مشاهدة النسخة كاملة : المرجئة


خالد مسعد .
22-01-2010, 03:10 PM
المرجئة :

هم فئة من المسلمين, خالفوا رأي الخوارج في مرتكب الكبيرة وقالوا بأن كل من آمن الإرجاء في اللغة : التأخير، وفي الاصطلاح تأخير العمل وإخراجه عن حقيقة الإيمان، قال ابن كثير في بيان سبب تسمية المرجئة بهذا الاسم: " .. قيل مرجئة لأنهم قدموا القول وأرجؤا العمل - أي أخروه " وهم أقسام وفرق متعددة مختلفة في تحديد معنى الإيمان عدّها الأشعري في المقالات اثنى عشر فرقة، وأشهرهم فرقتان:

الأولى مرجئة الفقهاء :
وهم الذين يرون أن الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالقلب، لا يزيد ولا ينقص، والأعمال الصالحة ثمرات الإيمان وشرائعه، قال الإمام الطحاوي - رحمه الله - في بيان هذا المذهب: " والإيمان هو الإقـرار باللسان والتصديق بالجنان، وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق، والإيمان واحد، وأهـله في أصله سواء، والتـفاضل بينهم بالخشية والـتـقى ومخالفة الهوى، ملازمة الأولى " (العقيدة الطحاوية).

الثانية مرجئة المتكلمين :
وهم الجهمية ومن تابعهم من الماتريدية والأشاعرة، وإليك نقولات عن السلف تبين مذهبهم في الإيمان، يقول الفضيل بن عياض : " أهـل الإرجاء - إرجاء الفقهاء - يقولون : الإيمان قول بلا عمل، وتقول الجهمية: الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل، ويقول أهل السنة: الإيمان المعرفة والقول والعمل " ( تهذيب الآثار الطبري 2/182).، ويقول وكيع بن الجراح : " ليس بين كلام الجهمية والمرجئة كبير فرق؛ قالت الجهمية: الإيمان المعرفة بالقـلـب ، و قال المرجئة : الإقـرار باللسان " أي مع اعتقاد القلب (نفس المصدر السابق)

وقال الإمام أحمد :" الجهمية تقول إذا عرف ربه بقلبه وإن لم تعمل جوارحه، وهذا كفر؛ إبليس قد عرف ربه ، فقال : رب بما أغويتـنى " (الخلال اللوحة 96)

مؤسسوا مذهب مرجئة الفقهاء :
اختلف الباحثون في تحديد أول من أظهر مذهب مرجئة الفقهاء على أقوال، فقيل هو: 1. ذر بن عبدالله الهمداني : وهو تابعي متعبد توفي في نهاية القرن الأول، قال إسحاق ابن إبراهيم : " قلت لأبى عبد الله - يعنى الإمام أحمد -: أول من تكلم في الإيمان من هـو؟ قال: يقولون: أول من تكلم فيه ذر " (مسائل الإمام أحمد لإسحاق ابن إبراهيم ( 2 / 162 )؛ قال سلمة بن كهيل : " وصف ذر الإرجاء و هو أول من تكلم فيه، ثم قال أنى أخاف أن يتخذ هذا دينا ، فلما أتـتـه الكتب في الآفاق ، قال: فسمعته يقول : وهـل أمر غير هذا " (السنة لعبد الله بن أحمد ، ص81).

2. وقيل أول من قال بالإرجاء حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وتلميذ إبراهيم النخعي ، قال معمر كنا نأتي أبا إسحاق ، فيقول: من أين جئتم ؟ فنقول: من عند حماد ، فيقول: ما قال لكم أخو المرجئة ؟!! وعن أبي هاشم قال أتيت حماد بن أبي سليمان ، فقلت: ما هذا الرأي الذي أحدثت ولم يكن على عهد إبراهيم النخعي ؟ فقال: لو كان حيا لتابعني عليه يعني الإرجاء "

3. وقيل أول من أنشأ القول بالإرجاء قيس الماصر :
فقد نقل الحافظ ذلك عن الأوزاعي ؛ قال: أول من تكلم في الإرجاء رجل من أهل الكوفة يقال له: قيس الماصر . تهذيب التهذيب 7/490.

4. وقيل سالم الأفطس :
فعن معقل بن عبيدالله الجـزرى العبسي قال: " قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء، فعرضه فنفر منه أصحابنا نفارا شديدا، و كان أشدهم ميمون بن مهران و عبدالكريم بن مالك ، فأما عبدالكريم فإنه عاهـد الله لا يأويه و إياه سقـف بيت إلا في المسجـد.

مؤسس مذهب مرجئة المتكلمين :
هو الجهم بن صفوان: كان رجلا من أهل الأهواء لم يجالس عالما قط، ولم يعرف بطلب العلم، وإنما جالس أهل الأهواء وفي مقدمتهم الجعد بن درهم الذي ذبحه خالد بن عبدالله القسري لزندقته ونفيه صفات الله، وكان الجهم مع جهله خصما مجادلا، التقى جماعة من زنادقة الهند يقال لهم: " السمنية " فسألوه عن مصدر المعرفة وكانوا لا يؤمنون إلا بالمحسوس، فقالوا له: صف لنا ربـك هذا الذى تعبده يا جهم ، و بأي حاسة أدركـتـه من الحواس، أرأيته أم لمسته - أم … الخ ؟! فمكث فترة لا يجيبهم، ثم اخترع قولا في الله أجابهم به، فقال : " هـو هـذا الهـواء مع كـل شئ وفي كـل شئ و لا يخلو من شئ " ( الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص65 ). ولم يكن لأقوال جهم في حياته ولا بعد وفاته قبول، بل عاش مطاردا مطلوبا من ولاة الأمر حتى قتله سلم بن أحوز عامل نصر بن سيار على مرو، وقال له: " يا جهم ! إنى لست أقتلك لأنـك قاتـلتـني، أنت عندي أحـقـر من ذلـك، ولكني سمعتـك تتـكلم بكلام باطل أعطيت لله عهدا أن لا أملك إلا قتلتك فقتله " ا.هـ من فتح الباري (13/346) .

وتلقف أقوال جهم من بعده - سواء في الصفات أو في الإيمان - بشر المريسي شيخ المعتزلة، جاء في ترجمة بشر في البداية والنهاية : " حكي عنه أقوال شنيعة وكان مرجئيا، وإليه تنسب المريسية من المرجئة، وكان يقول : إن السجود للشمس والقمر ليس بكفر، وإنما هو علامة للكفر "

وممن تلقف مذهب جهم في الإيمان ابن كلاب أبو محمد عبدالله بن سعيد بن كلاب القطان رأس المتكلمين بالبصرة، والإمام أبو الحسن الأشعري ، وهذان هما اللذان نشرا مذهب جهم في الإيمان، قال الإيجي في المواقف بعد أن ذكر معنى الإيمان في اللغة : " وأما في الشرع .. فهو عندنا وعليه أكثر الأئمة كالقاضي والأستاذ : التصديق للرسول فيما علم مجيئه به ضرورة، وتفصيلا فيما علم تفصيلا، وإجمالا فيما علم إجمالا " فالإيمان عند الأشعرية لا يتعدى تصديق القلب من غير إقرار لسان ولا عمل جوارح .

وقفة مع الإرجاء ليس هناك من وقفة أعظم أثرا في بيان تهافت مذهب المرجئة من بيان موقف علماء السلف منه، فالإرجاء إنما نشأ في عصرهم، ونبت بينهم، فعلموا حقيقته، واستبان لهم نتائجه وآثاره المدمرة، فوقفوا من المرجئة موقفا صارما حيث بينوا لهم ضلال ما ذهبوا إليه، ومن عاند منهم وأصر هجروا مجلسه، وأغلظوا له القول، ووعظوه وخوفوه بالله، كل ذلك تنبيها لخطر قولهم وتحذيرا للأمة منهم، وفيما يلي بعض مواقف العلماء من المرجئة، مع تنبيهنا أن معظم الآثار الواردة عن السلف في إنكار الإرجاء إنما هي في إرجاء الفقهاء فكيف بإرجاء المتكلمين!!:

عن إبراهيم النخعي ت 96هـ رحمه الله قوله : " الإرجاء بدعة " وقال " إياكم و أهـل هذا الرأى المحدث " - يعنى الإرجاء - ، وكان رجل يجالس إبراهيم يقال له محمد ، فبلغ إبراهيم أنه يتكلم في الإرجاء، فقال له إبراهيم : "لا تجالسنا "، و قال: " تركوا هذا الدين أرق من الثوب السابرى"، وقال:" لفتـنتهم عندي أخوف على هـذه الأمة من فتـنة الأزارقة " يعني الخوارج .

وقال سعيد بن جبير :
" المرجئة مثل الصابئين " وكان شديدا عليهم, حتى أن ذرا أتاه يوما في حاجة فقال : " لا، حتى تخبرنى على أي دين أنت اليوم - أو رأي أنت اليوم - ، فإنـك لا تـزال تـلتمس دينا قد أضللتـه، ألا تستحي من رأي أنـت أكبر منه ؟ "وقال الإمام الزهري : " قال : " ما ابتدعـت في الإسلام بدعة هى أضر على أهله من هذه - يعنى الإرجاء - " .

وقال الأوزاعي : كان يـحـيى وقـتـادة يـقـولان: ليـس من أهـل الأهواء شئ أخوف عندهـم على الأمة من الإرجاء "، وعن الحسن بن عبيدالله قال: " سمعت إبراهيم - النخعى - يقول لذر - أحد المرجئة - : ويحك يا ذر، ما هذا الدين الذى جئت به ؟ قال ذر : ما هو إلا رأي رأيته ! قال : ثم سمعت ذرا يقول: إنه لدين الله الذى بعث به نوح "!!

وعن معقل بن عبيدالله الجـزرى العبسي قال : " قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء، فعرضه فنفر منه أصحابنا نفارا شديدا، وكان أشدهم ميمون بن مهران وعبدالكريم بن مالك ، فأما عبدالكريم فإنه عاهـد الله لا يأويه و إياه سقـف بيت إلا في المسجـد .

قال معقل : فحججت، فدخلت على عطاء بن أبى رباح في نفر من أصحابي .. فقلت: إن لنا إليك حاجة فاخل لنا، ففعل، فأخبرته أن قوما قبلنا قد أحدثوا وتكلموا، وقالوا: إن الصلاة والزكاة ليستا من الدين، قال: فقال: أو ليس يـقـول الله : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة }، فالصلاة و الزكاة من الدين . قال: فقلت له: إنهم يقولون : ليس في الإيمان زيادة . قال: أو ليس قد قال الله فيما أنزله : { فزادهم إيمانا }، فما هذا الإيمان الذى زادهم ؟!

قال: ثم قدمت المدينة، .. فذكرت له بدو - ظهور - قـولهم - أي المرجئة -، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أضربهم - أي الناس - بالسيف حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوا : لا إله إلا الله عصموا منى دماءهم و أموالهم إلا بحقه ، و حسابهم على الله ). قال : قـلـتُ : إنهم يقولون : نحن نقر بأن الصلاة فريضة ولا نصلي، وأن الخمر حرام ونشربها، وأن نكاح الأمهات حرام ونحن نـفعـل، قال: فـنـتـر يده من يدي، وقال : " من فعـل هـذا فهـو كافـر" .

قال معـقـل : ثم لقيـت الزهري ، فأخبرته بقولهـم، فقال سبحان الله !! أو قـد أخذ الناس في هذه الخصومات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) رواه البخاري .

قال: ثم لقـيت الحكم بن عتيبة ، قال: فقلت : إن ميمونا وعبدالكريم بلغهما أنه دخل عليك ناس من المرجئة، فعرضوا عليك قـولهم ، فقبـلـت قوله. قال: فقيل ذلك على ميمون وعبد الكريم ؟ قـلـتُ : لا .

قال: ثم جلست إلى ميمون بن مهـران ، فقيل له: يا أبا أيوب : لو قرأت لنا سورة نـفسرها، قال: فـقرأ أو قرأت: { إذا الشمس كورت }، حتى إذا بلغ: { مطاع ثم أمين }، قال : ذاك جبريل و الخيبة لمن يـقول : أن إيمانه كإيمان جبريل .

هذه بعض مواقف علماء السلف من المرجئة، وما ذاك منهم لعداء شخصي يكنونه لهم، ولكن لعظم خطرهم وجليل شرهم على الأمة، فدعواهم مدعاة لترك العمل والتكاسل عن الطاعات، فما ضر أحدهم - وفق مذهب المرجئة - لو ترك الفرائض ما دام إيمانه محفوظا ودينه موفورا، وهو مع ذلك بمنزلة جبريل وميكائيل، إن هذا المنطق يورث في النفس اتكالا وخمولا ويولد التفريط والتقصير في الطاعات، اتكالا على سلامة الإيمان وصحتته، وقد كان الصحابة والهداة من السلف على خلاف ذلك، فقد كانوا يربطون ربطا مباشرا بين عمل الجوارح وإيمان القلب فهذا التابعي الجليل ابن أبي مليكة رحمه الله يذكر أنه أدرك ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " كلهم كان يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبرائيل وميكائيل " رواه البخاري ، وهذا ابن مسعود ينقل رأي الصحابة في ارتباط العمل بالإيمان فيقول: " ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" رواه مسلم ، فانظر كيف ربط النفاق بترك العشاء، وقال إبراهيم التيمي : " ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن يكون مكذبا " ذكره البخاري .

أبو إسراء A
29-01-2010, 09:26 AM
فتوى رقم (21436 ) وتاريخ 8 / 4 / 1421هـ .



(( في التحذير من مذهب الإرجاء ،وتحقيق النقل عن شيخ الإسلام فيه )) .


الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده ..
وبعد :
فقد اطَّلَعَت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من عدد من المستفتين المقيدة استفتاءاتهم بالأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (5411) وتاريخ 7/11/1420هـ . ورقم (1026) وتاريخ 17/2/1421هـ . ورقم (1016) وتاريخ 7/2/1421هـ . ورقم (1395) وتاريخ 8/3/1421هـ . ورقم (1650) وتاريخ 17/3/1421هـ . ورقم (1893) وتاريخ 25/3/1421هـ . ورقم (2106) وتاريخ 7/4/1421هـ .
وقد سأل المستفتون أسئلة كثيرة مضمونها :
( ظهرت في الآونة الأخيرة فكرة الإرجاء بشكل مخيف ، وانبرى لترويجها عدد كثير من الكتَّاب ، يعتمدون على نقولات مبتورة من كلام شيخ الإسلام بن تيمية ، مما سبب ارتباكاً عند كثير من الناس في مسمِّى الإيمان ، حيث يحاول هؤلاء الذين ينشرون هذه الفكرة أن يُخْرِجُوا العمل عن مُسمَّى الإيمان ، ويرون نجاة من ترك جميع الأعمال . وذلك مما يُسَهِّل على الناس الوقوع في المنكرات وأمور الشرك وأمور الردة ، إذا علموا أن الإيمان متحقق لهم ولو لم يؤدوا الواجبات ويتجنبوا المحرمات ولو لم يعملوا بشرائع الدين بناء على هذا المذهب .
ولا شك أن هذا المذهب له خطورته على المجتمعات الإسلامية وأمور العقيدة والعبادة
فالرجاء من سماحتكم بيان حقيقة هذا المذهب ، وآثاره السيئة ، وبيان الحق المبني على الكتاب والسًُّنَّة ، وتحقيق النقل عن شيخ الإسلام بن تيمية ، حتى يكون المسلم على بصيرة من دينه . وفقكم الله وسدد خطاكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته )) .

* وبعد دراسة اللجنة للإستفتاء أجابت بما يلي :
هذه المقالة المذكورة هي : مقالة المرجئة الذين يُخْرِجُون الأعمال عن مسمى الإيمان ، ويقولون : الإيمان هو التصديق بالقلب ، أو التصديق بالقلب والنطق باللسان فقط ، وأما الأعمال فإنها عندهم شرط كمال فيه فقط ، وليست منه ، فمن صدَّق بقلبه ونطق بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان عندهم ، ولو فعل ما فعل من ترك الواجبات وفعل المحرمات ، ويستحق دخول الجنة ولو لم يعمل خيراً قط ، ولزم على ذلك الضلال لوازم باطلة ، منها : حصر الكفر بكفر التكذيب والإستحلال القلبي .

* ولا شك أن هذا قولٌ باطلٌ وضلالٌ مبينٌ مخالفٌ للكتاب والسنة ، وما عليه أهل السنة والجماعة سلفاً وخلفاً ، وأن هذا يفتح باباً لأهل الشر والفساد ، للانحلال من الدين ، وعدم التقيد بالأوامر والنواهي والخوف والخشية من الله سبحانه ، ويعطل جانب الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويسوي بين الصالح والطالح ، والمطيع والعاصي ، والمستقيم على دين الله ، والفاسق المتحلل من أوامر الدين ونواهيه ، مادام أن أعمالهم هذه لا تخلّ بالإيمان كما يقولون .
ولذلك اهتم أئمة الإسلام - قديماً وحديثاً - ببيان بطلان هذا المذهب ، والرد على أصحابه وجعلوا لهذه المسألة باباً خاصاً في كتب العقائد ، بل ألفوا فيها مؤلفات مستقلة ، كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - وغيره .

* قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في العقيدة الواسطية : ( ومن أصول أهل السنة والجماعة : أن الدين والإيمان قول وعمل ، قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح ، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ) .

* وقال في كتاب الإيمان : ( ومن هذا الباب أقوال السلف وأئمة السنة في تفسير الإيمان ، فتارة يقولون : هو قول وعمل ، وتارة يقولون : هو قول وعمل ونية ، وتارة يقولون : هو قول وعمل ونية واتباع سنة ، وتارة يقولون : قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح ، وكل هذا صحيح ) .

* وقال رحمه الله : ( والسلف اشتد نكيرهم على المرجئة لمَّا أخرجوا العمل من الإيمان ، ولا ريب أن قولهم بتساوي إيمان الناس من أفحش الخطأ ، بل لا يتساوى الناس في التصديق ولا في الحب ولا في الخشية ولا في العلم ، بل يتفاضلون من وجوه كثيرة ) .

* وقال رحمه الله : ( وقد عدلت المرجئة في هذا الأصل عن بيان الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، واعتمدوا على رأيهم وعلى ما تأولوه بفهمهم للغة ، وهذا طريق أهل البدع ) . انتهى .

* ومن الأدلة على أن الأعمال داخلة في حقيقة الإيمان وعلى زيادته ونقصانه بها ، قوله تعالى :
(( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا )) [ الأنفال 2- 4 ] .

وقوله تعالى : (( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ )) [ المؤمنون 1- 9] .

وقوله الرسول صلى الله عليه وسلم (( الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان )) .

* قال شيخ الإسلام - رحمه الله – في كتاب الإيمان أيضاً : ( وأصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله ، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد . وما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح ، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دلَّ على عدمه أو ضعفه . ولهذا كانت الأعمال الظاهرة من موجب إيمان القلب ومقتضاه ، وهي تصديق لما في القلب ودليل عليه وشاهد له ، وهي شعبة من الإيمان المطلق وبعض ُُله ) .

* وقال أيضاً : ( بل كل مَنْ تأمل ما تقوله الخوارج والمرجئة في معنى الإيمان ، علم بالاضطرار أنه مُخالف للرسول ، ويعلم بالاضطرار أن طاعة الله ورسوله من تمام الإيمان ، وأنه لم يكن يجعل كل من أذنب ذنباً كافراً . ويعلم أنه لو قُدِّرَ أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : نحن نُؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك ونُقر بألسنتنا بالشهادتين ، إلا أنا لا نُطيعك في شيء مما أمرت به ونهيت عنه ، فلا نصلي ولا نحج ولا نصدق الحديث ولا نؤدي الأمانة ولا نفي بالعهد ولا نصل الرحم ولا نفعل شيئاً من الخير الذي أمرت به . ونشرب الخمر وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاهر ، ونقتل مَنْ قدرنا عليه مِنْ أصحابك وأمتك ونأخذ أموالهم ، بل نقتلك أيضاً ونُقاتلك مع أعدائك . هل كان يتوهم عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم : أنتم مؤمنون كاملوا الإيمان ، وأنتم أهل شفاعتي يوم القيامة ، ويرجى لكم أن لا يدخل أحد منكم النار . بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم : أنتم أكفر الناس بما جئت به ، ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك ) انتهى .

* وقال أيضاً : ( فلفظ الإيمان إذا أُطلق في القرآن والسنة يُراد به ما يراد بلفظ البر وبلفظ التقوى وبلفظ الدين كما تقدم . فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، فكان كل ما يحبه الله يدخل في اسم الإيمان . وكذلك لفظ البر يدخل فيه جميع ذلك إذا أُطلق ، وكذلك لفظ التقوى ، وكذلك الدين أو الإسلام . وكذلك رُوي أنهم سألوا عن الإيمان ، فأنزل الله هذه الآية : (( ليس البر أن تولوا وجوهكم )) [ البقرة 177 ] . إلى أن قال : ( والمقصود هنا أنه لم يثبت المدح إلا إيمان معه عمل ، لا على إيمان خال عن عمل ) .
فهذا كلام شيخ الإسلام في الإيمان ، ومن نقل غير ذلك فهو كاذب عليه .

* وأما ما جاء في الحديث : أن قوماً يدخلون الجنة لم يعملوا خيراً قط ، فليس هو عاماً لكل من ترك العمل وهو يقدر عليه . إنما هو خاص بأولئك لعُذر منعهم من العمل ، أو لغير ذلك من المعاني التي تلائم النصوص المحكمة ، وما أجمع عليه السلف الصالح في هذا الباب .

* هذا واللجنة الدائمة إذ تبيِّن ذلك فإنها تنهى وتحذر من الجدال في أصول العقيدة ، لما يترتب على ذلك من المحاذير العظيمة ، وتوصي بالرجوع في ذلك إلى كتب السلف الصالح وأئمة الدين ، المبنية على الكتاب والسنة وأقوال السلف ، وتحذر من الرجوع إلى المخالفة لذلك ، وإلى الكتب الحديثة الصادرة عن أناس متعالمين ، لم يأخذوا العلم عن أهله ومصادره الأصيلة . وقد اقتحموا القول في هذا الأصل العظيم من أصول الاعتقاد ، وتبنوا مذهب المرجئة ونسبوه ظلماً إلى أهل السنة والجماعة ، ولبَّسوا بذلك على الناس ، وعززوه عدواناً بالنقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وغيره من أئمة السلف بالنقول المبتورة ، وبمتشابه القول وعدم رده إلى المُحْكم من كلامهم . وإنا ننصحهم أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يثوبوا إلى رشدهم ولا يصدعوا الصف بهذا المذهب الضال ، واللجنة - أيضاً - تحذر المسلمين من الاغترار والوقوع في شراك المخالفين لما عليه جماعة المسلمين أهل السنة والجماعة .
وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح ، والفقه في الدين .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .


اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .


عضو


عبد الله بن عبد الرحمن الغديان


عضو


بكر بن عبد الله أبو زيد


عضو


صالح بن فوزان الفوزان


الرئيس


عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ