظهر من مظاهر الاتساخ إلا انه حكم الله و يجب الإيمان بأنه الأصح و الأنفع دون محاولة تبرير تلك الأفعال فلا نقول أن التراب يقتل الميكروبات و الجراثيم مثلا لتبرير التيمم أو أن الصوم ليشعر الأغنياء بجوع الفقراء فنحن لا نحاول إيجاد الأسباب والعلل للاقتناع بأداء تلك العبادات بل نلتزم بها رغبهً في إرضاء الله و نيل ثوابه والبعد عن عقابه .
ونذكر قوله :"خذوا عني مناسككم" و قوله :" صلوا كما رأيتموني أصلى " أي افعلوا مثلما فعلت ولا تسألوا عن علة و سبب لكل أمر و أن الصحيح و المفيد ما يأمر به الله و رسوله . وكما قال ص ( أنا زعيم بيت فى ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا ) أى أنا كفيل بالجنة لمن ابتعد عن الجدال فيما لا يفيد ويبتعد عن الخلاف مع الآخرين فى الفرعيات والجزئيات الغير هامة فى حياتنا .وعندما سافر عمر رضى الله عنه للحج و ذهب ليقبّل الحجر الأسود قال :" إني اعلم انك حجر لا تنفع ولا تضر و والله لولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك" إذاً هو الإتباع لأوامر الله عز وجل و أقوال و أفعال الرسول، و لكن تدخل العقل في كل أمر فهذا يؤدي للحيرة و الاضطراب .
ونذكر عندما حدثت فتنة ( خلق القرآن) أن تحدث البعض هل القرآن مخلوق عند الله منذ القدم أم انه أقوال لم توجد إلا في مناسبة معينة استدعت نزول آيات خاصة بها لم توجد من قبل فقال البعض أن القرآن هو كلام الله و كلام الله صفة من صفاته الأبدية و الأزلية و لا يجوز الاعتقاد بخلقها حديثا وقال آخرون بل هو مخلوق ورفض البعض الدخول في هذا الأمر الذي لا فائدة منه ولا ضرورة للحديث فيه و منهم الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه فهي قضايا فلسفية فجرها المعتزلة و استعانوا بالحكام لإجبار علماء الدين على الحديث فيها و القول بآراء توافق آراءهم فضلَّ الكثيرون بسببهم وعُذب الإمام احمد بن حنبل لرفض القول بخلق القرآن و إنكاره على من يقول بذلك
وهكذا نرى أن الحديث في أمور لم يرد بها نص صريح في كتاب الله أو نص صحيح من سنة رسول الله لا يجوز إذ يترتب عليه اضطراب في فكر المسلمين وكما يقال : ( علم لا ينفع وجهل لا يضر ) ، وكيف يتحدث الإنسان في أمور لن يجدي الحديث فيها نفعا له في حياته أو آخرته ، فالعقل نعمة وهبها الله للإنسان لاكتشاف خبايا نفسه وخبايا الكون من حوله و كيفية الاستفادة بما فيه وبما تتحقق به رفاهية الشعوب و الارتقاء بها .
لكن الحديث في أقوال نظريه لا دليل عليها و يعارض آخرون بأقوال لا دليل عليها أيضاً فكأننا نسبح في محيط بلا سفينة فكيف يستطيع الإنسان الدخول في مجال للحديث لا يمتلك دليلاً وبرهانا يؤكد كلامه و يدحض آراء الآخرين مثل الحديث عن صفات الله وخلق القرآن والروح داخل الجسم و تكوين الجن والشياطين…..
ونذكر قول شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق عليه رحمة الله عندما أعلن انه لا يقرا في الفلسفة لأنها نوع من " البروباجندا" أي الضجة المفتعلة في أمور غير هامة أو ضرورية .
و خلاصة القول في العقيدة الصحيحة إن شهادة ألا اله إلا الله هي الإيمان بصفات الجلال و الكمال و القدرة والعلم عند الله عز وجل دون التدخل في أمور لم يرد فيها نهى من كتاب أو سنه، و شهادة أن محمد رسول الله وانه بشر تجرى عليه أحوال البشر من يقظة ونوم و نشاط وتعب و صحة ومرض وزواج وتناسل ، ولكنه القدوة والنموذج الذي يحتذي به كل مسلم و المثال الأعلى في العبادات والأخلاق والمعاملات وانه خير البشر من آدم إلى يوم القيامة وانَّه خاتم الرسل و لا تجوز بحقه العيوب والنقائض وانَّه معصوم من الخطأ مغفور الذنوب.
الركن الثاني :( الصـلاة )
الصلاة عماد الدين وهي الصلة بين العبد وربه ، فكيف يرضى العبد لنفسه أن يقطع الصلة بينه وبين الله، فهل استغنى عن الله تعالى؟! فالله أغنى منه عنه، ولكن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى فإذا حسب الإنسان أن له من المال والنفوذ و المتعة ما يكفيه ويمنع عنه الضرر و الخطر اعرض واستغنى وهو بهذا يسعى بنفسه إلى هلكتها ، فإذا رفض الإنسان الالتقاء مع الله إذن هو يأبى اللجوء إليه والاعتماد عليه ويظن انه في غنى عن الله.
إذا امتنع الإنسان عن الصلاة فهو كافر كما قال رسول الله عندما قال :" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر " و قال :" بين الإسلام و بين الشرك الكفر ترك الصلاة " وان كان البعض يفرق بين تارك الصلاة جحودا وإنكارا لفرضيتها و من تركها إهمالا وتكاسلا فحكموا على الأول بالكفر والآخر بالفسق و عدم الخلود في النار لأنه مسلم ، ولكننا نقول :هل تارك الصلاة جحودا أو إهمالا موحد بالله ؟! الحديث صريح وواضح في أن الصلاة هي الفاصل بين الاسلام والكفر فلماذا نحاول اللجوء إلى الحيل و الأقوال الملتفة لكي ندخل البعض دائرة الإسلام وهو منهم براء ، فهم يهملون الصلاة ولا يهتمون بها لأنها لا قيمة لها عندهم وإلا لقاموا لها وجاهدوا في سبيل القيام بها ،فهل يستحق هؤلاء أن نتحايل علي ديننا من أجلهم.
وما أشبه ذلك بمن يقول بعدم طلاق الغاضب وأنه يكون خارجا عن وعيه وإدراكه و بهذا لا يقع طلاقه ، وكأنه يوجد من يلقي اليمين علي زوجته أثناء فرحه وسروره ولهوه معها ، إذا هي حيلة يلجأ إليها البعض ظنا منهم أنهم بذلك يدافعون عن الحياة الزوجية وعن الآسر من التفكك والانهيار بسبب استهتار رجل أو عصبيته ، ولكن الإسلام كان صريحا واضحا أنه من تلفظ بلفظ الطلاق واعيا قاصدا له فقد وقع طلاقه سواء كان غاضبا أو مازحا فهذا شأنه وعليه أن يتحمل عاقبة تهوره واستهتاره فهل ينفعل الرجل ويتسرع في أقواله ثم يحاول العلماء تبرير أخطائه ومحاولة إصلاح ما قام به ؟!!
و يدّعى البعض عدم المقدرة على المحافظة على الصلاة لعدم اعتياده عليها منذ الصغر و عجبا لهذا القائل فلقد اسلم عمر بن الخطاب و عمره 26 سنه فهل قال مثل هذا القول وكان عمر مدمن خمر لا يكاد يفيق منها فهل استمر على ذلك ؟ واسلم حسان بن ثابت وعمره 60 سنه فهل قال بمثل تلك الحجج و المزاعم .
فالأولى بتارك الصلاة أن يسارع إليها حتى يدفع عن نفسه العذاب و عن أهله لتقصيرهم في تعليمه و إلزامه بها منذ الصغر و كما نصح رسول الله :" علموا أولادكم الصلاة لسبع و اضربوهم عليها لعشر ".
الركن الثالث : الزكاة :
كما رأينا في الشهادة فهي قول باللسان وتصديق بالقلب ، و الصلاة و الزكاة والحج والصوم أعمال تقوم بها الجوارح مع تصديق القلب بها وإيمانه بضرورتها و تنفيذا لأمر الله تعالى بأدائها .
و الزكاة حق لطوائف محددة من المسلمين مستحقين لها لحاجاتهم الضرورية ، و يجب على كل إنسان أن يعلم أن لأخيه المسلم حق في رقبته من ماله و صحته ووقته و جهده و علمه و إن المال الذي قُدّر للبعض الحصول عليه ليس معتمدا على ذكائه وفهمه و قدراته فقط بل بتوفيق الله تعالى له وقد يكون هذا المال فتنة لاختباره : هل يشكر هذا الإنسان لما منحه ربه من نعمة أم تتحول هذه النعمة لنقمة و مصيبة امتلكها و أساء استعمالها, و لعلنا نلاحظ أنه كم من عبقري لم يوفق في حياته و عمله و كم من قوى فشل فى إيجاد وسيلة للرزق وقد يدخل المرء عملا تجاريا فتتوالى عليه الأحداث فيخسر ماله بينما يدخل آخر في مجال مختلف فيكتب له الربح الوفير, فهي أمور يبذل فيها المرء جهده و لكنه لا يضمن النتائج فإن كان خيرا فليشكر الله وإن كان غير ذلك فليصبر ويحتسب .
وليعلم أصحاب الغنى و الثراء أن ذلك الفضل من الله و ليس لشدة ذكائهم وإلا فما أشبههم بقارون عندما قال " إنما أوتيته على علمٍٍِ عندي " أي أنه استطاع الحصول على الرزق بعلمه وذكائه و خبرته, ونذكر صاحب الجنتين الذي ورد ذكره في سورة الكهف إذ نسى فضل الله عليه فتكبر على الفقراء و تباهى عليهم بغناه حتى قضى الله على ما لديه من أملاك ليكون عبرة لغيره , و كذلك أصحاب الجنة في سورة القلم عندما بخلوا بفضل الله عليهم و كرهوا أن يعطوا الفقراء من حصادهم فحرمهم الله من أرضهم و حرقها جزاءاً لهم على بخلهم و جشعهم .
بينما نجد آخرين يطعمون الطعام على حبه مسكيناً و يتيماُ و أسيرا لا يريدون منهم جزاءاً ولا شكورا إلا رغبة فى إرضاء الله و خوفا من عقابه
وحذر الله مانعي الزكاة عن الفقراء بمحق البركة من أموالهم فى الدنيا و العذاب الأليم فى الآخرة فقال تعالى :" واللذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم , يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ".
فكيف يبخل الغنى بماله عن الفقراء واليتامى و ذوى الحاجات ممن لا يشعر بهم أحد ولا يفكر إلا في نفسه وأطماعه ورغباته, فهذا القدر القليل من المال يعطى لغير القادرين على العمل من الشيوخ و المرضى و الأرامل و اليتامى حتى يحقق لهم القدر اليسير من الأمان في حياتهم, والزكاة نسبه قليلة من المال ولكن عندما تتجمع من العديد من الأشخاص تحقق الأمان و الاستقرار للكثير من الأسر و تضمن لهم حياة كريمة بعيدا ً عن ذل السؤال .
وتارك الزكاة إهمالا وتكاسلا مرتكب لكبيره من أكبر الكبائر و حكم بعض العلماء هل تؤخذ الزكاة من الأغنياء قهرا ولو امتنع يقاتل حتى يؤديها كما فعل أبو بكر الصديق مع المرتدين من مانعي الزكاة, ولكن هذا دور الحاكم المسلم ولا يجوز للأفراد القيام به.
و هناك طوائف من المسلمين حددها الإسلام لمن يستحقون الزكاة وتقسم عليهم وفقا لاحتياجاتهم وقال تعالى عن الزكاة والمستحقين لها :" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب والغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل فريضة من الله و الله عليم حكيم ".
العاملين عليها : مثل العمال الذين يوليهم الإمام لجمعها و حفظها و رعايتها و الكتبة لديونها .
و المؤلفة قلوبهم :هم مسلمون أو كفار؛ إما مسلم سيد في قومه أو ضعيف الإيمان و يرجو الإمام تثبيت الإيمان في قلبه أو مسلمون على الثغور يدافعون عن الإسلام ودياره , وقد يكون كافرا يرجى إيمانه أو كافرا يخشى شره على سبيل عدم زيادة الأعداء واجتناب شرورهم , ولكن إذا زادت قوة المسلمون و اطمئنانهم عل أنفسهم جاز لهم إيقاف هذا القدر من المال و يكون الأولى بهم هم المسلمون بطوائفهم المختلفة مثلما فعل عمر عندما أوقف سهم المؤلفة قلوبهم من الكفار.
وفى الرقاب:هم المكاتبون والأرقاء يساعدون بمال الصدقة لفك رقابهم من الرق ويشترى العبيد فيعتقون.
و الغارمون : هم اللذين تحملوا الديون وتعذر عليهم أداؤها أو تحملوا أمانات وحدث لهم طارئ أضاع المال منهم.
و فى سبيل الله : هم المجاهدون المتطوعون اللذين يأخذون أجرا من الدولة على جهادهم.
وابن السبيل : هو المسافر البعيد عن وطنه ويعطى ما يستعين به على قضاء حوائجه.
الركن الرابع : الصيام :
يقوم المسلمون بالصوم في شهر رمضان تعبدا و تقربا إلى الله تعالى, وقال :" الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" وقال :" من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله "وقال :" من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"
وكما شجع الإسلام على الصوم وأدائه حذر من الإهمال فيه وعدم أدائه فقال :" عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاث , عليهن أسس الإسلام , من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال دمه : شهادة ألا إله إلا الله و الصلاة المكتوبة و صوم رمضان "
وقال :من أفطر يوما في رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر كله و إن صامه" وقال الإمام الذهبي : عند المؤمنين مقرر أن من ترك الصوم في رمضان بلا مرض أو عذر مباح فهو شر من الزاني و مدمن الخمر بل يشكون في إسلامه و يظنون به الزندقة و الانحلال ولعلنا نلاحظ أن الصيام له العديد من الفوائد بالنسبة لاعتياد الأشخاص على السيطرة على أنفسهم و شهواتهم وعدم تلبية جميع رغبات النفس و فيه بذل المشقة و الجهد تنفيذا لأوامر الله ورغم أن الصيام يهدف إلى بذل الجهد إلا أنه لا يهدف إلى إهلاك النفس و إتلاف الجسد فلقد جاء الإذن صريحا في جواز إفطار المريض و المسافر و الشيخ العجوز و الغير قادرين على الصيام لأي غزر يقبله الشرع و يبيحه أهل الدين و المتخصصين في الطب و نلاحظ أن البعض يذكر الحكمة من الصوم وهى أن يشعر الأغنياء بما يعانيه الفقراء من الجوع ولكننا نتذكر أيضا رد الشيخ الشعراوى رحمه الله على هذا القول عندما قال : إذاً لماذا فرض الله الصوم على الفقراء وهم دائما على هذا الشعور بالجوع وهنا نذكر بما قيل من قبل أن لا نحاول تبرير أسباب العبادات من وضوء و صلاة و صوم و حج فهى عبادات أمرنا بها الله بطريقة محددة لا يجوز لنا التغيير فيها بل التنفيذ و التطبيق رغبة فى إرضاء الله و الحصول على ثوابه والإفلات من عقابه.
الركن الخامس: الحج:
الحج ركن من أركان الدين تشترك فيه الجوارح مع العواطف و المشاعر الملتهبة شوقا إلى رؤية البيت الحرام و أماكن مقدسة حدثت عندها الكثير من وقائع التاريخ الإسلامي .
ولابد من توافر النية الصادقة المخلصة في جميع الأركان حتى لا يبذل جهدا و يفاجئ بعدم القبول من الله يوم القيامة بسبب الرياء في العمل وعدم إخلاص النية لله وحده و إشراك غيره معه في الاهتمام بهم .
وكما قال :" إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ٍ ما نوى " وكما قال تعالى في حديثه القدسي :" أنا أغنى الأغنياء عن الشرك".
و لا يجوز لأحدنا أن يشكك في نوايا الآخرين فهذا الأمر لا يعلمه إلا الله ، فعلينا الأخذ بما أمامنا من مشاهد ولا صله لنا ببواطن الأمور و كما قال :"إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان " ولاحق لنا في الحكم على نية الرجل فقد يكون مرائياً يحبط الله عمله وقد يكون مخلصا يستحق الظل من الله تعالى يوم يشتد الحر بالعباد وكما قال تعالى في حديثه القدسي :"سبعه أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي …..رجل قلبه معلَّق بالمساجد"
وامرنا الرسول بأداء فريضة الحج مرة في العمر و لم يقم بها إلا مره واحدة حتى لا يقتدي به المسلمون فيشق عليهم الأمر، ولكن من استطاع القيام بالحج و العمرة أكثر من مره بدون إسراف أو تبذير أو إهمال ضروريات أخرى فلا بأس بفعله . ولكن كما قال د.يوسف القرضاوى و الأستاذ فهمي هويدى أن الحج مره واحدة الأولى و الأفضل لعموم المسلمين بدلا من أداء الحج و العمرة أكثر من مرة أن يُكتفى بمرة واحدة و تكلفة المرات الأخرى يتم التبرع بها للمسلمين في فلسطين و الشيشان والبوسنة وكشمير فهم في أشد الحاجة للمساعدة و مساعدتهم أفضل من تكرار الحج و العمرة فمساعدة المسلم المحتاج فرض والحج و العمرة للمرة الثانية و الثالثة ليس بفرض .
يقول :" تابعوا بين الحج و العمرة فإنهما ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد و الذهب و الفضة ، وليس للحج المبرور إلا الجنة " وشجع الرسول صحابته على الإسراع في أداء فريضة الحج قبل كبر السن و كثره الأعمال وقبل أن تشغلهم حوائج الدنيا فيقول تعجَّلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له "أي ما قد يتعرض له من المشاغل و الأحداث التي قد تعوق أدائه للحج فيسُأل أمام الله عن تقصيره وإهماله حتى ضاعت منه فرصة الحج .
وحذر الرسول من التهاون في أداء تلك الفريضة فهي دين على المسلم يجب أن يؤديه عند إتاحة الفرصة فقال :" من ملك زاداً و راحلة تبلغه إلى بيت الله و لم يحج فما عليه أن يموت إن شاء يهوديا أو نصرانياً " .
إذن هذه هى الأركان التى لا يقوم الإسلام إلا بها وان تهاون المسلم فيها بدون عذر أو مبرر استحق من الله العذاب الأليم فى الدنيا والآخرة واستحق من المسلمين المواجهة والمقاومة ، وتختلف درجته بين الكفر والفسوق وفقا لقدر المعصية واقتناعه بها وممارسته لها فرأينا قتال أبى بكر لمانعي الزكاة لأنها حق فرضه الله على عباده القادرين يؤدى للفقراء منهم ، ولكن فى أمور أخرى مثل التكاسل عن الحج فلا يجوز لنا أن نتهم هذا المتكاسل فى دينه بل نتوجه له بالنصح والعتاب ونترك لله عز وجل حسابه على تقصيره .
الإيــــمــــــان
و هكذا وبعد ما سبق من أركان الإسلام نتجه إلى أمر آخر وهو الإيمان بالله، ونلاحظ أن الإسلام و أركانه يغلب عليها عمل بالجوارح ولكن الإيمان يقينٌ يستقر في القلب، والإيمان أعلى درجه من الإسلام فكل مؤمن لابد أن يكون مسلماٌ ولكن لا يصل كل المسلمين إلى درجه الإيمان.
فالإيمان اقتناع كامل بالدين يدفع صاحبه إلى أداء الفرائض و الاستزادة بالنوافل رغبة في زيادة القرب من الله . ويقول : " الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل " .أي يقين مستقر كامنٌ في القلب متمكنٌ فمنه مع عزيمة و ارادة تدفع صاحبها لبذل الجهد و المشقة في أداء العبادات .
ويقول مادحاً أبا بكر: " ما سبقكم أبو بكر بكثير صلاة و لا صيام و لكنه سبقكم بشئ وقر في صدره " أي إيمان راسخ و قال :" لو وزن إيمان أبى بكر في كفة وإيمان الأمة فى كفة لرجح إيمان أبى بكر " .
ونحن لا نقصد في قولنا أن الإيمان أعلى درجه من الإسلام أن نقلل من شأن الأركان و الفرائض ،فالإسلام هو الأساس الذي لا يمكن القيام به ، و الإيمان هو البنيان الذي لا يُعتد البناء إلا به ، فأساس فقط لا يكفي وبناء بدون أساس لا يثبت و لا يدوم ، فأركان الإسلام تعتبر فعل بالجوارح يثبت بها دخول المرء في الإسلام ولا يثبت اقتناعه به فكم من مؤدٍ للصلاة وهو جاحدٌ بها كاره لها ، ولكننا لا نستطيع ألا أن نقر له بالإسلام والله كفيل به و بعمله ونيته .
و لعلنا نذكر أن القرآن وصف المنافقين بقيامهم إلى الصلاة وهم كسالى وأنهم كانوا يعيبون على المسلمين أفعالهم و أقوالهم و أمر الرسول في إحدى المرات بطردهم من المسجد، وفي مرهٍ أخرى أمر بهدم مسجد الضرار و أقيمت بدلا منه مزبلة فليس العبرة بالمكان بل بالفائدة المتوقعة منه
ونذكر أيضا أن صفة الإيمان لا يوصف بها كل إنسان و لهذا قال تعالى : " قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم و إن تطيعوا الله و رسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم " . ففي هذه الآيات موقف بني أسد بن خزيمة عندما اسلموا و ادعوا لأنفسهم صفة الإيمان فانزل الله حكمه أنهم اسلموا فقط ولم يصلوا بعد لدرجة الإيمان و أن الله سيحاسبهم وفقا لأعمالهم و لن ينقصهم من أجورهم شيئا.
وهكذا نذكِّر أن الإسلام شهادة باللسان و أفعال بالجوارح أن قام به الفرد لا يجوز لنا التشكيك في إسلامه إلا إذا قام بما يخالف الدين صراحة قولاً أو فعلاً و كما قال :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا اله إلا الله ويقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة فان فعلوا ذلك عصموا من دمائهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله " أي أننا لا نستطيع الحكم عليهم بالكفر بعد ذلك فهم مسلمون و لو ظاهريا ولكن أفعالهم و أقوالهم الخفية أمر لا يعلمه إلا الله و لا يحق لنا أن نحاسبهم عليه وكما قال تعالى واصفاً حال المنافقين " إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله و الله يشهد إن المنافقين لكاذبون" و انظر إلى لفظ " نشهد " فهو شهادة لسان فقط ولكن قال تعالى " والله يعلم " أي إقرار و أمر نهائي من الله تعالى كونك رسوله وخاتم الرسل و أفضل البشر .
ورغم معرفة الرسول بتكذيب المنافقين الخفي والمستتر له وتدبيرهم ضد الإسلام والمسلمين إلا انه لم يجهر بذلك ولم يعاقبهم أو يحاسبهم وعندما طلب أحد الصحابة قتلهم للتخلص من شرورهم رفض الرسول
قائلاً :" حتى لا يقال أن محمداً يقتل أصحابه ".
ونعود إلى الإيمان ونذكر ما ورد في الحديث القدسي :" ما تقَّرب عبدي الىَّ بشيءأحب إلى مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقَّرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها و لئن سألني لأعطينه و لئن استعاذ ني لاُعيذنه ، ومن عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ".
إذا فهذا الحديث القدسي يوضح أن التقرب إلى الله لن يتحقق إلا بالفرائض و الأركان التي لا يعوضها شئ آخر مهما كان فإذا حققها الإنسان ونفذها ثم أراد التقرب أكثر وأكثر إلى الله تعالى فله أن يزداد من النوافل و الطاعات دون التفريط في شئون الدنيا من عمل يجب عليه إتقانه وزوجه و أبناء لهم حقوقهم و أقرباء يجب صلتهم و مسلمين يجب الاهتمام بهم .
وبعد تأدية الفرائض ينال الدرجة العالية بالنوافل وكما قال :" رب رجل أشعث اخبر لو اقسم على الله لأبَّره " أي انه قد يوجد بيننا أشخاص ليست لهم مكانه ولا منزله تميزهم وترفع شأنهم في عيون الناس ولكن لهم عند الله منزله عظيمة لإخلاصهم واجتهادهم في الدين فلو اقسم أحدهم على الله أن يفعل كذا وكذا يلبى الله تعالى نداءه ويجيب سؤاله لمكانته و طاعته .
فكانت مكانة المسلم عند الله درجات فهناك الإسلام و الإيمان و الإحسان ،وهناك درجات اختلف العلماء في تقدير مكانتها مثل التقوى و الورع .
وكأنها درجات يترقى فيها المسلمون من الأدنى إلى الأعلى فإن شاء المسلم أن يثبت عند درجة توقف عند حدودها و أركانها وان شاء الصعود إلى ما هو أعلي فعليه بذل الجهد و اتعاب النفس لنيل ما يبتغي الوصول إليه فكما سبق القول ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل
والمسلم إن لم يحاول المواظبة على فعل الخيرات تراخت خطواته في الطريق إلى الله تعالى ولا يأمن على نفسه حينئذٍ أن تتساقط درجاته إلى أسفل فيهبط بعد علو و ينخفض في المنزلة بعد ارتفاع و طالما لم يستمر في الصعود فإن الثبات في مستوى واحد أمر عسير .
و أشار القرآن إلى ذلك في قوله :" والذين آمنوا زادهم هدى " إذاً الإيمان يزيد وينقص .
وإذا استمر المسلم في الطاعات فتره طويلة من الزمن ثم توقف لعذر مفاجئ من مرض أو كبر سن يجرى الله نفس الثواب عليه وكأنه ما زال مداوما على فعله و لكن طالما كان الإنسان في صحته وقدرته فلن يتعامل معه الله بهذا السخاء لقدرة الجل على العمل وتكاسله فيه.
وهكذا يجب على الإنسان العمل والاستمرار فيه حتى لو كان قليلا وكما قال رسول الله :" أحب الأعمال إلى الله أدومها وان قلّ " .
ومدح الله المؤمنين العاملين مؤكدا انه سيجزيهم الثواب الملائم لجهدهم في الدنيا كما في قوله تعالى :" من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبه و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " و قوله تعالى :" وعد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و اجر عظيم "." 9 " المائدة.
وكما تحدثنا عن الإسلام و أركانه نتحدث عن الإيمان و وأركانه التي أوردها في قوله:" الإيمان أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و باليوم الآخر و القدر خيره و شره ".
فالإيمان بالله تابع لشهادة أن لا اله إلا الله وتتضمن أن الله عليم بما يحدث في الكون خبير به حكيم في تدبيره و خلقه قادر على كل شئ له جميع صفات الجلال والكمال و الكبرياء وان يؤمن المسلم أن الله تعالى هو المالك لكل شئ المدَّبر لكل شئ والقادر على كل شئ فلا يتوجه بالعبادة إلا له ولا تكون الخشية إلا منه و لا اللجوء إلا إليه " قل إن صلاتي و نسكى و محياي ومماتي لله رب العالمين " وكما يقول الإمام الشهيد سيد قطب :"انه يجب أن تكون لا اله إلا الله منهج حياة إما لنيل رضا الله و الابتعاد عن عذابه وعقابه أو تسيير و تنظيم شئون دنيوية خاصة بنا وفقا لما أمر به الله و بعيداً عما نهى عنه سبحانه و تعالى " .
و نتطرق إلى الإيمان بالملائكة ، وقد شرح القرآن بعض صفاتهم واغفل بعضها لعدم أهميتها في حياه البشر، فمن المعلوم لنا أنهم خلقوا قبل آدم عليه السلام ، خلقهم الله من نور وليس لهم جسم مادي يدرك بالحواس إلا إذا قام أحدهم بالظهور على شكل بشرى مثلما فعل جبريل عليه السلام مع الرسول فكان يأتيه أحياناً على شكله الملائكي أو على شكل بشرى , و الملائكة لا يأكلون أو يشربون أو يتزاوجون أو يتناسلون أو ينامون , وهم منزهون عن الآثام و المعاصي يطيعون الله وينفذون أوامره بلا تكاسل أو إهمال أو اعتراض.
وهنا لنا ملحوظتان :
الأولى : هي ظن البعض أن إبليس كان من الملائكة ولكن لعنه الله و طرده من رحمته لرفضه السجود لآدم عليه السلام , ولكن الصواب كما قال القرآن عن إبليس " كان من الجن ففسق عن أمر ربه " أي أن إبليس من الجن و الجن كما نعلم منهم المسلمون و منهم غير ذلك , وإن كان إبليس من قبل عابداً لله حتى نال الدرجات العليا وسمى لجماله ومكانته طاووس الملائكة إلا أن غروره و تكبره و رفضه الخضوع لأمر الله تسبب له في اللعنة إلى يوم القيامة .
الثانية : أننا وصفنا الملائكة بعدم الاعتراض على أوامر الله رغم أنهم قالوا عندما علموا بخلق آدم عليه السلام :" أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء" وهنا نذكر قول الإمام بن عباس أن أول من سكن الأرض هم الجن فأفسدوا فيها و سفكوا الدماء و قتل بعضهم بعضا ولهذا جاء سؤال الملائكة للتعجب من خلق كائنات تتقاتل و تفسد مثلما فعل الجن من قبل وليس على سبيل الاعتراض على أوامر الله تعالى .
وذكرنا أن الملائكة قد تتشبه للبشر على هيئة بشريه مثلما فعل جبريل عليه السلام عندما دخل على الرسول و صحابته على هيئة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر, ونتذكر عندما تمثل جبريل لمريم بشرا مكتملاً .
و وصف الله تعالى الملائكة بأن لهم من الأجنحة ما تتفاوت أعدادها مثل قوله:" الحمد لله فاطر السماوات و الأرض جاعل الملائكة رسلاً أولى أجنحة مثنى و ثلاث و رباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير " وورد في البخاري و مسلم أن رسول الله رأى جبريل عليه السلام وله ستمائة جناح .
ومن مهام الملائكة تنفيذ إرادته سبحانه في الكون و تسجيل كل ما يحدث من حركات إرادية و غير إرادية و أنه سبحانه وكَّل بالشمس و القمر والأفلاك ملائكة وبالجبال ملائكة وبالسحاب ملائكة والمطر ملائكة .
وكما يقول ابن قيم الجوزية عن صلة الملائكة بالإنسان : ( هم الموكلون بتخليقه وكتابة رزقه وعمله وأجله وشقاوته أو سعادته وإحصاء أفعاله وأقواله وحفظه فى حياته وقبض روحه عند مماته وهم الموكلون بعذابه أو نعيمه فى البرزخ وهم المثبتون للمؤمنين بإذن الله وهم المقاتلون المدافعون عن المؤمنين فى الدنيا والآخرة وهم الناصحون والحافظون والداعون والمستغفرون للمؤمنين يزهدونهم فى الدنيا ويرغبونهم فى الآخرة ويذكرونهم إذا نسوا وينشطونهم إذا تكاسلوا ويثبتونهم إذا جزعوا ويسعون فى مصالحهم فى الدنيا والآخرة ) .
أما عن عدد الملائكة فلا يعلمه إلا الله ولكن مما ورد فى الأحاديث نستطيع معرفة ان أعدادهم هائلة فقد قال ص : ( أطت السماء وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وعليه ملك ساجد ) وفى حديث الإسراء والمعراج قال ص : ( فرفع لى البيت المعمور فسألت جبريل فقال : هذا البيت المعمور يصلى فيه كل يوم سبعون ألف ملك ) وممن نعلم أسماءهم من الملائكة : جبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل عليهم السلام .
وهذا يكفى فى الحديث عن الملائكة مما يجب على المسلم إدراكه وفهمه
وبعد ذلك نصل إلى الإيمان بالرسل والأنبياء السابقين ، ووردت أسماء بعضهم فى القران مثل : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وهم أولو العزم من الرسل أى أكثر الرسل معاناة مع أقوامهم وثباتا فى الشدائد ، وغير هؤلاء من الأنبياء الذين يجب على المسلم ان يدرس سيرتهم حتى يقتدى بهم فى نشرهم للدين وتحديهم للظالمين ورفضهم الخضوع لغيرهم
ويجب الإيمان بما جاء فى القران من أحداث تخص هؤلاء الرسل مثل نجاة إبراهيم من النار رغم إلقائه بها وان عيسى رفع حيا إلى السماء ولم يقتل ولم يصلب ، وان موسى قهر السحرة وتحولت عصاته إلى ثعبان أكل حبالهم وعصيهم ، وان الحوت قد ابتلع يونس حتى أنجاه الله منه ، وأن عيسى أحيا الموتى بإذن الله ، وأن الله قد نصر المسلمين فى حروبهم بالملائكة والنعاس والمطر .
كل ما سبق تأكد بقران أو سنة ولا يجوز لمسلم الشك فيه او تكذيبه . ويجب على كل مسلم أن يؤمن أن الرسل هم أكمل الناس خلقا وعلما وعملا وأنهم معصومون من المعاصى والذنوب ومنزهون عن التقصير فى أداء الرسالة . وقد تقع منهم أخطاء فى بعض الأمور الدنيوية مثلما ورد فى سورة ( ص ) من موقف داود عليه السلام من الخصمين وتسرعه فى الحكم ، ونذكر سليمان وانشغاله بالخيل عن ذكر الله عز وجل , ونذكر ادم عليه السلام وتناوله من الشجرة النى نهاه الله عنها وعقابه بالنزول الى الدنيا وذريته من بعده . ونذكر عتاب الله تعالى لرسوله عندما أعرض عن الصحابى الكفيف عبد الله بن أم مكتوم وانشغاله ببعض الأغنياء رغبة فى دخولهم الإسلام مما ورد فى سورة عبس ونذكر حدثا من السيرة عندما أشار الرسول على بعض الصحابة بطريقة فى رعاية النخيل وعندما عملوا بها تلف المحصول فقال لهم الرسول ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) أى الأكثر فهما للأصلح فيما يخص شئون الدنيا فلا يعقل أن يتدخل الرسول فى أمور الصناعة والزراعة والطب إلا بما يخص الشرع وأحكامه وعليهم أن ينظروا فى الأصلح لهم من أمور الدنيا . ونذكر موقف الرسول من أسرى بدر عندما عفى عنهم مقابل الفدية وجاء حكم الله أن الأولى كان قتلهم .ولعل القران فى ذكره لبعض الأخطاء من الأنبياء يقصد التنبيه الى أن الجميع يخطئون ولكن الأفضلية لمن يسارع فى العودة اى الله والندم على ما ارتكب من الأخطاء مثلما حدث من داود عليه السلام عندما أخطأ فتاب الى الله فغفر الله له وعفا عنه .
ويجب أن نؤمن أن جميع الرسل كانوا رجالا وأنهم ذوو طبائع بشرية يأكلون ويشربون وينامون ويتزوجون ولهم ذرية ويموتون كغيرهم ومنهم من قتل أو أصيب بمرض كما حدث مع أيوب عليه السلام .
ونؤمن أن معجزاتهم هى تأييد من الله لهم ليسهل إقناع أقوامهم مثلما حدث فى السحر مع موسى لبراعة قومه فى السحر ونزول عيسى بما يقهر مهارة قومه فى الطب ومحمد ص بما يقهر قومه فى الفصاحة .
ونتجه لركن آخر من أركان الإيمان وهو الإيمان بالكتب السماوية السابقة وخاصة ما ورد ذكره فى القران مثل التوراة والإنجيل وزبور داود وصحف إبراهيم عليهم جميعا الصلاة والسلام .
ولكن هذه الكتب حاليا إما محرفة او غير موجودة أصلا ، ولكننا نؤمن أن الكتب الأصلية كانت تأمر بنفس عقيدة الإسلام وأخلاقه ولا يمكن أن يرد بها ما يتعارض مع أخلاق الإسلام وآدابه ، ولكن قد يكون الاختلاف فى أداء بعض العبادات مثل كيفية الصلاة والصيام وبعض الأحكام الأخرى .
ومن أركان الايمان نرى الإيمان باليوم الآخر وهذا اليوم له مراحل وخطوات تبدأ بعد خروج الروح من البدن ثم دفن الجسم وحساب الروح وفتنة القبر وسؤال الملكين فيقول ص ( إن العد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه وانه ليسمع رع نعالهم يأتيه ملكان فيقعدانه ويقولان له : ما كنت تقول فى هذا الرجل " يقصدان الرسول ص " فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله . فيقال له : انظر الى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا فى الجنة . فيراهما جميعا ) رواه مسلم .
وعندما مر الرسول ص بقبرين قال ( إنهما يعذبان وما يعذبان فى كبير ، أما أحدهما فكان يسعى بين الناس بالنميمة ، والآخر فانه كان لا يستتر فى بوله) رواه البخارى .
وبهذا يتبين أن الأرواح غما أن تنعم فى الجنة أو تعذب وان القبر مرحلة اولى لها ما بعدها من المراحل عندما ترتد الأرواح الى الأبدان يوم القيامة ليحاسب الناس على أفعالهم سواء كانت صالحة أم غير ذلك .
ومن مراحل يوم القيامة البعث والنشور والحشر والحساب والمرور على الصراط والجنة والنار وما ورد عن تفاصيل ذلك فى القران او السنة .
ومن علامات الساعة واقتراب القيامة أن يرفع العلم وينتشر الجهل ويفشو الزنا ويشرب الخمر ويكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة رجل واحد وان يقاتل المسلمون اليهود وينتصرون عليهم وظهور المسيخ الدجال والدابة وطلوع الشمس من المغرب ونزول عيسى عليه السلام وظهور يأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم .
و ناتى إلى ركن الإيمان بالقضاء والقدر والرضا بقضاء الله سواء كان نفعا او ضرا ، وان الله يعلم مسبقا ما ستكون عليه أفعال العباد وأحوالهم ، وعلى المؤمن أن يرضى ويستسلم لله ويرجو من الله ان يكفيه ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة وإن أصابه خير شكر أو أصابه شر صبر وكما قال ص : ( عجبا لأمر المؤمن فأمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ون أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) .
يدّعى الكثيرون رغبتهم في إرضاء الله عز وجل و استعدادهم لفعل كثير من العبادات و الطاعات طمعاً في الجنة و رهباً من النار
و لكن تتعدد السبل وتتباين الطرق التي يتخذها هؤلاء للوصول إلى بغيتهم و أملهم، ولعلنا في تتبعنا لأحداث التاريخ قد رأينا الكثيرين من اتباع الملل والنحل والفرق التي ادعت جميعها أنها الأصح طريقهً و منهجا و سلوكا رغم الاختلاف البين بينها.
سنحاول في بحثنا السير ببطء وتدرج مع تعاليم الدين و أحكامه رغبة في السير السليم والحذر واختيار الأصوب من الآراء في العبادات والمعاملات والصفات التي يجب على المسلم أن يتصف بها.
و هنا نتذكر قول الرسول :"إن الدين متين فأوغل فيه برفق ، فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" ففي هذا الحديث يحذر ص من التسرع في فهم الدين ثم التسرع في التنفيذ والتطبيق بدون وعى وفهم كافيين لأحكام الدين وظروف نشأتها وكيفيه تطبقيها.
و لهذا يشبه في حديثه المتسرع في التحدث والتنفيذ لكل شرائع الإسلام باندفاع وعاطفة ملتهبة بالمسافر الذي يسرع بالدابة التي يركبها و يترك القافلة أملاً في الوصول المبكر والأسرع ظنا منه انه يبذل جهدا أو مشقة للوصول للأفضل ، وهو نشيط مجد لا ينكر ذلك أحد و لكنه بتسرعه و تخليه عن الجماعة فقد دابته و أصبح في وسط الطريق لا يملك أن يكمل رحلة سفره و لا هو ظل في جماعته يستأنس بها و يلتزم بطريقها.
و لهذا نقول : إن الإسلام دين له أُسس و قواعد يجب السير عليها دون التسرع في إحداها ظنا منا بعدم أهميتها و أننا قد أحطنا بها علما أو أنها جزئية بسيطة من قواعد الدين لا يجب الوقوف أمامها طويلا ، فكم من أمور أُهملت وظهر بعد فترة من الزمن أهميتها البالغة و كم من أقوال تم تفسيرها و تأويلها على غير وجهها الصحيح مما تسبب في فتنة قاسية بين طوائف المسلمين .ولهذا كان من الضروري التأكيد على السير المنتظم الدقيق الحذر بدون تسرع أو تعجل و أيضا بدون تراخى أو تكاسل في تنفيذ تعاليم الدين وقواعده و شرائعه.
وهناك من تعاليم الدين و قواعده ما لا يفارق المسلم في لحظات حياته وهو العقيدة الصحيحة الخالية من الشوائب والبدع. وهناك الصلة بين العبد وربه وهى العبادات فمنها ما يتم يوميا مثل الصلاة أو شهرا في العام مثل الصوم أو مرة في العمر مثل الحج؛ وهناك المعاملات مع الناس و التي يظهر فيها بوضوح مدى فهم الإنسان لدينه و استطاعته تنفيذه وتطبيقه مع من حوله من أفراد المجتمع
ولهذا رأينا أن نبدأ في دراستنا بالحديث عن أركان الإسلام وكما وضح رسول الله أن الأركان التي لا يقوم الإسلام إلا بها هي شهادة أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله و إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج إذا توافرت القدرة المادية والصحية.
وهذه الأركان هي الأهم على الإطلاق فان فرط فيها مسلم لا تغنى عنه جميع السنن وان قام بها فهناك فروض معينة فرضها الله تعالى في أوقات وأماكن محددة لا يجوز لنا الإفراط أو التفريط فيها بل علينا أداءها كما أمر الله تعالى بها أو كما فعلها ص .
و كما قال رسول الله : " إفطار يوم في رمضان بدون عذر لا يعوضه صيام الدهر وان صامه" فهذا هو الشهر الذي اختصه الله بالصيام فلا يجوز لشخص ما أن يختار لنفسه شهرا آخر و يصوم فيه.وصلاه الفجر ركعتان فلو قام الشخص وصلاها بعد فوات وقتها فمهما فعل من السنن لن يعوض هذا الفرض و إن كان ما قام به من السنن أكثر واشق إلا أن الله أمرك بعمل محدد في وقت معين فلا يجوز لك التكاسل فيه أو التراخي في أدائه.
أركان الإسلام:
الركن الأول :العقيدة الصحيحة ؛ لا اله إلا الله محمد رسول الله:
أساس العقيدة الصحيحة هو الإيمان الصادق بالله عز و جل و أن يؤمن المسلم باتصاف الله بصفات الجلال والكمال و القدرة ، و أن يعلم أنّ الله تعالى يعلم كل شئ و قادر على كل شئ.
وبعيدا عما دار بين العلماء من صفات لله تعالى مثل السمع والبصر و العلم و القدرة 000 فان هذه التقسيمات و التفريعات لم يحدث أن تكلم بها أحد في عهد الرسول ص و صحابته الكرام حتى آيات القرآن التي تناولت صفات الله تعالى سمعها الصحابة ولم يسألوا عنها حتى لا يدخلوا في أشياء لا قدره لعقولهم على استيعابها فاخذوا بالأحوط والأسلم ولم يتدخلوا في أمور لم يصرح به القرآن ولم يشرحها الرسول .فيعلمونَ جميعهم قوله تعالى : "الرحمنُ على العرش استوى " و "يد الله فوق أيديهم " و قوله :" إن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل وينادي : هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فاغفر له …." و قال لأحد الصحابة و زوجته :" لقد ضحك الله من فعلكما البارحة" لإكرامهما ضيفهما . و لم يسال الصحابة كيف نزل الله تعالى إلى السماء الدنيا و كيف ضحك الله من فعل الصحابي و زوجته.
و كيف يشرح الرسول لهم مثل هذه الأشياء ولا يوجد في الدنيا ما يمكن أن نشبه لهم به الله عز وجل ثم جاء بعد ذلك من تدخل في هذه الآراء والأقوال فضل و أضل فظهر المشبهة والمعطلة وفرق وسطية معتدلة وفرق رفضت الدخول في ذلك الجدل وتلك المناقشات .
وظهرت قضايا علم الكلام و فرق الاعتزال التي أصبحت تناقش كل القضايا بمفهوم العقل والسبب والمسبب والعلل للأشياء وهي أقوال و آراء لا يمكن تطبيقها في كل قضايا الدين ولهذا قال على بن أبى طالب "لو كان الدين يؤخذ بالعقل لكان مسح باطن الخُف أولى من ظاهره إذ انه المعرض للاتساخ و التأثر بالأذى و لكن الذي أمر به الشرع مسح ظاهر الخف وهكذا فعل الرسول و صحابته و يجب علينا الالتزام و الإتباع .
وكذلك حكم التيمم في حالة السفر والمرض والبرد الشديد فكيف نحّكم عقولنا في التطهر بالتراب و هو مظهر من مظاهر الاتساخ إلا انه حكم الله و يجب الإيمان بأنه الأصح و الأنفع دون محاولة تبرير تلك الأفعال فلا نقول أن التراب يقتل الميكروبات و الجراثيم مثلا لتبرير التيمم أو أن الصوم ليشعر الأغنياء بجوع الفقراء فنحن لا نحاول إيجاد الأسباب والعلل للاقتناع بأداء تلك العبادات بل نلتزم بها رغبهً في إرضاء الله و نيل ثوابه والبعد عن عقابه .
ونذكر قوله :"خذوا عني مناسككم" و قوله :" صلوا كما رأيتموني أصلى " أي افعلوا مثلما فعلت ولا تسألوا عن علة و سبب لكل أمر و أن الصحيح و المفيد ما يأمر به الله و رسوله . وكما قال ص ( أنا زعيم بيت فى ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا ) أى أنا كفيل بالجنة لمن ابتعد عن الجدال فيما لا يفيد ويبتعد عن الخلاف مع الآخرين فى الفرعيات والجزئيات الغير هامة فى حياتنا .وعندما سافر عمر رضى الله عنه للحج و ذهب ليقبّل الحجر الأسود قال :" إني اعلم انك حجر لا تنفع ولا تضر و والله لولا أنى رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك" إذاً هو الإتباع لأوامر الله عز وجل و أقوال و أفعال الرسول، و لكن تدخل العقل في كل أمر فهذا يؤدي للحيرة و الاضطراب .
ونذكر عندما حدثت فتنة ( خلق القرآن) أن تحدث البعض هل القرآن مخلوق عند الله منذ القدم أم انه أقوال لم توجد إلا في مناسبة معينة استدعت نزول آيات خاصة بها لم توجد من قبل فقال البعض أن القرآن هو كلام الله و كلام الله صفة من صفاته الأبدية و الأزلية و لا يجوز الاعتقاد بخلقها حديثا وقال آخرون بل هو مخلوق ورفض البعض الدخول في هذا الأمر الذي لا فائدة منه ولا ضرورة للحديث فيه و منهم الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه فهي قضايا فلسفية فجرها المعتزلة و استعانوا بالحكام لإجبار علماء الدين على الحديث فيها و القول بآراء توافق آراءهم فضلَّ الكثيرون بسببهم وعُذب الإمام احمد بن حنبل لرفض القول بخلق القرآن و إنكاره على من يقول بذلك
وهكذا نرى أن الحديث في أمور لم يرد بها نص صريح في كتاب الله أو نص صحيح من سنة رسول الله لا يجوز إذ يترتب عليه اضطراب في فكر المسلمين وكما يقال : ( علم لا ينفع وجهل لا يضر ) ، وكيف يتحدث الإنسان في أمور لن يجدي الحديث فيها نفعا له في حياته أو آخرته ، فالعقل نعمة وهبها الله للإنسان لاكتشاف خبايا نفسه وخبايا الكون من حوله و كيفية الاستفادة بما فيه وبما تتحقق به رفاهية الشعوب و الارتقاء بها .
لكن الحديث في أقوال نظريه لا دليل عليها و يعارض آخرون بأقوال لا دليل عليها أيضاً فكأننا نسبح في محيط بلا سفينة فكيف يستطيع الإنسان الدخول في مجال للحديث لا يمتلك دليلاً وبرهانا يؤكد كلامه و يدحض آراء الآخرين مثل الحديث عن صفات الله وخلق القرآن والروح داخل الجسم و تكوين الجن والشياطين…..
ونذكر قول شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق عليه رحمة الله عندما أعلن انه لا يقرا في الفلسفة لأنها نوع من " البروباجندا" أي الضجة المفتعلة في أمور غير هامة أو ضرورية .
و خلاصة القول في العقيدة الصحيحة إن شهادة ألا اله إلا الله هي الإيمان بصفات الجلال و الكمال و القدرة والعلم عند الله عز وجل دون التدخل في أمور لم يرد فيها نهى من كتاب أو سنه، و شهادة أن محمد رسول الله وانه بشر تجرى عليه أحوال البشر من يقظة ونوم و نشاط وتعب و صحة ومرض وزواج وتناسل ، ولكنه القدوة والنموذج الذي يحتذي به كل مسلم و المثال الأعلى في العبادات والأخلاق والمعاملات وانه خير البشر من آدم إلى يوم القيامة وانَّه خاتم الرسل و لا تجوز بحقه العيوب والنقائض وانَّه معصوم من الخطأ مغفور الذنوب.
الركن الثاني :( الصـلاة )
الصلاة عماد الدين وهي الصلة بين العبد وربه ، فكيف يرضى العبد لنفسه أن يقطع الصلة بينه وبين الله، فهل استغنى عن الله تعالى؟! فالله أغنى منه عنه، ولكن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى فإذا حسب الإنسان أن له من المال والنفوذ و المتعة ما يكفيه ويمنع عنه الضرر و الخطر اعرض واستغنى وهو بهذا يسعى بنفسه إلى هلكتها ، فإذا رفض الإنسان الالتقاء مع الله إذن هو يأبى اللجوء إليه والاعتماد عليه ويظن انه في غنى عن الله.
إذا امتنع الإنسان عن الصلاة فهو كافر كما قال رسول الله عندما قال :" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة من تركها فقد كفر " و قال :" بين الإسلام و بين الشرك الكفر ترك الصلاة " وان كان البعض يفرق بين تارك الصلاة جحودا وإنكارا لفرضيتها و من تركها إهمالا وتكاسلا فحكموا على الأول بالكفر والآخر بالفسق و عدم الخلود في النار لأنه مسلم ، ولكننا نقول :هل تارك الصلاة جحودا أو إهمالا موحد بالله ؟! الحديث صريح وواضح في أن الصلاة هي الفاصل بين الاسلام والكفر فلماذا نحاول اللجوء إلى الحيل و الأقوال الملتفة لكي ندخل البعض دائرة الإسلام وهو منهم براء ، فهم يهملون الصلاة ولا يهتمون بها لأنها لا قيمة لها عندهم وإلا لقاموا لها وجاهدوا في سبيل القيام بها ،فهل يستحق هؤلاء أن نتحايل علي ديننا من أجلهم.
وما أشبه ذلك بمن يقول بعدم طلاق الغاضب وأنه يكون خارجا عن وعيه وإدراكه و بهذا لا يقع طلاقه ، وكأنه يوجد من يلقي اليمين علي زوجته أثناء فرحه وسروره ولهوه معها ، إذا هي حيلة يلجأ إليها البعض ظنا منهم أنهم بذلك يدافعون عن الحياة الزوجية وعن الآسر من التفكك والانهيار بسبب استهتار رجل أو عصبيته ، ولكن الإسلام كان صريحا واضحا أنه من تلفظ بلفظ الطلاق واعيا قاصدا له فقد وقع طلاقه سواء كان غاضبا أو مازحا فهذا شأنه وعليه أن يتحمل عاقبة تهوره واستهتاره فهل ينفعل الرجل ويتسرع في أقواله ثم يحاول العلماء تبرير أخطائه ومحاولة إصلاح ما قام به ؟!!
و يدّعى البعض عدم المقدرة على المحافظة على الصلاة لعدم اعتياده عليها منذ الصغر و عجبا لهذا القائل فلقد اسلم عمر بن الخطاب و عمره 26 سنه فهل قال مثل هذا القول وكان عمر مدمن خمر لا يكاد يفيق منها فهل استمر على ذلك ؟ واسلم حسان بن ثابت وعمره 60 سنه فهل قال بمثل تلك الحجج و المزاعم .
فالأولى بتارك الصلاة أن يسارع إليها حتى يدفع عن نفسه العذاب و عن أهله لتقصيرهم في تعليمه و إلزامه بها منذ الصغر و كما نصح رسول الله :" علموا أولادكم الصلاة لسبع و اضربوهم عليها لعشر ".
الركن الثالث : الزكاة :
كما رأينا في الشهادة فهي قول باللسان وتصديق بالقلب ، و الصلاة و الزكاة والحج والصوم أعمال تقوم بها الجوارح مع تصديق القلب بها وإيمانه بضرورتها و تنفيذا لأمر الله تعالى بأدائها .
و الزكاة حق لطوائف محددة من المسلمين مستحقين لها لحاجاتهم الضرورية ، و يجب على كل إنسان أن يعلم أن لأخيه المسلم حق في رقبته من ماله و صحته ووقته و جهده و علمه و إن المال الذي قُدّر للبعض الحصول عليه ليس معتمدا على ذكائه وفهمه و قدراته فقط بل بتوفيق الله تعالى له وقد يكون هذا المال فتنة لاختباره : هل يشكر هذا الإنسان لما منحه ربه من نعمة أم تتحول هذه النعمة لنقمة و مصيبة امتلكها و أساء استعمالها, و لعلنا نلاحظ أنه كم من عبقري لم يوفق في حياته و عمله و كم من قوى فشل فى إيجاد وسيلة للرزق وقد يدخل المرء عملا تجاريا فتتوالى عليه الأحداث فيخسر ماله بينما يدخل آخر في مجال مختلف فيكتب له الربح الوفير, فهي أمور يبذل فيها المرء جهده و لكنه لا يضمن النتائج فإن كان خيرا فليشكر الله وإن كان غير ذلك فليصبر ويحتسب .
وليعلم أصحاب الغنى و الثراء أن ذلك الفضل من الله و ليس لشدة ذكائهم وإلا فما أشبههم بقارون عندما قال " إنما أوتيته على علمٍٍِ عندي " أي أنه استطاع الحصول على الرزق بعلمه وذكائه و خبرته, ونذكر صاحب الجنتين الذي ورد ذكره في سورة الكهف إذ نسى فضل الله عليه فتكبر على الفقراء و تباهى عليهم بغناه حتى قضى الله على ما لديه من أملاك ليكون عبرة لغيره , و كذلك أصحاب الجنة في سورة القلم عندما بخلوا بفضل الله عليهم و كرهوا أن يعطوا الفقراء من حصادهم فحرمهم الله من أرضهم و حرقها جزاءاً لهم على بخلهم و جشعهم .
بينما نجد آخرين يطعمون الطعام على حبه مسكيناً و يتيماُ و أسيرا لا يريدون منهم جزاءاً ولا شكورا إلا رغبة فى إرضاء الله و خوفا من عقابه
وحذر الله مانعي الزكاة عن الفقراء بمحق البركة من أموالهم فى الدنيا و العذاب الأليم فى الآخرة فقال تعالى :" واللذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم , يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ".
فكيف يبخل الغنى بماله عن الفقراء واليتامى و ذوى الحاجات ممن لا يشعر بهم أحد ولا يفكر إلا في نفسه وأطماعه ورغباته, فهذا القدر القليل من المال يعطى لغير القادرين على العمل من الشيوخ و المرضى و الأرامل و اليتامى حتى يحقق لهم القدر اليسير من الأمان في حياتهم, والزكاة نسبه قليلة من المال ولكن عندما تتجمع من العديد من الأشخاص تحقق الأمان و الاستقرار للكثير من الأسر و تضمن لهم حياة كريمة بعيدا ً عن ذل السؤال .
وتارك الزكاة إهمالا وتكاسلا مرتكب لكبيره من أكبر الكبائر و حكم بعض العلماء هل تؤخذ الزكاة من الأغنياء قهرا ولو امتنع يقاتل حتى يؤديها كما فعل أبو بكر الصديق مع المرتدين من مانعي الزكاة, ولكن هذا دور الحاكم المسلم ولا يجوز للأفراد القيام به.
و هناك طوائف من المسلمين حددها الإسلام لمن يستحقون الزكاة وتقسم عليهم وفقا لاحتياجاتهم وقال تعالى عن الزكاة والمستحقين لها :" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب والغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل فريضة من الله و الله عليم حكيم ".
العاملين عليها : مثل العمال الذين يوليهم الإمام لجمعها و حفظها و رعايتها و الكتبة لديونها .
و المؤلفة قلوبهم :هم مسلمون أو كفار؛ إما مسلم سيد في قومه أو ضعيف الإيمان و يرجو الإمام تثبيت الإيمان في قلبه أو مسلمون على الثغور يدافعون عن الإسلام ودياره , وقد يكون كافرا يرجى إيمانه أو كافرا يخشى شره على سبيل عدم زيادة الأعداء واجتناب شرورهم , ولكن إذا زادت قوة المسلمون و اطمئنانهم عل أنفسهم جاز لهم إيقاف هذا القدر من المال و يكون الأولى بهم هم المسلمون بطوائفهم المختلفة مثلما فعل عمر عندما أوقف سهم المؤلفة قلوبهم من الكفار.
وفى الرقاب:هم المكاتبون والأرقاء يساعدون بمال الصدقة لفك رقابهم من الرق ويشترى العبيد فيعتقون.
و الغارمون : هم اللذين تحملوا الديون وتعذر عليهم أداؤها أو تحملوا أمانات وحدث لهم طارئ أضاع المال منهم.
و فى سبيل الله : هم المجاهدون المتطوعون اللذين يأخذون أجرا من الدولة على جهادهم.
وابن السبيل : هو المسافر البعيد عن وطنه ويعطى ما يستعين به على قضاء حوائجه.
الركن الرابع : الصيام :
يقوم المسلمون بالصوم في شهر رمضان تعبدا و تقربا إلى الله تعالى, وقال :" الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" وقال :" من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما كان ينبغي أن يتحفظ منه كفر ما قبله "وقال :" من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"
وكما شجع الإسلام على الصوم وأدائه حذر من الإهمال فيه وعدم أدائه فقال :" عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاث , عليهن أسس الإسلام , من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال دمه : شهادة ألا إله إلا الله و الصلاة المكتوبة و صوم رمضان "
وقال :من أفطر يوما في رمضان في غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر كله و إن صامه" وقال الإمام الذهبي : عند المؤمنين مقرر أن من ترك الصوم في رمضان بلا مرض أو عذر مباح فهو شر من الزاني و مدمن الخمر بل يشكون في إسلامه و يظنون به الزندقة و الانحلال ولعلنا نلاحظ أن الصيام له العديد من الفوائد بالنسبة لاعتياد الأشخاص على السيطرة على أنفسهم و شهواتهم وعدم تلبية جميع رغبات النفس و فيه بذل المشقة و الجهد تنفيذا لأوامر الله ورغم أن الصيام يهدف إلى بذل الجهد إلا أنه لا يهدف إلى إهلاك النفس و إتلاف الجسد فلقد جاء الإذن صريحا في جواز إفطار المريض و المسافر و الشيخ العجوز و الغير قادرين على الصيام لأي غزر يقبله الشرع و يبيحه أهل الدين و المتخصصين في الطب و نلاحظ أن البعض يذكر الحكمة من الصوم وهى أن يشعر الأغنياء بما يعانيه الفقراء من الجوع ولكننا نتذكر أيضا رد الشيخ الشعراوى رحمه الله على هذا القول عندما قال : إذاً لماذا فرض الله الصوم على الفقراء وهم دائما على هذا الشعور بالجوع وهنا نذكر بما قيل من قبل أن لا نحاول تبرير أسباب العبادات من وضوء و صلاة و صوم و حج فهى عبادات أمرنا بها الله بطريقة محددة لا يجوز لنا التغيير فيها بل التنفيذ و التطبيق رغبة فى إرضاء الله و الحصول على ثوابه والإفلات من عقابه.
الركن الخامس: الحج:
الحج ركن من أركان الدين تشترك فيه الجوارح مع العواطف و المشاعر الملتهبة شوقا إلى رؤية البيت الحرام و أماكن مقدسة حدثت عندها الكثير من وقائع التاريخ الإسلامي .
ولابد من توافر النية الصادقة المخلصة في جميع الأركان حتى لا يبذل جهدا و يفاجئ بعدم القبول من الله يوم القيامة بسبب الرياء في العمل وعدم إخلاص النية لله وحده و إشراك غيره معه في الاهتمام بهم .
وكما قال :" إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ٍ ما نوى " وكما قال تعالى في حديثه القدسي :" أنا أغنى الأغنياء عن الشرك".
و لا يجوز لأحدنا أن يشكك في نوايا الآخرين فهذا الأمر لا يعلمه إلا الله ، فعلينا الأخذ بما أمامنا من مشاهد ولا صله لنا ببواطن الأمور و كما قال :"إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان " ولاحق لنا في الحكم على نية الرجل فقد يكون مرائياً يحبط الله عمله وقد يكون مخلصا يستحق الظل من الله تعالى يوم يشتد الحر بالعباد وكما قال تعالى في حديثه القدسي :"سبعه أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي …..رجل قلبه معلَّق بالمساجد"
وامرنا الرسول بأداء فريضة الحج مرة في العمر و لم يقم بها إلا مره واحدة حتى لا يقتدي به المسلمون فيشق عليهم الأمر، ولكن من استطاع القيام بالحج و العمرة أكثر من مره بدون إسراف أو تبذير أو إهمال ضروريات أخرى فلا بأس بفعله . ولكن كما قال د.يوسف القرضاوى و الأستاذ فهمي هويدى أن الحج مره واحدة الأولى و الأفضل لعموم المسلمين بدلا من أداء الحج و العمرة أكثر من مرة أن يُكتفى بمرة واحدة و تكلفة المرات الأخرى يتم التبرع بها للمسلمين في فلسطين و الشيشان والبوسنة وكشمير فهم في أشد الحاجة للمساعدة و مساعدتهم أفضل من تكرار الحج و العمرة فمساعدة المسلم المحتاج فرض والحج و العمرة للمرة الثانية و الثالثة ليس بفرض .
يقول :" تابعوا بين الحج و العمرة فإنهما ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد و الذهب و الفضة ، وليس للحج المبرور إلا الجنة " وشجع الرسول صحابته على الإسراع في أداء فريضة الحج قبل كبر السن و كثره الأعمال وقبل أن تشغلهم حوائج الدنيا فيقول تعجَّلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له "أي ما قد يتعرض له من المشاغل و الأحداث التي قد تعوق أدائه للحج فيسُأل أمام الله عن تقصيره وإهماله حتى ضاعت منه فرصة الحج .
وحذر الرسول من التهاون في أداء تلك الفريضة فهي دين على المسلم يجب أن يؤديه عند إتاحة الفرصة فقال :" من ملك زاداً و راحلة تبلغه إلى بيت الله و لم يحج فما عليه أن يموت إن شاء يهوديا أو نصرانياً " .
إذن هذه هى الأركان التى لا يقوم الإسلام إلا بها وان تهاون المسلم فيها بدون عذر أو مبرر استحق من الله العذاب الأليم فى الدنيا والآخرة واستحق من المسلمين المواجهة والمقاومة ، وتختلف درجته بين الكفر والفسوق وفقا لقدر المعصية واقتناعه بها وممارسته لها فرأينا قتال أبى بكر لمانعي الزكاة لأنها حق فرضه الله على عباده القادرين يؤدى للفقراء منهم ، ولكن فى أمور أخرى مثل التكاسل عن الحج فلا يجوز لنا أن نتهم هذا المتكاسل فى دينه بل نتوجه له بالنصح والعتاب ونترك لله عز وجل حسابه على تقصيره .
الإيــــمــــــان
و هكذا وبعد ما سبق من أركان الإسلام نتجه إلى أمر آخر وهو الإيمان بالله، ونلاحظ أن الإسلام و أركانه يغلب عليها عمل بالجوارح ولكن الإيمان يقينٌ يستقر في القلب، والإيمان أعلى درجه من الإسلام فكل مؤمن لابد أن يكون مسلماٌ ولكن لا يصل كل المسلمين إلى درجه الإيمان.
فالإيمان اقتناع كامل بالدين يدفع صاحبه إلى أداء الفرائض و الاستزادة بالنوافل رغبة في زيادة القرب من الله . ويقول : " الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل " .أي يقين مستقر كامنٌ في القلب متمكنٌ فمنه مع عزيمة و ارادة تدفع صاحبها لبذل الجهد و المشقة في أداء العبادات .
ويقول مادحاً أبا بكر: " ما سبقكم أبو بكر بكثير صلاة و لا صيام و لكنه سبقكم بشئ وقر في صدره " أي إيمان راسخ و قال :" لو وزن إيمان أبى بكر في كفة وإيمان الأمة فى كفة لرجح إيمان أبى بكر " .
ونحن لا نقصد في قولنا أن الإيمان أعلى درجه من الإسلام أن نقلل من شأن الأركان و الفرائض ،فالإسلام هو الأساس الذي لا يمكن القيام به ، و الإيمان هو البنيان الذي لا يُعتد البناء إلا به ، فأساس فقط لا يكفي وبناء بدون أساس لا يثبت و لا يدوم ، فأركان الإسلام تعتبر فعل بالجوارح يثبت بها دخول المرء في الإسلام ولا يثبت اقتناعه به فكم من مؤدٍ للصلاة وهو جاحدٌ بها كاره لها ، ولكننا لا نستطيع ألا أن نقر له بالإسلام والله كفيل به و بعمله ونيته .
و لعلنا نذكر أن القرآن وصف المنافقين بقيامهم إلى الصلاة وهم كسالى وأنهم كانوا يعيبون على المسلمين أفعالهم و أقوالهم و أمر الرسول في إحدى المرات بطردهم من المسجد، وفي مرهٍ أخرى أمر بهدم مسجد الضرار و أقيمت بدلا منه مزبلة فليس العبرة بالمكان بل بالفائدة المتوقعة منه
ونذكر أيضا أن صفة الإيمان لا يوصف بها كل إنسان و لهذا قال تعالى : " قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم و إن تطيعوا الله و رسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم " . ففي هذه الآيات موقف بني أسد بن خزيمة عندما اسلموا و ادعوا لأنفسهم صفة الإيمان فانزل الله حكمه أنهم اسلموا فقط ولم يصلوا بعد لدرجة الإيمان و أن الله سيحاسبهم وفقا لأعمالهم و لن ينقصهم من أجورهم شيئا.
وهكذا نذكِّر أن الإسلام شهادة باللسان و أفعال بالجوارح أن قام به الفرد لا يجوز لنا التشكيك في إسلامه إلا إذا قام بما يخالف الدين صراحة قولاً أو فعلاً و كما قال :" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا اله إلا الله ويقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة فان فعلوا ذلك عصموا من دمائهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله " أي أننا لا نستطيع الحكم عليهم بالكفر بعد ذلك فهم مسلمون و لو ظاهريا ولكن أفعالهم و أقوالهم الخفية أمر لا يعلمه إلا الله و لا يحق لنا أن نحاسبهم عليه وكما قال تعالى واصفاً حال المنافقين " إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله والله يعلم انك لرسوله و الله يشهد إن المنافقين لكاذبون" و انظر إلى لفظ " نشهد " فهو شهادة لسان فقط ولكن قال تعالى " والله يعلم " أي إقرار و أمر نهائي من الله تعالى كونك رسوله وخاتم الرسل و أفضل البشر .
ورغم معرفة الرسول بتكذيب المنافقين الخفي والمستتر له وتدبيرهم ضد الإسلام والمسلمين إلا انه لم يجهر بذلك ولم يعاقبهم أو يحاسبهم وعندما طلب أحد الصحابة قتلهم للتخلص من شرورهم رفض الرسول
قائلاً :" حتى لا يقال أن محمداً يقتل أصحابه ".
ونعود إلى الإيمان ونذكر ما ورد في الحديث القدسي :" ما تقَّرب عبدي الىَّ بشيءأحب إلى مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقَّرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها و لئن سألني لأعطينه و لئن استعاذ ني لاُعيذنه ، ومن عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ".
إذا فهذا الحديث القدسي يوضح أن التقرب إلى الله لن يتحقق إلا بالفرائض و الأركان التي لا يعوضها شئ آخر مهما كان فإذا حققها الإنسان ونفذها ثم أراد التقرب أكثر وأكثر إلى الله تعالى فله أن يزداد من النوافل و الطاعات دون التفريط في شئون الدنيا من عمل يجب عليه إتقانه وزوجه و أبناء لهم حقوقهم و أقرباء يجب صلتهم و مسلمين يجب الاهتمام بهم .
وبعد تأدية الفرائض ينال الدرجة العالية بالنوافل وكما قال :" رب رجل أشعث اخبر لو اقسم على الله لأبَّره " أي انه قد يوجد بيننا أشخاص ليست لهم مكانه ولا منزله تميزهم وترفع شأنهم في عيون الناس ولكن لهم عند الله منزله عظيمة لإخلاصهم واجتهادهم في الدين فلو اقسم أحدهم على الله أن يفعل كذا وكذا يلبى الله تعالى نداءه ويجيب سؤاله لمكانته و طاعته .
فكانت مكانة المسلم عند الله درجات فهناك الإسلام و الإيمان و الإحسان ،وهناك درجات اختلف العلماء في تقدير مكانتها مثل التقوى و الورع .
وكأنها درجات يترقى فيها المسلمون من الأدنى إلى الأعلى فإن شاء المسلم أن يثبت عند درجة توقف عند حدودها و أركانها وان شاء الصعود إلى ما هو أعلي فعليه بذل الجهد و اتعاب النفس لنيل ما يبتغي الوصول إليه فكما سبق القول ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل
والمسلم إن لم يحاول المواظبة على فعل الخيرات تراخت خطواته في الطريق إلى الله تعالى ولا يأمن على نفسه حينئذٍ أن تتساقط درجاته إلى أسفل فيهبط بعد علو و ينخفض في المنزلة بعد ارتفاع و طالما لم يستمر في الصعود فإن الثبات في مستوى واحد أمر عسير .
و أشار القرآن إلى ذلك في قوله :" والذين آمنوا زادهم هدى " إذاً الإيمان يزيد وينقص .
وإذا استمر المسلم في الطاعات فتره طويلة من الزمن ثم توقف لعذر مفاجئ من مرض أو كبر سن يجرى الله نفس الثواب عليه وكأنه ما زال مداوما على فعله و لكن طالما كان الإنسان في صحته وقدرته فلن يتعامل معه الله بهذا السخاء لقدرة الجل على العمل وتكاسله فيه.
وهكذا يجب على الإنسان العمل والاستمرار فيه حتى لو كان قليلا وكما قال رسول الله :" أحب الأعمال إلى الله أدومها وان قلّ " .
ومدح الله المؤمنين العاملين مؤكدا انه سيجزيهم الثواب الملائم لجهدهم في الدنيا كما في قوله تعالى :" من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبه و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " و قوله تعالى :" وعد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و اجر عظيم "." 9 " المائدة.
وكما تحدثنا عن الإسلام و أركانه نتحدث عن الإيمان و وأركانه التي أوردها في قوله:" الإيمان أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسله و باليوم الآخر و القدر خيره و شره ".
فالإيمان بالله تابع لشهادة أن لا اله إلا الله وتتضمن أن الله عليم بما يحدث في الكون خبير به حكيم في تدبيره و خلقه قادر على كل شئ له جميع صفات الجلال والكمال و الكبرياء وان يؤمن المسلم أن الله تعالى هو المالك لكل شئ المدَّبر لكل شئ والقادر على كل شئ فلا يتوجه بالعبادة إلا له ولا تكون الخشية إلا منه و لا اللجوء إلا إليه " قل إن صلاتي و نسكى و محياي ومماتي لله رب العالمين " وكما يقول الإمام الشهيد سيد قطب :"انه يجب أن تكون لا اله إلا الله منهج حياة إما لنيل رضا الله و الابتعاد عن عذابه وعقابه أو تسيير و تنظيم شئون دنيوية خاصة بنا وفقا لما أمر به الله و بعيداً عما نهى عنه سبحانه و تعالى " .
و نتطرق إلى الإيمان بالملائكة ، وقد شرح القرآن بعض صفاتهم واغفل بعضها لعدم أهميتها في حياه البشر، فمن المعلوم لنا أنهم خلقوا قبل آدم عليه السلام ، خلقهم الله من نور وليس لهم جسم مادي يدرك بالحواس إلا إذا قام أحدهم بالظهور على شكل بشرى مثلما فعل جبريل عليه السلام مع الرسول فكان يأتيه أحياناً على شكله الملائكي أو على شكل بشرى , و الملائكة لا يأكلون أو يشربون أو يتزاوجون أو يتناسلون أو ينامون , وهم منزهون عن الآثام و المعاصي يطيعون الله وينفذون أوامره بلا تكاسل أو إهمال أو اعتراض.
وهنا لنا ملحوظتان :
الأولى : هي ظن البعض أن إبليس كان من الملائكة ولكن لعنه الله و طرده من رحمته لرفضه السجود لآدم عليه السلام , ولكن الصواب كما قال القرآن عن إبليس " كان من الجن ففسق عن أمر ربه " أي أن إبليس من الجن و الجن كما نعلم منهم المسلمون و منهم غير ذلك , وإن كان إبليس من قبل عابداً لله حتى نال الدرجات العليا وسمى لجماله ومكانته طاووس الملائكة إلا أن غروره و تكبره و رفضه الخضوع لأمر الله تسبب له في اللعنة إلى يوم القيامة .
الثانية : أننا وصفنا الملائكة بعدم الاعتراض على أوامر الله رغم أنهم قالوا عندما علموا بخلق آدم عليه السلام :" أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء" وهنا نذكر قول الإمام بن عباس أن أول من سكن الأرض هم الجن فأفسدوا فيها و سفكوا الدماء و قتل بعضهم بعضا ولهذا جاء سؤال الملائكة للتعجب من خلق كائنات تتقاتل و تفسد مثلما فعل الجن من قبل وليس على سبيل الاعتراض على أوامر الله تعالى .
وذكرنا أن الملائكة قد تتشبه للبشر على هيئة بشريه مثلما فعل جبريل عليه السلام عندما دخل على الرسول و صحابته على هيئة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر, ونتذكر عندما تمثل جبريل لمريم بشرا مكتملاً .
و وصف الله تعالى الملائكة بأن لهم من الأجنحة ما تتفاوت أعدادها مثل قوله:" الحمد لله فاطر السماوات و الأرض جاعل الملائكة رسلاً أولى أجنحة مثنى و ثلاث و رباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شئ قدير " وورد في البخاري و مسلم أن رسول الله رأى جبريل عليه السلام وله ستمائة جناح .
ومن مهام الملائكة تنفيذ إرادته سبحانه في الكون و تسجيل كل ما يحدث من حركات إرادية و غير إرادية و أنه سبحانه وكَّل بالشمس و القمر والأفلاك ملائكة وبالجبال ملائكة وبالسحاب ملائكة والمطر ملائكة .
وكما يقول ابن قيم الجوزية عن صلة الملائكة بالإنسان : ( هم الموكلون بتخليقه وكتابة رزقه وعمله وأجله وشقاوته أو سعادته وإحصاء أفعاله وأقواله وحفظه فى حياته وقبض روحه عند مماته وهم الموكلون بعذابه أو نعيمه فى البرزخ وهم المثبتون للمؤمنين بإذن الله وهم المقاتلون المدافعون عن المؤمنين فى الدنيا والآخرة وهم الناصحون والحافظون والداعون والمستغفرون للمؤمنين يزهدونهم فى الدنيا ويرغبونهم فى الآخرة ويذكرونهم إذا نسوا وينشطونهم إذا تكاسلوا ويثبتونهم إذا جزعوا ويسعون فى مصالحهم فى الدنيا والآخرة ) .
أما عن عدد الملائكة فلا يعلمه إلا الله ولكن مما ورد فى الأحاديث نستطيع معرفة ان أعدادهم هائلة فقد قال ص : ( أطت السماء وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وعليه ملك ساجد ) وفى حديث الإسراء والمعراج قال ص : ( فرفع لى البيت المعمور فسألت جبريل فقال : هذا البيت المعمور يصلى فيه كل يوم سبعون ألف ملك ) وممن نعلم أسماءهم من الملائكة : جبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل عليهم السلام .
وهذا يكفى فى الحديث عن الملائكة مما يجب على المسلم إدراكه وفهمه
وبعد ذلك نصل إلى الإيمان بالرسل والأنبياء السابقين ، ووردت أسماء بعضهم فى القران مثل : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وهم أولو العزم من الرسل أى أكثر الرسل معاناة مع أقوامهم وثباتا فى الشدائد ، وغير هؤلاء من الأنبياء الذين يجب على المسلم ان يدرس سيرتهم حتى يقتدى بهم فى نشرهم للدين وتحديهم للظالمين ورفضهم الخضوع لغيرهم
ويجب الإيمان بما جاء فى القران من أحداث تخص هؤلاء الرسل مثل نجاة إبراهيم من النار رغم إلقائه بها وان عيسى رفع حيا إلى السماء ولم يقتل ولم يصلب ، وان موسى قهر السحرة وتحولت عصاته إلى ثعبان أكل حبالهم وعصيهم ، وان الحوت قد ابتلع يونس حتى أنجاه الله منه ، وأن عيسى أحيا الموتى بإذن الله ، وأن الله قد نصر المسلمين فى حروبهم بالملائكة والنعاس والمطر .
كل ما سبق تأكد بقران أو سنة ولا يجوز لمسلم الشك فيه او تكذيبه . ويجب على كل مسلم أن يؤمن أن الرسل هم أكمل الناس خلقا وعلما وعملا وأنهم معصومون من المعاصى والذنوب ومنزهون عن التقصير فى أداء الرسالة . وقد تقع منهم أخطاء فى بعض الأمور الدنيوية مثلما ورد فى سورة ( ص ) من موقف داود عليه السلام من الخصمين وتسرعه فى الحكم ، ونذكر سليمان وانشغاله بالخيل عن ذكر الله عز وجل , ونذكر ادم عليه السلام وتناوله من الشجرة النى نهاه الله عنها وعقابه بالنزول الى الدنيا وذريته من بعده . ونذكر عتاب الله تعالى لرسوله عندما أعرض عن الصحابى الكفيف عبد الله بن أم مكتوم وانشغاله ببعض الأغنياء رغبة فى دخولهم الإسلام مما ورد فى سورة عبس ونذكر حدثا من السيرة عندما أشار الرسول على بعض الصحابة بطريقة فى رعاية النخيل وعندما عملوا بها تلف المحصول فقال لهم الرسول ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) أى الأكثر فهما للأصلح فيما يخص شئون الدنيا فلا يعقل أن يتدخل الرسول فى أمور الصناعة والزراعة والطب إلا بما يخص الشرع وأحكامه وعليهم أن ينظروا فى الأصلح لهم من أمور الدنيا . ونذكر موقف الرسول من أسرى بدر عندما عفى عنهم مقابل الفدية وجاء حكم الله أن الأولى كان قتلهم .ولعل القران فى ذكره لبعض الأخطاء من الأنبياء يقصد التنبيه الى أن الجميع يخطئون ولكن الأفضلية لمن يسارع فى العودة اى الله والندم على ما ارتكب من الأخطاء مثلما حدث من داود عليه السلام عندما أخطأ فتاب الى الله فغفر الله له وعفا عنه .
ويجب أن نؤمن أن جميع الرسل كانوا رجالا وأنهم ذوو طبائع بشرية يأكلون ويشربون وينامون ويتزوجون ولهم ذرية ويموتون كغيرهم ومنهم من قتل أو أصيب بمرض كما حدث مع أيوب عليه السلام .
ونؤمن أن معجزاتهم هى تأييد من الله لهم ليسهل إقناع أقوامهم مثلما حدث فى السحر مع موسى لبراعة قومه فى السحر ونزول عيسى بما يقهر مهارة قومه فى الطب ومحمد ص بما يقهر قومه فى الفصاحة .
ونتجه لركن آخر من أركان الإيمان وهو الإيمان بالكتب السماوية السابقة وخاصة ما ورد ذكره فى القران مثل التوراة والإنجيل وزبور داود وصحف إبراهيم عليهم جميعا الصلاة والسلام .
ولكن هذه الكتب حاليا إما محرفة او غير موجودة أصلا ، ولكننا نؤمن أن الكتب الأصلية كانت تأمر بنفس عقيدة الإسلام وأخلاقه ولا يمكن أن يرد بها ما يتعارض مع أخلاق الإسلام وآدابه ، ولكن قد يكون الاختلاف فى أداء بعض العبادات مثل كيفية الصلاة والصيام وبعض الأحكام الأخرى .
ومن أركان الايمان نرى الإيمان باليوم الآخر وهذا اليوم له مراحل وخطوات تبدأ بعد خروج الروح من البدن ثم دفن الجسم وحساب الروح وفتنة القبر وسؤال الملكين فيقول ص ( إن العد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه وانه ليسمع رع نعالهم يأتيه ملكان فيقعدانه ويقولان له : ما كنت تقول فى هذا الرجل " يقصدان الرسول ص " فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله . فيقال له : انظر الى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا فى الجنة . فيراهما جميعا ) رواه مسلم .
وعندما مر الرسول ص بقبرين قال ( إنهما يعذبان وما يعذبان فى كبير ، أما أحدهما فكان يسعى بين الناس بالنميمة ، والآخر فانه كان لا يستتر فى بوله) رواه البخارى .
وبهذا يتبين أن الأرواح غما أن تنعم فى الجنة أو تعذب وان القبر مرحلة اولى لها ما بعدها من المراحل عندما ترتد الأرواح الى الأبدان يوم القيامة ليحاسب الناس على أفعالهم سواء كانت صالحة أم غير ذلك .
ومن مراحل يوم القيامة البعث والنشور والحشر والحساب والمرور على الصراط والجنة والنار وما ورد عن تفاصيل ذلك فى القران او السنة .
ومن علامات الساعة واقتراب القيامة أن يرفع العلم وينتشر الجهل ويفشو الزنا ويشرب الخمر ويكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة رجل واحد وان يقاتل المسلمون اليهود وينتصرون عليهم وظهور المسيخ الدجال والدابة وطلوع الشمس من المغرب ونزول عيسى عليه السلام وظهور يأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم .
و ناتى إلى ركن الإيمان بالقضاء والقدر والرضا بقضاء الله سواء كان نفعا او ضرا ، وان الله يعلم مسبقا ما ستكون عليه أفعال العباد وأحوالهم ، وعلى المؤمن أن يرضى ويستسلم لله ويرجو من الله ان يكفيه ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة وإن أصابه خير شكر أو أصابه شر صبر وكما قال ص : ( عجبا لأمر المؤمن فأمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ون أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ) .