عبد الله الرفاعي
27-05-2010, 11:47 AM
منصورة ياحبى.. ياحتة من قلبى! (http://akhafdamm.blogspot.com/2009/12/blog-post_26.html)
http://4.bp.blogspot.com/_Hp8TznP30O8/SzWSZeK_h1I/AAAAAAAAAYw/Q4N0WXT48As/s400/large_89158_47136.jpg (http://4.bp.blogspot.com/_Hp8TznP30O8/SzWSZeK_h1I/AAAAAAAAAYw/Q4N0WXT48As/s1600-h/large_89158_47136.jpg)
كنت أيام الجامعة زبونا دائما عند مطعم (البغل) الشهير أمام الجامعة أيام كان الساندويتش بخمسة وثلاثين قرشا فقط مع نفحة مجانية من الطرشى الأصيل، وكنت أعد كل ليلة الخمسة قروش الزائدة عن الجنيه لأحصل على ثلاثة ساندويتشات غدا.. كان (البغل) هو مطعمنا ونادينا وملتقانا، فإذا حددنا موعدا قلنا: أشوفك العصر عند (البغل).. وإذا حددنا مكانا قلنا: بعد (البغل) بشارعين، وإذا وصفنا أحدا قلنا: الراجل ده شبه الصورة اللى متعلقة عند (البغل)!
تجرعت خلال هذه الأيام فولا وطعمية يكفى لأن يتكاثر الفول داخلى ذاتيا، وما إن زادت الأسعار وصار سعر الساندويتش أربعين قرشا، حتى قامت الدنيا وصار الأمر حديث كل المنتديات، وصرت بدلا من أن أعد (الشلن) فقط زيادة عن الجنيه، أعد (ريالا) كاملا، هذا بالإضافة إلى أن الطرشى صار له سعرا مخصصا، مما جعل المبلغ يصل إلى جنيه ونصف مرة واحدة.. وهذا أمر لو تعلمون عظيم!
وبينما أنا فى أصداء هذه المشكلة أتى إلىَّ صديق عزيز وهمس لى وهو يتلفت: تحب تاكل لحمة وفراخ بجنيه؟ نزل الأمر علىَّ كالصاعقة وظهر الذهول على وجهى وقلت: فراخ؟؟ فأجاب قائلا: ياعم لحمة وفراخ والله بجد.. إيه؟ مش عارف الفراخ؟.. انجعصت فى مكانى وأنا ألوِّح بيدى متكبرا: ياعم عارفها.. مش اللى ليها جناجين ووركين دى وبتتقسم على أربعة؟.. فاكرها والله.. وإذ بصديقى يخرج اشتراكا فى وجبة الجامعة ويعطيه لى ويؤكد أن الطعام بوفرة، ويزخر بكميات من اللحوم وكثير من الدجاج وأنواع من الفواكه وأطنان من الأرز وبحار من الطبيخ المحلى بالصلصة.. ورغم أن وصفه لى جعلنى أتذكر فيلم فجر الإسلام وكميات الأكل أمام أبى لهب، إلا أننى سألته عن سبب إيثاره لى عن وجبته فتلعثم فى الكلام، وأكد أنه يريد أن يعم الخير على كل طلاب الجامعة.. مش معقولة يعنى يتنغنغ فى الأكل واحنا مش لاقيين ناكل من عند (البغل)!
جهزت نفسى لهذا اليوم، فرغم أننى لم أكن محروما بصراحة من هذه الاختراعات الحديثة المتمثلة فى اللحوم والفراخ إلا أنه شعور لذيذ للغاية أن تأكل هذه الوجبة بجنيه واحد فقط وزملاؤك بالخارج يقفون طابورا أمام (البغل) ليأكلوا فولا وطعمية بجنيه ونصف.. دعك من نظرات الاحتقار التى لاقيتها كلما قلت لأحد أصدقائى إننى سآكل اليوم فى مطعم الجامعة!
دخلت المطعم وجدت حشدا من طلبة الجامعة فى طابور طويل ليحصل كل منهم على نصيبه شيئا فشيئا.. كان أول ما صادفنى هى الصينية التى سنضع عليها الطعام، كانت بقايا الزبون الذى أكل فيها قبلى ما زالت على أطرافها رغم أن الماء يتساقط منها كما يتساقط العرق من جبين راكب فى مترو الأنفاق، هذا الماء الذى يمتزج فى الصينية بقطرات الزيت على بقايا السمن لتصنع صورة مثالية لإعلان عن (بريل) وكيف أنه قادر على تنظيف أصعب الدهون!
قطع تفكيرى هذا الحوار الذى دار بين الطباخ وزميلى فى الطابور الذى صرخ معترضا على كمية الأرز التى لا تكفى بطة يتيمة، فصرخ فيه الطباخ: انتوا هتتأمَّروا بالجنيه اللى انتوا دافعنيه؟ مش كفاية اننا بنأكلكوا؟ خد وانت ساكت.. سار زميلى وأنا خلفه أنظر فى كمية الأرز التى وضعها الطباخ فى صينيتى، ووقفت قليلا لعل الرجل يراجع ضميره ويضاعف الكمية ولكن بلا جدوى.. فقلت: مش مشكلة الرز.. المهم الطبيخ.. ذهبت إلى الشباك الآخر، فوضع الطباخ بعضا من السائل الأحمر الذى تسرح فيه حبوب معينة تحتاج إلى المركز القومى للبحوث للكشف عنها لتحديد ما إذا كانت بسلة أم فاصوليا.. هذا بافتراض أن المذكور هو الخضار أصلا، وليس اللحم وهو مفروم!
ذهبت إلى شباك اللحوم فأتحفنى الرجل بقطعة من الدجاج احتار فيها المحللون هل هى (صدر) أم (ورك)؟ فقال بعض المتبرعين من الجلوس إنها (ورك) والدليل هذه القدم التى تظهر منها.. فأقسم الآخرون أنها (صدر) ولكن فراخ الجامعة تمشى على أربع!
وقبل أن أجلس، رمى أحدهم رغيفا من الخبز على الصينية فأصدر رنينا تعالى صداه فى المطعم كله ولكن أحدا لم يلتفت، فيبدو أن الطلبة قد تعودوا على صوت الرغيف الصلب وتعاملوا معه، حتى إننى سمعت أن إدارة الجامعة منعت تداول خبز الجامعة داخل المطعم بسبب استخدامه كسلاح أبيض فى الخناقات!
جلست على الكرسى فى المطعم أنظر إلى ما جنته يداى والجنيه الذى ضاع ولم أستفد منه بشيء، وأرى بعين خيالى أصدقائى الفالحين وهم يأكلون فى (البغل) بشهية مفتوحة.. ولكن أكثر ما آلمنى فى هذا الموضوع أننى لن أستطيع أن أصف لأصدقائى ماذا أكلت فى المطعم، ليس لأننى حاقد لا سمح الله، ولكن لأننى لا أعرف ما الذى قد أكلته أساسا!
ولهذا فإننى فرحت بشدة حين علمت أن رجال المدينة الجامعية فى المنصورة قد قاموا بإضرابهم.. وشعرت أنهم قد أخذوا بحقى.. ولكن أناشدهم جميعا إذا نجح الإضراب وعرضوا المطالب وأخذوا المغانم ألا ينسوا شيئا مهما.. الجنيه بتاع العبد لله!
http://4.bp.blogspot.com/_Hp8TznP30O8/SzWSZeK_h1I/AAAAAAAAAYw/Q4N0WXT48As/s400/large_89158_47136.jpg (http://4.bp.blogspot.com/_Hp8TznP30O8/SzWSZeK_h1I/AAAAAAAAAYw/Q4N0WXT48As/s1600-h/large_89158_47136.jpg)
كنت أيام الجامعة زبونا دائما عند مطعم (البغل) الشهير أمام الجامعة أيام كان الساندويتش بخمسة وثلاثين قرشا فقط مع نفحة مجانية من الطرشى الأصيل، وكنت أعد كل ليلة الخمسة قروش الزائدة عن الجنيه لأحصل على ثلاثة ساندويتشات غدا.. كان (البغل) هو مطعمنا ونادينا وملتقانا، فإذا حددنا موعدا قلنا: أشوفك العصر عند (البغل).. وإذا حددنا مكانا قلنا: بعد (البغل) بشارعين، وإذا وصفنا أحدا قلنا: الراجل ده شبه الصورة اللى متعلقة عند (البغل)!
تجرعت خلال هذه الأيام فولا وطعمية يكفى لأن يتكاثر الفول داخلى ذاتيا، وما إن زادت الأسعار وصار سعر الساندويتش أربعين قرشا، حتى قامت الدنيا وصار الأمر حديث كل المنتديات، وصرت بدلا من أن أعد (الشلن) فقط زيادة عن الجنيه، أعد (ريالا) كاملا، هذا بالإضافة إلى أن الطرشى صار له سعرا مخصصا، مما جعل المبلغ يصل إلى جنيه ونصف مرة واحدة.. وهذا أمر لو تعلمون عظيم!
وبينما أنا فى أصداء هذه المشكلة أتى إلىَّ صديق عزيز وهمس لى وهو يتلفت: تحب تاكل لحمة وفراخ بجنيه؟ نزل الأمر علىَّ كالصاعقة وظهر الذهول على وجهى وقلت: فراخ؟؟ فأجاب قائلا: ياعم لحمة وفراخ والله بجد.. إيه؟ مش عارف الفراخ؟.. انجعصت فى مكانى وأنا ألوِّح بيدى متكبرا: ياعم عارفها.. مش اللى ليها جناجين ووركين دى وبتتقسم على أربعة؟.. فاكرها والله.. وإذ بصديقى يخرج اشتراكا فى وجبة الجامعة ويعطيه لى ويؤكد أن الطعام بوفرة، ويزخر بكميات من اللحوم وكثير من الدجاج وأنواع من الفواكه وأطنان من الأرز وبحار من الطبيخ المحلى بالصلصة.. ورغم أن وصفه لى جعلنى أتذكر فيلم فجر الإسلام وكميات الأكل أمام أبى لهب، إلا أننى سألته عن سبب إيثاره لى عن وجبته فتلعثم فى الكلام، وأكد أنه يريد أن يعم الخير على كل طلاب الجامعة.. مش معقولة يعنى يتنغنغ فى الأكل واحنا مش لاقيين ناكل من عند (البغل)!
جهزت نفسى لهذا اليوم، فرغم أننى لم أكن محروما بصراحة من هذه الاختراعات الحديثة المتمثلة فى اللحوم والفراخ إلا أنه شعور لذيذ للغاية أن تأكل هذه الوجبة بجنيه واحد فقط وزملاؤك بالخارج يقفون طابورا أمام (البغل) ليأكلوا فولا وطعمية بجنيه ونصف.. دعك من نظرات الاحتقار التى لاقيتها كلما قلت لأحد أصدقائى إننى سآكل اليوم فى مطعم الجامعة!
دخلت المطعم وجدت حشدا من طلبة الجامعة فى طابور طويل ليحصل كل منهم على نصيبه شيئا فشيئا.. كان أول ما صادفنى هى الصينية التى سنضع عليها الطعام، كانت بقايا الزبون الذى أكل فيها قبلى ما زالت على أطرافها رغم أن الماء يتساقط منها كما يتساقط العرق من جبين راكب فى مترو الأنفاق، هذا الماء الذى يمتزج فى الصينية بقطرات الزيت على بقايا السمن لتصنع صورة مثالية لإعلان عن (بريل) وكيف أنه قادر على تنظيف أصعب الدهون!
قطع تفكيرى هذا الحوار الذى دار بين الطباخ وزميلى فى الطابور الذى صرخ معترضا على كمية الأرز التى لا تكفى بطة يتيمة، فصرخ فيه الطباخ: انتوا هتتأمَّروا بالجنيه اللى انتوا دافعنيه؟ مش كفاية اننا بنأكلكوا؟ خد وانت ساكت.. سار زميلى وأنا خلفه أنظر فى كمية الأرز التى وضعها الطباخ فى صينيتى، ووقفت قليلا لعل الرجل يراجع ضميره ويضاعف الكمية ولكن بلا جدوى.. فقلت: مش مشكلة الرز.. المهم الطبيخ.. ذهبت إلى الشباك الآخر، فوضع الطباخ بعضا من السائل الأحمر الذى تسرح فيه حبوب معينة تحتاج إلى المركز القومى للبحوث للكشف عنها لتحديد ما إذا كانت بسلة أم فاصوليا.. هذا بافتراض أن المذكور هو الخضار أصلا، وليس اللحم وهو مفروم!
ذهبت إلى شباك اللحوم فأتحفنى الرجل بقطعة من الدجاج احتار فيها المحللون هل هى (صدر) أم (ورك)؟ فقال بعض المتبرعين من الجلوس إنها (ورك) والدليل هذه القدم التى تظهر منها.. فأقسم الآخرون أنها (صدر) ولكن فراخ الجامعة تمشى على أربع!
وقبل أن أجلس، رمى أحدهم رغيفا من الخبز على الصينية فأصدر رنينا تعالى صداه فى المطعم كله ولكن أحدا لم يلتفت، فيبدو أن الطلبة قد تعودوا على صوت الرغيف الصلب وتعاملوا معه، حتى إننى سمعت أن إدارة الجامعة منعت تداول خبز الجامعة داخل المطعم بسبب استخدامه كسلاح أبيض فى الخناقات!
جلست على الكرسى فى المطعم أنظر إلى ما جنته يداى والجنيه الذى ضاع ولم أستفد منه بشيء، وأرى بعين خيالى أصدقائى الفالحين وهم يأكلون فى (البغل) بشهية مفتوحة.. ولكن أكثر ما آلمنى فى هذا الموضوع أننى لن أستطيع أن أصف لأصدقائى ماذا أكلت فى المطعم، ليس لأننى حاقد لا سمح الله، ولكن لأننى لا أعرف ما الذى قد أكلته أساسا!
ولهذا فإننى فرحت بشدة حين علمت أن رجال المدينة الجامعية فى المنصورة قد قاموا بإضرابهم.. وشعرت أنهم قد أخذوا بحقى.. ولكن أناشدهم جميعا إذا نجح الإضراب وعرضوا المطالب وأخذوا المغانم ألا ينسوا شيئا مهما.. الجنيه بتاع العبد لله!