محمد محمد حجاج
04-02-2010, 09:28 PM
من أسباب عذاب القبر أكل الربا القبر إما حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة، وقد جعل الله بعض العقوبات في الحياة البرزخية لبعض أهل الكبائر، ومن أعظم هذه العقوبات عقوبة المرابي؛ لأن الربا من أعظم الكبائر.
وقد شدد الله الوعيد على آكلي الربا؛ فآذنهم بالحرب في الدنيا والآخرة، ومن تلك الحرب أنه أعد للمرابي عذاباً في الحياة البرزخية إلى أن تقوم الساعة قبل عذاب الآخرة.
، كل صاحب معصية لم يأذن الله بحربه كما أذن على صاحب الربا، قال عز وجل: { فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة:279] أشعل الله الحرب بينه وبين المرابي، وأطلق الفتيل، وأعلمهم بأنه محاربهم، وفي الحقيقة لا مقدرة لهم ولا قوة ولا شأن لهم بالله عز وجل؛ لأن الله يقول: { والله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } [يوسف:21].
الربا موبقة ومهلكة ومعضلة خطيرة، وقع فيها كثير من الناس في هذا الزمان، زمن الانفتاح المادي، وزمن كثرة الخير، وانتشار الفضل، وعموم الرزق من الرزاق واهب الفضل ذي الجلال والإكرام، فوقع كثير منهم إما بالجهل، أو بعدم المبالاة، أو بالرغبة في الإثراء وفي تعدد وتكثير المال ولو عن طريق الحرام، وقعوا في هذه الجريمة المنكرة التي عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات -أي: من المهلكات- بل هي من أكبر الكبائر.
هذه الجريمة الخطيرة حرمت لأسباب ولأشياء ودواعي تواجدها في المجتمعات الإسلامية، وتسببها على الإنسان المرابي في الدنيا والآخرة .
أدلة تحريم الربا من القرآن
يقول الله عز وجل: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ } [البقرة:275] أي: يوم القيامة { إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } [البقرة:275] الذي دخل فيه الجن، وقضت على العقل، يصبح يتخبط، فلا يعرف يتصرف، تجده يتكلم كلاماً غير معقول، ويتصرف تصرفات غير مسئولة، وربما يأكل أذاه؛ أي: يأكل حتى نجاسته وعذرته، وربما يقع على أمه، مجنون يتخبطه الشيطان وبعضهم يريد أن يلقي بنفسه من العمارة، وبعضهم يلقي بنفسه في النار، يفحس وجهه في جهنم.
هناك شخص مصروع إذا جاءه الجني لم يرض إلا أن يفحس وجهه في النار، من غير عقل، هذا المرابي يقوم يوم القيامة وحالته كحالة الذي يتخبطه الشيطان من المس، والسبب في هذا أنهم { قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } [البقرة:275-276].
ويقول عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } [البقرة:278-281].
ويقول عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [آل عمران:130-131]
علل تحريم الربا
لماذا حرم الله الربا؟ هذا السؤال يتردد على ألسنة وعقول عباد المادة، الذين جاءتهم نقود يريدون أن يستثمروها بأي وسيلة، يمصون دماء البشر، ولا يعانون من معاناة الآخرين، ولا يهمهم فقر الفقراء، أو موت الجائعين، إنما يهمه ما دام عنده فلوس لماذا لا يشتغل فيها بالربا؟ ولماذا حرم الله الربا؟ علل الربا ذكرها العلماء، فقالوا: إنها أربع: العلة الأولى: محض التعبد
العلة الثانية: أنه لو أحل الربا لبطلت المكاسب ولتعطلت التجارات، إذ من يحصل على درهمين بدرهم، كيف يتجشم مشقة كسب التجارة وحمل البضاعة وتسويقها وعرضها وليس هناك حاجة أو إمكانية.
إن شخصاً يتاجر قد يقول: ما دام أنا عندي فلوس وأنا أعطي الناس جنيه أوجنيهين بعشرة، أو عشرة بأحد عشر، فلا داعي أن أذهب وأشتري أشياء ولا أشتري لي دكاناً ما دام الفلوس نفسها أتاجر فيها.
وببطلان التجارة وبتعطيل المكاسب البشرية تنقطع مصالح الناس وتنعدم الحياة الاجتماعية، إذ أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارة وبالمبادلة والمعاوضة وبالحرف والصناعة، فالله أعلم بشرعه
حرم عليهم هذا ليتبادلوا المصالح، وليبدأ هذا بالشراء، أنا أعمل دكاناً في المأكولات، والثاني يعمل دكاناً في الملابس، والثالث يعمل دكاناً في الفواكه،
العلة الثالثة: أن الربا يؤدي إلى انقطاع الفضل والمعروف والإحسان والقرض الحسن، الله تبارك وتعالى شرع القرض، وبين ثوابه، والحديث في السنن وفيه مقال: ( أنه مكتوب على باب الجنة: الحسنة بعشرة أمثالها، والقرض بثمانية عشر مثلاً فلما سأل صلى الله عليه وسلم جبريل: ما بال القرض أعظم أجراً من الصدقة والقرض يعود والصدقة لا تعود؟ قال: إن المستقرض يستقرض من حاجة، والسائل ربما يسأل من غير حاجة ).
فعلاً الشحاذ والسائل أصبحت وسيلة عنده صناعة أو وظيفة، تجده يشحذ وجيبه ممتلئ بالنقود وعنده رصيد في البنك، لكن المستقرض لا يأتيك يستقرض إلا وليس معه ريال واحد، فكان أجرها أعظم؛ لأثرها على المستقرض، فلو أبيح الربا لتعطل هذا الجانب، وسوف ينعدم مبدأ المعروف، ولأصبح لما يأتي واحد تقول: بالله أنا عندي أزمة وأريد منك ألف جنيه قال: كم تعطي عليه بعد ذلك: ألف ومائة، أو ألف ومائتين، أو ألف وثلاثمائة؟ هل في هذا معروف؟ لا.
حال الربا وآكله في السنة المطهرة
لقد شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي سوف نتلوها ما طوي في هذه الآيات:
الربا من السبع الموبقات
فمنها: ما أخرجه البخاري و مسلم في الصحيحين ، والحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هي يا رسول الله؟! قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف ) أي: الهروب من ملاقاة أعداء الله: ( وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) أي: اتهامهن بالريبة وبالفحشاء.
) عقوبة آكل الربا في الحياة البرزخية
وأخرج البخاري الحديث الذي ذكرت لكم من حديث سمرة بن جندب قال: ( رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني فقالا لي: انطلق، فانطلقنا، فأتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى طرف النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل الذي على الشاطئ بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء رجع ورُجم، فقلت: ما هذا الذي رأيت؟ قيل: هذا آكل الربا ).
لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه
وأخرج مسلم في صحيحة قوله صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ) كلهم ملعونون، إما تؤكل أو تأكل أو تكتب أو تشهد عليه، واقع في اللعنة من بعيد. أخرج الحاكم في مستدركه وصححه قال: ( أربع حق على الله عز وجل أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها ) وطبعاً الذي ما يدخل الجنة لا يقعد عند الباب بل يذهب إلى النار.
( مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم، والعاق لوالديه ) -أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
الربا ثلاث وسبعون باباً
أخرج الحاكم على شرط الشيخين و البيهقي قال: ( الربا ثلاث وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ).
وروى ابن ماجة بسند صحيح، كما رواه البيهقي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( الربا سبعون باباً أدناها أن يقع الرجل على أمه ) والذي يمارس الآن أعلى شيء، لكن أقلها كأن يأتي الرجل أو يقع الرجل على أمه والعياذ بالله.
وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح و الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية في الإسلام ).
سوء عاقبة آكلي الربا
يقول في الحديث: ( فأتيت على قوم بطونهم كالبيوت -كالعمارات بطنه- فيها حيات ) الله أكبر! تحول المال إلى حيات وعقارب، يقلقل ويصلصل داخل بطنه.
( فيها حيات ترى من خارج البطون ) البطن شفاف من انتفاخه، منتفخ مثلما تنفخ البالونة حتى تبقى شفافة وداخلها الحيات والعقارب، والناس يرون هذه الأموال والأكياس والسيارات والعمارات تحولت إلى حيات وعقارب داخل بطنه، قلت: ( يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أكلة الربا ) والعياذ بالله.
وأخرج الأصفهاني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لما عرج بي إلى السماء نظرت في سماء الدنيا، فإذا رجال بطونهم كأمثال البيوت العظام -العمارات الضخمة- قد مالت بهم بطونهم، وهم منضدون -أي: مرميون - على سابلة آل فرعون، موقوفون على النار كل غداة وعشي يقولون: ربنا لا تقم الساعة أبداً.
قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أكلة الربا من أمتك لا يقومون إلا كما يقوم الذي يخبطه الشيطان من المس ).
فيا أخواني! هل بقي مبرر لشخص يرابي؟ لا والله لا يوجد مبرر أبداً، بل علينا من الآن من كان له مبلغ في أي مكان من أجل الربا عليه أن يعود إلى الله، ويتوب إلى الله، ويقنع بالحلال، ويكتفي بما رزقه الله عز وجل، ليبارك الله له في رزقه في الدنيا، ويبارك له في رزقه في الآخرة.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقني وإياكم حسن القول وصالح العمل، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام
وقد شدد الله الوعيد على آكلي الربا؛ فآذنهم بالحرب في الدنيا والآخرة، ومن تلك الحرب أنه أعد للمرابي عذاباً في الحياة البرزخية إلى أن تقوم الساعة قبل عذاب الآخرة.
، كل صاحب معصية لم يأذن الله بحربه كما أذن على صاحب الربا، قال عز وجل: { فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة:279] أشعل الله الحرب بينه وبين المرابي، وأطلق الفتيل، وأعلمهم بأنه محاربهم، وفي الحقيقة لا مقدرة لهم ولا قوة ولا شأن لهم بالله عز وجل؛ لأن الله يقول: { والله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } [يوسف:21].
الربا موبقة ومهلكة ومعضلة خطيرة، وقع فيها كثير من الناس في هذا الزمان، زمن الانفتاح المادي، وزمن كثرة الخير، وانتشار الفضل، وعموم الرزق من الرزاق واهب الفضل ذي الجلال والإكرام، فوقع كثير منهم إما بالجهل، أو بعدم المبالاة، أو بالرغبة في الإثراء وفي تعدد وتكثير المال ولو عن طريق الحرام، وقعوا في هذه الجريمة المنكرة التي عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات -أي: من المهلكات- بل هي من أكبر الكبائر.
هذه الجريمة الخطيرة حرمت لأسباب ولأشياء ودواعي تواجدها في المجتمعات الإسلامية، وتسببها على الإنسان المرابي في الدنيا والآخرة .
أدلة تحريم الربا من القرآن
يقول الله عز وجل: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ } [البقرة:275] أي: يوم القيامة { إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } [البقرة:275] الذي دخل فيه الجن، وقضت على العقل، يصبح يتخبط، فلا يعرف يتصرف، تجده يتكلم كلاماً غير معقول، ويتصرف تصرفات غير مسئولة، وربما يأكل أذاه؛ أي: يأكل حتى نجاسته وعذرته، وربما يقع على أمه، مجنون يتخبطه الشيطان وبعضهم يريد أن يلقي بنفسه من العمارة، وبعضهم يلقي بنفسه في النار، يفحس وجهه في جهنم.
هناك شخص مصروع إذا جاءه الجني لم يرض إلا أن يفحس وجهه في النار، من غير عقل، هذا المرابي يقوم يوم القيامة وحالته كحالة الذي يتخبطه الشيطان من المس، والسبب في هذا أنهم { قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } [البقرة:275-276].
ويقول عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ } [البقرة:278-281].
ويقول عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [آل عمران:130-131]
علل تحريم الربا
لماذا حرم الله الربا؟ هذا السؤال يتردد على ألسنة وعقول عباد المادة، الذين جاءتهم نقود يريدون أن يستثمروها بأي وسيلة، يمصون دماء البشر، ولا يعانون من معاناة الآخرين، ولا يهمهم فقر الفقراء، أو موت الجائعين، إنما يهمه ما دام عنده فلوس لماذا لا يشتغل فيها بالربا؟ ولماذا حرم الله الربا؟ علل الربا ذكرها العلماء، فقالوا: إنها أربع: العلة الأولى: محض التعبد
العلة الثانية: أنه لو أحل الربا لبطلت المكاسب ولتعطلت التجارات، إذ من يحصل على درهمين بدرهم، كيف يتجشم مشقة كسب التجارة وحمل البضاعة وتسويقها وعرضها وليس هناك حاجة أو إمكانية.
إن شخصاً يتاجر قد يقول: ما دام أنا عندي فلوس وأنا أعطي الناس جنيه أوجنيهين بعشرة، أو عشرة بأحد عشر، فلا داعي أن أذهب وأشتري أشياء ولا أشتري لي دكاناً ما دام الفلوس نفسها أتاجر فيها.
وببطلان التجارة وبتعطيل المكاسب البشرية تنقطع مصالح الناس وتنعدم الحياة الاجتماعية، إذ أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارة وبالمبادلة والمعاوضة وبالحرف والصناعة، فالله أعلم بشرعه
حرم عليهم هذا ليتبادلوا المصالح، وليبدأ هذا بالشراء، أنا أعمل دكاناً في المأكولات، والثاني يعمل دكاناً في الملابس، والثالث يعمل دكاناً في الفواكه،
العلة الثالثة: أن الربا يؤدي إلى انقطاع الفضل والمعروف والإحسان والقرض الحسن، الله تبارك وتعالى شرع القرض، وبين ثوابه، والحديث في السنن وفيه مقال: ( أنه مكتوب على باب الجنة: الحسنة بعشرة أمثالها، والقرض بثمانية عشر مثلاً فلما سأل صلى الله عليه وسلم جبريل: ما بال القرض أعظم أجراً من الصدقة والقرض يعود والصدقة لا تعود؟ قال: إن المستقرض يستقرض من حاجة، والسائل ربما يسأل من غير حاجة ).
فعلاً الشحاذ والسائل أصبحت وسيلة عنده صناعة أو وظيفة، تجده يشحذ وجيبه ممتلئ بالنقود وعنده رصيد في البنك، لكن المستقرض لا يأتيك يستقرض إلا وليس معه ريال واحد، فكان أجرها أعظم؛ لأثرها على المستقرض، فلو أبيح الربا لتعطل هذا الجانب، وسوف ينعدم مبدأ المعروف، ولأصبح لما يأتي واحد تقول: بالله أنا عندي أزمة وأريد منك ألف جنيه قال: كم تعطي عليه بعد ذلك: ألف ومائة، أو ألف ومائتين، أو ألف وثلاثمائة؟ هل في هذا معروف؟ لا.
حال الربا وآكله في السنة المطهرة
لقد شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي سوف نتلوها ما طوي في هذه الآيات:
الربا من السبع الموبقات
فمنها: ما أخرجه البخاري و مسلم في الصحيحين ، والحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: وما هي يا رسول الله؟! قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف ) أي: الهروب من ملاقاة أعداء الله: ( وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) أي: اتهامهن بالريبة وبالفحشاء.
) عقوبة آكل الربا في الحياة البرزخية
وأخرج البخاري الحديث الذي ذكرت لكم من حديث سمرة بن جندب قال: ( رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني فقالا لي: انطلق، فانطلقنا، فأتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى طرف النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل الذي على الشاطئ بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء رجع ورُجم، فقلت: ما هذا الذي رأيت؟ قيل: هذا آكل الربا ).
لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه
وأخرج مسلم في صحيحة قوله صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ) كلهم ملعونون، إما تؤكل أو تأكل أو تكتب أو تشهد عليه، واقع في اللعنة من بعيد. أخرج الحاكم في مستدركه وصححه قال: ( أربع حق على الله عز وجل أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها ) وطبعاً الذي ما يدخل الجنة لا يقعد عند الباب بل يذهب إلى النار.
( مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم، والعاق لوالديه ) -أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
الربا ثلاث وسبعون باباً
أخرج الحاكم على شرط الشيخين و البيهقي قال: ( الربا ثلاث وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ).
وروى ابن ماجة بسند صحيح، كما رواه البيهقي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( الربا سبعون باباً أدناها أن يقع الرجل على أمه ) والذي يمارس الآن أعلى شيء، لكن أقلها كأن يأتي الرجل أو يقع الرجل على أمه والعياذ بالله.
وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح و الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية في الإسلام ).
سوء عاقبة آكلي الربا
يقول في الحديث: ( فأتيت على قوم بطونهم كالبيوت -كالعمارات بطنه- فيها حيات ) الله أكبر! تحول المال إلى حيات وعقارب، يقلقل ويصلصل داخل بطنه.
( فيها حيات ترى من خارج البطون ) البطن شفاف من انتفاخه، منتفخ مثلما تنفخ البالونة حتى تبقى شفافة وداخلها الحيات والعقارب، والناس يرون هذه الأموال والأكياس والسيارات والعمارات تحولت إلى حيات وعقارب داخل بطنه، قلت: ( يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أكلة الربا ) والعياذ بالله.
وأخرج الأصفهاني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لما عرج بي إلى السماء نظرت في سماء الدنيا، فإذا رجال بطونهم كأمثال البيوت العظام -العمارات الضخمة- قد مالت بهم بطونهم، وهم منضدون -أي: مرميون - على سابلة آل فرعون، موقوفون على النار كل غداة وعشي يقولون: ربنا لا تقم الساعة أبداً.
قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أكلة الربا من أمتك لا يقومون إلا كما يقوم الذي يخبطه الشيطان من المس ).
فيا أخواني! هل بقي مبرر لشخص يرابي؟ لا والله لا يوجد مبرر أبداً، بل علينا من الآن من كان له مبلغ في أي مكان من أجل الربا عليه أن يعود إلى الله، ويتوب إلى الله، ويقنع بالحلال، ويكتفي بما رزقه الله عز وجل، ليبارك الله له في رزقه في الدنيا، ويبارك له في رزقه في الآخرة.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقني وإياكم حسن القول وصالح العمل، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام