m - sayed
03-09-2010, 01:01 PM
http://img12.imageshack.us/img12/5835/41600462.gif
الحمدلله الذى لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك وما كان معه من إله ، الذى لا إله إلا هو ، فلا خالق غيره ولا ربَّ سواه ، المستحق لجميع أنواع العبادة ؛ ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه : "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ" الحج : 62
http://img379.imageshack.us/img379/319/bbar1114uj9th.gif
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بعثه الله وأهل الأرض أحوج إلى رسالته من غيث السماء ، ومن نور الشمس والهواء ، فقام بتبليغ الرسالة ، وأداء الأمانة ، والنصح للأمة حتى أتاه اليقين.
فاللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين ، وعلى كل من اقتفى أثرهم وسار على دربهم وسلك سبيلهم إلى يوم الدين.
أما بعد :
فأحب بدايةً أن أشكر من سنح لى الفرصة وجعلنى محل ثقة للكتابة فى هذا القسم وكل من كان له يد فى ذلك ، فجزاهم الله خيرا وبارك فيهم.
أسأل الله أن يبلغنا رمضان هذا العام ويجعلنا فيه من المقبولين.
ثم أما بعد :
فعندما قلَّبت صفحات تفكيرى وتجولت فى هذا وذاك لأختار من بين الكثير موضوعاَ أو أكثر ليكون فى سطور المقال ، اخترت موضوعاً جليلاً ، حث عليه الإسلام كثيراً حيث كُتب فيه ما كُتب وسُطِّر فيه ما سُطِّر ، ومن باب :"وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" أحببت أن يكون هذا المقال ذكرى للذاكرين.
هو باب عظيم جليل ، لا بد أن يحتل مكانته فى قلب المسلم الحقيقى ، له باع فى التعاملات بيننا ، فدعونا أيها الأخوة لنغوص فى بحر هذا الخلق لنخرج محملين بكنوز وهدايا.
إنه .. حسن الجوار
فهيا ..
http://img379.imageshack.us/img379/319/bbar1114uj9th.gif
دعونا نرى موقفاً من مواقف السلف الصالح لننظر كيف كان تعاملهم مع هذا الخلق ، فقد سمعت آنفاً بأنه يُروى أن أحد السلف كان هناك فئران فى بيته ، وعلى حسب ما أذكر أن أحدهم نصحه بأن يحضر شيئاً ليطرد تلك الفئران من بيته كالقطة مثلاً ، لكن العجب العجاب فى رد فعل هذا الرجل.
أتعلمون لماذا رفض تلك الفِكَر فى طرد الفئران من بيته؟
لأنه .. لأنه خشى أن تخرج الفئران من بيته فتدخل بيت جاره.
نعم ، إنه رجل تحلى بصفة حسن الجوار، فلما لا ترتفع فى درجات هذا الخلق؟
وقد جاء رجل إلى عبدالله بن مسعود وقال : إن لى جاراً يؤذينى ويشتمنى ويضيِّق علىَّ ، فقال ابن مسعود : اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه.
وإذا قلبنا صفحات تاريخ هذا الباب لوجدنا الكثير من مواقف سلفنا الصالح مع حسن الجوار ومن عظمة ديننا الحنيف أنه جعل حق الجار لغير المسلم أيضاً.
لكننا – وللأسف الشديد – فى زماننا الحالى نرى صوراً بشعة فى طرق تعامل الجيران مع جيرانهم فقد تجد الجار يخرج صباحاً يضع القمامة أمام منزل جاره وقد تجد آخراً مهاجر جاره ويفعل ما يضايقه ليل نهار ، قد تجد من يسب جاره بل وربما تجد من الجيران من يتطاول على الآخر لأنه أُعطىَ من القوة أكثر من جاره وتجد الشجار باليد وألفاظاً لا تطيق الأذن سماعها ، وبالطبع فإن رأى الأولاد الآباء يتشاجرون ويتشاحنون وتربية الأولاد - غالباً – غير سليمة فإنك تجد الأبناء يتشاجرون ويضربون الضعيف ويجاورن القوى وتجد وتجد .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وسبب كل ذلك هو بعدنا عن قرآن ربنا ومنهج نبينا – صلى الله عليه وسلم – فأصبحنا نعيش تلك الحياة وهى جزاء كل أمة ابتعدت عن المنهج الصواب.
وإن كان هذا حال الجيران فلا شك أن هذا يؤثر سلباً على المجتمع المسلم المتفكك .. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
..
http://img379.imageshack.us/img379/319/bbar1114uj9th.gif
وحسن معاملة الجيران غير المسلمين قد يكون سببا لدخولهم فى الإسلام فكم من أناس أسلموا بسبب حسن خلق المسلمين معهم فى تعاملاتهم ، فلِمَا تُضِيع هذا الأجر العظيم ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول :"لأن يهدى الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم".
يقول الله تعالى : "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً"
فذكر الله الجار ذى القربى والجار الجُنُب والصاحب بالجنْب وهذا يدل على أنه أمر جليل ذكره الله فى العبادات وهى مما تقربنا إلى الله عز وجل.
والآن لنأخذ بعض الأحاديث التى قالها رسولنا – صلى الله عليه وسلم - .
فعن ابن عمر وعائشة – رضى الله عنهما – قالا : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :"ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" متفق عليه.
فلنا أن نتخيل كم مرة وصى جبريل نبينا – صلى الله عليه وسلم – حتى قال – عليه الصلاة والسلام - :"حتى ظننت أنه سيورثه".
وعن أبى هريرة – رضى الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :"يا أبا ذر ، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك"رواه مسلم.
انظر إلى التربية الإسلامية السليمة القويمة ، إذا أنت – مثلا – طبخت لحماً فبدلاً من وضع كأس واحد ، لما لا يكونا كأسان؟ليكون للجار نصيب؟
وفى رواية له عن أبى ذر قال : "إن خليلى – صلى الله عليه وسلم – أوصانى إذا طبخت مرقاً فأُكثر ماءه ، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف"
وعن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن النبى – صلى الله عليه وسلم – قال :"والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن .. قيل : من يا رسول الله؟ قال : الذى لا يأمن جاره بوائقه" متفق عليه.
وفى رواية لمسلم :"لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه"
فلا تكن مصدر للإزعاج والفزع لجارك حتى لا تُنفى عنك صفة الإيمان.
وعنه – رضى الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :"يا نساء المسلمات لا تحقرن الجارة لجارتها ولا فرسن شاه" متفق عليه.
وغيرها من الأحاديث التى تحث المرء على التعامل الحسن بالخلق الجلى مع الجيران.
ويروى أنه كان لسعيد بن العاص جار فقير ، واشتد على هذا الرجل الحال وأصبح محتاجاً للمال ، فقرر أن يبيع بيته ، فجاءه الناس ليشترون البيت منه وقالوا بمائة ألف دينار لكنه لم يوافق وقال بمائتى ألف دينار ، قالوا : كيف؟ البيت يساوى مائة ألف دينار فقط ، قال : مائة ألف للدار ومائة ألف لسعيد بن العاص.
فقد كان يزوره إذا مرض ويتفقده ويعلمه الدين ويحجب عنه المضايقات ويربى أولاده وأخذ يعدد فضائل سعيد بن العاص عليه.
فلما قيل لسعيد ذلك أعطاه المائة ألف .. وهكذا كان يجب أن يكون الجار.
ويروى أيضا أن أبا أسود الدؤلى كان لديه جيران سوء وكانوا يرجمونه بالحجارة وهو فى بيته فيقول : كفوا عنا حجاركم ، فقال : لو رجمنى الله لأصابنى ، أنتم ترجمونى وتخطئونى .
فلما باع البيت ، قيل له : بعت الدار؟ قال : لا ، بل بعت الجار.
http://img379.imageshack.us/img379/319/bbar1114uj9th.gif
كفانا كلاماً وهيا للعمل
دعونا نرى بعض الواجبات العملية التى يجب أن تتواجد فى تعملاتنا مع جيراننا
1 –إن كان الجار جديدا فتعرف عليه : تستطيع مثلا أن تزوره وأن تقدم له الهدايا أو بعض الأشياء الخفيفة التى لا تتكلف كثيرا كنوع من أنواع الترحيب كما قال – صلى الله عليه وسلم - :"تهادوا تحابوا" فهذا يشعره بالأهمية التى أعطيتها إياه ويحببه فيك.
2 – أن تبدأه بالسلام إذا خرج ودخل : إذا كنت جالساً فى مكان ما ووجدته يمر من أمامك قم وصافحه واسأل عن حاله وهذا ما يزيد المحبة بيننا.
كما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - :"لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابُّوا ، أولا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم؟ قالوا : بلى يا رسول الله ،قال : أفشوا السلام بينكم".
3 – أن يشاركه أفراحه وأحزانه : إن كان لديه عرس لأحد أولاده لما لا تذهب وتبارك له؟ وإذا كان الزفاف لا يحتوى على مخالفات شرعية فتستطيع أن تذهب وتهنئه وعلى الجانب الآخر فإن كان عنده أحد قد مات فاذهب إليه وقدم له العزاء وهذه الأشياء توطد العلاقة بينك وبين جارك.
4 – إذا مات أن تشيع جنازته : ففيه مثلا زيادة فى عدد المصلين.
5 – أن تنصح له : إذا رأيته يقوم بفعل خاطئ حاول أن تنصح له بأسلوب جميل ليس فيه مضايقة وألا تشعره بأنه جاهل فالنصح الجميل يحببه فيك.
6 – بالنسبة للنساء تستطعن أن تقدمن لبعضكن الوجبات الخفيفة : تستطيع المرأة أن تقدم لجارتها طبقاً من الحلوى أو بعض ثمار الفاكهة.
7 – ألا يتجسس عليه : فلا تحاول أن تمسك له كل كبيرة وصغيرة وأطع أمر الله كما قال : "وَلَا تَجَسَّسُوا"
8 – لا تغتابه : وهذا الأمر ليس للجار فقط فلا تغتاب أحداً فقد قال الله فى كتابه العزيز :"وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوه"
9 – لا تنمه : فلا تكون سببا فى هجر أو مخاصمة بينه وبين أحد.
10 – أن تحفظ حرماته : كما تحب أن تُحفظ حرماتك.
11 – لا تزعجه : لا تكون سبباً لمضايقته فمثلا لا ترفع صوت التلفاز أو صوت السماعات فى البيت حتى لا يكون سببا لانزعاجه.
12 – أن تعده إن كان مريضا : اذهب إليه واسأل عنه وقدم له هدية وإن كان يحتاج إلى مساعدة فساعده وادع الله له بالشفاء.
13 – لا تلقى القمامة أمام بيته : فلا تأتى أمام بابه وتلقى القاذورات فهذا – كما تعرفون – يتسبب فى ضياع الكثير من العلاقات فى المجتمع ويجعله متفككا متخلفاً.
14 – أن تقف بجواره إن كان فى عسر : ساعده وخفف عنه إن كان مثلا يحتاج إلى مالِ وكنت تستطيع أن تعطيه شيئاً من مالك فأعطه واحتسب الأجر عند الله ، ولا تعجل عليه بسداد الدين.
وكما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - :"ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة" أو كما قال.
15 – الكلمة الطيبة صدقة : كما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – فبادره بالكلمة الطيبة ولا تسب ولا تخرج من فمك ألفاظا بذيئة تؤذى جيرانك بل اجعل لسانك طاهرا من كل هذه البذائات.
16 – تبسمك فى وجه أخيك صدقة : فقابله بالبسمة التى تدخل فى قلبه السرور ولا تقابله بوجه غاضب فلا يحتملك فى آن.
17 – تعينه فى أحماله : إن كان رجلاً عجوزاً ورأيته يحمل ثقيلاً فساعده واذهب بما أتى به إلى باب شقته ، عندها سيحبك أكثر وأكثر ولن يبخل عنك بمساعدة وتذكر قول الرسول – صلى الله عليه وسلم - :"وتعين الرجل فى دابته فتحمله عليها أو تحمل له عليها متاعه صدقة"
18 – أبواب الخير : إن كنت ستذهب لتحضر خطبة أو درساً لشيخاً من شيوخنا الأجلاء فلما لا تخبره فقد يأتى معك ويسمع الدرس ويكون هذا فى ميزان حسناتك بإذن الله.
19 – إن كان لا يصلى فحاول أن تاخذه معك إلى المسجد فربما تكون سبباً لهدايته.
20 – نبهه عن مواعيد البرامج الدينية فى التلفاز ، وكل هذه أبواب من أبواب الخير.
وهنالك الكثير الكثير من الأعمال الصالحة التى تستطيع أن تقوم بها مع جارك لكن الفرصة سنحت لى لأن أكتب عشرين بنداً لذلك وكل واحد منا يستطيع أن يخرج من كيسه أعمال كثيرة أخرى ويكون ذلك بإذن الله تعالى سببا فى إصلاح المجتمع المسلم.
أسأل الله لنا ولكم العافية.
فهيا يا أخى شمر عن ساعد الجد وابدأ جارك لعله يكون سببا فى رضا الرب ونحن فى هذه الدنيا التى لا تساوى عند الله جناح بعوضة نعمل للآخرة.
وهذه الدنيا محاطة بالزينة ، إنما هى شيئا غير ذلك تماما فلا تخدعك زينتها المزينة واعمل لآخرتك وكن سببا للود والمحبة بينك وبين جيرانك وبين جيرانك وبعضهم البعض وسيأجرك الله على ذلك بإذنه تعالى.
أخى الكريم .. أختى الكريمة
بعد أن رأيتم هذا الخير الكثير فى الإحسان للجار ، هل ستؤذيه بعد اليوم ؟ أعتقد أن جوابكم سيكون : لا بالطبع ، فأنتم لا ترضون أن تغضبوا الله ورسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم – ولا تنسوا أنكم إذا لم تستطيعوا أن تفعلوا كل هذه الأشياء فلا تقطعوا الحبل بل افعلوا ما فى وسعكم ولا تنسوا أيها الأحبة الكرام أن الأساس فى كل هذا هو النية ، فأنتم تفعلون ذلك ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى وليس لمصالح دنيوية أو من أجل مدح من الناس . اللهم ارزقنا الإخلاص.
ويمكن أن تكون هذه المعاملة الحسنة سببا فى إصلاح جارك ، وإن كان غير مسلم فلا تعالمه معاملة سيئة بل اجعل كل تصرفاتك حسنة كى يعرف حقيقة الإسلام (حفظه الله من كيد الأعداء) وتخيل معى إذا أسلم هذا الرجل .. يا الله .. كم من الحسنات ستأخذها أنت بسبب جار لك أسلم بإذن الله ، وسيكون كل عمل صالح فى ميزان حسناتك إن أخلصت النية لله تبارك وتعالى. وكن للجار غير المسلم نموذجاً لمسلم يُحتذى به فى تعاملاته وأخلاقه وإخلاصه لإسلامه.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن ينفعنا بما علمنا ، وسامحونى إن كان هناك تقصير أو نسيان ، وأعوذ بالله أن أكون جسرا تعبرون به إلى الجنة ويلقى به فى جهنم ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
وصلى الله وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجميعن
نسألكم الدعاء بالهداية والصلاح
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://img379.imageshack.us/img379/319/bbar1114uj9th.gif
الحمدلله الذى لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك فى الملك وما كان معه من إله ، الذى لا إله إلا هو ، فلا خالق غيره ولا ربَّ سواه ، المستحق لجميع أنواع العبادة ؛ ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه : "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ" الحج : 62
http://img379.imageshack.us/img379/319/bbar1114uj9th.gif
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، بعثه الله وأهل الأرض أحوج إلى رسالته من غيث السماء ، ومن نور الشمس والهواء ، فقام بتبليغ الرسالة ، وأداء الأمانة ، والنصح للأمة حتى أتاه اليقين.
فاللهم صلِّ وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه الغُرِّ الميامين ، وعلى كل من اقتفى أثرهم وسار على دربهم وسلك سبيلهم إلى يوم الدين.
أما بعد :
فأحب بدايةً أن أشكر من سنح لى الفرصة وجعلنى محل ثقة للكتابة فى هذا القسم وكل من كان له يد فى ذلك ، فجزاهم الله خيرا وبارك فيهم.
أسأل الله أن يبلغنا رمضان هذا العام ويجعلنا فيه من المقبولين.
ثم أما بعد :
فعندما قلَّبت صفحات تفكيرى وتجولت فى هذا وذاك لأختار من بين الكثير موضوعاَ أو أكثر ليكون فى سطور المقال ، اخترت موضوعاً جليلاً ، حث عليه الإسلام كثيراً حيث كُتب فيه ما كُتب وسُطِّر فيه ما سُطِّر ، ومن باب :"وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ" أحببت أن يكون هذا المقال ذكرى للذاكرين.
هو باب عظيم جليل ، لا بد أن يحتل مكانته فى قلب المسلم الحقيقى ، له باع فى التعاملات بيننا ، فدعونا أيها الأخوة لنغوص فى بحر هذا الخلق لنخرج محملين بكنوز وهدايا.
إنه .. حسن الجوار
فهيا ..
http://img379.imageshack.us/img379/319/bbar1114uj9th.gif
دعونا نرى موقفاً من مواقف السلف الصالح لننظر كيف كان تعاملهم مع هذا الخلق ، فقد سمعت آنفاً بأنه يُروى أن أحد السلف كان هناك فئران فى بيته ، وعلى حسب ما أذكر أن أحدهم نصحه بأن يحضر شيئاً ليطرد تلك الفئران من بيته كالقطة مثلاً ، لكن العجب العجاب فى رد فعل هذا الرجل.
أتعلمون لماذا رفض تلك الفِكَر فى طرد الفئران من بيته؟
لأنه .. لأنه خشى أن تخرج الفئران من بيته فتدخل بيت جاره.
نعم ، إنه رجل تحلى بصفة حسن الجوار، فلما لا ترتفع فى درجات هذا الخلق؟
وقد جاء رجل إلى عبدالله بن مسعود وقال : إن لى جاراً يؤذينى ويشتمنى ويضيِّق علىَّ ، فقال ابن مسعود : اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه.
وإذا قلبنا صفحات تاريخ هذا الباب لوجدنا الكثير من مواقف سلفنا الصالح مع حسن الجوار ومن عظمة ديننا الحنيف أنه جعل حق الجار لغير المسلم أيضاً.
لكننا – وللأسف الشديد – فى زماننا الحالى نرى صوراً بشعة فى طرق تعامل الجيران مع جيرانهم فقد تجد الجار يخرج صباحاً يضع القمامة أمام منزل جاره وقد تجد آخراً مهاجر جاره ويفعل ما يضايقه ليل نهار ، قد تجد من يسب جاره بل وربما تجد من الجيران من يتطاول على الآخر لأنه أُعطىَ من القوة أكثر من جاره وتجد الشجار باليد وألفاظاً لا تطيق الأذن سماعها ، وبالطبع فإن رأى الأولاد الآباء يتشاجرون ويتشاحنون وتربية الأولاد - غالباً – غير سليمة فإنك تجد الأبناء يتشاجرون ويضربون الضعيف ويجاورن القوى وتجد وتجد .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وسبب كل ذلك هو بعدنا عن قرآن ربنا ومنهج نبينا – صلى الله عليه وسلم – فأصبحنا نعيش تلك الحياة وهى جزاء كل أمة ابتعدت عن المنهج الصواب.
وإن كان هذا حال الجيران فلا شك أن هذا يؤثر سلباً على المجتمع المسلم المتفكك .. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
..
http://img379.imageshack.us/img379/319/bbar1114uj9th.gif
وحسن معاملة الجيران غير المسلمين قد يكون سببا لدخولهم فى الإسلام فكم من أناس أسلموا بسبب حسن خلق المسلمين معهم فى تعاملاتهم ، فلِمَا تُضِيع هذا الأجر العظيم ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول :"لأن يهدى الله بك رجلا واحداً خير لك من حمر النعم".
يقول الله تعالى : "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً"
فذكر الله الجار ذى القربى والجار الجُنُب والصاحب بالجنْب وهذا يدل على أنه أمر جليل ذكره الله فى العبادات وهى مما تقربنا إلى الله عز وجل.
والآن لنأخذ بعض الأحاديث التى قالها رسولنا – صلى الله عليه وسلم - .
فعن ابن عمر وعائشة – رضى الله عنهما – قالا : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :"ما زال جبريل يوصينى بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" متفق عليه.
فلنا أن نتخيل كم مرة وصى جبريل نبينا – صلى الله عليه وسلم – حتى قال – عليه الصلاة والسلام - :"حتى ظننت أنه سيورثه".
وعن أبى هريرة – رضى الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :"يا أبا ذر ، إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك"رواه مسلم.
انظر إلى التربية الإسلامية السليمة القويمة ، إذا أنت – مثلا – طبخت لحماً فبدلاً من وضع كأس واحد ، لما لا يكونا كأسان؟ليكون للجار نصيب؟
وفى رواية له عن أبى ذر قال : "إن خليلى – صلى الله عليه وسلم – أوصانى إذا طبخت مرقاً فأُكثر ماءه ، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف"
وعن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن النبى – صلى الله عليه وسلم – قال :"والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن .. قيل : من يا رسول الله؟ قال : الذى لا يأمن جاره بوائقه" متفق عليه.
وفى رواية لمسلم :"لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه"
فلا تكن مصدر للإزعاج والفزع لجارك حتى لا تُنفى عنك صفة الإيمان.
وعنه – رضى الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :"يا نساء المسلمات لا تحقرن الجارة لجارتها ولا فرسن شاه" متفق عليه.
وغيرها من الأحاديث التى تحث المرء على التعامل الحسن بالخلق الجلى مع الجيران.
ويروى أنه كان لسعيد بن العاص جار فقير ، واشتد على هذا الرجل الحال وأصبح محتاجاً للمال ، فقرر أن يبيع بيته ، فجاءه الناس ليشترون البيت منه وقالوا بمائة ألف دينار لكنه لم يوافق وقال بمائتى ألف دينار ، قالوا : كيف؟ البيت يساوى مائة ألف دينار فقط ، قال : مائة ألف للدار ومائة ألف لسعيد بن العاص.
فقد كان يزوره إذا مرض ويتفقده ويعلمه الدين ويحجب عنه المضايقات ويربى أولاده وأخذ يعدد فضائل سعيد بن العاص عليه.
فلما قيل لسعيد ذلك أعطاه المائة ألف .. وهكذا كان يجب أن يكون الجار.
ويروى أيضا أن أبا أسود الدؤلى كان لديه جيران سوء وكانوا يرجمونه بالحجارة وهو فى بيته فيقول : كفوا عنا حجاركم ، فقال : لو رجمنى الله لأصابنى ، أنتم ترجمونى وتخطئونى .
فلما باع البيت ، قيل له : بعت الدار؟ قال : لا ، بل بعت الجار.
http://img379.imageshack.us/img379/319/bbar1114uj9th.gif
كفانا كلاماً وهيا للعمل
دعونا نرى بعض الواجبات العملية التى يجب أن تتواجد فى تعملاتنا مع جيراننا
1 –إن كان الجار جديدا فتعرف عليه : تستطيع مثلا أن تزوره وأن تقدم له الهدايا أو بعض الأشياء الخفيفة التى لا تتكلف كثيرا كنوع من أنواع الترحيب كما قال – صلى الله عليه وسلم - :"تهادوا تحابوا" فهذا يشعره بالأهمية التى أعطيتها إياه ويحببه فيك.
2 – أن تبدأه بالسلام إذا خرج ودخل : إذا كنت جالساً فى مكان ما ووجدته يمر من أمامك قم وصافحه واسأل عن حاله وهذا ما يزيد المحبة بيننا.
كما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - :"لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابُّوا ، أولا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم؟ قالوا : بلى يا رسول الله ،قال : أفشوا السلام بينكم".
3 – أن يشاركه أفراحه وأحزانه : إن كان لديه عرس لأحد أولاده لما لا تذهب وتبارك له؟ وإذا كان الزفاف لا يحتوى على مخالفات شرعية فتستطيع أن تذهب وتهنئه وعلى الجانب الآخر فإن كان عنده أحد قد مات فاذهب إليه وقدم له العزاء وهذه الأشياء توطد العلاقة بينك وبين جارك.
4 – إذا مات أن تشيع جنازته : ففيه مثلا زيادة فى عدد المصلين.
5 – أن تنصح له : إذا رأيته يقوم بفعل خاطئ حاول أن تنصح له بأسلوب جميل ليس فيه مضايقة وألا تشعره بأنه جاهل فالنصح الجميل يحببه فيك.
6 – بالنسبة للنساء تستطعن أن تقدمن لبعضكن الوجبات الخفيفة : تستطيع المرأة أن تقدم لجارتها طبقاً من الحلوى أو بعض ثمار الفاكهة.
7 – ألا يتجسس عليه : فلا تحاول أن تمسك له كل كبيرة وصغيرة وأطع أمر الله كما قال : "وَلَا تَجَسَّسُوا"
8 – لا تغتابه : وهذا الأمر ليس للجار فقط فلا تغتاب أحداً فقد قال الله فى كتابه العزيز :"وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوه"
9 – لا تنمه : فلا تكون سببا فى هجر أو مخاصمة بينه وبين أحد.
10 – أن تحفظ حرماته : كما تحب أن تُحفظ حرماتك.
11 – لا تزعجه : لا تكون سبباً لمضايقته فمثلا لا ترفع صوت التلفاز أو صوت السماعات فى البيت حتى لا يكون سببا لانزعاجه.
12 – أن تعده إن كان مريضا : اذهب إليه واسأل عنه وقدم له هدية وإن كان يحتاج إلى مساعدة فساعده وادع الله له بالشفاء.
13 – لا تلقى القمامة أمام بيته : فلا تأتى أمام بابه وتلقى القاذورات فهذا – كما تعرفون – يتسبب فى ضياع الكثير من العلاقات فى المجتمع ويجعله متفككا متخلفاً.
14 – أن تقف بجواره إن كان فى عسر : ساعده وخفف عنه إن كان مثلا يحتاج إلى مالِ وكنت تستطيع أن تعطيه شيئاً من مالك فأعطه واحتسب الأجر عند الله ، ولا تعجل عليه بسداد الدين.
وكما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم - :"ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة" أو كما قال.
15 – الكلمة الطيبة صدقة : كما قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – فبادره بالكلمة الطيبة ولا تسب ولا تخرج من فمك ألفاظا بذيئة تؤذى جيرانك بل اجعل لسانك طاهرا من كل هذه البذائات.
16 – تبسمك فى وجه أخيك صدقة : فقابله بالبسمة التى تدخل فى قلبه السرور ولا تقابله بوجه غاضب فلا يحتملك فى آن.
17 – تعينه فى أحماله : إن كان رجلاً عجوزاً ورأيته يحمل ثقيلاً فساعده واذهب بما أتى به إلى باب شقته ، عندها سيحبك أكثر وأكثر ولن يبخل عنك بمساعدة وتذكر قول الرسول – صلى الله عليه وسلم - :"وتعين الرجل فى دابته فتحمله عليها أو تحمل له عليها متاعه صدقة"
18 – أبواب الخير : إن كنت ستذهب لتحضر خطبة أو درساً لشيخاً من شيوخنا الأجلاء فلما لا تخبره فقد يأتى معك ويسمع الدرس ويكون هذا فى ميزان حسناتك بإذن الله.
19 – إن كان لا يصلى فحاول أن تاخذه معك إلى المسجد فربما تكون سبباً لهدايته.
20 – نبهه عن مواعيد البرامج الدينية فى التلفاز ، وكل هذه أبواب من أبواب الخير.
وهنالك الكثير الكثير من الأعمال الصالحة التى تستطيع أن تقوم بها مع جارك لكن الفرصة سنحت لى لأن أكتب عشرين بنداً لذلك وكل واحد منا يستطيع أن يخرج من كيسه أعمال كثيرة أخرى ويكون ذلك بإذن الله تعالى سببا فى إصلاح المجتمع المسلم.
أسأل الله لنا ولكم العافية.
فهيا يا أخى شمر عن ساعد الجد وابدأ جارك لعله يكون سببا فى رضا الرب ونحن فى هذه الدنيا التى لا تساوى عند الله جناح بعوضة نعمل للآخرة.
وهذه الدنيا محاطة بالزينة ، إنما هى شيئا غير ذلك تماما فلا تخدعك زينتها المزينة واعمل لآخرتك وكن سببا للود والمحبة بينك وبين جيرانك وبين جيرانك وبعضهم البعض وسيأجرك الله على ذلك بإذنه تعالى.
أخى الكريم .. أختى الكريمة
بعد أن رأيتم هذا الخير الكثير فى الإحسان للجار ، هل ستؤذيه بعد اليوم ؟ أعتقد أن جوابكم سيكون : لا بالطبع ، فأنتم لا ترضون أن تغضبوا الله ورسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم – ولا تنسوا أنكم إذا لم تستطيعوا أن تفعلوا كل هذه الأشياء فلا تقطعوا الحبل بل افعلوا ما فى وسعكم ولا تنسوا أيها الأحبة الكرام أن الأساس فى كل هذا هو النية ، فأنتم تفعلون ذلك ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى وليس لمصالح دنيوية أو من أجل مدح من الناس . اللهم ارزقنا الإخلاص.
ويمكن أن تكون هذه المعاملة الحسنة سببا فى إصلاح جارك ، وإن كان غير مسلم فلا تعالمه معاملة سيئة بل اجعل كل تصرفاتك حسنة كى يعرف حقيقة الإسلام (حفظه الله من كيد الأعداء) وتخيل معى إذا أسلم هذا الرجل .. يا الله .. كم من الحسنات ستأخذها أنت بسبب جار لك أسلم بإذن الله ، وسيكون كل عمل صالح فى ميزان حسناتك إن أخلصت النية لله تبارك وتعالى. وكن للجار غير المسلم نموذجاً لمسلم يُحتذى به فى تعاملاته وأخلاقه وإخلاصه لإسلامه.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن ينفعنا بما علمنا ، وسامحونى إن كان هناك تقصير أو نسيان ، وأعوذ بالله أن أكون جسرا تعبرون به إلى الجنة ويلقى به فى جهنم ثم أعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
وصلى الله وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجميعن
نسألكم الدعاء بالهداية والصلاح
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://img379.imageshack.us/img379/319/bbar1114uj9th.gif