رضوان الجعفري
01-07-2010, 11:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخير خلق الله أجمعين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين
أما بعد.
حديثنا عن الإمام الأزهرى والفقيه المالكى سيدى الشيخ صالح الجعفرى رضى الله عنه وأرضاه وجعل الجنة متقلبه ومثواه ونفعنا الله بعلمه وهديه وهداه
:مولده رضى الله تعالى عنه
وُلد شيخنا عليه رضوان الله تعالى ببلده «دنقلا» من السودان الشقيق في الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة 1328هـ، وبها حفظ القرآن الكريم وأتقنه في مسجدها العتيق، ثم وفد إلى مصر، ليتلقى العلوم بالأزهر الشريف، واتصل بأهله المقيمين بقرية «السلمية» بمحافظة الأقصر.
نسبه الشريف:
هو الإمام الشيخ صالح بن السيد محمد بن السيد صالح بن السيد محمد بن السيد رفاعى بن السيد صالحين بن السيد أحمد بن السيد عمر بن السيد محمد بن السيد عمران بن السيد محمد بن السيد مرجان بن السيد حمودة بن السيد عبد الكريم بن السيد حسين بن السيد ناصر بن السيد محمد الملقب بشكلب بن السيد حمرى بن السيد محمد بن السيد أحمد بن السيد عبد الله الملقب بالمبارك بن السيد محمد بن السيد على العلوى بن الأمير حمد بن السيد محمد بن السيد محمد أبو جعافر بن السيد يوسف بن السيد إبراهيم المغربى بن السيد عبد المحسن بن السيد حسين الفاسى بن السيد محمد أبو نمى بن السيد موسى الجونى بن السيد يحيى بن عيسى بن السيد على التقى بن السيد المهدى بن السيد الحسن الخالص الملقب بالعسكرى بن السيد على الهادى بن السيد محمد بن الجواد بن السيد على الرضا بن السيد موسى الكاظم بن السيد جعفر الصادق بن السيد محمد الباقر بن السيد الإمام على زين العابدين بن مولانا الإمام الحسين بن مولانا الإمام على زوج البتول السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء بنت سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
نشأته –رضى الله تعالى عنه - :
نشأ بين ربوع مدينة دنقلا نشأة دينية ملؤها طاعة الله - تعالى - ومتابعة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ومحبته، فقد اشتهرت أسرته الكريمة بالعلم والتقوى والصلاح، والكرم، ومدارسة القرآن الكريم ، والعلم الشريف ، فتعلم هناك القراءة والكتابة ، وحفظ القرآن الكريم وأتقنه فى مسجدها العتيق على يد تلميذ جده الشيخ سيد حسن افندى، فقد كان لجده السيد صالح رفاعى -رضى الله تعالى عنه- خلوة ( كتاب ) تخرج فيها على يديه خلق كثيرون من حفاظ القرآن الكريم فى دنقلا مثل الشيخ : سيد ( أستاذ شيخنا) والشيخ على أبو عوف، والشيخ محمد طاهر عبد الدائم، والشيخ عوض الله وغيرهم، وعرف شيخنا هناك شيئاً من القراءات ، وفقه الإمام مالك رضى الله تعالى عنه.
حديثه – رضى الله تعالى عنه – عن أجداده الجعافرة:
ويحدثنا الشيخ رضي الله تعالى عنه عن أهله وأجداده الجعافرة في السلمية، فيقول عن أسرته: «من بلدة الأقصر بصعيد مصر، من القبيلة التي هي من الجعافرة، وتسمى «العلوية» وهم مفرقون بين الأقصر والحلة والحليلة والدير، وقد قل عددهم والبقاء لله، وفي السلمية يوجد قبر جد والدي رفاعي بمقبرة جد الجعافرة الشريف السيد الأمير «حمد» حيث إنه كان يقيم هناك، وللجعافرة نسب كثيرة محفوظة قديمة، ومن أشهرهم في إظهار تلك النسب أخيرًا:
الشريف السيد إسماعيل النقشبندي وتلميذه الشيخ موسى المرعيابي، ولا تزال ذرياتهم تحتفظ بتلك النسب كثيرة الفروع المباركة.
رضوان الجعفري
01-07-2010, 11:32 PM
أخذه سند الطريقة الجعفرية الأحمدية المحمدية:
وقد أخذ شيخنا عليه رضوان الله طريقة يد أحمد بن إدريس- رضي الله تعالى عنه- عن سيدي محمد الشريف- رضي الله تعالى عنه- ويحدثنا شيخنا الإمام الجعفري عن ذلك فيقول:
«وقد أجازني بهذا الطريق شيخي وأستاذي مربي المريدين الشريف السيد محمد عبد العالي، عن والده سيدي عبد العالي، عن شيخه العلاّمة: السيد محمد بن علي السنوسي عن شيخه العارف بالله تعالى السيد أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه» [المنتقى النفيس ص2، 3].
رحلته العلمية :
ثم كان حضوره إلى مصر للالتحاق بالأزهر بإشارة من شيخه، سيدي عبد العالي- رضي الله عنه- وعن ذلك يحدثنا شيخنا رضي الله تعالى عنه يقول: «قبل مجيئي إلى الأزهر جاء أحد أهل البلد، بأول جزء من شرح النووي على صحيح مسلم، فاستعرته منه وصرت أذاكر فيه، فرأيت سيدي عبد العالي الإدريسي- رضي الله تعالى عنه- جالسًا على كرسي، وبجواره زاد السفر، وسمع من يقول: إن السيد يريد السفر إلى مصر، إلى الأزهر، فجئت وسلمت عليه، وقبّل يده، فقال لي مع حدة: «العلم يؤخذ من صدور الرجال لا من الكتب»، وكررها، فاستيقظت من منامي، وقد ألهمني ربي السفر إلى الأزهر، وحضرت الشيخ محمد إبراهيم السمالوطي المحدِّث، وهو يُدرس شرح النووي على صحيح مسلم، فجلست عنده، وسمعته يقرأ حديث: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإن استنفرت فانفروا» رواه مسلم [فتح وفيض ص11، 12].
شيوخه بالأزهر الشريف:
وقد تلقى الشيخ- رضي الله عنه- العلم بالأزهر الشريف، على يد نخبة من كبار العلماء العالمين، الذين جمعوا بين الشريعة والحقيقة، منهم الشيخ محمد إبراهيم السمالوطي، والشيخ محمد بخيت المطيعي، والشيخ حبيب الله الشنقيطي، العالم المحدّث المشهور صاحب «زاد المسلم» وغيره من المصنفات المفيدة، الذي كان للشيخ معه لقاءات وكرامات، يحدثنا شيخنا- رضي الله عنه- فيقول: «ذهبت إلى بيت الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، بجوار القلعة، ناويًا بقلبي أن أستأذنه في أن أكون مقرئًا له متن من حديث البخاري ومسلم، فلما وصلت البيت وجلست بغرفة الاستقبال، وهي أول مرة أزوره بها، جاءني مبتسمًا، فلما سمعت عليه وقبّلت يده، قال لي: أنت الذي- إن شاء الله- ستكون سرادًا لي في هذا العام، ومعنى «سرادًا»: مقرئًا، والحمد لله قد لازمته خمس عشرة سنة، إلى الممات، ونزلت قبره، ولحدته بيدي، والحمد الله، وكنت أقرأ للإخوان الحاضرين درسًا قبل بالمسجد الحسيني، فإذا عارضني إنسان أو شاغبني يهمس لي في أذني عند جلوسه على الكرسي بقوله: يعاكسونك وأنت خير منهم، كأنه كان معي، ثم يأتي في دروسه بكل موضوع قصرت فيه، وقد حصل ذلك منه مرات كثيرة.
وكان إذا حصل له عذر يرسل تلميذًا أن أقرأ الدرس نيابة عن الشيخ، وفي يوم أرسل لي ورقة مكتوبة بخط يده، فيها «وقد وكلتك بقراءة الدرس» فتعجبت من ذلك، لماذا غيّر الشيخ عادته من المشافهة إلى المكاتبة؟ وما أشعر إلا ومدير المساجد قد حضر وأنا أقرأ الدرس، فسألني: وهل وكلك الشيخ؟ قلت: نعم، قال: وأين التوكيل؟ فقدمت له الورقة المرسلة من الشيخ، ففرح بها، ودعا لي بخير، فكانت هذه كرامة منه- رحمه الله تعالى، وغفر له وأسكنه فسيح جناته- فإنه كان يحبني كثيرًا ويقول لي: أنت بركة هذا الدرس. وقد أجزتك بجميع إجازتي ومؤلفاتي.
وكان يقول لي: عليك بشرحي على زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم، فإني ما تركت فيه شاذة ولا فاذة. [الذخيرة المعجلة، ص28]
ومن شيوخه الشيخ يوسف الدجوي رحمه الله، الذي يقول عنه شيخنا رضي الله عنه: «وكان أيضًا من العلماء العارفين، وقد لازمت درسه بعد صلاة الصبح بالجامع الأزهر الشريف، بالرواق العباسي سبع سنين، وكان السيد الحسن الإدريسي إذا جاء من السودان يلقاني في درسه وبعد الدرس يسلم على الشيخ، فيفرح فرحًا عظيمًا، فيقول: السيد أحمد بن إدريس قطب، لا كالأقطاب.
وكان الشيخ الدجوي قد أخذ الطريقة الإدريسية عن شيخي السيد محمد الشريف- رضي الله تعالى عنه- والشيخ الدجوي من هيئة علماء الأزهر وله مؤلفات نافعة، ومقالات قيّمة في مجلة الأزهر الشريف، وقد حضرت عليه التفسير من سورة محمد- صلى الله عليه وآله وسلم- إلى آخر سورة الناس، ثم ابتدأ شرح البخاري بعده، وكان يحفظ القرآن الكريم بالتجويد والقراءات، ويذكر أقوال المفسرين، ويعرب الآية إعرابًا دقيقًا ويبين الألفاظ اللغوية فيها، ويتعرض للأحكام الفقهية على المذاهب، وكان يقرأ الحديث بالسند، ويترجم لرجاله ترجمة طريفة، ويذكر أقوالاً كثيرة قيّمة في أدلة التوسل بالنبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ذكر أكثرها في مجلة الأزهر، المسماة (وقتها) نور الإسلام». [الذخيرة المعجلة، ص29]
ولقد كان شيخنا- رضي الله عنه- يحضر هؤلاء العلماء، حضور الواعي المتفهم، المحب للعلم وأهله، فكان كثيرًا ما يناقش شيوخه ويحاورهم، وكانوا يعجبون له وبفطنته وقوة حافظته وحجته، فيثنون عليه خيرًا ويدعون له بالتوفيق والبركة.
ويذكر لنا شيخنا- رضي الله عنه- صورة من ذلك مع شيخه الدجوي السالف الذكر، فيقول: «كان رحمه الله مرة يقرأ حديث سؤال القبر في صحيح البخاري، وكنت قد ذاكرت شرح الكرماني على البخاري، ورأيت فيه أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يظهر للمسئول عند قول الملك له: ما تقول في هذا الرجل؟ وبعد انتهاء الدرس قبّلت يده ولت له: يقول الشيخ الكرماني: إنه- صلى الله عليه وآله وسلم- يظهر للمسئول، فوكزني في صدري وقال لي: أنا ذاكرت شرح الكرماني واطلعت فيه على هذه المسألة، لما لم تذكرني بها في الدرس حتى يسمعها مني الناس؟».
ومرة كان يتكلم عن رؤية النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- منامًا فقال: وإن الشيطان لا يتمثل به- صلى الله عليه وآله وسلم- إذا جاء في صورته الأصلية، والمعتمد أيضًا أنه لا يتمثل به إذا جاء في غير صورته الأصلية فقلت له: روى شيخنا السيد أحمد بن إدريس- رضي الله عنه- في كتابه المسمى «روح السنة» أنه- صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «من رآني فقد رآني فإني أظهر في كل صورة»، ففرح فرحًا عظيمًا، وقال لي: هذا الحديث هو الدليل على أن الشيطان لا يتمثل به- صلى الله عليه وآله وسلم- ولو جاء في غير صورته الأصلية، أنت مبارك يا شيخ صالح، نفع الله بك المسلمين». [الذخيرة المعجلة، ص29]
ومن شيوخه الشيخ علي الشايب- رحمه الله- الذي حضر عليه الشيخ شرح منظومة الشيخ اللقاني المسماة «جوهرة التوحيد»، يقول عنه شيخنا: «وكان يدرسها في أول عام حضرت فيه إلى الأزهر الشريف، وكان يدرسها غيبًا، متنًا وشرحًا، وكان من العلماء الصالحين، وكان إذا دخل قبة سيدنا الحسين- رضي الله تعالى عنه- يحصل له حال خشوع عجيب، كأنه يشاهده وينزل عليه عرق كثير، وكنت أدرس عليه شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك، وفي ليلة من الليالي رأيت النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- في النوم وكان يحدثني في مسألة علمية أخطأت فيها، فغضب النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وقال لي: يا ولد، وذلك من ضمن كلام يطول، فلما أصبحت حضرت في الدرس، وقلت في نفسي وأنا جالس: يقول النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- يا ولد، فهل أنا صغير؟ فالتفت إليّ الشيخ- وهو يدرس- وقال: إنما قلنا لك يا ولد كعادة العرب، لا لأنك صغير... وأمثال هذا الشيخ عند الصوفية يسمون أرباب القلوب، ولعلهم أن يكونوا المحدثين الذين منهم سيدنا عمر- رضي الله تعالى عنه- كما في حديث البخاري». [فتح وفيض: 21، 22]
ومنهم الشيخ حسن مدكور، والشيخ عبد الرحمن عليش، والشيخ محمد أبو القاسم الحجازي، والشيخ عبد الحي الكتاني، والشيخ أبو الخير الميداني، شيخ علماء سوريا، والشيخ أحمد الشريف الغماري، وأخوه الشيخ عبد الله الغماري، والشيخ علي أدهم المالكي السوداني، والشيخ حسن المشاط من علماء مكة المكرمة، والشيخ مصطفى صفوت، والشيخ عبد الحليم إبراهيم، والشيخ أبو يوسف، والشيخ محمد الحلبي، والسيد عبد الخالق الشبراوي، والشيخ محمد عطية البقلي، والشيخ محمد حسنين مخلوف العدوي المالكي، والشيخ محمد العناني شيخ السادة المالكية، والشيخ الدليشني، والشيخ سلامة العزامي، والشيخ صادق العدوي، والشيخ أحمد وديدي من بلدة «رومى» بالسودان، والشيخ علي محمد إمام وخطيب مسجد دنقلا، والشيخ سيد حسن أفندي،والشيخ علي بن عوف، والشيخ أحمد النجار، المدرسان بمسجد دنقلا- رحمهم الله تعالى- وغيره من مشايخ الأزهر الشريف.
هذه الكوكبة من العلماء العاملين العارفين كان لهم عظيم الأثر في سعة علم الشيخ- رضي الله تعالى عنه- مع ما وهبه الله من ذكاء وقوة حافظة، فأكب الشيخ على دروسه وجاهد وثابر حتى نال الشهادتين العالية والعالمية من الأزهر الشريف، ثم أصبح صاحب حلقة ومدرسًا بالأزهر الشريف
رضوان الجعفري
01-07-2010, 11:36 PM
تعيينه –رضى الله تعالى عنه – إماماً ومدرساً بالجامع الأزهر الشريف:
أما قصة تعيين الشيخ- رضي الله تعالى عنه- مدرسًا بالجامع الأزهر الشريف فهي جديرة بأن تُروى لما فيها من دليل ساطع على موهبة الشيخ العلمية، ومحبته للعلم وشيوخه، يحدثنا عنها الأستاذ الدكتور محمد رجب البيومي يقول: «ومن مواقف الشيخ التي بلغ التأثير فيها روعته، موقفه في رثاء أستاذه الكبير الشيخ يوسف الدجوي- رضي الله تعالى عنه- فقد كنا طلابًا في كلية اللغة العربية، ونادى الناعي منذرًا بوفاة الشيخ الكبير ومحددًا ميعاد الجنازة، فسارعت إلى توديعه، وكان المشهد مؤثرًا، تتقدمه جماعة كبار العلماء، برئاسة أستاذه الأكبر، الشيخ مصطفى عبد الرازق (شيخ الأزهر في ذلك الوقت) وحين بلغ الموكب فيها نهايته عند القبر، انتفض الشيخ صالح الجعفري خطيبًا، يرثي أستاذه فبدأ مرثيته، مستشهدًا بقول رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: إن الله- تعالى- لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» [فتح وفيض: 21، 22]، ثم أفاض في إيضاح منزلة العالم الفقيد، وأشاد ببعض مواقفه الجريئة أمام المبتدعة والملاحدة، وكان جلال الموقف، ورهبة المناسبة، واحتشاد الجموع، مما جعل نفس الراثي ممتدًا يتسع ويتدفق ويجيش، وكان لصوته هزة تحرك النفوس، وتعصب بالألباب، وما أن انتهى الخطيب من مرثيته حتى يسأل عنه الأستاذ الأكبر معجبًا، ثم بادر بتعيينه مدرسًا بالجامع الأزهر» [مجلة الأزهر، العدد: شوال سنة 1309هـ/ سبتمبر 1979م، من مقال للدكتور محمد رجب البيومي].
ومنذ ذلك الوقت بدأ الشيخ- رضي الله تعالى عنه- يلقي دروسه بالجامع الأزهر الشريف، وقد أُشربت نفسه حب العلم، اقتداءً برسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول شيخنا- رضي الله تعالى عنه-: «وكان- صلى الله عليه وآله وسلم- يرشد الناس بالدروس العلمية وبالقرآن العظيم، وقد تبعه شيخنا السيد أحمد بن إدريس- رضي الله تعالى عنه- في ذلك، فكان يرشد الناس بالقرآن الكريم والعلم. واستمر على ذلك حتى لقي ربه، وقد سألت الله- تعالى- أن يوفقني إلى ما كان عليه شيخنا العالم السيد أحمد بن إدريس صاحب العلم النفيس- رضي الله تعالى عنه.
فعلى جميع إخواني أن يسعدوني في حضور الدروس العلمية، وأن يحفظوا شيئًا من القرآن الكريم، فما عندنا إلا الدروس وحفظ القرآن، فأعينوني بعلوَّ همتكم، فما جمعتكم إلا على هذا الدرس، الذي فيه تفسير القرآن وتلاوته، فالعبادة لله وحده والعلماء هم الوارثون المرشدون» [أعطار أزهار أنوار حظيرة التقديس: ص143، 144].
«والشريعة مدارها العلم، والنبوة، والرسالة هي العلم، وإنما تشرف النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بالعلم والنبوة والرسالة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» [رواه الإمام أحمد وابن النجار عن أنس].
فيجب على كل عالم أن يدرس ما استطاع، وأن يعلّم الناس الشريعة الغراء، ولو كان النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- الآن لعلّم الناس العلم، لأنها هي وظيفته.
وقد دخل النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- المسجد، فوجد حلقتين: وجد قومًا يقرأون العلم ويتدارسونه فيما بينهم، ووجد قومًا يذكرون الله تبارك وتعالى، فأثنى على المجلسين خيرًا، ثم جلس مع الذين يتدارسون العلم، ثم قال: إنما بُعثت معلمًا» [رواه ابن ماجه].
وقد خاطبه ربه بقوله: (لِتُبَيِّينَ لِلْنَاسِ مَا نُزِلَ إليهِمْ) [النحل: 44].
ومن تعلم يوشك أن يعمل، وأما الجاهل فبعيد عليه العلم، فعليكم أيها الناس بسماع العلم، ومذاكرة العلم، لأنه هو النور الذي يسترشد الإنسان به، قال سيدنا علي- رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه- : «الناس موتى وأهل العلم أحياء» [منير الأزهر: 174].
حلقات العلم ودرس الجمعة الشهير بالأزهر:
أما عن حلقة درس شيخنا الإمام الجعفري- رضي الله تعالى عنه- بعد صلاة الجمعة بالأزهر الشريف فقد كانت جامعة إسلامية صوفية، تعمقت فيها أصول الدين والشريعة علمًا، وتأكدت فيها أصول روحانية التصوف تربية، فكانت مظهرًا للحقيقة الصوفية، وكان منهجه: «أدبني ربي فأحسن تأديبي» بما ورثه من هدي نبوي عظيم، من الدوحة المحمدية الطاهرة نسبًا، العظيمة أثرًا، نفخ فيها الإيمان من روحه، فخلصت خلوص الزهد والورع والتقوى والصلاح، وسطعت سطوع الهدى، وفت صفاء الفطرة، التي تبلورت فيها محمدية الإسلام الموروثة، وصوفية الصفاء الموهوبة، فصار- رضي الله تعالى عنه- لسانًا لهداية الخلق، ففي دنيانًا فجّر للناس من ينابيع الحكمة وكنوز العلم والمعرفة وأسرار القرآن الكريم فجاء بالجديد والغريب من التفسير الذي لم يسبقه إليه سابق، ذلك لأنه- رضي الله تعالى عنه- لم يكن يملك عقلاً مكتسبًا، وإنما كان يملك عقلاً موهوبًا ملهما من الله- عز وجل- مقتديًا برسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فكان يعطي من كنوز عقله، ومواهب فكره، وفيوضات قلبه، وروحانيات روحن، ومن إنسانية نفسه، وكان يخاطب الخواطر والضمائر، ويجيب على تساؤلات العقول، وهواجس النفوس، فكانت حلقة درسه جامعة إسلامية، علمية المذهب، صوفية المشرب، تربط بين الشريعة والحقيقة، والظاهر والباطن، والنفس والروح، والعقل والخاطر.
وعن نفس هذا المعنى يحدثنا أحد العلماء الصالحين الذين أحبوا الشيخ- رضي الله تعالى عنه- وحضروا دروسه وهو الشيخ أحمد عبد الجواد الدومي- مدير الوعظ الأسبق بالقاهرة- رحمه الله تعالى وغفر له- فيقول في كلمته التي ألقاها في الاحتفال بمولد الشيخ- رضي الله تعالى عنه- سنة 1403هـ:
«دخلت يومًا مسجد الأزهر، كنت في صباح ذلك اليوم أقرأ في سورة الكهف، فلما وصلت إلى قوله تعالى: (وكلهم باسط ذراعيه بالوصيد) [الذخيرة المعجلة: ص29] أردت أن أعرف معنى كلمة «الوصيد».
ولما هممت أن آتي بالمصحف المفسر لأكشف عن معناها تذكرت أنني أقيم في مكان بعيد، فقلت في نفس: أذهب لألقي درسي، ثم إذا عدت إلى البيت أكشف عن معنى هذه الكلمة، وكان شيخنا- الشيخ صالح الجعفري- يلقي الدرس من الظهر إلى العصر كعادته، فدخلت عليه وجلست في حلقته، وبينما يسير الدرس سيرً متصلاً بتفسير آية من القرآن الكريم- ليست من سورة الكهف- سكت الشيخ، فقلت: ماذا يقصد شيخنا بقطع درسه؟ ثم أخذ الشيخ يقرأ آيات مرتلة من سورة الكهف، إلى أن وصل إلى قوله تعالى: (وكلهم باسط ذراعيه بالوصيد) وعند ذلك قال الشيخ: «إن الكلب بسط يديه على هيئة كذا وكذا، والوصيد هو الفناء.. نعود بعد ذلك إلى درسنا يا أحباب!!»، فقلت في نفسي: جزاك الله تعالى خيرًا.. وهذا من نور الله».
فى رواق المغاربة بالأزهر الشريف:
اتخذ شيخنا -رضى الله تعالى عنه- من الأزهر الشريف وطناً لا يفارقه إلا لأوجب الواجبات وألزم الضروريات كالحج مثلاً، فقد وفقه الله - تعالى - للحج سبعاً وعشرين مرة، أو لزيارة أهل بيت المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- ، وقد اتخذ من رواق المغاربة خلوة يخلو فيها بنفسه ويذكر الله - تعالى - بالقرآن الكريم والذكر القويم، استغفاراً وتسبيحاً وتهليلاً وتكبيراً وصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ويطالع العلم وينشره، ويتفكر فى آيات الله - تعالى - إنسانية وكونية وقرآنية ، ويستنطق الأكوان ، ويستلهم فيض القرآن ، ويحقق الخبر ، ويلتزم الأثر، عالى الهمة ، بالغ القمة ، متحدثاً بالنعمة.
من أقواله -رضى الله تعالى عنه- :
( الشريعة مدارها العلم، والنبوة والرسالة هى العلم، وإنما تشرف النبى -صلى الله عليه وآله وسلم - بالعلم والنبوة والرسالة، وقد قال -صلى الله عليه وآله وسلم- : ( وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر).
ومن نظمه :
بإسمائك الحسنى رجوتك سائلاً ولى حسن ظنٍ فيك أن تتقبلا
دعوتك يا الله دعوة من لجــــــــــا إليك بأسماء عظام وأقبـــــــــلا
سألتك يا الله يا من له الثنـــــــا تمنُّ على قلبى بتوحيد من علا
ويارب يا رحمن إرحم تعطفـــــــاً رحيمٌ فأدركنى بخيرٍ وأجــــــــزلا
ويا ملك هب لى من العز هيبةً يكون بها خصمى ضعيفاً معطـ،لا
والكثير والكتير من ديوانه رضى الله عنه
إنتقاله -رضى الله تعالى عنه - إلى الرفيق الأعلى :
عاش -رضى الله تعالى عنه - إحدى وسبعين سنة لم يغفل فيها عن ذكر الله تعالى والدعوة إليه واتباع سنة النبى -صلى الله عليه وآله وسلم- وخدمة الإسلام والمسلمين ، حتى لقى ربه راضياً مرضياً فى مساء يوم الإثنين الثامن عشر من جمادى الأولى سنة 1399 هجرية، ودفن فى ضريحه العامر بالأنوار بجوار مسجده فى قلب القاهرة ، وعلى جبل الدراسة الأشم، بجوار حديقة الخالدين ، يتعانق مسجده المبارك مع مسجد جده مولانا الإمام الحسين -رضى الله تعالى عنه ، ومع مآذن الأزهر الشريف منارة العلم .
رضوان الجعفري
01-07-2010, 11:53 PM
كلمة _رضى الله عنه_ لاتقتصر على الصحابة فقط
قال الله _عزوجل_ فى محكم تنزيله
( قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)) المائدة
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(100)) التوبة
( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22) ) المجادلة
( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) ) البينة
عفواً لم أستطع الرد حيث إننى لا أمتلك خمسين مشاركة