هل عاد جمال مبارك؟

.. سيجيبني المتشائم: وهل ذهب ليعود؟.. جمال مبارك يسير علي خطي سيناريو متين، تحشد الدولة كلها من أجل تنفيذه.

كلام المتشائم له قوة.

قوة صنعت وجود جمال مبارك نفسه… فهو ابن اليأس الجماعي، فلن يصل جمال إلي الرئاسة إلا علي جسور اليأس من التغيير، أو فقدان الأمل الكامل في أن يكون اختيار الرئيس بإرادة مجتمع، وليس من خلف الكواليس في غرف الكهنة الغامضة.

جمال مبارك..صناعة الشهوة الجارفة لاحتكار كل شيء: السلطة والثروة والزمن.

ملامح وجه جمال تميل دائماً إلي نوع من اكتئاب ينتاب الذين يسألون أنفسهم : حولي كل شيء..كل ما أحتاجه ملك يدي.. اكتئاب يشبه أبناء الأثرياء، الثراء المذهل بلا حدود، ماذا سيفعلون؟ لماذا يعملون مادام كل شيء ملك أيديهم ؟

المعاناة تمنح متعة لا يعرفها إلا من حرم منها.

هذا ما يشعر به جمال، يري أن منطق الأمور أن تسقط السلطة في حجره، لماذا إذن كل الصعوبات؟ لماذا كل المجهود الذي يجعله مرة يبدو متعالياً ومرات يحاول أن يكون شعبياً، ومرات يراضي الحرس القديم، وأخيراً يحاول أن يركب موجات حقوق الإنسان ويبكي علي العدالة المهدرة … لماذا كل هذا المجهود إذا كان اليقين المستقر لدي الابن أنه سيرث أباه…؟

هل هذا هو سر ملامح الضيق والتبرم الملتصقة في وجهه؟

لا أعرف طبعاً، ولكنني أتخيل مشاعره التي يري فيها عدم ضرورة للسير في الشوارع إذا كانت هناك إمكانية للقفز بالمظلات… لماذا أنشر اليأس من قدرة المجتمع علي التغيير مادمت قادراً علي فرض التغيير من أعلي؟

هل هذه ضريبة أن تكون علي مزاج الليبرالية الأمريكية التي لا تمانع من الاستبداد لكن بشرط الأناقة؟!.

أم لكي لا أستفز شعباً ومؤسسات قديمة يستفزها تحويل حكم مصر إلي لعبة يلهو بها أطفال العائلات الحاكمة؟

هذا تفكير الشاب الذي استدعته قوي غامضة من البنك الذي يعمل فيه في لندن، لكي يلعب دوراً ويحقق أمنيات لم يفكر فيها ولكنها أعجبته.

كلما ظن البعض أن مشروع جمال مبارك مات أو شبع يأساً، يعود ويظهر مثل الثعبان في كابوس، كلما قطعت رأسه عاد ليبني جسده من جديد.

جمال مبارك ابن تركيبة الحكم الخالدة، الجيل الثالث من ورثة جنرالات التحرير، وحربه الكبري هي استمرار النظام أو مصالح النخبة المتحلقة حول النظام، وهي نخبة اختصرت الدولة كلها في كهنة لو اختفوا سيهتز الاستقرار، لأنه لا أحد غيرهم يعرف الأسرار، ولا أحد يملك أن يقدم ما يقدمونه للقوي الكبري في العالم، ولمن مثل جمال مبارك الذي يري أن العنب في متناول يديه، يشعر بالملل من عملية تحويله إلي النبيذ، القطف والعصر.. لماذا يقنع جمال مبارك بأن استبداده أنيق، ويقنع الشعب المصري بأنه عطوف وهزته قصة خالد سعيد، فأطلق تصريحاً عن عدم الرضا عن إهدار العدالة.

لماذا كل هذا المجهود؟

من حق جمال مبارك أن يسأل نفسه.

وسيقولون له إن هذه هي السياسة في شعوب تحتاج إلي سحرة وحواة ليحكموها.

وسيقولون كلاماً كثيراً.. لكنه سيصيب جمال بالاكتئاب، وسيصيب المجتمع الذي سيسقط عليه التغيير من أعلي.

من هنا قوة كلام المتشائم.

لكنها في الحقيقة قوة قديمة..وتتعامل مع السياسة بطريقة السحر والمعجزات.

السياسة عمل طويل… وبناء لا يمكن أن يبنيه في أيام إلا مارد في قمقم يظهر لإسماعيل ياسين أو فريد الأطرش.

وكلما شعر جمال مبارك بالإرهاق..فهذه علامة علي أن البناء يسير بإيقاع معقول.

http://dostor.org/authors/11/60/10/july/7/21636