مشاهدة النسخة كاملة : سبب انشغال الناس بعيويك


aliasdhade
07-07-2010, 02:45 PM
لا تنشغل بعيوب الناس

لو أبصر المرء عيوب نفسه لانشغل بها عن عيوب الناس ؛ لأن المرء مطالب بإصلاح نفسه أولا وسيسأل عنها قبل غيرها، وقد قال الله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر:38).وقال: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء:15). ). وقال سبحانه : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)(الأنعام: من الآية164).

قال الشاعر:

المرء إن كان عاقلا ورعا ... أشغله عن عيوب غيره ورعه

كما العليل السقيم أشغله ... عن وجع الناس كلهم وجعه

وإذا كان العبد بهذه الصفة ـ مشغولا بنفسه عن غيره ـ ارتاحت له النفوس ، وكان محبوبا من الناس ، وجزاه الله تعالى بجنس عمله ، فيستره ويكف ألسنة الناس عنه ، أما من كان متتبعا عيوب الناس متحدثا بها مشنعا عليهم فإنه لن يسلم من بغضهم وأذاهم ، ويكون جزاؤه من جنس عمله أيضا ؛ فإن من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته.

يقول الشاعر:
لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا ... فيهتك الله ستراً عن مساويكا

واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحداً منهم بما فيكا

وقد يكون انشغال العبد بعيوب الناس والتحدث بها بمثابة ورقة التوت التي يحاول أن يغطي بها عيوبه وسوءاته ، فقد سمع أعرابي رجلا يقع في الناس، فقال: " قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس؛ لأن الطالب لها يطلبها بقدر ما فيه منها".

يقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله تعالى: [والشخص الذي يرى صورة نفسه صغيرة جداً تجده دائماً يضخم عيوب الآخرين، ولذا تبرز شخصية الإنسان من خلال نصيبه من هذه القضية، فإذا عُرف بأنه مشغول بتضخيم عيوب الآخرين والطعن في الناس، فهذه مرآة تعكس أنه يشعر بضآلة نفسه وبحقارتها وأن حجم نفسه صغير؛ لأنه يعتقد أنه لن ينفتح إلا على أنقاض الآخرين، فدائماً يحاول أن يحطم الآخرين، ولذا يكثر نقد الناس وذكر عيوبهم، وهذه مرآة تعكس أن إحساسه وثقته بنفسه ضعيفة، وأنه في داخل نفسه يحس أنه صغير وحقير، فلذلك يشتغل بعيوب الآخرين. يقول عون بن عبد الله رحمه الله: لا أحسب الرجل ينظر في عيوب الناس إلا من غفلة قد غفلها عن نفسه. وعن محمد بن سيرين رحمه الله تعالى قال: كنا نحدث أن أكثر الناس خطايا أفرغهم لذكر خطايا الناس.وكان مالك بن دينار رحمه الله تعالى يقول: كفى بالمرء إثماً ألا يكون صالحاً، ثم يجلس في المجالس ويقع في عرض الصالحين. وقال ابو عاصم النبيل: لا يذكر الناس فيما يكرهون إلا سفلة لا دين لهم].

وقال بكر بن عبد الله: " إذا رأيتم الرجل موكّلا بعيوب الناس، ناسيا لعيوبه ـ فاعلموا أنه قد مُكِرَ به".

والإنسان ـ لنقصه ـ يتوصل إلى عيب أخيه مع خفائه، وينسى عيب نفسه مع ظهوره ظهورا مستحكما لا خفاء به.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجِذْعَ في عينه".


قبيح من الإنسان أن ينسى عيوبه ... ويذكر عيبا في أخيه قد اختفى

ولو كان ذا عقل لما عاب غيره ... وفيه عيوب لو رآها قد اكتفى

إن الانشغال بعيوب الناس يجر العبد إلى الغيبة ولابد، وقد عرفنا ما في الغيبة من إثم ومساوىء يتنزه عنها المسلم الصادق النبيل.

كما أن الانشغال بعيوب الناس يؤدي إلى شيوع العداوة والبغضاء بين أبناء المجتمع ، فحين يتكلم المرء في الناس فإنهم سيتكلمون فيه ، وربما تكلموا فيه بالباطل
إذا أنت عبت الناس عابوا وأكثروا ... عليك، وأبدوا منك ما كان يُسترُ
وإذا رجعت إلى السلف الصالح رضي الله عنهم لوجدت منهم في هذا الباب عجبا؛ إذ كانوا مشغولين بعيوب أنفسهم عن عيوب غيرهم ، بل ينظرون إلى أنفسهم نظرة كلها تواضع مع رفعتهم وعلو شأنهم رضي الله عنهم ، بل كانوا يخافون إن تكلموا في الناس بما فيهم أن يبتلوا بما ابتلي به الناس من هذه العيوب كما قال الأعمش: سمعت إبراهيم يقول: " إني لأرى الشيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلّم فيه إلا مخافة أن أُبتلى بمثله".

وبالإضافة إلى هذا كانوا يوقنون ويعملون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

وقد لقي زاهد زاهداً فقال له: يا أخي! إني لأحبك في الله، فقال الآخر: لو علمتَ مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله، فقال له الأول: لو علمتُ منك ما تعلم من نفسك لكان لي فيما أعلم من نفسي شغل عن بغضك.

فيا أيها الحبيب لك في نفسك شغل عن عيوب غيرك ؛ ففيك أضعاف أضعاف ما تراه في الآخرين ، فلا تفتح على نفسك باب الغيبة وسوء الظن وهتك أستار الناس بالانشغال بعيوبهم ، ولا تفتح على نفسك باب شر لا يسد بالكلام عن الناس فيتكلموا عنك:

متى تلتمس للناس عيبا تجد لهم ... عيوبا ولكن الذي فيك أكثر

فسالمهم بالكف عنهم فإنهم ... بعيبك من عينيك أهدى وأبصر

يا من شغلتك عيوب الناس . عن عيوبك !!

قال الشاعر
أرى كل إنسان يرى عيب غيره *** ويعمى عن العيب الذي هو فيه
وما خير من تخفى عليه عيوبه *** ويبدو له العيب الذي لأخيـه

قال ابن رجب – رحمه الله – :
وقد روى عن بعض السلف أنه قال : أدركت قوما لم يكن لهم عيوب ، فذكروا عيوب الناس فذكر الناس لهم عيوبا ، وأدركت قوما كانت لهم عيوب ، فكفوا عن عيوب الناس فـنُـسيت عيوبهم ، أو كما قال ... ونسب هذا القول في رواية أخرى عن الإمام مالك رحمه الله .

وشاهد هذا حديث أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : يا معشر من آمن بلسانه ، ولم يدخل الإيمان في قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوارتهم ، فإنه من اتبع عوراتهم ، تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته . خرجه الإمام أحمد وأبو داود ، وخرج الترمذي معناه من حديث ابن عمر.

وذكر عن الإمام محمد بن سيرين
وهو إمامٌ من أئمة التابعين وصفحةٌ من صفحات السنة المشرقة والصلاح والعبادة في زمانه ، وقد أوصى أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن يغسله إذا مات - أنه لما كان في آخر حياته أصابه الدين ، فقال: والله إني لأعرف الذنب الذي من أجله بليت بالدين قالوا : وما ذاك؟ قال : قلت لرجلٍ قبل أربعين عاماً : يا مفلس

قال القرطبي في التفسير
قال بكـر بن عبد الله المزني : إذا أردت أن تنظـر العيوب جملة فتأمل عيّـاباً ، فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب … وقيل : من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره.
أنشد الإمام الشافعي رحمه الله قائلا
أحب الصالحين ولست منهم *** لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من بضاعته معاصي *** وإن كنا سوياً في البضاعة

وكان شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله يقول :

أنـا الفقـيرُ إلى ربِّ البَّريَّـاتِ أنا المُسَيكينُ في مجموعِ حـالاتي
أنا الظَّلومُ لنفسي وَهْيَ ظالمتي وَالخيرُ إنْ يأتِنـَا مِنْ عنـدِهِ يـاتي
لا أستطيعُ لنفسي جَلْبَ منفعةٍ وَلا عنِ النَّفسِ لي دَفـْعُ المَضَـرَّاتِ
وَليسَ لي دونَهُ مولىً يُدَبِّـرُني وَلا شـفيـعٌ إذا حاطتْ خطيئــاتي
إلَّا بإذنٍ منَ الرَّحمنِ خالـقـِنَـا إلى الشَّفيعِ كما قَدْ جاءَ في الآيـاتِ
وَلسْـتُ أملكُ شيئاً دونَهُ أبدا ولا شريـك أنـا فـي بـعـضِ ذرَّاتِ
وَلا ظهيرَ لَهُ كي يستــعينَ بِهِ كَما يكــون لأربـاب الولايـات ِ
وَالفقرُ لي وصفُ ذاتٍ لازمٍ أبـدا كما الغنى أبـداً وصـفٌ لَـهُ ذاتي
وَهذهِ الحالُ حالُ الخلقِ أجمعهِمْ وَكُلُّــهمْ عنــدَهُ عبــدٌ لَـهُ آتي
فَمَنْ بغى مطلباً مِنْ غيـرِ خالقِهِ فَهُوَ الجهولُ الظَّلومُ المُشركُ العاتي
وَالحمدُ للَّهِ ملء الكونِ أجمعهُ مـا كـانَ مِنْهُ وَمـا مِنْ بَعْـدُ قَدْ يَاتي

فما هو العلاج وما هو المخرج من تلك المصائب التي أبتلينا بها ؟!!

أختصر شيئاً من العلاج في هذة الأبيات :

إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى*** ودينك موفور وعرضك صيّن
لسانك لا تذكر به عورة إمرئ *** فكلّـك عورات وللناس ألسـن
وعينك إن أبدت إليك معايباً *** فدعها وقل : يا عين للناس أعينُ
وعاشر بمعروف وسامح من إعتدى *** وفارق ولكن بالتي هي أحسنُ

لا أشك في أن العاقل الفطن هو الذي يعرف خطأه فيتوب عنه ... وخاصة إذا علم أنه مخطئ ومخالف للنصوص الشرعية وما كان عليه السلف الصالح من نهج حيال مثل تلك الصفات الذميمة

فـ { كل إبن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون }
{ قاعدةٌ جليلةٌ }
( ومن يتوكل على الله فهو حسبه)

من إشتغل بالله عن نفسه ، كفاه الله مؤونة نفسه ، ومن إشتغل بالله عن الناس ، كفاه الله مؤونة الناس ، ومن إشتغل بنفسه عن الله ، وكله الله إلى نفسه ، ومن إشتغل بالناس عن الله ، وكله الله إليهم .

. جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين تقوى الله ، وحسن الخلق ، لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبة الله ، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته

. من عرف نفسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس.
. من عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

smsma81
07-07-2010, 03:17 PM
الموضوع فوق الممتاز .
بس ردا علي السؤال في الاعلي وبكل صراحه سأتتبع عيوبه ولكن لن أجهر بها مع احد ولكن للمعرفه .والحكم علي الامور

أ/رضا عطيه
07-07-2010, 03:31 PM
بارك الله فيك

ahmedragababogabr
07-07-2010, 03:55 PM
ها تجاهله لان مفيش حد خالى من العيوب واللى هيفضل يراقب عيوب الناس مش هيخلص او اللى هيعد يشوف من عارف عيوبه او مش عارف عيوبه برده مش هيخلص

ibrahim elsayed
07-07-2010, 11:30 PM
بارك الله فيك يا اخى الكريم
وللاسف هذه سمه البشر
انهم ينشغلون بعيوب الناس ولا يرون عيوبهم
وهنا النصح العام واجب ولكن من تتبع عيوبى سأتجاهله
لان الله كفيل به
لان من تتبع عورات الناس تتبع الله عوراته وفضحه بين الخلائق