أزهار الخريف
12-09-2010, 01:24 PM
بدأ حلماً .. يراودها ، منذ تسع سنوات . وقتها .. كانت في الصف الثالث الابتدائي ، حين صارحت أمها ، بأمنية ( بريئة ) كأحلام الطفولة ، بعد موقف مرّ بهما . موقف ظل يتكرر كثيراً ، في أعوام تالية ، كلما أخذ والدها والدتها إلى المستشفى ، للكشف عليها .. حين تمر بعارض صحي . تسمع توسلات أمها عميقة ولحوحة ، وهي تتمنّع في بعض المرّات ، عن الذهاب إلى المستشفى ، رغم وضعها الصحي السيء ، ثم توافق على مضض :
- أرجوك يا ناصر ، إذا كان دكتور ، لا أريده أن يكشف علي ..!
في كل مرّة ، كان زوجها يرد بحزم :
- ليس عندنا حل ثانِ يا مها ، إذا لم يكن هناك دكتورة ..
- لا .. أرجوك يا أبا أحمد .. أموت ، ولا يكشف عليّ رجل .
سنوات تمضي ، ومشهد يتكرر . في إحدى المرّات .. تتذكر أن والديها ، عادا من المستشفى ، بكيس من الأدوية . أبوها كان هادئاً ، لكن والدتها بدت بحالة نفسية متردّية ، أسوأ من تلك التي ذهبت بها . سمعت والدها يتحدث .. يطمئنها ، ويؤكد بأن حالتها عادية ، ولا تستدعي القلق ، وأقسم على ذلك عدة مرّات .. وأن الطبيب أخبره بذلك . ثم ختم حديثه قائلاً :
- وكان كذلك ، مؤدباً جداً .. وهو يكشف عليك . أليس هذا هو المطلوب ؟
أفرغ كيس الأدوية على طـــاولة صغيرة ، في وسط غرفة النوم ، وأخذ يستعرض تعليمات الاستعمال ، الملصقة عليها :
- كل شيء واضح .. أهم شيء الالتزام بالمواعيد .
نظر إلى ساعته وقال :
- سأخرج للصلاة الآن ، ولدي موعد بعدها ، استريحي .. عائشة ستساعدك .
نادى على ابنته ، وقال ممازحاً :
- أكيد تعرفين .. تقرأين ..؟
هزت رأسها ..
- شوفي التعليمات المكتوبة على الأدوية ، وأعطيها ماما .
جثت على ركبتيها قريباً من الطاولة ، ثم التقطت منديلاً ورقياً ، وفرشته في إحدى زواياها . شرعت تقرأ الإرشادات ، المرفقة مع كل علبة دواء ، ثم تفتحها ، وتأخذ منها ، حسب ما هو مبين في ملصق التعليمات ، وتضعه على المنديل ، حتى مرّت عليها كلها ، وأعادتها بعد ذلك إلى الكيس . أحضرت كأس ماء ، ثم جمعت الدواء في المنديل ، واتجهت إلى والدتها ، التي كانت قد استلقت على السرير ، ووضعت وسادة على وجهها :
- ماما .. الدواء ..
التفتت الأم ، بعد أن رفعت الوسادة عن وجهها ، ونظرت إليها بعينين مبللتين . مدت يدها إليها لتأخذ الدواء ، وبقايا ألم ما زالت في العينين .. تحاول أن تواريها :
- تسلمين حبيبتي ..
- أمي .. بابا يقول ، أنت طيبة ، وما فيه شيء خطير ، ليه أنت متضايقة ؟
- ما فيه شيء حبيبتي ..
- أجل ليه تبكين يا ماما .. أنت متضايقة من المستشفى ..؟
أغلقت كفها على الدواء ، ثم أغمضت عينيها وأطرقت . كانت تحبس وجعاً غير عادي ، وتتمنى لو تجد من تبوح له به . في خاطرها أن البنت صغيرة ، ولا تستوعب حديثاً عن أحوال النساء .. بهذا المستوى . كيف تفصح لها ، عن خجلها الشديد ، من كشف الطبيب عليها ؟
عندما رفعت رأسها ، كانت ابنتها لاتزال واقفة ، ممسكة كأس الماء بيدها ، وعلامات الاستفهام ، قد استولت على كـامل وجهها . أخذت كأس الماء منها ، وتـناولت كومة حبوب الدواء من المنديل ، وجمعتها في كفها ، ثم قذفتها في فمها ، وأتبعتها بجرعة ماء . وضعت الكأس بجانبها ، ولم تشأ أن تنظر في وجهها ، حتى لا تشعر بحرج من تهربها من الإجابة . أحست بها تتقدم نحوها .. ثم تقف ، وتطوق عنقها بكـــفين ، وساعدين ممدودين . رفعت رأسها ، ولما التقت نظراتهما .. فاجأتها بما لم تتوقع :
- ماما .. لمّا أكبر ، أصير دكتورة وأكشف عليك .
صرخت وضمتها :
- يا عمري يا ( عيّوش ) .. حاسة فيني ..!
انـزاح عن صـدرها هم ثـقيل ، فانفرجت أساريرها . كـانت تريد البوح ، أن تتـحدث إلى ( أحد ) . لم تظن أن عائشة الصغيرة ، قادرة على إدراك ما يعتمل في داخلها . أجلستها إلى جانبها على طرف السرير ، وانطلقت تحدثها عن حيائها من الرجال ، وشعورها بالإثم ، لاطلاع الطبيب على أجزاء من جسدها :
- أستحي يا بنيّتي ، وأحس أني أموت مئة مرّة ، قبل ما يخلص الدكتور من الكشف .
لم تعلق عائشة ، وإنما استمرت تتأمل أمها ، وتمسح وجنتيها بكفّيها .. وتكرر بين آن وآخر جملتها : " أكبر وأصير دكتورة ، وما يكشف عليك إلا أنا " . تبتسم الأم وتضمها ، لكنها لا تخفي عدم رغبتها في أن تصبح عائشة طبيبة :
- اسم الله عليك يا حبيبتي .. أخاف عليك..!
كبرت عائشة ، وبقي الحلم يكبر ، في كل مرّة يتكرر الموقف ، حينما تضطر أمها للذهاب إلى الطبيب .. وكثيراً ما حدث ذلك . حلم طفلة التاسعة ، بقي خواطر عفوية ساذجة ، تروح وتجيء ، إلى أن كان قدره أن يتعرض لصدمة ، حوّلته إلى هدف ، غير قابل للمساومة .. لفتاة أصبحت أكثر نضجاً ، وتقترب من سن الزواج ، وصارت تعرف من أمور النساء الشيء الكثير .
في مجتمع ينشئ نساءه ، على الحشمة والحياء ، وتنظر المرأة لذلك ، على أنه مقياس لقيمتها ، وسور يمنع التعدي عليها .. لم يكن صعباً أن تفهم ، لماذا تعاني أمها ، كل هذه المعاناة ، في كل زيارة لها .. للطبيب . إنها .. بمفهوم آخر ثقافي ، غـير معـلن ، تعتبر اطلاع الطبيب الرجل ، على خصوصية جسدها انتهاكاً لمحرم ، واختراقاً لحصونها ، التي تستمد منها ، واحدة من أهم قيمها المعنوية . في مقابل القيمة الحسية ، التي تَعْمَد إلى ( تَشْيِيء ) المـرأة ، والنظر إليها ، بوصفها شـيئاً ( متاحاً ) ، باعثاً للّذة .. ومن ثم ابتذالها جنسياً ، يعلي الحياء والحرص على خصوصية الجسد .. من القيمة المعنوية للمرأة ، بوصفها كـينونة بعقل .. ومنظومة قيم . صحيح أن حالة والدتها ، لا تتكرر كثيراً ، لكنها تستند إلى بيئة تربوية وثقافية .. تتفاوت النساء في تمثّلها .
كانت شابة في السابعة عشرة .. طالبة في الصف الثاني الثانوي ، حينما رافقت أمها الحامل ، برفقة والدها إلى المستشفى .. في رحلة أحدثت تحولاً عميقاً في مجرى حياتها :
- أمك تحتاج إلى مساعدة يا عائشة .. تعالي معنا . أصلّي المغرب ونمشي .. كونوا جاهزين ..
حين وصلوا المستشفى ، توجهوا لقسم الطوارئ . قصد موظف الاستقبال ، وقال إن زوجته حامل ، وتشكو من آلام شديدة ، رغم أن موعد وضعها لم يحن بعد :
- لديها ملف ..؟
- نعم ..
ثم مد يده إلى جيبه ، وأخرج بطاقة بلاستيكية ..
كانت على كـرسي متحرك . أشار إليه ، وهو يمد البطاقة .. إلى ممرضة على يمينه ، بأن يدفعها باتجاه مكتب ، يتجمع حوله عدد من الممرضات . أخذت الممرضة التي تحدث إليها البطاقة، التي كانت تحمل اسمها ، ورقم الملف ، ومعلومات عامة عن المريض . شرعت تملأ البيانات ، في ورقة تناولتها من ملف أمامها ، وتملي في الوقـت نفسه ، عبر الهاتف ، الذي رفعته بكتفها ، وألصقته بأذنها .. معــلومات الملف ، على شخص آخر تحادثه . أثناء ذلك ، كانت الممرضات الأخريات قد وضعنها على سرير ، في إحـدى غرف الطوارئ ، وبدأن بأعمال الفحص الأوّلي . أبـو أحمد .. زوجها ، كان متوتراً ، على غير عادته ، فبادر الممرضة :
- هاه .. يا ( سستر ) ، إن شاء الله خير ..؟
- إن شاء الله .. " ممكن فيه ولادة ، بس لازم دكتور يشوف أول " .
عائشة كانت إلى جوار أمها ، حـين لاحظت أنها انتفضت ، بمجرّد سماعها كلمة ( دكتور ) . بعفوية لا تخلو من توتر ، سحبت الأم الغطاء على بطنها المكشوف ، رغم أنه لم يكن موجوداً ، إلا زوجها وابنتها والممرضة ، التي تقيس ضغطها ، ودرجة حرارتها .. ولم تكن قد انتهت بعد ، من استكمال إجراءات الكشف . لما أرادت الممرضة أن تزيح الغطاء ، لتضع السماعة على بطنها ، أبعدت يدها ، واجترّت نفساً عميقاً .. وقالت :
- أرجوك يا ( سستر ) ، إذا خلصتِ .. أبغى دكتورة تكشف علي .
لم ترد الممرضة ، وإنما واصلت إجراءات الفحص ، وطرح الأسئلة التقليدية ، عن تاريخها المرضي ، وإذا ما كان لديها حساسية ، تجاه دواء معين . تجاهل الممرضة لطلبها ، زادها إحباطاً ، ورفع وتيرة قلقها .. فنظرت إلى زوجها بعينين منهكتين ، أثقلهما الإحراج ، والشعور بالعناء الذي تسببه له .. فعجزت عن فتحهما بكامل استدارتهما .. وقالت :
- أسألك بالله .. يا أبو أحمد ، فكّني من وجع القلب هذا ..!
أغضى .. وتنهد بصوت مكتوم ، ولم يعلّق . وقف للحظة .. ثم شد على يدها ، قبل أن يذهب . خرج من عندها ، وصار يتلفّت بحثاً عن أحد يسأله . شاهد شاباً يرتدي معطفاً أخضر ، يناقش إحدى الممرضات في ورقة يحملها . اقترب منه ، وأخبره بحاجة زوجته لعناية عاجلة . لم ... يتبع
اريد تفاعلكم
- أرجوك يا ناصر ، إذا كان دكتور ، لا أريده أن يكشف علي ..!
في كل مرّة ، كان زوجها يرد بحزم :
- ليس عندنا حل ثانِ يا مها ، إذا لم يكن هناك دكتورة ..
- لا .. أرجوك يا أبا أحمد .. أموت ، ولا يكشف عليّ رجل .
سنوات تمضي ، ومشهد يتكرر . في إحدى المرّات .. تتذكر أن والديها ، عادا من المستشفى ، بكيس من الأدوية . أبوها كان هادئاً ، لكن والدتها بدت بحالة نفسية متردّية ، أسوأ من تلك التي ذهبت بها . سمعت والدها يتحدث .. يطمئنها ، ويؤكد بأن حالتها عادية ، ولا تستدعي القلق ، وأقسم على ذلك عدة مرّات .. وأن الطبيب أخبره بذلك . ثم ختم حديثه قائلاً :
- وكان كذلك ، مؤدباً جداً .. وهو يكشف عليك . أليس هذا هو المطلوب ؟
أفرغ كيس الأدوية على طـــاولة صغيرة ، في وسط غرفة النوم ، وأخذ يستعرض تعليمات الاستعمال ، الملصقة عليها :
- كل شيء واضح .. أهم شيء الالتزام بالمواعيد .
نظر إلى ساعته وقال :
- سأخرج للصلاة الآن ، ولدي موعد بعدها ، استريحي .. عائشة ستساعدك .
نادى على ابنته ، وقال ممازحاً :
- أكيد تعرفين .. تقرأين ..؟
هزت رأسها ..
- شوفي التعليمات المكتوبة على الأدوية ، وأعطيها ماما .
جثت على ركبتيها قريباً من الطاولة ، ثم التقطت منديلاً ورقياً ، وفرشته في إحدى زواياها . شرعت تقرأ الإرشادات ، المرفقة مع كل علبة دواء ، ثم تفتحها ، وتأخذ منها ، حسب ما هو مبين في ملصق التعليمات ، وتضعه على المنديل ، حتى مرّت عليها كلها ، وأعادتها بعد ذلك إلى الكيس . أحضرت كأس ماء ، ثم جمعت الدواء في المنديل ، واتجهت إلى والدتها ، التي كانت قد استلقت على السرير ، ووضعت وسادة على وجهها :
- ماما .. الدواء ..
التفتت الأم ، بعد أن رفعت الوسادة عن وجهها ، ونظرت إليها بعينين مبللتين . مدت يدها إليها لتأخذ الدواء ، وبقايا ألم ما زالت في العينين .. تحاول أن تواريها :
- تسلمين حبيبتي ..
- أمي .. بابا يقول ، أنت طيبة ، وما فيه شيء خطير ، ليه أنت متضايقة ؟
- ما فيه شيء حبيبتي ..
- أجل ليه تبكين يا ماما .. أنت متضايقة من المستشفى ..؟
أغلقت كفها على الدواء ، ثم أغمضت عينيها وأطرقت . كانت تحبس وجعاً غير عادي ، وتتمنى لو تجد من تبوح له به . في خاطرها أن البنت صغيرة ، ولا تستوعب حديثاً عن أحوال النساء .. بهذا المستوى . كيف تفصح لها ، عن خجلها الشديد ، من كشف الطبيب عليها ؟
عندما رفعت رأسها ، كانت ابنتها لاتزال واقفة ، ممسكة كأس الماء بيدها ، وعلامات الاستفهام ، قد استولت على كـامل وجهها . أخذت كأس الماء منها ، وتـناولت كومة حبوب الدواء من المنديل ، وجمعتها في كفها ، ثم قذفتها في فمها ، وأتبعتها بجرعة ماء . وضعت الكأس بجانبها ، ولم تشأ أن تنظر في وجهها ، حتى لا تشعر بحرج من تهربها من الإجابة . أحست بها تتقدم نحوها .. ثم تقف ، وتطوق عنقها بكـــفين ، وساعدين ممدودين . رفعت رأسها ، ولما التقت نظراتهما .. فاجأتها بما لم تتوقع :
- ماما .. لمّا أكبر ، أصير دكتورة وأكشف عليك .
صرخت وضمتها :
- يا عمري يا ( عيّوش ) .. حاسة فيني ..!
انـزاح عن صـدرها هم ثـقيل ، فانفرجت أساريرها . كـانت تريد البوح ، أن تتـحدث إلى ( أحد ) . لم تظن أن عائشة الصغيرة ، قادرة على إدراك ما يعتمل في داخلها . أجلستها إلى جانبها على طرف السرير ، وانطلقت تحدثها عن حيائها من الرجال ، وشعورها بالإثم ، لاطلاع الطبيب على أجزاء من جسدها :
- أستحي يا بنيّتي ، وأحس أني أموت مئة مرّة ، قبل ما يخلص الدكتور من الكشف .
لم تعلق عائشة ، وإنما استمرت تتأمل أمها ، وتمسح وجنتيها بكفّيها .. وتكرر بين آن وآخر جملتها : " أكبر وأصير دكتورة ، وما يكشف عليك إلا أنا " . تبتسم الأم وتضمها ، لكنها لا تخفي عدم رغبتها في أن تصبح عائشة طبيبة :
- اسم الله عليك يا حبيبتي .. أخاف عليك..!
كبرت عائشة ، وبقي الحلم يكبر ، في كل مرّة يتكرر الموقف ، حينما تضطر أمها للذهاب إلى الطبيب .. وكثيراً ما حدث ذلك . حلم طفلة التاسعة ، بقي خواطر عفوية ساذجة ، تروح وتجيء ، إلى أن كان قدره أن يتعرض لصدمة ، حوّلته إلى هدف ، غير قابل للمساومة .. لفتاة أصبحت أكثر نضجاً ، وتقترب من سن الزواج ، وصارت تعرف من أمور النساء الشيء الكثير .
في مجتمع ينشئ نساءه ، على الحشمة والحياء ، وتنظر المرأة لذلك ، على أنه مقياس لقيمتها ، وسور يمنع التعدي عليها .. لم يكن صعباً أن تفهم ، لماذا تعاني أمها ، كل هذه المعاناة ، في كل زيارة لها .. للطبيب . إنها .. بمفهوم آخر ثقافي ، غـير معـلن ، تعتبر اطلاع الطبيب الرجل ، على خصوصية جسدها انتهاكاً لمحرم ، واختراقاً لحصونها ، التي تستمد منها ، واحدة من أهم قيمها المعنوية . في مقابل القيمة الحسية ، التي تَعْمَد إلى ( تَشْيِيء ) المـرأة ، والنظر إليها ، بوصفها شـيئاً ( متاحاً ) ، باعثاً للّذة .. ومن ثم ابتذالها جنسياً ، يعلي الحياء والحرص على خصوصية الجسد .. من القيمة المعنوية للمرأة ، بوصفها كـينونة بعقل .. ومنظومة قيم . صحيح أن حالة والدتها ، لا تتكرر كثيراً ، لكنها تستند إلى بيئة تربوية وثقافية .. تتفاوت النساء في تمثّلها .
كانت شابة في السابعة عشرة .. طالبة في الصف الثاني الثانوي ، حينما رافقت أمها الحامل ، برفقة والدها إلى المستشفى .. في رحلة أحدثت تحولاً عميقاً في مجرى حياتها :
- أمك تحتاج إلى مساعدة يا عائشة .. تعالي معنا . أصلّي المغرب ونمشي .. كونوا جاهزين ..
حين وصلوا المستشفى ، توجهوا لقسم الطوارئ . قصد موظف الاستقبال ، وقال إن زوجته حامل ، وتشكو من آلام شديدة ، رغم أن موعد وضعها لم يحن بعد :
- لديها ملف ..؟
- نعم ..
ثم مد يده إلى جيبه ، وأخرج بطاقة بلاستيكية ..
كانت على كـرسي متحرك . أشار إليه ، وهو يمد البطاقة .. إلى ممرضة على يمينه ، بأن يدفعها باتجاه مكتب ، يتجمع حوله عدد من الممرضات . أخذت الممرضة التي تحدث إليها البطاقة، التي كانت تحمل اسمها ، ورقم الملف ، ومعلومات عامة عن المريض . شرعت تملأ البيانات ، في ورقة تناولتها من ملف أمامها ، وتملي في الوقـت نفسه ، عبر الهاتف ، الذي رفعته بكتفها ، وألصقته بأذنها .. معــلومات الملف ، على شخص آخر تحادثه . أثناء ذلك ، كانت الممرضات الأخريات قد وضعنها على سرير ، في إحـدى غرف الطوارئ ، وبدأن بأعمال الفحص الأوّلي . أبـو أحمد .. زوجها ، كان متوتراً ، على غير عادته ، فبادر الممرضة :
- هاه .. يا ( سستر ) ، إن شاء الله خير ..؟
- إن شاء الله .. " ممكن فيه ولادة ، بس لازم دكتور يشوف أول " .
عائشة كانت إلى جوار أمها ، حـين لاحظت أنها انتفضت ، بمجرّد سماعها كلمة ( دكتور ) . بعفوية لا تخلو من توتر ، سحبت الأم الغطاء على بطنها المكشوف ، رغم أنه لم يكن موجوداً ، إلا زوجها وابنتها والممرضة ، التي تقيس ضغطها ، ودرجة حرارتها .. ولم تكن قد انتهت بعد ، من استكمال إجراءات الكشف . لما أرادت الممرضة أن تزيح الغطاء ، لتضع السماعة على بطنها ، أبعدت يدها ، واجترّت نفساً عميقاً .. وقالت :
- أرجوك يا ( سستر ) ، إذا خلصتِ .. أبغى دكتورة تكشف علي .
لم ترد الممرضة ، وإنما واصلت إجراءات الفحص ، وطرح الأسئلة التقليدية ، عن تاريخها المرضي ، وإذا ما كان لديها حساسية ، تجاه دواء معين . تجاهل الممرضة لطلبها ، زادها إحباطاً ، ورفع وتيرة قلقها .. فنظرت إلى زوجها بعينين منهكتين ، أثقلهما الإحراج ، والشعور بالعناء الذي تسببه له .. فعجزت عن فتحهما بكامل استدارتهما .. وقالت :
- أسألك بالله .. يا أبو أحمد ، فكّني من وجع القلب هذا ..!
أغضى .. وتنهد بصوت مكتوم ، ولم يعلّق . وقف للحظة .. ثم شد على يدها ، قبل أن يذهب . خرج من عندها ، وصار يتلفّت بحثاً عن أحد يسأله . شاهد شاباً يرتدي معطفاً أخضر ، يناقش إحدى الممرضات في ورقة يحملها . اقترب منه ، وأخبره بحاجة زوجته لعناية عاجلة . لم ... يتبع
اريد تفاعلكم