Dr-Mahmoud Ehab
24-02-2010, 06:03 PM
يوم 21 يناير 1985 اتولد إيهاب حلمي. يوم 4 ديسمبر 2008 مات إيهاب حلمي.
إيهاب - رحمة الله عليه - خريج صيدلة إسكندرية دفعة 2007. وزي معظم الصيادلة دلوقتي ، إيهاب بعد ما اتخرج اشتغل في صيدلية - مقابل ملاليم طبعا - لحد ما يشوف موقفه من التجنيد. وبعد ما جاله التأجيل - زي معظم الصيادلة برضه - بدأ يقدم في شركات الأدوية علشان يشتغل مندوب دعاية. وزي معظم الصيادلة عمل السي في وبعته مع أصحابه لشركات كتير ، وعمل شوية إنترفيوهات في أكتر من شركة لحد ما قبل في شركة محلية اسمها إيبكس. إيهاب كان بيفكر - زي معظم الصيادلة كذلك - إنه يروح شركة عالمية (مالتي ناشونال) علشان يقدر يسافر بعدها لشركة عالمية في الخليج ، يعمل قرشين ويرجع يفكر يعمل إيه بالقرشين دول. يتجوز ، يفتح صيدلية ، يكمل شغل في الدعاية تاني كمدير. مش مهم. المهم إن إيهاب كان حيموت ويسيب إيبكس. لكنه مات قبل ما يسيب إيبكس.
يا ترى إيهاب حلمي كان حلمه إيه؟ أكيد كان حلمه أي حاجة تانية إلا إنه يشتغل مندوب دعاية! أكيد كان أي حاجة تانية غير إنه يتخرج من كلية درس فيها الصيدلة لمدة خمس سنين علشان يصحى الصبح يلبس القميص والكرافتة وينزل معاه شنطة فيها "عينات طبية مجانية" يوزعها على الدكاترة مع شوية أقلام وكراسات و"بروشورات" فيها كلام فارغ محدش بيبص فيه و"ريبورتات" يبلغ فيها مديره إنه عمل كل ده! الصبح يزور المستشفيات وبعد الضهر لحد بالليل يزور العيادات الخاصة. شغله الفعلي في اليوم ميعديش ربع ساعة في بيقابل فيها عشر دكاترة كل دكتور دقيقة ونص! طبعا دقيقة ونص! ماهو الدكتور متوسط الشهرة بيجيله في اليوم ييجي 30 مندوب دعاية! حيقابل مين ولا مين يعني؟ وبعدين إيه المشكلة لما المندوب يستنى في عيادة الدكتور بالساعة والساعتين علشان يقابله دقيقة ولا دقيقتين؟ عادي يعني ممكن يقعد يلعب "سنيك" ع الموبايل أو يشوف أي مندوب تاني ويتبادلوا المعلومات عن الأماكن الفاضية في الشركات!
وبعدين يا ريت المشكلة في كده وبس! الجانب التاني - اللي مش كتير ح يحب يفكر أصلا فيه - هوا إن عملية ترويج الدوا دي هيا عملية بيع حاجة البياع مش شايفها وبيبيعها لحد هوا مش شايفه أصلا! المندوب معلوماته عن الدوا - إن وجدت - فمصدرها الوحيد هو الشركة المنتجة للدوا! يعني الشركة بتجمع المندوبين بتوعها في فندق خمس نجوم ويكلموهم عن إن الدوا ده أحسن دوا وآمن جدا ومعتمد من هيئة الأمم المتحدة ورقم واحد في السوق العالمي - وكل الأدوية بشكل ما رقم واحد في السوق العالمي! - ومالوش أي آثار جانبية والمصحف! ده من جانب. الجانب التاني هوا إن المستهلك الحقيقي هنا هوا المريض. والمريض ده بقى آخر حد بيعرف أي حاجة عن الدوا اللي هوا بيتعالج بيه لمدد ممكن توصل لعشرات السنين! اللي بيبيع الدوا أعمى واللي بيشتريه أعمى! والوسيط بينهم دكتور ممكن جدا تكون أولوياته حاجات تانية غير إن المريض يخف. بذمتك قوللي لو إنتا دكتور وشركة دوا طلبت منك تكتب 200 علبة من الدوا بتاعها علشان تطلعك "مؤتمر طبي" 3 أيام في تايلاند إنتا والمدام ، حترفض؟!
والسؤال البديهي جدا: لما المهنة دي زي الزفت كده. ليه معظم الصيادلة - بل والأطباء البشري والأسنان والبيطري وخريجي كلية العلوم والزراعة وقريبا التجارة والحقوق والآداب والتربية! - بيشتغلوا مندوبين؟؟؟ الإجابة بمنتهى البساطة إن متوسط دخل مندوب المبيعات حوالي 1500 جنيه. ومعظم الشركات بتسلم عربية للمندوب. وفيه وعد دائم بالسفر للخليج زي ما قلنا.
لكن السؤال اللي مش بديهي هوا ليه الشركات بتدفع مبالغ كبيرة - بمقاييس المرتبات المصرية - للمندوبين؟ هل علشان مهاراتهم العلمية؟ لأ طبعا! هو العلم حيفيدهم بإيه لا مؤاخذة؟ طب هل علشان مهاراتهم الشخصية وقدرتهم على البيع؟ بيع مين يا عم ده مفيش دكتور بيقبل يشوف خلقة مندوب أصلا! وهوا ده اسمه بيع أساسا؟؟؟ طيب يبقى علشان بيشتغلوا كتير؟! كتير إزاي ولسه بأقوللك ربع ساعة في اليوم والباقي انتظار والعربية كمان عليهم!
أمال الإجابة إيه؟ في رأيي أنا المرتب والمميزات دي كلها علشان يقبل يشتغل في المهنة دي! علشان ميفكرش كتير في كل الكلام اللي اتقال من شوية. كده وبمنتهى الوضوح.
الحل؟ مين اللي قال إني جاي أقدمه؟ أنا بس بأقول كلمتين كانوا محبوسين في صدري من زمان. من ساعة ما اشتغلت مندوب في شركة إيبكس ، ولقيت نفسي بأفكر كده لحد ما أخدت قرار إني أسيب الوظيفة دي ، والمهنة دي ، وحتى مجال الصيدلة كله وأروح أدور على حلمي بعيد عن الشركات اللي بقت أكبر وأشرس وأوطى من الدول!
يمكن الحل إننا نبدأ نفكر في حياتنا. في أحلامنا. في قيمنا ومبادئنا. يمكن الحل إننا نقرر إن مفيش حد ح يسرق مننا عمرنا وأحلامنا حتى لو كان الحد ده شركة بتدينا 1500 جنيه في الشهر وعربية!
ربنا يرحمك ويغفر لك يا إيهاب. ويرزقنا إننا نشوف حكمة ربنا ورسالته لينا عن طريقك. إنتا مت وإنتا صايم. مش بس عن الأكل والشرب. كنت صايم كمان عن حلمك يا إيهاب حلمي. بأدعيلك تفطر في جنة ربك. وبأدعيلنا نفطر على أحلامنا قبل ما تتعشى الدنيا بينا.
منقووووول
إيهاب - رحمة الله عليه - خريج صيدلة إسكندرية دفعة 2007. وزي معظم الصيادلة دلوقتي ، إيهاب بعد ما اتخرج اشتغل في صيدلية - مقابل ملاليم طبعا - لحد ما يشوف موقفه من التجنيد. وبعد ما جاله التأجيل - زي معظم الصيادلة برضه - بدأ يقدم في شركات الأدوية علشان يشتغل مندوب دعاية. وزي معظم الصيادلة عمل السي في وبعته مع أصحابه لشركات كتير ، وعمل شوية إنترفيوهات في أكتر من شركة لحد ما قبل في شركة محلية اسمها إيبكس. إيهاب كان بيفكر - زي معظم الصيادلة كذلك - إنه يروح شركة عالمية (مالتي ناشونال) علشان يقدر يسافر بعدها لشركة عالمية في الخليج ، يعمل قرشين ويرجع يفكر يعمل إيه بالقرشين دول. يتجوز ، يفتح صيدلية ، يكمل شغل في الدعاية تاني كمدير. مش مهم. المهم إن إيهاب كان حيموت ويسيب إيبكس. لكنه مات قبل ما يسيب إيبكس.
يا ترى إيهاب حلمي كان حلمه إيه؟ أكيد كان حلمه أي حاجة تانية إلا إنه يشتغل مندوب دعاية! أكيد كان أي حاجة تانية غير إنه يتخرج من كلية درس فيها الصيدلة لمدة خمس سنين علشان يصحى الصبح يلبس القميص والكرافتة وينزل معاه شنطة فيها "عينات طبية مجانية" يوزعها على الدكاترة مع شوية أقلام وكراسات و"بروشورات" فيها كلام فارغ محدش بيبص فيه و"ريبورتات" يبلغ فيها مديره إنه عمل كل ده! الصبح يزور المستشفيات وبعد الضهر لحد بالليل يزور العيادات الخاصة. شغله الفعلي في اليوم ميعديش ربع ساعة في بيقابل فيها عشر دكاترة كل دكتور دقيقة ونص! طبعا دقيقة ونص! ماهو الدكتور متوسط الشهرة بيجيله في اليوم ييجي 30 مندوب دعاية! حيقابل مين ولا مين يعني؟ وبعدين إيه المشكلة لما المندوب يستنى في عيادة الدكتور بالساعة والساعتين علشان يقابله دقيقة ولا دقيقتين؟ عادي يعني ممكن يقعد يلعب "سنيك" ع الموبايل أو يشوف أي مندوب تاني ويتبادلوا المعلومات عن الأماكن الفاضية في الشركات!
وبعدين يا ريت المشكلة في كده وبس! الجانب التاني - اللي مش كتير ح يحب يفكر أصلا فيه - هوا إن عملية ترويج الدوا دي هيا عملية بيع حاجة البياع مش شايفها وبيبيعها لحد هوا مش شايفه أصلا! المندوب معلوماته عن الدوا - إن وجدت - فمصدرها الوحيد هو الشركة المنتجة للدوا! يعني الشركة بتجمع المندوبين بتوعها في فندق خمس نجوم ويكلموهم عن إن الدوا ده أحسن دوا وآمن جدا ومعتمد من هيئة الأمم المتحدة ورقم واحد في السوق العالمي - وكل الأدوية بشكل ما رقم واحد في السوق العالمي! - ومالوش أي آثار جانبية والمصحف! ده من جانب. الجانب التاني هوا إن المستهلك الحقيقي هنا هوا المريض. والمريض ده بقى آخر حد بيعرف أي حاجة عن الدوا اللي هوا بيتعالج بيه لمدد ممكن توصل لعشرات السنين! اللي بيبيع الدوا أعمى واللي بيشتريه أعمى! والوسيط بينهم دكتور ممكن جدا تكون أولوياته حاجات تانية غير إن المريض يخف. بذمتك قوللي لو إنتا دكتور وشركة دوا طلبت منك تكتب 200 علبة من الدوا بتاعها علشان تطلعك "مؤتمر طبي" 3 أيام في تايلاند إنتا والمدام ، حترفض؟!
والسؤال البديهي جدا: لما المهنة دي زي الزفت كده. ليه معظم الصيادلة - بل والأطباء البشري والأسنان والبيطري وخريجي كلية العلوم والزراعة وقريبا التجارة والحقوق والآداب والتربية! - بيشتغلوا مندوبين؟؟؟ الإجابة بمنتهى البساطة إن متوسط دخل مندوب المبيعات حوالي 1500 جنيه. ومعظم الشركات بتسلم عربية للمندوب. وفيه وعد دائم بالسفر للخليج زي ما قلنا.
لكن السؤال اللي مش بديهي هوا ليه الشركات بتدفع مبالغ كبيرة - بمقاييس المرتبات المصرية - للمندوبين؟ هل علشان مهاراتهم العلمية؟ لأ طبعا! هو العلم حيفيدهم بإيه لا مؤاخذة؟ طب هل علشان مهاراتهم الشخصية وقدرتهم على البيع؟ بيع مين يا عم ده مفيش دكتور بيقبل يشوف خلقة مندوب أصلا! وهوا ده اسمه بيع أساسا؟؟؟ طيب يبقى علشان بيشتغلوا كتير؟! كتير إزاي ولسه بأقوللك ربع ساعة في اليوم والباقي انتظار والعربية كمان عليهم!
أمال الإجابة إيه؟ في رأيي أنا المرتب والمميزات دي كلها علشان يقبل يشتغل في المهنة دي! علشان ميفكرش كتير في كل الكلام اللي اتقال من شوية. كده وبمنتهى الوضوح.
الحل؟ مين اللي قال إني جاي أقدمه؟ أنا بس بأقول كلمتين كانوا محبوسين في صدري من زمان. من ساعة ما اشتغلت مندوب في شركة إيبكس ، ولقيت نفسي بأفكر كده لحد ما أخدت قرار إني أسيب الوظيفة دي ، والمهنة دي ، وحتى مجال الصيدلة كله وأروح أدور على حلمي بعيد عن الشركات اللي بقت أكبر وأشرس وأوطى من الدول!
يمكن الحل إننا نبدأ نفكر في حياتنا. في أحلامنا. في قيمنا ومبادئنا. يمكن الحل إننا نقرر إن مفيش حد ح يسرق مننا عمرنا وأحلامنا حتى لو كان الحد ده شركة بتدينا 1500 جنيه في الشهر وعربية!
ربنا يرحمك ويغفر لك يا إيهاب. ويرزقنا إننا نشوف حكمة ربنا ورسالته لينا عن طريقك. إنتا مت وإنتا صايم. مش بس عن الأكل والشرب. كنت صايم كمان عن حلمك يا إيهاب حلمي. بأدعيلك تفطر في جنة ربك. وبأدعيلنا نفطر على أحلامنا قبل ما تتعشى الدنيا بينا.
منقووووول