مشاهدة النسخة كاملة : الربااااااااااااااااااااااااااااااااااانيه


عبد الرحمن ثانوى
25-02-2007, 01:21 PM
خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام :rolleyes:

للحياة الربانية أو الروحية في الإسلام خصائص تميزها عن أي حياة تنسب إلى الروح في الأديان الأخرى، كتابية أو وضعية.

1. التوحيد :)

التوحيد هو أول خصائص الحياة الروحية في الإسلام، وهو أيضا أول مقوماتها، فلا وجود لهذه الحياة بغير التوحيد، ولا تميز لها بغير التوحيد.

ومعنى التوحيد هو: إفراد الله تعالى بالعبادة والاستعانة، فلا يعبد إلا الله، ولا يستعان إلا بالله، وهذا مقتضى قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) الآية التي جعلها الله تعالى واسطة عقد فاتحة الكتاب وأم القرآن، وجعلها الإمام الهروي محور رسالته "منازل السائرين، إلى مقامات: إياك نعبد وإياك نستعين" والتي شرحها ابن القيم في "مدارج السالكين".

والعبادة معنى مركب من عنصرين: غاية الخضوع للمعبود، مع غاية الحب له، كما شرحنا ذلك في كتابنا "العبادة في الإسلام". وهي الغاية من خلق المكلفين جميعا: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

لقد بين القرآن أن الأنبياء جميعا بعثوا إلى أقوامهم برسالة التوحيد: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)، وتحريرهم من عبادة الطاغوت أيا كان اسمه وعنوانه، وأيا كان شكله وصورته: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).

قد يكون هذا الطاغوت المعبود من دون الله بشرا أو جنا مختفيا عن الأعين. وقد يكون حيوانا كالبقرة والعجل، وقد يكون قوة من قوى الطبيعة، وقد يكون حجرا من الأحجار، نحته الناس وصوروه ثم عبدوه! قد يكون شيطانا مريدا، وقد يكون نبيا معصوما أو وليا صالحا، ولا ذنب له في عبادتهم إياه.

جاء الإسلام يحرر الناس من عبادة غير الله: عبادة الأشخاص، وعبادة الأشياء، وعبادة الأهواء، وقد قال ابن عباس: "شر إله عبد في الأرض الهوى".

وكانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك النصارى وأمراء أهل الكتاب تختم بهذه الآية الكريمة: (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله).

إن الذي أفسد الحياة، وأضل الناس، ليس هو الإلحاد، فقد كان الملحدون الجاحدون لوجود الله قلة لا وزن لها طوال عصور التاريخ، إنما هو الشرك، الذي جعل الناس يعبدون مع الله آلهة أخرى، يزعمون أنها شفعاؤهم عند الله. وقد غدا هذا الشرك وكرا للكهانة والدجل، ومباءة للخرافات والأباطيل. والانحطاط بالإنسان من ذرا الكرامة إلى حضيض الهوان: (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق).

إن الحياة الروحية كما يريدها الإسلام تقوم على التوحيد الخالص لله، وهذا التوحيد يقوم على عناصر أربعة، أشارت إليها سورة الأنعام، وهي سورة التوحيد:

أولها: ألا يبغي غير الله ربا: (قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء).

وثانيهما: ألا يتخذ غير الله وليا: (قل أغير الله اتخذ وليا فاطر السموات والأرض).

وثالثهما: ألا يبتغي غير الله حكما: (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا).

ورابعها: ألا يبتغي غير رضا الله غاية: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له).

فإذا اكتملت هذه العناصر علما وحالا وعملا، تحقق التوحيد، الذي هو أساس الحياة الروحية، بل هو روح الوجود الإسلامي كله.


2. الاتباع :ph34r:

وثانية خصائص هذه الحياة كما يريدها الإسلام: الاتباع.

فليست الحياة الربانية أو الروحية الإسلامية مادة هلامية رجراجة، يشكلها الناس بما يشاءون، وكيف يشاءون، بل هي حياة منضبطة بأحكام الشرع الإلهي.

وإذا كان جوهر الحياة الروحية هو حسن الصلة بالله تعالى، بذكره وشكره وحسن عبادته جل شأنه، فإن هذه الصلة مضبوطة بأصلين أساسيين:

الأول: أن تكون العبادة لله وحده، فلا يشرك به أحد، ولا يشرك به شيء، لا نبي ولا ولي، ولا ملك ولا جن، ولا بشر ولا حجر: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء).

(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا).

الثاني: ألا يعبد الله إلا بما شرعه، في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حتى لا يشرع أحد في الدين ما لم يأذن به الله، فالأصل في العبادات الشعائرية التوقيف والمنع، حتى يأتي نص من الشارع ينشئها، على خلاف الأصل في العادات والمعاملات وشئون الحياة، فالأصل فيها الإذن والإباحة، ما لم يأت نص محرم من الشارع.

وقد سئل أبو علي الفضيل بين عياض رضي الله عنه عن قوله تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا): ما أحسن العمل؟ قال: أحسن العمل أخلصه وأصوبه، فلا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا صوابا، قيل: وما خلوصه وصوابه؟ قال: خلوصه أن يكون لله، وصوابه أن يكون على السنة.

فالذين يحكمون أذواقهم ومواجيدهم في إنشاء صور وابتداع أشكال وأساليب للعبادة، استحسنتها عقولهم، وزينتها لهم أهواؤهم، مخطئون خطئا فاحشا، وإن كانوا يقصدون التقرب إلى الله تعالى: فإن شرعية العبادة لا تستمد من تحسين العقل، ولا من تزيين الهوى، بل من الوحي وحده.

ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد".

يريد: من ابتدع في ديننا صورا للتعبد لم يشرعها الله فهي مردودة عليه، غير مقبولة منه.

وقال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة".



. الامتداد والشمول ;)

وثالثة هذه الخصائص تتمثل في الامتداد والشمول.

فالمسلم لا يعيش حياتين متناقضتين: روحية مستقلة ومادية منفردة..

بل هي حياة واحدة تمتزج فيها الروحانية بالمادية امتزاج الروح بالجسم والعصارة بالغصن.

فالحياة الروحية للمسلم حياة ممتدة عميقة نافذة شاملة، تصحبه في جلوته وخلوته، في البيت وفي الطريق، في العلم وفي العمل، في السفر وفي الحضر، عند النوم وعند اليقظة، فليست الحياة الروحية للمسلم مقصورة على المسجد، عند أداء العبادة الشعائرية، ثم ينطلق محلول اللجام، لا يتقيد بشيء، بل هو مع الله دائما، لا يغفل عنه، ولا ينسى ذكره، ولا يهمل رقابته: (ولله المشرق والمغرب، فأينما تولوا فثم وجه الله)، (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا).

ولهذا شرع الذكر والدعاء في كل شأن من شئون الحياة: في الإصباح والإمساء، والدخول والخروج، والأكل والشرب، والنوم واليقظة، والسفر والأوبة، حتى عند الشهوة الجنسية: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا).

والمسلم في أعماله الدنيوية المحضة من زراعة وصناعة وتجارة وإدارة، ليس معزولا عن الحياة الروحية، فهو مطالب بأن يراقب الله في عمله، فيتقنه، فلا يغش ولا يخون ولا يظلم: "إن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن"، "إن الله كتب الإحسان على كل شيء". وهو مطالب كذلك ألا يلهيه أمر دنياه عن واجبه نحو ربه، فإذا نادى المنادي أن "حي على الصلاة" انتشل نفسه من لجة الأشغال الدنيوية، ليقف بين يدي ربه مناجيا خاشعا، وهو ما وصف الله به رواد مساجده، وعمار بيوته، بقوله: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار).

على أن المسلم بنيته الصالحة، واتجاهه الصادق إلى الله، يستطيع أن يجعل أعماله الدنيوية عبادات وقربات إلى الله تعالى.

إن المؤمن ليؤجر في كل شيء حتى "في اللقمة يضعها في فم امرأته" من باب الممازحة والمؤانسة. حتى الصلة الجنسية المباحة، صلة الزوج بزوجه، كما جاء في الصحيح: "وفي بضع أحدكم صدقة"، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه زور؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".

ومقتضى هذا أن تغدو الأرض كلها مسجدا للمسلم، يتعبد فيه لربه، وتصبح أعماله كلها قربات إلى الله جل جلاله، فهو يشعر دائما أنه في محراب صلاة، لأنه أبدا مع الله!



ونستكمل ان شاء الله فى وقت لاحق: