خالد مسعد .
30-12-2009, 03:11 PM
تفريغ درس لقاء العقيدة ( قناة الناس ) الحلقة الثانية فضيلة الشيخ محمود عبد الرازق الرضواني - استاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة
تحميل المحاضرة مكتوبة (http://www.ridwany.com/video/akedameeting/meet04.doc)
بسم الله الرحمن الرحيم
(معرفة الله بالنقل الصحيح)
العقل الصريح تعرفنا به على وجود الله وعظمته
والنقل الصحيح تعرفنا به على أسمائه وصفاته وأحكام عبوديته
·ما المقصود بالنقل ؟
·جملة النقل تمثلت في القرآن وما ثبت في السنة المطهرة .
·جميع ما ورد في النقل حجة يوجب تصديق الخبر وتنفيذ الطلب.
·النقل الصريح لا يثبت إلا بقواعد المحدثين .
·العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح والسبب في عدم التعارض.
·الهداية في قيادة النقل للعقل .
·لو حدث تعارض فما أسبابه؟ سببان لا ثالث لهما.
·السبب الأول عدم ثبوت النقل وأمثلة على ذلك
·السبب الثاني عدم فهم العقل للنقل وأمثلة على ذلك.
·أيهما يقدم على الآخر العقل أم النقل ولماذا؟.
خالد مسعد .
30-12-2009, 03:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
(معرفة الله بالنقل الصحيح)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
ما المقصود بالنقل ؟ يقصد بالنقل عند علماء العقائد الوحي المتمثل في كتاب الله وسنة رسوله e ويسمى أيضا بالشرع أو السمع أو الخبر، كقول أبى عمر بن عبد البر ت463:
(حديث النزول حديث ثابت من جهة النقل صحيح الإسناد لا يختلف أهل الحديث في صحته وهو منقول من طرق سوى هذه من أخبار العدول عن النبي e) .
وكقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (والحكم المرتب على النقل الباطل باطل بالإجماع).
وكقوله أيضا عن صفة الكلام ونسبة القول إلى الله تعالى: (فالقول قد ورد في السمع مضافا الى الله .. وقد بسطت الكلام على ذلك في غير هذا الموضع وبينت أن ما جاء به الشرع الصحيح هو الذي يوافقه العقل الصريح) .
فالنقل أو الوحي أو الشرع أو السمع أو الخبر كلها عند علماء العقائد معان مترادفة تدل على كتاب الله وسنة رسوله e ، فالنقل هو ما جاءنا من الله يعرفنا فيه عن نفسه وما في عالم الغيب، والعاقل لا بد أن يقر به ويقدمه وسلم له، فلا يوجد من هو أعلم بالله من الله، ولا أعلم من رسول الله بالله، فما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات وجب علينا الإيمان به كما أخبر، وما أمرنا الله به كان صلاحنا في أتباعه .
·جملة النقل تمثلت في القرآن وما ثبت في السنة المطهرة .
القاعدة الثانية التي نفهم من خلالها العقيدة الصحيحة التي كان عليها سلفنا الصالح، أن جملة الرسالة التي نزلت من الله إلى رسوله eتمثلت في القرآن وما ثبت في السنة المطهرة، وقد تلقاها النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي وعلى أشكاله المختلفة كما قال سبحانه:
(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَل صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى عَلمَهُ شَدِيدُ القُوَى) (النجم1).
وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِل رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الشورى:51).
فتحددت بالآية وسائل خطاب الرسل مع ربهم .
1- الوسيلة الأولى: الوحي من خلال الرؤيا في المنام، كما أوحى الله لإبراهيم بقتل ولده إسماعيل عليهما السلام:
خالد مسعد .
30-12-2009, 03:11 PM
روى البخاري عن أبي هريرة أن سمع النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ ، فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ ، وَفِى نَزْعِهِ ضَعْفٌ ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا ، فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ » .
الذنوب : الدلو العظيمة فيها ماء ، والغرب : الدلو العظيمة التى تتخذ من جلد الثور. والقليب : البئر التى لم تبن جوانبها بالحجارة ونحوها، نزع : استقى بالدلو.
وهذه الرؤيا للأنبياء وحى، ولغيرهم مبشرات، لكن لا قيمة لها في إثبات الأحكام، أو إلزام النفس أو إلزام الغير بمقتضاها، لما روى عند البخاري من حديث أبى هُرَيْرَةَ قَال: (سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلى اللهم عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ لمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلا المُبَشِّرَاتُ قَالُوا وَمَا المُبَشِّرَاتُ قَال الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ).
وعند الترمذي وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ 2272 من حديث أَنَس بْن مَالِكٍ أن رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قال: (إِنَّ الرِّسَالةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدِ انْقَطَعَتْ فَلا رَسُول بَعْدِي وَلا نَبِيَّ، قَال: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلى النَّاسِ، فَقَال: لكِنِ المُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: يَا رَسُول اللهِ وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَال: رُؤْيَا المُسْلِمِ وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ)، فمن وسائل خطاب الرسل مع ربهم الوحي من خلال الرؤيا في المنام .
2- الوسيلة الثانية: من وسائل خطاب الرسل مع ربهم الوحي عن طريق الكلام الإلهي المباشر من وراء حجاب بدون واسطة يقظة، كما كلم الله موسى عليه السلام فقال: } وَرُسُلا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَليْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلا لمْ نَقْصُصْهُمْ عَليْكَ وَكَلمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا { (النساء:164) .
وقال أيضا: } وَلمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلمَهُ رَبُّهُ قَال رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِليْكَ قَال لنْ تَرَانِي وَلكِنْ انظُرْ إِلى الجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلمَّا تَجَلى رَبُّهُ لِلجَبَلِ جَعَلهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلمَّا أَفَاقَ قَال سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِليْكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤْمِنِينَ { (الأعراف:143).
3- الوسيلة الثالثة: من وسائل خطاب الرسل مع ربهم الوحي عن طريق الكلام الإلهي غير المباشر بواسطة إرسال أمين الوحي جبريل، وله في كيفية التبليغ إحدى حالتين، وردتا عند الإمام البخاري من حديث الحارث بن هشام t لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَال َ:
(يَا رَسُول اللهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ: أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْل صَلصَلةِ الجَرَسِ _ طنين الجرس أو ما يشبه الكاست عند تشغيله بسرعة كبير _ أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْل صَلصَلةِ الجَرَسِ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَليَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَال، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ، قَالتْ عَائِشَةُ رَضِي الله عَنْهَا: وَلقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَليْهِ الوَحْيُ فِي اليَوْمِ الشَّدِيدِ البَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ ليَتَفَصَّدُ عَرَقًا) .
ثم انقطع الوحي بعد ذلك، فلا ينزل على أحد من البشر إلى يوم القيامة كما قال الله تعالى: } مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلكِنْ رَسُول اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا { (الأحزاب:40).
فمن ادعى الاتصال المباشر في الخطاب مع الله تحت أي تأويل أو مسمى ليجعل كلامه مقبولا بين الناس، أو حاول أن يضفي القدسية على كلامه بادعائه أن ما يقوله أو ما يكتبه إنما تلقاه بطريق من طرق الوحي السابقة، فقد تجاوز أصول القرآن والسنة وسعى في هدمها، كقول القائل من الصوفية: (أخذتم علمكم ميتا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت يقول أمثالنا: حدثني قلبي عن ربى، وأنتم تقولون: حدثني فلان وأين هو؟ قالوا: مات، عن فلان، وأين هو؟ قالوا: مات).
أو كادعاء ابن عربي أن كتاب الفصوص أخذه من يد رسول الله e مكتوبا من اللوح المحفوظ، وهو مجرد ناقل أمين بلا زيادة أو نقصان، كما قال: (فحققت الأمنية، وأخلصت النية، وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب، كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان) .
وقوله أيضا: (فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحِكَم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب، فامتثلت ما رسم لي ووقفت عندما حد لي ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك) .
وهنا يشبه ابن عربي نفسه بالرسول صلى الله عليه وسلم في دقة البلاغ عن الله وخوفه من الوعيد الذي ورد في قوله تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم:
(تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ العَالمِينَ وَلوْ تَقَوَّل عَليْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيل ِلأَخَذْنَا مِنْهُ بِاليَمِينِ ثُمَّ لقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) (الحاقة:47:43) .
أو كما قال عبد الكريم الجيلي يحاكى طريقة الوحي في التجلي الصوفي: (يتجلى الحق سبحانه وتعالى على العبد بتجل يسمع فيه صلصلة الجرس ويسمع تصادم الحقائق بعضها مع بعض، فيجد لها أطيطا يملأ ما بين السماء والأرض ثم إذا تقوى وثبت لسماع ذلك، يترقى ويسمع صلصلة الجرس عند رفع الستر).
خالد مسعد .
30-12-2009, 03:12 PM
كل ذلك وأمثاله تهوين لحرمة الدين، وانتهاك مقبوح مشين، انتهاك للثوابت المستقرة في اعتقاد المسلمين، وقد يجوز ذلك بعض المدافعين عن الصوفية من باب المخاطبات الروحانية والمحادثات الإيمانية، عند المكاشفات والتجليات التي تحدث لبعض الصوفية في شطحاتهم، فنقول له: هذا باب مفتوح على مصراعيه للمغرضين والحاقدين، ويكفي العاقل أن يقف على نظرة المستشرقين للوحي عند المسلمين، وكيف وجدوا في مثل ذلك سبيل الخلط بين الوحي وترهات الصوفية.
·جميع ما ورد في النقل حجة يوجب تصديق الخبر وتنفيذ الطلب.
الاحتجاج بالسنة النبوية عند السلف كالاحتجاج بالآيات القرآنية، فالاحتجاج بالأحاديث النبوية كالاحتجاج بالآيات القرآنية سواء بسواء، ولا خلاف بين جمهور العلماء الذين يعتد بهم في أن السنة يحتج بها، وتستقل بتشريع الأحكام، وأنها كالقرآن الكريم سواء بسواء في تحليل الحلال وتحريم الحرام، وأنها المصدر الثاني لمعرفة أصول الإسلام، بعد القرآن الكريم الذي هو خير الكلام، وأنه لا يستغنى عنها مطلقا لأنها المفصحة عن معاني القرآن، الكاشفة عن أسراره .
ولو أغفلنا السنة في الاحتجاج فإن الأحكام التي نستخلصها بعقولنا وجهدنا من القرآن لن تعبر عن حقيقة الوحي وقد أكد القرآن بوضوح أن السنة وحى من الله يجب الإيمان به، ويجب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء، وفي كل وقت في حياته وبعد مماته، لأنها أصول لم تخصص بزمن دون زمن، فيجب تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما ذكره من أخبار، وتنفيذ كل أوامره صلى الله عليه وسلم عن رضي ومحبة .
يقول ابن حزم: (إن القرآن لما كان هو الأصل الذي يرجع إليه في معرفة الإسلام، وجدنا فيه وجوب طاعة ما أمرنا به رسول الله e، ووجدناه عز وجل يقول فيه واصفاً لرسوله e: } وَمَا يَنطِقُ عَنِ کالهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى { (النجم3)، فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله e على قسمين:
أحدهما: وحي متلو مؤلف تأليفا معجز النظام وهو القرآن .
والثاني: وحي مروي منقول غير مؤلف ولا معجز النظام ولا متلو لكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المبين عن الله عز وجل مراده منا) .
ومن الأدلة القرآنية التي تقرر هذه الحقيقة بلا نزاع قوله سبحانه وتعالى: } وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ { (الحشر:7) وقوله:
} قُل إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ وَيَغْفِرْ لكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُل أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُول فَإِنْ تَوَلوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الكَافِرِين) (آل عمران:31:30) .
وقوله: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65) .
وقوله: (فَليَحْذَرْ الذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63).
وقوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولهُ فَقَدْ ضَل ضَلالا مُبِينًا) (الأحزاب:36) .
وأمثال ذلك في القرآن كثير، وكله يدل على أن السنة وحي من الله تعالى لرسوله e وأنه لا بد من اعتماد السنة في معرفة أصول الأشياء، والإذعان لها كالقرآن سواء بسواء .
وقد ثبتت روايات كثيرة في السنة تؤكد أن الصحابة y كانوا لا يتهاونون في ذلك، وأن النبي e حذرهم من الكذب عليه أو التكذيب بسنته، فمن ذلك ما رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني من حديث المقدام المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ t أن النبي e قال:
(أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلهُ مَعَهُ، أَلا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَليْكُمْ بِهَذَا القُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ) .
وفي رواية أخرى عند الترمذي وصححها الشيخ الألباني: (أَلا هَل عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلالًا اسْتَحْللنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ كَمَا حَرَّمَ اللهُ) .
وقد روى عند البخاري ومسلم من حديث علقمة عن ابن مسعود t أنه قال: (لعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلقَ اللهِ، فَبَلغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ، يُقَالُ لهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، وَكَانَتْ تَقْرَأُ القُرْآنَ، فَأَتَتْهُ فَقَالتْ: مَا حَدِيثٌ بَلغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لعَنْتَ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلقَ اللهِ، فَقَال عَبْدُ اللهِ: وَمَا لِي لا أَلعَنُ مَنْ لعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَقَالتِ المَرْأَةُ: لقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لوْحَيِ المُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ فَقَال: لئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لقَدْ وَجَدْتِيهِ، قال الله عز وجل:
(وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ) (الحشر:7) فَقَالتِ المَرْأَةُ: فَإِنِّي أَرَى شَيْئًا مِنْ هَذَا عَلى امْرَأَتِكَ الآنَ، قَال: اذْهَبِي فَانْظُرِي، قَال: فَدَخَلتْ عَلى امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ فَلمْ تَرَ شَيْئًا، فَجَاءَتْ إِليْهِ فَقَالتْ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا، فَقَال: أَمَا لوْ كَانَ ذَلِكَ لمْ نُجَامِعْهَا) .
ومعنى لم نجامعها، قال جماهير العلماء: معناه لم نصاحبها ولم نجتمع نحن وهي بل كنا نطلقها ونفارقها، وقيل: يحتمل أن معناه لم أطأها، وهذا ضعيف كما ذكره النووي، والصحيح أن من عنده امرأة مرتكبة معصية كوصل الشعر أو ترك الصلاة أو غيرهما ينبغي له أن يطلقها .
وكلام عبد الله بن مسعود واضح في التزامه بالسنة قولا وعملا، كالتزامه بمقتضى أحكام القرآن، وروى أبو داود عن عمران بن حصين t أنه كان جالسا مع أصحابه، فقال له رجل من القوم: (يا أبا نجيد إنكم لتحدثوننا بأحاديث ما نجد لها أصلا في القرآن، فغضب عمران وقال للرجل: أوجدتم في كل أربعين درهما درهم، ومن كل كذا وكذا شاة شاة، ومن كل كذا وكذا بعيرا كذا وكذا، أوجدتم هذا في القرآن؟ قال: لا، قال: فعمن أخذتم هذا؟ أخذتموه عنا، وأخذناه عن نبي الله e وذكر أشياء نحو هذا) .
فولا عبرة بمذهب الشيعة والخوارج في رد بعض ما ورد في السنة لأن لهم مواقف خاصة في كثير من الصحابة، وهم رواة الحديث عن رسول الله e.
ولا عبرة أيضا ببعض آراء المعتزلة والمتكلمين الداعية إلى عدم الاحتجاج بالسنة في الآحاد، أو المتواتر من الروايات بحجة مخالفتها لآرائهم الكلامية كقول أبى الهذيل العلاف من شيوخ المعتزلة:
(إن الحجة من طريق الأخبار فيما غاب عن الحواس من آيات الأنبياء عليهم السلام وفيما سواها لا تثبت بأقل من عشرين نفسا، فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر).
خالد مسعد .
30-12-2009, 03:12 PM
ويذكر عبد القادر البغدادي أن كلام العلاف تعطيل للأخبار الواردة في الأحكام الشرعية عن فوائدها وتهكم واحتقار لما خالف ذلك من روايات السنة واستهزاء بناقليها .
قال السيوطي في رد الشيعة لكلام النبي e: (وأصل هذا الرأي الفاسد في عدم الاحتجاج بالسنة أن الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة، ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة والاقتصار على القرآن، وهم في ذلك مختلفوا المقاصد، فمنهم من كان يعتقد أن النبوة لعلى وأن جبريل أخطأ في نزوله إلى سيد المرسلين، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، ومنهم من أقر للنبي e بالنبوة ولكن قال: إن الخلافة كانت حقا لعلى، فلما عدل به الصحابة عنه إلى أبى بكر y أجمعين .. كفروا الصحابة وبنوا على ذلك رد الأحاديث كلها، لأنها عندهم بزعمهم من رواية قوم كفار) .
·النقل الصريح لا يثبت إلا بقواعد المحدثين .
من القواعد التي نفهم من خلالها العقيدة الصحيحة التي كان عليها سلفنا الصالح، هي التسليم بأن الطريق الوحيد في ثبوت السنة هو الالتزام بقواعد المحدثين في معرفتها، فإذا كانت الآيات القرآنية لا تؤخذ بمعزل عن السنة وفصل أحدهما عن الآخر لا يقبل في دين الإسلام، فإن من أعظم الأسس في الاعتماد على السنة أن نسلم بأن الطريق الوحيد في ثبوتها هو الالتزام بقواعد المحدثين في معرفتها، وهو ما عرف عند المسلمين بعلم الحديث، أو العلم بالأصول التي يعرف بها أحوال السند والمتن، من حيث القبول والرد، وذلك فيما نقل من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وروايتها وضبطها وتحريرها وإسناد ذلك إلي من نسب إليه بتحديث أو إخبار أو عنعنة أو غير ذلك .
فليس كل ما نسب إلى النبي e يقبل بلا ضبط أو نقاش، فلا بد من الترابط العلمي المتصل بين رواة السند بحيث يتلقى اللاحق من الرواة عن السابق، فلا يكون بين اثنين من رواة الحديث فجوة زمنية أو مسافة مكانية يتعذر معها اللقاء أو يستحيل معها التلقي والأداء، كما يلزم اتصاف الرواة بالعدالة وهى صفة خلقية تكتسبها النفس الإنسانية، وتحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة، ومجانبة الفسوق والابتداع، ولا بد أن يتصف الراوي أيضا بالتتَثَبُّت من الحفظ، والسلامة من الخطأ، وانعدام الوهم مع القدرة على استحضار ما حفظه، وهذا شرط في جميع رواة الحديث الصحيح من أول السند إلى آخره، يضاف ذلك إلى عدم مخالفة الراوي لمن هو أوثق منه، ولا يكون أيضا في روايته علة قادحة ظاهرة تؤدى إلى عدم ثبوت الحديث .
أما الحكم على ثبوت الحديث بالأصول الكلامية أو المناهج الفلسفة، أو الأفكار العقلية أو الكشوفات الذوقية، فلا يعد رجوعا إلى قرآن وسنة بفهم سلف الأمة، لأن الآراء العقلية متعددة، والأذواق مختلفة ومتغيرة، ولا يمكن ضبط هذه الأشياء، فالحكم على أحاديث الرسول في هذه الحالة، يحكمه الهوى ويسوقه استحسان النفس.
ومن ثم لا عبرة بقول ابن عربي: (ربما صح عندنا من أحاديث الأحكام ما اتفق المحدثون على ضعفه وتجريح نقلته، وقد أخذناه عن الكشف عن قائله صحيحا، فنتعبد به أنفسنا على غير ما تقرر عند علماء الأصول، ورب حديث قد صححوه واتفقوا عليه وليس بصحيح عندنا بطريقة الكشف فنترك العمل به) .
ومعنى هذا أن الصوفية لهم حكمهم الخاص على إسناد الحديث، فعن طريق الكشف يتصلون رأساً بالنبي eويصححون الحديث أو يضعفونه !! وبهذا الهجوم على قواعد علم الحديث تنهدم السنة، وتبقى ألعوبة في يد هؤلاء الذين يحكمون عليها بما شاءوا، وليس من ضابط نرجع إليه، ولا فيصل نحتكم إليه، ما دام أن هذا الكشف علم غيبي، وقد يكون كشف هذا الصوفي غير كشف ذاك .
خالد مسعد .
30-12-2009, 03:12 PM
·هل يمكن أن يتعارض العقل مع النقل؟
1-العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح والسبب في عدم التعارض.
من المحال أن يتعارض العقل الصريح الواضح مع النقل الصحيح الثابت بل العقل الصريح يشهد للنقل الصحيح ويؤيده، والسبب في ذلك سبب منطقى وهو وحدة المصدر فالذي خلق العقل هو الله، والذي أرسل إليه النقل هو الله وهو سبحانه أعلم بصناعته لعقل الإنسان وأعلم بما يصلحه في كل زمان ومكان، فإذا وضع نظاما ببالغ علمه وحكمته لصلاح صنعته وألزم الإنسان بمنهجه وشرعته، كان من المحال أن يضل الإنسان أو يشقى أو يعيش معيشة ضنكا إذا اتبع هداية الله تعالى كما قال سبحانه: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقى)، ومعلوم عند سائر العقلاء أن أولى من يضع نظام التشغيل للمصنوعات صانعها.
قال شيخ الإسلام: (كل ما يدل عليه الكتاب والسنة فإنه موافق لصريح المعقول، والعقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح ولكن كثيرا من الناس يغلطون إما في هذا وإما في هذا، فمن عرف قول الرسول ومراده به كان عارفا بالأدلة الشرعية، وليس في المعقول ما يخالف المنقول).
وقال أيضا: (من قال بموجب نصوص القرآن والسنة أمكنه أن يناظر الفلاسفة مناظرة عقلية يقطعهم بها ويتبين له أن العقل الصريح مطابق للسمع الصحيح) . وقال أيضا: (العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح كما أن المنقول عن الأنبياء عليهم السلام لا يخالف بعضه بعضا ولكن كثير من الناس يظن تناقض ذلك وهؤلاء من الذين اختلفوا فى الكتاب وان الذين اختلفوا فى الكتاب لفى شقاق بعيد) مجموع الفتاوى 7/665.
2-الهداية في قيادة النقل للعقل :
1.قول الله تعالى:(وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَليْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (آل عمران:101).
2.قول الله تعالى:(وَإِذَا قِيل لهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَل اللهُ قَالُوا بَل نَتَّبِعُ مَا أَلفَيْنَا عَليْهِ آبَاءَنَا أَوَلوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (البقرة:170).
3.قول الله تعالى:(الذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَل أَعْمَالهُمْ وَالذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّل عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلحَ بَالهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّ الذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا البَاطِل وَأَنَّ الذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالهُمْ) (محمد:3).
4.قول الله تعالى:(وَلنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلتَهُمْ قُل إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الذِي جَاءَكَ مِنَ العِلمِ مَا لكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (البقرة:120).
5.قول الله تعالى:(اللهُ نَزَّل أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر:23).
قول الله تعالى:(وَمَنْ أَظْلمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلنَا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلى الهُدَى فَلنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً) (الكهف:57)
خالد مسعد .
30-12-2009, 03:12 PM
-السبب الأول للتعارض عدم ثبوت النقل وأمثلة على ذلك
فالسبب الأول: أن النقل لم يثبت فينسب مدعى التعارض إلى دين الله ما ليس منه كالذين يتمسكون بأحاديث ضعيفة أو موضوعة وينقلونها للناس دون تمحيص، فماذا يصنع العاقل إذا سمع خطيبا، يذكر في مرة حديثا مرفوعا إلى رسول الله e: (إِنَّ أَوَّل مَا خَلقَ الله القَلمَ، فَقَال لهُ: اكْتُبْ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلى الأَبَدِ)، ثم يسمعه مرة أخرى يروى حديثا آخر: (أول ما خلق الله العقل، فقال له: أقبل، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أشرف منك)، ثم ثالثا فيه: (أول ما خلق الله نورى)؟ .
لا شك أن العاقل يقف حائرا بين هذه الروايات أي الأشياء خلق أولا ؟ وسيبعث ذلك في نفسه شكا، كما أنه من الخطأ التوفيق بين هذه الروايات قبل البحث عن ثبوتها، وكان يجب على من نقل هذه الروايات أن يتثبت من صحتها أولا، وبالبحث وجد أن الحديث الأول ثابت صحيح (إِنَّ أَوَّل مَا خَلقَ الله القَلمَ، فَقَال لهُ: اكْتُبْ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلى الأَبَدِ) (وهو حديث صحيح رواه الترمذي وصححه الألباني) .
أما الثاني (أول ما خلق الله العقل، فقال له: أقبل، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أشرف منك) فموضوع باتفاق، كما ذكر العجلونى في كشف الخفا ومزيل الإلباس، وكما ذُكر في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، وأما الثالث (أول ما خلق الله نورى) فهو حديث موضوع أيضا رواه عبدا لرزاق بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: (قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء، قال: يا جابر، إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك – خلقه - من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم، ولا جنة ولا نار، ولا ملك، ولا سماء ولا أرض، ولا شمس ولا قمر، ولا جني ولا إنسي، فلما أراد أن يخلق الخلق، قسم ذلك النور أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول السماوات، ومن الثاني الأرضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله، ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله..) وعلى هذا المنوال تأتينا اختراعات الصوفية والأباطيل العاطفية، وما شابه ذلك من الأمور البدعية .
فأمثال هذه الأحاديث التي يتناقها غير الراسخين في العلم من الدعاة، هي التي تحدث الفوضى وتدعو إلى تعارض العقل مع النقل، فالعقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح، وينبغي على أهل العلم أن يتقوا الله في نقلهم للأحاديث الضعيفة والموضوعة بحجة ترغيب الناس في الإيمان والطاعة، فإن من أبرز السلبيات التي تظهر من ذلك فتح باب البدعة على مصراعيه، وتشويه الوحي بمصدريه القرآن والسنة .
ومن أمثلة ذلك أيضا:
1.الحديث المكذوب:(من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائرا له سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة يستغفرون الله له) .
2.(والباذنجان شفاء من كل داء) قبح الله واضعهما فإن هذا لو قاله بعض جهلة الأطباء لسخر الناس منه، ولو أكل الباذنجان للحمى والبرد وكثير من الأمراض لم يزدها إلا شدة ولو أكله فقير ليستغني لم يفده غنى، أو جاهل ليتعلم لم يفده العلم .
3.وكذلك حديث: (إذا عطس الرجل عند الحديث فهو دليل صدقة) ولو عطس مئة ألف رجل عند حديث يروى عن النبي e لم يحكم بصحته بالعطاس، ولو عطسوا عند شهادة رجل لم يحكم بصدقه .
4.حديث:(عليكم بالعدس فإنه مبارك يرقق القلب ويكثر الدمعة قدس فيه سبعون نبيا) وقد سئل عبدالله بن المبارك عن هذا الحديث وقيل له إنه يروى عنك فقال: وعني؟! ما أرفع شيئا في العدس، إنه شهوة اليهود ولو قدس فيه نبي واحد لكان شفاء من الأدواء فكيف بسبعين نبيا وقد سماه الله أدنى البقرة 61 وذم من اختاره على المن والسلوى وجعله قرين الثوم والبصل .
5.وحديث: (بئس البقلة الجرجير من أكل منها ليلا بات ونفسه تنازعه، كلوها نهارا وكفوا عنها ليلا).
6.حديث (من اتخذ ديكا أبيض لم يقربه الشيطان ولا سحر) . وحديث:(إن لله ديكا عنقه مطوية تحت العرش ورجلاه في التخوم) .
7.حديث: (من ولد له مولود فسماه محمدا تبركا كان هو والولد في الجنة)
8.حديث (ما من مسلم دنا من زوجته وهو ينوي إن حبلت منه يسميه محمدا إلا رزقه الله ولدا ذكرا) .
9.ومن ذلك حديث:(إن الناس يوم القيامة يدعون بأمهاتهم لا بآبائهم) والأحاديث الصحيحة بخلافه قال البخاري في صحيحه باب يدعى الناس يوم القيامة بآبائهم ثم ذكر حديث ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته يقال هذه غدرة فلان بن فلان وفي الباب أحاديث أخرى غير ذلك
10.وحديث (من عشق فكتم وعف فمات فهو شهيد) .
خالد مسعد .
30-12-2009, 03:13 PM
-السبب الثاني عدم فهم العقل للنقل وأمثلة على ذلك.
1-الجمع بين نصوص المعية والاستواء وكونه في السماء:(هُوَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْشِ يَعْلمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الحديد:4) .قال أبو الحسن الأشعري صفحة 105:(إن قال قائل:ما تقولون في الاستواء ؟ قيل له:نقول:إن الله عز وجل يستوي على عرشه استواء يليق به .. فالسماوات فوقها العرش فلما كان العرش فوق السماوات قال:(أأمنتم من في السماء) لأنه مستو على العرش الذي فوق السماوات وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات وليس إذا قال:(أأمنتم من في السماء) من يعني جميع السماوات، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات ألا ترى الله تعالى ذكر السماوات فقال تعالى:(وجعل القمر فيهن نورا) ولم يرد أن القمر يملأهن جميعا وأنه فيهن جميعا، ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض) .
2-حديث أَبِي هُرَيْرَةَ tأَنَّ رَسُول اللهِ S قَال:(إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَليَغْمِسْهُ كُلهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الآخَرِ دَاءً) البخاري فى الطب (5782) من معجزات النبى S الطبية التي يجب أن يسجلها له تاريخ الطب بأحرف ذهبية ، ذكره لعامل المرض وعامل الشفاء محمولين على جناحى الذبابة قبل اكتشافهما بأربعة عشر قرنا ، وذكره لتطهير الماء إذا وقع الذباب فيه وتلوث بالجراثيم الموجودة في أحد جناحيه ، فما علينا إلا أن نغمس الذبابة في الماء لإدخال عامل الشفاء الذي يوجد في الجناح الآخر الأمر الذي يؤدي إلى إبادة الجراثيم الموجودة بالماء ، أثبتت التجارب العلمية الحديثة الأسرار الغامضة التي في هذا الحديث ، فهناك خاصية في أحد جناحي الذباب هي أنه يحول البكتريا إلى ناحية منه ، وعلى هذا فإذا سقط الذباب فى شراب أو طعام وألقى الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب أو الطعام ، فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم وأول واحد منها هو مبيد البكتريا ، يحمله الذباب في جوفه قريبا من أحد جناحيه ، فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه ، ولذا فإن غمس الذباب كله وطرحه كاف لقتل الجراثيم التي كانت عالقة به وكاف في إبطال عملها .
3-قال ابن رشد أدلة السمع متعارضة:(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ وَلوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولا وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا مَنْ يُطِعِ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلى فَمَا أَرْسَلنَاكَ عَليْهِمْ حَفِيظًا وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّل عَلى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلا) (النساء:78). كيف ندفع هذا التعارض ؟ .
4-ادعاؤهم التعارض في الهداية:(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلمُ بِالمُهْتَدِينَ) (القصص:56). (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِليْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ وَلكِنْ جَعَلنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لتَهْدِي إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52)كيف ندفع هذا التعارض ؟.
5-ادعاؤهم التعارض في ضرب الأمثال لله:(فَلا تَضْرِبُوا لِلهِ الأَمْثَال إِنَّ اللهَ يَعْلمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلمُونَ) (النحل:74) (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَل لكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيهِ ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى:11)(لِلذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلهِ المَثَلُ الأَعْلى وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) (النحل:60) (وَهُوَ الذِي يَبْدأُ الخَلقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَليْهِ وَلهُ المَثَلُ الأَعْلى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) (الروم:27)كيف ندفع هذا التعارض ؟.