مشاهدة النسخة كاملة : مقالات الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة(متجدد)


مسترسمير إبراهيم
25-06-2010, 02:49 AM
أولا:
مجتمــع النهــر‏..‏ والقهـــر .....
بقلم: أسامه أنور عكاشه http://www.ahram.org.eg/MediaFiles/osama.jpg


عطشان يا صبايا‏..‏ عطشان يامصريين‏..‏ عطشان والنيل في بلادكم‏...‏ متعكر مليان طين‏...‏ ‏...‏ كان بيرم منفيا في باريس بعد أن غضب عليه الملك فؤاد وزمرته حين تجرأ وركبه شيطان شعره الجميل فأطلق لسانه منشدا‏..‏
ولما عدمنا في مصر الملوك جابوك الانجليز يافؤاد قعدوك
ثم لم يرعو ويسكت عن فضائح الشائعات التي صاحبت زواج فؤاد ونازلي فطاوع شيطانه مرة أخري ليقول القصيدة التي أصبح مطلعها مثلا شعبيا وحكمة متداولة‏:‏
العطفة من قبل النظام مفتوحة
والفرخة من قبل الفرح مدبوحة
نفي الشاعر اللمض طويل اللسان عظيم الموهبة‏..‏ واستقر به المقام في فرنسا لسنوات عاني خلالها من مشاعر الحنين للوطن أكثر مما عاني من شظف العيش وضيق ذات اليد‏..‏ فقد كان بيرم مصريا حتي النخاع رغم كل الهمسات والتقولات التي هدفت للنيل منه والاساءة إليه بالغمز من قناة أصله التونسي‏!‏ وفي ***وان مرضه بالحنين للوطن‏ThehomeSickness..‏ أطلق العنان لعواطف المحب الساخط‏..‏نعم فعواطف الولع بالمحبوب كلما اشتدت كان وجهها الآخر حاملا لانفعالات الغضب من الحبيب والسخط عليه انطلاقا من تمني كمال الحبيب وإكتماله وبعده عن نواقص الضعف‏..‏ وهكذا راح بيرم يبث مصر أشواقه وحبه معجونين بثورة غضبته عليها لاستكانتها واستسلام أهلها‏..‏
والآن‏...‏ ما الذي أسخط أمير قوافي العامية المصرية علي النيل للدرجة التي نلحظها في البيتين اللذين تصدرا هذا المقال؟ بالطبع لم تكن المسألة خاصة بالعطش الفيزيقي أو البيولوجي‏...‏ فلم تكن هناك أزمة مياه شرب في فرنسا‏...‏ حيث تجري أنهار السين واللوار وتنفجر ينابيع المياه في فيش وإيفيان وفيتيل وغيرها‏..‏ رغم اعلان بيرم في نفس القصيدة أن مياه الدنيا لا ترويه ما دام محروما من مياه النيل‏..‏ لكنه كان يرمي سهمه بعيدا إلي العمق‏..‏ إلي البؤرة التي تسببت في نفيه وغربته وفي ابقاء المصريين راسغين في أغلال الخنوع والخضوع للحاكم الفرعون أنا ربكم الأعلي وهذه الأنهار تجري من تحتي‏..‏ الحاكم المتحكم في النهر والبشر والأرض والغلة‏..‏ في لقمة العيش وشربة الماء‏..‏ بأمره يفيض النيل ويغدق حابي علي الوادي وبأمره يتلكأ النهر ويتعثر ويتأخر فيضانه فيجوع الرعايا وتحصد المسغبة أرواحهم‏!‏ ويرحل الفراعين وينتهي زمنهم وتدول دولهم‏..‏ ولكنهم يخلفون لعنتهم بصحة علي مسار الأزمنة التالية‏..‏ لعنة الحاكم الاله مموها في كل حقبة بقناع يلهي عن حقيقته‏..‏ فهو المقوقس قائد الجند في حقبة الرومان‏...‏ وهو الوالي في حقبة الخلافة والبك كبير المماليك في زمنهم ثم هو الخديو والملك تختلف الأقنعة وتبقي تحتها سلطة الاستبداد والقهر‏..‏ ويثرثر في أذنيك صاحبك عالم الجغرافيا السياسية الجيوبوليتيك قائلا إن الأمر طبيعي فمصر مجتمع نهر‏..‏ ومجتمع النهر يحتاج إلي سلطة مركزية قوية تتعامل مع نزوات النهر وفيضاناته أو شحه وتتحكم في مياهه لتوزعها بالعدل علي الفلاحين ـ وهم الغالبية العظمي في الشعب المصري ـ وتفرض بالتالي رقابتها وتضع القيود التي تراها لازمة لمصلحة الجميع وهو نوع من أنواع العقد السياسي بل هو اكثر الانواع صرامة وجبروتا ففي العقد السياسي الطبيعي يتنازل المواطن عن جزء من حريته وحقوقه السياسية للسلطة المركزية مقابل أن تؤمنه هذه السلطة وتحميه وتضمن له أن يعيش في مجتمع آمن سعيد‏!!‏
لكن العقد في مجتمع النهر يفرض علي المواطن أن يتنازل عن كل حرياته وكل حقوقه الأساسية وكل مفردات الارادة والاختيار إلي النظام الحاكم‏..‏ والمقابل هنا ينكل بالسيد المواطن لضمان سلامة وأمن النظام وهكذا يتحول مجتمع النهر إلي مجتمع القهر‏..‏ ولأن النهر وديع مستأنس لايثور ولايتمرد‏..‏ فقد انطبع الناس في واديه ودلتاه بطبعه‏..‏ ولايغير في الأمر أن يشقشق مثقف هنا أو متحذلق هناك أو تدير النخب المعزولة حوارات بيزنطية حول التغيير والثورة والمطالبة بالاصلاح ولو عن طريق العصيان المدني‏(‏ عالم أبقاق صحيح‏)‏ فالجسم الأساسي طريح المصطبة يتثاءب وهو لايدري أن نهره القديم الخالد الذي غني له محمود حسن اسماعيل شابت علي أرض الليالي و ضيعت عمرها السنين‏)‏ وداعبه شاعر البلاط الخديو واصفا إياه بالنجاشي الحليوة الأسمر هذا النهر يجري بمعزل عنه غاضب عليه نافيا عن نفسه تهم السادة الجغرافيين الذين يريدون الصاق تهمة القهر بوجوده‏.‏
إذن فقد كان بيرم غاضبا من العكارة والطين وكان ساخطا علي استخدام النهر حجة لقهر الناس وكان يطالبهم بتطهيره من العكارة والطين‏..‏ ويذكرهم بأن السين واللوار لم يتعكرا لأن الفرنسيين أبو الانصياع لحكم الجغرافيا وثاروا علي الملك الشمس لويس الرابع عشر وعلي آل البوربون جميعا وأطلقوا صيحة الحرية والاخاء والمساواة لتطوف بالعالم كله تغيره وتدفع به إلي عصر التنوير والنهضة‏!‏
أما أن يطول بنا الصبر إلي ما لانهاية‏..‏ ونغض الطرف عن كل مظاهر الدمار والانهيار التي عمت الديار في الوادي والدلتا وشواطيء البحر ونستعبط علي روحنا مرددين‏:‏ حانعمل إيه؟ ماحنا مجتمع نهر‏!‏ فتلك بعينها هي عكارة الاستجداء والاستسلام التي أري أن بيرم قد عناها وهو يجأر بالصراخ شاكيا عطشان يا صبايا‏..‏ عطشان يا مصريين‏..‏ ونحن نصرخ معك يا عم بيرم فالعطش يحرق حلوقنا‏..‏ ويجفف الدماء في عروقنا‏..‏ ونعترف لك بأننا نحن المصريين ـ مسئولون قبل حكومتنا المركزية ووزاراتها المعنية وإدارتها البيروقراطية عن عطش أهل البرلس وأزمة مياه الشرب في محافظات البلد وكل نواتج الفساد والاهمال وفقدان الكفاءة‏..‏
نحن مسئولون لأننا تركنا الثعالب تخترق كل جناب الكرم وتلتهمه أمام أعيننا ونحن نكتفي بالفرجة معللين النفس بأن مصر محمية‏...‏ وماحدش بيبات فيها من غير عشا أو كما قال المتبني‏:‏
وقد نامت نواطير مصر عن ثعالبها
وقد بشمن ولم تفن العناقيد‏...‏
للمتنبي وبيرم مزيد السلام‏...‏ وعلي كل المصريين السلام‏.‏

الأستاذة ام فيصل
25-06-2010, 03:00 AM
بارك الله فيك وجزاك خيرا
ننتظر المزيد من مقالات الكاتب الراحل رحمه الله
تحياتي

مسترسمير إبراهيم
25-06-2010, 07:58 AM
شكرا لحضرتك أ / نغم محمد
سعدنا بمروركم العطر, وسوف أواصل بطرح مقالات الراحل الكبير كاتبنا أسامة أنور عكاشة رحمه الله تعالى,
ليستفيد الجميع بفكره ورؤيته فى الحياة المصرية
وتقبلى خالص التقدير والأحترام

مسترسمير إبراهيم
26-06-2010, 07:09 PM
ثانيا:...وحـــــدة

بقلم: أسامه أنور عكاشه http://www.ahram.org.eg/MediaFiles/osama.jpg


عند حافة المغرب‏..‏ يعتصر الشفق حمرته المتوهجة ويقطرها لتملأ بالدمع كأسا يجد لمذاقها برودة الثلج المذاب في قنينة العطر فيشرب‏..‏ ويشرق‏..‏ يشرق بغصته الخاصة حين يتذكر أنه وحده‏..‏ ولانديم هناك‏.
‏.......‏
يغني فريد الاطرش في مذياع قريب‏..‏
وحداني هاعيش كده وحداني‏..‏ ولا اقول ياغرام أبدا تاني‏..‏
هل الوحدة ان نعيش بغير حب؟‏!‏
‏..‏ أم الوحدة أن يدركنا السأم‏..‏ ويضجرنا البشر‏..‏
قال سارتر‏..‏ الجحيم هو الآخرون‏.‏
فهل الفردوس هو‏...‏ أنا؟
العشق يسربل الموجودات برماد مازال يتصاعد منه الدخان‏..‏ تعلو الغشاوة اسوار المرئيات‏..‏ ومن غبش المساء تنفذ أشعة متقطعة لنجميات قريبة‏..‏ ويتسلل اريج ياسمينة قريبة تعلو شرفة الجيران‏..‏ وقنديل خافت الضوء ينار عند المدخل‏..‏ لكن الصمت يسود‏..‏ حتي شقشقة الاسراب العائدة من رحلة النهار صمتت فجأة‏.‏
يضطرب صدره بخفقة ملتاعة حين يتذكر أنه وحده‏..‏ ولانديم هناك‏!‏
يقرأ كثيرا عن وحدة الشعراء وارباب الخيال ويراها وحدة مفعمة بالوجود الحار لعرائس الوحي‏..‏
وحده الفنان لايعيش في وحدة‏..‏ لايمكن ان تسجنه الجدران ولا الهجير ولا عواصف الشتاء‏..‏ فأفكاره تحلق حوله كحوريات البحر‏.‏
قادر هو علي الائتناس بعالمه وخلق موجوداته ويرفض أن يقال عنه ما يشير الي فراغ العالم حوله‏..‏ إذ هو خبير بملء الفراغات وإفراغ الحياة من تفاهات الاقتحام‏.‏
الليل في هزيعه الأول يضج بأصوات الناس والشارع ومغاني الروابي القريبة‏..‏ عند التلة البعيدة تنعكس اضواء ملونة علي مسطح مائي معتم وتأتي أنغام تبعثرها ريح صيفية نزقة‏..‏ هناك تبدأ السهرة‏!!‏
في امسيات بعيدة لم يكن وحده‏!‏ كانت هنا‏..‏ دائما‏..‏ عند مهب الانفاس الحارة‏..‏ وكانا يتشاجران‏..‏ ثم يتفقان علي انهاء قصتهما القديمة والرحيل‏..‏ وجرعة الوداع ترسم في العيون دمعة انسحاب‏..‏ فيمزقان كل الاتفاقات‏..‏ ويبكيان حتي الفجر‏..‏ أما الآن فلم يتبق إلا أصداء تتردد في آذان اصابها صمم الوحدة‏.‏
الليلة يبكي‏..‏ لانه تذكر انه وحده‏..‏ ولانديم هناك‏.‏
في مسكن قديم ـ لايذكر لمن كان ـ تطالعه في ذكرياته صورة لوحة عتيقة كتبت عليها حكمة‏..‏ الوحدة خير من جليس السوء‏.‏
أحقا؟‏..‏ ومن هو جليس السوء؟
صديق حقود يملؤك غضبا ويحرضك ضد الحياة؟‏..‏ أم عربيد ماجن؟
يدعوك للاغتراف من ملذات عالم لا خلود له ولا بقاء فيه لشئ؟
أم تراه ملاكا أو جنيا يعلمك السحر فتعزف أو ترسم أو تكتب
أم تراه أنت‏..‏ فأنت هو‏..‏ وبعض منك يثور عليك‏.‏
البلادة ليست هي الوحدة‏.‏
في الهزيع الاخير يقطع البنفسج رداء الليل الاسود‏.‏
مع انطفاء الاضواء الملونة في التلة‏..‏ لايبقي سوي القنديل في شرفة مجاورة‏.‏
يشع بنور مخضر تنفر منه الفراشات‏.‏
لكن البنفسج يزحف ويترامي عند الاقدام‏..‏ ورائحة الياسمين تفعم النسمات الفجرية‏..‏ هناك دفء موعود‏..‏ وشمس تقترب‏..‏ وكانت الكأس مملوءة‏..‏ لم تلمس الشفاه حافته‏..‏
سقطت فيها فراشة حرق الضوء جناحها
مازال القنديل يخفق بنوره الاخضر
وفي الشرفة هناك‏..‏ قيثارة مهجورة‏..‏ وفتاة نائمة وعلي وجهها ورقة ياسمين‏.‏
‏..‏ أنفاس تتردد في صدر يخفق
والرحلة تصل إلي حافة الهجوع‏.‏
وقد آن لك ان تمسح دمعك‏..‏
لم تكن أبدا وحدك‏..‏
فقط لم تر عيناك النديم‏.‏

ايه كمال
26-06-2010, 11:19 PM
جميييييييييييل
http://www.rtoosh.com/up/images/23309125283068517077.gif

مسترسمير إبراهيم
27-06-2010, 08:53 PM
شكرااااااااااااااااااااااااااااا جزيلاعلى هذا التقديرمن حضرتك.
أحسنت التعبير بروح الأخوة المباركةأختنا أ / آيه كمال:022yb4:

مسترسمير إبراهيم
27-06-2010, 09:01 PM
ثالثا:
عزيزي فولتير
بقلم: أسامه أنور عكاشه http://www.ahram.org.eg/MediaFiles/osama.jpg


عودة إلي حديثنا عن الليبرالية وعن جوهرها دون أن ننكفيء علي الاصطلاح ونردده عمال علي بطال ونستخدمه دون ترشيد يحفظ للمضمون معناه ودلالته‏..‏
وإذا اتفقنا علي أن المصطلح يعني في أبسط تفسير اتباع المنهج الحر في التفكير أولا ثم يستتبع ذلك بالضرورة جعله ممكنا في التطبيق سواء كان ذلك في النظام السياسي أو النظام الاقتصادي فإننا نطالب بوقفة تتبع الجذر والأصل إذ إن الطبيعي والبديهي هو أن الإنسان ولد حرا ومع ذلك فقصة تطوره عبر القرون تحفل بانتكاسات الحق الطبيعي وتعد سجلا لقتال الانسان الدائم من أجل استعادة هذا الحق‏..‏ والقاريء المتمعن للتاريخ سيري أن عصور الاستعباد قد سادت حقبا طويلة ولكن ثورات التمرد عليها ومحاولات التخلص منها لم تنقطع مطلقا وسيري أن القرون الوسيطة في أوروبا مثلا سميت بالعصور المظلمة لأنها كانت حقبة لسيادة الديكتاتورية المطلقة بالتحالف بين أمراء الاقطاع والكنيسة‏..‏ دكتاتورية انتفت فيها تماما حريات الانسان الأساسية‏..‏ وردا عليها كان الرينسانس أو عصر النهضة أو عصر التنوير‏..‏ فكان انتصارا حقيقيا لمعركة الخلاص من الاسترقاق‏..‏ وعصر النهضة تأسس علي قاعدة الحرية الفكرية‏..‏ والايمان المطلق إلي حد الجموح أحيانا ـ بإطلاق العنان لحرية التعبير والابداع وتحطيم كل أصنام الثوابت الغلامية بما فيها مايسانده المقدس وما استغلته ضلالات الارهاب الكهنوني ومابقي من تراث محاكم التفتيش والاستنطاق والاعتراف‏..‏ وهو التراث الرهيب الذي لون صفحات التاريخ الأوروبي بلون الدم وجعله سجلا للعار‏!‏
وهكذا كانت ردة الفعل المساوية في القوة والمضادة في الاتجاه وتمثلت في الاندفاع في تمجيد الحرية وتقديسها إلي حيث لاحدود إلا حدود الطاقة البشرية المبدعة الخلاقة‏,‏ وحين ازدهرت حرية التعبير كانت هي السماء التي مهدت التربة وأخصبتها لتنبت منها انجازات الحضارة الغربية العظمي التي بدأت بالكشوف الجغرافية فالانقلاب الصناعي في حركات الوحدة السياسية التي كرست مباديء المشاركة الديمقراطية ثم جاءت الثورة الفرنسية لتنقض علي اوتوقراطية حكم أسرة البوريون وتحمل راياتها مباديء الحرية والاخاء والمساواة تنشرها الحروب النابوليونية مع أقصي امتداد لطموحات بونابرت العسكرية والسياسية‏..‏ كانت أشبه بشرارة متعددة الأطراف تكمن هنا وهناك وتسري في هشيم العصور العفنه لتندلع بعد ذلك في الصحف والترشيح للبرلمان وانتخاب الرؤساء وتداول السلطة‏.‏
يبرز من بين هذه الحقوق‏..‏ حق ـ هو في رأيي أهمها علي الاطلاق هو حق التعبير عن الرأي‏..‏ وأتذكر علي الفور تلك المقولة الخالدة للفرنسي العظيم فولتير‏..‏
قد أخالفك الرأي ولكني مستعد لأن أدفع حياتي ثمنا لحقك في أن تعبر عنه‏!!‏ هكذا تكلم فولتير‏...‏ وهكذا يجب أن نفكر‏..‏
فآفتنا الكبري ليست فقط مايفرض علينا من قيود سياسية وتابوهات اجتماعية ودينية ولكننا نزيدها ضغثا علي إبالة بتجاهلنا لتقاليد وأداب التعامل الليبرالي مع الرأي والرأي الأخر‏..‏ وهي العبارة التي نرددها أحيانا كالببغاوات دون أن نروض أنفسنا علي تطبيقها‏..‏
والذي يسود بيننا للأسف الشديد هو نوع من حوار الطرشان كما يقول الشوام‏..‏ لا أحد يستمع لرأي الآخر‏..‏ ولا أحد يدافع عن رأيه بروح تقبل المعارضة وتكون مستعدة للاقتناع‏..‏
نطبق بنجاح منقطع النظير مقولة من لايري رأيي فهو عدوي ويتحول الاختلاف في الرأي إلي تراشق بالسباب وتبادل اتهامات القاموس السياسي المنقرضة‏..‏ كالخيانة والعمالة والجهل أو التجهيل‏..‏ وننسي تلك الحكمة الجميلة التي وردت علي لسان الامام الشافعي‏.‏
رأيي صواب يحتمل الخطأ‏..‏ ورأيك خطأ يحتمل الصواب‏.‏
فأين ما نفعله من حكمة الشافعي‏..‏؟ وأين نحن من استعداد فولتير للاستشهاد في سبيل حرية التعبير عن رأي الآخر؟ نحن للأسف الشديد لانفرق بين تبادل الرأي وتبادل الكلمات ولانميز بين الحوار وصراع الديكة‏..‏ ولاندافع عن الرأي بالمنطق العقلاني‏..‏ بل نصرخ بمكبرات الصوت مطبقين مقولتنا الفولكلورية‏:‏ خدوهم بالصوت لايغلبوكم‏!‏
وهكذا تجري الأمور‏...‏ أعلانا صوتا‏..‏ وأكثرنا عدوانية وفظاظة‏...‏ وأقدرنا علي منطق الحواة هو صاحب الرأي المسموع والسائد‏..‏ هو ببساطة قائد القطيع الذي هو مستعد لأن يدفع حياته ثمنا لمنعك من التعبير عن رأيك‏.‏
‏[‏تصحيح‏:‏ أسف‏...‏ فالنص الصحيح‏...‏ هو مستعد لأن يدفع حياتك أنت ثمنا‏..]‏ وياعزيزي فولتير‏...‏ ماحدش أحسن من حد‏!‏

مسترسمير إبراهيم
28-06-2010, 08:53 PM
رابعا:-إغتصـــاب الوطن
بقلم: أسامه أنور عكاشه http://www.ahram.org.eg/MediaFiles/osama.jpg


أن نقدس الوطن ونحبه‏...‏ ونخلص له الولاء ونذود عن حماه بالروح والدم‏..‏ فهذا أمر لا نقاش فيه ولا مماحكة‏..‏ ولا مساومة‏..‏ أن نتيم عشقا بمصر ونتدله في هواها‏..‏ وننشد لها الأهازيج التي تتغني بماضيها وأمجادها وحضارتها التي علمت العالم وكتبت له التاريخ‏.
فهذا أمر طبيعي يفعله كل المواطنون مع أوطانهم‏..‏ أما أن نكذب وننتحل لمصر ماليس فيها‏..‏ وندمن الكذب حتي نصدقه ويصبح من المسلمات التي نغرسها في نفوس أطفالنا‏..‏ فهذا هو الخطأ‏..‏ والخطر معا‏...‏ زمان‏..‏ ونحن علي أول اعتاب الطفولة في المدرسة الابتدائي‏...‏ كان كتاب المطالعة الذي غيروا اسمه فيما بعد إلي القراءة الرشيدة كان هناك موضوع ثابت لا يتغير يتحدث عن مصر‏..‏ جنة الله في أرضه‏..‏ ويصف طبيعة مصر بأنها خلابة تسبي القلوب وتسحر النظر وتفتن العقول‏..‏ ويمعن في وصف ريفها السندس الأخضر ونيلها الخالد الذي شبهه احمد شوقي قي قصيدته العامية الشهيرة التي غناها عبد الوهاب بالنجاشي‏..‏ أمير الحبشة الحليوة الأسمر‏!!‏ ثم يتغزل بمناخها الرائع البديع‏...‏ الذي هو حار جاف صيفا ودفيء ممطر شتاء‏(‏ أكذوبة جغرافية هائلة لم نرها متحققة علي أرض الواقع ابدا‏)!‏
وكبرنا‏..‏ وانتظرنا‏..‏ نظرنا‏..‏ ثم تساءلنا‏...‏ اين ما تحدث عنه العباقرة مؤلفو موضوعات القراءة الرشيدة ؟‏...‏ وتتكشف الحقائق واحدة تلو الأخري‏..‏
خمسة أسداس مساحة مصر‏..‏ صحراء جرداء قاسية‏..‏ والسدس شريط مزروع في الوادي جنوبا ثم دلتا بين فرعي دمياط ورشيد‏..‏ ودمتم‏...!‏ ذاك كان غاية جهد النهر العظيم الي تركناه يتثاءب في مجراه ويفرغ مياهه في المتوسط قرونا عديدة قبل ان ننتبه ونفكر في استثمار إمكانياته الهائلة‏...‏ وما زلنا نحبو علي هذا الطريق بمشروعين يتيمين السد العالي‏..‏ ثم توشكي‏..‏
ومازالت الصحراوان الهائلتان شرقا وغربا تجثمان علي أنفاس الوادي والدلتا وتحيلان أي ملمح جمال أو نفثة عطر إلي كابوس‏!!‏
أين هي الجنة ؟
في المجاز‏..‏ نعم‏!‏ موجودة‏..‏ وهي جنة معنوية تزهر بحب وطن عبقري‏,‏ وطن يأكل ويطعم بنيه ويبدع حضارة ويعلم الجيران الي سابع جار ويكتب التاريخ رغم انه يعيش فعليا علي سدس أرضه فقط‏..‏
بهذا السدس الشاحب المخنوق يفعل هذا كله ويبهر الأولين والآخرين حتي يدفع المؤرخ الاغريقي هيردوتس إلي التعلل بالنيل‏..‏ فمصر في رأيه ـ هي هبة النيل‏,‏ ولكن النيل ياعمنا لم يساهم بأكثر من السدس‏..‏ فكيف يكفي ؟ لاشك أنها عبقرية‏..‏ عبقرية المكان والموقع طبقا لعالمنا الراحل جمال حمدان وأضيف أنا بكل تواضع أنها أيضا عبقرية الإنسان‏!‏
وأي عبقرية اكبر من التواؤم مع طبيعة الصحراء ومناخ الخماسين ؟‏!!‏
أي عبقرية أعظم من تحمل مأساة ****** الربيع؟
دعونا أولا من مقولة اننا نتبع مناخ البحر الابيض المتوسط‏!..‏ فهي كما اسلفت مقولة مغلوطة مزورة‏!‏ فمناخ البحر المتوسط يمكن أن نجده في دول جنوب اوروبا المطلة علي ساحله الشمالي من تركيا شرقا إلي أسبانيا غربا مرورا باليونان وايطاليا وفرنسا‏..‏ كما يمكن ان نجده في دول الساحل الشرقي كفلسطين ولبنان وسوريا وحتي في الساحل الإفريقي المطل علي جنوب البحر سنجد المناخ في تونس والجزائر والمغرب وربما بدرجة أقل في ليبيا‏..‏
تبقي مصر وحدها خارج الإطار‏..‏
فلها أطول موسم حار يبدأ من مارس وينتهي في أكتوبر‏..‏ واختصر خريفها مع شتائها في أربعة شهور لا أكثر‏.‏
فمن نعم الحظ الجميل ان تقع مصر عند مصب ما يسمي منخفض الهند الموسمي الذي يتجمع ويبلغ ***وانه في الجزيرة العربية السعودية ثم ينفث جحيمه علي بلادنا في موجات حارة متصلة متلاحقة طوال شهور صيفنا القائظ الناري‏..‏
أما الربيع‏..‏ عروس الفصول الاربعة‏..‏ حيث قيل لنا أيضا دون أن نري انه موسم التفتح والإزهار وتفجر جمال الطبيعة‏.‏
الربيع الذي رددنا الأبيات في استقباله‏..‏ علي لسان عمنا البحتري
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا
وقد نبه النيروز في غسق الدجي
من الحسن حتي كاد أن يتكلما
أوائل ورد كن بالأمس نوما
‏..‏ الربيع الذي غنينا له مع أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ والذي اخترع له أجدادنا الفراعنة عيدا خاصا نعرفه اليوم باسم شم النسيم‏,‏ هذا الربيع لم تعرفه مصر ولم يعرفه المصريون‏...‏ فهو الفصل الشبح الذي نسمع عنه ولا نراه‏..‏
والحكاية أنه قد وقع من زمن بعيد في براثن كارثة طبيعية تدعي الخماسين وهي رياح شريرة مسمومة تهدد مصر طوال خمسين يوما‏..‏ وحين تهب فعلي كل شيء العفاء‏..‏ الصحة والمزاج والعمل والنوم والأكل وكل مايمكن أن يعرض للانسان في اي يوم من أيامه‏..‏ فمع هبوبها الربيعي الفاتن‏!!‏ نستنشق لهبا محملا بذرات رمال وتراب تلسع الأنف والحلق والرئتين‏..‏ وتتحول عملية التنفس العادية‏(‏ الشهيق والزفير‏)‏ إلي عملية احتضار مؤلمة‏..‏ ويتسلل مسحوق الخماسين الترابي الخبيث إلي كل شيء‏..‏ فراشك الذي تنام عليه‏..‏ وخبزك الذي تأكله‏..‏ وكوب الماء الذي تحتسيه‏..‏ ومسام جلدك ورموش عينيك
يحتلك بالكامل‏.‏
لا يكتفي ب****** ربيعك الشبح
بل يمتلكك ويستلبك ويحيلك إلي مجرد خرقة بشرية لا تصلح حتي لتلميع صاج السيارة‏..‏ فأهلا بك أيها القادم تختال ضاحكا فأنا أعرف ماذا يضحكك‏..‏
أهلا أيها الشبح المغتصب
ولا عزاء لقراء المطالعة الرشيدة

مسترسمير إبراهيم
29-06-2010, 12:02 PM
الألم‏...‏ والقلم
بقلم: أسامه أنور عكاشه http://www.ahram.org.eg/MediaFiles/osama.jpg


‏..‏ حكمة في سطر‏..‏ أو كلمات مرصوصة متجاورة‏...‏ أو عبارة مسجوعة‏..‏ توضع حول كل منها علامتا تنصيص‏...‏ ثم تذيل بقول مكتوب في داخله حكمة قديمة أو قول مأثور فإذا كانت الكلمات ذات شهرة قيل إنها مثل من الأمثال السائرة‏!‏
وما أكثر هذه الجمل والعبارات الحكمة والمثل في حياتنا علي المستويين الفصحي والعامية‏..‏ وهي في أحيان كثيرة مقتطفات مقطوعة عن سياقها‏..‏ أو هي عبارات يخترعها الكاتب ويعجب بها فيعطيها صفة الحكمة أو المثل‏..‏ وإن كان من اللازم ان نفرق بين هذا النوع من المأثورات وبين الأمثال الشعبية والتراثية المحفوظة والمتفق عليها‏.‏
من نوعية الحكم اللقيطة ـ غير الموثقة ـ عبارة وراء كل عظيم امرأة وهي لا تعد حكمة بحال من الأحوال‏,‏ بل إن الكثيرين وأنا منهم ينكرون فحواها إنكارا تاما لما فيه من حكم قطعي لاسند له‏,‏ ويكفي للدلالة علي خطأ منطقه ان نذكر مثالين ـ مجرد مثالين ـ لزوجة سقراط وزوجة تولستوي‏.‏
حكم آخر مشابه يقول‏:‏ الألم العظيم يصنع الفن العظيم‏..‏
ولأول وهلة تبدو العبارة جزلة متوهجة لدرجة تجعلني أتردد ألف مرة قبل ان أعارضها‏..‏ فمن يجرؤ علي معارضة ما يبدو بديهيا؟
من ينكر ان أرفع نماذج الأدب والفن خلفها ألم هائل ممض؟
من ينكر آلام ديستويفسكي في صرعه؟ وآلام تشيكوف وجورجي‏..‏ والسل ينهش رئتيهما ويستل الحياة منهما؟
من ينكر آلام كافكا في حياته المضطربة العاصفة؟ ومن ينكر مثيلها في حياة إدجار آلن بو وبودلير‏.‏
حسنا‏..‏ لا أحد ينكر‏..‏ ولا أحد أيضا يهرب من النقاش‏!‏
فما هو تعريف الألم العظيم أولا؟
هل هو الألم الناتج عن الإصابة الجسدية‏..‏ أي الألم المرضي بالمعني الفسيولوجي؟ أم هو الألم الناتج عن الإصابة النفسية؟
آلام المرض الجسمي هي قاسم مشترك بين كل البشر‏,‏ وبديهي أنه لاتوجد أي علاقة سببية بين علة الجسد وبين عبقرية الإبداع‏,‏ ولو افترضنا ان ديستويفسكي لم يصب بالصرع وتشيكوف لم يقع صريع الدرن الرئوي فهل كانت سلامتهما الصحية الجسدية تشكل حائلا دون أن يبدعا في فن الرواية والقصة القصيرة‏..‏ وهما بلا جدال أهم اسمين في عالميهما؟
قال بعض النقاد ـ من دارسي ديستويفسكي ـ إن أغني لحظات إبداعه وألمعها تلك التي كانت تعقب إفاقته من نوبة الصرع‏...‏ وحاولوا تفسير ذلك بحالة الصفاء والحدة الذهنية التي يسببها تفريغ الشحنة الكهربائية في المخ‏..‏ أو شيئا قريبا من هذا ولن ندخل معهم في مساجلات طبية ولكننا نتساءل فقط‏:‏ هل يعقل ان يكون هذا الكم الهائل من الإبداع الروائي قد كتب فقط عقب نوبات الصرع؟‏..‏ أمر مشكوك فيه إلي حد بعيد‏.‏
نفس الأمر مع العبقري الروسي الآخر‏..‏ انطون تشيكوف‏..‏ سيد القصة القصيرة من زمنه وإلي الان بلا منازع‏..‏ فقد كتب كما كبيرا من روائعه قبل إصابته المرضية‏.‏
نأتي الآن الي الاحتمال الآخر‏..‏ الي الألم الناتج من الإصابة النفسية‏..‏ ويجب بداية ان نحدد أولا ما نعنيه بعبارة الاصابة النفسية وهل هي المرض النفسي؟‏..‏ أم المعاناة النفسية الطبيعية التي لاتصل الي حد المرض‏..‏ اذا كانت الأولي فنحن نلحقها بمجموعة المرض الجسمي‏..‏ وننفي بالتالي أي علاقة ارتباط بين المرض النفسي والإبداع‏..‏ فحالة فان جوخ أو بودلير لا توثق إلا أحداثا في حياة أي منهما‏,‏ ومن العبث والهزر السخيف الادعاء بأن جنون فان جوخ هو سبب عبقريته أو أن اصابة بودلير بجنون الهوس والاكتئاب نتيجة متطورة لإصابته بالزهري‏..‏ كانت أيضا مسببه لروعة أشعاره‏!‏ لكننا نستطيع ان نفتح صدورنا وأذهاننا بأقل قدر من المعارضة والإنكار للحديث عن المعاناة النفسية‏..‏ ألم النفس وعناء الروح الناتجين عن حساسية الفنان المرهفة تجاه كل ما يمر بالحياة من حوله‏..‏ والتأثير هنا يكاد يكون معكوسا‏.‏
فليس شقاء الفنان أو تعاسته الروحية سببا في تفوق ابداعاته‏...‏ بل الأصح هو ان فرط حساسيته وإدراكه للخطأ والظلم وغياب العدالة هي من يصيبه بأسوأ ما تسببه الجراح من آلام ومعاناة‏...‏ وهذا لا يمنع ان تكون العملية في صورة دائرة لا نستطيع تحديد نقطة البداية علي محيطها‏.‏ خاصة حين ترهف الآلام النفسية احساس القلم أو الريشة أو الآلة الموسيقية‏.‏
سئل ماكسيم جوركي ذات مرة عما يمثله تشيكوف في رأيه‏..‏ وكان رده غريبا مثيرا للدهشة‏..‏ إذ قال‏:‏
أري في كتابات تشيكوف ابتسامة القلب الحزين‏!‏
انها العبارة ـ المفتاح ـ ليس لأدب تشيكوف وحده‏..‏ بل لأدب جوركي ايضا‏..‏ وكل ادب اخر يمكن ان نصفه بالعظمة‏!..‏ فتصوير جوركي للنماذج البشرية المحطمة في مسرحيته الحضيض أو قصة ترنيمة السرير‏..‏ يدفع الدمع بأعيننا ولكنه لا يصيبنا بالاكتئاب‏,‏ نفس المسألة حين نقرأ الأبله لديستويفسكي ونتعاطف مع الأمير ميشكين لدرجة البكاء علي مصير البراءة‏..‏ أو حين نقرأ العنبر رقم‏6‏ أو الغريمان لتشيكوف فنرتج ونرتعد حتي النخاع‏,‏ ولكننا لا نصل الي حافة اليأس والإحباط‏,‏ انه الحزن النبيل أو الشجن المغسول بدموع أمل وليد‏..‏ وتلك صفات الفن العظيم والكاتب الذي يقطر قلمه عذابا علي الورق يحس بهذا العذاب أولا‏..‏ يعانيه ويتمثله‏..‏ حتي تتشبع كل مسامه الإبداعية به‏..‏ ثم يفرزه‏..‏ وألمه هنا نابع من قدرته علي النفاذ داخل عذابات البشر‏..‏ بغض النظر عن حالته الانسانية الواقعية حتي لو كانت كل مفردات حياته هنيئة سعيدة راضية‏..‏ تسألني‏..‏ وماذا لو كان هو نفسه تعيسا شقيا‏...‏ الن يكون الصدق هنا هو المؤثر وهو الحاكم؟
وأجيب بالايجاب واستدرك بأنه أفضل ولكنه ليس شرطا‏..‏ فالكاتب في أحيان كثيرة يكون كالممثل المطلوب منه اداء شخصية تخالف شخصيته وانفعالات تغاير انفعالاته ولكنه يحاول التقمص والمعايشة الكاملة وينجح فيها بقدر موهبته وحجمها‏.‏
بل إننا يجب ان نحذر نوعا من الفنانين الاشقياء الذين تبلغ تعاستهم مبلغا ينحو بهم الي التطرف الذي يفسد كل شيء‏..‏ فلا يبقي هناك فن عظيم ولا فن حقير‏..‏ ولا فن من أصله‏..‏ ولدينا مثال في عبد الحميد الديب‏...‏ شاعر البؤس‏..‏ الذي نجمع علي موهبته وعلو كعبه كشاعر فذ‏..‏ ولكن أحدا لايستطيع ان يقدمه للناس أو يجمع آثاره‏..‏ لأنه تولي بنفسه وبسخرية مدمرة حرق كل مراكبه‏..‏ فأحرق معها فنه وشعره إلي الأبد‏.‏

ايه كمال
30-06-2010, 01:21 PM
http://www.rtoosh.com/up/images/89429345871752586193.gif

مسترسمير إبراهيم
30-06-2010, 05:23 PM
:022yb4:بارك الله تعالى فى حضرتك وجزاك الله تعالى الخير والصحة الطيبةأختنا أ / آية كمال
وتقبلى خالص التحية

mahmoudasus
01-07-2010, 06:48 AM
http://www.3mda.org/uploads/images/3mda-com2d207da4d7.gif (http://www.3mda.org/)
http://www.3mda.org/uploads/images/3mda-comaa25ca6f37.gif (http://www.3mda.org/)
http://www.3mda.org/uploads/images/3mda-com7d19c3b279.gif (http://www.3mda.org/)

Mr.Trueman
01-07-2010, 11:51 AM
قبل أيام قليلة من حلول شهر رمضان المبارك ، تناقلت الصحف والوكالات المصرية والعربية والدولية ، أخباراً تحت عناوين : "كاتب يسئ إلى عمرو بن العاص" ، "دعوى قضائية للتفريق بين عكاشة وزوجته" ، "أسامة أنور عكاشة يتعدى على أحد الصحابة" ، ....

قالت تفاصيل هذه الأخبار والتقارير أن كاتب المسلسلات التلفازية المعروف أدلى بتصريحات حول شخصية الصحابي عمرو بن العاص (فاتح مصر) رضي الله عنه ، ونعته بأوصاف لا تليق بأحد صحابة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، الأمر الذي أحدث ضجة في الأوساط الدينية .

ونقلت هذه الأخبار عن علماء في الأزهر؛ أنهم سيطرحون الأمر على اجتماع مقبل لـ"مجمع البحوث الإسلامية" ، وهو أعلى هيئة في الأزهر "لاتخاذ قرار في شأن القضية" .

وتفاعلت الأزمة أكثر، بعدما أعلن عكاشة عبر برنامج "القاهرة اليوم" الذي بثته قناة "أوربت" الفضائية بعد تصريحاته الصحفية ـ على الهواء مباشرة ـ تمسكه برأيه ، ساخراً من محاوره الداعية الإسلامي الشيخ خالد الجندي الذي فضح عكاشة من غير قصد، إذ تساءل عكاشة قائلاً باستهزاء : "هو لما يكون ده رأينا في عمرو بن العاص أبقى خرجت عن الإسلام أو أنكرت ما هو معلوم من الدين؟ " .

وأوضحت المصادر الإعلامية أن حديث عكاشة دفع متابعي البرنامج إلى التدخل عندما اتصل المحامي الإسلامي منتصر الزيات هاتفياً وعاتب الجندي على هدوئه في الرد على شخص "شتم أحد الصحابة علناً" ، واحتد الزيات وهاجم عكاشة ، فحجب القائمون على البرنامج صوته ، فما كان من عكاشة إلا أن سأل مقدم البرنامج الصحفي عمرو أديب : "إنت جايب محامي الإرهابيين اللي دافع عن اللي ***وا أهلنا" ، ثم تدخلت إحدى المشاهدات هاتفياً أيضاً وتساءلت : " كيف يسمح لمن يكتب مسلسلات عن (سماسم) العالمة (وهي راقصة وبطلة مسلسل "ليالي الحلمية) ليتحدث في الدين" ؟

تلك هي البداية والنهاية المعتادة لهذه الزوابع التي اعتاد أن يثيرها مشتهي الشهرة وعشاق الأضواء ، أما الذي تقيأه أسامة سماسم (نسبة إلى راقصته الشهيرة) ، وتحرجت كثير من الصحف ووسائل الإعلام ووكالة رويتر من ذكره ، هو قوله الفاحش نصاً : (إن ابن العاص لا يستحق أن يمجد في عمل درامي من تأليفه) ثم قوله الأكثر فحشاً : (إنني لو قدمت شخصية عمرو بن العاص سأظهره "أفاقاً") ثم إضافته الأكثر فجوراً : (لأنه من أحقر الشخصيات في تاريخ الإسلامي) .

وفي الحقيقة أنني قبل كتابة هذا المقال ، استطلعت كل ما كتبه المسلمون في الصحف وعلى مواقع (الإنترنت) عن أسامة سماسم قبل أن يتقيأ هذا الفحش ، فعجبت أن واحداً من المسلمين الغيورين على دينهم ، لم يكتب كلمة واحدة عن أسامة وتاريخه الأسود ، لا بخير ولا بشر ، وقد يرى البعض أنه أحط من أن يهتم بشأنه أهل الإسلام ، وهذا القول إن صح من جانب أن المثقفين والدعاة المسلمين قد لا يسمع بعضهم عن هذا الكائن ، غير أنني أرى ذلك زلة كبيرة من زلات المثقفين أن يغفلوا عن متابعة شياطين الإنس من حولهم ، ويكون لهم فيهم قولاً ، وعيبٌ على الدعاة ألا يتابعوا وبدقة ما يبثه الفضاء الإعلامي من ثقافات وأفكار أولاً بأول ، وأن يتنبهوا أن أسامة سماسم ـ وغيره كثيرين ـ لم يكن ليجرؤ على هذا القول إلا بعد أن مارس هو بنفسه من قبل - في جميع أعماله - طعن الثوابت الشرعية ، والإسهام في فك عرى عديدة من عرى الإسلام التي أشار إليها المصطفى (صلى الله عليه سلم) دون أن ينتبه إليه أحد أو يؤاخذه ، حتى ظن هو أن تأليفه لروايات الفسق والفجور والدعارة ، هي جواز مرور لاستباحة حرمات الدين ، غروراً منه في غير محله ، هيئ له أن عنقه التي هي أقرب للأرض ، في ميزان الإسلام ، يمكن أن تتساوى مع نعل واحد في قدر ومكانة الصحابي الجليل عمرو بن العاص ، إذ تصور بخبل ليس غريباً عليه ، أن عمرو بن العاص انتظر أربعة عشر قرنا ًمن الزمان ، حتى يقدمه أسامة سماسم للمسلمين ، ونسي أنه أقل شأناً من أن ينال شرف الكتابة عن عمرو بن العاص ، لأن الذين تربوا على موائد الراقصات وخَبِرَ مواخير الزنا و الخَنَا والشذوذ ، لا يجوز له بل ويُمنع قسراً من أن يأتي على لسانه ذكراً لاسم صحابي جليل ، قال عنه خير ولد آدم ، وإمام الأنبياء والمرسلين ، المصطفى بختم سلسلة النبوة (صلى الله عليه وآله وسلم) : (أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص) ، ولو لم يكن لابن العاص من الدنيا غير هذه الشهادة ، لكفاه فخراً وعلوً وسمو مكانةً في نفوس وقلوب المسلمين ، ولو صدق فيه كل ما قاله رعاع الشيعة وعبدة الصليب المعاندين والمستشرقين والمستغربين ، فأين يذهب قولهم أمام قول رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ؟

لقد طعن أسامة سماسم في شخصية عمرو بن العاص ، سيراً على درب أهل الكفر والضلال ، أما نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم) فقد اتخذه سفيراً أول له في دولة الإسلام الأولى ، وجعله ممثلاً شخصياً لدعوته ، فابتعثه ليدعو باسمه (صلى الله عليه وسلم) إلى دين التوحيد ، ثم كان له شرف إسقاط دولة الأوثان والشرك في عُمان ، وفي فلسطين ، وبه سقطت دولة الصليب في مصر ، وتحول أهلها من عبادة الصليب والرب مثلث الوجوه والوجود ، إلى عبادة الله الواحد القهار .

فهل اختار وانتصر وزكَّى وأوفد خير البرية ، رجلاً يقول فيه أسامة ما قال ، وهو الذي يجب أن يراجع نفسه في ماله ورزقه وطعامه وطعام أولاده ، أهو من حلال أو حرام ، والعياذ بالله ؟

ونعلم أن أسامة سماسم لم يكن هو أول الوقحين ، الأفاقين ، الذين برعوا في تحقيق النجومية بمعصية الله رب العالمين ، ولن يكون هو آخرهم ، لأن الباطل قائم مادام الحق قائماً إلى يوم الدين ، وإن قصد أسامة سماسم بسوء أدبه مع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يقلل من قدر عمرو بن العاص ، فقد تفجرت قضايا عظيمة وأحداث مشرفة حول تاريخه ، كان كثير من الناس خواصهم وعوامهم ، يجهلونها فعرفوها اليوم بحمد الله وفضله ، ولعلها تكون مناسبة أن يطالب المثقفون المصريون من أصحاب العقل والحكمة والالتزام العقدي والأخلاقي ، بعودة اسم عمرو بن العاص ثانية إلى الشارع الذي حمل اسمه لسنوات طويلة ، وهو اليوم يعرف بشارع كورنيش النيل ، ويقول المولى سبحانه وتعالى :"وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" .

***

وخروجاً من دائرة أسامة سماسم الشخصية ، إلى محيط الصورة الكلية لتلك الفعلة الفاحشة التي أقدم عليها ، فإنه يلزمنا الوقوف أمام هذا الحدث من جهتين ، أولاهما : كون أسامة سماسم ليس إلا قطعة شطرنج ، تحركها أصابع فوقية - خفية أو غير خفية - تحت ستائر الشعوبية العلمانية الرافضة للدين والتدين ، وثانيهما : الجانب التاريخي الذي يخص عمرو بن العاص في مصرنا الحبيبة ، كوطن نعيش فيه ويعلو بنا في سماء التوحيد .

حجر حقير على رقعة شطرنج أكثر حقارة :

إن تلازم الفكر مع العمل هو الدلالة الأولى على هوية الإنسان ، لذلك تسلط الغرب بأدواته علينا ليخطفنا من هوية الإسلام ويقذف بنا إلي هَويَّة الشيطان ، تلك الهَويَّة التي تتنازعها المذهبيات سابقة التجهيز ، التي أملاها أعداء الأمة على ضعافها من أصحاب العقول الفارغة الرافضة للثوابت ، القابلة للتحويل والتبديل والانقياد ، المضطربة وجدانياً - وإن بدوا أمامنا مكتملي الأهلية - بتلك الأضواء المبهرة التي تخفي الجوهر بجمال الشكل الخادع .

وإن دعوة الفصل الجبري للدنيا عن الدين ، ما هي إلا خدعة أراد بها خصوم الكنيسة أن يسلبوا بها حق ممارسة ضبط الناس وتقويمها، وتقييمها، فأرادوا لها أن تنشغل هي بالدين كله وتترك لهم الدنيا كلها ، خلاصاً من الكنيسة ، بعد ما طغت وتجبرت وأصبح القائمون عليها هم أرباب صغار في الأرض ، يُشَرِّعون ويحكمون ، ثم ينفذون ما شَرَّعوا و حكموا به وفقاً لما أسموه كنسياً بصكوك الغفران ، الموقعة باسم الإله الرب يسوع مثلث الأقانيم .

وتغافل هؤلاء أن المسجد ليس هو الكنيسة ، ولا الإسلام هو النصرانية ، ومن فاحش الفهم أن يربط عاقل بينهما ، فقد كانت الكنيسة - قبل ثورة الإصلاح في الغرب - هي حكومة الدنيا والآخرة ، هي الحاكم للبشر والحجر والشجر ، من يتزوج يدفع الضريبة ومن يطلق يدفع الضريبة ، ومن ينجب يدفع الضريبة ، ومن يموت يدفع عنه أهله الضريبة التي يضمن بها الملكوت .

وذلك المفهوم "الدراماتيكي" ، هو العالق بالضرورة في عقل أسامة سماسم ، مما علَّمه له شيوخه ، فأسقط كل هذه الطاغوتية بجهالة على الإسلام وأهله ، ثم عقد لنا محكمة ، وأصدر الحكم ، وتولى التنفيذ ، لذلك كره أسامة سماسم شخصية عمرو بن العاص ، وتاريخ عمرو بن العاص ، وسيرة عمرو بن العاص .

أما في الإسلام فلا كهنوت ، ولا سكرتارية خاصة للإله ، ولا مندوب سامي يتصف بالقداسة ، لأن الدستور الإلهي هو الحَكَم وهو الشاهد ، ولأنه إلهي فقد امتزجت مكوناته ، وانسجمت معطياته ، وتلازمت أوامره مع نواهيه في دقة تعلو مقامات البشر ، فالروح والمادة متكاملان ، والدنيا والآخرة متصلان ، والعلم والدين متداخلان ، لأن الدين عند المسلمين هو علم الإنسان بمبادئه وأصوله ، والعلم عند المسلمين هو حق الإنسان في فهم الدنيا ، فيكون الدين دعوة لفهم الدنيا ، والعلم هو أداة الإنسان لفهم الدين .

ومن هذه المقدمة المختزلة ، التي أصف بها حالة ، لا أُشَخِّص بها داءاً ، أنتقل مباشرة إلى حالة أسامة سماسم ، فأقول إنه ليس إلا واحداً من ضحايا الانبهار الثقافي بالآخر ، ورمز من رموز ظاهرة مرضية أصابت مجتمعنا كتبعة من تبعات الاحتلال الصليبي الذي جثم على صدر الأمة رِدْحَاً طويلاً من الزمان ، مخترقاً جدار دولة الخلافة لمدة قرن كامل من الزمان ، ومتسلطاً عليها لمدة قرن ثان ، باسم الخلافة أيضاً وتحت رايتها .

هذه الظاهرة التي وصفها البعض بالبريق الزائف ، وتقوم على رعايتها مؤسسات إعلامية ماسونية ضخمة ، تجيد فن تحويل (الفَسيخ) إلى (شربات) ، وتصور (الحَبّة) على أنها (قُبّـة) ، وتجعل من "الحقير" كياناً "معتبراً" ، فَتُعلي الصغار وتَعْمَى عن الكبار ، وتصنع من الأنصاف والأرباع نجوماً ثقافية وفنية ، تُلهي مسيرة الأدب والفن بالإثارة والشغف والأضواء وتلبية نداءات الشهوات ، حتى يظن الضحايا أنهم على الحقيقة ؛ نجوماً وكباراً ومشاهيراً يشار إليهم بالبنان .

وإذا استكثر أسامة سماسم من منتصر الزيات المحامي ، أن يدافع عن الصحابي الجليل عمرو بن العاص "متهماً" إياه بالتطرف والإرهاب ، ذلك "الاتهام" الذي كان خلال السنوات العشر الأخيرة تجارة رابحة لمن لا صنعة له ، فلا بأس أبداً من ذلك ، لأنه بذلك قد اختار لنفسه كما اختار منتصر ، المقام المناسب له والأليق به ، فاختار أسامة سماسم طابور المُنَصِّرين والمستشرقين والمدلسين وكذبة التأريخ من الشيعة والمتشيعين، وإحساناً بالظن ـ راجياً من الله الغفران ـ سأعتبره أنا من جهلة التاريخ والجاهلين بالدين ، أما منتصر الزيات ، فقد اختار طابور صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

ولا يلومني واحد إن قلت بالفم المليء أن أسامة سماسم بمعاداته لعروبة مصر لغةً وتاريخاً ووطناً ، وتألمه من اختيار أجداده الأوائل وأبويه اللذين ولداه رغماً عنه وعلى يد عمرو بن العاص للإسلام ديناً وعقيدة ، ومعاناته النفسية أن ينتسب أهل مصر مصاهرةً وحسباً ونسباً إلى صحابة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ، ومقته الشديد لهذا الصحابي الجليل على وجه التحديد ، الأمر الذي جعله يتوعد ويهدد أن يؤلف مسلسلاً لينتقم منه ويا لخزي وعار ما يؤلف وما ألف .

فأقول : إنه ـ أسامة سماسم ـ واحد من طابور الشعوبية التي ظننا خطأ أنها ماتت ، فإذا بصبي من صبيانها ـ هوـ يجهر بالسوء ، ناطقاً بالباطل ، ثم يُصِرُّ على ما قال من "الضلالة" ، مستعلناً بخصومته لعمرو بن العاص ، حبيب خاتم الأنبياء وخير البرية عليه الصلاة والسلام ، تماماً كنكرات أخرى على شاكلته([1]) .

ولا يرفع "علماني شعوبي" عقيرته ليبرىء نفسه وصاحبنا أسامة سماسم من صفة العلمنة الشعوبية ، فإنها إجمالاً سلكت سبلاً عديدة بين ظاهر ومستور ، غايتها وأتباعها :

1- إرباك العقيدة لدى المسلمين .

2- وتشوية المفاهيم .

3- وسوء التأويل .

4- وفساد العقل .

5- وسوء الظن .

6- والتشدق بثقافة أعداء الأمة .

7- وتمجيد كل ما يتعارض مع الدين .

8- والحط من حضارتنا .

9- لحساب حضارة الممولين .

فإن برىء أسامة سماسم من هذه التسع سيئات ، فالعاشرة وهي الضلالة ، لاصقة به باختياره ، ومدعاة لفخاره ، والرجل ليس له (ذقن) ليخفيها ، ولن يرفع نصفه السفلي لأعلى ليدس رأسه في الرمال كالنعامة ، فجاهر وأكد كرهه لمن أحبه رسول الله ، واحتقر من أعلى شأنه صِدِّيق أمة الإسلام وفاروقها ، رضي الله عنهما .

ذلك لأن حرب العلمانيين الشعوبيين على الإسلام ليست حرباً مكشوفة كما يظن البعض ، إنما الذي نراه في وضح النهار ليس إلا مفاتيح لخطط خفية ، لها وسائلها ومناهجها الخاصة ، بقصد الاستيلاء من الداخل على العقول والأفكار والعواطف من خلال بعض الأعمال الفنية ، حتى إن انبهر الناس بهم وتحركت مشاعرهم نحوهم ، إعجاباً بهزلهم وما يثيرون به أحاسيسهم ورغباتهم ، تسلطوا على الناس لإعادة صياغة هذه المشاعر وتشكيلها من جديد ، فتصبح مهيأة لاستقبال صيغهم الفكرية الشاذة في هدوء شديد ، بأن يكون الواحد منهم مصدراً موثوقاً به إن تكلم ، وشكلاً مألوفاً إن شوهد ، تحت مظله نجوميته كرمز من رموز المجتمع ، لكن هيهات هيهات أن تمر تلك الحوادث بهذه البساطة ، ما دامت هناك بقية من نخوة ، وبقية من تقوى ، في قلوب وصدور ومعتقدات المسلمين .

والذي يمكن أن نفهمه بجلاء ، من هذا التطاول الذي جهر به أسامة سماسم على الصحابي الجليل عمرو بن العاص ، وشتان بين الثرى والثريا ، وبين الجرذان والأسود ، إن أسامة سماسم قد أفلس ، وانحسرت من حوله الأضواء ، فأراد العودة إليها ولو أن يقذف بنفسه في نارها ، فأوكل شيطانه أن يدبر له حيلة ، وانتهى به المقام إلي سب واحد من كبار رجال الأمة والتاريخ قاطبة ليطعن فيه .

ومشكلة أسامة سماسم بالتحديد ، أنه يعيش معنا في زمن العولمة ، بينما ما زال يحمل في رأسه كل زمن الانحسار في العهود البائدة ، ذلك الزمن الذي عَمَّت فيه بلوى لغة المقاولين ، وشراء الألقاب كالباشاوية والباكوية والأفندية ، أو منحها لذوي النجابة من أصحاب المواهب والمهام الخاصة جداً ، فهذه كوكب الشرق ، وهذا عميد الأدب العربي ، وتلك سيدة الشاشة العربية ، وذلك أمير الشعراء ، وهذه سندريلا ، وذاك عندليب ... وهكذا سعى أسامة سماسم جاهداً أن يلوذ بواحد من هذه الألقاب ، لكنه فقد الوعي بأن العولمة تجاوزت هذه المرحلة من التخلف ، وأصبحنا الآن في عصر تنوير إيناس الدغيدي ودينا ولوسي وروبي ووحيد حامد وشعبان عبد الرحيم وداليدا ونانسي عجرم و ....... و أسامة سماسم ، فكلهم كما نرى نجوماًًًًًً ، لكن بدون ألقاب اكتفاءً بدلالات أسمائهم التي أصبحت بذاتها تُغني عن التعريف وبئس التعريف .

إذ يشهد الواقع على أن ثقافة أسامة سماسم وأمثاله من العلمانيين الشعوبيين ، إنما هي ثقافة التخلف عن ركب حضارة الإسلام وتاريخه العريق ، وهي ثقافة الانهزامية الذاتية التي تسقط بصاحبها في بئر الحيرة العقلية ، وتحول بينه و بين الحق وشواهده ، وتحول بينه وبين الارتباط بهويته ، فَتُحبِط سعيه ، وتضلل طريقه نحو أداء الرسالة التي خُلِقَ من أجلها ، فأنساه الله لها ، وحرمه من أن يكون من المستخلفين في الأرض وفق المنهج الرباني .

وأحذر بشدة أن يُهوِّن واحد من تلك الجريمة النكراء التي ارتكبها أسامة سماسم ، في حق ديننا ، ثم في حق كل من ينتسب إلى هذا الدين ، ثم في حق نفسه هو ذاته ، لأن خطورة ما قاله من وقاحة في حق الصحابي الجليل ، أنه بهذا القول البذيء يحاول أن يفتح باباً للرعاع ، يكون هو في مقدمته ، يتطاول من خلاله على رموز الأمة ، ويقذفون من خلفه المسلمين بالحجارة كصبيان الشوارع ، فإن سكت المسلمون زاد وطغى وبغى ، وإن حملوا عليه لهث جرياً أو ألجم ، خشية ورعباً كمن وصفهم رب العزة سبحانه وتعالى بالكلاب .

وإنني إذا ما حاولت أن ألتمس عذراً لأسامة سماسم فيما قاله - وهو أمر شاق للغاية - فلأن الدين أصبح عنده وعند أمثاله ؛ "بعبعاً" يعطل إبداعهم الشيطاني ، وأصبح المسجد "مدفناً" يحرمهم من التنوير ، أما تعاليم الإسلام فقد أصبحت عنده وعندهم "مزاميراً" لإبليس ، بعدما وضعوا الإسلام في قاموسهم محل "الشيطان" والعياذ بالله .
وقد يسأل سائل : ما الذي أودى بواحد مثل أسامة سماسم إلى هذا الفهم المغلوط ؟ ومن أين ؟ ولماذا ؟ وكيف ؟ ، فأقول أن الإشكالية المتسلطة على أذهان أسامة سماسم وأمثاله من العلمانيين الشعوبيين ، هي مشكلة المنهج الانتقائي الذي تقمقموا فيه ، معتمدين على مسلمات مشوهة ، أو متأثرين بمعالم كُفريَّة (ولا حرج أبداً في ذلك القول) ، فتمردوا على الدين وثوابته ، ومن ثم يلجأون وفق هذا المنهج التشويهي ، إلى بتر الحقائق ، وتضييق المفاهيم ، وتزييف المعاني ، والقطع الجبري للصلة الفطرية بين ذواتهم المحدودة والمطلق اللامحدود ، فيحدث النكوص المزعج عن الحق وأهله .

وأنبه إلى نقطة في غاية الأهمية ، أسُدُّ بها الطريق أمام أسامة سماسم ومن سيرفعون عقيرتهم دفاعاً عنه ، أن مسلماً أياً من كان ، لا يملك أن يصدر صكاً كالذي في الكنيسة بحرمان هذا من الملكوت أو إدخال ذاك إلى الفردوس ، إنما العلمانيون الشعوبيون أنفسهم ، هم الذين يختارون مكانهم وبدقة شديدة ، عندما يصرخون في وجوهنا على صفحات صحفهم ومجلاتهم التي يرتعون فيها ـ ولا نصيب لنا فيها ولو حتى مقابل ما ندفعه من ضرائب وجبايات تجفف الدم والجيوب ـ قائلين لنا :

· هل أنتم المسلمون وحدكم ونحن الكفار ؟

· من الذي أعطاكم حق الوصاية لتكفير الناس ؟

فالحقيقة الغائبة ، أنهم هم أنفسهم الذين يحددون أماكنهم ، إنما على لسان المسلمين ، ليبرؤا أنفسهم من اتهامهم لذواتهم ، ومن كثرة ما رددوه من اتهام لأنفسهم بالكفر ، صدقوا حقاً أننا الذين وجهنا إليهم هذا الاتهام بما هم يعلمونه عن مكانتهم عند ربهم ، ولو كنا نملك القدرة على النطق به لأنه الحق ، لتلمسنا الأجر العظيم من الله بقول الصدق .

وإن سمح لي أسامة سماسم أن أحلل حالته ، وأُشَخِّص له المرض ، فأقول أن العلمانيين الشعوبيين على العموم وهو واحد منهم ، يعيشون حالة انفصام شخصية شديدة ، تسيطر على عقولهم ومعتقداتهم وسلوكهم ، فهم متمسكون بالإسلام (الدين) ، لكنهم رافضون للإسلام (الدنيا) ، يؤمنون بالكتاب ، لكنهم غير قادرين على الامتثال لأوامره ونواهيه ، فيجدون أنفسهم مندفعين نحو نفي هذه الأوامر والنواهي ، ثم ما يلبثون إلا ويضعوا على أعينهم "نظارة" الرفض الشعوبية العلمانية ، فلا يرون معنىً ولا فهماً إلا من خلالها ، ولو توقف الخلل عند هذا القدر من ظلم النفس لكان أمراً هيناً ، إنما نراهم وفي جرأة عجيبة ، يُحَرِّمون في الوقت ذاته على الناس استخدام أي "نظارة" غير نظارتهم ، حتى لا تفسد رؤاهم لمعتقدنا الذي يفضح انفصامهم .

درس في التاريخ :

فإذا ما انتقلنا إلى الجانب التاريخي ، الذي أود أن يعيه أسامة سماسم ويتعلمه جيداً ، فهو قدر عمرو بن العاص وتقواه وقيمه وسلوكياته وإرادة الله العظيمة التي استجاب لها راضياً مرضياً ، جاهداً مجاهداً حتى تم له فتح مصر فيما سمي بالفتح اليسير ، وذلك هو الذي يجهله أسامة سماسم ، أو أنه يعلمه بحسب النظارة العلمانية العوراء .

ورأفة بأسامة سماسم ، واحتراماً لمشاعره التي لا يجب أن يحترمها مسلم ـ لكنني أحترمها من باب الدعوة والنصح والإرشاد ـ فسوف ألتزم بأن تكون مصادري العلمية ، وأن يكون شيوخ هذا الدرس للتاريخ ، له ولأمثاله من العلمانيين الشعوبيين ، هم من كبار رجال الكنيسة في مصر ، إذ أحسب أنهم أحب إليه وأكثر ثقة مما لو أتيت له بشيوخ من المسلمين .

وسوف أعتمد ثلاثة مصادر([2]) فقط على سبيل الاسترشاد والاستشهاد ، يمكنه أن يرجع إليها إن شاء ، ولأزيده اطمئناناً وإثلاجاً لصدره ، فإن أصحاب هذه المصادر التاريخية ، هم أشد منه تعصباً ضد الإسلام ، وأكثر منه كرهاً للمسلمين ، وأشط منه غلواً في حقدهم على عمرو بن العاص ، وبذلك أكون قد جاملت أسامة سماسم كثيراً ، ولم أقصر في حقه على الإطلاق .

فماذا يقول هؤلاء الكنسيين عن فتح مصر وعن عمرو بن العاص ، برغم ما هم عليه من تعصب وكره وحقد وغل مقيت ؟

أجيب لأسامة سماسم ، بتلك السطور المتناثرة التي اتبعت فيها المنهج العلماني الشعوبي "الانتقائي" ، إنما هنا انتقيت ما استطعت بعد جهد جهيد ، نتفات الخير من تلال الشر المتراكمة ، أما المنهج العلماني الشعوبي فينقب عن الزَلَّة ما استطاع بعد جهد جهيد ، ليشوه بها الثوب الأبيض الناصع البياض للمسلمين عقيدة وسيرة وتاريخاً .

المصدر الأول : يقول الراهب القمص أنطونيوس الأنطوني (ص 62) : (وإن كنا نذكر مظالم العرب الفاتحين فلابد – إنصافاً للحقيقة – أن نقول أن هذه المظالم لم تكن عامة أو شاملة خاصة في الفترة الأولى للفتح العربي، فقد اكتشف البروفسور جروهمان وثيقتين برديتين يرجع تاريخهما إلى سنة 22 ﻫ - 642 صليبية ، مكتوبتين باليونانية، وملحق بهما نص آخر بالعربية :

الوثيقة الأولى: إيصال حرره على نفسه أحد أمراء الجند يدعى الأمير عبد الله بأنه استلم خمساً وستين نعجة لإطعام الجند الذين معه، وقد حررها الشماس يوحنا مسجل العقود ، في اليوم الثلاثين من شهر برمودة من السنة المذكورة أولاً ، وقد جاء بظهر الورقة ما يلي : "شهادة بتسليم النعاج للمحاربين ولغيرهم ممن قدموا البلاد وهذا خصماً عن جزية التوقيت الأول" .

أما الوثيقة الثانية: فنصها : "باسم الله ، أنا الأمير عبد الله أكتب إليكم يا أمناء تجار مدينة بسوفتس ، وأرجو أن تبيعوا إلى عمر بن أصلع ، لفرقة القوطة ، علفاً بثلاث دراهم كل واحد منها (بعرورتين) وإلى كل جندي غذاء من ثلاثة أصناف" .

ويعلق الأستاذ جروهمان على الوثيقتين بقوله : "إن هذه المعاملة إزاء شعب مغلوب ، قلما نراها من شعب منتصر" .

ثم يستطرد الراهب القمص قائلاً (ص 64) : "كان البابا بنيامين (البطريرك الـ 38) هارباً من قيرس (المقوقس) البطريرك الملكاني ، وبعد الهزيمة التي مني بها الروم ورحيل جيشهم عن مصر ، غدا القبط في مأمن من الخوف ، وبدأوا يشعرون بالحرية الدينية ، ولما علم عمرو باختفاء البابا القبطي بنيامين ، كتب كتاب أمان للبابا بنيامين يقول فيه : "الموضع الذي فيه بنيامين بطريرك النصارى القبط ، له العهد والأمان والسلامة من الله ، فليحضر آمناً مطمئناً ويدبر حال بيعته وسياسة طائفته" ، كما يقول : "أن عمرو وهو في طريق عودته بعد فتح الإسكندرية ، خرج للقائه رهبان وادي النطرون، فلما رأى "طاعتهم" سلمهم كتاب الأمان للبابا ، فلم يلبث عهد الأمان أن بلغ بنيامين ، إلا وخرج من مخبئه وعاد إلى الإسكندرية بعد أن ظل غائباً ثلاثة عشر عاماً .

ثم يستطرد الراهب أنطونيوس الأنطوني واضعاً خشبه غليظة في عين أسامة سماسم ومن على شاكلته ، وهو ينهي كلامه معترفاً أنه لولا مشيئة الله بفتح عمرو بن العاص لمصر ، لما بقي وجود للنصارى فيها منذ ذلك الزمان البعيد ، فينقل نصاً : "ولقد كان لعودة بنيامين أثر عظيم في حل عقدة مذهب القبط ، إن لم تكن عودته قد تداركت تلك الملة قبل الضياع والهلاك") أ.ﻫ.

المصدر الثاني : أما القس منسي يوحنا ، فقال كلاماً غير مسبوق في أي مصدر من المصادر الإسلامية ، نطق به القس المؤرخ وكأنما يرد به على الكاتب الجاهل الجهول أسامة سماسم ، فقال (ص 306) : "وكان جيش العرب في فاتحة هذا القرن ، حاملاً لواء الظفر في كل مكان ، وظل يخترق الهضاب والبطاح ، ويجوب الفيافي والبلاد ، حتى وصل إلى حدود مصر تحت قيادة عمرو بن العاص ، فدخل مدينة العريش وذلك سنة 639 م ، ومنها وصل إلى بلبيس وفتحها بعد قتال طال أمده نحو شهر ، ولما استولى عليها وجد بها "أرمانوسة" بنت المقوقس [على رأس جيش صليبي محارب] فلم يمسها بأذى ، ولم يتعرض لها بشرِّ ، بل أرسلها إلى أبيها في مدينة منف ، مكرمة الجانب ، معززة الخاطر ، فَعَدَّ المقوقس هذه الفعلة جميلاً ومكرمة من عمرو وحسبها حسنة له" .

ثم يستطرد القس منسي يوحنا قائلاً (ص 307) : "فجمع المقوقس رجال حكومته ، وذهب للتفاوض مع رسل من قِبَل عمرو .

فبدأ وفد الروم بالتهديد والوعيد للمسلمين ، ب***هم وإفنائهم وأنه لا بديل أمام المسلمين غير الموت أو الرحيل ، فلما بدأ وفد المسلمين ، فلم يفعل كوفد أهل الصليب إنما طرح أمامهم ثلاثة بدائل : أولها الإسلام وثانيها الاستسلام مع دفع الجزية لقاء قيام المسلمين بتسيير أمور البلاد ، ثم كان الخيار الثالث والأخير وهو الحرب والقتال الذي طرحة جيش الصليبيين الروم المحتلين لمصر كاختيار لا بديل .

فاتفق رأيهم على إيثار الاستسلام والجزية ، واجتمع عمرو والمقوقس وتقرر الصلح بينهما بوثيقة مفادها : أن يُعطَي الأمان للأقباط ، ولمن أراد البقاء بمصر من الروم ، على أنفسهم ، وأموالهم ، وكنائسهم ، وفي نظير ذلك يدفع كل قبطي "دينارين" ماعدا : الشيخ ، والولد البالغ 13 سنة ، والمرأة" .

ويضيف القس منسي يوحنا : "وذكر المؤرخون أنه بعد استتباب السلطان للعرب في مصر ، وبينما كان الفاتح العربي يشتغل في تدبير مصالحه بالإسكندرية ، سمع رهبان وادي النطرون وبرية شيهات ، أن أمة جديدة ملكت البلاد ، فسار منهم إلى عمرو سبعون آلفاً [يصفهم القس منسي يوحنا في دقة شديدة قائلاً] حفاة الأقدام ، بثياب ممزقة ، يحمل كل واحد منهم عكاز ... تقدموا إليه ، وطلبوا منه أن يمنحهم حريتهم الدينية ، ويأمر برجوع بطريركهم من منفاه ، [وعلى الفور ، وبورع الأتقياء ، وتواضع المنتصرين المحكومين بشرع الله] أجاب عمرو طلبهم ، وأظهر ميله نحوهم فازداد هؤلاء ثقة به ومالوا إليه" .

ولم يكتف القس منسي بذلك كله ، إنما يضيف للحقير - أسامة سماسم - الذي نشك في أنه يعرف شروط ماء وضوئه ، كما قال منتصر الزيات ، فيقول القس منسي ما يجعل المسلم منبهراً بما قال: "خصوصاً لما رأوه يفتح لهم الصدور ، ويبيح لهم إقامة الكنائس والمعابد ، في وسط [منطقة] الفسطاط التي جعلها عاصمة الديار المصرية ومركز الإمارة ، على حين أنه لم يكن للمسلمين [إلى هذا الوقت] معبد ، فكانوا يصلون ويخطبون في الخلاء" .

أما عن موقف نصارى مصر من عمرو بن العاص ، فيضع القس الراحل منسي يوحنا خضبة غليظة في عين أسامة سماسم ، قائلاً (ص209) : "أنه قَرَّب إليه الأقباط ، وردّ إليهم جميع كنائسهم التي اغتصبها الرومان" .

المصدر الثالث : فإذا ما أتينا إلى القمص تادرس يعقوب ملطي ، فنجدة يقول (ص 77) : "وسط هذا الجو المتوتر ، حيث كان قيرس لا عمل له سوى متابعة الأساقفة والكهنة والرهبان ، حتى في البراري ، بحملة عسكرية يعذب وي*** ، وصل الزحف العربي إلى مصر تحت قيادة عمرو بن العاص ... ثم انطلق العرب نحو الإسكندرية (ص79) : إذ فقدت البلاد وحدتها ، وحُرِمَ الولاة المعينون من قبل الإمبراطور من كل خبرة عسكرية ، لا همَّ لهم سوى جمع الضرائب ومقاومة الكنيسة ، لم يفكر أحدهم في مساعدة أخيه ، إذ تفشى فيهم روح عدم المبالاة" ، هذا ويرى المستشرق الفرد بتلر : "أنه من الخطأ أن يُدَّعَى أن الأقباط كان في استطاعتهم في ذلك الوقت أن يجتمعوا أو يفاوضوا العرب" .

ثم يستطرد القس الملطي ، فيقول تحت عنوان (عودة البابا بنيامين) : "وإذ استتب الأمر دار النقاش بينه وبين الأقباط حول عودة البابا وأساقفته ، ولم يطلب عمرو من المصريين سوى الجزية ، بعد إلغاء الضرائب البيزنطية الفادحة [وكانت أربعة وعشرون نوعاً من الضرائب] وكان معتدلاً في المبلغ الذي يطلبه .... هذا وقد ترك للمصريين حرية العبادة ، وحرية التصرف في الأمور القضائية والإدارية ، بل وعيَّن بعضاً من الأقباط مديرين في جهات كثيرة" .

***

تلك هي المصادر الثلاثة ـ مسيحية أرثوذكسية مصرية ـ أسوقها إلى كل من يتبنى الوقاحة وقلة الأدب مع رموز الأمة ، ويجهر بجهله وجهالاته وسخف عقله ورداءة فهمه ، لتشهد على نبل وتحضر ورقي عمرو بن العاص وجيشه ، فلا أحسب أن جيشاً في تاريخ الأمم قاطبة ، من قبل أو من بعد جيش عمرو بن العاص ، وهو جيش محارب ، يتورع رئيس جنده من إطعام ثلاثة من خيوله ، أو عدد من جنده ، إلا ويكتب له بما طَعِم إيصال أمانه ، كما لا أحسب أن جيشاً في تاريخ الأمم قاطبة من قبل أو من بعد جيش عمرو بن العاص ، وهو جيش منتصر ، يستقبل المغلوبين ويحسن وفادتهم ، ويمنحهم الأمن والأمان والعهد والميثاق ، وأن يتولى حمايتهم ، ويؤمن عبادتهم ، ويعيد إليهم كبيرهم ويلغي ثلاثة وعشرون نوعاً من الضرائب ويبقي على واحدة هي الجزية ، ثم يرفعها عن شيوخهم ونسائهم وصبيانهم ، ومن لا يقدر عليها يأخذ من بيت مال المسلمين ما يقضي به حاجته .

كما لا أحسب أن جيشاً في تاريخ الأمم قاطبة، من قبل أو من بعد جيش عمرو بن العاص، وهو الذي أسقط دولة الروم في مصر وكسرها كسرة لم تقم بعدها أبداً ، يسمح لأهل البلاد المهزومين ، الذين تولى هو تحريرهم من الاستعباد والذل والهوان ، بأن يبنوا لأنفسهم كنائساً ودور عبادة ، في نفس الموقع الذي فيه إمارة الدولة والجيش ، ويشهد نصارى مصر أنهم صلوا في كنائسهم هذه ، وكان الجيش المنتصر يصلي ويتعبد في العراء .

وأؤكد مرة ثانية على حقيقة أن التاريخ الذي كتبته الكنيسة حول الفتح الإسلامي ، ملئ بالظلم للإسلام والمسلمين ، وملئ بالتعصب الأعمى والمقيت ، وملئ بالتزييف والتدليس والكذب الذي يصل إلى درجة "الحقارة" ، تلك اللفظة التي وصف بها أسامة سماسم بجهل وجهالة عمرو بن العاص ، مفتقداً أدنى درجات الأدب في الخطاب ، عن رمز عظيم من رموز خير أمة أخرجت للناس ، فكان أشد ظلماً لنفسه ، وأسوأ حظاً ممن كتبوا هذا التاريخ من كبار رجال الكنيسة ، عندما أنقل إليه نصاً كتبه صليبي غربي أكثر تعصباً وكراهية للإسلام والمسلمين من أسامة سماسم ومن النصارى الذين استشهدت أنا بهم ، وهو ألفريد بتلر ، في كتابة (الفتح العربي لمصر) ، ترجمة محمد فريد أبو حديد ، وإصدار الهيئة المصرية للكتاب ، وإمعاناً في دغدغة مراكز الصدق في رأس أسامة سماسم عساها أن تستيقظ ، وزغزغة مراكز الإحساس في لسانه عساها أن تتحفظ وتتعلم الأدب ، أنقل هذا النص ، ليس من كتاب ألفريد بتلر ، إنما أنقله على لسان الراهب أنطونيوس الأنطوني الذي أورده في كتابه ، ليستشهد به على أن الله سبحانه وتعالى شاء لنصارى مصر ، أن يكون إنقاذهم من الفناء والهلاك والعدم ، على يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص الذي وصفه أسامة سماسم ـ الذي لا ذكر له إلا بين الفسقة والفجرة ـ بالحقير ، فيقول الراهب (ص64) : إن بنيامين سَعِدَ كثيراً بعمرو ، كما رحب عمرو ببنيامين ، وطلب عمرو بن العاص من بنيامين أن يدعو له حتى يمضي ليحرر أرض ليبيا هي الأخرى من ظلم الرومان الصليبيين ، فيقول أنطونيوس الأنطوني نصاً :" فدعا له البابا بنيامين ، وقال له كلاماً طيباً أعجبه والحاضرين ، ثم انصرف مكرماً مبجلاً " .

ويستطرد أنطونيوس قائلاً (ص65) : "كل ذلك حدا بالمؤرخ بتلر أن يقول : "ولقد كان لعودة بنيامين أثر عظيم في حل عقدة مذهب القبط وتفريج كربهم ، إن لم تكن عودته قد تداركت تلك الملة (الأرثوذكسية) قبل الضياع والهلاك" .

فهل بعد ذلك يكون لأسامة سماسم وجه ، يستطيع أن يطل به علينا مرة أخرى في الفضائيات ، ليؤذينا بتقاطيعه المكدرة ولسانه البذيء ليسب هذا الصحابي الجليل أو غيره من نجوم الأمة الأوائل ؟ وكفى نعماً وسخاءاً من الله العلي القدير أن جعل لعمر بن العاص نصيباً من كل صلاة يصليها مسلم في مصر وكل أفريقيا منذ أن فتحها قبل أربعة عشر قرناً من الزمان وإلى يوم الدين .

أنصح أسامة سماسم ، أن يعود إلى الحق ، وأن يتوب إلى الله ، وأن يستغفر ربه ، وألا يجد حرجاً في أن يتعلم قراءة تاريخ المسلمين بنظارة المسلمين لا بنظارة المستشرقين والمستغربين والعملاء المأجورين ، أن يخلع عن عينيه نظارة الظلم والظلمات التي يحرص على الظهور بها ، كما لو كان يخيفنا بسوادها ، أو أنه يؤكد لنا أنه جيمس بوند([3]) المصري ، المتحدث الرسمي باسم سقط متاع الشعوبيين العلمانيين في بلاد المسلمين .

وآخر دعوانا أن يقطع الله لسان كل غمازٍ مشاءٍ بنميم، مناعٍ للخيرِ معتدٍ أثيم، عُتُلٍ بعد ذلك زَنِيم، وأن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وخير المرسلين ، وعلى عمرو بن العاص وصحبه الغر الميامين ، وعلى سائر المسلمين الصالحين.



--------------------------------------------------------------------------------

([1]) مثل أحمد الشهاوي الذي ألَّف كتاباً يسجد فيه للحب ويركع للعشق ، وحسن طِلب الذي ظن بشِعْرِه أنه ألَّف سوراً من القرآن ، ونوال بنت زينب الشهيرة بنوال السعداوي ـ التي تشق الجيوب وتلطم الخدود ليل نهار ، أنها تصاب بالطمث والحمل والولادة ، وزوجها لا يصاب بواحدة منها وترى في ذلك ظلم للمرأة المسلمة شديد ، فاتفقت هي وهو ألا يكون بينهما سبباً لهذا الظلم ـ وتماماً كما فعل من قبله طه حسين وسلمان رشدي ونسرينه وعلاء حامد وصبحي منصور وصلاح محسن وتلك المرأة التي ادعت النبوة في حي المطرية بالقاهرة ، ووقاحة صاحب الرواية الجنسية الشهيرة التي أصدرها قصر ثقافة المنوفية عام 1998 تحت مسمى الإبداع ، ومثل محمد مشتهري منكر السنة ولطفي الخولي عميل الصهاينة وحيدر حيدر صاحب الوليمة العفنة ، والقائمة تطول وتطول لأصحاب الضلالات ، فهل الباع كبير بين هؤلاء وأسامة سماسم ؟

([2]) المصدر الأول هو : الراهب القمص أنطونيوس الأنطوني في كتابة (وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها) ، المطبوع بدار الطباعة القومية – القاهرة ، ويحمل رقم إيداع 9836/95 ، والصادر في 30 يناير 1996 بحسب مقدمة المؤلف ، وتتصدر صفحته الأولى صورة مكتوب أسفلها (قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث ، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر بلاد المهجر) ، وعلى ما يبدوا أن هذا الكتاب الضخم طبع ونشر على نفقة دير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر .

المصدر الثاني هو : مرجع أساسي في الدراسات الكنسية للقس منسي يوحنا ، في كتابه (تاريخ الكنيسة القبطية) ، إصدار مكتبة المحبة بالقاهرة ، عام 1983 بحسب رقم الإيداع ، وتتصدر صفحته الأولى صورة مكتوب أسفلها (قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث) ، وهو لا يقل حقداً وكراهية للإسلام والمسلمين عن سابقه .

أما المصدر الثالث : الذي اخترته مع سابقيه اختياراً عشوائياً من بين كومة كتب التاريخ الكنسية ، فهو القمص تادرس يعقوب ملطي ، في كتابه (الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والروحانية) الصادر بدون تاريخ عن كنيستي الإسكندرية بمصر وسانت ماري بكندا ، و تتصدر صفحته الأولى صورة مكتوب أسفلها (قداسة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث) وكأنها صك الاعتماد المقدس لكل واحد من هذه المصادر .المصادر الأول ص 7 والثاني والثالث ص 8 .

([3]) جيمس بوند شخصية روائية تعمل في المكتب (الطابور) الخامس البريطاني (المخابرات الإنجليزية) .

منقووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووو ووووووووووووووووووول

Mr.Trueman
01-07-2010, 12:03 PM
روى الخطيب البغدادي رحمة الله عليه في كتابه ((الكفاية)) عن إمام المحدثين الكبار أبي زرعة الرازي رحمة الله عليه قوله فيمن يطعن في الصحابة الكرام: ((إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق . وذلك أن الرسول عندنا حق والقرآن حق . وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة . والجرح بهم أولى . وهم زنادقة)) كتاب الكفاية للخطيب البغدادي صفحة 93.

ويقول الإمام الكبير الطحاوي رحمة الله عليه في كتاب ((العقيدة الطحاوية)) في كلامه عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم: ((وحبهم دين وإيمان وإحسان . وبغضهم كفر ونفاق وطغيان)) كتاب العقيدة الطحاوية صفحة 467.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه»


عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق و يؤتمن فيها الخائن و يخون فيها الأمين و ينطق فيها الرويبضة قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة. ‌
قال الألباني (صحيح)

ففي صحيح البخاري ومسلم يقول صلى الله عليه وسلم عن موت أمثال هؤلاء: ((يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب)) فكيف لا يفرح المسلم بموت من آذى وأفسد العباد والبلاد.

لذلك لما جاء خبر موت المريسي الضال وبشر بن الحارث في السوق قال: لولا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود، والحمد لله الذي أماته،..(تاريخ بغداد: 7/66) (لسان الميزان: 2/308)

وقيل للإمام أحمد بن حنبل: الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دؤاد، عليه في ذلك إثم؟
قال: ومن لا يفرح بهذا؟! (السنة للخلال: 5/121)

وقال سلمة بن شبيب: كنت عند عبد الرزاق -يعني الصنعاني-، فجاءنا موت عبد المجيد، فقال: (الحمد لله الذي أراح أُمة محمد من عبد المجيد). (سير أعلام النبلاء: 9/435)

وعبد المجيد هذا هو ابن عبدالعزيز بن أبي رواد، وكان رأساً في الإرجاء.

ولما جاء نعي وهب القرشي -وكان ضالاً مضلاً- لعبد الرحمن بن مهدي قال: الحمد لله الذي أراح المسلمين منه. ( لسان الميزان لابن حجر: 8/402)

وقال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية 12/338) عن أحد رؤوس أهل البدع: (أراح الله المسلمين منه في هذه السنة في ذي الحجة منها، ودفن بداره، ثم نقل إلى مقابر قريش فلله الحمد والمنة، وحين مات فرح أهل السنة بموته فرحاً شديداً، وأظهروا الشكر لله، فلا تجد أحداً منهم إلا يحمد الله)

مسترسمير إبراهيم
01-07-2010, 12:52 PM
مع أحترامى لرأيك وأنا معك فى حديثك ولكن الموضوع أن لايجوز على المتوفى إلا الرحمة
وغفر الله تعالى لنا وله
وجزاكم الله خيرا

Mr.Trueman
01-07-2010, 08:21 PM
انا مع حضرتك ولكن ما دفعنى الى هذا الرد هو انى قد رايت افتتان بعض الاخوة بارائه واعماله.
و فىالبخاري عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏، ‏قالت : قال النبيُّ ‏‏صلى الله عليه وسلم : ( ‏لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا )
قال الإمام ابن حجر رحمه الله : (أي وصلوا إلى ما عملوا من خير، أو شر , واستُدل به على منع سب الأموات مطلقا , وقد تقدم أنَّ عمومه مخصوص , وأصح ما قيل في ذلك أن أموات الكفار ، والفساق ، يجوز ذكر مساويهم ، للتحذير منهم ، والتنفير عنهم . وقد أجمع العلماء على جواز جرح المجروحين ، من الرواة أحياء وأمواتا) أ.هـ.
ولهذا بوب البخاري رحمه الله بعد هذا الباب ، ( باب ذكر شرار الموتى ) .
ومن ذلك ما ورد عن عمر ‏ ‏رضي الله عنـه : ( فمرت جنازة ، فأُثني خيرا ، فقال ‏ ‏عمر‏ ‏وجبت ، ثم مر بأخرى ، فأُثني خيرا ، فقال وجبت ، ثم مر بالثالثة ، فأُثني شـراً ، فقال : وجبت ، فقلت : وما وجبت يا أمير المؤمنين : قال : قلت كما قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ، ‏ ‏أيما مسلمٌ شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة ، قلنا وثلاثة ، قال وثلاثة ، قلت واثنان قال واثنان ، ثم لم نسأله عن الواحـد ) رواه البخاري وغيره.
وبهذا يعلم أنه يستثنى ذكر أهل الضلالة ، والبدع ، لاسيما الذين تركوا في المسلمين شـرهم وضلالاتهـم ، من رؤوس الشر ، واعوان الطغيان ، فهؤلاء يذكرون بسوء اعمالهم بعد موتهم ، لتحقيق مصلحة التحذير والتنفير من أفعالهم المخزية ، ولهذا لم يزل علماء المسلمين في مؤلفاتهم في هذا الباب ، يذكرون رؤوس أهل البدع بالـسوء ، وكتب العلماء طافحة بذلك .
،وهذا الهالك يُذكر كما يذكر أهل الضلالة ، بما فعلوه من شر ومخازي ، ليحذر منهم ، ويكون ذلك عبرة لغيرهم ، فليس في ديننا منح الإمتيازات بغير حق ، لاسيما في مقامات الدين ، لما في ذلك من إضلال المسلمين.

مسترسمير إبراهيم
01-07-2010, 08:58 PM
أستاذنا الفاضل.... لقد أستخدمت أقوى التعابير والأسانيد لرجل توفى فى رحمة ربه تعالى وهناك يكون الحساب وليس بهذه الطريقة القوية حتى بصراحة جعلتنى أوقف هذه المقالات ليستفيد بها القارىء بالمنتدى , وإذا كان كل موضوع يهاجم بهذا الشكل فعلى الفكر والثقافة ....السلام؟؟؟؟؟؟؟؟
وكفى كلاما عن هذا الرجل الذى عبر عن المصريين فى الكثير من أعماله الدرامية ثم نهجوه فى مماته وهو له من الأبناء مايحزنون للمساس بروح والدهم كأى فرد منا,
وعلينا أستاذى الفاضل أن نقف عن هذا الهجوم حتى لانحاسب على الكلام ويكون لغوا وذما فى عزيز توفى ونحسبه من المغفور لهم عندر به تعالى
وتقبل التحية