مشاهدة النسخة كاملة : عوامل الانحراف الفكري


sayed metwaly
28-04-2010, 05:32 PM
الحمد لله بجميع محامده كلها على جميع نعمه كلها اللهم صل على محمد وآل محمد صلاة لا غاية لعددها ولا نهاية لمددها ولا نفاد لأمدها اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعداءهم أجمعين من الأولين والآخرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:


عوامل الانحراف الفكري
(الجهل)




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
وعظم الله أجورنا وأجوركم برحلة النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) والتحاقه بالرفيق الأعلى
ترجع معظم الويلات التي عانت وتعاني منها المجتمعات البشرية منذ تشكلها الأول وحتى اليوم إلى أحد عاملين رئيسيين:


الأول: حالة الانفلات الفكري

وعدم تبني القيم والقيود العقيدية والاجتماعية التي تمنعه عن ارتكاب الجرائم، والاعتداء على الآخرين.
ويشكل اللصوص وال***ة ونحوهم نماذج بارزة لهذه الطبقة المنفلتة والفارغة فكرياً.
وعادة ما يكون تأثير وضرر هذه الطبقة محدوداً في دوائر ضيقة، ويتسم بالخصوصية والانحصار ضمن حدود جغرافية صغيرة.
بخلاف الأضرار الفادحة التي يحدثها العامل الثاني.


والعامل الثاني هو: حالة الانحراف الفكري

وأعني به (التبني لمبادئ عامة مخالفة للواقع). فالجرائم التي تنجم عن هذا العامل أشد وأوسع بكثير من الجرائم التي يدفع العامل الأول باتجاهها؛ لأن اللص عندما يقتحم داراً بغرض سرقتها يعلم أنه بهذا العمل يتعدى على حقوق الآخرين، وينتهك حرماتهم.
بخلاف صاحب العقيدة المنحرفة، فإنه يقدم على *** الآلاف، أو حتى الملايين بكل فخر واعتزاز، ولو قُدِّرَ له أن يبقى حيا لأباد جميع مخالفيه، بل لا يتورع أن يفني النوع البشري بكامله.
ولذا يتعين على كل المجتمعات البشرية أن تشخص العوامل المؤدية إلى الانحراف الفكري ومعالجتها في مهدها.
طبعاً تختلف الشعوب والجماعات في تحديد مصاديق الانحراف الفكري، حيث يدعي كل منها أنه على جادة الصواب والاستقامة.
ولا يتسنى لأحد المحاكمة بينها والتمييز بين حقها وباطلها ؛ لكثرتها وتعنت أهلها.
قال تعالى: (وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (الجاثية:17).
ولكن على الأقل علينا أن نشخص العوامل العامة التي تؤثر في ظهور الانحراف وانتشاره، عسى أن نتمكن، أو يتمكن غيرنا من الانتفاع منها في تقويم أنفسهم وتحصين أجيالهم من الوقوع في مستنقع الانحراف الفكري البغيض.
حيث أن هذا التأمل يحد طبعاً من الانحراف ويحصره في دوائر أضيق.


عوامل الانحراف الفكري:

أولاً: الجهل، حيث يشكل الجهل المحيط المثالي لبروز الانحراف، وانتشاره.
وليس المقصود بالجهل هنا التخلف التام والابتعاد الكامل عن المسائل العلمية، أو مواكبة العصر. بل أعني بالجهل هنا (عدم المعرفة)، ولو ببعض جوانب أو خلفيات المسائل، مما يؤدي إلى عدم دخول هذه العوامل والجوانب المجهولة في حسابات الشخص، ومن ثَمَّ تخسر حساباته وتأملاته عنصراً أو أكثر من عناصر تركيبة الواقع الخارجي، وعندها لن تتطابق النتائج الذهنية، والمتبنيات الفكرية التي سيصل إليها مع الحقيقة ؛ لأن نتائجه هذه ستكون عبارة عن صورة شوهاء أو ناقصة، لا تمثل تمام الحقيقة، بسبب فقدانها للعوامل التي كان يجهلها الشخص المتأمل. والفكرة التي سيحملها هذا الشخص ستكون أشبه بالدواء الذي يفقد بعض عناصر تركيبه الضرورية، وهو في هذه الحالة أقرب للسم منه للدواء.


الجهل بسيط ومركب:

يقسم العلماء الجهل إلى بسيط ومركب
ويقصدون بالجهل البسيط ذلك الجهل الذي يعرف صاحبه أنه متلبس بهذا الجهل.
فالجاهل في حالة الجهل البسيط يجهل المسألة، ولكن يعلم أنه جاهل.
والإنسان العادي يجهل عدد حبات الرمل في الصحراء، ويجهل عدد الشجر في الغابات وعدد النجوم في السماء و... . وفي نفس الوقت يعلم أنه جاهل بها، فيكون جهله هذا جهلاً بسيطاً، لأنه ليس إلا جهلاً واحداً، ومن وراءه علم بهذا الجهل، أي علم بوجوده وحدوده.
وهذا الجهل أشبه بالجرثومة المعروفة، والموضوعة في حجر صحي خاص.


الجهل المركب

وهو الجهل الذي لا يدري صاحبه عنه شيئاً، وبالتالي فهذا الإنسان عنده جهلان متركبان، جهل بالموضوع، وجهل بأنه جاهل.
وعندها ستأخذ جرثومة الجهل مجالها في الانتشار والتأثير على فكر الشخص من دون أن يعرف، لأن الجاهل بالجهل المركب يظن نفسه من أهل المعرفة، الذين انكشفت لهم الحقيقة كاملة.


خطورة الجهل المركب:

يقولون أن الألم نعمة من الله سبحانه وتعالى لأنه يكشف للإنسان عن مواطن الضعف والمرض، وأن أخطر الأمراض تلك التي تستشري بصمت، ومن دون أن تلفت إليها الأنظار.
والجاهل بالجهل المركب مصاب بنوع من الغرور، والاعتماد الزائد على الذات، ولا يدري أنه يتكئ على معلومات عرجاء وناقصة تُعده للوقوع في مهاوي الانحراف الفكري.
وهنا يكمن الخطر الحقيقي، فعادةً ما تجد في حالات الانحراف الفكري جهلاً مركباً.
فالجهل المركب ـ من هذه الجهة ـ يشبه النخر والفراغ في العصا المجوفة التي أكلتها الأرضة، فإذا اتكأ عليها صاحبها (بتصور أنها سليمة وستعينه على المشي) أسقطه، وقعدت به عن بلوغ هدفه.


الوقاية والعلاج:

هناك عدة وصايا تنفع في الوقاية من الجهل المركب المفضي إلى الانحرافات الفكرية، أذكر منها:
1 ـ التعرف على حدود وإمكانيات وقدرات العقل البشري، لتحديد مساحات عمله وأسس هذا العمل. وهو الموضوع الذي يُدرس تحت عنوان: (نظرية المعرفة).
2 ـ تعيين وتقييم الأقيسة وموادها، أو فقل التعرف على طرق الاستدلال.
3 ـ بذل الوسع في التمرين والتمرس على التعامل مع المباحث العلمية وتقييم المسائل، حتى تحصل عند الشخص ملكة استخراج الحقيقة من بين ركام الأفكار المختلفة.
ثم وبعد كل هذا لابد من التوكل على الله سبحانه وتعالى والتضرع إليه ليفتح على الإنسان أبواب العلم والفهم فهو مسبب الأسباب، وبيده الخير وهو على كل شيء قدير.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69).

hend 20
04-09-2010, 11:40 AM
جزاكم الله خيرا