مشاهدة النسخة كاملة : الأسماء الحسنى ودلالتها التفصيلية على الصفات الإلهية (3)


خالد مسعد .
30-12-2009, 01:53 PM
1- الله عز وجل الرَّحْمَنُ
************************************************** ******************************
· دليل إحصاء الاسم وثبوته:
اسم الله الرحمن ورد في القرآن والسنة مطلقا معرفا ومنونا مفردا ومقترنا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية، وقد ورد المعنى مسندا إليه محمولا عليه كما جاء في قوله تعالى: } الرَّحْمَنُ عَلمَ الْقُرْآنَ { [الرحمن:1/2]، وقوله: } قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى { [الإسراء:110]، وقد ورد الاسم في خمسة وأربعين موضعا من القرآن اقترن في ستة منها باسمه الرحيم، ولم يقترن بغيره في بقية المواضع، قال تعالى: } هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ { [الحشر:22]، وقال عز وجل: } تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم { [فصلت:2] .
ومما ورد في السنة ما رواه أحمد وصححه الألباني من حديث ابنِ مَسْعُودٍ t أن النَّبِي e قَالَ: ( الْخَيْلُ ثَلاَثَةٌ، فَفَرَسٌ لِلرَّحْمَنِ وَفَرَسٌ لِلإِنْسَانِ وَفَرَسٌ لِلشَّيْطَانِ، فَأَمَّا فَرَسُ الرَّحْمَنِ فَالذِي يُرْبَطُ فِي سَبِيلِ اللهِ .. الحديث ) ([1] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn1))، وفي المسند أيضا وصححه الألباني من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ t أِنَّ النَّبِيَّ e قَالَ: ( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَل أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي .. الحديث ) ([2] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn2))، وكذلك من حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَنْبَشٍ t وصححه الألباني في دعائه صلي الله عليه وسلم : ( وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلاَّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ .. الحديث ) ([3] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn3)) .
· شرح الاسم وتفسير معناه:
الرحمن في اللغة صفة مشبهة وهي أبلغ من الرحيم، والرحمة في حقنا رقة في القلب تقتضي الإحسان إلى المرحوم وتكون بالمسامحة واللطف أو المعاونة والعطف، والرحمة تستدعي مرحوما فهي من صفات الأفعال ([4] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn4)) .
والرحمن اسم يختص بالله عز وجل ولا يجوز إطلاقه في حق غيره، والرحمن سبحانه هو المتصف بالرحمة العامة الشاملة حيث خلق عباده ورزقهم، وهداهم سبلهم، وأمهلهم فيما استخلفهم وخولهم، واسترعاهم في أرضه واستأمنهم في ملكه ليبلوهم أيهم أحسن عملا، ومن ثم فإن رحمت الله عز وجل في الدنيا وسعتهم جميعا فشملت المؤمنين والكافرين، والرحمة تفتح أبواب الرجاء والأمل، وتثير مكنون الفطرة وتبعث على صالح العمل، وتدفع أبواب الخوف واليأس، وتشعر الشخص بالأمن والأمان ([5] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn5)) .
والله عز وجل سبقت رحمته غضبه، ولم يجعل من واسع رحمته إلا جزءا يسيرا في الدنيا يتراحم به الناس ويتعاطفون حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، روى البخاري من حديث أبي هريرة t أنه سمع رسول الله e يقول: ( جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ ) ([6] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn6))، وفي رواية أخرى عند البخاري قال صلي الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الذِي عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ ) ([7] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn7)) .
وورد عند البخاري أيضا من حديث عُمَر بن الخطاب t أَنَّهُ قَالَ: ( قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ e بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ([8] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn8))، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ e : أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا: لاَ وَاللهِ وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم : لَلهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ) ([9] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn9)) .
فالرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن رحمة عامة تُظهر مقتضى الحكمة في أهل الدنيا فمن رحمته أنه أنعم عليهم ليشكروا ولكن كثيرا منهم جاحدون قال تعالى: } وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ { [القصص:73]، وقال: } وَهُوَ الذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً { [الفرقان:48] .
ولما كانت الرحمة التي دل عليها اسمه الرحمن رحمة عامة بالناس أجمعين فإن الله خص هذا الاسم ليقرنه باستوائه على عرشه في جميع المواضع التي وردت في القرآن والسنة قال تعالى: } الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى { [طه:5]، ومن حديث أبي هريرة t أنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قال: ( فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ) ([10] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn10))، وذلك لأن الله عز وجل فوق الخلائق أجمعين سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، فحياتهم قائمة بإذنه، وأرزاقهم مكنونة في غيبه، وبقائهم رهن مشيئته وأمره ومن ثم فإنه لا حول ولا قوة لهم إلا بقوته وحوله، فهو الملك وهو الرحمن الذي استوى على عرشه، ودبر أمر الخلائق في ملكه؛ فلا يستغني عنه في الحقيقة مؤمن أو كافر، قال تعالى: } الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً { [الفرقان:59] .
· دلالة الاسم على أوصاف الله:
اسم الله الرحمن يدل على ذات الله وعلى صفة الرحمة العامة بدلالة المطابقة، وعلى ذات الله وحدها بدلالة التضمن، وعلى صفة الرحمة وحدها بالتضمن، قال تعالى مبينا اتصافه بالرحمة العامة: } وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ بَل لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً { [الكهف:58]، فالرحمة في الآية صفة لا تقوم بنفسها ولكنها تقوم بالموصوف المسمى الرحمن الرحيم، غير أن دلالة الرحمن على هذه الرحمة العامة أقرب؛ وذلك لعمومها في الناس أجمعين؛ وقد ذكر الله عز وجل أنه بسببها أخر العذاب عن الكافرين، ولو كانت رحمة خاصة لأهلكهم أجمعين .
ومن الأدلة على تضمن اسم الله الرحمن للرحمة العامة قوله تعالى: } قُل مَنْ يَكْلؤُكُمْ بِالليْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَل هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ { [الأنبياء:42]، ومعنى يكلؤكم أي يحرسكم ويحفظكم؛ فلا يحتاج الناس إلى حافظ يحفظهم من الرحمن ذي الرحمة الواسعة ([11] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn11))، قال البيضاوي: ( وفي لفظ الرحمن تنبيه على أن لا كالئ غير رحمته العامة ) ([12] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn12)) .
وقال تعالى أيضا في دلالة اسم الله الرحمن على الرحمة العامة: } الرحمنُ علمَ القرآنَ خلقَ الإنسانَ علمَه البَيان { [الرحمن:1/3]، فخلق الإنسان وتعليمه البيان من قبل الرحمن يدل على أن ذلك من الرحمة العامة لأن لفظ الإنسان يتناول الجنس .
ومن الرحمة العامة التي دل عليها اسمه الرحمن قوله تعالى: } وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ { [القصص:73]، فالليل والنهار من رحمته وينتفع بهما جميع المكلفين، إمهالا وابتلاء من رب العالمين، ومن ثم تتحقق فيهم مشيئته، وتتجلى فيهم حكمته، وتستقيم الشرائع والأحكام ويتميز الحلال من الحرام، قال تعالى: } وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ { [يونس:21]، وفي المسند أيضا وصححه الألباني من حديث عبد الرحمن بن عوف t أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( قَالَ الله عَزَّ وَجَل: أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي اسْماً، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ ) ([13] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn13)) .
والخطاب في الحديث عام لجميع المكلفين، وعند البخاري من حديث أبي هريرة t أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ( جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ في الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلقُ حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ ) ([14] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn14)) .
واسم الله الرحمن يدل باللزوم على الحياة والقيومية والغنى والأحدية والعزة والصمدية والعلم والحكمة وكل ما يلزم للرحمة المطلقة العامة، لأنه لا يتصور وجود الرحمة من ميت أو زوال قدرته عليها، أو تناقصها وانعدام القيومية فيها، ولا يتصور أيضا من يمنح الرحمة وهو مفتقر إلى غيره وليس غنيا بذاته في قيام رحمته وعزته وقدرته وقوته، فلا بد لرحمته إذا من صمديته وسيادته، وأحديته وكماله في جميع الأوصاف، والاسم دل على صفة من صفات الفعل لأن الرحمة التي تضمنها تتعلق بمشيئته، كما أن بقاء المخلوقات في الدنيا على معنى الابتلاء صادر عنها وعن مقتضى حكمته، ولو شاء الله بقدرته وعزته لأذهب هذا الخلق وأوجد خلقا جديدا، لكن الرحمة العامة لحقت الناس أجمعين، فبها خلقهم ورزقهم وجعلهم ينعمون وهم في الدنيا مخيرون مبتلون، وكل ذلك إلى حين، ومن ثم فإن الرحمن عز وجل اسم يدل على صفة الرحمة، ورحمة الله للخلائق عامة من وجه، وخاصة من وجه آخر، بحسب الوقت المناسب لكل موجود في الكون وعلته، وإظهار حكمة الله عز وجل في أدائه لغايته .
· الدعاء باسم الله الرحمن دعاء مسألة:
ورد الدعاء بالاسم المطلق في استعاذة مريم ابنة عمران عندما تمثل لها جبريل بشرا سويا، وبشرها بعيسى عليه السلام قال تعالى: } قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّا { [مريم:18]، وهي تعني إن كنت تقيا تتقي الله وتخشى الاستعاذة وتعظمها فإني عائذة منك بالرحمن، أو فتتعظ بتعويذي ولا تتعرض لي؛ فجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله ([15] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn15))، وورد الدعاء أيضا بالاسم المطلق في قوله تعالى: } قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ { [الأنبياء:112] .
وروى أحمد وصححه الشيخ الألباني من حديث عبد الرحمن التميمي أن رجلا سأله كيف صنع رسول الله e حِين كادته الشياطين؟ قال: ( جَاءَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى رَسُولِ الله e مِنَ الأَوْدِيَةِ، وَتَحَدَّرَتْ عَلَيْهِ مِنَ الجِبَالِ، وَفِيهِمْ شَيْطَان مَعَهُ شُعْلَة مِنْ نَارٍ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ بِهَا وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم ، فَهَبَطَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قُل، قَالَ مَا أَقُولُ، قَالَ: قُل أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ الليْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلاَّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ، قَالَ: فَطَفِئَتْ نَارُهُمْ، وَهَزَمَهُمْ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) ([16] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn16)) .
وورد الدعاء بالاسم المضاف عند الطبراني وحسنه الألباني من حديث أنس بن مالك t أن رسول الله e قال لمعاذ بن جبل t: ( ألا أعلمُك دعَاء تدعو به لوْ كان عَليْك مثل جبل أحد دَيْنا لأدَّاه الله عنكْ، قل يا مُعاذ: اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ، تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَحمَن الدنْيا والآخِرَة ورحِيمَهُما، تُعطِيهما مَنْ تَشَاء وتمنَعُ مِنْهمَا مَنْ تَشَاء ارْحَمْني رَحمَة تُغْنيني بها عَن رِحْمَة مَنْ سِواك ) ([17] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn17)) .
أما دعاء المسألة بوصف الرحمة العامة الذي دل عليه اسمه الرحمن؛ فقد ورد في نصوص كثيرة، منها قوله تعالى: } وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ { [البقرة:286]، وقوله في البر بالوالدين على العموم: } وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً واخفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً { [الإسراء:23/24] .
وقال U في وصف عباده الموحدين: } إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ { [المؤمنون:109]، وقال تعالى: } وَقُل رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ { [المؤمنون:118]، وقال تعالى: } قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَالله خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ { [يوسف:64]، وروى البخاري من حديث عبد الله بن عمر t أن رسول الله e قال: ( اللهمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله، قَالَ: اللهمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ الله، قَالَ وَالمُقَصِّرِينَ ) ([18] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn18)) .
وجميع ما تقدم تعد أدلة صريحة في دعاء الله باسمه الرحمن دعاء مسألة، أو الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم، فيدعو المسلم بما يناسب حاجته ومطلبه؛ فيقول: اللهم إني أسألك يا رحمن أن ترحمني وأن ترحم والدي وسائر عبادك المسلمين يا أرحم الراحمين أو يقول: أعوذ بالرحمن وأستعين به من كل سوء وبلاء، ومن كل شر وشقاء، وغير ذلك مما يناسب حاله ومسألته .
· الدعاء باسم الله الرحمن دعاء عبادة:
دعاء العبادة باسم الله الرحمن هو امتلاء القلب بالرحمة والحب والحرص على ما ينفع عموم الخلق؛ فالرحمن رحمته عامة وتوحيد العبد للاسم في سلوكه يقتضي الرحمة العامة بعباد الله، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، فالمؤمنون يحب لهم ما يحب لنفسه فيوقر كبيرهم ويرحم صغيرهم ويجعل رحمته موصولة إليهم، يسعد بسعادتهم ويحزن لحزنهم، أما رحمته بالكافرين فيحرص على دعوتهم ويسهم في إخماد كفرهم والنار التي تحرقهم، ويجتهد في نصحهم والأخذ على أيدهم ولو بجهادهم في بعض المواطن، فلو علم الكافر ما ينتظره من العذاب لشكر كل من دعاه إلى تقوى الله ولو ساقه بسيوف الحق من بين يديه ومن خلفه، قال تعالى: } وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُول يَا ليْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُول سَبِيلاً يَا وَيْلتَي ليْتَنِي لمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَليلاً لقَدْ أَضَلنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ للإِنْسَانِ خَذُولاً { [الفرقان:27/29] .
أما الأدلة على ما سبق فقد روى أبو داود وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو t أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْل الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) ([19] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn19))، وفي زيادة صحيحة عند الترمذي: ( الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصَلهَا وَصَلهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللهُ ) ([20] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn20))، وفي المسند وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو t أن النبي صلي الله عليه وسلم قال وهو على المنبر: ( ارْحَمُوا تُرْحَمُوا وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللهُ لكُمْ، وَيْل لأَقْمَاعِ القَوْل، وَيْل للمُصِرِّينَ الذِينَ يُصِرُّونَ عَلى مَا فَعَلوا وَهُمْ يَعْلمُونَ ) ([21] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn21))، والأقماع هم الذين يسمعون القول ولا يعملون به، شبه النبي صلي الله عليه وسلم آذانهم بالأقماع المخرومة يصب فيها الكلام كصب الماء في الأقماع فلا تبقي شيئا ينتفع به ([22] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn22)) .
ومن دعاء العبادة التسمية بعبد الرحمن فهو أحب الأسماء إلى الله عز جل كما ثبت عند مسلم من حديث ابن عمر t أن رسول الله e قال: ( إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ) ([23] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn23))، ومن جهة التسمية فقد تسمى به كثير من المسلمين وعلى رأسهم عبد الرحمن بن عوف t (ت:32هـ) وهو من العشرة المبشرين بالجنة، هاجر الهجرتين وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ([24] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn24)) .
************************************************** ******************************
1. [/URL]المسند 1/395 (3756)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1508)، وصحيح الجامع (3350) .

2. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref1)السابق 1/191(1659)، وانظر السلسلة الصحيحة 2/49 (520) .

3. السابق 3/419 (15859)، وانظر السلسلة الصحيحة 2/495 (840) .

4. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref3)انظر تفصيل المعنى في لسان العرب 12/231، وكتاب العين 3/224 .

5. انظر فتح الباري 13/358 في معنى قول الحليمي: الرحمن هو مزيح العلل .

6. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref5)البخاري في الأدب، باب جعل الله الرحمة في مائة جزء 5/2236 (5654) .

7. البخاري في الرقاق، باب الرجاء مع الخوف 5/2374 (6104) .

8. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref7)هذه المرأة كانت مرضعة وعند الحرب فقدت طفلها وقد سبيت، وقد فعلت ذلك ليخفف ألم اللبن في ثديها فأخذت تبحث عن طفلها حتى وجدته فأخذته وضمته وأرضعته، فتح الباري 10/430 .

9. البخاري في الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته 5/2235 (5653)، ومسلم في التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه 4/2109 .

10. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref9)البخاري في التوحيد، باب وكان عرشه على الماء 6/2700 (6987) .

11. تفسير القرطبي 11/291، والبرهان في علوم القرآن 2/504 .

12. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref11)تفسير البيضاوي 4/95 .

13. السابق 1/191(1659)، وانظر السلسلة الصحيحة 2/49 (520) .

14. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref13)البخاري في كتاب الأدب، باب جعل الله الرحمة في مائة جزء 5/2236 (5654) .

15. تفسير البيضاوي 4/9، وتفسير الطبري 16/61 .

16. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref15)مسند الإمام أحمد 3/419 (15859)، السلسلة الصحيحة (840) .

17. الطبراني في الجامع الصغير 1/336 (558)، صحيح الترغيب والترهيب (1821) .

18. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref17)البخاري في الحج، باب الحلق والتقصير ثم الإحلال 2/616 (1640) .

19. أبو داود في الأدب، باب في الرحمة 4/285 (4941)، صحيح الجامع (3522) .

20. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref19)الترمذي في البر والصلة4/285 (4941)، السلسلة الصحيحة (925) والشجنة هي القرابة المتشابكة .

21. أحمد في المسند 2/165(6541)، صحيح الجامع (897) .

22. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref21)انظر بتصرف لسان العرب 8/ 295، والغريب لابن قتيبة 1/ 337 .

23. مسلم في كتاب الأدب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم 3/ 1682 (2132) .

24. [URL="http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref24"] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref23)انظر الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني 4/ 346 .

خالد مسعد .
31-12-2009, 03:39 PM
2- الله جل جلاله الرَّحِيمُ

************************************************** ******************************

· دليل إحصاء الاسم وثبوته:
اسم الله الرحيم تحققت فيه شروط الإحصاء، فقد ورد في القرآن والسنة مطلقا معرفا ومنونا، مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها، واسم الله الرحيم اقترن باسمه الرحمن كما تقدم في ستة مواضع من القرآن، وغالبا ما يقترن اسم الله الرحيم بالتواب والغفور والرءوف والودود والعزيز، وذلك لأن الرحمة التي دل عليها الرحيم رحمة خاصة تلحق المؤمنين، فالله عز وجل رحمته التي دل عليها اسمه الرحمن شملت الخلائق في الدنيا مؤمنهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم، لكنه في الآخرة رحيم بالمؤمنين فقط ([1] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn1))، ومما ورد في الدلالة على ثبوت اسم الله الرحيم قوله تعالى: } تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم { [فصلت:2]، وقوله سبحانه: } سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ { [يس:58]، وكذلك قوله عزوجل: } نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ { [الحجر:50] .
أما أدلة السنة فمنها ما رواه البخاري من حديث أَبِى بَكْرٍ الصديق رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: ( قُلِ اللهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ([2] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn2))، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث ابنِ عُمَرَرضي الله عنه قَالَ: ( إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَىَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) ([3] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn3)) .
·شرح الاسم وتفسير معناه:
الرحيم في اللغة من صيغ المبالغة، فعيل بمعنى فاعلٍ كسَمِيعٌ بمعنى سامِع وقديرٌ بمعنى قادر، والرحيم دل على صفة الرحمة الخاصة التي ينالها المؤمنون، فالرَّحْمَنُ الرحيم بنيت صفة الرحمة الأُولى على فعلان لأَن معناه الكثرة، فرحمته وسِعَتْ كل شيء وهو أَرْحَمُ الراحمين، وأَما الرَّحِيمُ فإِنما ذكر بعد الرَّحْمن لأن الرَّحْمن مقصور على الله عز وجل، والرحيم قد يكون لغيره، فجيء بالرحيم بعد استغراق الرَّحْمنِ معنى الرحْمَة لاختصاص المؤمنين بها كما في قوله: } وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيما ً{ [الأحزاب:43]، وقال عبد الله بن عباس t: ( هما اسمان رقيقان أَحدهما أَرق من الآخر ) ([4] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn4)) .
والرحمة الخاصة التي دل عليها اسمه الرحيم شملت عباده المؤمنين في الدنيا والآخرة فقد هداهم إلى توحيده وعبوديته، وهو الذي أكرهم في الآخرة بجنته، ومنَّ عليهم في النعيم برؤيته ([5] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn5))، ورحمة الله لا تقتصر على المؤمنين فقط؛ بل تمتد لتشمل ذريتهم من بعدهم تكريما لهم كما قال تعالى في نبأ الخضر والجدار:
} وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ { [الكهف:82]، فالإيمان بالله والعمل في طاعته وتقواه من أهم أسباب الرحمة الخاصة، قال تعالى: } وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلكُمْ تُرْحَمُونَ { [آل عمران:132]، وقال: } وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلكُمْ تُرْحَمُون { [الأنعام:155] ([6] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn6)) .
3- دلالة الاسم على أوصاف الله:
اسم الله الرحيم من جهة العلمية يدل على ذات الله، ومن جهة الوصفية يدل على صفة الرحمة الخاصة، فدلالته على الذات والصفة معا مطابقة، ودلالته على ذات الله وحدها تضمن، وعلى الصفة وحدها تضمن، قال تعالى: } يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنصَرُونَ إِلا مَن رَّحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ { [الدخان:38/42]، فالآية ورد فيها الاسم ودلالته على الوصف، وهذه رحمة خاصة بالمؤمنين تضمنها اسمه الرحيم، وقالت امرأة العزيز بعد توبتها: } وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ { [يوسف:53]، فالآية اشتملت على الاسم والوصف معا، وقال سبحانه وتعالى: } وَإِذَا جَاءَكَ الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُل سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ { [الأنعام:54]، ووجه الدلالة في أن الرحيم هو المتصف بالرحمة الخاصة أن الله عز وجل كتب على نفسه الرحمة لأنه الغفور الرحيم، ولا تلحق هذه الرحمة كما ورد في الآية إلا المؤمنين التائبين المصلحين، ومن الأدلة التي تتضمن الاسم ودلالته على الوصف معا قوله تعالى: } يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ { [الحديد:28]، وقال تعالى عن نبيه نوح u ومن ركب معه السفينة: } وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ { [هود:41]، ومعلوم أن من ركب السفينة هم أهل التوحيد والإيمان، وقال تعالى عن رحمته التي شملت أهل الجنان: } لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ { [يس:57/58]، والأدلة في ذلك كثيرة وتتبعها في القرآن والسنة يطول، فالرحيم ورد في أغلب النصوص على أنه المتصف بالرحمة الخاصة، والاسم يدل باللزوم على ما دل عليه اسمه الرحمن، ويدل أيضا على الأوصاف المتعلقة بالرحمة الخاصة لأن رحمة الله للمؤمنين تدل على اتصافه باللطف والحلم والرأفة، والكرم والإحسان والود، والمنة والعفو والرفق، وكل ما يرافق الرحمة الخاصة التي يرحم الله بها أهل طاعته، واسم الله الرحيم دل على صفة من صفات الأفعال لأنها تتعلق بمشيئته .
وتجدر الإشارة إلى أن اسمي الله الرحمن الرحيم يجتمعان في المعنى من جهة تعلقهما بالمشيئة، ويفترقان من جهة تعلقهما بالحكمة، فالرحمن دل على الرحمة العامة والرحيم دل على الخاصة، فمن الوجه الأول ورد الجمع بينهما في حديث أنس بن مالك t الذي رواه الطبراني وحسنه الألباني أن رسول الله e قال لمعاذ t: ( ألا أعَلمُك دُعاء تَدعو به لو كَان عليكَ مثل جبلِ أحدٍ دَيْنا لأدَّاه الله عنْكَ، قل يا معاذ: اللهمَّ مَالِكَ المُلكِ، تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، رَحمَن الدُنيا والآخِرَة ورَحيمَهما، تُعْطيهُما مَن تَشاء وتمنَعُ مِنْهما مَنْ تَشاء، ارحمني رَحمة تُغْنِيني بها عَن رَحمةِ مَنْ سِوَاك ) ([7] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn7))، فلما ذكر النبي e تعلق الرحمة بالمشيئة جمع بين الاسمين في المعنى، أما الوجه الثاني في تعلق الاسمين بالحكمة؛ فإن حكمة الله اقتضت أن تكون الدنيا قائمة على معنى الابتلاء ويناسبها الرحمة العامة، و أن تكون الآخرة قائمة على معنى الجزاء ويناسبها الرحمة الخاصة، والأدلة السابقة كافية في إظهار الفرق بينهما .
4- الدعاء بالاسم دعاء مسألة:
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في قوله تعالى عن إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام: } رَبَّنَا وَاجْعَلنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ { [البقرة:128]، وقوله تعالى في شأن موسى u: } قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ { [القصص:16]، وقوله سبحانه عن أهل الجنة: } إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ البَرُّ الرَّحِيمُ { [الطور:28]، ودعاء أهل الجنة يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة .
ومما ورد في السنة من الدعاء بالاسم المطلق ما رواه البخاري من حديث أبي بكرٍ t أنه قال للنبي e : ( عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: قُلِ اللهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ([8] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn8))، وعند النسائي وصححه الشيخ الألباني من حديث حنظلة بن علي رضي الله عنه أن محجن بن الأدرع حدثه: ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ e دَخَلَ المَسْجِدَ، إذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ، فَقَال َ: اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللهُ بِأَنَّكَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e : قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلاَثاً ) ([9] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn9))، وعند أبي داود وصححه الألباني عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أنه قال: ( صَلى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ فِي ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ وَأَنْتَ أَهْلُ الْوَفَاءِ وَالْحَمْدِ، اللهُمَّ فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ([10] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn10))، وعنده أيضا وصححه الألباني من دعاء ابن مسعود رضي الله عنه: ( اللهمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلاَمِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا قَابِلِيهَا وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا ) ([11] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn11)) .
ومما ورد من الدعاء بوصف الرحمة الخاصة الذي تضمنه اسم الله الرحيم قوله تعالى في شأن موسى عليه السلام: } قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ { [الأعراف:151]، وقوله عن أيوب عليه السلام: } وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ { [الأنبياء:83]، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( سَمِعَ النبي e رَجُلاً يَقْرَأُ في المَسْجِدِ؛ فَقَالَ: رَحِمَهُ الله، لَقَدْ أذكرني كَذَا وَكَذَا آيَةً، أَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا ) ([12] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn12))، وعنده في رواية أخرى قالت عائشة: (تَهَجَّدَ النبي صلي الله عليه وسلم في بيتي فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادٍ يُصَلِّي في المَسْجِدِ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَصَوْتُ عَبَّادٍ هَذَا؟، قُلتُ: نَعَمْ ، قَالَ: اللهمَّ ارْحَمْ عَبَّادًا ) ([13] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn13)) .
ومما يدل على دعاء المسألة مقتضى الطلب أو الخبر الذي يتضمنه كما ورد في قوله تعالى: } إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ الله وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ { [البقرة:218]، فالمسلم يقول: اللهم إني أرجو رحمتك إنك أنت الغفور الرحيم، وقوله: } وَمَنْ يَعْمَل سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَحِيماً { [النساء:110]، فيقول: اللهم إني عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، وقوله تعالى: } أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى الله وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ { [المائدة:74]، اللهم إني أتوب إليك وأستغفرك إنك أنت الغفور الرحيم .
5- الدعاء بالاسم دعاء عبادة:
دعاء العبادة باسم الله الرحيم هو امتلاء القلب برحمة الولاء ورقة الوفاء التي تدفع إلى حب المؤمنين وبغض الكافرين، وأسوتنا في ذلك هو سيد الخلق أجمعين، قال تعالى: } لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَليْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَليْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ { [التوبة:128]، وقد كان النبي صلي الله عليه وسلم رحيما بأصحابه رفيقا حبيبا قريبا صديقا، روى البخاري من حديث مالك بن الحويرث t أنه قال: ( أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ ليْلةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلى أَهَالينَا قَال: ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلمُوهُمْ وَصَلوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَليُؤَذّنْ لكُمْ أَحَدُكُمْ وَليَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ ) ([14] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn14))، وعند مسلم من حديث عياض t أن رسول اللهِ صلي الله عليه وسلم قَال ذات يوم في خطبته: ( وَأَهْل الجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ، ذُو سُلطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُل رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلبِ لكُل ذِي قُرْبَى، وَمُسْلمٍ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَال ) ([15] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn15))، فالطاعة تدفع إلى الرحمة والعفو والمغفرة، وتوحيد الله يستوجب الفوز والنجاة في الآخرة .
وممن تسمى عبد الرحيم أبو زياد المحاربي الكوفي عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن محمد (ت:211)، وأخرج له البخاري في صحيحه قال: ( حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ المُحَارِبِيُّ قَال: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيل عَنْ أَنَسٍ t قَال: أَخَّرَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم صَلاَةَ العِشَاءِ إِلى نِصْفِ الليْل، ثُمَّ صَلى ثُمَّ قَال: قَدْ صَلى النَّاسُ وَنَامُوا، أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا ) ([16] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn16)) .

1.انظر تفسير أسماء الله الحسنى لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد ص 28، نشر دار الثقافة العربية دمشق سنة 1974م، ومناهل العرفان في علوم القرآن، لمحمد عبد العظيم الزرقاني، 2/62 تحقيق مكتب البحوث الدراسات، الطبعة الأولى، نشر دار الفكر، بيروت، 1996.

2.البخاري في كتاب الدعوات، باب الدعاء قبل السلام 1/286 (799) .

3.أبو داود في كتاب الوتر، باب في الاستغفار 2/85 (1516)، وانظر صحيح أبي داود (1357) وانظر أيضا صحيح ابن ماجة 2/321 (3075)، والسلسلة الصحيحة (556) .

4.انظر بتصرف: لسان العرب 12/231، وتفسير القرطبي 1/106، وانظر المزيد حول هذا المعنى في المقصد الأسنى لأبي حامد الغزالي ص62، والأسماء والصفات للبيهقي ص69، وفتح الباري 13/358 .

5.انظر في هذا المعنى: تفسير ابن جرير الطبري 1/57، وفتح الباري 13/358 .

6.شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 4/538، وتفسير الطبري 16/7، وحاشية ابن القيم على سنن أبي داود 6/55، وجامع العلوم والحكم ص186 .

7.رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1821) .

8.البخاري في كتاب الدعوات، باب الدعاء قبل السلام 1/286 (799) .

9.النسائي في السهو، باب الدعاء بعد الذكر1/386 (1224)، صحيح أبي داود 2/185(869) .

10.أبو داود في الجنائز، باب الدعاء للميت 3/211 (3202)، صحيح أبي داود 2/617 (2742) .

11.أبو داود في الصلاة، باب التشهد 1/254 (969) .

12.البخاري في الشهادات، باب شهادة الأعمى وأمره ونكاحه وإنكاحه ومبايعته 2/940 (2512) .

13.الموضع السابق .

14.البخاري في كتاب الأذان، باب من قال ليؤذن في السفر مؤذن واحد 1/226 (602) .

15.مسلم في كتاب الجنة، باب التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار 4/2197 (2865) .

16.البخاري في مواقيت الصلاة، باب وقت العشاء إلى نصف الليل 1/209 (546) .

خالد مسعد .
01-01-2010, 04:07 PM
3- الله جل جلاله المَلِكُ
********************************
1- الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه:
اسم الله الملك ورد في القرآن والسنة مطلقا معرفا بالألف واللام مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية، وقد ورد المعنى مسندا إليه محمولا عليه، ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى: } هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُون َ{ [الحشر:23]، وقوله: } فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم ِ{ [المؤمنون:116] .
وعند مسلم من حديث عَلِىِّ رضي الله عنه في دعاء النبي صل الله عليه وسلم إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ: ( اللهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ .. الحديث ) ([1] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn1))، وعند البخاري من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صل الله عليه وسلم يَقُولُ: ( يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ وَيَطْوِى السماوات بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ ) ([2] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn2))، وعند مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ t أن رَسُولِ اللهِ صل الله عليه وسلم قَالَ: ( يَنْزِلُ اللهُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُل لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ الليْلِ الأَوَّلُ فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا المَلِكُ، مَنْ ذَا الذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ .. الحديث ) ([3] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn3)) .
2- الشرح والتفسير:
أصل الملك في اللغة الربط والشد، قال ابن فارس: ( أصل هذا التركيب يدل على قوة في الشيء وصحة، ومنه قولهم: ملكت العجين أملكه ملكا إذا شددت عجنه وبالغت فيه ) ([4] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn4))، والملك هو النافذ الأمر في ملكه، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره وتصرفه فيما يملكه، فالملك أعم من المالك ([5] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn5))، والملك الحقيقي هو الله وحده لا شريك له، ولا يمنع ذلك وصف غيره بالملك كما قال: } وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُل سَفِينَةٍ غَصْباً { [الكهف:79]، فهذا ملك مخلوق وملكه مقيد محدود، أما الملك الحق فهو الذي أنشأ الملك وأقامه بغير معونة من الخلق، وصرف أموره بالحكمة والعدل والحق، وله الغلبة وعلو القهر على من نازعه في شيء من الملك .
فالملك سبحانه هو الذي له الأمر والنهي في مملكته، وهو الذي يتصرف في خلقه بأمره وفعله، وليس لأحد عليه فضل في قيام ملكه أو رعايته، قال تعالى: } قُلِ ادْعُوا الذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ { [سبأ:22/23] .
وهذه الآية تضمنت نفي جميع الوجوه التي تعلل بها المشركون في التعلق بمعبوداتهم فنفت الآية عن آلهتهم كل أوجه التأثير في الكون ممثلة في نفي الملك التام، وذلك لانعدام ربوبيتهم فلا يخلقون في الكون شيئا، ولا يدبرون فيه أمرا، وكذلك نفي المشاركة لله في الملك بأن يكون لهم نصيب وله نصيب، فنفت عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في السماوات والأرض، ونفت أيضا وجود الظهير والمعين، فقد يدعى بعض المشركين أن آلهتهم لا يملكون شيئا ولا يشاركون الله في الملك لكنها تعد ظهيرا له أو معينا؛ أو مشيرا أو وزيرا يعاون الله في تدبير الخلق والقيام على شئونه، ثم نفي الله عنهم آخر ما تعلقوا به وهي الشفاعة من غير إذن، فقد جعلوا معبوداتهم وسطاء عند الله فقالوا: } مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى { [الزمر:3]، فأخبر سبحانه أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فهو الذي يأذن للشافع والمشفوع فيه، وهو الذي يحدد لهم نوعية الشفاعة ([6] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn6))، فالأدلة مجتمعة على أنه لا خالق للكون إلا الله، ولا مدبر له سواه، وأنه الملك الحق الدائم القائم بسياسة خلقه إلى غايتهم .
3- دلالة الاسم على أوصاف الله:
الملك اسم يدل على ذات الله وعلى صفة الملك بدلالة المطابقة، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن، وعلى الصفة وحدها بالتضمن، فالملك من بيده الملك المطلق التام الذي لا يشاركه أحد فيه، قال تعالى: } تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ المُلك وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { [الملك:1]، وقال سبحانه: } الذِي لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ { [الفرقان:2]، وقال أيضا: } ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ لَهُ المُلكُ وَالذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير ٍ{ [فاطر:13]، واسم الله الملك يدل باللزوم على الحياة والقيومية، والعلو والأحدية، والسيادة والصمدية، والعلم والمشيئة والقدرة والسمع والبصر والقوة، والعدل والحكمة والعظمة، فلا يتصور ملك دائم له الملك التام المطلق بغير هذه الصفات وغير ذلك من صفات الكمال، فالملك الحق هو الذي يستغني بذاته وصفاته عن كل ما سواه، ويفتقر إليه كل موجود سواه .
ومن أهم القضايا المتعلقة بدلالة اللزوم إثبات علو الملك وفوقيته واستوائه على عرشه، وإذا كان كل ملك في الدنيا يلزمه لإثبات ملكه أن يستوي على عرشه مع دوام فوقيته وعلوه، فالملك الخالق أولى بالكمال من المخلوق؛ لاسيما أن الله أثبت ذلك لنفسه فقال: } الرَّحْمَنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوَى { [طه:5]، فإثبات استواء الله على عرشه من لوازم توحيده في اسمه الملك، ولذلك قال تعالي: } فَتَعَالى اللهُ المَلكُ الحَقُّ لا إِلهَ إِلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيم ِ{ [المؤمنون:116]، واسم الله الملك دل على صفة من صفات الذات .
4- الدعاء بالاسم دعاء مسألة:
ورد الدعاء بالاسم المطلق فيما رواه مسلم من حديث علي بن أبي طالب t في دعاء النبي صل الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة: ( اللهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نفسي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ .. الحديث ) ([7] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn7)) ، وفي دعاء المسألة بالوصف قال الله تعالى: } قُلِ اللهمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { [آل عمران:26]، وقال عن يوسف عليه السلام: } رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلكِ وَعَلمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ { [يوسف:101]، وفي دعاء سليمان عليه السلام: } قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ { [ص:35] .
وعند البخاري من حديث المغيرة بن شعبة t أن رسول الله صل الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة إذا سلم: ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللهمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) ([8] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn8))، وروى مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم كان إذا أمسى قال: ( أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى المُلكُ للهِ، وَالحَمْدُ للهِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .. الحديث ) ([9] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn9))، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث جابر رضي الله عنه في وصف حجة رسول الله e أنه قال: ( ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ: } إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ { [البقرة:158]، نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِىَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ الله وَهَللَهُ وَحَمِدَهُ، وَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قَدِيرٌ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ ) ([10] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn10)) .
5- الدعاء بالاسم دعاء عبادة:
دعاء العبادة هو أثر الإيمان بتوحيد الله في اسمه الملك، ويتجلى ذلك في تعظيم الملك ومحبته، وموالاته وطاعته، وتوحيده في عبوديته، والاستجابة لدعوته، والغيرة على حرمته، ومراقبته في السر والعلن، ورد الأمر إليه، وحسن التوكل عليه، ودوام الافتقار إليه، وأعظم جرم في حق الملك الأوحد منازعته على ملكه أو نسبة شيء منه إلى غيره، فصانع الشيء ومؤلفه هو مالكه المتصرف فيه، ولو اعتدى أحد عليه بسلب ملكه ونسبته إلى نفسه أو غيره، سواء بالفعل أو بالادعاء لكان ظالما مدعيا ما ليس له بحق، ومن ثم فإن الله عز وجل وله المثل الأعلى لما كان منفردا بالخلق والأمر وله كمال الملك من جهة الأصالة والاستحقاق، فإنه من الظلم العظيم أن يدعي أحد من الخلق ما ليس له بحق في أي معنى من معاني الربوبية، كما فعل فرعون وهامان وقارون والنمرود بن كنعان، أو ينسب لنفسه الملك على وجه الأصالة لا على وجه الأمانة والامتحان، فالإنية الشركية كانت ولا تزال مصدرا للظلم والطغيان وسوء الخاتمة، قال U: } الذِينَ آمَنُوا وَلمْ يَلبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلمٍ أُولئِكَ لهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ { [الأنعام:81/82]، روى البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية قال: ( قُلنَا يَا رَسُول اللهِ: أَيُّنَا لاَ يَظْلمُ نَفْسَهُ؟ قَال: ليْسَ كَمَا تَقُولونَ: لمْ يَلبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلمٍ بِشِرْكٍ، أَوَلمْ تَسْمَعُوا إِلى قَوْل لقْمَانَ لاِبْنِهِ: } يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لظُلمٌ عَظِيمٌ { ) ([11] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn11))، فالموحد يغار على الملك الأوحد أن يرى غيره يعبد في مملكته، ولذلك كان الشرك قبيحا في قلوب الموحدين، وكان توحيد الله عز وجل زينة حياة الموحدين .
أما من جهة التسمية بعبد الملك والتعبد بهذا الاسم فكثير من السلف ورواة الحديث تسموا به، منهم عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، من صغار التابعين وهو ثقة، روى عنه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: ( لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ ) ([12] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn12)) .

1. [/URL]مسلم في صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/535 (771) .

2. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref1)البخاري في التفسير، باب قوله والأرض جميعا قبضته 4/1812 (4534) .

3. مسلم في صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء 1/522 (758) .

4. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref3)انظر المغرب في ترتيب المعرب لابن المطرز 2/ 274، وانظر أيضا: النهاية في غريب الحديث 4/359 ولسان العرب 10/ 495، ومفردات ألفاظ القرآن ص472 بتصرف .

5. تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص30 .

6. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref5)مجموع الفتاوى 11/528، والصواعق المرسلة 2/462 .

7. مسلم في صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/535 ( 771) .

8. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref7)البخاري في الدعوات، باب الدعاء بعد الصلاة، 5/2332 ( 5971) .

9. مسلم في الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل 4/2088 ( 2723) .

10. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref9)ابن ماجة في المناسك، باب حجة رسول الله S 2/1022 (3074)، مشكاة المصابيح (2555) .

11. البخاري في أحاديث الأنبياء، باب قوله واتخذ الله إبراهيم خليلا 3/1226(3181) .

12. [URL="http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref12"] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref11)انظر مصنف عبد الرزاق 5/406، ومعرفة الثقات 2/101، والحديث رواه البخاري في كتاب الأشربة، باب النهبى بغير إذن صاحبه 2/875 (2343) .

خالد مسعد .
03-01-2010, 01:26 PM
الله جل جلاله القُدُّوسُ


1- الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه:
ورد الاسم في القرآن مطلقا معرفا ومنونا مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها، وقد ورد المعنى مسندا إليه محمولا عليه في موضعين من القرآن، الأول في قوله تعالى: } هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ { [الحشر:23]، والثاني في قوله: } يُسَبِّحُ لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ المَلِكِ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ { [الجمعة:1]، ومن السنة ما ورد عند مسلم من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلي الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: ( سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ ) ([1] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn1))، وفي سنن أبي داوود وقال الألباني حسن صحيح من حديث شَرِيقٌ الهَوْزَنِي رضي الله عنه عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم إِذَا هَبَّ مِنَ الليْلِ كَبَّرَ عَشْرًا وَحَمِدَ عَشْرًا، وَقَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَشْرًا، وَقَالَ: سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ عَشْرًا وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا وَهَللَ عَشْرًا .. الحديث ) ([2] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn2)) .
2- الشرح والتفسير:
التقديس في اللغة التطهير، ومنه سميت الجنة حظيرة القدس كما ورد عند البزار من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال عن رب العزة: ( من ترك الخمر وهو يقدر عليه لأسقينه منه في حظيرة القدس، ومن ترك الحرير وهو يقدر عليه لأكسونه إياه في حظيرة القدس ) ([3] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn3))، وكذلك سمى جبريل عليه السلام روح القدس قال تعالى: } قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ { [النحل:102] ([4] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn4)) .
والقداسة تعني الطهر والبركة، وقدس الرجل ربه أي عظمه وكبره، وطهر نفسه بتوحيده وعبادته، ومحبته وطاعته , ومن ذلك قول الملائكة: } وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ { [البقرة:30]، فالقدوس لغة يعني المطهر المنزه عن كل نقص المتصف بكل أنواع الكمال ([5] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn5)) .
والقدوس سبحانه هو المنفرد بأوصاف الكمال الذي لا تضرب له الأمثال، فهو المنزه المطهر الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، والتقديس الذي هو خلاصة التوحيد الحق إفراد الله سبحانه بذاته وأصافه وأفعاله عن الأقيسة التمثيلية والقواعد الشمولية والقوانين التي تحكم ذوات المخلوقين وأصافهم وأفعالهم، فالله عز وجل نزه نفسه عن كل نقص فقال: } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ { [الشورى:11]، فلا مثيل له نحكم على كيفية أوصافه من خلاله، ولا يستوي مع سائر الخلق فيسري عليه قانون أو قياس أو قواعد تحكمه كما تحكمهم لأنه القدوس المطهر المتصف بالتوحيد المنفرد عن أحكام العبيد، ثم أثبت الله لنفسه أوصاف الكمال والجمال؛ فقال سبحانه بعد نفي النقص مطلقا وجملة: } وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ { [الشورى:11] فلا يكون التقديس تقديسا ولا التنزيه تنزيها إلا بنفي وإثبات، ومن ثم لا يجوز في حق الله قياس تمثلي أو شمولي وإنما يجوز في حقه قياس الأولى لقوله تعالى: } وَلِلهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى { [النحل:60] ([6] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn6)).
3- دلالة الاسم على أوصاف الله:
اسم الله القدوس يدل على ذات الله وعلى صفة القدسية كوصف ذات والتقديس كوصف فعل بدلالة المطابقة، فالله عز وجل مقدس في ذاته منزه عن كل نقص وعيب لأنه متصف بكل أنواع الكمال، وهو المستحق للتقديس والعظمة والجلال ولذلك قالت الملائكة: } وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ { [البقرة:30] .
وهو سبحانه أيضا يقدس من شاء من خلقه وفق مراده وحكمه، فالتقديس وصف فعله كما ورد في حديث ابن مسعود t أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ الله عَزَّ وَجَل لاَ يُقَدِّسُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهِمْ حَقُّهُ ) ([7] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn7))، وفي رواية أبي سفيان بن الحارث t: ( إِنَّ الله لاَ يُقَدِّسُ أُمَّةً لاَ يَأْخُذُ الضَّعِيفُ حَقَّهُ مِنَ القَوِىِّ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتَعٍ ) ([8] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn8))، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( كَيْفَ يُقَدِّسُ الله أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ ) ([9] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn9)) .
واسم الله القدوس يدل على ذات الله وحدها بالتضمن، وعلى الصفة وحدها بالتضمن وعليهما معا بالمطابقة، ويدل باللزوم على الحياة والقيومية، والعلو والأحدية والغني والصمدية، والملك والفوقية، وكل ما يلزم لمعنى القدسية ونفي الشبيه والمثلية فلا بد لمن تزه عن كل نقص وعيب من الغنى بالنفس وعلو الشأن في كل اسم ووصف، واسم الله القدوس دل على صفة من صفات الذات والأفعال.
4- الدعاء بالاسم دعاء مسألة:
ورد الدعاء بالاسم المطلق عند أبي داود وقال الألباني: حسن صحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم إِذَا هَبَّ مِنَ الليْلِ كَبَّرَ عَشْرًا وَحَمِدَ عَشْرًا، وَقَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ عَشْرًا، وَقَالَ: سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُّوسِ عَشْرًا وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا، وَهَللَ عَشْرًا، ثُمَّ قَالَ: اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا وَضِيقِ يَوْمِ القِيَامَةِ عَشْرًا، ثُمَّ يَفتَتِحُ الصَّلاَةَ ) ([10] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn10))، وعند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: ( سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ ) ([11] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn11))، وهو دعاء ثناء ومدح له وجه في دعاء المسألة .
ومما ورد في الدعاء بالوصف الذي تضمنه الاسم ما رواه البيهقي وصححه الألباني من حديث بريدة t قال: ( لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ لَقِيَهُ النبي صلي الله عليه وسلم فقال: أخبرني بِأَعْجَبِ شيء رَأَيْتَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، قَالَ: مَرَّتِ امْرَأَةٌ عَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ فِيهِ طَعَامٌ؛ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ فَأَصَابَهَا فَرَمَى بِهِ؛ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَهِي تُعِيدُهُ في مِكْتَلِهَا، وَهِي تَقُولُ: وَيْلٌ لَكَ يَوْمَ يَضَعُ الْمَلِكُ كُرْسِيَّهُ فَيَأْخُذُ لِلمَظْلُومِ مِنَ الظالِمِ فَضَحِكَ النبي صلي الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ؛ فَقَالَ: كَيْفَ تُقَدَّسُ أَمَّةٌ لاَ تَأْخُذُ لِضَعِيفِهَا مِنْ شَدِيدِهَا حَقَّهُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتَعٍ ) ([12] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn12))، وفي رواية قال بريدة: ( كيف يقدس الله أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها ) ([13] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn13)) .
5- الدعاء بالاسم دعاء عبادة:
يتجلى توحيد المسلم لربه في اسمه القدوس من خلال تنزيهه عن أقيسة التمثيل والشمول التي تحكمنا وتحكم أوصافنا، كما أنه ينزه الله عن وصف العباد له إلا ما وصف المرسلون، قال تعالى: } سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلى المُرْسَلينَ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ { [الصافات:182]، فيصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلي الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ويعلم أن ما وُصِف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي، لاسيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق وأفصحهم في البيان والدلالة والإرشاد، وهو سبحانه مع ذلك ليس كمثله شيء لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته ولا في أفعاله ([14] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn14)) .
ومن دعاء العبادة أيضا أن ينزه المسلم نفسه عن المعاصي والذنوب، ويطلب المعونة من ربه أن يحفظه في سمعه وبصره وبدنه من جميع النقائص والعيوب .
أما من جهة التسمية بعبد القدوس فقد تسمى به عبد القدوس بن الحجاج أبو مغيرة الخولاني الحمصي (ت:212)، روى البخاري عنه قال: ( حَدَّثَنَا أَبُو المُغِيرَةِ عَبْدُ القُدُّوسِ بْنُ الحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ ) ([15] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn15)) .
********************************
5- الله جل جلاله السَّلامُ
********************************
1- الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه:
لم يرد الاسم في القرآن إلا في موضع واحد وهو قوله تعالى: } هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ { [الحشر:23]، وفي هذا الموضع ورد مطلقا معرفا مرادا به العلمية ومسندا إليه المعنى محمولا عليه ودالا على الوصفية وكمالها .
وعند البخاري من حديث ابن مسعود t قال: ( كُنَّا إِذَا صَليْنَا خَلفَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قُلنَا: السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَالتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ S فَقَالَ: إِنَّ اللهَ هُوَ السَّلاَمُ .. الحديث ) ([16] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn16))، وفي صحيح مسلم من حديث ثَوْبَانَ رضي الله عنه أنه قَالَ: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ: اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) ([17] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn17))، وفي صحيح الجامع من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( ‌إن السلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم ) ([18] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn18)) .
2- الشرح والتفسير:
السلام في اللغة مصدر استعمل اسما للموصوف بالسلامة، فعله سلم يسلم سلاما وسلامة، والسلامة الأمن والأمان والحصانة والاطمئنان، والبراءة من كل آفة ظاهرة وباطنة، والخلاص من كل مكروه وعيب ([19] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn19))، ومادة السلام تدل على الخلاص والنجاة، وقيل للجنة دار السلام لأنها دار السلامة من الهموم والآفات، باقية بنعيمها وأهلها في أمان ما دامت السماوات والأرض، قال تعالى: } لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ { [الأنعام:127] ([20] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn20))، ومن السلامة أيضا التحية الخالصة من سوء الطوية وخبث النية، فسميت التحية في الإسلام سلاما، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: ( خَلَقَ الله آدَمَ وَطولهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، ثمَّ قال اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فقال السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ ) ([21] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn21)) .
والله عز وجل هو السلام لسلامته من النقائص والعيوب، فهو الذي سَلَِم في ذاته بنوره وجلاله، فمن جماله وسبحات وجهه احتجب عن خلقه رحمة بهم وابتلاء لهم روى مسلم من حديث أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أن النبي قال صلي الله عليه وسلم : ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) ([22] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn22))، وهو الذي سَلَِم في صفاته بكمالها وعلو شأنها، وسلم أيضا في أفعاله بإطلاق قدرته وإنفاذ مشيئته، وكمال عدله وبالغ حكمته، وهو سبحانه الذي يدعو عباده إلى السلامة وإفشاء السلام فأثنى على عباده في قوله: } وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً { [الفرقان:63]، وهو الذي يدعو إلى سبل السلام باتباع منهج الإسلام كما قال: } يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ { [المائدة:16]، وهو سبحانه الذي يدعو عباده إلى دار السلام ويبلغ من استجاب منهم إليها فقال: } وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { [يونس:25]، فكل سلامة منشأها منه وتمامها عليه ونسبتها إليه ([23] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn23)) .
3- دلالة الاسم على أوصاف الله:
هذا الاسم يدل على ذات الله وعلى صفة السلامة كوصف ذات والتسليم كوصف فعل بدلالة المطابقة، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن، وعلى الصفة وحدها بالتضمن، فالسلامة وصف ذاته لسلامته من النقائص والعيوب، ووصف فعله لأنه سلم من شاء من خلقه على مقتضى حكمته وأمره، فهو جل شأنه السلام ومنه السلام، روى مسلم من حديث ثوبان t مرفوعا: ( اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) ([24] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn24))، وهو الذي سلم أهل الجنة من كل ما ينغص عيشهم أو يكدر صفوهم، وجعل السلام أيضا من قوله لهم، قال تعالى: } لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ { [الأنعام:127]، وقال سبحانه: } سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ { [يس:58]، واسم الله السلام يدل باللزوم على الحياة والقيومية والعزة والقدسية، والغني والصمدية، والحكمة والأحدية، وغير ذلك من صفات الكمال، واسم الله السلام دل على صفة من صفات الذات والأفعال .
4- الدعاء بالاسم دعاء مسألة:
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق عند مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه أنه قال: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ: اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ) ([25] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn25)) .
وورد الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم فيما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله e قال: ( فَيَأْتِيهِمُ الله فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظهراني جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ وَلاَ يَتَكَلمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلاَّ الرُّسُلُ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللهمَّ سَلّمْ سَلّمْ ) ([26] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn26))، وعند مسلم من حديث حذيفة بن اليمان t أن رسول الله e قال: ( وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلمْ سَلمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يجيء الرَّجُلُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفًا ) ([27] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn27))، ومن الدعاء بمقتضى الاسم ما رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلمكان إذا رأى الهلال قال: ( اللهمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، رَبِّي وَرَبُّكَ الله ) ([28] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn28)) .
5- الدعاء بالاسم دعاء عبادة:
أثر الإيمان بتوحيد الله في اسمه السلام أن يكف المسلم نفسه عن إخوانه فيسلموا من أذيته ويحرص على جيرانه وقرابته، روى البخاري من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( المُسْلمُ مَنْ سَلمَ المُسْلمُونَ مِنْ لسَانِهِ وَيَدِهِ ) ([29] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn29))، وروى البخاري أيضا من حديث أبي شرح t أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ، قِيل: وَمَنْ يَا رَسُول اللهِ؟ قَال: الذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ ) ([30] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn30)) .
ومن ذلك أيضا أن يفشي السلام بين العباد، ويلتزم بتحية الإسلام، روى الطبراني وصححه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( السَّلاَمُ اسْم مِن أسماءِ الله فأفشُوه بَينكم ) ([31] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn31))، وعند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي eصلي الله عليه وسلم قال: ( خَلقَ اللهُ آدَمَ عَلى صُورَتِهِ، طُولهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلمَّا خَلقَهُ قَال: اذْهَبْ فَسَلمْ عَلى أُولئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلاَئِكَةِ جُلوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَال: السَّلاَمُ عَليْكُمْ، فَقَالوا السَّلاَمُ عَليْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللهِ، فَكُل مَنْ يَدْخُل الجَنَّةَ عَلى صُورَةِ آدَمَ، فَلمْ يَزَل الخَلقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ ) ([32] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn32)) .
وفي الجملة ينبغي على المسلم أن يسلك سبل السلام التي تؤدي إلى دار السلام قال الله عز وجل: } يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُل السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { [المائدة:16]، وقال: } وَاللهُ يَدْعُو إِلى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { [يونس:25] .
أما من جهة التسمية بعبد السلام فقد تسمى به كثير منهم أبو بكر عبد السلام بن حرب (ت:187)، أخرج عنه البخاري، قال: ( حَدَّثَنَا الفَضْل بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالتْ: قَال النَّبِي صلي الله عليه وسلم : ( لاَ يَحِل لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلى زَوْجٍ ) ([33] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn33)) .
********************************

1. [/URL]مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود1/353 (487) .

2. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref1)أبو داود في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح 4/322 (5085)، صحيح أبي داود 3/958 (4242) .

3. مسند البزار 3/181 (3584) والحديث صحيح لغيره، انظر صحيح الترغيب والترهيب (2375) .

4. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref3)تفسير البيضاوي 3/420، ودقائق التفسير لابن تيمية 1/310 .

5. لسان العرب 6/168، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص94، والمقصد الأسنى ص65 .

6. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref5)انظر مختصر القواعد السلفية في الصفات الربانية للمؤلف، محذورات القاعدة الأولى ص 13 .

7. انظر صحيح الجامع حديث رقم (1858) .

8. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref7)السابق حديث رقم (1857) .

9. ابن ماجة في الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 2/1329 (4010)، وانظر تصحيح الشيخ الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة (582) .

10. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref9)أبو داود في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح 4/322 ( 5085) .

11. مسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود1/353 (487) .

12. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref11)سنن البيهقي الكبرى 6/95 (11294)، وانظر ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم (582) .

13. صحيح الجامع (4597) .

14. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref13)انظر في ذلك: الأربلية ضمن مجموع فتاوى ابن تيمية 5/195، والعقيدة الأصفهانية 2/25، والعقيدة الواسطية 3/130، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 11/250، والكيلانية 12/446، وقاعدة في الكلام علي المرشدة 11/480 .

15. البخاري في كتاب الأشربة، باب تزويج المحرم 2/652 (1740) .

16. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref15)البخاري في كتاب الأذان، باب التشهد في الآخرة 1/286 (797) .

17. مسلم في كتاب المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 (591) .

18. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref17)صحيح الجامع 11/131، وانظر الأدب المفرد، باب السلام اسم من أسماء الله 1/343 (989) .

19. لسان العرب 12/289، والمغرب في ترتيب المعرب 1/411 .

20. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref19)اشتقاق أسماء الله للزجاج ص216 .

21. البخاري في أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم صلوات الله عليه 3/1210 (3148) .

22. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref21)مسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام1/161 (179) .

23. شرح أسماء الله الحسنى للرازي ص196، والأسماء والصفات للبيهقي ص53، والمقصد الأسنى ص67 .

24. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref23)مسلم في كتاب المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 (591) .

25. مسلم في كتاب المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 (591) .

26. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref25)البخاري في الأذان، باب قول الله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة 6/2704 (7000) .

27. مسلم في الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها 1/187 (195) .

28. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref27)الترمذي في الدعوات، باب ما يقول عند رؤية الهلال 5/405 (3451) والسلسلة الصحيحة (1816) .

29. البخاري في الأشربة، باب الانتهاء عن المعاصي 5/2379 (6119) .

30. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref29)البخاري في الاستئذان، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه 5/2240 (5670) .

31. المعجم الأوسط 3/231 (3008)، صحيح الجامع (3697) .

32. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref31)البخاري في كتاب الأدب، باب بدء السلام 5/2299 (5873) .

33. [URL="http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref33"]البخاري في الطلاق، باب الكحل للحادة 5/2043 (5025) .

خالد مسعد .
14-01-2010, 08:04 PM
6- الله جل جلاله المُؤْمِنُ
********************************
1- الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه:
ورد الاسم في القرآن الكريم في موضع واحد وهو قوله تعالى: } هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ { [الحشر:23]، وفي هذا الموضع كما سبق في اسمه السلام ورد مطلقا معرفا مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها، هذا بالإضافة إلى الإسناد إليه وحمل المعنى تابعا عليه، ولم يرد في السنة إلا في أحاديث سرد الأسماء عند الترمذي من طريق الوليد بن مسلم، وعند ابن ماجة من طريق عبد الملك الصنعاني وعند غيرهما أيضا، وهذه الأسماء مدرجة في الأحاديث وتعيينها ليس من كلام النبي صلي الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بحديثه، وإن كانت آية الحشر كافية شافية في إثبات الاسم وإحصائه .
2- الشرح والتفسير:
المؤمن في اللغة اسم فاعل للموصوف بالإيمان، وأصله أمن يأمن أمنا، والأمن ما يقابل الخوف، والإيمان في حقنا هو تصديق الخبر تصديقا جازما، وتنفيذ الأمر تنفيذا كاملا، فمن الأول قول إخوة يوسف u لأبيهم: } وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ { [يوسف:17]، ومن الثاني ما رواه البخاري من حديث ابن عباس t في وفد عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَ صلي الله عليه وسلم قَالَ لهم: ( أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ ) ([1] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn1))، أما اسم الله المؤمن ففيه عدة أقوال يدل عليها الاسم ويشملها لأنها جميعا من معاني الكمال الذي اتصف به رب العزة والجلال:
القول الأول: أنه الذي أمَّنَ الناس ألا يظلم أحدا من خلقه، وأمَّن من آمن به من عذابه، فكل سينال ما يستحق، قال تعالى: } إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيما ً{ [النساء:40]، وقال: } وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً { [الكهف:49] ([2] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn2)) .
القول الثاني: أن المؤمن هو المجير الذي يجير المظلوم من الظالم، بمعنى يؤمنه من الظلم وينصره ([3] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn3))، كما قال: } قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ { [المؤمنون:88]، وقال: } قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ { [الملك:28]، أي لن يجدوا ملاذا ولا مأمنا، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَبِي هُرَيْرَة t أَن النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم كَانَ يَقول: ( اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلةِ وَالذلةِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ) ([4] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn4)) , وعند البخاري ومسلم من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري t أن رَسُول اللهِ e قال: ( إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفلِتْهُ، قَالَ ثُمَّ قَرَأَ: } وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرَى وَهي ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ { ) ([5] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn5)) .
القول الثالث: أن المؤمن هو الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه، لأنه الواحد الذي وحد نفسه فقال: } شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِما بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ { [آل عمران:18] ([6] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn6))، وهذه الآية تحمل أعظم المعاني في كشف حقيقة التوحيد وكيف خلق العباد من أجله؟
وبيان ذلك أننا لو فرضنا بقياس الأولى ولله المثل لأعلى طلابا وأساتذة ومقررا واختبارا، وبعد الاختبار تنازع المجتهدون من الطلاب مع الكثرة الغالبة في صحة ما أجابوا به، فزعم الخاسرون أنهم على الصواب وأن إجابتهم توافق المنهج المقرر في الكتاب وأن المجتهدين من الطلاب هم المخطئون في إجابتهم، ثم بالغوا وطلبوا شهادة أستاذهم، فشهد بخطئهم وصحة جواب المجتهدين، فكذبوا أستاذهم وطلبوا شهادة الأعلى من المتخصصين، فشهدوا لأستاذهم وللطلاب المجتهدين، فكذبوهم وطلبوا شهادة من وضع الاختبار، ومن يرجع إليه القرار، وأقروا على أنفسهم أن شهادته ملزمة لهم وأنها فصل المقال، فشهد من وضع الاختبار بصحة جواب المتخصصين والأساتذة والطلاب المجتهدين وكانت شهادته للجميع إخبارا وتصديقا وقولا فصلا وإعلاما وحٌكما عدلا لا مجال لرده ولا معقب لحكمه .
إذا علم ذلك فالله عز وجل وله المثل الأعلى جعل قضية الخلق هي شهادة ألا إله إلا الله وأنه لا معبود بحق سواه، وجعل أحكام العبودية أو الأحكام الشرعية هي المنهج المقرر على طلاب السعادة في هذه الدنيا كما قال: } قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ { [البقرة:38]، فإذا أهمل طلاب السعادة منهج الهداية، وجعلوا سعادتهم في عبودية الشهوات والشبهات وتناسوا مرحلة الابتلاء والكفاح والرغبة في النجاح والفلاح، وتسببوا في ضلالهم بمخالفتهم رسلهم، ثم أعلنوا زورا وبهتانا أنهم كانوا على الصواب، وأنهم الكثرة الغالبة عند الحساب، وأنهم أجابوا بادعائهم وفق ما تقرر في الكتاب، فكذبوا على أنفسهم كما ذكر الله في شأنهم: } ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَل عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُون { [الأنعام:23/24]، وهنا شهد أولو العلم وشهدت الملائكة بضلال المشركين وصحة ما جاء عن رسلهم، وشهد الله بصدق المرسلين وخسران المشركين تصديقا للموحدين وإنصافا لمذهبهم وتكذيبا لأعدائهم وتصديقا للملائكة وأولي العلم، فهو سبحانه المؤمن الذي شهد أنه لا إله إلا هو، وأن هذه الكلمة هي كلمة الحق وحقيقة التوحيد وأنها رد على جميع من ضل من العبيد، فتضمنت كلمة التوحيد أجل شهادة وأعظمها وأعدلها وأصدقها من أجل شاهد بأجل مشهود به، فشهادة الله سبحانه لنفسه بالوحدانية والقيام بالقسط تضمنت عند السلف أربع مراتب، علمه سبحانه بذلك وتكلمه به وإعلامه وإخباره لخلقه وأمرهم وإلزامهم به، وعبارات السلف في الشهادة تدور على الحكم والقضاء والإعلام والبيان والإخبار، وهذه الأقوال كلها حق لا تنافي بينها فإن الشهادة تتضمن كلام الشاهد وخبره، وتتضمن إعلامه وإخباره وبيانه ([7] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn7)) .
القول الرابع: أن المؤمن هو الذي يصدق مع عباده المؤمنين في وعده، ويصدق ظنون عباده الموحدين ولا يخيب آمالهم ([8] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn8))، قال تعالى: } قُلْ صَدَقَ الله فَاتَّبِعُوا مِلةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ { [آل عمران:95]، وقال: } ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ { [الأنبياء:9]، وعند البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t مرفوعا: ( يَقُولُ الله تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي .. الحديث ) ([9] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn9))، وعند النسائي وصححه الألباني من حديث ابْن عُمَرَ t أنه قال: ( قَامَ رَسُول اللهِ صلي الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكة عَلَى دَرَجَةِ الْكعْبَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأثنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلهِ الذِي صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ) ([10] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn10))، فالمؤمن في أسماء الله هو الذي يصدق في وعده وهو عند ظن عبده لا يخيب أمله ولا يخذل رجاءه، وجميع المعاني السابقة حق يشملها تفسير الاسم .
3- دلالة الاسم على أوصاف الله:
اسم الله المؤمن يدل على ذات الله وعلى صفة الصدق كوصف ذات، والتصديق كوصف فعل بدلالة المطابقة، وعلى ذات الله وحدها بالتضمن، وعلى الصفة وحدها كذلك، أما دلالته على ذات الله فلأن الأسماء كلها أعلام، وأما دلالته على الصدق كوصف ذات فلقوله: } قُل صَدَقَ الله { [آل عمران:95]، وقوله تعالى: } وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً { [النساء:87]، ولاستحالة اتصافه بالمقابل، قال تعالى: } لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالحَقِّ { [الفتح:27]، وقال: } وَلَمَّا رَأى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ { [الأحزاب:22]، وقال أهل الجنة: } الحَمْدُ لِلهِ الذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ { [الزمر:74]، وعند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري t أن رجلا أتي النبي e فقال: ( أخي يَشْتَكِى بَطْنَهُ، فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلاً، ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ: اسْقِهِ عَسَلاً، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: فَعَلتُ، فقال: صَدَقَ الله وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اسْقِهِ عَسَلاً ) ([11] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn11))، وعند البخاري من حديث ابن عمر t أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ( صَدَقَ الله وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ) ([12] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn12)) .
وأما دلالة اسم الله المؤمن على التصديق كوصف فعل فكما ورد عند البخاري من حديث أبي هريرة t مرفوعا فقالوا: ( يَا رَسُولَ الله صَدَّقَ الله حَدِيثَكَ ) ([13] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn13))، وعند مسلم من حديث عمر t أنه قال: ( .. وَقَلمَا تَكَلمْتُ وَأَحْمَدُ الله بِكَلاَمٍ إِلاَّ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ الله يُصَدِّقُ قَوْلِي الذِي أَقُولُ ) ([14] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn14))، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي هريرة t أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَالله أَكْبَرُ، صَدَّقَهُ رَبُّهُ فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَأَنَا أَكْبَرُ ) ([15] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn15))، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث بريدة بن الحصيب t أنه قال: ( خَطَبَنَا رَسُولُ الله e ، فَأَقْبَلَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ، فَنَزَلَ فَأَخَذَهُمَا فَصَعِدَ بِهِمَا المِنْبَرَ ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ الله: } إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ {، رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ، ثُمَّ أَخَذَ فِى الخُطْبَة ) ِ([16] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn16)) .
واسم الله المؤمن يدل باللزوم على الحياة والقيومية، والسمع والبصر والعلم والعدل والحكمة، والعظمة والقوة، والقدرة والعزة، والسيادة والرحمة على اعتبار أن هذه الأوصاف لازمة للمؤمن الذي يصدق في قوله وفعله، والذي يصدق مع عباده المؤمنين في وعده، ويصدق ظن عباده الموحدين ولا يخيب آمالهم، والذي أمَّنَ الناس ألا يظلم أحد من خلقه، وأمَّن من آمن به من عذابه .
4- الدعاء بالاسم دعاء مسألة:
لم أجد دعاء مأثورا بالاسم المطلق ولكن ورد الدعاء بالوصف، فعلى اعتبار أن معنى المؤمن هو المجير الذي يؤمن عباده المؤمنين وينصرهم على من ظلمهم، ورد دعاء المسألة في سؤال إبراهيم u لربه: } وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير ُ{ [البقرة:126]، وقال سبحانه: } وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ { [إبراهيم:35]، وعند أحمد وصححه الألباني من حديث عبد الله الزرقي t أنه قَالَ: ( لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَانْكَفَأَ الْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم : اسْتَوُوا حَتَّى أُثْنِي عَلَى رَبِّى، فَصَارُوا خَلْفَهُ صُفُوفاً .. وذكر في دعائه .. اللهمَّ إني أَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللهمَّ إني عَائِذٌ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ، اللهمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ في قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللهمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ مَفْتُونِينَ، اللهمَّ قَاتَلِ الْكَفَرَةَ الذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رَجْزَكَ وَعَذَابَكَ، اللهمَّ قَاتَلِ الْكَفَرَةَ الذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَهَ الْحَقِّ ) ([17] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn17)) .
وعلى اعتبار أن معنى المؤمن هو الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه، ويوفقهم إلى الإيمان، ويصدق معهم في وعده، فقد ورد دعاء المسألة بمقتضى الوصف في قوله تعالى عن الحواريين أتباع عيسى u: } رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ { [آل عمران:53]، وقوله تعالى عمن آمن برسول الله صلي الله عليه وسلم من القسسين والرهبان: } وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ { [المائدة:83/85]، وكذلك قوله تعالى: } إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ { [المؤمنون:109/111] .
وقد روى ابن حبان وصححه الألباني من حديث فضالة بن عبيد t أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ( اللهم من آمن بك وشهد أني رسولك؛ فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك، وأقلل له من الدنيا، ومن لم يؤمن بك ويشهد أني رسولك؛ فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وأكثر له من الدنيا ) ([18] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn18))، وروى الحاكم وصححه الألباني من حديث عبد الله بن عمرو t أن رسول الله e قال: ( إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم ) ([19] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn19))، وعند البخاري من حديث أبي هريرة t أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) ([20] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn20))، ودعاء المسألة في الجملة أن يذكر الداعي الاسم كوسيلة لتحقيق مطلبه؛ فيدعو به المظلوم على اعتبار أن معنى المؤمن هو المجير، ويدعو به الصادق إذا كذبه الناس أو افتروا عليه، ويدعو به أيضا من يرجو نعمة ربه ويخاف عذابه أن يؤمنه في الدنيا والآخرة .
5- الدعاء بالاسم دعاء عبادة:
أثر الاسم في سلوك العبد وتوحيده لله فيه هو يقين العبد في ربه أنه لا يظلم أحدا من خلقه، وأنه سينصر المظلوم ولو بعد حين، فيلجأ إلى الله أن يجيره من ظلم الظالمين، ويثق أن وعد الله لعباده المؤمنين كائن لا محالة، وقد كان لعائشة رضي الله عنها موقف عظيم في حادثة الإفك يدل على توحيدها لله في أسمائه الحسنى وما دل عليه اسمه المؤمن، فعند البخاري أن النبي e قال لها: ( يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ بَلغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلمَمْتِ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ وَتُوبِي إِليْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللهُ عَليْهِ، تقول عائشة رضي الله عنها: فَلمَّا قَضَى رَسُول اللهِ صلي الله عليه وسلم مَقَالتَهُ قَلصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، وَقُلتُ لأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُول اللهِ صلي الله عليه وسلم ، قَال: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُول لرَسُول اللهِ صلي الله عليه وسلم ، فَقُلتُ: لأُمِّي أَجِيبِي عَنِّي رَسُول اللهِ صلي الله عليه وسلم فِيمَا قَال، قَالتْ: وَاللهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُول لرَسُول اللهِ e ، فَقُلتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ القُرْآنِ: إِنِّي وَاللهِ لقَدْ عَلمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ وَوَقَرَ في أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، وَلئِنْ قُلتُ لكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ، وَاللهُ يَعْلمُ إِنِّي لبَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِي بِذَلكَ، وَلئِنِ اعْتَرَفْتُ لكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللهُ يَعْلمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لتُصَدِّقُنِّي وَاللهِ مَا أَجِدُ لي وَلكُمْ مَثَلاً إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَال: } فَصَبْرٌ جَمِيل وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلى مَا تَصِفُونَ {، ثُمَّ تَحَوَّلتُ عَلى فِرَاشِي، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللهُ، وَلكِنْ وَاللهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِل فِي شَأْنِي وَحْيًا، وَلأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلمَ بِالقُرْآنِ فِي أَمْرِي، وَلكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُول اللهِ صلي الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ، فَوَاللهِ مَا رَامَ مَجْلسَهُ وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْل البَيْتِ حَتَّى أُنْزِل عَليْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ البُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ ليَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْل الجُمَانِ مِنَ العَرَقِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، فَلمَّا سُرِّي عَنْ رَسُول اللهِ e وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّل كَلمَةٍ تَكَلمَ بِهَا أَنْ قَال لي: يَا عَائِشَةُ، احمدي اللهَ فَقَدْ بَرَّأَكِ اللهُ، فَقَالتْ لي أُمِّي: قُومِي إِلى رَسُول اللهِ صلي الله عليه وسلم فَقُلتُ: لاَ وَاللهِ، لاَ أَقُومُ إِليْهِ، وَلاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللهَ فَأَنْزَل اللهُ I: } إِنَّ الذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لكُم بَل هُوَ خَيْرٌ لكُمْ لكُل امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالذِي تَوَلى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ لوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ لوْلا جَاؤُوا عَليْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلئِكَ عِندَ اللهِ هُمُ الكَاذِبُونَ .. الآيات { ) ([21] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn21)).
وممن تسمى عبد المؤمن والد روح من رواة الحديث عند البخاري، قال في إحدى رواياته: ( حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالكٍ t عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَال: إِنَّ فِي الجَنَّةِ لشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا ) ([22] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftn22)) .

1. [/URL]البخاري في كتاب الإيمان، باب أداء الخمس من الإيمان1/29 (53) .

2. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref1)اشتقاق أسماء الله ص222، وتفسير الطبري 28/54، وشرح أسماء الله الحسنى للرازي ص198 .

3. زاد المسير لابن الجوزي 8/ 225، والمقصد الأسنى ص67 .

4. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref3)أبو داود في كتاب الوتر، باب في الاستعاذة 2/91 (1543)، وانظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني حديث رقم (1445)، وكذلك صحيح أبي داود (1381) .

5. البخاري في كتاب التفسير، باب قوله وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة 4/1726 (4409) ومسلم في كتاب، باب تحريم الظلم 4/1997 (2583) .

6. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref5)تفسير الطبري 28/54، وروح المعاني 28/63، الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى 1/243 .

7. انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 89، والأسماء والصفات للبيهقي ص83 .

8. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref7)تفسير القرطبي 18/46، وتفسير أسماء الله للزجاج ص31 .

9. البخاري في كتاب التوحيد، باب السؤال بأسماء الله تعالى 6/2694 (6970) .

10. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref9)النسائي في كتاب القسامة، باب ذكر الاختلاف على خالد الحذاء 8/42 (4799)، وانظر إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني 7/257 .

11. البخاري في العمرة، باب الدواء بالعسل 5/2152 (5360) .

12. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref11)البخاري في الطب، باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو2/637 (1703) .

13. البخاري في القدر، باب غزوة خيبر 4/1540 (3967) .

14. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref13)مسلم في الطلاق، باب في الإبلاء واعتزال النساء وتخييرهن 2/ 1107 (1479) .

15. الترمذي في الدعوات، باب ما يقول العبد إذا مرض5/492 (3430)، وانظر صحيح الجامع 5/492 .

16. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref15)أبو داود في الصلاة، باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث 1/290 (1109) .

17. أحمد في المسند 3/424، وصححه الألباني في الأدب المفرد (699) .

18. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref17)صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان 1/ 438 (208)، السلسلة الصحيحة (1338) .

19. مستدرك الحاكم 1/45 (5)، صحيح الجامع (1590) .

20. (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref19)البخاري في الأذان، باب الرجعة الإمام بالتأمين 1/270 (747) .

21. البخاري في المغازي، باب تعديل النساء بعضهن بعضا 2/945 (2518) .

22. [URL="http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref22"] (http://www.thanwya.com/vb/#_ftnref21)البخاري في بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة 3/1187(3079) .