مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة الجاسوسية واشهر الجواسيس(متجدد) صانع الجواسيس (ايان فليمنج)(جزء ثانى)


FRANKENSTEIN
21-01-2007, 12:19 PM
اولا السلام عليكم

ثانيا احب اوضح ان فى موضوعى هذا انه محاولة صغيرة من اجل سبر اغوار هذا العالم الغريب
الملى بالاسرار
المجهول
الذى كلما تعمقت فيه ازداد احساسك بجهلك لهذ العالم الغامض
فى هذا الموضوع سيتم طرح:
1- طرق الجاسوسية
2-اشهر موسسات الجاسوسية
3-اشهر الجواسيس


1- ما هى الجاسوسية (جزء اول)
2- ما هى الجاسوسية(جزء تانى)
3- الجاسوسة التى ابكت جولدا مائير عند سقوطها (هبة سليم) (جزء اول)
4- الجاسوسة التى ابكت جولدا مائير عند سقوطها(هبة سليم ) (جزء تانى)
5-صانع الجواسيس(ايان فليمنج)(جزء اول)
6-صانع الجواسيس(ايان فليمنج)(جزء تانى)

اولا وقبل كل شى يجب ان نعرف احنا هنتكلم عن ايه
فى هذه المشاركة ساقوم بطرح معنى الجاسوسية وماهى وكل الجوانب المحيطة
فاتمنى لكم الاستمتاع


الجاسوس ... كلمة يعرفها الجميع فمن هو الجاسوس ؟

هو شخصية غير عادية لما يتميز به من صفات لا تتوافر للكثيرين ، و هي بمثابة السلاح الذي يذلل به كثيرا من العقبات ، فيجعله ينفذ مهمته بنجاح .. و من أهم تلك الصفات :
الذكاء و الدهاء و حسن التصرف و أيضا الرغبة في التفوق و حب السيطرة ، أما بالنسبة للنساء ، فتوافر الجمال هو صفة أساسية لنجاح المرأة الجاسوسة في مهمتها ...
و غالبا ما يكون وراء الجاسوس - إلى جانب تميزه بهذه الصفات - دوافع أخرى نفسية قد هيأته للقيام بهذا العمل ، و التي قد ترجع جذورها - في كثير من الأحيان - إلى فترة طفولته و نشأته الأولى ، فمن استعراض حياة بعض الجواسيس : مثل سيدني ريلي - كما سيتضح - يبدو أن الدافع لإنجذابه للعمل بالجاسوسية يرجع إلى تلك الصدمة النفسية التي عانى منها أثناء طفولته ، حين أدرك أنه ليس ابنا شرعيا لأبويه ...
كذلك ، من خلال استعراض حياة الجاسوس كيم فيليبي يبدو أن المعاملة القاسية التي لاقاها فيلبي من والده أثناء طفولته كانت هي الدافع لإنجذابه للعمل بالجاسوسية بعد ذلك و في كلتا الحالتين اعتقد أن العمل بالجاسوسية كان يحقق لكل منهما رغبة داخلية في الانتقام مما لاقى كل منهما أثناء طفولته ...
لكن لا يزال هناك بعض الملامح الخاصة في شخصية الجاسوس و التي تجعله فريسة سهلة لأجهزة مخابرات الدول الأجنبية التي تسعى إليه لتجنده إلى صفها ، من هذه الصفات : البعد عن الله و عن العقيدة الدينية - الطموح الزائد للمال و الثروة - التخلي عن المبادئ و القيم و ربما كانت هناك أيضا ظروف أخرى ، مثل ادمان المخدرات أو المرور بأزمة مالية ...
و في هذا الموضوع و من خلال استعراض حياة الجواسيس ، الدور الفعال الذي تلعبه الجاسوسية في حياة الدول المختلفة و على الأخص روسيا و أمريكا ، حيث يبدو واضحا مدى قوة المنافسة القائمة بين جهاز المخابرات الأمريكية (cia) و جهاز المخابرات السوفيتية (kgb) في اقتناص كل منهما لأكبر قدر من المعلومات السرية عن الآخر و معرفة ما يدور بداخله و من المؤسف ، بل و من الطبيعي أيضا ، أن عملية التجسس هي الطريق الأساسي للوصول لمثل هذه المعلومات ، و يدل على ذلك ، استخدام الأقمار الصناعية في كل من البلدين للتجسس على الآخر ، بل و أحيانا على العالم بأكمله - كما سيتضح . هذه الوظيفة التي تحاول كل من الحكومة الأمريكية و الحكومة السوفيتية إسدال الستار عليها ...
فالجاسوسية في الوقت الحالي لم تعد عبارة عن تجسس فرد على جماعة بل و صارت إلى حد ما تجسس دول بأكملها على دول أخرى أو ربما على العالم بأكمله ، مما يعطي الاحساس بأننا نعيش في عالم مملوء بالجواسيس من حولنا ...

تعريف الجاسوس :
يمكن تعريف الجاسوس على حسب ما جاء في ( اتفاقية لا هاي ) - المادة 20 : بأن الجاسوس هو الشخص الذي يعمل في الخفاء أو تحت شعار كاذب ، ليحصل على معلومات عن العمليات العسكرية لدول محاربة بهدف إيصالها للعدو ...
و كما يعمل الجواسيس في وقت الحرب فهم أيضا في وقت السلم ، بهدف الحصول على معلومات لتعزيز جبهة الدولة التي يتجسسون لحسابها في حالة نشوب حرب جديدة ، كالحصول على معلومات عن تطور الأسحلة الحربية في الدول الأخرى ، و ما وصلت اليه من تكنولوجيا حديثة ...
و أيضا من أجل تقوية الصراع القائم بين الدول على القواعد الاستراتيجية ، و السيطرة على مناطق النفوذ ، و الاستفادة من الاضطرابات السياسية في بقاع العالم المختلفة كمشكلة فلسطين و مشكلة العراق ، عن طريق دس الفتن و المؤامرات السياسية لخدمة مصالحها السياسية و الاستراتيجية ...
لكن عقاب جاسوس الحرب يختلف عن عقاب جاسوس السلم ، فالتجسس أثناء الحرب عقابه الإعدام ، أما التجسس أثناء السلم فعقابه السجن لمدة معينة ...
صفات الجاسوس :
و من أهم ما يجب ان يتحلى به الجاسوس حتى ينجح في مهتمه هو الذكاء و حسن البديهة و الفراسة ، فبهذه الصفات يستطيع أن يلتقط المعلومات بسرعة ، و يحلل الأمور ، و يستخلص النتائج ...
كذلك فلاتصافه باللباقة و حسن التصرف أهمية خاصة حين تتأزم الأمور و يبقى عليه أن يختار بين الموت و الحياة . و هذا إلى جانب ضرورة إلمامه الجيد بلغة البلد الأجنبية التي يقوم فيها بمهمته ، و أيضا معرفته لعادات و تقاليد الناس في هذا البلد ...
كذلك ينبغي أن يتصف أي جاسوس بقوة الذاكرة بحيث يستطيع حفظ الوجوه و تسجيل المعلومات في رأسه دون أن ينسى منها شيئا و قبل كل هذه الصفات ، يجب أن يتحلى الجاسوس بالشجاعة و حب المغامرة .. فلا قيمة لأي صفة من الصفات السابقة ، إذا شعر الجاسوس و لو لمرة واحدة بالخوف أثناء مهمته ...

الجاسوس المزدوج
الجاسوس المزدوج ، هو الجاسوس الذي يعمل لحساب دولتين في وقت واحد ( جاسوس بوجهين ) و هو أذكى و أخطر أنواع الجواسيس فلا يمكن أن ينجح في هذه المهمة سوى الشخص الذي يتصف بالذكاء و المكر الشديدين حتى يستطيع أن يكسب ثقة الطرفين ، و يخدع كل منهما في نفس الوقت ، و غالبا ما تكون حياة الجاسوس المزدوج هي رهن لأي خطأ بسيط قد يقع فيه دون قصد ، لكن ما يحققه من مكاسب كبيرة من هذه اللعبة الخطرة يجعله لا يبالي حتى بحياته في سبيل ما يحصل عليه من أموال من كلتا الدولتين ...
أمثلة للجاسوس المزدوج

جورج بليك
و من أشهر و أنجح من قام بدور الجاسوس المزدوج هو ( جورج بليك ) فكان دبلوماسيا إنجليزيا و عميلا للمخابرات البريطانية في ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية ، لكنه في نفس الوقت كان شيوعيا و قام بالتجسس لحساب روسيا لفترة طويلة ، و في سنة 1962 أقلت بريطانيا القبض عليه ، و صدر عليه الحكم بالسجن لمدة 42 عاما بتهمة التجسس على انجلترا لحساب الدول الشيوعية ، لكنه استطاع الهرب من السجن إلى روسيا و لا يزال يعيش في روسيا حتى الآن ...

الكولونيل كالدين
الكولونيل كالدين .. هو أشهر جاسوس مزدوج أثناء الحرب العالمية الأولى ، و قد قام بمهمة الجاسوس المزدوج لعلم بلده روسيا ، فعلى الرغم من عدم تقبل الروس لفكرة الجاسوس المزدوج ، لكنها اضطرت إلى الاستعانة به كجاسوس مزدوج لتحصل على بعض المعلومات الهامة عن تحصينات الجبهة الألمانية أثناء الحرب العالمية الأولى .
فسافر كالدين إلى ألمانيا ، و لم يخف حقيقة عمله كضابط روسي ، لكنه علل سفره إلى ألمانيا بهروبه من البوليس السياسي الروسي ، و استطاع أن يكسب ثقة الألمان بعد أن أفشى أسماء بعض الجواسيس الروس في ألمانيا ، لكنه مقابل ذلك استطاع أن يقوم بمهمته على أكمل وجه ، و أن يقوم بجمع كل المعلومات التي طلبها منه الروس عن الجبهة الألمانية و أن يقدم لبلده روسيا خدمة جليلة ساعدتها أثناء الحرب ...

اتكلمنا قبل كدة فى موضوع ما هو الجاسوسية ولكن لم نكمل كلامنا واحنا هنا ادينا هنكمل فاتمنى لكم الاستمتاع




دارس الجاسوسية
بدا واضحا أثناء الحرب العالمية الثانية أن الجاسوسية لها دور هام و خطير في مجرى الأحداث ، فبدأ الاهتمام يتزايد منذ ذلك الوقت بالجاسوسية . فخصصت الدول الكبرى ، في الخفاء ، ميزانية ضخمة من ملايين الدولارات تنفقها كل عام خدمة للجاسوسية ، و تندرج هذه المصروفات تحت بنود مختلفة مثل بند النفقات العسكرية أو الوظائف السياسية . و تحولت مع الوقت إلى علم و فن ، فأنشئت مدارس في الدول الكبرى لتعليم الجواسيس ، و إعدادهم إعدادا جيداً ، حتى يحققوا من خلال عملهم أعلى درجات النجاح ...
و من مدارس الجاسوسية الشهيرة : المدرسة السوفيتية ، و الأمريكية ، و الألمانية ، و الإنجليزية ... و أكثرها انتشارا هي المدارس السوفيتية ، نظرا لاهتمام روسيا البالغ بتعزيز قوتها ضد القوة الأمريكية .. فكانت الجاسوسية هي إحدى الوسائل الهامة لهذا الغرض .
و في هذه المدارس ، بصفة عامة ، يتدرب الجاسوس على كيفية استخدام وسائل التجسس المختلفة مثل الشفرة و الحبر السري و كاميرات التصوير السرية ، و يتدرب كذلك على استخدام الأسلحة و الذخائر .. و منها الذخائر الخفية ، كأقلام الحبر التي تحمل متفجرات ، و ما إلى ذلك . كما يتلقن الجاسوس العديد و العديد من النصائح و الإرشادات حتى يتوج عمله بالسرية التامة ، و يمضي في مهمته دون أن يثير أدنى شك فيمن حوله .

المدرسة السوفيتية
الروس هم أشد الدول حرصا على الاهتمام بالجاسوسية و تدريب الجواسيس - حيث برع المواطن الروسي في ظل المبادئ الشيوعية الهدامة في التجسس على مواطنيه بل و على أهله و عشيرته مما أكسبه مهارة يحسد عليها في هذا المجال - و يدل على ذلك وجود مدارس كثيرة للجاسوسية في مختلف أنحاء الاتحاد السوفيتي و يبلغ عددها عشرة مدارس .
و كل مدرسة تختص بلغة معينة و بجزء معين من العالم ، فمثلا في مدرسة ( كتايسكايا ) يتم إعداد الجواسيس للتجسس على الصين و في مدرسة ( فوستو كزنايا ) يتم إعداد الجواسيس للتجسس على آسيا و الشرق الأوسط ...
لكن أشهر هذه المدارس هي المدرسة التي توجد في جاسزينا و التي يتم فيها تأهيل الجواسيس للتجسس على الدول الناطقة بالانجليزية و هي مدرسة تقع على مساحة كبيرة جدا ، و يقال أنها تحتوي على نماذج مشابهة لنماذج الحياة في الدول الغربية ، فتحتوي مثلا على فنادق و سيارات مماثلة للطابع الأمريكي ، و تحتوي على بارات مماثلة للطابع الانجليزي ، أي أن الجاسوس في هذه المدرسة يتدرب على الجاسوسية و كأنه يمارسها بالفعل في الدول الأجنبية كذلك يرتدي الجواسيس ملابس الدول الغربية ، و يتعاملون مع بعضهم بأسماء غربية ...
و قد تخرج من هذه المدرسة جواسيس كثيرون منهم ( كونون مولودي ) و ( رودلف أبل ) ...

المدرسة الألمانية
الألمان هم من أكثر الشعوب التي اهتمت بالجاسوسية فوضعوا لها النظم و القوانين و أصبحت علما كأي علم من العلوم الأخرى و تتميز المدرسة الألمانية للجاسوسية بالدقة المتناهية و يظهر هذا بوضوح من خلال الإرشادات التي يتلقاها الجواسيس في مدارس التجسس الألمانية .. و في المقطع التالي جزء مما يتلقنه الجواسيس في المدرسة الألمانية بمدينة أنتورب .. و الذي يعبر عن هذا المعنى :
(( اخف أي شئ تحمله يحمل لغة ألمانيا ، حتى يتشجع الآخرين على التحدث بحرية ، و تذكر أن العميل الألماني لا يتحدث ولا يكتب أي كلمة بالألمانية أثناء تواجده في مهمة بالخارج ))
(( تخلص من أي خطاب أو ورقة بمنتهى الحرص و السرية ، حتى لو كنت ستلقي بها في دورات المياه العامة ، و تذكر أن تمزيق أي ورقة و قذفها بعيدا ، لا يمحو ما جاء بها ، كذلك فالتخلص من أي أوراق عن طريق حرقها بالنار قد لا يمحو تماما ما جاء بها ، فيمكن أن يؤدي فحص بقايا الأوراق المحترقة بالميكروسكوب إلى كشف بعض ما جاء فيها ))
(( استفد بكل شئ مهما كان تافها من المعلومات التي تسمعها ، و لكن لا تبدي اهتماما بأي شئ على الإطلاق
و من عيوب المدرسة الألمانية هو النظام الشديد و القسوة في التدريب و هو نفس عيب المدرسة الروسية ، و يذكر عن المدرسة الألمانية أنها تقوم بالتخلص من الجواسيس الفاشلين في التعليم بإرسالهم في مهمات تضمن في القبض عليهم و شنقهم و يطلق على الجاسوس الفاشل اسم ( الجاسوس الغبي ) و هو من مصطلحات هذه المدرسة ...

المدرسة الإنجليزية
تأتي المدرسة الإنجليزية في المرتبة الثانية بعد المدرستين الروسية و الألمانية و يوجد في إنجلترا عدد محدود من مدارس الجاسوسية التي يقع أغلبها في الريف الانجليزي و لا تمتاز المدرسة الانجليزية بما هو جديد عن المدرستين الروسية و الألمانية ، لكن ربما كان الاهتمام بالنواحي الرياضية وقوة التحمل هو من أبرز ما تتميز به المدرسة الانجليزية . فيتلقى الجواسيس في المدرسة الانجليزية دروسا مكثفة عن كل الرياضات العنيفة كالمصارعة الحرة و الجودو و الكراتيه ، إلى جانب تعليم اللغات الأجنبية و دراسة الجغرافيا و فن التخريب و استعمال الذخائر .. كذلك يتدرب الجاسوس على قوة الاحتمال حتى يستطيعوا أن يتصدوا لكل المواقف التي قد يواجهونها في البلاد الأجنبية ، فيقضي الجاسوس فترة في سجن انفرادي مع حرمانه من الطعام و النوم المريح ، حتى تزداد قوة تحمله إذا ما تعرض للسجن على يد الأعداء ...

معدات التجسس
كل المعدات التي يستعين بها الجاسوس أثناء مهمته ، مثل أجهزة التصنت و كاميرات التصوير ، هي معدات صغيرة الحجم حتى يسهل إخفاؤها . و انتشرت هذه النوعية من المعدات منذ الحرب العالمية الثانية ، و قد أدخل عليها الكثير من التعديلات حتى وقتنا الحالي . و معظم هذه الأنواع تباع في الأسواق دون أي قيود ، مما قد يشكل خطراً من سوء استخدامها ...
أجهزة التصنت ...
هي أجهزة صغيرة لنقل الحديث من على بعد . و يوجد منها نوعان ؛ نوع يحمله الجاسوس معه على هيئة قلم أو علبة سجائر أو زر قميص أو غير ذلك من الأشكال المختلفة .
أما النوع الآخر ، فيُثَبَّت في خفاء داخل المكان المراد التصنت عليه ، مثل تحت المكتب أو على الحائط .. لكن يعيب هذا النوع أنه يمكن الكشف عن وجوده بأجهزة خاصة كذلك ، مثلما يحدث داخل السفارات . حيث يقوم رجال الأمن بالكشف عن مثل هذه الأجهزة من وقت لآخر داخل أماكن الاجتماعات السرية ، و ذلك باستخدام جهاز لمسح المكان ، يقوم بإصدار صوت معين في حالة تواجد أحد هذه الأجهزة .
هذا النوع من أجهزة التصنت كان السبب في الكشف عن ( فضيحة ووتر جيت ) ، التي أدت إلى عزل الرئيس الأمريكي السابق نيكسون . حيث قام بعض رجال نيكسون بإخفاء عدد من هذه الأجهزة داخل مقر الحزب الديموقراطي للتصنت على ما يدور داخله أثناء فترة الإنتخابات .
كاميرات التصوير ...
يوجد أحجام و أنواع مختلفة من كاميرات التصوير التي يستخدمها الجواسيس . أصغر هذه الأحجام يمكن إخفاؤها داخل علبة السجائر أو حتى داخل ولاعة السجائر . و بعض هذه الأنواع يمكنها التقاط الصور في الظلام التام .
أفلام التصوير (Microdots)...
ميكرودوتس .. هي أفلام صغيرة جداً خاصة بعمليات التجسس و بالرغم من حجمها الصغير يمكنها أن تحمل عدداً كبيراً من الكلمات - مثل عدد الكلمات الموجودة في صفحة كاملة من قاموس المورد ...
كيف يتم تجهيز هذه الأفلام ؟
يقوم الجاسوس بتصوير المستند المطلوب بالكاميرا السرية ثم يقوم الجاسوس أو أحد الخبراء بعد ذلك بتصوير الصورة مرة أخرى لتصغير حجمها . ثم يعاد التصوير أكثر من مرة حتى يتم اختزال حجم الصورة لتصبح في النهاية في حجم نقطة تظهر معالمها تحت الميكروسكوب ، يقوم الجاسوس بعد ذلك بحمل هذه النقطة بواسطة سرنجة خاصة ثم يلصقها ضمن الكلام الموجود بأي كتاب ليحمل الكتاب بعد ذلك عائداً إلى بلده .. و هناك يتم تكبير الصورة و تحميض الفيلم ..
أجهزة اللاسكلي ...
و يوجد منها أشكال و احجام مختلفة و قد يصل حجم أصغر الأجهزة إلى حجم علبة الكبريت و لكن كلما صغر حجم جهاز اللاسلكي كلما صغر مجاله .
الحبر السري ...
الكتابة بالحبر السري هي كتابة خفية ، بمعنى أنك تكتب و لاتظهر أي كلمات .. كأنك لا تكتب .
و عادة تتم المراسلة بالكتابة السرية ضمن خطابات عادية يبعث بها الجاسوس إلى عنوان معين في الدولة الأجنبية التي يعمل لحسابها ، قد يكون عنوان شركة ، يسألها عن بعض المنتجات أو عنوان صديق له ، يسأله عن أحواله . و يكون هذا العنوان في الحقيقة هو عنوان مستعار لأعوان الجاسوس في الدول الأجنبية ..
فيقوم الجاسوس بكتابة المعلومات السرية بين سطور هذا الخطاب فلا تظهر الكتابة على الإطلاق .
و في وقت الحرب أو في حالة وجود شبهة حول فرد معين ، يقوم مراقبو الخطابات بالكشف بمادة كيماوية معينة تظهر الكتابة بالحبر السري . و عادة يتم فحص ما بين السطور في جزء من الخطاب ، فإذا ظهرت لهم كتابة سرية ، يقوم المراقبون بفحص كل الفراغات الموجودة بين السطور



انتظروال المزيد والمزيددددددددددد
لسه التقيل ورا
وانتظروا فى المرة المقبلة تعريف كلمة جاسوس


الجاسوسة التى ابكت جولدا مائير عند سقوطها (هبة سليم) (جزء اول)

--------------------------------------------------------------------------------

منذ أن كتب الأستاذ صالح مرسي قصة "عبلة كامل" في فيلم "الصعود الى الهاوية" وصورة هذه الخائنة مرتسمة بخيالنا. . وحفظنا تفاصيل تجنيدها وخيانتها حتى سقطت في قبضة المخابرات المصرية هي وخطيبها.

والجديد هنا في قصة عبلة كامل. . أو "هبة سليم" الحقيقية. . معلومات جديدة تماماً أعلن عنها مؤخراً .. وكانت خافية حتى بضع سنوات خلت . . كشفت النقاب عن شريكها الضابط العسكري المقدم فاروق الفقي.

إنها قصة مثيرة وعجيبة. . قصة أول جاسوسة عربية استُغلت أديولوجياً. . وعملت لصالح الموساد ليس لأجل المال أو الجاه أو أي شيء سوى الوهم. . الوهم فقط. .

فكانت بذلك اول حالة شاذة لم تماثلها حالة أخرى من قبل . . أو بعد. . !!

حقائق ثابتة

لم تدخر المخابرات الاسرائيلية وسيلة عند تجنيدها للجواسيس إلا وجربتها. وأيضاً – لم تعتمد على فئة معينة من الخونة . . بل جندت كل من صادفها منهم واستسهل بيع الوطن بثمن بخس وبأموال .. حرام، وأشهر هؤلاء على الإطلاق – هبة عبد الرحمن سليم عامر – وخطيبها المقدم فاروق عبدالحميد الفقي.

إنها إحدى أشرس المعارك بين المخابرات الحربية المصرية والمخابرات الإسرائيلية. معركة أديرت بذكاء شديد وبسرية مطلقة، انتصرت فيها المخابرات المصرية في النهاية. وأفقدت العدو توازنه، وبرهنت على يقظة هؤلاء الأبطال الذين يحاربون في الخفاء من اجل الحفاظ على أمن الوطن وسلامته.

لقد بكت جولدا مائير حزناً على مصير هبة التي وصفتها بأنها "قدمت لإسرائيل أكثر مما قدم زعماء إسرائيل" وعندما جاء هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي ليرجو السادات تخفيف الحكم عليها. . كانت هبة تقبع في زنزانة انفرادية لا تعلم أن نهايتها قد حانت بزيارة الوزير الامريكي.

لقد تنبه السادات فجأة الى أنها قد تصبح عقبة كبيرة في طريق السلام، فأمر بإعدامها فوراً، ليسدل الستار على قصة الجاسوسة التي باعت مصر ليس من أجل المال أو الجنس أو العقيدة. . إنما لأج الوهم الذي سيطر على عقلها وصور لها بأن إسرائيل دولة عظمى لن يقهرها العرب. وجيشها من المستحيل زحزحته عن شبر واحد من سيناء، وذلك لأن العرب أمة متكاسلة أدمنت الذل والفشل، فتفرقت صفوفهم ووهنت قوتهم . .الى الأبد.

آمنت هبة بكل هذه الخرافات، ولم يستطع والدها – وكيل الوزارة بالتربية والتعليم – أن يمحو أوهامها أو يصحح لها خطأ هذه المفاهيم.

ولأنها تعيش في حي المهندسين الراقي وتحمل كارنيه عضوية في نادي "الجزيرة" – أشهر نوادي القاهرة – فقد اندمجت في وسط شبابي لا تثقل عقله سوى أحاديث الموضة والمغامرات، وبرغم هزيمة 1967 الفادحة والمؤلمة للجميع. . إلا أن هبة انخرطت في "جروب" من شلة أولاد الذوات تسعى خلف أخبار الهيبز، وملابس الكاوبوي وأغاني ألفيس بريسلي.

وعندما حصلت على الثانوية العامة ألحت على والدها للسفر الى باريس لإكمال تعليمها الجامعي، فالغالبية العظمى من شباب النادي أبناء الهاي لايف، لا يدخلون الجامعات المصرية ويفضلون جامعات أوروبا المتحضرة .

وأمام ضغوط الفتاة الجميلة وحبات لؤلؤ مترقرقة سقطت على خديها، وافق الأب وهو يلعن هذا الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ولا بد من مسايرة عاداته وتقاليده.

وفي باريس لم تنبهر الفتاة كثيراً، فالحرية المطلقة التي اعتادتها في مصر كانت مقدمة ممتازة للحياة والتحرر في عاصمة النور.

ولأنها درست الفرنسية منذ طفولتها فقد كان من السهل عليها أيضاً أن تتأقلم بسرعة مع هذا الخليط العجيب من البشر. ففي الجامعة كانت تختلف كل الصور عما ترسب بمخيلتها. . إنها الحرية بمعناها الحقيقي، الحرية في القول والتعبير . . وفي اختيار المواد الدراسية. . بل وفي مواعيد الامتحان أيضاً، فضلاً عن حرية العلاقة بين الجنسين التي عادة لا تقتصر على الحياة الجامعية فحسب. . بل تمتد خارجها في شمولية ممتزجة باندفاع الشباب والاحتفاء بالحياة.

جمعتها مدرجات الجامعة بفتاة يهودية من أصول بولندية دعتها ذات يوم لسهرة بمنزلها، وهناك التقت بلفيف من الشباب اليهود الذي تعجب لكونها مصرية جريئة لا تلتفت الى الخلف، وتنطلق في شراهة تمتص رحيق الحرية. . ولا تهتم بحالة الحرب التي تخيم على بلدها، وتهيمن على الحياة بها.

لقد أعلنت صراحة في شقة البولندية أنها تكره الحرب، وتتمنى لو أن السلام عم المنطقة. وفي زيارة أخرى أطلعتها زميلتها على فيلم يصور الحياة الاجتماعية في إسرائيل، وأسلوب الحياة في "الكيبوتز" وأخذت تصف لها كيف أنهم ليسوا وحوشاً آدمية كما يصورهم الإعلام العربي، بل هم أناس على درجة عالية من التحضر والديموقراطية.

وعلى مدار لقاءات طويلة مع الشباب اليهودي والامتزاج بهم بدعوى الحرية التي تشمل الفكر والسلوك. . استطاعت هبة أن تستخلص عدة نتائج تشكلت لديها كحقائق ثابتة لا تقبل السخرية. أهم هذه النتائج أن إسرائيل قوية جداً وأقوى من كل العرب. وأن أمريكا لن تسمح بهزيمة إسرائيل في يوم من الأيام بالسلاح الشرقي.. ففي ذلك هزيمة لها.

آمنت هبة أيضاً بأن العرب يتكلمون أكثر مما يعملون. وقادتها هذه النتائج الى حقد دفين على العرب الذين لا يريدون استغلال فرصة وجود إسرائيل بينهم ليتعلموا كيفية اختزال الشعارات الى فعل حقيقي. وأول ما يبدأون به نبذ نظم الحكم التي تقوم على ديموقراطية كاذبة وعبادة للحاكم.

وثقت هبة أيضاً في أحاديث ضابط الموساد الذي التقت به في شقة صديقتها. . وأوهمها باستحالة أن ينتصر العرب على إسرائيل وهم على خلاف دائم وتمزق خطير، في حين تلقى إسرائيل الدعم اللازم في جميع المجالات من أوروبا وأمريكا.

هكذا تجمعت لديها رؤية أيديولوجية باهتة، تشكلت بمقتضاها اعتقاداتها الخاطئة، التي قذفت بها الى الهاوية.

الشك المجنون

كانت هذه الأفكار والمعتقدات التي اقتنعت بها الفتاة سبباً رئيسياً لتجنيدها للعمل لصالح الموساد .. دون إغراءات مادية أو عاطفية أثرت فيها، مع ثقة أكيدة في قدرة إسرائيل على حماية "أصدقائها" وإنقاذهم من أي خطر يتعرضون له في أي مكان في العالم.

هكذا عاشت الفتاة أحلام الوهم والبطولة، وأرادت أن تقدم خدماتها لإسرائيل طواعية ولكن.. كيف؟ الحياة في أوروبا أنستها هواء الوطن. .وأغاني عبد الحليم حافظ الوطنية. .وبرج القاهرة الذي بناه عبد الناصر من أموال المخابرات الأمريكية التي سخرتها لاغتياله.

فقط تذكرت فجأة المقدم فاروق الفقي الذي كان يطاردها في نادي الجزيرة، ولا يكف عن تحين الفرصة للانفراد بها. .وإظهار إعجابه الشديد ورغبته الملحة في الارتباط بها. لقد ملت كثيراً مطارداته لها من قبل في النادي وخارج النادي، وكادت يوماً ما أن تنفجر فيه غيظاً في التليفون. . وذلك عندما تلاحقت أنفاسه اضطراباً وهو يرجوها أن تحس به. مئات المرات قال لها: "أعبدك .. أحبك .. أهواك يا صغيرتي". ولكنها كانت قاسية عنيفة في صده.

تذكرت هبة هذا الضابط الولهان، وتذكرت وظيفته الهامة في مكان حساس في القوات المسلحة المصرية، وعندما أخبرت ضابط الموساد عنه. .كاد أن يطير بها فرحاً، ورسم لها خطة اصطياده.

وفي أول أجازة لها بمصر. . كانت مهمتها الأساسية تنحصر في تجنيده.. وبأي ثمن، وكان الثمن خطبتها له. وفرح الضابط العاشق بعروسه الرائعة التي فاز بها أخيراً، وبدأت تدريجياً تسأله عن بعض المعلومات والأسرار الحربية. . وبالذات مواقع الصواريخ الجديدة التي وصلت من روسيا. . فكان يتباهى أمامها بأهميته ويتكلم في أدق الأسرار العسكرية، ويجيء بها بالخرائط زيادة في شرح التفاصيل.

أرسلت هبة سليم على الفور بعدة خطابات الى باريس بما لديها من معلومات ولما تبينت إسرائيل خطورة وصحة ما تبلغه هذه الفتاة لهم.. اهتموا بها اهتماماً فوق الوصف. وبدأوا في توجيهها الى الأهم في تسليح ومواقع القوات المسلحة. . وبالذات قواعد الصواريخ والخطط المستقبلية لإقامتها، والمواقع التبادلية المقترحة.

وسافرت هبة الى باريس مرة ثانية تحمل بحقيبتها عدة صفحات. . دونت بها معلومات غاية في السرية والأهمية للدرجة التي حيرت المخابرات الاسرائيلية. فماذا سيقدمون مكافأة للفتاة الصديقة؟

سؤال كانت إجابته عشرة آلاف فرنك فرنسي حملها ضابط الموساد الى الفتاة .. مع وعد بمبالغ أكبر وهدايا ثمينة وحياة رغدة في باريس. رفضت هبة النقود بشدة وقبلت فقط السفر الى القاهرة على نفقة الموساد بعد ثلاثة أشهر من إقامتها بباريس. كانت الوعود الراقة تنتظرها في حالة ما إذا جندت خطيبها ليمدهم بالأسرار العسكرية التي تمكنهم من اكتشاف نوايا المصريين تجاههم.

لم يكن المقدم فاروق الفقي بحاجة الى التفكير في التراجع، إذ أن الحبيبة الرائعة هبة كانت تعشش بقلبه وتستحوذ على عقله.. ولم يعد يملك عقلاً ليفكر، بل يملك طاعة عمياء سخرها لخدمة إرادة حبيبته. وعندما أخذها في سيارته الفيات 124 الى صحراء الهرم.. كان خجولاً لفرط جرأتها معه، وأدعت بين ذراعيه أنها لم تصادف رجلاً قبله أبداً. وأبدت رغبتها في قضاء يوم كامل معه في شقته. ولم يصدق أذنيه. فهو قد ألح عليها كثيراً من قبل لكنها كانت ترفض بشدة. الآن تعرض عليه ذلك بحجة سفرها، وفي شقته بالدقي تركت لعابه يسيل، وجعلته يلهث ضعفاً وتذللاً..

الجاسوسة التى ابكت جولدا مائير عند سقوطها (هبة سليم) (جزء ثانى)

--------------------------------------------------------------------------------

ولما ضمها الى صدره في نهم ورغبة واقتربت شفتاه منها.. صدته في تمنع كاذب. . فاندفع اليها بشوق أكثر، ولملم جرأته كلها وأطبق على شفتيها يروي ظمأ ملهوفاً تلسعه موجات من صهد أنوثتها. فأذاقته قبلة طويلة غمست بلذائذ من النشوة، وحمم من الرغبات، فطار عقله وبدا كطفل نشبث بأمه في لحظة الجوع، لكنها.. هيهات أن تمنحه كل ما يريد. فقد حجبت عنه رعشة الوطر وأحكمت قيدها حول رقبته فمشى يتبعها أينما سارت. . وسقط ضابط الجيش المصري في بئر الشهوة ووقّع وثيقة خيانته عارياً على صدرها، ليصير في النهاية عميلاً للموساد تمكن من تسريب وثائق وخرائط عسكرية.. موضحاً عليها منصات الصواريخ "سام 6" المضادة للطائرات. . التي كانت القوات المسلحة تسعى ليلى نهار لنصبها لحماية مصر من غارات العمق الاسرائيلية.

لقد تلاحظ للقيادة العامة للقوات المسلحة ولجهازي المخابرات العامة والحربية، أن مواقع الصواريخ الجديد تدمر أولاً بأول بواسطة الطيران الإسرائيلي. حتى قبل أن يجف الأسمنت المسلح بها، وحودث خسائر جسيمة في الأرواح، وتعطيل في تقدم العمل وإنجاز الخطة التي وضعت لإقامة حائط الصواريخ المضادة للطائرات.

تزامنت الأحداث مع وصول معلومات لرجال المخابرات المصرية. . بوجود عميل "عسكري" قام بتسريب معلومات سرية جداً الى إسرائيل. وبدأ شك مجنون في كل شخص ذي أهمية في القوات المسلحة، وفي مثل هذه الحالات لا يستثنى أحد بالمرة بدءاً من وزير الدفاع.

يقول السفير عيسى سراج الدين سفير مصر في كوبنهاجي، ووكيل وزارة الخارجية بعد ذلك:

"اتسعت دائرة الرقابة التليفزيونية والبريدية لتشمل دولاً كثيرة أخرى، مع رفع نسبة المراجعة والرقابة الى مائة في المائة من الخطابات وغيرها، كل ذلك لمحاولة كشف الكليفية التي تصل بها هذه المعلومات الى الخارج. كما بدأت رقابة قوية وصارمة على حياة وتصرفات كل من تتداول أيديهم هذه المعلومات من القادة، وكانت رقابة لصيقة وكاملة. وقد تبينت طهارتهم ونقاءهم.

ثم أدخل موظفو مكاتبهم في دائرة الرقابة. . ومساعدوهم ومديرو مكاتبهم .. وكل من يحيط بهم مهما صغرت أو كبرت رتبته".

وفي تلك الأثناء كانت هبة سليم تعيش حياتها بالطول وبالعرض في باريس. وعرفت الخمر والتدخين وعاشت الحياة الاوروبية بكل تفاصيلها. وكانت تشعر في قرارة نفسها بأنها خلقت لتعيش في أوروبا، وتكره مجرد مرور خاطرة سريعة تذكرها بمصريتها.

لقد نزفت عروبتها نزفاً من شرايين حياتها، وتهللت بشراً عندما عرض عليها ضابط الموساد زيارة إسرائيل، فلم تكن لتصدق أبداً أنها مهمة الى هذه الدرجة، ووصفت هي بنفسها تلك الرحلة قائلة: "طائرتان حربيتان رافقتا طائرتي كحارس شرف وتحية لي. وهذه إجراءات تكريمية لا تقدم أبداً إلا لرؤساء وملوك الدول الزائرين، حيث تقوم الطائرات المقاتلة بمرافقة طائرة الضيف حتى مطار الوصول.

وفي مطار تل أبيب كان ينتظرني عدد من الضباط اصطفوا بجوار سيارة ليموزين سوداء تقف أسفل جناح الطائرة، وعندما أدوا التحية العسكرية لي تملكني شعور قوي بالزهو. واستقبلني بمكتبه مائير عاميت رئيس جهاز الموساد ، وأقام لي حفل استقبال ضخماً ضم نخبة من كبار ضباط الموساد على رأسهم مايك هراري الأسطورة (2)، وعندما عرضوا تلبية كل "أوامري". . طلبت مقابلة جولدا مائير رئيسة الوزراء التي هزمت العرب ومرغت كرامتهم، ووجدت على مدخل مكتبها صفاً من عشرة جنرالات إسرائيليين أدوا لي التحية العسكرية. . وقابلتني مسز مائير ببشاشة ورقة وقدمتني اليهم قائلة: "إن هذه الآنسة قدمت لإسرائيل خدمات أكثر مما قدمتم لها جميعاً مجتمعين".

وبعد عدة أيام عدت الى باريس. . وكنت لا أصدق أن هذه الجنة "إسرائيل" يتربص بها العرب ليدمروها!!

سفر بلا عودة

وفي القاهرة . . كان البحث لا يزال جارياً على أوسع نطاق، والشكوك تحوم حول الجميع، الى أن اكتشف أحد مراقبي الخطابات الأذكياء "من المخابرات المصرية" خطاباً عادياً مرسلاً الى فتاة مصرية في باريس سطوره تفيض بالعواطف من حبيبها. لكن الذي لفت انتباه المراقب الذكي عبارة كتبها مرسل الخطاب تقولن أنه قام بتركيب إيريال الراديو الذي عنده، ذلك أن عصر إيريال الراديو قد انتهى. إذن .. فالإيريال يخص جهازاً لاسلكياً للإرسال والاستقبال.

وانقلبت الدنيا في جهازي المخابرات الحربية والمخابرات العامة وعند ضباط البوليس الحربي، وتشكلت عدة لجان من أمهر رجال المخابرات، ومع كل لجنة وكيل نيابة ليصدر الأمر القانوني بفتح أي مسكن وتفتيشه. وكانت الأعصاب مشدودة حتى أعلى المستويات في انتظار نتائج اللجان، حتى عثروا على جهاز الإيريال فوق إحدى العمارات.. واتصل الضباط في الحال باللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية وأبلغوه باسم صاحب الشقة. . فقام بإبلاغ الفريق أول أحمد اسماعيل وزير الدفاع "قبل أن يصبح مشيراً" الذي قام بدوره بإبلاغ الرئيس السادات.

حيث تبين أنالشقة تخص المقدم فاروق الفقي، وكان يعمل وقتها مديراً لمكتب أحد القيادات الهامة في الجيش، وكان بحكم موقعه مطلعاً على أدق الأسرار العسكرية، فضلاً عن دوره الحيوي في منظمة سيناء

وكان الضابط الجاسوس أثناء ذلك في مهمة عسكرية بعيداً عن القاهرة.

وعندما اجتمع اللواء فؤاد نصار بقائدالضابط الخائن. . "قيل بعد ذلك أنه ضابط كبير له دور معروف في حرب أكتوبر واشتهر بخلافه مع الرئيس السادات حول الثغرة". . رفض القائد أن يتصور حدوث خيانة بين أحد ضباط مكتبه. خاصة وأن المقدم فاروق يعمل معه منذ تسع سنوات، بل وقرر أن يستقيل من منصبه إذا ما ظهر أن رئيس مكتبه جاسوس للموساد.

وعندما دخل الخائن الى مكتبه.. كان اللواء حسن عبد الغني نائب مدير المخابرات الحربية ينتظره جالساً خلف مكتبه بوجه صارم وعينين قاسيتين فارتجف رعباً وقد جحظت عيناه وقال في الحال "هو أنت عرفتوا؟؟".

وعندما ألقى القبض عليه استقال قائده على الفور، ولزم بيته حزيناً على خيانة فاروق والمعلومات الثمينة التي قدمها للعدو.

وفي التحقيق اعترف الضابط الخائن تفصيلياً بأن خطيبته جندته بعد قضاء ليلة حمراء معها .. وأنه رغم إطلاعه على أسرار عسكرية كثيرة إلا أنه لم يكن يعلم أنها ستفيد العدو.

وعند تفتيش شقته أمكن العثور على جهاز اللاسلكي المتطور الذي يبث من خلاله رسائله، وكذا جهاز الراديو ونوتة الشفرة، والحبر السري الذي كان بزجاجة دواء للسعال. ضبطت أيضاً عدة صفحات تشكل مسودة بمعلومات هامة جداً معدة للبث، ووجدت خرائط عسكرية بالغة السرية لأحشاء الجيش المصري وشرايينه، تضم مواقع القواعد الجوية والممرات والرادارات والصواريخ ومرابص الدفاعات الهامة.

وفي سرية تامة . . قدم سريعاً للمحاكمة العسكرية التي أدانته بالإعدام رمياً بالرصاص.. واستولى عليه ندم شديد عندما أخبروه بأنه تسبب في مقتل العديد من العسكريين من زملائه من جراء الغارات الاسرائيلية. وأخذوه في جولة ليرى بعينه نتائج تجسسه. فأبدى استعداده مرات عديدة لأن يقوم بأي عمل يأمرونه به.

ووجدوا – بعد دراسة الأمر بعناية – أن يستفيدوا من المركز الكبير والثقة الكاملة التي يضعها الاسرائيليون في هذا الثنائي. وذلك بأن يستمر في نشاطه كالمعتاد خاصة والفتاة لم تعلم بعد بأمر القبض عليه والحكم بإعدامه.

وفي خطة بارعة من مخابراتنا الحربية، أخذوه الى فيلا محاطة بحراسة مشددة، وبداخلها نخبة من أذكى وألمع رجال المخابرات المصرية تتولى "إدارة" الجاسوس وتوجيهه، وإرسال الرسائل بواسطة جهاز اللاسلكي الذي أحضرته له الفتاة ودربته عليه. وكانت المعلومات التي ترسل هي بالطبع من صنع المخابرات الحربية، وتم توظيفها بدقة متناهية في تحقيق المخطط للخداع، حيث كانت حرب أكتوبر قد اقتربت، وهذه هي إحدى العمليات الرئيسية للخداع التي ستترتب عليها أمور استراتيجية مهمة بعد ذلك.

لقد كان من الضروري الإبقاء على هبة في باريس والتعامل معها بواسطة الضابط العاشق، واستمر الاتصال معها بعد القبض عليه لمدة شهرين، ولما استشعرت القيادة العامة أن الأمر أخذ كفايته.. وأن القيادة الإسرائيلية قد وثقت بخطة الخداع المصرية وابتلعت الطعم، تقرر استدراج الفتاة الى القاهرة بهدوء.. لكي لا تهرب الى إسرائيل إذا ما اكتشف أمر خطيبها المعتقل.

وفي اجتماع موسع.. وضعت خطة القبض على هبة. . وعهد الى اللواء حسن عبد الغني ومعه ضابط آخر بالتوجه الى ليبيا لمقابلة والدها في طرابلس حيث كان يشغل وظيفة كبيرة هناك. وعرفاه على شخصيتهما وشرحا له أن ابنته هبة التي تدرس في باريس تورطت في عملية اختطاف طائرة مع منظمة فلسطينية، وأن الشرطة الفرنسية على وشك القبض عليها . . وما يهم هو ضرورة هروبها من فرنسا لعدم توريطها، ولمنع الزج باسم مصر في مثل هذه العمليات الارهابية. وطلبا منه أن يساعدهما بأن يطلبها للحضور لرؤيته حيث أنه مصاب بذبحة صدرية.

أرسل الوالد برقية عاجلة لابنته. . فجاء ردها سريعاً ببرقية تطلب منه أن يغادر طرابلس الى باريس. . حيث إنها حجزت له في أكبر المستشفيات هناك وأنها ستنتظره بسيارة إسعاف في المطار. . وأن جميع الترتيبات للمحافظة على صحته قد تم اتخاذها.

ولكي لا تترك المخابرات المصرية ثغرة واحدة قد تكشف الخطة بأكملها. . فقد تم إبلاغ السلطات الليبية بالقصة الحقيقية، فتعاونت بإخلاص مع الضابطين من أجل اعتقال الجاسوسة المصرية. وتم حجز غرفة في مستشفى طرابلس وإفهام الأطباء المسؤولين مهمتهم وما سيقومون به بالضبط.

وبعدما أرسل والدها رداً بعدم استطاعته السفر الى باريس لصعوبة حالته. . صح ما توقعه الضابطان، إذ حضر شخصان من باريس للتأكد من صحة البرقية وخطورة المرض، وسارت الخطة كما هو مرسوم لها، وذهب الاسرائيليان الى المستشفى وتأكدا من الخبر، فاتصلا في الحال بالفتاة التي ركبت الطائرة الليبية في اليوم التالي الى طرابلس. وعلى سلم الطائرة عندما نزلت هبة عدة درجات كان الضابطان المصريان في انتظارها، وصحباها الى حيث تقف الطائرة المصرية على بعد عدة أمتار من الطائرة الليبية. . فسألتهما:
إحنا رايحين فين؟

فرد أحدهما:

المقدم فاروق عايز يشوفك.

فقالت:
هو فين؟.

فقال لها:
في القاهرة.

صمتت برهة ثم سألت:
أمال إنتم مين؟

فقال اللواء حسن عبد الغني:
إحنا المخابرات المصرية.

وعندما أوشكت أن تسقط على الأرض.. أمسكا بها وحملاها حملاً الى الطائرة التي أقلعت في الحال، بعد أن تأخرت ساعة عن موعد إقلاعها في انتظار الطائرة القادمة من باريس بالهدية الغالية.

لقد تعاونت شرطة المطار الليببي في تأمين انتقال الفتاة لعدة أمتار حيث تقف الطائرة المصرية. .وذلك تحسباً من وجود مراقب أو أكثر صاحب الفتاة في رحلتها بالطائرة من باريس.. قد يقدم على قتل الفتاة قبل أن تكشف أسرار علاقتها بالموساد.

وبلا شك. . فاعتقال الفتاة بهذا الأسلوب الماهر جعلها تتساءل عن القيمة الحقيقية للوهم الذي عاشته مع الإسرائيليين. فقد تأكدت أنهم غير قادرين على حمايتها أو إنقاذها من حبل المشنقة. وهذا ما جعلها تعترف بكل شيء بسهولة بالتفصيل. . منذ أن بدأ التحقيق معها في الطائرة بعد إقلاعها مباشرة. وبعد أيام قليلة من اعتقالها تبين لها وللجميع عجز الإسرائيليين عن حماية إسرائيل نفسها وعدم قدرتهم على إنقاذها.

فقد جاءت حرب أكتوبر وتدمير خط بارليف بمثابة الصدمة التي أذهلت أمريكا قبل إسرائيل. فالخداع المصري كان على أعلى مستوى من الدقة والذكاء. وكانت الضربة صائبة غذ أربكت العدو أشلته. . لولا المدد العسكري الأمريكي.. والأسلحة المتطورة.. والصواريخ السرية. . والمعونات. . وإرسال الطيارين والفنيين الأمريكان كمتطوعين .

لقد خسرت إسرائيل في ذلك الوقت من المعركة حوالي مائتي طائرة حربية. ولم تكن تلك الخسارة تهم القيادة الاسرائيلية بقدر ما خسرته من طيارين ذوي كفاءة عالية قتلوا في طائراتهم، أو انهارت أعصاب بعضهم ولم يعودوا صالحين للقتال. ولقد سبب سقوط الطائرات الاسرائيلية بالعشرات حالة من الرعب بعد عدة أيام من بدء المعركة. . الى أن وصلت المعونات الامريكية لإسرائيل في شكل طيارين وفنيين ووسائل إعاقة وتشويش حديثة.

لا أحد يعرف

تبخرت أوهام الجاسوسة هبة سليم. . وأيقنت أنها كانت ضحية الوهم الذي سيطر على فكرها وسرى بشرايينها لمدة طويلة للدرجة التي ظنت أنها تعيش الواقع من خلاله. . لكن.. ها هي الحقائق تتضح بلا رتوش أو أكاذيب.

لقد حكم عليها بالإعدام شنقاً بعد محاكمة منصفة اعترفت صراحة أمامها بجريمتها.. وأبدت ندماً كبيراً على خيانتها. وتقدمت بالتماس لرئيس الجمهورية لتخفيف العقوبة ولكن التماسها رفض.

وكانت تعيش أحلك أيامها بالسجن تنتظر تنفيذ الحكم. . عندما وصل هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي – اليهودي الديانة – لمقابلة الرئيس السادات في أسوان في أول زيارة له الى مصر بعد حرب أكتوبر.. وحملته جولدا مائير رسالة الى السادات ترجوه تخفيف الحكم على الفتاة. ومن المؤكد أن كيسنجر كان على استعداد لوضع ثقله كله وثقل دولته خلف هذا الطلب. وتنبه الرئيس السادات الذي يعلم بتفاصيل التحقيقات مع الفتاة وصدور الحكم بإعدامها.. الى أنها ستصبح مشكلة كبيرة في طريق السلام. فنظر الى كيسنجر قائلاً: "تخفيف حكم؟ .. ولكنها أعدمت.. !!".

دهش كيسنجر وسأل الرئيس: "متى.. ؟"

ودون أن ينظر لمدير المخابرات الحربية قال السادات كلمة واحدة: "النهاردة".

وفعلاً .. تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في هبة سليم في اليوم نفسه في أحد سجون القاهرة.

أما الضابط العاشق – المقدم فاروق عبد الحميد الفقي – فقد استقال قائده من منصبه لأنه اعتبر نفسه مسؤولاً عنه بالكامل.

وعندما طلبت منه القيادة العامة سحب استقالته، رفض بشدة وأمام إصرار القيادة على ضرورة سحب استقالته.. خاصة والحرب وشيكة. .اشترط القائد للموافقة على ذلك أن يقوم هو بتنفيذ حكم الإعدام في الضابط الخائن. ولما كان هذا الشرط لا يتفق والتقاليد العسكرية. .وما يتبع في مثل هذه الأحوال. . فقد رفع طلبه الى وزير الدفاع "الحربية" الذي عرض الأمر على الرئيس السادات "القائد الأعلى للقوات المسلحة" فوافق فوراً ودون تردد.

وعندما جاء وقت تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص في الضابط الخائن. . لا أحد يعرف ماذا كان شعور قائده وهو يتقدم ببطء. . يسترجع في شريط سريع تسع سنوات مرت عليهما في مكتب واحد. . تسع سنوات كان بعضها في سواد الليل. . وبعضها تتلألأ خلاله ومضات الأمل قادمة من بعيد. . الأمل في الانتصار على اليهود الخنازير القتلة السفاحين.. وبينما كان يخطط لحرب أكتوبر كان بمكتبه هذا الخائن الذي باع الوطن والأمن وقتل بخيانته أبرياء..

لا أحد يعرف ماذا قال القائد له. . وماذا كان رد الضابط عليه. . لا أحد يعرف.

هل طلب منه أن ينطق بالشهادتين، وأن يطلب المغفرة من الله؟. . . لا أحد يعرف.

لكن المؤكد أنه أخرج مسدسه من جرابه. . وصوبه على رأس الضابط وأطلق طلقتني عليه كما تقضي التعليمات العسكرية في حالة إعدام

ومن الجدير بالذكر قبل قفل ملف الخائنة هبة سليم انه عندما تم القبض عليها وركبت الطائرة ورجعة مصر حاولت اسرائيل بكل طرقها وباى ثمن ان تدمر الطائرة التى تحمل الخائنة لمعرفتهم ان هذه الفاتة تحمل الكثير وكمان على شان هذه افضل عملائهم واذا سقطت ستكون سقطة كبيرة لاسرائيل فقامت اسرائيل بارسال موجات تشويش لمحاولة تعطيل اجهزة الطائرة
ولكن تم تامين ممر اخر للطائرة لتعبر فيه الى مصر

ولكن للاسف اسقط الاسرائيليون طائرة اخرى بالخطا فى سيناء بدل الطائرة التى يقصدونها
كلمات اخيرة


تم تحويل هذه القصة الى فلم عربى جميل جدا من بطولة محمود ياسين

ومديحة كامل فى دور هبة سليم مع تحويل الاسم الى عبلة كامل

وكان اشهر مشهد فى الفلم هو مشهد النهاية لما محمود ياسين يقبض على الخائنة ولما تخش

الطائرة المجال المصرى ويظهر النيل والاهرامات يقولها فى جملة خالدة

(هى دى مصر يا عبلة)

امجاد يا عرب

صانع الجواسيس(ايان فليمنج)(جزء اول)

--------------------------------------------------------------------------------

من هو أشهر رجل مخابرات فى العالم أجمع بلا منازع ؟
لو أنك طرحت هذا السؤال على أية شريحة من البشر ، فى أية دولة فى العالم ، لحصلت بسرعة على اول جواب يقفز إلى الأذهان ، وأول اسم يرتبط بالوجدان ، عند الحديث عن عالم المخابرات ..
أية مخابرات ..
(جيمس بوند) ..
http://www.servamega.com/img/22ab654a89f908c7db18fda9fcc04f27/f147_feat01.jpg

فذلك البريطانى ، الذى يحمل رقم 007 ، مع تصريح بالقتل ، ويرتكب كل خطايا ومبوقات الدنيا ، فى سبيل خدمة التاج ، صار منذ الخمسينات وحتى الان ، أشهر جاسوس تتداول اسمه الألسن وتربح منه السينما الملايين والملايين كل عام ، وهو يواجه أصابع ذهبية ، وعيون ذهبية ، ومسدسات ذهبية ، دون جرام واحد من الفضة ..
الكل يعرفه ..
ويحفظ اسمه عن ظهر قلب ..
ولكن القليلين فقط من يعرفون اسم مبتكره (ايان فليمنج) ..
والأقل جداً .. بل والندرة ، هم من يعلمون أن (فليمنج) نفسه كان جاسوس مدهشاً ، ورجل مخابرات لا يشق له غبار ، ولا تفشل واحدة من خططه وأفكاره المبتكرة قط ..
و (أيان فليمنج) هذا ولد لأبوين بالغى الثراء ، من أبناء الطبقة الأرستقراطية الأنجليزية ، وقضى الشطر الأكبر من عمره كطالب مواظب ، انيق الملبس والأسلوب ، إلا أنه اشتهر دائما بالنشاط الزائد ، والأنخراط فى كل الأنشطة الممكنة ، من جماعات الخطابة إلى الكشافة البحرية ، كما أظهر ميلاً ملحوظاً للمغامرة والمخاطرة ، وخاصة فى فترات المعسكرات الصيفية والرحلات الخلوية ..
لكن كل هذا لم يشفع له فى النجاح أو التفوق إذا وأنه - و على رغم كل هذا النشاط - كان يعانى كسلاً بالغاً كلما تعلق الأمر بأستذكار دروسه و آداء واجباته ، حتى أنتهى به الأمر إلى الفصل من المدرسة الفخمة ، التى ألحقه بها والده ، بسبب مغامراته التى تجاوزت كل الحدود المعقولة ..
ولأن والدته كانت أنجليزية عريقة ، من طراز لا يقبل الفشل ، فقد قررت أن تلعب دور الأب والأم معاً ،بعد وفاه زوجها ، وأجبرت (آيان) على الألتحاق بإحدى الكليات العسكرية ، التى قبلته بين صفوفها ، أحتراماً لذكرى والده ، ولوساطة امه ، الذين يحتلون كلهم مكانة سياسية رفيعة ..
والتحق (فيلمنج) بالكلية العسكرية البريطانية ، إلا أن هذا كان آخر شئ يناسب طبيعته ، إذا لم يلبث أن عاد إلى عبثه ومغامراته ، وتورط فى مشكلة عاطفية مع زوجة قائد الكلية ، مما دفع هذا الأخير إلى فصله بلا رجعة ..
وهكذا استقر الحال بالشاب المغامر فى شركة السمسرة والأوراق المالية ، التى تمتلكها أسرته والتى مازالت تحمل لقبها حى أيامنا هذه ، فى بورصة الأوراق المالية فى لندن ..
كان هذا فى صيف 1939م ، عندما بلغ (فليمنج) 31 من عمره ، وحصل على منصبه الرفيع فى الشركة ..
والعجيب أن (فليمنج) قد حقق نجاحاً مدهشاً ، خلال فترة عمله القصيرة ، ووضع بعض الافكار المبتكرة ، التى ضاعفت الأرباح مرتين ، قبل أن يمل هذا العمل المكتبى ، ويقدم أستقالته إلى أمه ، التى جن جنونها ، وحاولت منعه من هذا ن واقناعه بالعودة إلى الشركة ، مواصلةخطة زيادة الارباح ، إلا انه فر من لندن كلها ، هربا من مواجهتها ، وراح يقضى بعض الوقت فى منزل تمتلكه الأسرة فى ليفربول ..
والعجيب أن قراره هذا كان مدخله إلى عالم المخابرات ، الذى قدر له أن يضع عليه بصمته ، ويحفر فيه اسمه بحروف من ذهب ..
ففى ليفربول التقى (فيلمنج) بصديق قديم لأسرته ، وهو الدميرال (جون جودفرى) ، الذى كان يشغل - فى تلك الفترة- منصب رئيس المخابرات البحرية البريطانية ، والذى لفت الشاب انتباهه بنشاطه الجم وذكائه الواضح ، وعقليته المتفتحه الإبداعية الخلاقة ..
ولأن (جودفرى) كان على ثقة - بحكم منصبه وخبراته - فى ان الحرب آتية بلا ريب ، فقد وضع (فليمنج) فى رأسه كما يقولون ، وراح يدرس تصرفاته وأسلوبه ، طوال فترة وجودهما معاص فى ليفربول ، ثم لم يلبث أن واجهه ذات صباح ، قائلاً :
- (آيان) .... هل تعلم فيم أعمل بالضبط؟!
ابتسم الشاب أبتسامة خبيثة ، وهو يجيب :
- لا اعتقد ان هذا يخفى على أحد يا أدميرال .
بدا له (جودفرى) صلباً صارماً ، جامد الوجه والملامح كعادته ، وهو قول :
- هل ترغب فى العمل معى إذن ؟!
أجاب الشاب فى سرعة :
- من يمكن أن يرفض امراً كهذا؟!
وهكذا ، وبتلك البساطة ، صار طالب الكلية العسكرية المفصول ، وسمسارة البورصة السابق ، يحمل رتبة ضابط فى البحرية ..
ولقب رجل مخابرات بريطانى ..
وما أن أندلعت الحرب العالمية الثانية ، حتى تفجرت كل المواهب الخلاقة فى اعمال (آيان فليمنج) ..
وكل الأفكار المجنونة ..
فى البداية ، خُيل للأدميرال (جودفرى) انه قد أساء الاختيار ، ووقع على أرستقراطى مخبول ، لا تتفق افكاره قط مع الواقع والعقل ..
ولكنه أنتبه فجأة ، إلى أن (فليمنج) هذا رجل مخابرات عبقرى ، وانه ما خلق لعمل إلا لهذا المضمار بالذات ..
فكل أفكار (فليمنج) كانت تصدم سامعيها فى البداية ، ثم لا تلبث أن تجد صدى فى عقولهم ، منها إلى قلوبهم ، وتقفز بعدها لتحتل مكانة لا مثيل لها ،فى عالم الأبتكار والنجاح ..
ولعل أبرز هذه الأفكار كان الإذاعة الألمانية الموجهة ..
فطوال فترة الحرب ، كان الألمان يستمعون إلى إذاعة ألمانيا ، ناطقة بالعامية ، تنقل إليهم أخبار قادتهم وجبهاتهم ، على نجو يوحى بان فريقاً من جنرالات الجيش ، المعارضين للنازية هم من يبثها ، من مكان مجهول داخل ألمانيا ، وتهاجم الحلفاء وقادتهم ، إلى حد الذى وصفت فيه رئيس الوزراء البريطانى ( وينستون تشرشل) بأنه يهودى بدين مصاب بامراض ... ، وأشبه بالخنزير المريض ..
وربما كا هذا الوصف وما يشبهه ، هو السبب فى كل ما تصوره الألمان عن تلك الأذاعة المجهولة ن والسبب فى أرتباطهم بها بشدة ، دون ان يخطر ببال احدهم ، حتى قادتهم انفسهم ، أنها إذاعة بريطانية بحته ، يتم بثها من قلب لندن ، تحت أشراف (فليمنج) نفسه الذى كان يدس السم فى العسل يومياً ، ويتسلل إلى أعماق الروح المعنوية الألمانية ، لينسفها نسفاً ، من خلال قصص ملفقة عن قادة ألمان وساستهم ، وعن الجنرال المسرف ، الذى أبتاع لصديقته معطفاً من الفراء ، يكفى ثمنه لإطعام لواء كامل ، ولآخر الذى ترك المعركة على الجبهة الروسية ، لينعم بالدفء فى البلقان ، تاركاً جنوده يغرقون فى الجليد حتى آذنهم ، وأقدامهم تتجمد فى البرد .. و... و...
والطريف أن (فليمنج) قد تعرض للمساءلة بسبب وصفه للساسة البريطانيين ، والذى يبدوا بذيئاًللغاية ، عندما يلقى بالعامية الألمانية ، إلا أنه دافع عن نفسه بأنه لو لم يفعل هذا لما أستطاع جذب الألمان إلى سماع إذاعته ، أو إقناعهم بكل ما يدسه لهم من اخبار ..
وانتهى التحقيق بحصول (آيان فليمنج) على مكافأة سخية ، وإطلاق يده فى نسج المزيد والمزيد من تلك الأفكار المجنونة ..
وهذه النقطة الأخيرة بالذات كانت أكبر مكافأة حصل عليها (فليمنج) فى حياته كلها ..
ان تطلق يده فى الأفكار و الأبتكارات ..
مهما بلغ جنونها ..


<span style="color:#999900">صانع الجواسيس (ايان فليمنج)(جزء تانى) http://www.servamega.com/img/ac61f77be6b41064a9459cf3cabc10cf/flem_col.jpg

صورة حقيقية لايان فليمنج

ومن هذا المنطلق بدأ( فليمنج ) عملية جديدة اطلق عليها اسم (العراف) ...
ولقد اعتمدت هذه العملية على دراسة شخصية (رودلف هيس) نائب (أدولف هتلر ) الذى يبدى اهتماما دائما بعلم الفلك وقراءة الطالع ثم الاستعانة باثنين من علماء الفلك السويسريين الذين تم تجنيدهم لحساب المخابرات البريطانية لتقديم النصائح وقراءة الطالع بصورة دائمة للنائب (هيس)
وعلى نحو كان يعده (فليمنج) بنفسه بحيث أصبح (هيس) على اقتناع شديد بأن اللحظة الحاسمة قد حانت وبأنه لو سعى للسلام فسيصبح أعظم رجال القرن على الأطلاق ...
وكان كل هدف (فليمنج) هو أن يزرع بذرة الشقاق بين (هتلر ) ونائبه بحيث يؤدى هذا الى تفتيت الجبهة النازية وضعف قيادتها وانهيارها فى النهاية ............
ولكن يبدو ان خطة الشاب كانت بارعة اكثر مما ينبغى ...
فالأمر لم يقتصر على الشقاق فحسب وانما غامر (هيس) بأن استقل طائرته بنفسه ليهبط فى انجلترا ويدعو للسلام ولكن البريطانيين اسروه هناك وظل فى السجن كمجرم حرب حتى مات فى عام 1989م ....
وفى أواخر 1941م تم نقل(فليمنج) الى محطة المخابرات البريطانية فى(نيويورك) كمحاولة لاقناع (أمريكا(بدخول الحرب ...
ولأن الامريكيين لا يقدمون شيئا بدون مقابل فقد طلبوا من (فليمنج) أثناء وجوده فى (نيويورك) أن يتعاون مع رجلهم (وليام دونوفان) مستشار الرئيس الامريكى (روزفلت) لوضع بذرة انشاء وكالة استخبارات كانت واة جهاز المخابرات الامريكية المركزية الحالى ...
ولكن (فليمنج) بكل ما يتمتع به من نشاط وحب دائم للمغامرة لم يكن من الممكن ابدا ان يكتفى بهذا الدور البسيط فى عالم المخابرات من وجهة نظره لذا فقد نجح فى التسلل الى العالم السفلى فى (نيويورك) وجند عدا من المجرمين واللصوص وخبراء فتح الخزائن للعمل لحسابه ثم استخدمهم لفتح خزانة معدنية خفية فى مكتب القنصل العام اليابانى ليقوم هو بتصوير كل اوراق رموز الشفرة السرية داخلها ...
ولقد كانت مفاجأة مذهلة للبريطانيين أن تصلهم هذه الشفرة التى بذلوا جهدا خرافيا فى السابق للحصول عليها دون ان يطلبوا من (فليمنج) هذا ....
ودون ان يعاونه اى من رجالهم ...
وكالمعتاد تم التحقيق معه لاستعانته بمجرمى ولصوص الشوارع وتعرض للوم والتقريع كالمعتاد ولكنه دافع عن نفسه بأن هؤلاء القوم لا يشغلون رءوسهم بالسياسة وتعقيداتها ثم انهم تصوروا طوال الوقت انهم جزء من عملية تجسس صناعية وليست سياسية ...
وكان من العسر ان يعاقب بعد عملية ناجحة كهذه لذا فقد اكتفى رؤساءؤه بتوجيه اللوم اليه واعادته الى لندن ليواصل عمله وافكاره المجنونة هناك ....
وفور عودته الى الوطن اغلق على نفسه باب مكتبه وراح يعد اكبر فكرة مجنونة فى حياته ...
وبعد اسبوع كامل من الدراسة والتفكير خرج (فليمنج) لرؤسائه بفكرة انشاء الوحدة (30)....
وهذه الوحدة هى فرقة خاصة من الكوماندوز تتبع الخابرات البحرية مباشرة ويتم تدريبها على نحو خاص للغاية بحيث يمكنها القيام بعمليات مستحلية خلف خطوط العدو ...
وفى ذلك الحين كانت الفكرة عجيبة بالفعل ...
ومجنونة الى اقصى حد ....
ولكنها ككل افكاره وجدت صدى خاصا فى نفوس الجميع وخاصة مع دراسة مدى الفائدة الجمة التى يمكن ان تعود من انشاء وحدة كهذه ..
واخيرا صدر القرار ...
وولدت الوحدة (30)......
وطوال ما تبقى من زمن الحرب قامت الوحدة بعمليات انتحارية مدهشة لا يصدقها عقل خلف خطوط العدو ...
وبالذات فى الجبهة الفرنسية ...
ولعل اهم واخطر عملياتها التى تمت تحت قيادة (فليمنج ) مباشرة كانت عمليات (محطة الرادار)و (الأرشيف البحرى)..
ففى عام 1944م قاد (فليمنج) وحدته القتالية وهبط مهعها خلف خطوط العدو حيث قامت الوحدة بالسيطرة على محطة رادار المانية كبيرة ظلت ترصد الطائرات البريطانية وتحبط هجومها لفترة طويلة وتم الاستلاء عليها لفترة طويلة وتم الاستيلاء عليها بالكامل وأسر حاميتها المكونة من 40 ضابطا و 300جندى ونقلت معداتها كلها الى لندن حيث تمت دراستها واعادة تركيبها ...
وقبل ان ياتقط رؤساؤه انفاسهم من انبهارهم بتلك العملية المدهشة التى خسرت الوحدة خلالها فردا واحدا فاجأهم (فليمنج) بعملية (الأرشيف البحرى ) التى كادت تذهب بعقول الالمان والتى اثارت جنون (هتلر) نفسه ...
فمع معاناتهم من دقة وبراعة المخابرات البحرية الالمانية كان البريطانيون يبذلون جهدا مضنيا لكشف الجواسيس الالمان ودراسة اساليب تفكيرهم ومحاولة تحليل خططهم ونظمه والعمل على تجنيد بعضهم لقل مايمكن نقله من وثائقهم وسجلاتهم السرية الى البريطانيين ..
ولان(فليمنج) قد اعتاد التفكير باسلوب مبتكر مختلف خلاق فقد طرح سؤالا بدا بالغ الغرابة فى أول اجتماع عام :
لماذا لا تقوم الوحدة (30) بعملية انتحارية للاستيلاء على قسم الارشيف البحرى الالمانى بالكامل وعلى سجلاته التى تعود الى عام 1870م ؟!
ومع غرابة الفكرة وجنونها احتاج الامر الى اسبوعين كاملين من البحث والفحص والمناقشة والمراجعة قبا ان يوافق الرؤساء على الخطة ويصدر الامر بتنفيذها بعد ان قرر الخبراء ان الخسائر ستبلغ 40% على الاقل من وحدة الهجوم ..
وعندا اجتمع (فليمنج)بوحدته ابلغهم ان الخسائر ستبلغ 70% ثم طلب منهم قبول او رفض المهمة ووعدهم بعدم سؤالهم عن الاسباب .
ووافق الجميع فورا ...
وبلا استثناء ..http://www.servamega.com/img/cd9eed1d9063a146cfaae7848b56f212/fleming.jpg


وبعقليته الخلاقة راح (فليمنج) يضع خطة الاستيلاء على الارشيف ووضع رسما لتوربين بحرى خاص تتم قيادته كالدراجة البخارية تحت الماء بحيث يمكن لرجاله بواسطته قطع مسافات طويلة تحت سطح البحر دون ان يمكن رصدهم ...
وفى (لندن) جلس (جودفرى) وفريق قادة المخابرات البحرية يحبسون أنفاسهم عندما انطلق (فليمنج) ورجاله لتنفيذ العملية ...
وراح الوقت يمضى ويمضى ويمضى دون ان تصل رسائل تشير الى نجاح او فشل العملية ...
واخيرا وفى الخامسة و سبع دقائق صباحا وصلت رسالة (فليمنج)...
رسالة مختصرة للغاية ..." نجاح تام ..الخسائر تساوى صفرا..."
وكان الخبر مذهلا حتى ان الرجال لم يمكنهم تصديقه حتى عادت الوحدة الى (لندن) بنفسها ..
لقد نجح (فليمنج) ورجاله نجاحا مذهلا واستولوا على كل سجلات البحرية الالمانية دون ان يخسروا رجلا واحدا ..
بل وحتى دون اصابة واحدة ..
وكان هذا اغرب من ان يحدث حتى فى الروايات الخيالية ..
او ربما كان فعلا قدريا مقصودا لتتويج اعمال (فليمنج) لانها كانت اخر عملية لهقبل ان تستسلم المانيا وتضع الحرب اوزارها ..
ومع نهاية الحرب عاد (فليمنج) يشعر بالملل مرة اخرى على الرغم من انه ظل يطرح افكاره المبتكرة ويقوم باعماله الخلاقة فى كل مكان تبلغه المخابرات البريطانية من شمال (أفريقيا) وحتى غرب (أسبانيا)..
ولكن لكل شئ نهاية ..
لقد استغنت المخابرات عن خدماته أخيرا ومنحته وساما ومكافأة كبيرة مع خطاب شكر يشير الى ما قدمه للوطن فى زمن الحرب ..
وهكذا عاد (فليمنج) الى شركة اسرته ليمارس اعمال السمسرة ويضاعف من ارباحها ..
الا ان هذا ظل بالنسبة اليه سخيفا مملا و مضجرا الى اقصى حد ..
لذا فقد راح يشغل نفسه بكتابة روايا عن الجاسوسية بطولة عميل سرى خاص منحه اسم (جيمس بوند) وراح يغزل حوله الاساطير التى اقتبسها من خبراته السابقة ومن تاريخ حياة بعض الرجال الذين عرفهم فى حياته ومن خلال عمله ...
وحتى فى هذا فاق (فليمنج) الجميع وصارت الشخصية التى ابتكرها هى اشهر شخصيات عالم الرواية الخيال من اقصى العالم الى اقصاه وترجمت اعماله الى 16 لغة خلال عشرة اعوام فحسب ..
وفى عام 1964م وقبل ان يبلغ الـ56 من العمر مات (فليمنج) ميتة هادئة فى فراشه تاركا خلفه تاريخا مجيدا لا يعلم عنه العامة سوى ذلك الجزء المفرط فى الخيال فحسب والذى استحق بسببه ان يحظى بلقب استحق كل حرف منه عن جدارة ...
لقب صانع الجواسيس .... </span>

بس كدا الموضوع خلص
انا ع فكره حاطط الموضوع دا ليا عشان انا مش فاضي اقراه حاليا فحطيته ف المنتدي عشان لما افضي ابقي اقراه
يالا الموضوع صحيح ليا بس هيه اللي عايز يستفيد بقي او اللي ناوي يبقي جاسوس

حسن دليور
21-01-2007, 12:25 PM
ربنا يديك الصحه وتكتب كمان

FRANKENSTEIN
21-01-2007, 12:42 PM
جواسيس غيروا مجرى التاريخ

--------------------------------------------------------------------------------





تظل الجاسوسية ثاني أقدم مهنة في التاريخ وأكثر المهن تشويقا وغموضا، والواقع أن قواعد لعبة التجسس لم تتغير عبر العصور، لكن ربما منحها بعض الجواسيس خصوصية معينة وبعض التفاصيل المميزة مما أضفى على عالم الجاسوسية طبيعة غريبة ومثيرة وشديدة الغموض. وتمكن عدد من الجواسيس من إعادة صياغة التاريخ فقلبوا موازينه وأحرزوا، بدهائهم وحيلهم، النصر لبلادهم بعضهم حموا عروش ملوكهم مثل سير فرانسيس

والسينجهام الذي حارب بضراوة من أجل تأمين عرش الملكة إليزابيث الأولى، وآخرون جلبوا النصر لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية مثل ريتشارد سورج، هناك من تسبب في نكسة مثل جاسوس الموساد الأبرز ولفجانج لوتز الذي عمل في القاهرة كضابط ألماني سابق، قال البعض بفخر إن الحروب لا يمكن أن تحسم بالأساليب المحترمة، إنهم الجواسيس الأبرز في تاريخ الجاسوسية الذين أعادوا كتابة التاريخ.

ولفجانج لوتز
ولد في ألمانيا عام 1921 لأسرة يهودية، والده مخرج مسرحي ووالدته ممثلة وكل منهما لم يشعر بأية ارتباطات دينية ولهذا فإن والدته لم تقم حتى بختانه واتضح فيما بعد أن هذا الأمر سيلعب دوراً بارزاً في تغطية عمله كجاسوس لصالح “إسرائيل”.

انفصل والداه عام 1931 وفي عام 1933 عشية صعود هتلر إلى السلطة في ألمانيا هاجرت والدته إلى فلسطين وأخذت معها ابنها وعملت هناك في مسرح بتل أبيب في حين التحق ولفجانج بمدرسة بين شمين الاستيطانية وغير اسمه إلى زائيف جور اريح حيث كان زائيف هو الاسم العبري لاسم ولف أي الذئب ومع مرور الوقت أصبح خبيراً في ركوب الخيل وبعد عدة سنوات قبل أن يتم عامه الخامس عشر انضم إلى منظمة الهجانا الأمنية الاستخبارية. وكانت من بين مهامه حراسة الحافلات المدرعة التي تحمل ما تحتاجه مدرسة بين شمين التي كان يحيط بها العديد من القرى والمدن الفلسطينية الرافضة للوجود الصهيوني في أرض فلسطين.

في عام 1939 اندلعت الحرب العالمية الثانية وبما أن لوتز كان يتحدث الألمانية والإنجليزية ببراعة إضافة إلى العبرية والعربية رأت القوات الانجليزية أنه سيكون عوناً كبيراً لها وتم تجنيده وأرسل إلى مصر وظل هناك طيلة فترة الحرب وكانت مهامه الأساسية تتضمن التحقيق مع أسرى الحرب الألمان هناك حيث كانت مهارته في استخدام اللغة الألمانية عوناً كبيراً له.

عقب الحرب عاد إلى فلسطين وشارك في عمليات تهريب الأسلحة لمنظمة الهجانا وعندما أعلنت دولة “إسرائيل” في مايو/أيار 1948 خدم لوتز كملازم أول في قوات الدفاع “الإسرائيلية” ولعب ادواراً مختلفة في تنفيذ أكثر العمليات وحشية في الأراضي الفلسطينية، وبقي في الجيش بعد الحرب وفي عام 1956 رقي إلى رتبة لواء وقاد عملية “إسرائيلية” ضد القوات المصرية في سيناء في عملية أطلق عليها في “إسرائيل” اسم حملة السويس.

ومع بداية عام 1957 اتخذ القرار بإرساله إلى مصر حتى يمكنه جمع معلومات استخبارية عن المساعدات السوفييتية هناك التي تقدم للحكومة المصرية وللزعيم جمال عبد الناصر.

في نوفمبر 1959 أرسل إلى ألمانيا بعد عام من تنقله من مكان إلى مكان حتى يصعب اقتفاء خطواته ثم أرسل مرة أخرى إلى مصر ووصل هناك في ديسمبر/كانون الاول ،1960 وسرعان ما تمكن من إقامة العديد من الاتصالات المهمة حيث ذهب إلى نوادي الفروسية التي كانت مكان تجمع أهم القيادات العسكرية المصرية وترددت الأخبار عن الثري الألماني الذي تغلغل بين أبناء الطبقة الأرستقراطية المصرية وخلال أيام كان لوتز يتلقى الكثير من الدعوات لحفلات عشاء في أهم البيوت المصرية وكان الأثرياء الذين يستثمرون أموالهم في تربية الجياد يطلبون منه المشورة وسرعان ما قرر لوتز أن يظهر سخاءه حيث اشترى الجياد ووضعها في ناد للفروسية.

واستأجر فيلا في منطقة مصر الجديدة وتظاهر بأنه من هواة تربية الخيول العربية وبهذا تمكن من الانضمام لعضوية نادي الفروسية في الجزيرة ومن خلال النادي تمكن من عقد المزيد من الصداقات مع هواة تربية الخيول من المصريين والأجانب.

وبعد ستة أشهر عاد إلى أوروبا وقدم تقاريره إلى قيادات الموساد الذين أعلنوا رضاءهم التام عن سير عمله حيث أطلق على أيلي كوهين اسم رجل الموساد في دمشق أطلقت الوكالة “الإسرائيلية” على لوتز اسم عين تل أبيب في القاهرة.

وفي صيف عام 1962 عاد لوتز وزوجته إلى مصر وخلال الفترة التي قضاها مع زوجته في القاهرة تمكن من إقامة العديد من الحفلات والعلاقات البارزة دخل المجتمع المصري حيث أقام علاقات صداقة مع شخصيات بارزة في الاستخبارات العسكرية المصرية كما تمكن لوتز من إقامة العديد من الصداقات مع الخبراء الألمان الذين كانوا يعيشون في القاهرة وأصبح صديقاً شخصياً للعديد منهم مثل جرهارد بوش الذي يعتقد أنه كان يتجسس على الحكومة المصرية لصالح عاصمة ألمانيا الغربية بون إضافة إلى أنه تلقى قائمة بأسماء جميع العلماء الألمان في القاهرة وعناوينهم وتمكن من الحصول على تفاصيل دقيقة عن دور كل منهم في مصانع الإنتاج الحربي المصرية.

وفي تلك الفترة نجحت مهمته في معرفة كل ما يمكن معرفته عن الصواريخ الروسية سام وموقع بنائها بالقرب من قناة السويس في مدينة الإسماعيلية، وكان قد استخدم جهاز إرسال لاسلكي صغير أخفاه في حمامه الشخصي ومن خلاله أرسل رسائل سرية إلى الموساد طيلة خمس سنوات عن المعلومات السرية العسكرية المصرية وبرنامج الصواريخ المصرية.

في بداية الستينات كان رئيس الموساد وقتها إيسير هاريل شديد القلق من خطر العلماء الألمان الذين يعملون مع نظرائهم المصريين لتطوير برنامج الصواريخ حيث كان هناك خوف كبير من قدرة تلك الصواريخ على الوصول إلى المدن “الإسرائيلية” حيث أدركت الموساد من تجربة إطلاق مصرية أنها ناجحة وتشكل تهديداً حقيقياً على أمن “إسرائيل”.

ظل لوتز يعمل بشكل جيد في القاهرة لعدد من السنوات إلى أن حدثت تغيرات في السياسة الخارجية المصرية في خريف عام ،1964 حيث كانت مصر تعتمد على المساعدات العسكرية السوفييتية منذ منتصف الخمسينات واستخدم الروس المساعدات في الضغط على عبد الناصر لدعوة رئيس ألمانيا الشرقية والتر البريتش لزيارة القاهرة واعترضت حكومة ألمانيا الغربية ولكن عبد الناصر شعر أن عليه عدم إلغاء الزيارة في الوقت الذي كان فيه السوفييت يشتكون أيضا من العمليات الاستخبارية التي تقوم بها ألمانيا الغربية بالتعاون مع وكالة الاستخبارات الأمريكية ضدهم، وفي شتاء عام 1965 قبيل زيارة رئيس ألمانيا الشرقية أمر عبد الناصر باعتقال نحو ثلاثين عالماً من ألمانيا الغربية كانوا يعيشون في القاهرة وكان من بين الذين أمر باعتقالهم ولفجانج لوتز إضافة إلى زوجته ووالديها اللذين كانا في زيارة لمصر وقتها.

وعندها توقع لوتز أن الحكومة المصرية علمت بدوره في التجسس لصالح الموساد وخلال استجوابه اعترف بكل شيء فيما عدا كونه يهودياً و”إسرائيليا” حيث أصر على أنه ضابط ألماني سابق ضغطت عليه الموساد للتجسس لصالحها، وكانت الموساد تمكنت من تعيين محام ألماني للدفاع عنه أكد وقتها ما كان خافيا على الحكومة المصرية وحيث قال إنه بالفعل مواطن “إسرائيلي” خدم في الجيش “الإسرائيلي” وشارك في أكثر العمليات العسكرية والوحشية ضد الفلسطينيين.

وفي عام 1964 ظهر لوتز على شاشات التلفزيون المصري وهو يقدم اعترافه بأنه ألماني عمل في شبكة تجسس “إسرائيلية” في مصر منذ عام ،1961 وأنه نادم على ما فعل ويحمل للمصريين الاحترام والتقدير ويعترف بأنهم عاملوه معاملة حسنة في السجن والواقع أن السلطات المصرية حتى ذلك الوقت لم تعرف خلفية لوتز الحقيقية، واعتقدوا أنه ألماني مخادع يعمل لحساب “إسرائيل” وبدلاً من إعدامه أرسل إلى السجن مدى الحياة عام ،1965 وغرامة قدرها 20 ألف دولار أمريكي، وحكم أيضاً على زوجته بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وتم إطلاق سراحه بعد ثلاث سنوات مقابل 500 ضابط مصري كانوا قد أسروا في حرب 1967وكانت المرة الأولى التي تعترف فيها “إسرائيل” بأن لوتز جاسوسها، وعند إطلاق سراحه ذهب إلى تل أبيب مع زوجته الألمانية اليهودية حيث وضع كتاب بعنوان “جاسوس الشمبانيا” ونال الكتاب نجاحاً كبيرا ولكن ثروة الجاسوس تضاءلت بشكل كبير عقب وفاة زوجته، وفي مقابلة أجريت معه عندما كان في رحلة في ميونخ عام 1978 شكا من أنه يعيش على حافة الفقر وأنه لا يتلقى سوى معاش لا يتعدى 200 دولار سنوياً يدفع له من قبل الموساد.

كيم فيلبي
يعد في سجلات تاريخ الجاسوسية زعيم حلقة عملاء كامبردج الشهيرة والأسطورية وأحد أهم جواسيس القرن العشرين، انضم إلى خدمة الاستخبارات السرية عام 1940 وترقى في منصبه حتى وصل إلى موقع رئاسة إدارة مكافحة التجسس السوفييتي وضابط الارتباط ما بين الاستخبارات البريطانية ال MI6 ونظيرتها الأمريكية الCIA وأيضا الFBI وهو من قام بتسريب جميع أسرار عمليات الحلفاء وقدمها إلى الروس وقام بالعمليات السرية من أجل إزاحة الستار الحديدي في السنوات الأولى للحرب الباردة كان عبثياً ومتعجرفاً وتهكمياً ومليئاً بالثقة بالنفس وكان جاسوساً بارعاً تمكن بكل ذكاء من التفوق على وكالات التجسس البريطانية التي عمل معها، وكان مخلصا للماركسية حيث فضل النظام السوفييتي بكل مساوئه عن النظم الغربية الديمقراطية وضحى في سبيل الماركسية بكل شيء بما في ذلك جنسيته وسمعته.

ولد في الهند البريطانية لأسرة تنتمي للطبقة العليا حيث كان والده ضابطاً مدنياً ذا رتبة عالية، وعقب تخرجه في إحدى مدارس الأرستقراطيين عام 1928 التحق بجامعة كامبردج وتخرج فيها عام ،1933 وكانت أول بناء في عمله كجاسوس سوفييتي مزدوج.

وعند تخرجه عمل فليبي في الصحافة وبحث عن وظيفة في صحف سياسية معتدلة وأخفى معتقداته الشيوعية وعندما اندلعت الحرب الإسبانية حصل فيلبي على عمل كمراسل لصحيفة لندن وهي وكالة صحافة صغيرة لتغطية الحرب، ولكنه في الواقع كان قد أرسل إلى أسبانيا من قبل السوفييت للتجسس على الثوار ضد الجمهوريين.

عاد إلى إنجلترا واندلعت الحرب العالمية الثانية ولكنه أرسل إلى فرنسا وفي هذا الوقت أصبح مراسلاً حربياً متمرساً وأظهر احتراماً للقائد الأعلى البريطاني ومن خلاله تمكن من الاطلاع على الأسرار العسكرية الأكثر أهمية والتي كان يرسلها إلى موسكو.

وعندما سقطت فرنسا عاد إلى إنجلترا مرة أخرى وعلى الرغم من عضويته في البعثة الأنجلو- ألمانية إلا إنه قرر الانضمام إلى خدمة الاستخبارات البريطانية السرية وتمكن ببراعة لا توصف من الانضمام إلى الاستخبارات السرية، وفي صيف عام 1940 كانت المرة الأولى التي أقام فيها اتصالاً بالخدمة السرية البريطانية.

وترقى في منصبه حتى وصل إلى منصب رئيس إدارة مكافحة التجسس السوفييتي وضابط الارتباط ما بين الاستخبارات البريطانية ال MI6 ونظيرتها الأمريكية ال CIA وأيضاً الFBI والذي قام بخيانة جميع أسرار عمليات الحلفاء وقدمها إلى الروس وقام بالعمليات السرية من اجل إزاحة الستار الحديدي في السنوات الأولى للحرب الباردة. في عام 1967 كتب من موسكو مذكراته في كتابه الشهير الذي ما زال حتى اليوم يطبع الآلاف من النسخ “حربي الصامتة” وهو الكتاب الذي أذهل العالم وفيه كشف عن تفاصيل عمله كجاسوس مزدوج لصالح الKGB للمرة الأولى واعتبره العالم أحد اكثر الجواسيس نجاحا في العالم وكان أيضاً كاتباً متميزاً قدم (قصة أيقونة) عن سنوات الحرب الباردة وأحدث ما يعد ثورة في عالم كتب الجاسوسية. الكتاب أعيد طبعه مرات ومرات بعد نحو 12 عاماً من صدوره للمرة الأولى وفيه يقدم فيلبي تفاصيل عمليات التجسس التي قام بها لصالح الاتحاد السوفييتي وكيف تمكن من النجاح في الهرب إلى موسكو عام 1963 والتي عاش بها حتى مماته عام ،1988 ويشرح لماذا ظل مخلصاً للشيوعية حتى بعد أن اكتشف جرائم ستالين؟

ويكتب في مذكراته: “في صيف عام 1940 كانت المرة الأولى التي أقيم فيها اتصال بالخدمة السرية البريطانية ولكن الأمر كان قضية مثيرة بالنسبة لي لعدة سنوات في ألمانيا النازية وفيما بعد في أسبانيا حيث خدمت كمراسل لصحيفة التايمز مع قوات الجنرال فرانكو “وفي جزء آخر يكتب: “قررت أن أترك التايمز قبل أن تتركني هي إن فكرة أن أظل أكتب ممجداً عظمة القوات البريطانية وروعة أخلاقيات جنودها للأبد كانت فكرة ترعبني”.

عند نهاية الحرب فإن إنجلترا وإلى حد كبير الولايات المتحدة أصبحتا أقل ثقة في حليفهما السوفييتي وأدركا أن جوزيف ستالين لديه خطط ما بعد الحرب تتضمن الاستيلاء والسيطرة على دول وسط أوروبا أثناء تحررها من الألمان، وأراد تشرشل أن تتم مراقبة السوفييت عن قرب ومن جانبه كما يذكر فيلبي اقترح أن يتم إنشاء مكتب مقاومة للشيوعية داخل الاستخبارات البريطانية في حين أدرك المشرف عليه أن فيلبي كان على صلة بضباط سوفييت ذوي رتب عليا في إنجلترا ودول أخرى وبهذا تمت الموافقة على خطة فيلبي التي أبهجت المشرف عليه السوفييتي اناتولي ليبيديف الذي استبدل ببوريس كورتوف مدير الاستخبارات المسؤول عن عمليات فيلبي لصالح الKGB والذي كان لفترة طويلة قد أشرف على عمليات فيلبي.

في 23 يناير 1963 ترك فيلبي أسرته وهرب إلى الاتحاد السوفييتي في حين انتظرته زوجته في حفل عشاء وسار عبر مرفأ في ميناء بيروت ومن هناك استقل سفينة إلى الميناء الروسي أوديسا وعاش فيلبي لعدة شهور في مدينة على نهر الفولجا على بعد آلاف الأميال من موسكو وعندما وصل موسكو كان بورجيس قد توفي إثر أزمة قلبية في سن 52 عاما وكانت وفاته بسبب الإفراط في الشراب.

جورج باهر خائن بريطاني
ولد جورج باهر في 11 نوفمبر 1922 وكان جاسوسا بريطانيا سابقا كان في الواقع جاسوساً مزدوجاً عمل أيضاً لصالح الاتحاد السوفييتي.

ولد في مدينة روتردام حيث كانت والدته هولندية ووالده مصرياً يهودياً نال الجنسية البريطانية وحمل اسم جورج باهر لواحد من أكثر الأسر اليهودية بروزا في أمستردام. وكان والده قد توفي وهو في الرابعة عشرة من عمره وأرسل إلى مدرسة بريطانية في القاهرة حيث كانت تلك هي أمنية والده ووصيته، وبينما كان هناك مع أقاربه أمضى معظم وقته مع عمه هنري كوريل الذي كان عضواً بارزاً في الحزب الاشتراكي المصري وعميلا للاستخبارات السوفييتية ال KGB وعندما عاد إلى أمستردام كان اشتراكياً مخلصاً.

كان بلاك عضواً نشطاً في المقاومة الهولندية المقاومة للنازية وهرب إلى لندن متنكرا في هيئة راهب حيث حاول البوليس السري النازي القبض عليه.

وفي انجلترا غير اسمه إلى جورج بلاك ومع مرور الوقت انضم للعمل في الاستخبارات البريطانية وبعض فترة وقع في حب سكرتيرة تعمل في الاستخبارات البريطانية ال MI6 تدعى أريس بيك وفيما بعد عمل في خدمة ملكة انجلترا وقررا الزواج، ولكن للأسف كانت أسرة الفتاة من الأسر البارزة التي لم توافق على زواج ابنتهم من جورج بلاك اليهودي، ولم تتمكن الفتاة من مقاومة موقف أسرتها الرافض وفي النهاية انتهت العلاقة وعندها شعر بلاك بالكثير من الغضب والإحباط وقرر أن ينتقم من انجلترا المتغطرسة التي رفضته وكان صلف أسرة حبيبته سبباً في تدمير عواطفه القوية التي حملها لفتاته التي لم يحب غيرها في حياته.وعندها اتجه إلى هنري كوريل عمه ومؤتمن أسراره في أمستردام حيث تمكن من تجنيده للعمل كجاسوس لصالح الKGB .

بعد الحرب العالمية الثانية تم تجنيده أيضاً للعمل في ال MI6 البريطانية وكانت مهمته إنشاء شبكات تجسس في الجزء الشرقي من أوروبا المحتل وقتها من قبل الاتحاد السوفييتي. وأرسل للخدمة العسكرية في الحرب الكورية وكان في سيول عندما اجتاحتها كوريا الشمالية. وخلال سنواته الثلاث كأسير في معسكرات كوريا الشمالية، اعتنق الماركسية وقال البعض إنه تعرض إلى عملية غسيل دماغ وإن كان هو نفسه قد أصر على أن اعتناقه الماركسية كان طوعياً. عقب الإفراج عنه عام 1953 أرسلته الMI6 للعمل كجاسوس مزدوج إلى برلين حيث أصبح هناك فعلياً “جاسوس ثلاثي” وأفشى أسرار المئات من الجواسيس البريطانيين للسوفييت.

وفي عام 1959 فضح أمره الجاسوس البولندي المنشق مايكل جلونويسكي، وفي عام 1961 بعد محاكمة عرضت تفاصيلها على شاشات التلفزيون حكم عليه بالسجن 42 عاماً وقالت وقتها الصحف البريطانية إن حكمه السجن مقابل كل جاسوس بريطاني تسبب في قتله وخانه وكان أطول حكم تحكم به المحكمة البريطانية.

بعد خمس سنوات من سجنه تمكن جورج بلاك من الهرب من سجنه بمساعدة من ثلاثة من أعضاء لجنة المائة الذين كان قد قابلهم في مصر قبل عامين، وهرب بلاك إلى الاتحاد السوفييتي وطلق زوجته التي أنجب منها ثلاثة أبناء وبدأ حياة جديدة وفي عام 1990 نشر سيرته الذاتية بعنوان (لم يكن هناك خيار آخر) وهو الكتاب الذي نال عنه من ناشره البريطاني أكثر من 60 ألف جنيه إسترليني قبل أن تتدخل الحكومة البريطانية وتمنعه من التربح من مبيعات كتابه.

وفي مقابلة مع شبكة أخبار ال”إن. بي. سي” عام 1991 قال بلاك إنه ندم على موت الجواسيس البريطانيين الذين خانهم.

وحتى عام 2004 كان يعيش في موسكو ويتقاضي معاشاً من الKGB وظل ماركسيا لينينياً مخلصاً، وأنكر بلاك أنه كان خائناً وأصر على أنه لم يشعر أساساً بأنه مواطن بريطاني قائلاً: “حتى تخون يجب أولا أن تنتمي وأنا لم أنتم أبداً لبريطانيا)



(ريتشارد سورج)… اسم قد يبدو مجهولاً وغير مألوف، إذا ما وضعته أمام أي قارئ عادي، في أي مكان في العالم، ولكنه يحتل، في تاريخ الجاسوسية، مكانة فريدة ومرموقة، لم ينافسه فيها أحد قط؛ فهو الجاسوس الوحيد عبر التاريخ، الذي كان لدوره الفعّال الفضل، في حسم نتائج حرب عالمية كاملة..
الحرب العالمية الثانية..

أو بمعنى أدق، كان (سورج)، على الرغم من نهايته، أنجح جاسوس عرفه التاريخ، حتى لحظتنا هذه، قياساً بما حققه من نتائج في مهمته...

والكتاب الذي نستعرضه هذه المرّة، والذي يحوي قصة الجاسوس الفذ (سورج)، أو (سيرجي)، كما يطلق عليه السوفيت، كتاب صدر في ستينات القرن العشرين، وبالتحديد في شهر يونيو 1966م، عن دار القاهرة للطباعة والنشر، تحت عنوان ( الرجل ذو الوجوه الثلاثة)، وهو مترجم عن كتاب بنفس الاسم، للألماني (هانز أوتو مسنر)، أصدرته، في نفس السنة، يناير 1966م، شركة (راينهارت) للنشر في (نيويورك)....

وكان سبب اختيار المؤلف للعنوان، هو أن (سورج) كانت له ثلاث شخصيات، ووثقت به ثلاث حكومات أجنبية، خدع بمنتهى المهارة اثنتين منها، ومنح إخلاصه وولاءه كله للثالثة، لذا فقد اعتبره المؤلف صاحب ثلاثة وجوه ..
والمؤلف نفسه كان ملحقاً صغيراً، في السفارة الألمانية في (طوكيو)، قبيل الحرب العالمية الثانية، ولقد كان (سورج)، وبعض أفراد شبكته الجاسوسية، ضيوفاً في حفل زواجه، وكان بعضهم من أقرب الناس إليه، ولكنه لم يعرف أبداً حقيقة (سورج)، حتى مابعد نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945)...
ولقد راح (مسنر) يجمع المعلومات، من هنا وهناك، من الصحفيين، والزملاء، والمراسلين، حتى أمكنه أن يكتب تاريخ (سورج) كله تقريباً، إلى الحد الذي جعل كتابه أحد المراجع المهمة، لما يعرف الآن باسم (فن الجاسوسية)...
ونكتفي هنا بالحديث عن المؤلف؛ لنعود إلى صاحب الشخصية الرئيسية في الكتاب...
إلى (سورج)..

(ريتشارد سورج)...
ففي الملفات الرسمية، وصف (سورج) بأنه صاحب شخصية فريدة مبهرة، وثقافة واسعة، وذكاء مفرط، وجرأة وبراعة كادت كلها تبلغ حد الكمال..
هذا بالإضافة إلى حس مرهف، وقدرة مدهشة على فهم واستيعاب من أمامه، وسبر أغواره، والغوص في أعماقه حتى النخاع..
كذلك كان (سورج) يستطيع فهم من أمامه، وكشف طبيعته، وإجادة التعامل معه، بعد دقائق قليلة من لقائه الأوَّل به..
ويالها من موهبة خارقة، وجدت مستقرّها تماماً...
وهذا بالنسبة لطبيعتة الشخصية..
أما بالنسبة لمهاراته العملية، ومواهبه القيادية المدهشة، فحدِّث ولا حرج..

فبدقته وقوة شخصيته، أدار (سورج) أقوى وأنجح وأكمل شبكات الجاسوسية، داخل (الصين) و(اليابان)، خلال الحرب العالمية الثانية..
ولكن حتى هذا ليس سبب شهرته وأستاذيته، في عالم الجاسوسية، الذي لا تتوقَّف الصراعات فيه لحظة واحدة، في الحرب، وفي السلم أيضاً، وإنما تعود شهرته الفائقة، وأستاذيته المبهرة، التي أسهبت عشرات الكتب والمراجع في وصفها، والإشادة بها، والانبهار بخطوطها، طوال أكثر من نصف قرن من الزمان، إلى أنه الجاسوس الوحيد، في تاريخ الجاسوسية كله، الذي كان لنجاحه الفضل الأوَّل، في تغيير مسار حرب طاحنة رهيبة..

و(ريتشارد سورج) هذا هو الابن الثاني لمهندس ألماني، عمل في حقول بترول الإمبراطور، وحفيد (أدولف سورج)، السكرتير الخاص للمفكِّر (كارل ماركس)، وأحد الذين اعتنقوا الشيوعية منذ مولدها..
ولأنه كان يشعر بالعار، كل العار، بسبب هذا، فقد بذل والد (سورج) قصارى جهده؛ ليمحو من ذاكرته تماما أمر اعتناق والده للشيوعية، ولدفع الآخرين إلى نسيان هذا أيضاً، وتمنى لو استطاع أن يمحوه من مجرى الزمن أيضاً، حتى إنه ألحق ابنه (ريتشارد) بإحدى الفرق العسكرية الألمانية، إبان الحرب العالمية الأولى، كدليل قاطع على ولائه، وانتمائه لألمانيا وإمبراطورها، وقائدها، وأفكارها, ولكل ما يرتبط بها، ولو بأدنى رابطة أو صلة..

وعلى الرغم من أن (ريتشارد) قد أبلى بلاءً حسناً خلال الحرب الأولى، استحق معه التقدير والثناء من رؤسائه، بل والترقية المحدودة أيضاً، إلا أن عقله كان يستهجن ويحتقر القتال المباشر، والاشتباك الواضح الصريح، ويعتبر كليهما وسيلة من لا عقل له، ويبني في أعماقه فكراً آخر، ومستقبلاً مختلفاً..

وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، بدأ (سورج) في تحويل فكره وطموحاته إلى واقع عملي، وحقيقة ملموسة..
ومن جامعات (كييل) و(هامبورج)، حصل (ريتشارد سورج) على درجة الدكتوراه، في العلوم السياسية، عام 1920م، وفي اليوم نفسه، وقبل حتى أن يجف حبر شهادة الدكتوراه، كان يملأ استمارة الالتحاق بالحزب الشيوعي الألماني في (هامبورج)..
وكان هذا أحد الأخطاء الكبيرة في حياته..

فالواقع أن هذا القرار كان وبالاً على رأس (سورج)، وخاصة في تلك الفترة، التي تدهور خلالها الاقتصاد الألماني، وشارف الانهيار، وبات الحصول على وظيفة ثابتة ومحترمة من رابع المستحيلات، حتى بالنسبة لعبقري يحمل شهادة الدكتوراه مثله..
وهكذا تنقَّل (سورج) من وظيفة بسيطة إلى أخرى، ومن مدرِّس ابتدائي، إلى موظف في منجم للفحم، وإلى منزل حقير، في حي صغير، من أحياء (هامبورج) البسيطة..
ولكنه كان يشعر في أعماقه أن هذه ليست حتماً نهاية المطاف، وأن القدر مازال يدخر له الأفضل..

ولقد كان على حق تماماً، فقد كان القدر ينتظره هناك..
في ليلة باردة..
جداً.
نقطة التحوّل في حياة (ريتشارد سورج)، أشهر وأنجح جواسيس الحرب العالمية الثانية، كانت تكمن في ذلك اللقاء المثير، الذي باغته على نحو غير متوقّع، في منتصف ليلة من ليالي الشتاء الباردة، في قلب العاصمة الألمانية (برلين)..

ففي تلك الليلة، فوجئ (سورج) بزيارة من واحد من أهم، وأشهر، وأخطر الرجال، في تلك الفترة العصيبة، من تاريخ (ألمانيا)... (هنري تولمان)، رئيس الشرطة السرية للحزب الشيوعي الألماني، والرجل الذي اشتهر بقسوته وبروده وصرامته، ونظراته القادرة على تجميد الدم، في عروق أشجع الشجعان..

وداخل منزل (سورج) الحقير، التقى به (تولمان) وشرح له أن (موسكو) تهتم به كثيراً، وتتابع حماسه للمبادئ الشيوعية، ثم أخبره في النهاية أن عليه أن يسافر إلى (موسكو)، العاصمة الحمراء؛ ليلتقي ببعض المسؤولين هناك..

وسافر (سورج) إلى (موسكو)..

وهناك التقى بالرفيق (ديمتري مانولسكي)، رئيس قسم المخابرات الأجنبية في (الكومنترن)، وخضع معه لعدد من الاختبارات والدراسات، لم يفصح عنها الكتاب، ولكنها انتهت بعودته إلى (هامبورج)، وقد أصبح أحد العاملين في ذلك العالم الغامض المثير..

عالم الجاسوسية..

كانت مهمته الرئيسية هي جمع المعلومات السياسية، من كل مكان يذهب إليه، ورصد ردود الأفعال العالمية، تجاه التطورات الاجتماعية والاقتصادية السريعة والعنيفة، التي تحدث في (ألمانيا) النازية، وأنه في سبيل نجاح هذا، لابد وأن يخفي تماماً ميوله الشيوعية، ويتجنَّب حتى الإشارة إليها، بل والبدء في معارضتها، ومحاربتها، والاختلاف معها تمام الاختلاف، لو أُثير الأمر بأية صورة من الصور..

وعلى الرغم من أن القاعدة، في عالم المخابرات هي أن ينبهر العميل بالجهاز، إلا أن (سورج) قد هزم هذه القاعدة، وعكسها تماماً..

فلقد برع (سورج) في مهمته، وقام بها خير قيام، وبموهبة مدهشة، وبراعة منقطعة النظير، طوال خمس سنوات كاملة، تلقَّى خلالها الكثير من التدريبات، واكتسب عشرات المهارات والخبرات، وهضمها كلها بسرعة مذهلة، أبهرت السوفيت تماماً..

كما تحوَّل (سورج) إلى جامعة شاملة في العلوم واللغات، وأجاد بطلاقة تامة، الإنجليزية، والفرنسية، والروسية، واليابانية، مع عدد لا بأس به من اللهجات الصينية..

باختصار، لم تمض تلك السنوات الخمس، حتى أصبح (ريتشارد سورج) واحداً من تلك الفئة النادرة في عالم الجاسوسية..

الفئة التي تحمل لقب (جاسوس كفء)..

وعبر (أوروبا)، ومن خلال عمله كمراسل صحفي متجوِّل، راح (سورج) يمارس عمله، لينهال سيل من المعلومات المهمة والخطيرة، على السوفيت، الذين تضاعف انبهارهم بكفاءة جاسوسهم وقدراته، فقرَّروا تطوير العملية كلها، ونقله إلى مرتبة أكبر..
مرتبة العميل الخاص..
جداً..

وفي (موسكو)، التقى (سورج) بالكولونيل (بالدن)، رئيس المخابرات السوفيتية، الذي أعلنه بالترقية، وبما تعنيه أدبياً ومالياً، ثم أسند إليه أولى مهماته القوية..

لقد طلب منه السفر إلى (شنغهاي) في (الصين)، وجمع كل المعلومات الممكنة عن جنرال شاب، وهو (شيانج كاي شيك)، والعمل على إعادة تأهيل شبكة جاسوسية مهلهلة هناك..
وسافر (سورج) إلى (شنغهاي)..
وهناك التقى بأفراد شبكة الجاسوسية (المهلهلة)، وأخبرهم بصرامة أنه رئيسهم الجديد، وبدأ يضع قواعد العمل الجديدة، في نفس الوقت الذي راح يجمع فيه المعلومات عن (شيك)..

ومرة أخرى، أثار انبهار المخابرات السوفيتية ورجالها..
فقد حصل (سورج) على كل المعلومات المطلوبة، وأعاد بناء الشبكة، التي أُطلق عليها اسم (وحدة الصين)، والتي بدأ أفرادها يتساءلون، في دهشة وانبهار، عن رئيسهم الجديد، الذي لا ينام أبداً، والذي يعمل بنشاط جمّ، دون توقُّف أو هوادة، والذي قام بخطوة بالغة الجرأة، إلى الحد الذي أذهلهم جميعاً، وجعلهم يتعاملون معه بتقدير واحترام ومهابة بلا حدود، وكأنه إله الجاسوسية نفسه..

فلقد أقنع (سورج) القنصل الأمريكي بتأجير حجرتين من منزله لرجل أعمال واقتصاد ألماني، يُدعى (فريدريك مانهايم)، والذي لم يكن في الواقع سوى جاسوس آخر، وخبير في الاتصالات اللاسلكية، يعمل لحساب السوفيت، ويُدعى (ماكس كلوس)، وكانت حقائبه، التي انتقلت إلى منزل القنصل الأمريكي، تحوي جهاز الاتصال اللاسلكي، الذي ظلّ يبث الأسرار والمعلومات إلى (موسكو)، طوال عامين كاملين، دون أن يدرك الأمريكيون دورهم في هذا !!..

وبعد نجاحه المذهل، في إحياء (وحدة الصين)، التي تحوّلت من وحدة مهلهلة، إلى واحدة من أقوى وحدات الجاسوسية السوفيتية، في العالم أجمع، قرّر السوفيت استغلال مهارات وكفاءة (سورج)، في مجال حيوي آخر..

وانطلق (سورج) ليقتحم صحافة النازي، في قلب(برلين) نفسها، مؤيّداً بشهادة اثنين من أصدقائه، الذين أشادا ببراعته وأمانته، وإخلاصه المتناهي لعمله..
وكانت خطوة بالغة الجرأة منه بالفعل!!..
إذ كان يكفي أن يقوم جهاز (الجستابو) بتحريات جادة عنه، لينكشف أمره، وتفتضح خدعته، ويسقط في قبضة أشرس جهاز أمني، في ذلك الحين..
ولكن من حسن الحظ، أن (الجستابو) كان آنذاك مشغولاً بما بدا له أكثر أهمية..

لقد اكتفى بشهادة الرجلين، وبالشهادات التي نالها (سورج)، وتركه يعمل في منصب كبير الصحفيين والمراسلين الألمان، لجريدة (زيتونج)، الناطقة بلسان الحزب النازي، ويسافر إلى أقرب حليف للنازية، في ذلك الحين..
إلى (طوكيو) مباشرة..
وهناك بدأت مرحلة جديدة..
وخطيرة..
للغاية.
في (طوكيو)، بدأ (سورج) طريقه بلعب أهم دور، في قصة أي جاسوس حذر، في أرض جديدة..
دور الجاسوس النائم..
ومصطلح الجاسوس النائم هذا يستخدم لوصف جاسوس، تم زرعه في منطقة الهدف، أثناء مروره بمرحلة التوطين الأولى، التي يسعى خلالها لتثبيت أقدامه، في المجتمع الجديد، ومد جذوره في أعماقه، ويحظر عليه تماماً التورُّط في أي عمل تجسُسي خلال تلك المرحلة، مهما كانت المغريات؛ نظراً لاحتمال دفع أمر ما تحت يمينه، لكشف هويته، وتحديد حقيقة انتمائه..

لذا فلم يمارس (سورج) أية أعمال جاسوسية على الإطلاق، في الفترة الأولى، وإنما اكتفى بمد جذوره في المجتمع الياباني، وتوطيد صلاته واتصالاته، وإقامة جسور من الثقة والصداقة، بينه وبين أبرز العناصر السياسية، والاقتصادية، والعسكرية في (اليابان)، وعندما استقر به المقام، واطمأن إلى قوة ثباته في المجتمع الياباني، بدأ (سورج) في بناء شبكة الجاسوسية الجديدة..

وعلى الرغم من أن الشرطة السرية اليابانية (الكمبتاي)، كانت شديدة النشاط في تلك الفترة، وتتعامل مع كل الأجانب باعتبارهم جواسيس، إلا أن (ريتشارد سورج) قد تجاوز فترة التوطين الأولى، ونجح في إقامة صداقات وعلاقات قوية متينة، داخل المجتمع الياباني، بل وداخل (الكمبتاي) نفسه، مما ساعده على الخروج من مرحلة الكمون إلى مرحلة النشاط، والبدء في تنفيذ خطة تواجده الرئيسية..

وخلال فترة محدودة، أنشأ (سورج) شبكة قوية فعَّالة، راحت (موسكو) تتابع أخبارها بمنتهى الاهتمام الممزوج بالحذر، خاصة وأن (سورج) قد حدَّد مصروفاتها الشهرية بثلاثة آلاف دولار، وهو مبلغ هائل في ذلك الحين..

ولكن سرعان ما أدركت (موسكو) أن شبكة (سورج) تستحق هذا..
بل وما هو أكثر منه أيضاً..

فقد حقَّقت الشبكة اليابانية أوَّل انتصاراتها، عندما التقط أحد أفرادها، وهو الثري الياباني (أوزاكي)، محضر اجتماعات لجنة الدراسات الصينية، التي تحدَّثت عن رغبة (اليابان) في احتلال (منشوريا) الصينية..
ولقد حدث الغزو الياباني بالفعل، وكانت كارثة عسكرية على كل المستويات، إذ لم ينجح اليابانيون في احتلال (منشوريا) فحسب، وإنما أمكنهم احتلال شمال (الصين) كله أيضاً، وفرض هيمنتهم وسيطرتهم على مساحة واسعة من الأراضي الإستراتيجية..
وهنا، أدرك السوفيت أهمية وخطورة شبكة (سورج) اليابانية..
وبلا تردّد منحوا قائدها كل ما طلبه..

ثم فجّر (سورج) مفاجأة جديدة..
لقد أبلغ السوفيت أن الجيش الياباني في سبيله إلى الثورة، في فبراير 1936م، ثم لم تلبث ثورة الجيش أن حدثت، في التوقيت نفسه، وحملت في التاريخ اسم (حادث فبراير)..

وهنا تأكَّد السوفيت من أهمية عميلهم وقوته، وبراعته المذهلة في جمع وتحليل أخطر وأدق المعلومات..

وكان من الطبيعي -والحال هكذا- أن يتم تصنيفه باعتباره عميل نادر، على أعلى درجة من الأهمية والخطورة، وأن يتم إطلاع (ستالين) نفسه على تطورات عمله، أوّلاً بأوّل..

وخلال الأشهر التالية، توالت معلومات (سورج) وتحليلاته، على نحو مدهش، فأخبر (موسكو) باتفاقية التعاون العسكري، بين (طوكيو)
و(برلين)، وأيد قوله هذه المرّة بصور المستندات، الدالة على هذا..

وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، عام 1939م، كان (سورج) أشهر وأقوى وأخطر جاسوس للمخابرات السوفيتية، في العالم كله، وكانت الشبكة اليابانية التي أقامها، هي أنشط شبكات الجاسوسية، ليس في تلك الفترة، وإنما في تاريخ المخابرات كله..

وعلى الرغم من اتفاقية الدفاع المشترك، التي وقَّعها (هتلر) مع (موسكو)، وصلت معلومات إلى السوفيت، من عميلهم الفذ (ريتشارد سورج)، تحمل مفاجأة مذهلة ومفزعة.
معلومات تؤكِّد أن (ألمانيا) ستهاجم الاتحاد السوفيتي قريباً..
وعلى الرغم من ثقتهم التامة في عميلهم (سورج)، شكك بعض قادة الجيش السوفيتي في المعلومة، وبدا لهم أنه من غير المنطقي أن يشن (هتلر) حرباً على (روسيا)، في الوقت الذي انشغلت فيه قواته كلها بضرب العاصمة البريطانية (لندن)، لدفع الأسد البريطاني إلى الانهيار والاستسلام..

وفي الثاني والعشرين من يوينو 1941م، بدأ (هتلر) بالفعل عمليته (بارباروسا)؛ لغزو الاتحاد السوفيتي..

وهنا انمحت آخر ذرة شك، في براعة (سورج) وكفاءته، ودقة ما يرسله من معلومات..

وهنا أيضاً، بلغ نشاط الشبكة اليابانية ذروته، وراحت معلوماتها تنهال على (موسكو)؛ لتنقل إليها أسرار اليابانيين أوَّلاً بأوَّل؛ إذ كان أخشى ما تخشاه (موسكو)، هو أن يستغل اليابانيون حربها مع النازيين، للانقضاض عليها من الخلف..

ونشطت شبكة (سورج) بكل قوتها، للبحث عن جواب هذا التساؤل القلق..

وعلى الرغم من حذره الغريزي، ودقته الفائقة، وشكوكه اللامتناهية، في كل من يتعامل معه، وقع (سورج) في الخطأ الذي يمكن أن يقع فيه أي رجل، مهما بلغت هويته..

لقد التقى ذات يوم بالراقصة اليابانية الفاتنة (كيومي)، وانبهر بها، وبجمالها الفتّان، وسحرها الطاغي، وأطلق لغريزته العنان معها، على الرغم من أنه لم يبد من قبل أبداً أدنى اهتمام بمثل هذه الأمور، حتى أنه لم ينتبه إلى أمر بالغ الأهمية والخطورة..

لقد كانت (كيومي) تعمل في الواقع، لحساب مكتب الجاسوسية المضادة الياباني..

ولكن، وكجاسوس خبير ومحترف، واصل (سورج) عشق (كيومي)، دون أن يمنعه هذا من مواصلة عمله، بنفس الدقة والاهتمام، متحدياً كل المخاطر كالمعتاد..

ثم فجأة وقعت في يده أخطر معلومة، يمكن أن يحصل عليها جاسوس على الإطلاق..

معلومة من مصادر عسكرية يابانية مطلِّعة، تؤكِّد أن (اليابان) لا تنوي أبداً خوض الحرب، في الجبهة السيبيرية، مكتفية بحروبها في (الصين)
و(الهند الصينية)..

وكانت هذه المعلومة تساوي الكثير..
والكثير جداً..

مع وصول هذه المعلومة الخطيرة إلى (موسكو)، ومع ثقتها الشديدة في قوة عميلها (سورج) وخطورته، نظراً لتاريخه السابق كله، اتخذت القيادة السوفيتية قراراً بالغ الأهمية والخطورة..

لقد قرَّر قادة السوفيت سحب ما يقرب من مليوني جندي، من الجبهة السيبيرية، مع كل معداتهم، ودفعهم لمواجهة الألمان في الغرب..

وكان أخطر قرار تم اتخاذه، في تاريخ الحرب العالمية الثانية على الإطلاق؛ إذ أنه يترك الجبهة اليابانية عارية تماماً، ويلقي بثقل السوفيت كله على الجبهة الألمانية..
وكانت نقطة تحوّل حاسمة، ليس في مسار محاولة الألمان لغزو الاتحاد السوفيتي فحسب، ولكن في مسار الحرب العالمية الثانية كلها..

لقد انهزمت (ألمانيا) النازية، أمام جنود (موسكو) وتراجعت، وظلت تتراجع وتتراجع خلال السنوات التالية، حتى انهزمت هزيمة ساحقة في النهاية، واندحرت على الجليد السوفيتي، وانهارت قياداتها، والسوفيت يدفعونها أمامهم، حتى (برلين) نفسها..

وكانت الهزيمة ساحقة ماحقة، في ذلك الحين، هوى معها الرايخ الثالث من حالق، وتحطّمت أسطورته بمنتهى العنف، حتى أن الفوهلر العظيم (أدولف هتلر) آثر الانتحار، على الوقوع في قبضة السوفيت أو البريطانيين..

أما (سورج) نفسه، فبعد أن حقَّق أعظم انتصاراته، وأبلغ المخابرات السوفيتية بأعظم معلومة، في الحرب العالمية الثانية كلها، وقع في خطأ بسيط، تخلّى خلاله عن حذره الأسطوري، الذي لازمه طيلة عمره..

لقد قرأ ورقة تحوي بعض الأسرار العسكرية، أمام (كيومي)، ثم مزّقها وألقى بها في سلة القمامة، على الرغم من أن ألف باء الجاسوسية، يحتم حرق الورقة، أو التخلُّص منها بأية وسيلة حاسمة، ويحذر تماماً من إلقائها في سلة المهملات، أو وسط القمامة..

وانتبهت (كيومي) للأمر..
ولأنها عميلة مخلصة ومحترفة، قامت (كيومي) بواجبها، وأبلغت الكولونيل (أوزاكي)، الذي أمر رجاله بجمع كل قصاصة ورق، في سلة قمامة (سورج)، وفرزها، وتجميعها، وإعادة لصقها..
ثم واجهه بتلك الورقة، قبل شروق شمس اليوم التالي..
وهكذا سقط (سورج)..
وسقطت شبكته اليابانية كلها..

المدهش للغاية، أن تلك المعلومة الأخيرة، التي لم يجد (سورج) الوقت لإرسالها إلى (موسكو)، في تلك الفترة، والتي ألقي القبض عليه بسببها، كانت أيضاً كفيلة بتغيير مسار الحرب كلها..
كانت معلومة تقول: إن الطائرات اليابانية تعتزم الهجوم على ميناء (بيرل هاربور) الأمريكي، فجر السادس من نوفمبر التالي..

وعند محاكمة (سورج)، بدا شامخاً قوياً مهيباً كعادته، وبدت نظراته حادة صارمة، تخيف وترهب قضاته أنفسهم، حتى وهو يتلقَّى مع (أوزاكي) الحكم بإعدامهما رمياً بالرصاص..

وفى السابع من نوفمبر 1944م، تم تنفيذ حكم الإعدام في الدكتور (ريتشارد سورج)، خبير العلوم السياسية، ومراسل جريدة (زيتونج)، والجاسوس السوفيتي، الذي حمل لقباً فريداً، بين كل الجواسيس، الذين عرفهم التاريخ..
لقب (الأستاذ)..

ونُكّست الأعلام في الاتحاد السوفيتي كله، حداداً على مصرعه..
وتم إصدار طابع بريد يحمل صورته..

ولكن هذا لم يحسم أسطورته..

فلسبب ما بدأ يتردّد خفية أن (سورج) لم يلق مصرعه فعلياً، وأن اليابانيين قد أطلقوا سراحه، بموجب صفقة ما...

ولم تؤيد اليابان هذا أو تنفِه، ولكن الراقصة الفاتنة (كيومي) أنهت فقرتها ذات ليلة بفزع شديد، لتخبر صديقاتها، وهي ترتجف في رعب، أن (سورج) بين روّاد الحانة، وأنه عاد ليقتلها، جزاء ما فعلته به..
ولم يصدّقها أحد.

وماتت (كيومي) في حادث غامض ذات ليلة تالية، لتترك خلفها لغزاً يرتبط بأخطر الجواسيس قاطبة..

(سورج)..

(ريتشارد سورج) ..

صاحب الوجوه الثلاثة..

الغامضة