مشاهدة النسخة كاملة : تصور الإله عند أهل الجاهلية


خالد مسعد .
19-02-2010, 02:12 PM
تصور الإله عند أهل الجاهلية يجمل بنا أن ننظر ماذا كانت تصورّات العرب والأمم القديمة في باب الألوهية التي جاء القرآن بإبطالها.

أولاً: يقول سبحانه وتعالى: "واتخذوا من دون الله آلهةً ليكونوا لهم عزاً " [مريم:81]، وقال:" واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم يُنصرون " [يس: 74]. يتبين من هاتين الآيتين الكريمتين أن الذين كان يحسبهم أهل الجاهلية آلهة لأنفسهم كانوا يظنون بهم أنهم أولياؤهم وحماتهم في النوائب والشدائد، وأنهم يكونون بمأمن من الخوف والنقض إذا احتموا بجوارهم.

"فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لمّا جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب " [هود: 101].

" والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون أمواتٌ غير أحياءٍ وما يشعرون أيّان يبعثون إلهكم إلهٌ واحدٌ " [النحل: 20-22]. وقال: " ولا تدع مع الله إلهاً آخر، لا إله إلا هو " [القصص: 88]. وقال: " وما يتّبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون " [يونس: 66].

وتتجلى من هذه الآيات بضعة أمور، أحدها أن الذين كان أهل الجاهلية يتخذونهم آلهة لهم كانوا يدعونهم عند الشدائد ويستغيثون بهم؛ والثاني أن آلهتهم أولئك لم يكونوا من الجن أو الملائكة أو الأصنام فحسب بل كانوا كذلك أفرادًا من البشر قد ماتوا من قبل، كما يدل عليه قوله تعالى: "أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون أيان يُبعثون" دلالة واضحة. والثالث أنهم كانوا يزعمون أن آلهتهم هذه يسمعون دعاءهم ويقدرون على نصرهم.

ولا بد للقارئ في هذا المقام من أن يكون على ذكر من مفهوم الدعاء، ومن وضعية النصرة التي يرجوها الإنسان من الإله، فالمرء إذا كان أصابه العطش مثلاً فدعا خادمه، وأمره بإحضار الماء أو إذا أصيب بمرض فدعا الطبيب لمداواته، ولا يصحّ أن يطلق على طلب الرجل للخادم أو للطبيب حكم "الدعاء".

وكذلك ليس من معناه أن الرجل قد اتخذ الخادم أو الطبيب إلهًا له، وذلك أن كل ما فعله الرجل جار على قانون العلل والأسباب، ولا يخرج عن دائرة حكمه، ولكنه إذا استغاث بولي أو وثن - وقد أجهده العطش أو المرض- بدلاً من أن يدعو الخادم أو الطبيب، فلا شك أنه دعاه لتفريج الكربة، واتخذه إلهًا، فإنه دعا وليًا قد ثوى في قبر يبعد عنه بمئات من الأميال، فكأني له يراه سميعًا بصيرًا، ويزعم أن له نوعًا من السلطة على عالم الأسباب؛ مما يجعله قادرًا على أن يقوم بإبلاغه الماء أو شفائه من المرض، وكذلك إذا دعا وثنًا في مثل هذه الحال يلتمس منه الماء أو الشفاء، فكأنه يعتقد أن الوثن حكمه نافذ على الماء أو الصحة أو المرض؛ مما يقدر به أن يتصرف في الأسباب لقضاء حاجته تصرفًا غيبيًا خارجًا عن قوانين الطبيعة.

وصفوة القول أن التصور الذي لأجله يدعو الإنسان الإله ويستغيثه ويتضرع إليه هو لا جرم تصور كونه مالكًا للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة وللقوى الخارجة عن دائرة نفوذ قوانين الطبيعة.

ثانيًا: " ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرَّفنا الآيات لعلهم يرجعون فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهةً بل ضلّوا عنهم وذلك إفكُهم وما كانوا يفترون " [الأحقاف : 27-28].

"ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون، أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضرٍّ لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون " [يس: 22-23]. وقال: ""والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زُلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون " [الزمر: 3]. وقال: " ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله" [يونس: 18].

فيتجلى من هذه الآيات الكريمة أمور عديدة، منها أن أهل الجاهلية ما كانوا يعتقدون في آلهتهم أن الألوهية قد توزعت فيما بينهم، فليس فوقهم إله قاهر، بل كان لديهم تصور واضح لإله قاهر، كانوا يعبرون عنه بكلمة (الله) في لغتهم، وكانت عقيدتهم الحقيقة في شأن سائر الآلهة أن لهم شيئًا من التدخل والنفوذ في ألوهية ذلك الإله الأعلى، وأن كلمتهم تُتَلقى عنده بالقبول، وأنه يمكن أن تتحقق أمانينا بواسطتهم، ونستدر النفع، ونتجنب المضار باستشفاعهم، ولمثل هذه الظنون كانوا يتخذونهم أيضًا آلهة مع الله تعالى، ومن هنا يتبين أن الإنسان إذا ما اتخذ أحدًا شافعًا له عند الله ثم أصبح يدعوه ويستعين به، ويقوم بآداب التبجيل والتعظيم، ويقدم له القربات والنذور، فكل ذلك على ما اصطلح عليه أهل الجاهلية اتخاذه إياه إلهًا.

ثالثًا: " وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحدٌ فإياي فارهبون " [النحل: 51]. وقال: " ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً " [الأنعام: 80]. وقال: " إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء " [هود: 54] .

ويتضح من هذه الآيات الحكيمة أن أهل الجاهلية كانوا يخافون من قبل آلهتهم أنهم إن أسخطوا آلهتهم على أنفسهم لسبب من الأسباب أو حرموا عنايتهم بهم وعطفهم عليهم نابتهم نوائب المرض والقحط والنقص في الأنفس والأموال، ونزلت بهم نوازل أخرى.

رابعًا: " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو" [التوبة: 31]. وقال: " أرأيت من اتخذ إلهه هواه، أفأنت تكون عليه وكيلاً " [الفرقان: 43]. وقال:" وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم " [الأنعام: 137]. وقال: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله " [الشورى: 21] .

وفي الآيات يقف المتأمل على معنى آخر لكلمة (الإله) يختلف كل الاختلاف عن كل ما تقدم ذكره من معانيها، فليس ههنا شيء من تصور السلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة، فالذي اتّخذ إلهًا هو إما واحد من البشر أو نفس الإنسان نفسه، ولم يتخذ ذلك إلهًا من حيث إن الناس يدعونه أو يعتقدون فيه أنه يضرهم وينفعهم، أو أنه يستجار به، بل قد اتخذوه إلهًا من حيث تلقوا أمره شرعًا لهم، وائتمروا بأمره، وانتهوا عما نهى عنه، واتبعوه فيما حلله وحرمه، وزعموا أن له الحق في أن يأمر وينهى بنفسه، وليس فوقه سلطة قاهرة يحتاج إلى الرجوع والاستناد إليها.

فالآية الأولى تبين لنا كيف اتخذت اليهود والنصارى أحبارهم ورهبانهم أربابًا وآلهة من دون الله، كما بين ذلك الحديث النبوي الشريف فيما رواه الإمام الترمذي وابن جرير من طرق عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه-: "أنه دخل على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وفي عنقه صليب من ذهب وهو يقرأ هذه الآية، قال، فقلت: إنهم لم يعبدوهم، فقال: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم".

وأما الآية الثانية فمعناها واضح كل الوضوح، وذلك أن من يتبع هوى النفس، ويرى أمره فوق كل أمر فقد اتخذ نفسه إلهًا له في واقع الأمر.

أما الآيتان التاليتان بعدهما فإنه وإن وردت فيهما كلمة (الشركاء) مكان (الإله) فالمراد بالشرك هو الإشراك بالله تعالى في الألوهية، ففي هاتين الآيتين دلالة واضحة على أن الذين يرون أن ما وضعه رجل أو طائفة من الناس من قانون أو شرعة أو رسم هو قانون شرعي من غير أن يستند إلى أمر من الله تعالى، فهم يشركون ذلك الشارع بالله تعالى في الألوهية.
===========
العلامة أبو الأعلى المودودي

Mr. Medhat Salah
18-11-2010, 08:21 PM
http://files.fatakat.com/2009/6/1245707231.gif

MR.Mamdouh Ramadan
18-12-2010, 04:41 PM
.................................................. .